على الطريق الأسفلتي البالي، الذي بدا وكأنه نُسج من ظل ورماد، سار الأربعة والخامس خلفهم. كان المشهد مزيجًا غريبًا من المألوف والمروع. الأشجار على جانبي الطريق كانت تتهدل في صمت موحش، ولم يكن هناك صوت سوى حفيف خطواتهم وصوت عجلات عربة التسوق المعدنية التي كان بابادوك يدفعها. لم يكن فيها بقايا أمتعة، بل كان بداخلها فيرتشايلد، الروائي السمين، الذي كان يتنفس بصعوبة ممزوجة بأنين مكتوم.

كان بليك إيثر يتقدمهم بخطوات حذرة، عيناه الزمرّدية، التي تحتوي على الجوهرة الخضراء، تجوب الأفق بحثًا عن أي حركة غير طبيعية. كانت يديه قابضتين على مقبض سيفه، الذي لم يغب عن حزامه منذ غرق شنغهاي في الفوضى. كان التوتر ينسج وشاحًا ثقيلاً حول المجموعة.

"هل أنت متأكد من أن هذا الاتجاه صحيح، يا فيرتشايلد؟" سأل بليك بصوت عميق وهادئ، يخترق الصمت كسكين حاد. "لا تبدو لي هذه 'البلدة شبه المهجورة' كمكان مناسب لإخفاء آلة كتابة يمكنها أن تخلق أكوانًا."

تنهد فيرتشايلد بجهد، هز عربة التسوق بعنف. "اسمع يا بليك، أعصابك متوترة كوتر كمان، وهل تظن أنني سعيد بذلك؟ أنا رجل أدب، رجل يعشق الكنبة المريحة والجبن المالح! البلدة ليست مهجورة، بل 'مُخَلّى عنها جزئيًا'. وهذا المبنى القديم للمدرسة الثانوية... هو مكان مثالي. إنه ضخم بما يكفي، وممل بما يكفي، وبعيد بما يكفي عن الجنود ومُطلقي الستاند، ولا أحد سيبحث عن آلة الكتابة تحت أوراق الامتحانات القديمة. إنها سخرية القدر، وهذا ما أحبه."

"السخرية قد تكلفنا حياتنا جميعًا، أيها السيد." تمتم بابادوك، يده ذات الجلد الرمادي الداكن تستند على مقبض مظلته السوداء اللامعة. "كل هذا لكي تجد 'الإلهام' لتكتب قصة تختم بها وحوشك؟ ألا يمكنك كتابة 'النهاية' في أي مكان؟"

"لا يا دووك، لا يمكنك!" صرخ فيرتشايلد بعصبية، محاولاً الجلوس باستقامة ففشل. "الأمر ليس مجرد كتابة جملة. إنها 'الرواية الأخيرة'، القفص الروحي الذي سيحتجز كل تلك الكوابيس التي أطلقتها. يجب أن يكون العمل الفني الأعظم لي! يجب أن يولد في صمت، تحت سماء باردة، بعيدًا عن رائحة الدم والكيمياء. صدقني، أنا أعرف متى تكون القصة جاهزة."

كان ماركو، كائن عرق الريف ذو القرون الفضية، يسير بجوار بليك. كان يرتدي ملابسه الفضائية الممزقة ويحمل بندقيته الفضائية القصيرة. كان صمته أثقل من صمت بليك، وعيناه الصفراوتان المسحوبتان لا ترمشان إلا نادرًا.

"الـ(ريف) لا يفهمون التعقيدات البشرية، فيرتشايلد،" قال ماركو بصوت عميق وخشن، فيه نبرة فضائية غريبة. "لكنني أفهم الحاجة إلى المأوى. جسمك ينهار. أنت تخفض سرعة المجموعة. المسافة إلى المدرسة الثانوية تبدو أطول من أن يقطعها جسدك بهذه الحالة. علينا أن نرتاح."

كان ماركو محقًا. وجه فيرتشايلد كان أحمر قانياً، والعرق يبلل ياقته. على الرغم من برودة الجو، كان التعب الجسدي ينهش طاقته.

قط الكذب، الكائن الأزرق الأملس بدون فرو ذو الطوق الذهبي، كان يمشي بخطوات أنيقة على حافة الرصيف. في كل مرة ينطق فيها فيرتشايلد أو بابادوك بادعاء مبالغ فيه، كان القط يهز ذيله ويقول بهدوء: "كذب."

"حسنًا، حسنًا، أنا موافق،" قال بليك، يتوقف فجأة. "نحن بحاجة إلى استراحة قبل الوصول. على الأقل للتزود بالماء. هذا النوع من التعب يجعلك عرضة للوقوع في أفخاخ أعدائنا."

كانت البلدة المهجورة تلوح في الأفق. لم تكن مهجورة بالكامل، فبعض الأبواب كانت موصدة بإحكام، وعلامات على هروب سريع كانت منتشرة: ألعاب أطفال ملقاة، و صحف مبللة، و سيارات متوقفة بشكل عشوائي.

"انظروا،" أشار بابادوك نحو مبنى منخفض، كانت واجهته زجاجية عريضة. "إنه سوبر ماركت. يبدو أن الباب الزجاجي مخلوع من مفصلاته جزئيًا. فرصة جيدة للتزود بالسوائل والسعرات الحرارية."

دخلت المجموعة السوبر ماركت بحذر. كان الضوء الخافت يتسرب من النوافذ المكسورة، ليكشف عن فوضى منظمة. كانت الرفوف لا تزال قائمة، لكن معظمها كان فارغًا، باستثناء بعض علب الفول المعلب والرقائق المفتوحة.

تخلى بابادوك عن عربة التسوق، ودفع فيرتشايلد برفق نحو صف المشروبات الباردة.

"كن حذرًا،" حذر ماركو، يوجه فوهة بندقيته الصغيرة بحذر. "هذا المكان 'جيد جدًا'. الصمت هنا ليس طبيعيًا. لم يتم تفكيكه بشكل كامل."

"أصواتنا هي التي جلبته،" قال فيرتشايلد وهو يفتح علبة عصير أناناس مثلج. ارتشفت شفتيه من السائل البارد براحة واضحة. "الجشع يجلب الكائنات، يا ماركو. الكائنات التي تتغذى على الأمل المتبقي في الأماكن الهادئة."

"توقف عن الحديث كأنك تكتب رواية رعب الآن،" قال بليك، يفتح عبوة ماء كبيرة. "فلنشرب بسرعة ونغادر. يجب أن نفترض أن المنطقة مراقبة."

جلس فيرتشايلد على صندوق خشبي مكسور، يلهث ويشرب العصير. "أوه، أرجوك، يا بليك. لنسترخِ قليلاً. لنأخذ نفسًا. ألا تشتاق للحظات كهذه؟ لحظات تافهة، حيث تشعر بالماء البارد ينزلق في حلقك؟ هذه هي الحياة التي نقاتل من أجلها، أليس كذلك؟"

"كذب،" نطق القط الأزرق بهدوء، يجلس على رف فارغ.

تجاهله فيرتشايلد. "أنا أعتذر، دووك. أنا متعب حقًا. أنا أقدر دفعك لي. ربما لو لم أكن روائيًا، لكنت رياضيًا قويًا الآن."

"كذب،" رد القط فوراً.

ضحك بابادوك ضحكة قصيرة مريرة. "أنت لا تكذب أبدًا، أيها القط، وهذا أمر مرهق."

سحب بليك سكينًا من حزامه وبدأ يقطع شريطًا من اللحم المجفف كان قد وجده في ركن الرف. "استمعوا. من اللحظة التي دخلنا فيها هذا المكان، شعرنا بـ 'العين' تحدق بنا. ربما هي ليست كاميرات، بل قوة سحرية. يجب أن نكون مستعدين لأي شيء قد يخرج من بين هذه الرفوف."

"وماذا يمكن أن يخرج؟" سأل فيرتشايلد، يمسح عصير الأناناس من ذقنه. "المتبقي هنا هو علب فول، وحفاضات، وبضعة كتب مطبوعة ذات جودة رديئة. هل تظن أن هناك زومبيًا بين حفاضات الأطفال؟"

وفي تلك اللحظة بالذات، من خلف صف طويل من علب الفول المعلب، انكسرت الحقيقة.

جاء الهجوم بلا مقدمات، وبصوت ضخم أشبه بانفجار قنبلة يدوية. تحطمت العلب المعدنية وتبعثرت في الهواء، بينما قفز كائن ضخم ومظلم إلى منتصف الممر.

كان مخلوقًا هائلاً، جلده مغطى بفرو داكن خشن وعيناه تشتعلان بغضب أصفر. كان مستذئبًا كاملاً، بفكين مروعين وأظافر تشبه الخناجر. الغريب، والمهين، أنه كان يرتدي سروالًا قصيرًا رياضيًا ممزقًا بالكاد يغطي خصره.

"يا إلهي! حتى وحوش الرعب تتبع قواعد اللياقة في هذه البلدة!" صرخ فيرتشايلد، يسقط العصير ويحاول النهوض من الصندوق.

زأر المستذئب، وبدأ يتقدم بخطوات واسعة. لقد ركز هجومه على الهدف الأقرب والأكثر ضعفا: فيرتشايلد.

لم يمنحهم المستذئب فرصة للرد. لقد كان سريعًا جدًا. لكن بليك كان أسرع في رد فعله. دفع فيرتشايلد من فوق الصندوق وتراجع خطوتين، سيفه الفضي يلمع في الضوء الخافت.

"لا تطلق النار، ماركو! قد يحدث انفجار ثانوي!" صرخ بليك، يستعد للقتال. لقد كان يخطط لصد الهجوم، وشل حركة المستذئب بطاقة الصوت قبل أن يتدخل بابادوك.

لكن ماركو لم يستمع. بالنسبة لكائن الريف الذي قضى حياته في حروب فضائية، لم يكن المستذئب سوى هدف بيولوجي. كان لديه هدف واحد: حماية فيرتشايلد، الذي كان مفتاح بقاء قومه.

في جزء من الثانية، رفع ماركو بندقيته الفضائية الصغيرة، التي كانت تبدو كقطعة متطورة من التكنولوجيا معقدة التركيب. لقد كانت بندقية صغيرة في حجم المسدس، لكن فوهتها كانت تنبعث منها وميض أزرق بارد.

وقبل أن يرفع بليك سيفه، أو يتمكن بابادوك من فتح مظلته، أطلق ماركو طلقة واحدة مركزة.

لم تكن طلقة نارية عادية. لقد كانت نبضة طاقة فضائية باردة، ضربت المستذئب في كتفه الأيسر. لم تحدث جرحًا مفتوحًا أو دماء، بل أصابته بصدمة عصبية وحرارية هائلة.

توقف المستذئب في منتصف قفزته، وأطلق صرخة ليست من الألم، بل من المفاجأة المطلقة. سقط على الأرض بقوة، وأخذ يتقلب في مكانه، يتلوى محاولًا النهوض. كانت ساقه اليسرى مخذولة تمامًا، وعينه تومض بالتعب.

"يا له من مسدس فتاك، ماركو،" قال بابادوك، يضع يده على قلبه. "كنت على وشك أن أتدخل!"

"إنه ليس مسدسًا، بل 'وحدة تشويش عصبي عابر'،" قال ماركو بصوته الخشن. "إنه يشتت الإشارات العصبية للكائن العضوي لفترة وجيزة. إذا لم يمت بعد، فهذا يعني أن جهازه العصبي مقاوم. لكنه لا يستطيع القتال لعدة دقائق."

توقف بليك عن القتال، سيفه لا يزال في يده. "إذا، فلنهرب قبل أن يستعيد عافيته."

كان المستذئب يحاول النهوض بصعوبة. أطلق زئيرًا ضعيفًا ومريرًا نحو المجموعة، وأشار بيده إلى سرواله الممزق، كأنه يلومهم على هذا الموقف.

"إنه يشير إلى سرواله،" قال فيرتشايلد، يمسح العرق البارد عن جبهته. "ربما يطلب منَّا سروالًا جديدًا. ألا توجد سراويل رياضية في قسم الملابس؟"

"أخرج يا فيرتشايلد!" صرخ بليك.

اندفع المستذئب الزاحف نحو الباب الزجاجي، يجر ساقه المصابة. كان يفضل الهروب المهين على القتال المهزوم. تسلل عبر الفتحة المكسورة واختفى بين الأبنية.

نظر بليك إلى ماركو، معجبًا ببرودة أعصابه وكفاءة سلاحه. "عمل جيد، ماركو. لقد وفرت علينا معركة طويلة."

"لا شكر على واجب،" قال ماركو ببرود. "الـ(ريف) لا يهدرون الطاقة على الأهداف الثانوية."

"أرجوكم، لنخرج من هذا السوبر ماركت الملعون،" توسل فيرتشايلد، وهو يرتشف ما تبقى من عصيره. "لقد استنزفني هذا الأمر. ليتني لم أكن بهذا الوزن."

"كذب،" همس قط الكذب بهدوء، يراقبهم بعينيه الزرقاوين الواسعتين من فوق الرف.

واصلت المجموعة مسيرتها، والتوتر يتصاعد، نحو المدرسة الثانوية المهجورة. كانت واقعية المشهد، ودمج القوة الفضائية مع الرعب الكلاسيكي، تترك بصمة قاسية على نفوسهم. لقد أدركوا أن الأماكن "المهجورة جزئياً" هي الأكثر خطورة على الإطلاق.

خرجت المجموعة من السوبر ماركت تحت وطأة إحساس مرير بالفشل، فالفشل لم يكن في القتال، بل في سوء تقديرهم بأن مكانًا هادئًا كهذا يمكن أن يوفر لهم ولو دقيقة واحدة من السلام. استأنفوا مسيرتهم على الطريق المتهالك، وبابادوك يدفع عربة التسوق التي كان فيرتشايلد يتكئ عليها في صمت هذه المرة، وقد فقد بعضًا من روح الدعابة العصبية التي كان يتمتع بها سابقًا.

"المدرسة الثانوية لا تبعد أكثر من كيلومترين الآن،" قال بليك، يتفحص خريطة قديمة ممزقة كان قد استعارها من أحد رفوف السوبر ماركت قبل المغادرة. كانت الخريطة تحدد الموقع ضمن منطقة شبه ريفية تفصلها عنهم بضعة كتل سكنية متباعدة ومساحات خضراء مهملة.

"الكيلومتران يبدوان لي الآن كمسيرة شاقة فوق جبال الهيمالايا،" تمتم فيرتشايلد، يسحب نفساً عميقاً من الهواء الملوث بغبار الدمار. "الآلة تنتظرني، والإلهام يهرب مني مع كل خطوة نخطوها. يجب أن نسرع، دووك، رجاءً. يجب أن أكتب قبل أن يجدنا مطلقو الستاند أو تلك الشركة البيولوجية الملعونة."

"نحن نسير بأقصى سرعة ممكنة دون جذب الانتباه، أيها الروائي،" أجاب بابادوك بهدوء، يده ثابتة على المقبض. "السرعة في هذا العالم لا تعني الاندفاع، بل تعني الهدوء واليقظة. كل حركة غير محسوبة قد تمنح كاكيوين نقطة ضعف. لا تنسَ أننا نسير في حقل ألغام من مخلوقاتك ومخلوقات أمبريلا."

ماركو، الذي كان يسير في مؤخرة المجموعة، توقف فجأة. رفع بندقيته الصغيرة على الفور ونظر بتركيز نحو الجهة اليمنى من الطريق.

"هناك... شيء ما،" قال ماركو بصوت خشن ومكتوم، "أشعة الطاقة الصادرة منه باردة ومُتفسخة. هناك كثافة عضوية عالية خلف تلك الكتلة السكنية."

نظر بليك إلى حيث أشار ماركو. كانت المنطقة التي يتحدث عنها عبارة عن مجموعة من المنازل المتقاربة، تتخللها حديقة أو مساحة خضراء صغيرة مهملة. كان الوصول إلى المدرسة الثانوية يتطلب منهم الدخول بين هذه المنازل ثم العبور إلى الطريق الرئيسي.

"إنها مُثيرة،" قال بليك، يستدير نحو فيرتشايلد. "يبدو أنها مجموعة من المباني السكنية القديمة المتلاصقة، تشبه المتاهة، ولا يوجد طريق آخر مختصر يجنبنا العبور منها."

"إذًا فلنعبر منها،" قال بابادوك بلا تردد. "الوقوف هنا هو دعوة صريحة للمواجهة. لندخل ونخرج بسرعة. يجب أن نعتبرها مجرد اختبار صغير لليقظة."

"اختبار صغير؟" صرخ فيرتشايلد، وقد عاد إليه شيء من ذعره المعتاد. "يا بابادوك، أنت تتحدث عن 'مخلوقاتي'! ما وراء هذه الجدران هو عرق من الموتى، الزومبي، الذين لا يمكن قتلهم إلا بطرق غبية ومضنية. فماذا لو كانت هناك 'ذئاب زجاجية'؟ أو 'عفاريت حبر'؟"

"لن نكتشف ذلك بالوقوف هنا والتذمر،" قال بليك بحزم. وضع سيفه على ظهره وأمسك مقبض السيف بيمينه، مستعدًا لسحبه في أية لحظة. "فلنتقدم في تشكيل ضيق. بابادوك، أنت في المنتصف لحماية العربة. ماركو، أنت في الخلف لتغطية الهروب. أنا في المقدمة. لن نطلق النار أو نستخدم السحر إلا إذا كان الأمر مصيريًا. الهدوء أولًا."

ومع هذا التكتيك، دفع بابادوك العربة التي تحمل فيرتشايلد نحو المدخل الضيق بين المباني القديمة.

كانت "المُثيرة" عبارة عن متاهة من الأزقة والممرات الضيقة، محاطة بجدران خرسانية متقشرة وأسلاك شائكة صدئة. كان الظلام دامسًا هنا، ولم يصله ضوء النهار إلا بصعوبة من خلال الفجوات العلوية. الرائحة كانت مزيجًا من الغبار والصدأ وعفن اللحم، تلك الرائحة التي باتت مألوفة جدًا لأي شخص عاش أحداث شنغهاي.

خطواتهم كانت صدى الوحيد في هذا الجحيم البارد.

"استخدم 'تنفس الصوت' لتحليل الأجواء، بليك،" همس بابادوك.

أغمض بليك عينيه للحظة، وبدأ بامتصاص صوت العالم من حوله. شعر بالذبذبات الخافتة تحت الأرض، حفيف الريح، وتدفق الدم في عروقه. لكن تحت كل هذا، كان هناك شيء آخر، نمط نبضي بطيء وغير متساوٍ، يشير إلى وجود كائنات عضوية ضخمة وكثيفة العدد.

"هناك ما لا يقل عن عشرين كائنًا،" قال بليك بصوت خافت جدًا، بالكاد يسمعه الآخرون. "إنهم بطيئون، يتحركون كأنهم نائمون، لكنهم يحيطون بنا. إنها على الأغلب وحوشك، فيرتشايلد، التي لا تستريح أبدًا."

"إنها كوابيسي،" صحح فيرتشايلد بصوت يرتجف. "أنا أكتبهم ليعانوا، لكنهم يعذبونني في الواقع."

فجأة، من خلف جدارين متقابلين، ظهرت أولى الكائنات. لم يكونوا زومبي أمبريلا الكلاسيكيين، بل كانوا أكثر غرابة؛ موتى أحياء بجلود رمادية وشفاه مشدودة، عيونهم فارغة تمامًا، يرتدون ملابس ممزقة ومغطاة بالوحل، ويخرجون أصوات أنين مُرعب.

لقد كانوا وحوش فيرتشايلد، الذين أطلقهم سلابي من الكتب المسروقة.

"قاتلوا، لكن لا تتوقفوا!" صرخ بليك، يسحب سيفه. "الهدف هو الخروج من الممر، وليس القضاء على كل واحد منهم!"

اندفع بليك نحو أقرب ثلاثة كائنات، مستخدماً سرعته الفائقة ليتجنب حركاتهم البطيئة والجامدة. كان يعلم أن معظم هذه الكائنات لا تموت إلا بتدمير مركزها العصبي (رغم أنها لا تتأثر تماماً بالرصاص العادي)، لذا استخدم بليك سيفه ببراعة جراحية: ضربات مائلة ودقيقة تهدف إلى قطع العمود الفقري أو تدمير الدماغ. سقط أول ثلاثة كائنات دون صوت يذكر، لتستمر أجسادها بالارتعاش على الأرض.

في هذه الأثناء، بدأ بابادوك بالتحرك بسرعة فائقة، يدفع العربة ويطلق العنان لمظلته. لقد تحولت مظلته إلى سلاح قتالي فعال، حيث استخدمها كرمح حاد وكدرع دوار.

"تنفس البرق: الخطوة السريعة!" تمتم بابادوك، يختفي للحظة ويعيد الظهور خلف كائنين كانا يحاولان الإمساك بعربة التسوق. ضربهما بـ مقبض المظلة في الجزء الخلفي من الرأس، فسقطا أرضًا.

"يا إلهي، أنا أحبك يا بابادوك! لا تتركني ليدي الكوابيس!" صرخ فيرتشايلد، يرفع قدميه بعيدًا عن متناول المخلوقات المتساقطة.

ظهر المزيد من الكائنات، وكأنها تتدفق من داخل الجدران. كانت أعدادهم تزداد باستمرار.

"إنهم لا ينتهون!" قال ماركو، يغطي مؤخرة المجموعة. "لقد وصل عددهم إلى أكثر من ثلاثين الآن، وها هم آخرون يقتربون من الزوايا البعيدة!"

لم يستخدم ماركو سلاحه الناري مجددًا، خوفًا من جذب الانتباه الخارجي. بدلاً من ذلك، كان يستخدم تقنية قتالية غريبة من قومه: ركلات سريعة ومتفجرة نحو مفاصل الكائنات، مما يكسر ركبهم ويشل حركتهم.

القط الأزرق، الذي لم يظهر عليه أي خوف، كان يقفز برشاقة فوق أقدام الكائنات المتعرقلة، ويطلق همساته الهادئة: "كذب، كذب، كذب" مع كل حركة غير صحيحة يقوم بها الموتى الأحياء.

كان بليك يقاتل بضراوة، لكنه شعر بالتوتر يزداد. لقد أدرك أن القتل هنا لا فائدة منه. كل كائن يقضي عليه، يظهر بديل له.

"بابادوك، ماركو! هذا غير مجدٍ! إنهم يتدفقون من الجدران!" صرخ بليك، وهو يقطع ذراع كائن كان على وشك الإمساك به. "علينا أن نخرج من المثيرة الآن! استمروا في الحركة، لا تنظروا خلفكم!"

دفع بابادوك العربة بقوة مذهلة، يفتح ممرًا بالدفع والضرب بالمظلة. ركزت المجموعة جهودها على الاندفاع نحو ضوء خافت في نهاية الممر. كان هذا هو المخرج إلى منطقة أكثر اتساعًا.

"اذهبوا! أنا أغطيكم!" قال ماركو، يطلق ركلة قوية نحو كائن كان يحاول تسلق الجدار، ثم يتبع بليك وبابادوك بسرعة خاطفة.

اندفعوا جميعًا ككتلة واحدة نحو الضوء. كانت الكائنات الميتة تقترب منهم ببطء ولكن بثبات، محاولة الإمساك بأطرافهم وملابسهم.

في اللحظة الأخيرة، قبل أن يغادروا الممر الضيق، أمسك كائن بذراع بابادوك.

"تنفس البرق: صعقة صاعقة!"

أطلق بابادوك تيارًا كهربائيًا خفيفًا لكنه قوي من خلال مظلته إلى جسد الكائن، مما أدى إلى تشنجه وانهياره.

خرجوا من المثيرة إلى شارع واسع نسبيًا، حيث كانت المباني متباعدة، مما منحهم مساحة للتنفس ورؤية السماء. الهواء كان أنظف قليلاً، ولكن التهديد لم يزُل.

نظر بليك خلفه. كانت الكائنات تخرج من الممر الضيق كالسيل، لكن حركتها في الشارع الواسع كانت أبطأ وأكثر تشتتًا.

"لنستغل المساحة!" قال بليك، يوجه المجموعة نحو الطريق نحو المدرسة الثانوية. "فلننسَ أمر هؤلاء... إنهم لن يستطيعوا ملاحقتنا في المساحات المفتوحة بنفس الفعالية."

"توقف، بليك،" قال فيرتشايلد، يلهث. "لقد أصبت بنوبة ذعر. ما رأيناه للتو... هذا ليس مجرد رعب، بل هو 'تضاعف لا نهائي'. إنهم لا يموتون حقًا. إنهم يعودون إلى كتبهم أو يتجددون داخل الكابوس. هذا هو جوهر كوابيسي. علينا أن نجد الآلة!"

ماركو نظر نحو الأفق. "المدرسة الثانوية أمامنا. هيا، أيها الكاتب. انتهى وقت الراحة. نحن على وشك الوصول إلى المأوى."

ومع خروجهم من المثيرة، تركوا وراءهم سيلًا من الموتى الأحياء يزحف ببطء من بين الجدران، وكأنهم يمثلون تهديدًا أبديًا لا يمكن هزيمته بالقتال، بل بالحل الجذري: القلم والورقة.

بعد الاندفاع المُنهِك عبر الأزقة الموحلة، وصل الأربعة، يتبعهم القط الأزرق، إلى المبنى الشاهق والبالي للمدرسة الثانوية. كان المشهد يعكس يأسًا هادئًا؛ واجهة المبنى الخرسانية كانت تبدو كشاهد صامت على أيام أفضل، ونوافذه العلوية المكسورة كانت تلمع ببريق قاتم تحت شمس الظهيرة الخافتة.

اقترب بليك من المدخل الرئيسي، الذي كان محصنًا بطريقة تبدو في غاية البدائية واليأس. لم يكن هناك أقفال متطورة، بل كانت الأبواب الزجاجية السميكة قد دُعمت بطاولات خشبية مُتهالكة للمدرسين، ومقاعد دراسية مقلوبة، وأكياس رمل موضوعة بلا انتظام. كان التحصين يبدو عملًا قام به مدنيون عاديون، لا يملكون سوى الخوف والإرادة للبقاء.

"إنه تحصين ضعيف،" تمتم بليك، يدفع بأصابعه لوحًا خشبيًا بالكاد يثبته مسمار واحد. "لكن هذا يخبرنا أن من بالداخل لا يملكون أسلحة أو قوى خارقة."

أشار بابادوك بيده ليصمت الجميع، ثم استخدم طرف مظلته ليزيح المقعد الأقرب بلطف شديد. أصدر المقعد صوت احتكاك خفيف مع الأرضية الرخامية المكسورة، لكنه كان كافيًا. دفع بابادوك العربة التي تحمل فيرتشايلد أولًا، ثم دخل بليك وماركو خلفه.

بمجرد عبورهم العتبة، شعر بليك بتبدد التوتر القتالي المباشر، ليحل محله إحساس غريب بالاحتشاد البشري. كانت الممرات ضيقة ومظلمة، لكنها لم تكن فارغة تمامًا؛ كانت هناك حقائب ظهر ملقاة، وبعض الأغطية الممزقة، وبقايا طعام معلب.

"المكان ليس فارغاً،" قال بليك، يرفع رأسه ليشم الهواء. "أشتم رائحة الخوف، ورائحة العرق الممزوجة برائحة الكحول المعقم. الناس هنا. كثيرون."

"يجب أن نجد المكان الذي وُضعت فيه الآلة، ثم نغادر،" قال بابادوك بصوت جاف. "لا وقت للاختلاط بالمواطنين."

لكن قبل أن يتمكنوا من التوغل أكثر، شعر ماركو بارتباك غريب. نظر حوله بنظراته الفضائية، وبدا عليه أنه يحاول فهم هندسة المكان. كانت الممرات المتشابكة والمكاتب المتعددة تشتت تركيزه المعتاد.

"علينا أن نبقى معًا، ماركو،" حذر بليك.

"هذا المكان... يتسبب في تشتت الأبعاد المكانية لمركبتي العصبية،" قال ماركو بصوت غير مفهوم. "الأزقة هنا تشبه المتاهة، لكنها تفتقر إلى الهدف. عليّ تحليل نقطة الانطلاق والوصول."

ابتعد ماركو فجأة، يده تلمس الجدران والأبواب، متوغلاً في ممر جانبي مظلم يقود إلى مختبرات العلوم على الأغلب. كان كائن الريف لا يستطيع مقاومة الحاجة لفهم التركيب المعماري للمكان.

"ماركو! انتظر!" نادى بليك، لكن صوت ماركو الخشن اختفى بسرعة في أعماق المبنى.

تنهد بليك بيأس. "لا فائدة. لننقسم. بابادوك، خذ فيرتشايلد إلى مكان آمن. أنا سأذهب لإلقاء نظرة على التجمع."

وبالفعل، قادتهم أصوات الهمهمة المرتفعة تدريجيًا إلى مركز التجمع: ساحة لعب كرة السلة، التي كانت قاعة ضخمة في قلب المدرسة.

كان المشهد داخل الساحة صادمًا. الساحة كانت مزدحمة بأكثر من خمسين شخصًا، معظمهم مراهقون في المرحلة الثانوية، وبعضهم من الكبار. كانوا جميعًا يبدون مرهقين، خائفين، وغاضبين. كانت هناك بطانيات ملقاة على أرضية الملعب الخشبية اللامعة، وبقايا علب طعام معلب فارغة. لقد كانت أشبه بمخيم إغاثة مؤقت، يفتقر إلى القيادة والتنظيم.

كان الجميع مجتمعًا حول لوح خشبي مرتفع استخدموه كمنصة خطابة مؤقتة.

دفع بابادوك عربة فيرتشايلد نحو جدار الساحة، بعيدًا عن الحشود، ليتمكن فيرتشايلد من استعادة أنفاسه. تقدم بليك نحو الحافة الأمامية للحشد.

لحظة دخوله كانت كافية. نظر الجميع إليه. كان مظهره، بملابسه السوداء ورموز المانا الموشومة على معطفه، وسيفه الفضي الظاهر، يوحي بأنه غريب عن هذا العالم المدني.

شاب قصير، بدا عليه أنه قائد المجموعة بحكم صوته العالي، صرخ في وجه بليك: "من أنت؟ هل أنت من الجيش؟ أين كنت؟ هل جئت لإنقاذنا؟ أين الإمدادات؟"

تقدم بليك بهدوء. رفع يديه في محاولة للتهدئة، متحدثًا بصوت واضح وقوي يخترق ضجيج الساحة: "أنا لست من الجيش، وأنا هنا لسبب خاص، لكني أستطيع المساعدة."

بدأ الحشد بالهمهمة الغاضبة، وتصاعدت أصوات الاستهزاء فورًا.

"تستطيع المساعدة؟" صاحت فتاة شقراء، تقف على مقعد. "منظرك يقول إنك هارب مثلنا، أيها المتغطرس! هل جئت بسيفك العظيم لتقطع لنا الوحوش؟ أين كانت 'مساعدتك' عندما هاجمنا ذلك الكلب الهجين بالأمس؟"

شاب آخر ضخم البنية، وكان صوته يتردد بالغضب، صرخ: "نحن هنا، يا سيدي، منذ ثلاثة أيام، محبوسون كالفئران! والوحوش تقتحم المنطقة كل ليلة! ما الذي تملكه أنت ولا نملكه نحن؟ هل جئت لتخبرنا بـ 'أسرار الكون' أم لتعطينا ماء صالحًا للشرب؟"

أدرك بليك أنهم لا يبحثون عن حلول سحرية، بل عن زعيم واقعي أو إمدادات ملموسة. أي محاولة لشرح طبيعة "شمس المعارف" أو "مطلقي الستاند" ستزيد من جنونهم.

"استمعوا إليّ،" قال بليك، لا يزال هادئًا. "التهديد الخارجي خطير جدًا، ولهذا السبب تحصنتم هنا. لكن التحصين الذي لديكم ضعيف. عليكم أن تبدأوا فورًا في إزالة كل الخشب القابل للاشتعال من النوافذ، وتقوية الأبواب بأشياء لا يمكن تحطيمها بسهولة. يجب عليكم..."

قاطعه الشاب الضخم بازدراء شديد: "أيها المتفلسف! هل تظن أننا لم نفكر في ذلك؟ هل لديك فولاذ؟ هل لديك خرسانة؟ هل تظن أن طاولة خشبية يمكنها أن تصمد أمام وحش يستطيع اختراق جدار إسمنتي؟ اذهب بعيدًا بسيفك. أنت مجرد طفل يرتدي زيًا مسرحيًا."

انتشرت الضحكات الساخرة في القاعة.

نظر بليك حوله للحظة. رأى اليأس المطلق في عيونهم، والجهل الذي كان يولد الغضب. أدرك أن إقناعهم هنا مضيعة للوقت والطاقة التي يحتاجها لمواجهة سلابي والمزدوجين.

لم يرفع بليك صوته، ولم يشعر بالغضب. تراجع خطوة بهدوء، ثم استدار مبتعدًا عن المنصة دون أن ينطق بكلمة أخرى، تاركًا الحشد لغضبه العقيم.

ابتعد بليك عائدًا إلى حيث ترك بابادوك وفيرتشايلد. وجدهما بالقرب من باب يؤدي إلى المكاتب الإدارية، وعربة التسوق بجوارهما. كان فيرتشايلد قد جلس على الأرض الآن، يرتشف ماء من قنينة بلاستيكية ويحاول التقاط أنفاسه.

"يا لها من مجموعة من الأوغاد الجاهلينتمتم فيرتشايلد، وهو يمسح وجهه المتصبب عرقًا. "كنت على وشك أن أكتب لهم 'قصيدة الإلهام' لأجلهم، لكنهم لا يستحقون."

"هم لا يلومونك على الإطلاق،" قال بليك بهدوء. "هم يلومون القدر واليأس. يجب أن نجد الآلة بسرعة."

في تلك اللحظة، ظهرت فتاة من بين ظلال الممرات المجاورة التي تقود إلى المكاتب. كانت مراهقة، بشعر بني طويل ينسدل على كتفيها بتمرد، وعيناها تحملان نظرة مزيج من الغضب المكتوم والخيبة الشديدة.

كانت الفتاة تتقدم نحوهم مباشرة، ونظراتها مركزة على فيرتشايلد وحده.

"أبي؟" نطقت الفتاة بصوت أجش، لا يحمل أي مودة أو حب. كانت كلمة "أبي" تحمل في طياتها اللوم الثقيل.

تجمد فيرتشايلد مكانه. عيناه اتسعت بالصدمة، وارتعش جسده السمين بالكامل.

"هانا... يا إلهي، هانا؟" همس فيرتشايلد بصوت ضعيف، يكاد لا يُسمع، وكأن كل القوة قد سُحبت من جسده.

تقدمت هانا حتى أصبحت تقف أمام والدها مباشرة. نظرت إليه نظرة مليئة بالازدراء الذي لم يكن ليأتي إلا من شخص يعرفه جيدًا، ويفهم حجم الكارثة التي جلبها.

"هل أنت سعيد؟" سألت هانا ببرود، وكانت نبرتها أخطر من أي زئير وحش. "هل أنت سعيد الآن، يا عبقري الروايات؟ كل هذه الكوابيس... كل هذا الموت... كل هذه الدموع والأبواب المغلقة؟ هل ما زلت تجد 'الإلهام' في هذا الرعب؟ أم أنك جئت لـ'تكتب' النهاية كما اعتدت دائمًا على صفحاتك؟"

كانت تعرف الحقيقة؛ لقد عرفت أن كل هذه الوحوش التي تجتاح شنغهاي، من سلابي إلى العفاريت الزاحفة، كانت وليدة خيال والدها الملعون، وأنه هو من يتحمل وزر هذه الفوضى التي حوّلت حياتهم إلى جحيم.

بقي فيرتشايلد صامتًا، يداه ترتجفان. لم يستطع الرد بكلمة واحدة، فقد كانت نظرة ابنته أشد قسوة من أي وحش كتبه على الإطلاق.

2025/11/25 · 9 مشاهدة · 3635 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025