ارتفعت أصوات السيوف تصطك بعنف في قلب تلك الناطحة السحابية الشاهقة، صدى الكاتانا الحاد يمزق سكون الهواء المشحون بالخطر. كان أكيهيكو يقف كعمود من الفولاذ، زيه القتالي الأسود يتماهى مع الظلال، وسيفه اللامع يمثل امتدادًا لإرادته التي لا تلين. كانت عيناه تشتعلان بتركيز مميت، وكل ذرة من جسده تصرخ بفن القتال المتأصل فيه.
في المقابل، كان باكي يتراجع قليلاً، لكنه ليس مهزومًا. كانت بنيته العضلية المذهلة تتلوى تحت الضغط، جاعلاً كل حركة لديه بمثابة لوحة فنية للقوة الغاشمة. كانت أسلحته التقليدية، مزيجًا من قوة جسده ومهاراته القتالية الفطرية، تُقابل فن سيف أكيهيكو المدمر.
"تَنَفُّسُ البَرْقِ، الوَضْعِيَّةُ الأُولَى: هَمْسُ الرَّعْدِ!"
صاح أكيهيكو بكلمات كأنها تنبع من عمق صدره، لم تكن مجرد تقنية، بل كانت استدعاءً لقوة طبيعية. في جزء من الثانية، تحوّلت حركته إلى وميض أزرق خاطف. لم يكن مجرد سرعة، بل كان اهتزازًا في الهواء يسبق وصول النصل. ركض أكيهيكو عبر الأرضية الزجاجية بأقدام لا تُصدر صوتًا، والسيف ينسج قوسًا فضيًا نحو عنق باكي.
تمكّن باكي ببراعة مدهشة من توقع زاوية الهجوم. انزلق جسده على الأرض في حركة ليّنة ومحسوبة، كأنه تيار ماء ينساب حول صخرة. لكنه لم يكتفِ بالدفاع؛ ففي أثناء انزلاقه، ضغط على زناد أحد مسدساته الصغيرة التي كانت مثبتة بإحكام في معصمه، مطلقًا رصاصة واحدة نحو ساق أكيهيكو الداعمة.
أكيهيكو، الذي كان في ذروة اندفاعه، لم يكن لديه متسع من الوقت لتغيير مسار السيف، لكن جسده كان يمتلك رد فعل متدربًا على مدى سنوات طويلة. لوى ساقه بسرعة خاطفة، محولاً الاصطدام المباشر إلى احتكاك جانبي. اخترقت الرصاصة النسيج السميك لزيه، لكنها لم تطل العظم، تاركةً وراءها شعورًا حارقًا لم يهتم به.
تراجع أكيهيكو خطوتين للخلف، ليرسي قدميه بثبات على الأرض. شعر بالحرقة. "قوةُ جسدِكَ مدهشةٌ أيها المُقاتل. لكنَّ الاعتمادَ على الأسلحةِ الناريةِ في قتالٍ بالسَّيفِ هو دليلٌ على ضعفِ فنِّكَ القتاليّ."
ردّ باكي، وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، وكان وجهه يقطر عرقًا من الجهد المبذول، "الضعفُ ليسَ في استخدامِ الأداةِ، بل في الاقتصارِ عليها. جسمي هو السلاحُ الأقوى، والبارودُ وسيلةٌ لتعديلِ المسافةِ. أنتَ مُحارِبٌ عتيقٌ أيها الياباني، ولكنَّ هذا العصرَ لا يرحمُ من يتشبثُ بالماضي وحده."
سحب باكي سكينًا قتاليًا عريض النصل كان مخبأً بإحكام في حزامه. لم يكن سكينًا عاديًا، بل كان نصلًا مصقولًا من سبيكة صلبة، يشبه إلى حد كبير أداة جراحية. "أَخبِرني يا أكيهيكو، هل سيفُكَ هو كلُّ ما لديكَ؟ أم أنَّ لديكَ ما يُماثلُ قوةَ الجسدِ التي أملكها؟"
ابتسم أكيهيكو ابتسامة باردة، خالية من أي دفء، "الكاتانا هي رُوحُ المُحاربِ. إنها تمتدُّ لتُصبحَ جزءًا منِّي. لكنْ إنْ أردتَ أنْ ترى القوةَ الجسديةَ، فلتَرها!"
رفع أكيهيكو سيفه ببطء نحو كتفه، واندفع نحوه. كانت هذه المرة مختلفة. لم يستخدم "تَنَفُّسَ البَرْقِ" بعد، بل اعتمد على قوته البدنية الهائلة، وهي قوة لا تقل ضراوة عن مهارته بالسيف. التقى النصلان في منتصف الطريق. نصل السكين العريض الذي يحمله باكي اصطدم بحافة الكاتانا الحادة، مولدًا شرارة كبيرة من الاحتكاك، كأن نجمًا صغيرًا ولد ومات في لحظة.
قوة الدفع كانت عنيفة. باكي، برغم بنيته، شعر وكأنّه اصطدم بجدار من الخرسانة. دفع أكيهيكو السكين بعيدًا، ثم نفّذ حركة قطع سريعة أفُقِيَّة على مستوى الخصر.
"أووووه!" تلوّى باكي محاولاً الابتعاد، لكن الحدة كانت مخيفة. لم يتمكن من تفادي النصل بالكامل، لكنه تمكن من ثني جسده للأمام بسرعة لا يمكن تصورها، كالمطاط. لمس السيف جلد ظهره، تاركًا خطًا أحمر عميقًا، لكنه لم يتمكن من إحداث جرح مميت.
صرّ أكيهيكو على أسنانه. "تَفادٍ مدهشٌ. جسدُكَ مَرِنٌ لدرجةٍ غيرِ طبيعيةٍ، يا باكي. هل أنتَ مُجرَّدُ إنسانٍ؟"
وقف باكي منتصبًا مرة أخرى، يتنفس بعمق، ويشعر بالدم يسيل من ظهره. لكن الإثارة كانت تطغى على الألم. "أنا نتاجُ التدريبِ والإصرارِ. لستُ مُسوخًا من مُسوخِ أمبريلا. ماذا عنكَ؟ هل أنتَ مجردُ خادمٍ مطيعٍ لأهواءِ ليو تشنغ المريضةِ؟"
شحذ أكيهيكو عينيه، "لستُ خادمًا لأحدٍ، بلْ أنا أتبِّعُ الطريقَ. الخلودُ هو أعلى درجاتِ الكمالِ. ما يفعلهُ الرئيسُ تشنغ هو تطهيرٌ للعالمِ من الضعفِ. أنتم أيها المُتمرِّدون، ترونَ الشّرَّ في سبيلِ التَّطورِ!"
"الخلودُ بالدماءِ البريئةِ؟ بالتجاربِ على الأطفالِ؟" صرخ باكي، صوته يحمل غضبًا مكبوتًا. "ما هي الحياةُ التي تُريدونَها، حياةٌ لا تنتهي، ولكنها مبنيةٌ على جثثِ الضعفاءِ؟ إنَّها ليستْ خلودًا، بلْ لَعْنَةٌ أبديةٌ أيها الأحمق!"
اندفع باكي هذه المرة، محاولاً تقليل المسافة وإلغاء تفوّق الكاتانا. كان يعرف أن فرصته الوحيدة هي الاشتباك القريب جدًا، حيث تصبح قوة أكيهيكو بالسيف محدودة النطاق. رمى باكي سكاكينه، ليس بهدف القتل، بل لتشتيت انتباه أكيهيكو.
انحنى أكيهيكو للخلف متفاديًا السكاكين الطائرة، وفي تلك اللحظة بالذات، استغل باكي الفتحة. قفز عاليًا، ملوحًا بساقيه القويتين مثل مدفعين. ركلة مزدوجة متجهة نحو صدر أكيهيكو.
كان أكيهيكو سريعًا بشكل غير بشري. رفع الكاتانا أفقيًا فوق صدره، مستخدِمًا النصل كدرع. ارتطمت ركلتا باكي بالنصل، مما أدى إلى صوت اهتزاز معدني مزعج. شعر أكيهيكو بارتجاف عميق في ذراعيه، لكنه صمد.
"قوةُ دفعٍ لا تُصدَّق!" فكّر أكيهيكو في نفسه، بينما كان يدفع باكي بعيدًا بدفعة قوية من السيف.
في تلك اللحظة، استغل أكيهيكو الفرصة، ونفذ التقنية التي كادت أن تقتل باكي في اللقاء السابق.
"تَنَفُّسُ البَرْقِ، الوَضْعِيَّةُ الخامسةُ: وميضُ السَّهْمِ!"
كانت حركته هذه المرة أقرب إلى التخاطر منها إلى السرعة البشرية. بدأ أكيهيكو الدوران حول نفسه بسرعة مرعبة، والسيف يرسم دائرة حادة من الضوء الأزرق في الهواء. لم يكن باكي يرى سيفًا، بل كان يرى حلقة فضية مضيئة تقترب منه بسرعة رهيبة.
كان ليون وريبيكا وجيل، الذين كانوا يقاتلون مجموعة من الجنود العاديين، ينظرون بدهشة إلى القتال الذي يدور بين باكي وأكيهيكو.
"باكي... سيُقتل إن لم نفعل شيئًا!" همست ريبيكا بقلق، بينما كانت تطلق آخر رصاصاتها نحو أحد الجنود.
"لا يمكننا الاقتراب، هذا القتال يتجاوز قدرتنا على التدخل المباشر،" قال ليون، وهو يمسك بندقيته الفارغة. "يجب أن نُنهي هؤلاء الجنود أولاً. جيل، هل لديكِ خطة؟"
في تلك اللحظة الحرجة، وبينما كان باكي يتفادى ببراعة حركة "وميض السَّهْمِ"، دافعًا جسده إلى أقصى حدود المرونة، ظهرت هاي يونغ وجو يون.
كانت هاي يونغ تحمل مسدسًا صغيرًا، وعيناها مليئتان بالتصميم بعد أن رأى المشهد المروع للرضيع. أما جو يون، فكانت دمية شخصيته المفضلة مربوطة بإحكام على حقيبة ظهره، لكن تعابير وجهه كانت جادة ومركزة.
"هذا هو الوقت المناسب،" قال جو يون لهاي يونغ بهدوء. "إنهم على وشك الانهيار. لن نتركهم يموتون بسبب جبننا القديم."
أومأت هاي يونغ برأسها بعزم. "لا خيار آخر. ندمنا السابق لن يتكرر."
اندفع الاثنان نحو مجموعة الجنود المتبقية بسرعة غير متوقعة. ركض جو يون مباشرة نحو ليون وريبيكا وربيكا، صائحًا: "انحنوا!"
في الوقت نفسه، أطلقت هاي يونغ رصاصة واحدة بمهارة عالية نحو يد أحد الجنود الذي كان على وشك إطلاق النار على جيل. أصابت الرصاصة هدفه بدقة، وسقط سلاح الجندي من يده.
جو يون، الذي لم يكن مقاتلاً مدربًا، استخدم قوته العادية مدفوعة بأدرينالين الخوف والشجاعة. اصطدم بجسد الجنديين الأقربين لريبيكا وليون بقوة، مستخدماً وزن جسده للدفع. تدافع الجنديان وسقطا أرضًا، مما أحدث فوضى في صفوفهم.
صرخ جو يون بصوت يكاد يختفي، وهو يتنفس بصعوبة: "ليون، ريبيكا! ثغرة! أجهزوا عليهم!"
اندهش ليون وريبيكا وجيل للحظة من هذا الظهور المفاجئ. ثم، بلمح البصر، أدركوا الفرصة الذهبية التي مُنحت لهم.
"شكرًا لكم أيها الحلفاء الجدد!" صرخ ليون بامتنان، وهو يلتقط بندقية الجندي الذي أسقطته هاي يونغ.
استغلت ريبيكا اللحظة، ركلت الجندي الذي كان جو يون يصارعه، ثم سحبت سكيناً من حذائها. جيل، باستخدام مهارتها القتالية اليدوية، قامت بحركة كسر سريعة لذراع الجندي الأقرب.
في غضون ثوانٍ، وبفضل تضحية جو يون وهاي يونغ، انقلب الوضع. الجنود العاديون، الذين كانوا على وشك القضاء على ليون وريبيكا وجيل بسبب نفاد ذخيرتهم، وجدوا أنفسهم الآن مطروحين على الأرض أو مصابين.
نظرت ريبيكا نحو هاي يونغ وجو يون بعينين مليئتين بالتقدير والاحترام. "أنقذتمونا... أنتما من أمبريلا، أليس كذلك؟"
ردت هاي يونغ بصوت ثابت، "كنا كذلك. نحن الآن هنا لإنهاء هذا العبث. هذا أقل ما يمكننا فعله لتكفير ذنبنا."
عاد ليون ليقف بجانبهم، والبندقية بين يديه. نظر إلى الثنائي الجديد بتحفظ ولكنه أومأ برأسه تأكيدًا لصدق كلماتهما. "حسنًا. لكن علينا أن نركز الآن. باكي بحاجة إلى مساعدة."
كان أكيهيكو يلهث بصعوبة، جسده المنهك يتراجع بفعل لكمة باكي الشرير، والتي كادت أن تكسر ضلوعه. سقط سيفه من يده المرتعشة، واصطدم بالأرضية الزجاجية بصدى مؤلم. شعر أكيهيكو بالخيانة الكبرى للتدريب والقوة التي كرس حياته لها. كان باكي، المتطفل المدمر، على وشك توجيه الضربة القاضية التي ستنهي حلم الخلود لشركة أمبريلا.
كان باكي (الشرير)، بابتسامته السادية، يرفع قبضته الهائلة استعدادًا لإنهاء وجود أكيهيكو، مُتحديًا بذلك كل قواعد الشرف والقتال.
في اللحظة الحرجة، حيث كانت قبضة باكي تنطلق كالمدفع، اخترق المشهد صوت إطلاق نار تحذيري. لم يأتِ الصوت من الخلف، بل من الجوانب ومن الأمام، محيطًا بباكي في شبه دائرة.
توقف باكي فجأة، أجبرته غريزة البقاء على التراجع قليلاً، ليجد نفسه محاطًا بالبصر المدجج بالأسلحة. كان ليون وريبيكا وجيل يقفون كحائط ناري، أسلحتهم موجهة نحو صدره بلا تردد. انضم إليهم بسرعة هاي يونغ وجو يون، الذين حملا الآن سلاحين مسروقين، ووجوههما تعكس تصميمًا لا يقبل المساومة على الدفاع عن مصيرهما وعن الشركة.
"تَوَقَّفْ عندَ حَدِّكَ أيها المُتسلّل!" نادى ليون بصوت عالٍ وحازم، سلاحه ثابت لا يرتعش. "أكيهيكو هو هدفُكَ الأخيرُ هنا. لنْ نسمحَ لكَ بتدميرِ عملِ سنواتٍ من التضحيةِ من أجلِ الهدفِ الأسمى."
كانت ريبيكا تطلق نظرات حادة ومشتعلة على باكي. "لقد خسرَ قتالَهُ بشرفٍ أمامَكَ، لكنَّ قتْلَهُ سيكونُ إعدامًا ميدانيًا لنْ نسمحَ بهِ. لدينا هدفٌ أكبرُ منك، أيها المدمرُ."
صرخ باكي ضاحكًا، ضحكة خالية من الفكاهة، مدوية في تلك القاعة الزجاجية. "ما هذا الهُراءُ؟ هل تدافعونَ عن حلمِ الخلودِ الملوثِ بالدماءِ؟ هل تقبلونَ أنْ تكونوا عبيدًا لوهمٍ باطلٍ؟! والآن تقفون سدًا لحمايةِ هذا الساموراي المنهزمِ؟"
أكيهيكو، الذي كان يلهث بشدة ويحاول التقاط سيفه، شعر بومضة من الإحراج ممزوجة بالغضب. لكن كلمات ليون كانت بمثابة طوق نجاة.
تقدمت جيل خطوة للأمام، ونبرتها تحمل تهديدًا لا يمكن تجاهله. "نحنُ نخدمُ هدفًا يتجاوزُ فهمَكَ المحدودَ للقوةِ. إنَّهُ الخلودُ. أما أنتَ، فأنتَ مجردُ عقبةٍ سنسحقُها قبلَ أنْ تصلَ إلى الرئيسِ تشنغ."
نظر باكي إلى هاي يونغ وجو يون بذهول. "أنتما... موظفانِ بائسانِ، رأيتُكما قبلَ قليلٍ! هل قررتما الانضمامَ إلى هذا الجنونِ أيضًا؟ هلْ بعتما روحكما مقابلَ وعودِ رئيسِكما؟"
تدخلت هاي يونغ، وكانت عيناها تحملان نظرة باردة وساخرة. "لقد رأيتُ الوحشيةَ، يا باكي. ولكنَّني رأيتُ أيضًا العظمةَ الكامنةَ خلفَها. إنَّ الرضيعَ الذي ماتَ كانَ تضحيةً ضروريةً، وإنْ كانتْ قاسيةً، في سبيلِ نجاةِ البشريةِ جمعاءَ. لا يمكنُ لشيءٍ أنْ يوقِفَ التطورَ!" كانت كلماتُها قاسيةً، ترفضُ أيَّ شعورٍ بالندمِ، مؤكدةً تحولَها الكاملَ لخدمةِ أمبريلا.
أومأ جو يون برأسه بقوة، رغم أن يده كانت ترتجف قليلاً وهو يمسك بالمسدس. "الخلودُ ليسَ وهمًا. إنهُ الحقيقةُ الوحيدةُ التي تستحقُ القتالَ من أجلها. أنتَ، أيها الشريرُ، تُريدُ أنْ تجعلَنا نعودَ إلى عصرِ الضعفِ والموتِ. لنْ يحدثَ ذلك!"
شعر أكيهيكو بقوة تجري في عروقه مع كل كلمة دعم. رفع رأسه ونظر إلى المجموعة التي تقف أمامه. إنهم ليسوا مجرد موظفين، بل حراس الإرادة.
تمتم أكيهيكو بصوت خافت، "شُكرًا لكم... أيها الموالونَ." ثم، رفع صوته مخاطبًا باكي بقوة جديدة. "أيها المُتسلّلُ، لقد انتهى القتالُ الفرديُّ. هذهِ هي النهايةُ بالنسبةِ لكَ. لا يمكنكَ مواجهةُ جيشٍ كاملٍ لوحدِكَ."
كان باكي محصوراً بين منطق القوة وواقع الأسلحة النارية المصوبة نحوه. كان يعرف أن الاستمرار في الهجوم يعني الموت المؤكد، خاصة بعد أن استعاد أكيهيكو جزءاً من قوته المعنوية.
"حسنًا... حسنًا أيها الحلفاءُ الجُددُ لهذا الساموراي المنهزمِ،" قال باكي وهو يرفع يديه ببطء في إشارة إلى التوقف المؤقت. لكن عينيه كانتا تشتعلان بتهديد لم يختفِ. "لقد أنقذتمْهُ منِّي هذهِ المرةَ، ولكنْ هذا لا يُغيرُ شيئًا في الحقيقةِ. الخلودُ الذي تبحثونَ عنه هو مجردُ كذبةٍ مُرّةٍ. وعندما تدركونَ ذلكَ، سيكونُ الأوانُ قد فاتَ."
وبنظرة أخيرة على أكيهيكو، قال باكي بنبرة هادئة ومُحذرة، "قِتالُكَ كانَ ضعيفًا، أيها المدافعُ. كدتُ أنْ أسحقَكَ. تذكرْ أنَّكَ مَدينٌ بحياتِكَ لهؤلاءِ المدافعينَ الجُددِ، وليسَ لقوتِكَ. سأسمحُ لكم بالعيشِ هذهِ اللحظةَ، لكي تروا بأنفسِكم انهيارَ حلمِ سيدِكم."
التفت باكي بسرعة خاطفة، لم ينتظر ردًا، وبدأ يبتعد. كان يتحرك في أنماط متعرجة ومتقطعة، حافظًا على المسافة بينه وبين الأسلحة المصوبة. كانت خروجه عملاً تكتيكيًا وليس هروبًا مذعورًا.
بقي ليون وريبيكا وجيل وهاي يونغ وجو يون في وضعية إطلاق النار حتى اختفى باكي تمامًا من الأفق، وترك وراءه آثار الفوضى التي أحدثها.
أخيرًا، أنزل ليون سلاحه، تلاه البقية. اقتربت ريبيكا بسرعة من أكيهيكو، وكانت عيناها قلقة.
"أكيهيكو سان، هل أنتَ بخيرٌ؟" سألتْهُ بصوتٍ حنونٍ.
وضع أكيهيكو يده على مكان الضربة على أضلاعه، وعقد حاجبيه من الألم. "أنا بخير... لكنَّ الإصابةَ مؤلمةٌ. لولا تدخّلُكم، لكانَ الأمرُ قد انتهى بشكلٍ مُشينٍ. لنْ أنسى هذا الدَّينَ أبدًا، أيها الرفاقُ."
نظر أكيهيكو إلى هاي يونغ وجو يون بنظرة تقدير خاصة. "أيتها الموظفةُ هاي يونغ، وجو يون. تضحيتُكما في الكشفِ عنْ نفسيكما أمامَهُ كانتْ شجاعةً ومُقدرةً. حمايةُ أسرارِ الشركةِ هي واجبُنا، وأنتما قُمتما بهِ على أكملِ وجهٍ."
ردت هاي يونغ بانحناءة مهنية، "نحنُ في خدمةِ الهدفِ الأسمى، أكيهيكو سان. لقد رأينا الوحشيةَ، ولكنَّ هدفَ الخلودِ يُبررُ الوسيلةَ. ونحنُ عازمونَ على إثباتِ ولائِنا التامِ."
كان الجو مليئًا بالتوتر، فالقتال انتهى، لكن التهديد لم يزُل. كان باكي قد انسحب فقط ليعيد تنظيم صفوفه. الفريق الموالي لأمبريلا (أكيهيكو ورفاقه) كان قد نجا بشق الأنفس.
ساد الصمتُ المُبهمُ قاعةَ الناطحةِ السحابيةِ. كان الفريقُ الموالي لأمبريلا قد بدأ للتو في التنفسِ بعمقٍ، مُعتقدينَ أنَّ تهديدَ باكي قد زالَ مؤقتًا، وأنَّ لديهم متسعًا من الوقتِ لتضميدِ الجراحِ وإعادةِ التموضعِ. كان أكيهيكو يتكئُ على سيفهِ، محاولًا جمعَ قواهُ، بينما كانتْ ريبيكا تقتربُ منهُ لفحصِ ضلوعهِ المصابةِ. ليون كانَ يُعيدُ ترتيبَ الذخيرةِ في سلاحِهِ، وهاي يونغ وجو يون كانا يقفانِ متوترينِ، يُراقبانِ بواباتِ الدخولِ.
"يجبُ أن نتحرّكَ الآنَ،" قال ليون بصوتٍ خفيضٍ وجادٍ، "انسحابُهُ مُريبٌ جدًا. يجبُ أن نأخذَ أكيهيكو سان إلى غرفةِ العلاجِ السريةِ قبلَ أن..."
قبلَ أنْ يُتمَّ ليون جملتَهُ، جاءَ الردُّ صادمًا وسريعًا. لم يكنْ باكي قد غادرَ حقًا؛ كانَ انسحابُهُ مجردَ خدعةٍ ماكرةٍ لخفضِ مستوى التركيزِ لديهم.
اخترقَ جدارَ القاعةِ الزجاجيِّ البعيدِ، الذي كان يطلُّ على الفضاءِ المفتوحِ للمدينةِ، جسمٌ ضخمٌ. لم يكنْ هجومًا عشوائيًا، بل كانَ عودةً مُباغتةً وشديدةَ العنفِ. باكي، بذكائِهِ الشيطانيِّ وبنيتِهِ التي تتحدى قوانينَ الفيزياءِ، استغلَّ هياكلَ المبنى الخارجيةِ كمنصةِ قفزٍ عملاقةٍ.
لقد قفزَ منْ جانبِ المبنى، واستخدمَ عضلاتِ ساقيهِ الجبارةِ ليدفعَ نفسَهُ بزاويةٍ قاتلةٍ اخترقتْ أقسى نقاطِ القاعةِ: الجدارَ الزجاجيَّ المُقوّى.
تحطَّمَ الزجاجُ بضجيجٍ مدوٍّ، كأنَّ قنبلةً انفجرتْ في الغرفةِ. تطايرتْ شظايا الزجاجِ كأمطارٍ منَ الماسِ، وانبعثتْ عاصفةٌ هوائيةٌ قويةٌ منَ الخارجِ، جارفةً معها الأوراقَ والحطامَ.
كانَ هدفُ باكي واضحًا ومحددًا: أكيهيكو.
"لَنْ أسمحَ لكمْ بإنقاذِهِ، أيها الموالونَ! لقد انتهتْ اللعبةُ!" صرخَ باكي بصوتِ وحشٍ، وهوَ يهبطُ بقبضتِهِ الهائلةِ مباشرةً نحو الرأسِ العاري لأكيهيكو، الذي كانَ لا يزالُ منحنيًا متأثرًا بإصابتهِ.
ردُّ فعلِ ليون كانَ غريزيًا وسريعًا. ركضَ نحو أكيهيكو وحاولَ دفعهُ بعيدًا، لكنَّه لمْ يتمكنْ منْ الوصولِ إليهِ في الوقتِ المناسبِ.
لكنَّ جيل، بمهارتِها القتاليةِ المدهشةِ، كانتْ الأسرعَ في التكيُّفِ. لمْ تُطلقْ النارَ، خوفًا منْ إصابةِ أكيهيكو أوْ ليون. بدلاً منْ ذلكَ، دفعتْ نفسَها للأمامِ، مُستخدمةً بندقيتَها كسلاحٍ مُغلقٍ، وضربتْ بها مرفقَ باكي في لحظةِ الهبوطِ.
ارتطمتِ البندقيةُ بقوةٍ في المرفقِ. لمْ تمنعْ الضربةَ، ولكنْ انحرفتْ قليلاً عن مسارِها الأصليِّ القاتلِ.
بدلاً منْ أنْ تسحقَ جمجمةَ أكيهيكو، ارتطمتْ قبضةُ باكي القويةُ بالأرضِيةِ الزجاجيةِ بجانبِهِ مباشرةً. أحدثَ الارتطامُ فجوةً كبيرةً في الأرضِ، وسرعانَ ما بدأَ الصدعُ يمتدُّ عبرَ القاعةِ بأكملِها، مُهددًا سلامةَ الهيكلِ.
"تَبًا له! يا لها منْ قوةٍ!" همسَ ليون، وهوَ يجرُّ أكيهيكو بعيدًا عنْ حافةِ الصدعِ المشتعلةِ.
قفزَ باكي واقفًا، ونظرَ إلى جيل بابتسامةٍ باردةٍ. "مهارةٌ جيدةٌ، أيتها الفتاةُ. لكنْ لنْ تُنقذَكَ مهاراتُكِ اليدويةُ منْ هذا المصيرِ!"
بدأ باكي في الهجومِ على ليون وجيل معًا، مُطلقًا سلسلةً من اللكماتِ والركلاتِ التي لا يمكنُ تصديقُ سرعتِها وقوتُها. كانَ يتحرّكُ كإعصارٍ بشريٍّ.
"فلنتبادلْ إطلاقَ النارِ بشكلٍ مُركَّزٍ!" صرختْ ريبيكا نحو هاي يونغ وجو يون، مُدركةً أنَّ القتالَ المباشرَ مع باكي سيكونُ انتحارًا.
لكنَّ باكي، كأنَّ لديهِ حواسَ خارقةً، توقّفَ فجأةً عنْ مهاجمةِ جيل وليون، واستغلَّ الثوانيَ الثمينةَ التي استغرقتْها ريبيكا ورفيقاها في رفعِ أسلحتِهم، ليقفزَ عاليًا ويتعلقَ بالهيكلِ المعدنيِّ العلويِّ للقاعةِ.
"لنْ تُطلقوا النارَ عليَّ بينما أنا في قمةِ السقفِ! أليسَ كذلكَ، أيها الجبناءُ؟!" نادى باكي ساخرًا، وهوَ يتدلّى رأسًا على عقبٍ، مُختبئًا جزئيًا خلفَ شبكةٍ من الأسلاكِ والقنواتِ الهوائيةِ.
في هذهِ اللحظةِ، كانتْ أعصابُ الجميعِ مشدودةً إلى أقصى حدٍّ. كانَ باكي يلعبُ بهمْ. كانَ يعلمُ أنَّ القضاءَ على أكيهيكو هو الهدفُ، لكنَّهُ كانَ يُريدُ أيضًا تحطيمَ معنوياتِ حلفائِهِ قبلَ ذلكَ.
تحدّثَ أكيهيكو بصوتٍ مُتعَبٍ، لكنَّهُ كانَ مليئًا بالاحتقارِ. "أيها الشريرُ، أتهربُ إلى الظلالِ الآنَ؟ هلْ هكذا يقاتلُ الشُّجعانُ؟"
ردَّ باكي بضحكةٍ استهزائيةٍ، وهزَّ رأسَهُ المعلّقَ. "الشجاعةُ هيَ أنْ تعرفَ متى تقتلُ ومتى تختبئُ. أنا لستُ نينجا قديمًا مثلَكَ، أيها العجوزُ. أنا أُقاتلُ بعقلِ العصرِ، وحربُ العصاباتِ هي أفضلُ أساليبِهِ. سأُبقيكمْ مُتعبينَ ومُرتعبينَ حتى أسحقَكمْ واحدًا تلوَ الآخرِ."
أطلقَ باكي نصلًا حادًا صغيرًا منْ مخبئِهِ نحو هاي يونغ. كانَ هدفُهُ ليسَ إصابتَها، بلْ إخافتَها وتشتيتَها. اخترقَ النصلُ الجدارَ بجانبِ رأسِها مباشرةً، مُطلقًا صرخةً قصيرةً منها.
"علينا أنْ نُهاجمَهُ معًا في وقتٍ واحدٍ!" صرختْ جيل، وهيَ تشيرُ بيديها إلى ليون وريبيكا. "إذا ظللنا ننتظرُ مبادراتِهِ، فسيُنهينا جميعًا!"
"لكنْ لا يمكنُنا أنْ نُصيبَ سقفَ المبنى! ليو تشنغ سينزعجُ جدًا منْ إتلافِ هذهِ التحفةِ المعماريةِ!" قالَ جو يون بتوترٍ، متذكرًا ولائهُ للمبنى بقدرِ ولائِهِ للشركةِ.
ردَّ عليهِ ليون بحدةٍ، "نسيانُ قواعدِ المبنى أفضلُ منْ الموتِ الآنَ، يا جو يون! ريبيكا، أطلقي عليهِ رصاصاتٍ مُخترقةً لكنْ استهدفي الألواحَ المعدنيةَ القريبةَ منْ رأسِهِ فقط! هاي يونغ وجو يون، غَطّيا ظهورَنا!"
بدأتْ ريبيكا بإطلاقِ النارِ على الهيكلِ المعدنيِّ العلويِّ. لمْ تكنْ تستهدفُ باكي مباشرةً، بلْ كانتْ تهدفُ إلى إحداثِ ضوضاءَ واهتزازٍ في مخبئِهِ، لإجبارِهِ على الكشفِ عنْ موقعِهِ.
ارتدَّتِ الرصاصاتُ على المعدنِ، مُحدثةً شراراتٍ وأصواتٍ مُدويةً، مما صعَّبَ على باكي البقاءَ في مكانِهِ.
في هذهِ الأثناءِ، تمكّنَ أكيهيكو منْ سحبِ نفسهِ وارتكزَ على قدميهِ. لمْ يستطعْ القتالَ بكاملِ قوتهِ، لكنَّ شرفَهُ لمْ يسمحْ لهُ بالبقاءِ مُتفرجًا.
"يا ليون! أعطني سلاحًا ناريًا!" طلبَ أكيهيكو بصوتٍ أجشَّ.
"ماذا؟ سلاحًا ناريًا؟" تساءلَ ليون بذهولٍ، فالمعروفُ عنْ أكيهيكو أنهُ يرفضُ استخدامَ أيِّ شيءٍ سوى السيفِ.
"نعم! سيفُكَ لا ينفعُ ضدَّ هذا الوحشِ الذي يختبئُ! لقدْ حانَ الوقتُ لنتكيَّفَ معَ العصرِ، أوْ نموتَ ونتركَ مهمةَ الخلودِ تنهارُ!" قالَ أكيهيكو، مُظهرًا تصميمًا غيرَ معهودٍ.
ناولَهُ ليون مسدسَهُ الاحتياطيَّ بثقةٍ. نظرَ أكيهيكو إلى السلاحِ للحظةٍ قصيرةٍ، كأنهُ يدرسُ قطعةَ أثريةٍ غريبةٍ.
في تلكِ اللحظةِ، انتهزَ باكي فرصةَ تشتتِهمْ. سقطَ منْ السقفِ بسرعةِ الصاعقةِ، مُطلقًا سلسلةً من اللكماتِ الطائرةِ نحو جو يون وهاي يونغ، الذينْ كانا يقفانِ في الصفِّ الخلفيِّ.
"حانَ دورُ الضحايا الجُددِ!" صاحَ باكي بحدةٍ.
كانتْ اللكمةُ الأولى مُوجهةً نحو وجهِ جو يون، الذي لمْ يكنْ لديهِ الوقتُ الكافي للردِّ. لكنَّ هاي يونغ تصرفتْ بشكلٍ مدهشٍ، دفعتْ جو يون بقوةٍ جانبًا، وتلقتْ هيَ نصفَ قوةِ اللكمةِ في كتفِها.
سقطتْ هاي يونغ أرضًا بصرخةٍ مكتومةٍ، والألمُ يجتاحُ ذراعَها. نجا جو يون، ولكنهُ كانَ يرتجفُ خوفًا على رفيقتِهِ.
"يا لكمْ منْ حُمقى!" صرخَ باكي، وهوَ يرفعُ ساقَهُ ليوجِّهَ ركلةً قاتلةً أخرى.
ولكنْ هذهِ المرةَ، كانَ أكيهيكو قدْ وضعَ المسدسَ في يدِهِ. لمْ يُطلقِ النارَ، بلْ استخدمَ سلاحَهُ الناريَّ كشيءٍ آخرَ. ركضَ نحو باكي، مُطلقًا صرخةَ حربٍ يابانيةً قديمةً، وقامَ بضربِ باكي بأسفلِ مقبضِ المسدسِ مباشرةً على الجزءِ الخلفيِّ منْ ركبتِهِ، وهيَ نقطةُ ضعفٍ في الهيكلِ العظميِّ البشريِّ.
كانتْ ضربةً تكتيكيةً مفاجئةً وقويةً بما يكفي. سقطَ باكي على ركبتِهِ فجأةً، متأثرًا بالضربةِ المُوجعةِ وغيرِ المتوقعةِ منْ سلاحٍ غيرِ تقليديٍّ لأكيهيكو.
"هذا هو التكيُّفُ الذي تتحدَّثُ عنهُ، أيها الشريرُ!" قالَ أكيهيكو، وهوَ يرفعُ المسدسَ ليصوبَ نحو رأسِ باكي المُركِّزِ.
كانَ التوترُ على أشدِّهِ. توقفَ الجميعُ عنِ الحركةِ. أكيهيكو على بعدِ خطوةٍ واحدةٍ، وسلاحهُ الناريُّ مصوَّبٌ نحو باكي المُركِّعِ.
لكنَّ القتالَ لمْ ينتهِ بعدُ. كانَ باكي يبتسمُ ببطءٍ، رغمَ الألمِ.
كان أكيهيكو يقف شامخًا، المسدس في قبضته يرتجف قليلاً من قوة اللحظة، مصوبًا على رأس باكي الراكع. كانت تلك اللحظة التي تتوقف فيها أنفاس الكون، حيث تتحدد فيها مصائر الأبطال والأشرار. كان باكي يبتسم ببطء، ابتسامة باردة تحمل معنى التحدي الأخير أو الثقة المطلقة في خطة لم تكتمل بعد.
"هل ستطلق النار؟" همس باكي بصوت لا يحمل سوى الاستخفاف. "هل ستلوث سيف الشرف ببارود الجبناء؟ اطلقها! واثبت أنك لست سوى جندي رخيص لرئيسك الجبان!"
لم يستطع أكيهيكو الرد، كان يصارع بين إرادة القضاء على الشرير وبين مبادئه التي ترفض القتل البارد بالسلاح الناري. في تلك اللحظة، تحطمت تلك اللحظة الحاسمة بفعل شيء خارجي ومروع.
اخترق الصمتَ الذي ساد القاعة صوتٌ مزعجٌ وضخمٌ لم يكن ناتجًا عن زجاجٍ يتكسر، بل عن تصدعٍ مدوٍّ في أحد الجدران الإسمنتية الجانبية للقاعة. كان الصوتُ أقربَ إلى انفجارٍ مكتومٍ، تلاهُ دويُّ ارتطامٍ لشيءٍ ضخمٍ وثقيلٍ جدًا على الأرض.
ارتجفت الناطحة السحابية كلها، اهتزاز عنيف ومفاجئ جعل الجميع يفقدون توازنهم للحظة.
نظر الجميع نحو مصدر الصوت بذهول ورعب مطلق. من الفجوة التي حدثت في الجدار، والتي ظهرت كأن كائناً عملاقاً قد شقها، بدأ يظهر شيء لا ينتمي إلى عالم البشر.
كان الكائنُ ضخمًا، هائلَ البنيةِ والعضلاتِ المفرطةِ التي تُوحي بقوة بدنية لا تُقاوَم. كانت عضلاته متضخمة بشكل مرضي، خاصة كتفاه العريضان اللذان يبدوان كجبلين صغيرين.
كانت التفاصيلُ مُرعبةً:
* الجلدُ في منطقة الرأس كان يبدو متآكلاً وملتهبًا، بلونٍ رماديٍ مُصفَرٍ أو بنفسجيٍ شاحبٍ، وكأن جلدَه البشريَّ قد أُزيلَ ليُكشفَ عن لحمٍ ميتٍ أو مُعادٍ بناؤه.
* الوجهُ كان مشوَّهًا بشكلٍ كبيرٍ؛ لم يكن هناك أنف أو عينان واضحتان. بدلاً من ذلك، ظهر فمٌ مفتوحٌ يكشفُ عن أسنانٍ حادةٍ وكبيرةٍ كأنيابِ الحيواناتِ المفترسةِ، وأجزاء داخلية مكشوفة وغائرة تزيد من منظره البشع. كانت فتحاتٌ أو تجاويفُ غريبةٌ تحلُّ محلَّ الأنفِ أو العينينِ، تمنحُه مظهرًا أعمى لكنهُ يرى.
الملابسُ كانتْ تزيدُ منْ هولِ الموقفِ. كان يرتدي معطفًا أو تنورةً طويلةً داكنةَ اللونِ، خشنةَ الملمسِ وممزقةً، تصلُ إلى أسفلِ الركبتينِ. لكنَّ الصدمةَ كانتْ في منطقةِ الصدرِ والأكتافِ: كانتْ مغطاةً بما بدا وكأنهُ درعٌ واقٍ سميكٌ، مُثبَّتٌ بجلدٍ سميكٍ وأحزمةٍ ومساميرَ صفراءَ أو معدنيةٍ تثبتها بإحكامٍ. هذا التقييدُ الجلدِيُّ والدرعُ المعدنيُّ أعطاهُ مظهرًا صناعيًا، كأنهُ أداةُ قتلٍ خاضعةٌ للتجاربِ، وليستْ كائنًا حيًا طبيعيًا. كانت ذراعاه سميكتان وغليظتان، ويرتدي أحذيةً عسكريةً سميكةً وداكنةً.
الميزةُ الأكثرُ رعبًا كانتْ في كتفهِ الأيمنِ: بقعةٌ كبيرةٌ منَ اللحمِ المكشوفِ أو كيسٍ غريبٍ مُتَّصلٍ بالجسمِ، يتدلى ويختفي تحتَ الدرعِ، ربما كانَ جزءًا من تشوّهِهِ البيولوجيِّ أو طفرتِهِ المريعةِ.
تجمّدَ الجميعُ في أماكنِهمْ. توقفتْ المعركةُ بينَ أكيهيكو وباكي. حتى باكي نفسُه، الذي يجسدُ القوةَ والشرَّ، نظرَ إلى هذا الكائنِ بذهولٍ ووجومٍ لمْ يسبقْ لهما مثيلٌ. لقدْ أدركَ أنَّ هذا الكائنَ يتجاوزُهُ في القوةِ الوحشيةِ.
في هذهِ اللحظةِ المأساويةِ، وبينما كانَ ليون يرفعُ سلاحَهُ في رعبٍ وريبيكا تصرخُ بصوتٍ خافتٍ، كانتْ جيل هيَ الوحيدةُ التي لمْ يذهبْ عقلُها منَ الصدمةِ. خبرتُها العسكريةُ ومعرفتُها العميقةُ بتجاربِ أمبريلا السابقةِ جعلتها تدركُ الحقيقةَ المُرعبةَ على الفورِ.
صرختْ جيل بصوتٍ مُرتعشٍ ولكنْ واضحٍ في فضاءِ القاعةِ: "يا إلهي... هذا مستحيلٌ! إنَّهُ هُنا!"
نظرتْ جيل إلى أكيهيكو، مُحذِّرةً إياهُمْ جميعًا. "هذا الكائنُ... النميسيسُ! إنَّها تجربةٌ منْ تجاربِ أمبريلا الأشدَّ سريةً! لقدْ سمعتُ عنها في سجلاتِ الشركةِ القديمةِ! إنَّهُ سلاحٌ بيولوجيٌ، مُبرمَجٌ بطريقةٍ ما... لهدفٍ واحدٍ ومحددٍ: قتْلُ الخائنينَ جميعًا!"
تحولَ وجهُ أكيهيكو إلى شحوبٍ قاتمٍ. لمْ يكنْ ليو تشنغ قدْ وثقَ بهمْ. لقدْ أرسلَ "النميسيس" للقضاءِ على باكي، ولكنْ بما أنَّهمْ جميعًا كانوا في موقعِ قتالٍ ضدَّ باكي، فإنَّ النظامَ المُبرمَجَ قدْ يعتبرُ الجميعَ هنا مجردَ تهديداتٍ يجبُ التخلصُ منها، أوْ ربما أسوأ، خونةً يجبُ إعدامُهمْ لعدمِ قدرتِهمْ على حمايةِ الشركةِ.
حتى هاي يونغ وجو يون، اللذانِ كانا قدْ أعلنا ولائهما للتوِ، أدركا أنَّ حلمَهُما بالخلودِ أصبحَ كابوسًا. النميسيس لمْ يأتِ لإنقاذِهم، بلْ ليُنهيَ فصلًا كاملاً منَ الصراعِ بالقضاءِ على كلِ منْ عرفَ الكثيرَ في هذهِ القاعةِ.
رفعَ النميسيس ذراعَهُ الضخمةَ ببطءٍ مهيبٍ، وكانتْ حركتُهُ، رغمَ ضخامتِهِ، تحملُ دقةً مُخيفةً. أطلقَ هديرًا عميقًا ومُجوَّفًا منْ فمِهِ المشوّهِ، صوتٌ اهتزَّتْ لهُ القاعةُ والأرضُ تحتَ أقدامِهم.
كانَ هذا الصوتُ هو إعلانَ بدءِ الصيدِ.