كانت صالة كرة السلة في المدرسة الثانوية مُضاءة بالقدر الكافي ليرى فيرتشايلد تعابير وجه ابنته، التي كانت تُدعى هانا. كانت نظرتها مزيجًا من اليأس، والغضب المُنبعث من الخوف، والاستياء المُتجمد. وقف الكاتب السمين، المرهق من المسيرة والهجوم، صامتًا ومصدومًا أمام كلماتها القاسية.
"هل أنت سعيد الآن، يا عبقري الروايات؟" سألت هانا بصوت مُنخفض كالفحيح، تراقبه كما لو كان غريبًا قذرًا، لا والدها. "كل هذه الكوابيس… الدم الذي يسيل في الشوارع، هؤلاء الأطفال هنا يرتعدون خوفًا، كل ذلك بسبب ماذا؟ هل ما زلت تجد 'الإلهام' في هذا الرعب؟"
لم يستطع فيرتشايلد أن يرفع رأسه، كان يشعر بثقل الحقائق التي تضغط على كتفيه أكثر من ثقل جسده. همس بصعوبة، صوتُه الأجش مُنكسرًا: "هانا... يا ابنتي... الأمر ليس كذلك. لقد كان خطأً... حادثة."
رفعت هانا كفيها في حركة رفض مُتعبة: "حادثة؟ كل هذا الكون من الرعب خرج من صفحة مطبوعة. هل تعتقد أنهم سيصدقون أنها 'حادثة'؟ الجان... الكلاب الطائرة... الموتى الذين يتجددون... هؤلاء ليسوا مجرد أشرار على الورق، أبي. هذه هي مشاعرك، خيالاتك المظلمة التي تسللت إلينا كمرض معدٍ!"
تقدّمت نحوه خطوة، وعيناها الزمرديتان تحملان عتابًا أثقل من أي هجوم تعرض له بابادوك أو ماركو. "لقد كنت دائمًا تكتب عن الشر الذي يكمن تحت السطح، عن الوحوش في أعماقنا. تهتم دائمًا بـ'تجسيدها' على الورق، لكنك لم تكترث أبدًا لـ'تجسيدها' في حياتنا! هذا هو إرثك، دمار شامل مُغطى بالحبر والأكاذيب."
كان فيرتشايلد على وشك الانهيار. كان يفتح فمه ليُدافع عن نفسه، عن فنه، عن رغبته في أن يترك شيئًا للعالم، لكن الكلمات جُمدت في حلقه بفعل نبرة ابنته الجارحة.
في تلك اللحظة، تدخل بليك، الذي كان يقف يراقب المشهد إلى جانب بابادوك وماركو. شعر بليك بالضيق من هذا الهجوم المُركز على الرجل الذي يحمل مفتاح إنهاء الفوضى.
"كفى الآن." قال بليك، واضعًا يديه على خصره، كان صوته حادًا وثابتًا. "إن كان لديكِ وقت للتذمر وإلقاء اللوم، فمن الأفضل أن توجهي طاقتك نحو مساعدة هؤلاء الأطفال الخائفين. والدك هو الشخص الوحيد القادر على إيقاف هذا الجنون، ونحنُ نحتاج إلى أن يبدأ بالكتابة الآن، لا أن يستمع لاتهامات عائلية لا تُقدم ولا تُؤخر."
استدارت هانا ببطء نحو بليك، وعيناها تتفحصان مظهره من رأسه حتى أخمص قدميه. لاحظت قميصه الممزق قليلًا، وشعره الفضي المائل إلى البياض، والوشم الغريب الذي يغطي ساعديه، ثم عيناه التي لا تبدو كعيني مراهق. لم تكن تعرف من هو، لذا سألت بصوت عالٍ، يغلب عليه السخرية الخفيفة:
"ومن أنت بحق الجحيم؟"
اتسعت عينا بليك بصدمة وغضب غير مُبرر. لم يكن يتوقع أن يقابل هذا المستوى من عدم الاحترام بعد كل ما مر به، قتالاً في أكوان أخرى، ومواجهة قوة كونية.
"ماذا؟" قال بليك، متقدمًا خطوة، كان غضبه يتراكم بسبب شعوره بالتقليل من شأنه.
"أجل، أنت. أنت تقف هناك كأنك المنقذ الأخير، مُرتديًا زيًا... لا أدري ما هو بالضبط، كأنك طفل يحاول لعب دور بطل فيلم. أنتَ لستَ من هذه البلدة، لذا أخبرني: من أنت؟" كررت هانا سؤالها، وهي ترمقه بنظرة تقول إنه لا يستحق حتى مكانته في هذا الحوار.
ازداد غضب بليك، وتجاهل تمامًا أن هانا لم ترَ القتال أو تعرف ما يفعله. شعر بالإهانة الساذجة.
"أنا؟" صرخ بليك، رافعًا صوته، ملوحًا بيديه بتهور. "أنتِ تسألين من أنا؟ أنا من أتى من سبع طبقات من الجحيم والواقع المُتغير ليُنقذ والدك الذي لا يقدر، ومن ثم ليُنقذ هذه المدينة المُقرفة من كل هذه القمامة التي كتبها!"
"قمامة؟" ضحكت هانا ضحكة خفيفة ومريرة. "أنت تصفها بالقمامة، وتضع نفسك في مكانة 'المُنقذ'. هل أنت فنان استعراضي؟ لأنني لم أرَ أي شيء سوى شاب غريب الهيئة يخوض معارك سخيفة، بينما العالم الحقيقي ينهار حوله!"
اشتعل بليك غضبًا كالنار، واقترب منها حتى أصبحا وجهًا لوجه تقريبًا. نبرته تحولت إلى تهكم ساخر وغاضب في آن واحد.
"أنا لستُ فنانًا استعراضيًا! أنا من صمد أمام سيف شيطاني ورصاصات خارقة وكائنات فضائية مُتخلفة! أنا من أوقفت قوة كونية بيدي، وأُبقي على هذا الكتاب الذي تسبب بكل هذه الفوضى! أنا... أنا بليك! إيثر!"
أشارت هانا بإصبعها إلى ملابسه بنظرة انتقاد لاذعة: "بليك إيثر؟ وماذا يعني هذا؟ اسمك لا يثير الرعب، ولا ملابسك الغريبة! هل تعتقد أن هذا السيف الغبي الذي تحمله يجعلك... ماذا؟ محاربًا؟ أنت تبدو كفتى يتيم وجد نفسه في وسط رواية لا يفهمها!"
انفجر بليك بالصراخ: "أنا لستُ يتيمًا! أنا مجرد منقذ، أيها المراهقة الساخرة! إذا كنتِ تعتقدين أن هذا كريه، فلماذا لا تذهبين وتحاربين الموتى الأحياء بنفسكِ بدلاً من الوقوف هنا وإهانة مظهر شخص يحاول إنقاذ مؤخرتكِ!"
في تلك اللحظة، تدخل بابادوك، الذي كان يراقب الموقف باهتمام هادئ، محاولًا التخفيف من حدة التوتر. وضع يده بهدوء على كتف بليك المُرتجف من الغضب.
"اهدأ يا بليك. هذه الفتاة لا تعرف من أنت. وكونها لا تعرف، فهذا لا يقلل من شأنك أو من شجاعتك."
التفت بليك إلى بابادوك بعينين تقدحان شررًا، وصرخ فيه غاضبًا: "بالطبع يقلل! يجب أن تعرف! يجب على الجميع أن يعرف! أنا لستُ مجرد... طفل! أنا قمت بكل شيء! لماذا يجب أن أُهان بهذه الطريقة الساذجة بعد كل هذا!"
تدخلت هانا مرة أخرى، وهي ترفع حاجبها بسخرية: "إذا كنتَ بطلاً حقًا، لما احتجت إلى إثبات ذلك بالصراخ! الأبطال الحقيقيون يفعلون ما يجب عليهم دون ضجة!"
بليك، الذي تجاوز الحد الأقصى من الإحباط، صرخ بصوت كاد أن يهز جدران الصالة: "أنا أفعل ما يجب عليّ! الآن، أخرجي من طريقي! ودعيني أفعل ما يجب عليّ فعله! أو سأدع الجان يأتون ليلتقطوكِ!"
قبل أن يتطور الشجار إلى ما هو أسوأ، استعاد فيرتشايلد سيطرته على نفسه. كان الغضب الساذج بين بليك وابنته بمثابة صدمة أخرجته من صمته المُحبط.
رفع فيرتشايلد يديه مُعلناً بصوت مُتعب وحاسم: "كفى! كلاكما! هانا، اذهبي واعتني بالناجين، الآن! وبليك، أعلم أنك تفعل كل ما بوسعك، وأنا أقدّر ذلك. لنقم بإنهاء هذا."
أطلقت هانا تنهيدة غاضبة، لكنها لم تجادل والدها أكثر. ألقت نظرة أخيرة حادة وساخرة على بليك، وكأنها تقول: هذه المعركة لم تنتهِ بعد. ثم ابتعدت نحو مجموعة المراهقين الخائفين.
التفت بليك إلى بابادوك وزفر بغضب: "أرأيت؟ هي لا تحترم أي شيء! لا تحترمني!"
هز بابادوك كتفه بابتسامة غامضة: "يا صديقي، هذا هو بالضبط ما يعنيه أن تكون بطلًا خارقًا؛ أن تفعل كل شيء، ولا يراك الناس سوى بـ'فتى غريب الهيئة' يصرخ كثيرًا."
تجاهل بليك تعليق بابادوك، واندفع نحو فيرتشايلد، وهو يشير إلى آلة الكتابة على الأرض.
"حسنًا، أيها الكاتب! لا وقت للدراما العائلية أو إهانة القادة. يجب أن نغلق كل هذه الوحوش الآن، قبل أن يصل المرتزقة الكونيون الذين أرسلهم المليارديرات! أين يمكن أن نستخدم الآلة؟" سأل بليك بلهجة آمرة.
نظر فيرتشايلد حوله. كانت صالة الألعاب الرياضية واسعة ومفتوحة، لكنها لم تكن مثالية. "نحتاج إلى مكان أكثر تركيزًا... مكان لا يُمكن لـ 'الخيال' أن يتجسد فيه بسهولة. قاعة المكتبة. المكتبات هي حراس الحقيقة، وهي الأقل احتمالية لتجسيد الأوهام. هناك سنكون في مأمن من الهجمات المباشرة، ويُمكنني أن أركز."
"المكتبة إذن." قال بليك، وقد استعاد جزءًا من رباطة جأشه، لكنه ما زال يتنفس بحدة من الغضب. "بابادوك، ماركو، قط الكذب! إلى المكتبة! حارسا الحقيقة، لننطلق!"
انطلق الفريق بأكمله في الممرات المُظلمة للمدرسة الثانوية، بينما كانت أصوات النباح والضحك وحفيف الوحوش المتجددة تقترب ببطء من خارج المبنى.
انطلق بليك وفيرتشايلد نحو المكتبة. كان بليك يحمل كتاب "شمس المعارف" بيده الممدودة، بينما كان يسحب فيرتشايلد خلفه، حريصًا على أن يسرع الكاتب الثقيل خطاه. كانت الممرات المظلمة للمدرسة الثانوية تعج بالصمت المطبق، الذي كان يقطعه صوت خطواتهما المتوترة وصوت الكاتب اللاهث. لم يكن معهما سوى آلة الكتابة الثقيلة التي كان فيرتشايلد يشدّها بإصرار، وكأنها حياته.
وصلوا أخيرًا إلى قاعة المكتبة. كانت مساحة واسعة، مُحاطة بأرفف ضخمة من الكتب التي تحمل روائح الورق القديم والغبار. كان هدوء المكان يوحي بالحصانة المؤقتة التي تحدث عنها فيرتشايلد. دفع بليك الطاولة الخشبية نحو منتصف الغرفة، ثم نظر إلى الكاتب الذي انهار على كرسي بائس.
"إذن، هذا هو المكان." قال بليك، وهو يستند بكتفه على أحد الأرفف، لا يزال متوترًا من شجاره الأخير مع هانا. "هيا يا فيرتشايلد، ابدأ بالكتابة. أين هي تلك الجملة السحرية؟ 'وعادت كل الوحوش إلى موطنها'؟ هيا، لا وقت لدينا."
ابتسم فيرتشايلد ابتسامة صفراء مُتعبة، تخلو من الفكاهة تمامًا. ثم هز رأسه بحزن عميق، وأخذ ورقة بيضاء ضخمة من حقيبته، وأدخلها في الآلة.
"الأمر ليس بهذه البساطة يا بليك إيثر." قال فيرتشايلد، وهو يمرر أصابعه على المفاتيح الباردة للآلة. "أنت تعتقد أن هذا مجرد زر 'إغلاق'. هذا ليس كذلك. هذه الآلة، هذا الكيان، ليست أداة سحرية مباشرة؛ إنها... مرآة للواقع المُتخيل."
اندهش بليك، ورفع حاجبيه متعجبًا. "ماذا تعني؟"
"أعني،" تابع الكاتب، وهو يميل للأمام، وكأن كل كلمة تخرج منه تستنزف طاقته الأخيرة. "لكي تنجح هزيمة هذه الوحوش، ولكي يعودوا إلى مكانهم الأصلي في الكتب أو في اللاشيء، يجب أن يكون هناك منطق سردي لتلك النهاية. يجب أن تكون نهاية مقبولة، مُحكمة، مكتوبة بعناية، كأي نهاية رواية عظيمة."
تأمل بليك في كلامه ببعض الاستغراب، ثم سأل بجدية: "أتخبرني أننا نحتاج إلى قصة لهزيمة الوحوش؟ لا يمكننا فقط كتابة حقيقة جديدة بقوة هذا السحر؟
"
"بالضبط. القوة وحدها لا تكفي. لا يمكنك أن تقول للقارئ في الصفحة الأخيرة: وانتهت كل المشاكل فجأة. يجب أن يكون هناك حل مُبرّر. حبكة تنتهي بنجاح، تطور يوصل إلى نهاية حتمية. يجب أن أكتب الفصل الأخير. الفصل الذي يحوي النهاية." همس فيرتشايلد، ناظرًا إلى الورقة البيضاء أمامه برعب مُطلق.
كانت يداه ترتجفان ببطء وهو يُحاول أن يكتب الجملة الأولى. ضرب أحد المفاتيح، فأصدرت الآلة صوت طقطقة مُرتفعًا ومزعجًا في صمت المكتبة. كتب كلمة واحدة: "وفي".
نظر إلى الكلمة على الورقة. وفي.
أطلق تنهيدة عميقة، ثم مزق الورقة بعنف، ورمى بها أرضًا. "لا، هذا سخيف. ضعيف. بداية مملة. لا يمكن أن تكون هذه بداية نهاية هذا الأرك العظيم."
نظر بليك إلى الورقة الممزقة باستغراب واضح، ثم حك رأسه. "يا رجل، هذه مجرد بداية جملة! ما المشكلة؟ كل ما نريده هو النتيجة النهائية!"
"النتيجة النهائية تبدأ من البداية يا بليك! هل تفهم؟" صرخ فيرتشايلد، ووجهه الأحمر يرتجف من الإجهاد. "هذه ليست محض تعويذة؛ هذه هي رواية الواقع الجديد. إذا كانت البداية ضعيفة، فستنهار النهاية ولن يكون لها أي تأثير. أنا أكتب الحقيقة التي ستحل محل الفوضى. يجب أن تكون هذه الحقيقة مُقنعة، حتى لهذا الواقع السحري نفسه."
أدخل ورقة جديدة. هذه المرة، حاول أن يكتب شيئًا أكثر درامية. طقطقة الآلة كانت قوية وعصبية.
كتب: "بعد أن أدرك بطلنا أن الشر لا يمكن هزيمته إلا بالحب..."
توقف فجأة. نظر إلى الكلمات، ثم بصق على الطاولة تعبيرًا عن الازدراء. "الحب؟ لا! هذا ليس أنا! أنا كاتب رعب، أنا كاتب عن الفوضى. هذا شعور رخيص، هذا ليس نهاية، بل مجرد إرضاء للقارئ الساذج. لا يمكنني أن أُنهي الأمر هكذا." مزق الورقة الثانية بعنف أشد، ورمى بها على الأرض.
تراجع بليك خطوة، وعيناه اتسعتا بالاستغراب. كان هذا النوع من العبء الإبداعي غريبًا تمامًا عن عالمه الذي يعتمد على القوة والسحر المباشر.
"إذن... أنت عالق في كتلة الكاتب؟" سأل بليك، محاولًا استيعاب الأمر. "أنت لا تستطيع كتابة النهاية لأنها ليست جيدة أدبياً؟"
"أنا عالق في إيجاد الصوت الصحيح للنهاية!" أجاب فيرتشايلد بيأس، وهو يمسح العرق البارد من جبهته. "الأمر يتطلب صفاءً ذهنيًا وتركيزًا مطلقًا لإيجاد النهاية التي تخدم كل هذه الوحوش، وتجعلها تعود راضية إلى اللاشيء. يجب أن تكون النهاية منطقية لخيالهم المتمرد. أنا الذي أخرجتهم، أنا الذي يجب أن أُعيدهم بنهاية مقنعة. والآن، أنا لا أستطيع أن أجد تلك النهاية! أنا كاتب مُنتهك، ومُرهق، وغاضب من نفسي، ولن أكتب شيئًا سيئًا يُفشل مهمة إنقاذ العالم!"
وضع فيرتشايلد رأسه بين يديه، وشعر بضغط هائل، ليس فقط لإنقاذ المدينة، بل لإنهاء روايته بشكل مثالي.
تنهد بليك بصوت عالٍ جدًا، ثم سار ببطء نحو فيرتشايلد. وقف خلفه، ووضع يده على كتفه الضخم، وربت عليها برفق غريب لم يعهده بليك من نفسه.
"يا فيرتشايلد،" قال بليك بصوت أكثر هدوءًا من ذي قبل. "أنا لا أفهم شيئًا عن الحبكة أو السرد أو النهاية المقنعة. كل ما أفهمه هو أنه يجب علينا إغلاق هذا الباب قبل أن يقتحم علينا جيش كامل من المرتزقة الكونيين. وصدقني، عندما يأتي ذلك الجيش، لن يكون لديهم وقت لتقدير 'الحبكة'."
تابع بليك بنبرة حاسمة: "ماذا عن أن تُركّز على إعادة الوحوش بدلاً من هزيمتها؟ ماذا عن أن تكتب أنك سامحتهم؟ أنهم أُعطوا نهاية أفضل في كتبهم؟"
رفع فيرتشايلد رأسه ونظر إلى بليك بعينين مُندهشتين.
"التسامح؟" همس فيرتشايلد، كان المفهوم غريبًا على طبيعته ككاتب رعب.
"أجل،" قال بليك، وهو ينظر حوله إلى أرفف الكتب المليئة بالخيال والأوهام. "هذه الوحوش خرجت لأنها كانت ضحية لخيالك، لأفكارك المظلمة. ربما لكي تعود، يجب أن يشعروا أنهم لم يُهزموا بالقوة، بل أُعيدوا إلى مكانهم بـ... اختيار. أنا لا أعرف، أنا فقط أُفكّر بصوت عالٍ. لكن عليك أن تبدأ الآن. حاول مرة أخرى."
أومأ فيرتشايلد ببطء، تأمل الفكرة. كان بليك قد وضع بيده، دون قصد، بذرة النهاية. شيء عاطفي، لكنه مُرتبط بالخيال.
"حسنًا... سأحاول مرة أخرى."
أدخل فيرتشايلد ورقة ثالثة. كانت يده لا تزال ترتجف، لكن كان هناك وميض جديد في عينيه؛ بصيص من التركيز الإبداعي. طقطقت الآلة ببطء هذه المرة.
كتب فيرتشايلد: "أدركت الوحوش التي خرجت من الحبر أنها أخطأت الطريق إلى الواقع، وأن نهاية قصتها لم تكن في الدمار، بل في العودة إلى صفحاتها الخاصة، حيث تنتظرها فصول جديدة."
نظر فيرتشايلد إلى الجملة. أخذ نفسًا عميقًا. أومأ ببطء.
"أجل... ربما هذا هو الصوت الصحيح." همس فيرتشايلد، وبدأ يُحرك أصابعه ببطء على الآلة، مستعدًا لكتابة النهاية العظيمة التي ستعيد التوازن.
كان بليك يراقب بتركيز، وقد تضاءل غضبه السابق وحل محله توتر من نوع آخر، توتر انتظار النهاية.
في تلك اللحظة، رن صوت قوي ومعدني يكسر حاجز الصمت في المكتبة، كان صوت بابادوك، الذي كان قد بقي في صالة الألعاب الرياضية مع قط الكذب لمراقبة المداخل، يتحدث عبر جهاز اتصال صغير حمله بليك:
"بليك! بليك! لقد وصلت الإشارة! الوحوش، على بعد عشر دقائق من المدرسة! إنهم قادمون للحصول على الكتاب!"
تصلب بليك في مكانه. عشر دقائق! نظر إلى فيرتشايلد، الذي كان قد بدأ للتو في كتابة الصفحة الثالثة.
"عشر دقائق!" صرخ بليك، واندفع نحو النافذة ليراقب المداخل. "علينا أن نكسب وقتًا! لا تتوقف يا فيرتشايلد، استمر في الكتابة! اكتب أسرع بحق الجحيم!"
بينما كان التوتر يتصاعد داخل المكتبة، حيث كان فيرتشايلد يصارع الإلهام وبليك يصارع الوقت والتهديد القادم، كانت هناك قصة أخرى تتكشف بعيدًا في المتاهة المظلمة لممرات المدرسة الثانوية.
كان ماركو – الرجل الفضائي ذو القرون والعضلات القوية – يسير وحيدًا. منذ أن انفصل عن المجموعة، كان عقله الهادئ يحاول معالجة الخريطة الهندسية للمبنى المتهالك، لكن عقله كان مُشتتًا. كان ماركو يعتمد على الإحساس الذي ربط بينه وبين بقايا مركبته الفضائية المحطمة. كان هذا الإحساس ضعيفًا وخافتًا وسط كل هذه الفوضى السحرية والمانا المتجسدة، لكنه كان موجودًا.
كان يتوغل في قسم كان يُعتقد أنه مخصص للعلوم، حيث كانت أدوات مختبرية مكسورة تلمع تحت ضوء طارئ خافت. فجأة، شعر ماركو بقشعريرة غير مألوفة، لم تكن بسبب الخوف بل بسبب توقيع طاقي مألوف.
توقف ماركو عن السير، ونظر حوله بعينيه الحادتين. كانت الإشارة أقوى بكثير مما كانت عليه عندما دخل المدينة. كانت تأتي من الخارج، من اتجاه الشرق.
المركبة.
إنها هنا، أو على الأقل، جزء أساسي من تقنيتها الرئيسية التي نجا من التحطم. هذه التقنية كانت أكثر من مجرد آلة؛ إنها آخر ما تبقى من إرث شعبه (قوم الشجرة)، ومفتاح عودته المحتملة.
تجاهل ماركو حذره السابق من الوحوش، واندفع بسرعة فائقة. تحطمت قدمه بقوة على الأرضية، مُطلقًا شرارات غبار. لم يكن ماركو بحاجة إلى أي سبب آخر للبقاء في هذا الكوكب سوى هذه المركبة. كان عليه الوصول إليها، وتأمينها قبل أن تسقط في أيدي المليارديرات أو الكائنات الساحرة.
وصل إلى باب خلفي مهجور للمدرسة. فتحه بيد واحدة، مُتجاهلًا الأصوات البعيدة التي تُشير إلى تجدد أقزام العشب. انطلق ماركو إلى الخارج، حيث كانت الساحة الخلفية المظلمة، المُضاءة فقط بضوء القمر الباهت فوق أنقاض شنغهاي.
قطع مسافة قصيرة نحو بوابة حديدية مكسورة، وعندما كان على وشك الخروج من محيط المدرسة، توقف ماركو فجأة.
كانت هناك.
لم تكن وحشًا ضخمًا، ولا كائنًا أثيريًا. كانت مجرد سيارة.
كانت سيارة كلاسيكية من طراز الثمانينات، ذات لون أزرق باهت، وخطوط رياضية حمراء. كانت تبدو عادية جدًا، عادية لدرجة أنها كانت غريبة وسط كل هذا الجنون. لكن ماركو، بقواه الحسية الفائقة، أدرك فورًا أن هذه السيارة لم تكن مجرد قطعة من المعدن؛ لقد كانت مُشبعة بالطاقة السحرية.
جاءت السيارة ببطء، محركها يصدر صوت خرخرة عميق وقاسٍ، كأنه تنفس كائن حي غاضب. زجاج مقدمة السيارة كان مظلمًا بالكامل، لا يعكس أي ضوء. بدأت أضواءها الأمامية تشتعل فجأة بعنف، وكأنها عيون صفراء تحدق مباشرة في ماركو.
أدرك ماركو أن هذا هو أيضًا وحش من وحوش فيرتشايلد، لكنه وحش تجسد بشكل مادي بحت، وحش يجسد فكرة الرعب التكنولوجي الذي كتبه الكاتب في إحدى رواياته المنسية.
وقف ماركو في وضع الاستعداد، يسحب مسدسه الصغير الذي يستخدم تقنية التشويش العصبي العابر.
"حسنًا،" همس ماركو لنفسه، بصوته العميق، وهو يوجه المسدس نحو السيارة. "حتى السيارات هنا تهاجم. هذا حقًا عالم سخيف."
في تلك اللحظة، زأر محرك السيارة بشكل وحشي. لم تتحرك السيارة للأمام في خط مستقيم، بل انحرفت فجأة إلى الجانب، واستدارت إطاراتها في حركة احترافية سريعة ومجنونة، واندفعت نحو ماركو بقوة هائلة.
كان الهدف ليس دهسه، بل محاصرته وتدميره عبر الصدمة المباشرة.
أطلق ماركو طلقة واحدة من مسدسه، أصابت الواجهة الأمامية للسيارة. لكن بدلاً من أن تشلها، انبعث دخان أسود كثيف من جسم السيارة، مما جعلها تتجاهل تمامًا التأثير العصبي، وكأن لديها جهاز مناعة ذاتي ضد السحر والتقنية معًا.
ضربت السيارة بقوة جانبية صخرة كبيرة كانت تقف خلف ماركو، محطمة الصخرة إلى شظايا. تجنب ماركو الضربة ببراعة فائقة، لكنه أدرك أن هذا الخصم يختلف عن الجان أو الفضائيين: إنه يمتلك القوة الميكانيكية الغاشمة مع إرادة حية.
اندفعت السيارة بسرعة جنونية في دائرة حول ماركو، ورفعت الغبار والأوساخ، محاولة إرباكه قبل أن تعود للهجوم المباشر. كانت الإطارات تصدر صوت صرير عنيف كأنه ضحكة خبيثة.
تأهب ماركو. كان قلبه يخفق بسرعة، ليس خوفًا، بل حماسًا للمواجهة الميكانيكية غير المتوقعة.
"حسنًا يا أيها الصندوق الغاضب،" قال ماركو بصوت عالٍ، وهو يمسك مسدسه بقوة أكبر. "هذا ما تسمونه القتال التقليدي."
اندفعت السيارة نحو ماركو مرة أخرى، وهذه المرة، كانت تهدف إلى القفز فوق الصخور واستخدام وزنها الهائل لـسحقه. بدأ القتال بين الإرادة الميكانيكية المتجسدة والقوة الفضائية الحية.
بينما كان ماركو يخوض صراعه الميكانيكي اليائس مع السيارة الغاضبة في الساحة الخلفية، وبينما كان فيرتشايلد يصارع الحبر والوقت داخل المكتبة، كان الوضع في صالة الألعاب الرياضية يتحول إلى كارثة وشيكة.
كان بابادوك، بصحبته قط الكذب، يقفان قرب المدخل الرئيسي لصالة الألعاب، حيث كانت المجموعة الأخيرة من الناجين المذعورين مختبئة. كانت هانا فيرتشايلد تحاول تنظيمهم وإبقائهم هادئين، لكن الخوف كان يسيطر على الأجواء.
فجأة، لم تعد الأصوات تأتي متفرقة من اتجاهات مختلفة. لقد تحولت إلى ضجيج واحد مُوحد، ضجيج ضخم، كأنه هجوم بحري مدّمر.
"بابادوك!" صرخت هانا، وهي تشير بأصبع مُرتعش نحو الأبواب الزجاجية لصالة الألعاب الرياضية.
كان المشهد خارجًا مرعبًا؛ فقد بدأ كم هائل من وحوش فيرتشايلد في محاصرة المدرسة من كل جانب. كانت حشود من الموتى الأحياء (الزومبي) تتقدم ببطء ولكن بثبات، تتبعها أعداد لا تحصى من أقزام العشب السيراميكيين المتجددين، وهناك أصوات غريبة ومعدنية لكيانات أخرى غير مرئية أو مجهولة تقترب. لقد أدركت الوحوش أن محيط المدرسة هو ملاذ الأبطال والكاتب، وقررت تدميره دفعة واحدة.
اندفع بابادوك نحو الأبواب المزدوجة الضخمة، حيث كانت الوحوش تضغط عليها بكتلها المتعددة. كانت الأبواب تصدر أصوات صرير حاد ومخيف، وكان الزجاج يهتز تحت وطأة الضربات والضغط الخارجي.
حاول بابادوك استخدام قوته الجنية الخارقة، فوضع كتفه على إطار الباب، وشدّ بأقصى طاقته ليُبقي الأبواب مُغلقة. كانت عضلاته تتصلب تحت معطفه الأسود، وكانت أصوات أنينه تخرج بالكاد. لكن الضغط كان يفوق قدرته على الاحتمال بمفرده.
"لا فائدة!" صرخ بابادوك بصوت مُرتفع، وهو يلاحظ تشققًا جديدًا يظهر في الزجاج. "إنهم أكثر من اللازم! إنهم يتجددون ويضغطون في كل مكان في نفس الوقت!"
كانت الوحوش عند الأبواب تتعدد وتتراكم، كأنها موجة بشرية لا تتوقف. كان بإمكان الناجين رؤية الوجوه الشاحبة للزومبي والأعين الزجاجية الفارغة للجان من خلال الزجاج المتشقق. ارتفعت صرخات الذعر بين المراهقين، وبدأت هانا تفقد سيطرتها على الوضع.
أدرك بابادوك أن مقاومة القوة الغاشمة وحدها لن تنجح. يجب أن يتغير التكتيك، ويجب أن يتدخل شيء آخر غير القوة، شيء يتعلق بـ الإرادة الإنسانية.
ابتعد بابادوك فجأة عن الأبواب، تاركًا الوحوش تضغط وتزمجر، وكادت الأبواب أن تفتح بالكامل. لكنه التفت بسرعة نحو الناجين الخائفين والمذعورين.
تنفس بابادوك بعمق، واستخدم صوته الأجش والعميق ليقطع ضجيج الذعر والصرخات، مُعلنًا عن وجوده بسلطة غريبة.
"أصغوا إليَّ أيها البشر!" صرخ بابادوك، وكانت عيناه الغامضتان مثبتتين على الجميع. "انظروا إلى الخارج! انظروا إلى ما ينتظركم! هل تعرفون ما هذه الوحوش؟ هل تعرفون من أين أتت؟"
صمت الجميع فجأة، يراقبون الكيان الشبيه بالظل والعباءة الذي يقف أمامهم.
"هذه ليست كائنات أتت من الجحيم أو من أبعاد كونية!" تابع بابادوك، رافعًا ذراعيه بحركة مسرحية واسعة. "هذه الوحوش، أيها السادة والسيدات، خرجت من عقل كاتب سمين، مُنعزل اجتماعيًا، لا يحب أن يكون جاره أحد! إنها الأفكار المظلمة والمخاوف الساذجة لرجل! هل تموتون على يد غضب نجمي، أو سيف شيطاني؟ لا! أنتم على وشك أن تُقتلوا على يد تجسيد لمُتلازمة الكاتب!"
صدم هذا الخطاب المراهقين، كان مفهومًا وملموسًا ومهينًا بشكل مرعب.
رفع بابادوك صوته أكثر، وتحول صراخه إلى نداء يمزج بين السخرية والغضب والحقيقة القاسية:
"هل هذا هو إرثكم؟ أن تموتوا على يد أقزام حدائق ساذجة، وموتى أحياء يتصرفون ببطء شديد لأن كاتبهم كان يظن أن هذا مخيف؟ هل تستسلمون للخيال الذي لم يكن ليخيف طفلاً في السابعة؟"
أشار بابادوك بإصبعه نحو الأبواب التي كانت ترتجف بشدة، وعلى وشك أن تنفتح بالكامل.
"لدينا خياران لا ثالث لهما: إما أن تجلسوا في زواياكم وتبكوا، وتموتوا خائفين كالفئران على يد وهم، أو أن تقفوا الآن، وتساعدوني، وتثبتوا أن الواقع البشري أقوى من أسوأ مخاوف كاتبكم!"
نظر مباشرة إلى هانا، التي كانت تقف مصدومة من قوة الكلمات، قبل أن يتوجه نحو الناجين.
"هيا، لن يُنقذنا بليك الآن، ولا صديقي الضائع ماركو، ولا حتى القوة الجنية وحدها! الواقع البشري يدافع عن نفسه!"
تقدمت هانا خطوة فجأة. لقد أيقظها الإذلال في كلمات بابادوك. كان محقًا؛ الموت على يد كابوس مأساوي عظيم شيء، والموت على يد خيال بائس ومرعب شيء آخر.
"إنه محق!" صرخت هانا، موجّهة كلامها للناجين. "نحن لسنا شخصيات في كتاب! لن نموت كضحايا! لنقاتل! ساعدوا بابادوك!"
كانت نداء هانا بمثابة الشرارة الأخيرة. تجمّع الشباب الخائف بسرعة، مدفوعين بالحاجة الغريزي للدفاع عن النفس والإهانة التي شعروا بها من أن نهايتهم ستكون على يد "خيال كاتب سمين".
"هيا! إلى الأبواب!" صرخ أحدهم.
اندفع الناجون، ومعظمهم من طلاب الثانوية الأقوياء، نحو الأبواب الزجاجية والمداخل الجانبية الأخرى. استخدموا الطاولات والمقاعد المتبقية في الصالة، واندفعوا بأجسادهم وأوزانهم، يضغطون على مقابض الأبواب ويضعون الأثاث خلفها كتحصينات بدائية.
عاد بابادوك للانضمام إليهم عند المدخل الرئيسي، لكن هذه المرة، لم يكن وحيدًا.
مع كل قوة بشرية تضاف إلى الباب، ومع كل كرسي يُوضع كـ"متراس"، كان صرير الأبواب يقل تدريجيًا. كانت الحشود في الخارج تواصل الضغط، لكنها لم تستطع تجاوز هذه المقاومة البشرية الموحدة.
"هذا جيد!" صرخ بابادوك، وهو يشدد قبضته على الإطار المعدني. "هذا هو ما أقصده! هذا أقوى من السحر! هذا هو الإصرار البشري!"
نجحت الخطة نوعًا ما. تم احتواء الهجوم في اللحظة الأخيرة، وتوقف تدفق الوحوش المتزايد. لكن القتال لم ينتهِ، فقد كانت الوحوش تحاصر المدرسة، وتضغط باستمرار على المداخل، وتنتظر اللحظة المناسبة للانهيار.
كان مصير الجميع الآن يقع بين قوة التحصينات البشرية التي أقامها المراهقون اليائسون، وسرعة فيرتشايلد في إنهاء رواية الواقع الجديد داخل المكتبة.
في قلب المكتبة، كان فيرتشايلد يركز كل طاقته الإبداعية على مفاتيح آلة الكتابة، بينما كان بليك يقف عند النافذة، يراقب الأفق بترقب عصبي، مُنتظرًا وصول المرتزقة الكونيين. فجأة، اخترقت جدار الصمت صيحات عالية وهتافات جماعية من صالة الألعاب الرياضية. لم تكن صرخات ذعر، بل كانت هتافات قوة، صوت المقاومة البشرية الموحدة.
ابتسم بليك ابتسامة واسعة وغير متوقعة. ضحك ضحكة قصيرة وعميقة، تحمل إحساسًا بالارتياح والرضا. التفت إلى فيرتشايلد، الذي توقف للحظة، رافعًا أصابعه عن الآلة.
"هل سمعت؟" قال بليك، وعيناه تلمعان. "لقد نجح بابادوك. هؤلاء المراهقون... إنهم يقاتلون. انظر، هذا هو الفرق بين الخيال وبين الإرادة الحية. هذا هو ما يجب أن تكتب عنه!"
أومأ فيرتشايلد ببطء. كان وجهه المُجهد يضيء بفكرة جديدة. لقد كانت صيحات الناجين بمثابة الضوء الذي اخترق كتلة الكاتب. لقد حصل أخيرًا على التصور الكامل لـ القصة التي يجب أن يكتبها، قصة نهاية الوحوش التي تقرّ بأن الواقع البشري له قوة خاصة به لا يمكن للخيال أن يقهرها.
"أجل... أجل، هذا هو." تمتم فيرتشايلد، يده تتحرك بخفة ورشاقة على المفاتيح مجددًا، والحبر يتدفق من الآلة بسرعة أكبر، والجمل تترابط وتتلاحم بقوة وحكمة لم يكن يمتلكها قبل لحظات. "النهاية يجب أن تكون اعترافًا بانتصار الواقع..."
كان فيرتشايلد يغوص في أعماق السرد، وبليك يشعر ببعض الهدوء وهو يرى الكاتب يعمل بكامل طاقته. ولكن في تلك اللحظة الحاسمة، انقطع كل شيء.
انقطع الضوء.
لم يكن انقطاعًا كهربائيًا عاديًا. لقد كان انقطاعًا مفاجئًا ومطلقًا للضوء، كأن ضوء المكتبة ابتلعته حفرة سوداء. غرقت الغرفة في ظلام كثيف لا يتخلله إلا ضوء القمر الخافت الذي تسرب من النافذة البعيدة.
وقبل أن يستوعب بليك أو فيرتشايلد ما حدث، عادت الأضواء بوميض سريع. وفي اللحظة التي عادت فيها الرؤية، لم تكن آلة الكتابة على الطاولة.
بدلاً من ذلك، وقف كيان صغير أمامهما مباشرة. كان هذا الكيان، المعروف باسم سلابي، يقف بهدوء مخيف على أرجل الطاولة، ممسكًا بآلة الكتابة الضخمة بيده الواحدة الصغيرة وببراعة شيطانية.
شعر بليك بصدمة هائلة. لم يرَ سلابي من قبل؛ لم يكن سوى خيالًا روائيًا آخر. لكن هذا الكيان لم يكن مجرد دمية خشبية، بل كان تجسيدًا مخيفًا للشر الكوميدي. كانت الدمية ذات الوجه الشاحب والشعر المصفف ترتدي بدلة أنيقة، وعلى وجهها ابتسامة ساخرة، مُتغطرسة، وساخرة من كل شيء.
"يا إلهي..." تمتم بليك، كان صوته خافتًا يحمل مزيجًا من الغضب والذهول. "إنه تجسيد لكل ما هو كريه في هذا الكون."
نظر سلابي إلى بليك وفيرتشايلد بملامحه الجامدة، ثم أطلق ضحكة قصيرة وباردة، كصوت صفير الريح في زاوية مظلمة.
"حسنًا، يا أبي المُبدع، ويا صديقه البطل الساذج." قال سلابي، وصوته كان أجشًا وغريبًا، كأنه قادم من صندوق خشبي. "هل تحاولون إنهاء القصة؟ أنا آسف، لكن النهاية التي أراها أكثر تسلية هي... التحطيم الكامل."
رفع سلابي آلة الكتابة الضخمة فوق رأسه بسهولة مرعبة لا تتناسب مع حجمه. كان سيفعلها؛ كان على وشك أن يسقطها ويدمر مفتاح نهاية هذه الفوضى.
"هذا هو التهديد الأخير." قال سلابي بابتسامة سادية، يميل رأسه الصغير. "إما أن تسلمني الكتاب السحري، أو أدمر الآلة، وتكون نهايتكم بلا نهاية! هيا، أيهما أكثر كوميديا؟"
كانت هذه هي اللحظة الحاسمة. لم يكن بليك ليتحمل هذا التهديد المُتغطرس.
في اللحظة التي نطق فيها سلابي كلمة "كوميديا"، اتخذ بليك قراره. كان قد لاحظ نمط الدمية في الوصول: انقطاع الضوء، ثم الظهور الفوري في مكان آخر. كان سلابي يتحرك عبر الفراغات البصرية.
أغمض بليك عينيه جزئيًا، وركّز كل طاقته على التنفس الصوتي، وهي تقنية سحرية قديمة تتجاوز الرؤية. إنها تقنية تسمح للشخص بسماع حركة الهواء والصدى وتغيرات الضغط في الفضاء القريب، مما يكشف عن التغيرات في الوجود المادي. كان بليك يسمع الآن نبض قلب فيرتشايلد المتسارع، وصوت تكسر الزجاج في الخارج، وفجأة، سمع صوتًا آخر: تغير طفيف في كثافة الهواء خلفه، رغم أن سلابي كان أمامه.
لقد كان فخًا بصريًا.
"أعلم ما تفعله أيها المهرج!" صرخ بليك، وهو يدير جسده في حركة خاطفة، ويطلق لكمة هائلة مُشبعة بمانا الريح، ليس باتجاه المكان الذي رأى فيه سلابي، بل باتجاه الصدع الهوائي الصغير الذي سمعه خلف ظهره.
كانت لكمة بليك دقيقة جدًا، اخترقت الظلام البصري. في اللحظة التي ضرب فيها بليك، انقطع الضوء مرة أخرى في المكتبة.
طاااااااخ!
كانت اللكمة قد أصابت شيئًا ما. سمع بليك صوت ارتطام قوي ومعدني قبل أن يعود الضوء مرة أخرى.
عندما استعادت الرؤية، لم يكن سلابي موجودًا. لقد اختفى تمامًا. لكن آلة الكتابة سقطت أرضًا بقوة، وهناك شق صغير ظهر على أحد جانبيها. لقد كانت اللكمة قد أصابت سلابي في اللحظة التي كان يهم فيها بالانتقال خلف بليك، مما أفقده توازنه وأجبره على إسقاط الآلة والهرب.
هرع فيرتشايلد إلى الآلة بسرعة، مُفترشًا الأرض، وضمّها إلى صدره كأنه طفله المفقود. "آه، آلة الكتابة! لقد أصابها... لقد أصابها! لكنها ما زالت تعمل... ما زالت تعمل!"
وقف بليك بصدمة أكبر من ذي قبل. لقد كان هذا الكيان الساخر أول وحش يضربه بليك ويتمكن من الهرب بهذه السرعة بعد الضربة. لقد كانت قوته الكوميدية السادية توازي سرعة الانتقال المادية.
"إنه... أسرع من الـظل." تمتم بليك، وهو ينظر إلى النقطة التي ضرب فيها.
"هيا بليك!" صرخ بابادوك في جهاز الاتصال الخاص به، صوته كان متقطعًا ويائسًا. "الوحوش على وشك اقتحام الباب الثانوي! الناجون لن يصمدوا طويلاً!"
نظر بليك إلى فيرتشايلد الذي كان يضع الورقة الرابعة في الآلة بأصابع مُرتعشة ولكنها مُصرة.
"أنت، ابقَ هنا واستمر في الكتابة! لا تتوقف مهما حدث! سأذهب لأكسب لك الوقت!" صرخ بليك، وهو يلتقط سيفه من على الأرض.
"اذهب يا بليك! أنا أرى النهاية! اذهب وساعدهم في كتابتها!" صاح فيرتشايلد، وهو يضرب أول مفتاح في الصفحة الأخيرة.
اندفع بليك خارج المكتبة كالرصاصة، متجهًا نحو صالة الألعاب الرياضية، تاركًا خلفه صوت طقطقة آلة الكتابة العنيفة، مُتحديًا الوحوش القادمة والتهديد الكوني
، بعد أن اكتشف أن أسوأ عدو له قد يكون دمية خشبية ساخرة.