132 - مطاردة من قبل النميسيس

في تلك اللحظة المجمدة، حيث توقف الزمن على حافة الهاوية، لم يكن هناك صوت سوى تكسر الجدار الإسمنتي الذي مزقه الكيان القادم. كانت جيل فالنتاين هي الوحيدة التي نطقت، وهمست بكلمة واحدة حملت معها تاريخاً من الرعب البيولوجي: "النميسيس".

لم يتحرك أحد. لم يكن الخوف شعوراً مفرداً، بل كان شللاً جماعياً شبيهاً بالشحنة الكهرومغناطيسية التي تضرب النظام العصبي. كان أكيهيكو، الذي كان يستعد لإنهاء حياة باكي بارنز بمسدسه، يرتجف. لم تكن اليد التي تُصوِّب المسدس هي التي ترتجف، بل إرادته نفسها. هذا الكائن لم يكن يتبع قوانين السيف، لم يكن يمثل تهديداً يمكن احتواؤه بالمهارة البشرية.

أما ليون إس. كينيدي وريبيكا تشامبرز، فقد تحولت عيونهما من التركيز على المرتزق التكتيكي (باكي) إلى التركيز على الخطر البيولوجي الأبدي الذي كانوا يظنون أنهم تخلصوا من مصدره (ويسكر وأمبريلا). كانت ريبيكا تتنفس بصعوبة، يداها تحاولان عبثاً إعادة تلقيم بندقيتها وقد نفدت ذخيرتها. كانت تتساءل في صمت كيف يمكن لهذا الكابوس أن يعود بهيئة بهذا الحجم والوحشية بعد كل ما فعلوه.

وحده جندي الشتاء (باكي بارنز)، الرابض على ركبتيه، هو من كسر صمت الرعب الذي خيم على القاعة. كان يعلم أن التجميد يعني الموت. رفع رأسه، وعيناه المثبتتان على الوحش العملاق كانتا خاليتين من أي أثر للخوف، بل كانتا تعكسان حسابات باردة لا تعرف الهزيمة. سحب باكي نفسه إلى الخلف خطوة واحدة فقط، ووقف على قدميه، يده الميكانيكية تُصدر صوتاً خفيفاً عند شدها.

خطا باكي خطوة إلى الأمام، مبتعداً عن مجموعة الأبطال والموالين لأمبريلا، ووقف مباشرة أمام الكائن المشوه. كان الفرق في الحجم مهولاً؛ كان باكي يبدو كجندي عادي أمام جدار من العضلات المتآكلة.

توقف النميسيس عن الحركة، وأصدر صوتاً عميقاً أشبه بهدير عادم محرك ضخم. الكيس اللحمي الغريب على كتفه كان ينبض بهدوء مخيف.

تحدث باكي بصوت هادئ، صوت مُتمرس في مواجهة ما هو غير منطقي، وكأنه يسأل شخصاً عادياً عن وجهته:

"اسمعني جيداً، أيها السلاح البيولوجي. مهمتي لا تحتمل وجود متغيرات غير خاضعة للسيطرة. لديك هدف واحد، وأنا أملك هدفاً مضاداً. فلنختصر هذا اللقاء. هل أنت معي أم ضدي؟"

كان السؤال محاولة يائسة وغير واقعية للتفاوض مع آلة مبرمجة على القتل، لكنها كانت محاولة ضرورية لاستخلاص ولو جزء ضئيل من المعلومات.

لم يجب النميسيس بكلمات، بل بالانفجار.

في جزء من الثانية، تحول الكائن الضخم من الثبات إلى سرعة مروعة. سدد لكمة يمينية ثقيلة جداً، ليس لكمة بشرية، بل لكمة تُشبه مقذوفاً ثقيلاً. لكمة مصممة لسحق الخرسانة والدروع.

تمكن باكي، بفضل ردود فعله المُحسّنة وخبرته القتالية الطويلة التي تتجاوز قرناً من الزمان، من الانحناء والدوران في اللحظة الأخيرة، مما جعل اللكمة تمر فوق كتفه. لكن حتى مجرد مرور الريح الناتجة عن اللكمة كان كافياً لدفعه إلى الوراء عدة أمتار، مخلفاً وراءه شقاً عميقاً في الجدار المقابل.

أدرك باكي على الفور طبيعة القوة التي يواجهها: قوة خام لا تُقهر.

عاد النميسيس إلى موضعه، رافعاً يده الميكانيكية المُركبة (التي كانت خفية في البداية تحت المعطف)، التي كانت تحمل جهاز قاذف ضخم يبدو كجزء من جسمه. لم يكن قتالاً تكتيكياً، بل كان سحقاَ منظماً.

صرخ ليون فجأة، مُدركاً أن مجرد البقاء في هذه القاعة يعني الموت المؤكد للجميع:

"علينا الخروج فوراً! ريبيكا، جيل، إلى الممرات! أكيهيكو! لن تستطيع قتله هنا!"

في تلك اللحظة، كان أكيهيكو قد تخلص من شلل الصدمة. تذكر سيفه الملقى على الأرض، لكنه أدرك أن لا وقت لإنقاذه. نظر إلى جندي الشتاء الذي بدأ في مناورة يائسة لتجنب هجوم آخر للنميسيس، وقرر أن هذا ليس وقت التنافس.

صرخ أكيهيكو بصوت عالٍ، موجهاً كلامه للموالين الخائفين:

"هاي يونغ! جو يون! انطلقا! لا مجال للموت هنا! الهدف هو الهروب والنجاة!"

لم تتردد جيل ولا ريبيكا هذه المرة. انطلقت جيل أولاً، تليها ريبيكا، نحو فتحة في الجدار كان باكي قد اخترقها للتو. لم يكن نفقاً واسعاً، لكنه كان كافياً للهروب المؤقت.

جو يون، الشاب الأوتاكو الذي كان يحمل دميته، نظر إلى هاي يونغ، التي كانت لا تزال مصدومة بجوار الجدار. كانت عيناها فارغتين، تسترجع على الأرجح ذكريات الرضيع المقتول والتجارب الوحشية لأمبريلا، مُدركة أن النميسيس هو نتيجة مباشرة لجنون سيدها ليو تشنغ.

صرخ جو يون:

"هاي يونغ! تحركي! هذا ليس الوقت المناسب للتوبة! انظري إليه، إنه يأتي نحونا!"

دفعها جو يون بعيداً بقوة، لكنها كانت ثقيلة من فرط الإجهاد والصدمة النفسية.

في هذه الأثناء، كان باكي يقاتل معركته الصغيرة. بعد أن نجح في تجنب الهجوم الأول، حاول باكي استغلال سرعته ورشاقته. أطلق سلسلة من الضربات السريعة والمُركزة من يده الميكانيكية القوية، مستهدفاً المفاصل ونقاط الضعف الميكانيكية الظاهرة على جسد النميسيس.

لكم باكي كتف النميسيس بقوة غير معقولة، لكمة قادرة على ثقب الفولاذ. صدر صوت صرير معدني حاد،

وظهرت شرارات صغيرة، لكن الكائن لم يتزحزح. لقد تم تصميم هذا السلاح البيولوجي لمقاومة أشد الأضرار.

عوضاً عن التراجع، التقط النميسيس إحدى الألواح الإسمنتية التي سقطت من السقف، ولوحاً معدنياً ضخماً، ووجهها نحو باكي بقوة غاشمة. اضطر باكي إلى استخدام ذراعه الميكانيكية لصد اللوح المعدني، الذي تحطم على ذراعه، مما أرسل موجة صدمة قوية إلى جسده كله.

"يا للقوة! هذا ليس مجرد عضلة، إنه كتلة متجددة!" فكر باكي، وهو يتراجع بخفة مرة أخرى.

في هذه اللحظة، كان أكيهيكو قد أدرك أن المسدس لن يُجدي نفعاً، وأن البقاء يعني عرقلة باكي لا محالة.

صرخ أكيهيكو نحو باكي، وهو يتبع ليون وجيل في نفق الهروب:

"لن أساعد سلاحاً حكومياً، لكنك لست شريراً في هذا القتال! حافظ على حياتك، أيها الجندي! سنحتاجها لاحقاً!"

لم يجب باكي. كان كل تركيزه منصباً على تشتيت انتباه الوحش لفترة كافية.

كان المشهد داخل القاعة قد تحول إلى فوضى منظمة:

* باكي في قتال يائس ومركّز، يستغل كل ثانية لعرقلة الوحش.

* ليون وجيل وريبيكا يتسلقون بسرعة عبر نفق الهرب، ويُحدثون ضوضاء معدنية من احتكاك أسلحتهم بالخرسانة.

* أكيهيكو يتبعهم بسرعة، يُلقي نظرة أخيرة على سيفه الملقى على الأرض قبل أن يختفي.

* هاي يونغ وجو يون يهربان أخيراً، يدفعان بعضهما البعض عبر الفتحة الضيقة، مدفوعين بالخوف الذي تفوق على ولائهما السابق.

أدرك النميسيس أن الفريسة تهرب. أطلق هديره الذي تحول إلى صرخة حادة ومخيفة، صرخة تحمل طابعاً بيولوجياً وميكانيكياً في آن واحد. استدار النميسيس نحو نفق الهروب، متجاهلاً باكي للحظة.

لكن باكي لم يتركه. قفز جندي الشتاء كالبرق، وتشبث بظهر النميسيس، مثبتاً يده الميكانيكية على كتفه. استخدم باكي كل قوته لكسر العظام، محاولاً شل حركة الكائن البيولوجي على الأقل.

لكن النميسيس كان أقوى. هز كتفيه بعنف، وأمسك بيد باكي الميكانيكية بيده البيولوجية، ثم ألقاه بقوة مذهلة نحو الجدار المقابل. تحطم باكي على الجدار، تاركاً خلفه شقاً عميقاً في الخرسانة.

على الرغم من الألم، كان باكي سعيداً. لقد نجح في منح زملائه الهاربين بعض الثواني الثمينة.

رفع النميسيس يده البيولوجية مرة أخرى، وهذه المرة نحو الفتحة التي اختفى فيها الأبطال. كانت نية الوحش واضحة: سحق النفق عليهم وهم في الداخل.

صاح باكي، وهو يسحب نفسه من تحت الأنقاض:

"لا! لن تقتلهم!"

عاد باكي للقتال، لكن هذه المرة لم يكن يقاتل من أجل النصر، بل من أجل التشتيت فقط. ركض نحو الكائن، وأطلق صرخة غضب، محاولاً جذب انتباهه بعيداً عن نفق الهروب.

نظر النميسيس إلى باكي، ثم إلى النفق، ثم عاد إلى باكي. عينا النميسيس المشوهتان ثبتتا على الجندي الذي يرفض الاستسلام. كان باكي يمثل تحدياً مستمراً، وتحدياً يجب القضاء عليه أولاً لإكمال المهمة.

في تلك اللحظة الحاسمة، استدار النميسيس عن النفق المليء بالهاربين. رفع يده الميكانيكية التي كانت تحمل قاذفاً غريباً، وصوبه نحو باكي.

كان القتال قد بدأ للتو.

رفع النميسيس القاذف الغريب المثبت على ذراعه الميكانيكية، والذي كان يندمج بشكل عضوي مع الكيان البيولوجي. لم يكن السلاح مجرد بندقية، بل كان كتلة من المعدن المشوه والقوة المكبوتة. صدر صوت أزيز عالٍ، تلاه إطلاق مقذوف كبير ذي طبيعة مشعة وغامضة.

لم يكن لدى باكي بارنز الوقت للمناورة. كانت السرعة التي انطلق بها المقذوف تفوق سرعة استجابته البشرية-الميكانيكية. كل ما استطاع فعله هو أن يرفع ذراعه الميكانيكية الواقية أمام وجهه، في محاولة يائسة لامتصاص الصدمة.

اصطدم المقذوف بالذراع اليسرى الميكانيكية المصنوعة من الفايبرانيوم. لم يتحطم الذراع، لكن قوة الارتطام كانت هائلة لدرجة أنها أرسلت باكي عبر القاعة، مخترقاً الجدار الإسمنتي الصلب مرة أخرى، ليتدحرج في الغرفة المجاورة وسط سحب من الغبار والحطام.

كان الألم الذي شعر به باكي حقيقياً ومروعاً رغم دفاع الذراع الميكانيكية. لقد أصابت الصدمة الجسد البشري تحت الدروع. شعر بأن عظامه ترتجف وأن الضلوع على وشك التكسر. نزف الدم من شفتيه، لكن عينيه ظلتا حادتين ومركزتين.

شعر باكي بإحساس قاسٍ بالهزيمة يزحف إليه. كان هذا الكائن يتفوق عليه في كل شيء: القوة، التحمل، وقوة النيران. كان باكي جندياً فائقاً، مُدرباً على تدمير الدبابات وتفكيك كتائب كاملة، لكنه كان يواجه هنا آلة قتل بيولوجية مبرمجة على تدمير ما هو "خارق".

سمع باكي صوت خطى ثقيلة تقترب، خطى النميسيس الذي لم يُصب بأي خدش. أدرك أن النزال المباشر يعني النهاية. فكر في الهرب، لكن الهروب من وحش بهذا الحجم يعني الالتزام بحرب استنزاف لن يستطيع النميسيس أن يخسرها.

في اللحظة التي كان النميسيس على وشك اقتحام الغرفة التي تدحرج فيها باكي، حدث شيء غير متوقع.

توقف الكائن العملاق فجأة.

رفع النميسيس يده البيولوجية إلى جانبه، وأصدر صوتاً أشبه بالهمس الكهربائي أو الترددات اللاسلكية التي تتداخل مع النظام العصبي. بدأ جسده يرتجف ارتعاشاً خفيفاً، وكأنه يتلقى أمراً من مصدر خارجي.

في هذه الأثناء، في مكان ما في أعماق مقر "الثمانية" السري، كان ليو تشنغ (رئيس أمبريلا والشخصية الرئيسية في المليارديرات) يراقب المشهد عبر شاشات مُتعددة. كانت يده مُثبتة على وحدة تحكم بيولوجية معقدة.

رفع ليو تشنغ نظارته، وظهر على وجهه تعبير بارد وهادئ، تعبير رجل يرى التضحيات كضرورة حتمية، وخسارة النميسيس ككارثة استراتيجية لا تُغتفر. كان بجواره عدد من العلماء، يرتدون معاطف مختبر بيضاء، يعملون على تعديل برمجيات الكائن.

تحدث ليو تشنغ إلى الميكروفون بلهجة آسيوية هادئة وقاسية، كانت كلماته موجهة مباشرة إلى الجهاز المزروع في دماغ النميسيس، الذي كان يحولها إلى نبضات عصبية مفهومة:

"نميسيس. توقف. مهمتك الأساسية هي القضاء على الخائنين الذين فروا. لكن المعلومات الاستخباراتية الواردة تُفيد بأن الكيان الذي أمامك، جندي الشتاء باكي بارنز، لم يعد يُعتبر تهديداً رئيسياً في هذه المرحلة. إنه لم يتلق أوامر من التحالف العسكري. بل لقد قاتل التحالف الكوني وكاد يُقتل. إنه يُمثل الآن قوة مُعارضة للتحالف العسكري الذي اختطف بروس بانر."

همس أحد العلماء بقلق: "سيدي، هل أنت متأكد من هذا التغيير؟ لقد برمجناه لقتل أي تدخل خارجي."

أجاب ليو تشنغ بحدة: "البرمجة قابلة للتعديل عند الضرورة القصوى! هدفنا الأول هو استعادة السيطرة على المدينة وضمان أمن مقرنا، والحصول على شمس المعارف. النميسيس بحاجة إلى حليف يمتلك القدرة التكتيكية والتسلل. باكي بارنز هو أفضل أداة يمكن أن تُضاف إلى قوتنا الغاشمة."

ضغط ليو تشنغ على زر إرسال مُضيء.

في غرفة القتال المليئة بالحطام، أصدر النميسيس صوتاً جديداً ومختلفاً، صوتاً أشبه بالآلة التي تُعيد برمجة نظامها. ثم رفع يده اليسرى البيولوجية نحو باكي الذي كان ينهض بصعوبة من تحت الأنقاض.

فجأة، تحدث النميسيس.

لم يكن صوتاً بشرياً، بل كان هدير محرك ضخم مُصاحباً لترددات مُعدّلة، وكأن الكلمات تُنطق من داخل صندوق معدني صدئ:

"النميسيس يتلقى أمراً... الهدف الرئيسي: القضاء على الخائنين. جندي الشتاء... أنت... مُصنَّف كـ حليف عملياتي."

كانت الكلمات غريبة وميكانيكية، لكنها كانت واضحة بشكل لا لبس فيه.

وقف باكي بارنز، ممسحاً الدم عن شفتيه، وعينه مُتجهة نحو النميسيس. كانت دهشته هائلة، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه، مُدركاً أن هذا الكيان تحول من تهديد قاتل إلى أداة تُقدم له عرضاً غير متوقع. لم يكن باكي يثق في ليو تشنغ أو أمبريلا قيد أنملة، لكنه أدرك أن هذا التحالف هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة ومواصلة مهمته الأصلية.

نظر باكي إلى النميسيس، ورفع ذراعه الميكانيكية ببطء في إشارة للتفاهم. ثم تحدث بصوت جهوري ومهني، وكأنه يخاطب قائده في إحدى العمليات العسكرية:

"تحالف عملياتي مقبول. الهدف المشترك: استعادة السيطرة على المدينة من التهديدات البيولوجية والكونية. أولوياتنا الآن تتفق مع أوامر القيادة العليا. الهاربون الذين غادروا هذه القاعة - أكيهيكو، ليون كينيدي، جيل فالنتاين، ريبيكا تشامبرز، هاي يونغ، وجو يون - هم الآن أهداف أساسية يجب إيقافها بسبب معلوماتهم الحيوية ضد ليو تشنغ."

في هذه الأثناء، كان الفريق الهارب يتسلق الممرات الضيقة. كان ليون يتقدمهم بمسدسه الوحيد، يتبعه جيل وريبيكا، ثم أكيهيكو، وأخيراً هاي يونغ وجو يون اللذان كانا بالكاد يلحقان بالركب.

أشار ليون بيده بضرورة التوقف. كان يسمع صوت الأزيز المعدني القادم من الأسفل.

همس ليون بلهجة حذرة: "توقفوا. هناك صمت مفاجئ. هذا ليس جيداً."

تحدثت ريبيكا بصوت منخفض ومجهد: "النميسيس لا يسكت أبداً إلا إذا... إلا إذا كان قد أصيب بالشلل."

هز أكيهيكو رأسه، وكان وجهه شاحباً. "لا. قوة ذاك الكائن تفوق أي شيء يمكن أن يوقفه باكي بارنز بمفرده. إذا سكت، فإما أن باكي قد مات، أو حدث شيء أسوأ بكثير."

في نفس اللحظة، سمع الجميع صوتاً مرعباً يتردد في الممرات، صوت يجمع بين الهدير والنداء الإلكتروني الموجه. صوت النميسيس:

"تلقي الأمر المشترك. الهاربون... يجب... إمساكهم. يجب... تسليمهم. النميسيس... وجندي الشتاء... يبدآن... التتبع."

تجمد الهاربون في مكانهم. لم يكن الأمر مجرد صوت، بل كان تصريحاً مروعاً بتحالف جهنمي جديد. الكيان الذي كان على وشك قتلهم قبل لحظات، أصبح الآن حليفاً لأكثر جندي تكتيكي خطورة في العالم.

صرخت جيل بفزع خافت، مدركة خطورة الوضع: "لا يمكن أن يحدث هذا! ليو تشنغ تحكم به! هذا تحالف جهنمي!"

تحدث أكيهيكو بصوت حازم، لكنه يعكس يأس الموقف: "بغض النظر عن الدوافع، هذا الكائن يتبع أوامر تكتيكية الآن، وبقيادة باكي بارنز لن يخطئ في البحث. يجب أن نتحرك. فوراً."

نظر ليون إلى الأفق المظلم للنفق الذي كانوا يتسلقونه. قال ليون ببرود:

"لا فائدة من الإسراع في نفق ضيق. سيعثر علينا. علينا الانفصال. أكيهيكو، يجب أن تجد سيفك وتتجه نحو نقطة التجمع. جيل، ريبيكا، اتجها نحو الشارع. هاي يونغ وجو يون، اتجها إلى أبعد مكان يمكن أن يُنسيكما."

تحدث جو يون بقوة: "لن نذهب إلى أي مكان. نحن نعرف هذه المباني أفضل منكم. سنبقى لنشتت انتباههم."

قاطعته هاي يونغ بنبرة أشدّ إصراراً: "بسبب أخطائنا ظهر هذا الوحش. سنبقى لتعويض هذا الذنب. نحن نملك معلومات داخلية يمكن أن تساعدكم على الهروب من التتبع، لكن يجب أن نفترق."

هز ليون رأسه ببطء، مدركاً أن أي نقاش إضافي هو مضيعة للوقت.

"حسناً. إذاً لا تضيعوا وقتاً. كل دقيقة الآن هي ثمن حياة شخص آخر. يجب أن نفترق الآن."

في الغرفة المليئة بالحطام، كان باكي يقف بجوار النميسيس. أشار باكي بيده نحو النفق الذي فر منه الأبطال.

تحدث باكي بصوت عملي:

"النفق ليس الخيار الأفضل. الأهداف لن تكون بعيدة. سنبحث على طول محيط المبنى. أنا أتولى المسح التكتيكي والتحليل الاستخباراتي. أنت تتولى قوة النيران واقتحام العوائق. هل هذه الأوامر واضحة، أيها السلاح البيولوجي؟"

رد النميسيس ببرمجة صوته الهادئ والميكانيكي:

"الأوامر... واضحة. قوة النيران... جاهزة. اقتحام... الوجود."

وفي هذه اللحظة، بدأ الكيانان، القوة البيولوجية العشوائية والذكاء التكتيكي البشري، مهمتهما المشتركة للقضاء على الهاربين.

لم يكد ليون ينهي جملته حتى انطلق الجميع في الممرات المظلمة التي تكتنف ناطحة السحاب المهجورة. كانت الخطة التي وضعها ليون في عجالة بسيطة: التشتيت والانفصال الفوري، لكن تنفيذها كان أمراً آخر في مواجهة قوة منظمة ومتوحشة.

اندفعت جيل وريبيكا أولاً عبر النفق الضيق الذي اخترقه باكي، محاولتين الوصول إلى منطقة المصاعد المُعطلة التي قد توفر لهما طريقاً سريعة نحو الأسفل. كانت جيل تحمل بندقيتها الخالية من الذخيرة وكأنها قطعة من الحطب، تعتمد على خبرتها في التخفي والمناورة، بينما كانت ريبيكا، وهي عالمة كيميائية بالأساس، تلهث بصعوبة، لكنها تتبع رفيقتها بعناد.

تحدثت جيل، وصوتها يتردد بصعوبة في الممر الضيق: "علينا الوصول إلى المطبخ في الطابق الأربعين. قد نجد هناك مادة قابلة للاشتعال يمكن أن نستخدمها كغطاء. هذه الكائنات لا تحب النار."

ردت ريبيكا، وهي تستند على الجدار للحظات لتستجمع أنفاسها: "هل تتحدثين عن النميسيس؟ أياً كانت برمجته الجديدة، فهو كائن بيولوجي. لكن باكي؟ إنه جندي مدرب على القتال في الجحيم نفسه. النار لن تبطئه."

في الخلف، كان أكيهيكو يتسلق ممر التهوية بمهارة فائقة، متحركاً في الظلام كظل، رغم إصابته الأخيرة وفقدانه سيفه. كان هدفه الوصول إلى الطابق الذي ترك فيه سيفه في بداية المعركة، مُدركاً أنه بلا فائدة حقيقية في مواجهة النميسيس و باكي المسلحين.

كان إلى جانبه ليون، يتحرك بخفة أكبر رغم ثقل مسدسه المتبقي. نظر ليون إلى أكيهيكو، مُدركاً سرعة الأخير ومهارته القتالية، وتحدث بنبرة قاسية: "سرعتك في الهرب ممتازة. لكن النميسيس ليس كائناً يبحث بالنظر. أياً كان نظام التتبع الذي يستخدمه، فهو يعتمد على التوقيع الحراري، أو ربما موجات كهرومغناطيسية. يجب أن نكون أسرع من البرمجة نفسها."

"النميسيس يستخدم التتبع الحراري الفائق، والتوقيع البيولوجي عبر رائحة الفيروسات التي يحملها. لقد تم برمجته على تدمير الأهداف الحاملة لآثار فيروس 'تي'. إنه يشم الفيروس في هؤلاء الاثنين،" أجاب أكيهيكو، مشيراً برأسه نحو جو يون وهاي يونغ.

كان جو يون وهاي يونغ يتبعان ليون وأكيهيكو، لكنهما لم يكونا مقاتلين مدربين. كان جو يون يحمل دميته بإحكام، وعيناه تملؤهما مزيج من الندم والذعر، بينما كانت هاي يونغ تنهار تقريباً من الإجهاد الجسدي.

تحدثت هاي يونغ بصوت متقطع، وهي تجاهد للحفاظ على وتيرة الحركة: "أنا... أنا أعرف هذا المبنى. هناك غرفة تبديل كهرومغناطيسي في الطابق السابع عشر. يمكننا تعطيلها لثوانٍ معدودة. هذا قد يشوش على نظام التتبع للنميسيس ويمنحنا مهلة."

"الطابق السابع عشر!" صاح ليون بحدة. "هذا بعيد جداً! علينا أن نتخذ قراراً الآن. إن لم نختفِ في الدقائق القادمة، سيقتحمان هذا النفق من الجانبين."

في هذه اللحظة، شعر الجميع بالاهتزاز. اهتزاز ثقيل وقوي جداً، ليس قادماً من الأسفل، بل من الجدار الجانبي للممر.

"إنه ليس خطى،" همس أكيهيكو. "إنه يكسر الجدران. باكي بارنز يوجهه نحو أضعف نقاط الهيكل، والنميسيس يقتحم ككرة مدمرة."

عندما اخترق النميسيس الجدار الإسمنتي، كان المشهد مروعاً. دخل الوحش إلى الممر الضيق، ورأسه أولاً، يتبعه كتفه العملاق. كان وجوده يملأ الممر بالكامل، ولم يترك أي مجال للمناورة.

لكن المروع أكثر كان ظهور باكي. كان جندي الشتاء يتسلق ظهر النميسيس، وكأنه درع حي يوجه الوحش. كان باكي يصرخ في أذن النميسيس بصوت جهوري: "إلى الأمام! لا توقف! إنهما هنا! استمر!"

كان باكي يوجه الوحش برأس بارد، يُحدد نقاط الضعف الهيكلية، ويستخدم قوة النميسيس لشق طريقه بدلاً من مجرد المشي.

صرخ ليون: "انفصالا الآن! أكيهيكو، اصعد إلى الأعلى! جو يون، هاي يونغ، إلى الأسفل! سنحاول إبطاءهما!"

انقسم الفريق على الفور. دفع أكيهيكو نفسه إلى فتحة تهوية صغيرة كانت بالكاد تتسع لجسده، وبدأ يتسلق بسرعة مذهلة نحو الطابق الأعلى.

أما جو يون وهاي يونغ، فقد اندفعا في ممر جانبي ضيق، يتجهان نحو غرفة التبديل المعلومة.

بقي ليون وجيل وريبيكا في الممر الرئيسي، يواجهون قوة النميسيس وباكي.

صوب باكي نظره نحو ليون، وضحك ببرود: "الأنفاق ضيقة يا كينيدي. لقد وقعتم في الفخ. النميسيس، الهدف الأول: ليون كينيدي. ابدأ التدمير."

عندما بدأ النميسيس في الاندفاع، سدد باكي ضربة من يده الميكانيكية إلى مؤخرة رأس الكائن. كانت الضربة موجهة للتوجيه وليس للإيذاء، مما جعل النميسيس يوجه قاذفه الضخم مباشرة نحو ليون.

لم يكن لدى ليون أي فرصة. قفزت جيل أمامه بسرعة فائقة، وأطلقت آخر ما تبقى لديها من قذيفة صوتية صغيرة من مسدسها الفارغ.

كان الهدف ليس القاذف، بل البرمجة. أحدثت القذيفة الصوتية ضوضاء حادة جداً، مما أدى إلى ارتباك في نظام استشعار النميسيس لمدة جزء من الثانية.

استغل ليون هذه اللحظة. لم يطلق النار، بل انزلق على الأرضية الرطبة، متجهاً مباشرة نحو أرجل النميسيس، بينما كانت ريبيكا تطلق غازاً مسيلاً للدموع من حقيبة إسعافات أولية أعدتها مسبقاً.

صرخ ليون، وهو ينزلق من تحت أرجل النميسيس: "باكي! إنك تتعامل مع آلة! هل نسيت ما فعلوه بك؟ أنت أداة الآن! إنهم يتحكمون بك عبر وحشهم!"

رد باكي بحدة، بصوت يكاد يمزق حباله الصوتية: "هذا لا يهم الآن! الهدف هو إيقافكم! لا يمكن للعالم أن يتحمل وجود خائنين يعرفون أسراراً بهذه الخطورة!"

كانت هذه هي الواقعية القاسية لباكي: حتى لو كان يعلم أنه أداة، فإن إيقاف التهديد الأكبر (الذي رآه في ليون وأصدقائه) كان أولويته القصوى.

استدار النميسيس ببطء، وكان جسده البيولوجي يتأثر جزئياً بغاز ريبيكا المسيل للدموع، لكن باكي على ظهره لم يتأثر مطلقاً. سدد باكي ضربة دقيقة نحو جيل، بينما كانت تحاول الهروب.

سقطت جيل على الأرض، وهي تصرخ من الألم، فقد أصيبت الذراع التي كانت تحمل بها المسدس.

"جيل!" صرخ ليون، وهو يندفع نحوها.

في هذه اللحظة، استغل أكيهيكو الفرصة التي خلقتها الفوضى. كان قد وصل إلى الطابق الأعلى، ووجد أخيراً سيفه الملقى على الأرض. أمسك أكيهيكو بمقبض سيفه، واستعاد قوة "تنفس البرق" التي كانت قد خفتت.

"سأشتت انتباههما!" فكر أكيهيكو، وهو يركز طاقته.

أطلق أكيهيكو صرخة عالية، ثم استخدم تقنية "تنفس البرق: الشكل الثاني – الوميض المنقسم". ضرب أكيهيكو الجدار الفاصل بحدة، مما أدى إلى انهيار جزء كبير منه فوق رؤوس النميسيس وباكي.

غطت سحب الغبار الأبيض الكثيفة النفق بأكمله، مما أوقف تقدم الوحش وجندي الشتاء مؤقتاً.

"هذه هي فرصتنا!" صرخ ليون. أمسك ليون بجيل، وسحبها بقوة نحو ممر جانبي آخر، بينما كانت ريبيكا تتبعهما وهي تلهث.

اختفى ليون وجيل وريبيكا في الممر الجانبي، بينما كان النميسيس يزيل الحطام الضخم عن رأسه.

في تلك اللحظة، شعر باكي أن الهدف قد ضاع. صرخ بغضب، موجهاً كلامه إلى الوحدة المركزية التي تتحكم بالنميسيس: "لقد فقدنا التتبع! التوقيع الحراري ضعيف الآن بسبب الغبار! أين هما؟"

في أعماق مقر "الثمانية"، تحدث ليو تشنغ ببرود: "هدئ من روعك يا جندي الشتاء. التوقيع البيولوجي لـ جو يون وهاي يونغ لا يزال قوياً جداً في الطابق السابع عشر. كائنات أمبريلا تتبع الفيروس، وليس الحرارة. اذهب إليهما. سيقودانك إلى ليون وأكيهيكو."

رد باكي ببرود: "تتبع التوقيع البيولوجي. الأوامر واضحة."

استدار النميسيس بأكمله. لم يعد بحاجة إلى كسر الجدران الآن. كان يعرف بالضبط أين يذهب. بدأ النميسيس بالاندفاع نحو الطابق السابع عشر، متجاهلاً ليون ورفيقيه، مركّزاً على الهدفين الضعيفين اللذين يحملان آثار الفيروس.

كانت المطاردة قد تحولت من صراع على البضاء إلى صراع على المعلومات.

في الطابق السابع عشر، كانت غرفة تبديل الكهرباء مظلمة وكئيبة، تملؤها أصوات أزيز المحولات الكهربائية الهادئة ورائحة الأوزون والغبار. اختبأ هاي يونغ وجو يون خلف لوحات تحكم ضخمة صدئة، وقد كانت نبضات قلبيهما أسرع وأعلى صوتاً من أزيز المحولات نفسها.

كان هدفها هو تعطيل النظام الكهرومغناطيسي لإحداث تشويش، لكن بمجرد دخولهما الغرفة، أدركا أنهما لا يملكان الوقت الكافي لتنفيذ العملية، فالصوت الثقيل والميكانيكي لخطى النميسيس كان يتردد في الممرات المجاورة، يرافقه صوت باكي بارنز الذي يوجه الوحش ببرود مطلق.

جلس جو يون، ووضع دميته بعناية على الأرضية الإسمنتية الباردة. كان وجهه شاحباً، وعيناه تعكسان خليطاً من الخوف الهائل والهدوء الغريب الذي يسبق الاستسلام. نظر إلى هاي يونغ، التي كانت تحاول عبثاً دفع لوح معدني ثقيل أمام موقعهما، كما لو أن المعدن سيوقف النميسيس.

تحدث جو يون بصوت متعب، يحاول أن يبتسم لكن الابتسامة لم تصل إلى عينيه: "هل تذكرين، يا هاي يونغ، عندما كنتِ تصرين على أنكِ لستِ 'أوتاكو'؟ كنتِ تحاولين إخفاء شغفك بالمانغا خوفاً من أن يؤثر على صورتكِ كمساعدة تنفيذية بارعة للسيد ليو تشنغ."

توقفت هاي يونغ عن محاولتها، وأسندت ظهرها إلى اللوح البارد. لم يعد هناك فائدة من الدفع. تحدثت بمرارة، وصوتها أشبه بالهمس الجاف: "كان ذلك سخفاً. لقد كنتُ أخشى أن يكتشف ضعفي. وها نحن الآن، نختبئ كالفئران، نهرب من وحش صُنع بسببي، بسبب جنوني، بسبب ولائي الأحمق لـ 'الخلود الأسمى'."

أومأ جو يون برأسه ببطء. "لستِ أنتِ وحدكِ يا هاي يونغ. كنا معاً. كنا نعتقد أننا سنحقق شيئاً عظيماً، شيئاً يبرر كل تلك الفظائع التي رأيناها. لكن هذا الكائن الذي يطاردنا الآن هو الدليل القاطع على أن كل شيء كان جنوناً وعبثاً. إنه مصيرنا، أليس كذلك؟ وحش أمبريلا سينهي حياة خائني أمبريلا."

عمَّ صمت ثقيل بينهما. كانت رائحة الموت تملأ الغرفة، ممزوجة برائحة الأوزون.

تحدث جو يون، ويده ترتجف قليلاً، لكنه هذه المرة نظر إليها مباشرة، بعينين تحملان صدقاً لم يظهره من قبل، حتى في أحلك لحظات التواطؤ مع أمبريلا:

"اسمعيني جيداً يا هاي يونغ. نحن نعرف أن هذا المصير محتوم. لكن قبل أن ينتهي كل شيء... هناك شيء لم أتمكن أبداً من قوله، ليس بسبب الخوف، بل بسبب الإحساس بالاستحقاق الضائع. لم أستحق أبداً أن أعترف لكِ، بعد كل ما رأيناه معاً. لكن لم يعد يهم الاستحقاق الآن."

توقفت هاي يونغ عن التنفس، كانت تتوقع أي شيء سوى ما سيأتي.

"هاي يونغ... لقد أحببتكِ. أحببتكِ منذ اليوم الذي رأيتكِ فيه ترتدين ملابسكِ التنفيذية الصارمة، بينما كنتِ تحملين رواية كوميدية في حقيبتكِ. أحببتُ الشغف المختبئ خلف الجمود. أحببتُ الصدق الذي كنتِ تحاولين دفنه تحت الأكاذيب المهنية. أحببتكِ أكثر مما أحببتُ نفسي، وكنتُ أتمنى لو أننا هربنا من هذا الجحيم قبل أن يبتلعنا ليو تشنغ."

سادت الغرفة لحظة صدمة نقية. توسعت عينا هاي يونغ، واحمرّ وجهها بشدة، متفاجئةً ومحرجةً بعمق من هذا الاعتراف في مثل هذا الوقت. لقد تجمدت حركتها وشلت الكلمات على لسانها، وكأن الخجل فاق الخوف من الموت.

"جو يون..." همست هاي يونغ، وصوتها يكاد يكون غير مسموع.

كانت تعرف الحقيقة في أعماق قلبها. كانت تعرف أن نظراتها كانت تلاحقه في الاجتماعات السرية، وأنها كانت تحب روحه الصادقة التي لم تهتم أبداً بالخطر. لم يكن جو يون أبداً رجلاً شجاعاً أو قوياً، لكنه كان صادقاً.

"أنا... أنا أيضاً أحببتك، يا جو يون. لكن لم يكن هذا هو الوقت المناسب أبداً. لقد كان كل شيء خاطئاً منذ البداية. لقد ضيعنا حياتنا في مطاردة خلود لم يكن مقدراً لنا."

تغيرت تعابير وجه جو يون. لم يعد يبتسم بمرارة، بل ابتسم بصدق هذه المرة، ابتسامة نقية ومؤلمة.

تحدث جو يون بهدوء: "لا يهم الماضي. ما يهم هو هذه اللحظة، يا هاي يونغ."

مدَّ يده المرتعشة، وتلامست أصابعهما. في تلك اللحظة التي كانت الأصوات الميكانيكية لخطى النميسيس تزداد قرباً، وكأنها طبول الموت تُقرع على باب الغرفة، لم يعد الخوف يهم. لم يعد مصير العالم يهم. لم يكن يهم سوى الاعتراف بالحب الضائع قبل الأوان.

اقتربا من بعضهما ببطء في الظلام، تلامست شفتاهما في قبلة يائسة وحقيقية. قبلة حملت كل سنوات الترقب، والندم، والحب المكبوت، ووداعاً لمصير لم يُتح لهما أبداً أن يعيشاه.

ابتعد جو يون قليلاً، وعيناه تلمعان في الظلام. قال جو يون، والضحكة تكاد تختنق في حلقه:

"ها هي ذي. نهاية مأساوية لقصة حب لم نرسم لها حتى موعداً واحداً. لم نذهب حتى لمشاهدة فيلم... وسنموت."

ابتسمت هاي يونغ بدموع، وبنبرة عذبة وحازمة لم يسبق لجو يون أن سمعها:

"لن نموت اليوم يا جو يون. ليس بعد هذه القبلة. لن نسمح لآلة أن تنهي قصتنا هكذا."

في اللحظة التي انتهت فيها كلمات هاي يونغ، سُمع صوت اصطدام ضخم هزّ المبنى بأكمله. لم يكن النميسيس قد دخل الغرفة، بل كان قد حطّم الجدار الذي يفصل الغرفة عن الممر. ظهرت كتلة النميسيس الضخمة والمشوهة في فتحة الجدار المنهارة، تتبعها هيئة باكي بارنز.

نظر النميسيس إلى الزوجين المختبئين، وتوقيعهما البيولوجي يصرخ في أجهزة استشعاره. رفع الكائن يده الميكانيكية الضخمة، مصوباً قاذفه نحو الهدفين الضعيفين.

تحدث باكي، وعيناه الباردتان تراقبان المشهد: "الهدفان مُحددان. الإمساك أو التدمير. النميسيس، لا ترحم."

أغمضت هاي يونغ عينيها، وشدت يد جو يون بإحكام، مستسلمة للموت.

لكن الموت لم يأتِ.

فجأة، اخترق الغرفة وميض أزرق خاطف، أشبه بصاعقة برق مُركَّزة. لم يكن البرق موجهاً نحو النميسيس، بل كان موجهاً نحو الأرضية الخرسانية أمام الوحش مباشرة.

مزق البرق الإسمنت، وأحدث سحابة كثيفة من الدخان والغبار والأوزون، مما أربك النميسيس مؤقتاً وشوش على رؤية باكي.

أكيهيكو، الذي كان قد وصل إلى الطابق الأعلى واستعاد سيفه، لم يكن قد نسي حلفاءه. كان قد استخدم قوة تنفس البرق من مكان اختبائه في الطابق العلوي لإحداث الفوضى وتشتيت الانتباه.

صرخ أكيهيكو من مكان مجهول، وصوته يتردد عبر الغرفة: "لن أترك أحداً يُقتل بسبب هذا الجنون، يا باكي! خذها!"

استغل جو يون وهاي يونغ لحظة الصدمة والدخان. قفز جو يون على قدميه، وسحب هاي يونغ وراءه.

"هيا، هاي يونغ! لن نموت اليوم!"

انطلق الاثنان يركضان بأقصى سرعتهما عبر الفتحة التي دخل منها النميسيس للتو، متجنبين الحطام. كان ليون قد أحدث الفوضى في الطابق السفلي، وأكيهيكو يغطي في الطابق العلوي. كانت المطاردة قد عادت إلى أوجها، لكن هذه المرة كان الهاربون مدفوعين بوقود الحب المكتشف في لحظة اليأس.

في الغرفة، كان باكي يسعل بسبب الغبار. نظر إلى النميسيس، الذي كان يعيد برمجة نظامه وسط سحب الدخان.

"أكيهيكو. لم تتخلَ عنهم." همس باكي، ثم رفع صوته. "النميسيس! الهدفان هربا! الآن سنطارد الثلاثة! أكيهيكو هو الهدف الأقرب والأكثر خطورة! إلى الأمام!"

بدأ النميسيس يتحرك مرة أخرى، يكسر الجدران بنظام، بينما استمرت المطاردة الملحمية في متاهة ناطحة السحاب المظلمة.

2025/11/30 · 7 مشاهدة · 4352 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025