كان الغبار لا يزال معلقاً في الهواء كستار رمادي كثيف، والأرض تحت أقدامهم متشققة ومحترقة، كأن نجماً قد سقط لتوه. الريح الحارة تهب بقوة، تحمل معها رائحة المعدن المذاب والتراب المحروق. صوت أنفاس مونو ونيرو الثقيلة، الممزوجة بسعلة متقطعة، هو الشيء الوحيد الذي يقطع الصمت المُرعب.مونو تقف على ركبة واحدة، يدها اليسرى تضغط على جانبها حيث تنزف جرحاً عميقاً، ومعطفها الأصفر الممزق يرفرف كجناح طائر مكسور. شعرها الأسود القصير مبلل بالعرق والدم، ونظرتها لا تزال مشتعلة بنار لا تنطفئ. نيرو إلى جانبها، ذراعها اليسرى معلقة بلا حياة، عظامها مكسورة في عدة أماكن، لكن عينيها الزرقاوان لا تزالان تحدقان في كارول دانفرز بنفس العناد المطلق.كارول تقف على بعد عشرة أمتار، ذراعاها مطويتان، الطاقة الكونية تتدفق حولها كتاج من ضوء أبيض نقي. درعها اللامع لا يحمل خدشاً واحداً، ووجهها هادئ كوجه تمثال، لكن عينيها تضيقان قليلاً.«كفى.»

تقول كارول بهدوء يحمل سلطة كونية، «لقد أعطيتكما فرصاً أكثر مما يستحق أي بشري. استسلما، أو أُنهي هذا الآن.»مونو تبتسم ابتسامة دامية، ثم ترفع رأسها ببطء، صوتها خشن لكنه ثابت:«نحن… لا نعرف كيف نستسلم.»نيرو تمسك بيد مونو بيدها السليمة، تضغط عليها بقوة، ثم تتكلم بصوت هادئ لكنه يحمل حديداً:«إذا كنتِ تعتقدين أننا سنترك أصدقاءنا… فأنتِ لم تفهمي شيئاً عنا.»كارول تتنهد، ثم ترفع يدها اليمنى ببطء. الطاقة تتجمع حول كفها، تكثف، تشتعل، تصبح كرة ضوئية بحجم رأس إنسان، ثم تتضاعف، ثم تتضاعف مرة أخرى، حتى تصبح كرة نجمية صغيرة تُعمي النظر.«آسفة.» تقول كارول بصدق، «لكن هذا هو واجبي.»في تلك اللحظة، تتحرك مونو.تدفع نفسها بقوة من الأرض، معطفها يرفرف خلفها كجناحي طائر، وتُطلق آخر ما تبقى لديها من مانا في كرة ذهبية هائلة، أكبر مما أطلقت من قبل، كرة تحمل كل ما تبقى من روحها. الكرة تندفع نحو كارول بسرعة البرق.نيرو، في نفس اللحظة، تُفعّل آخر ختم لديها، ختم الالتصاق الأقوى، ختم أزرق لامع يظهر على صدرها، ثم تندفع بجسدها كله، كرصاصة بشرية، مستعدة للاصطدام بكارول حتى لو كان ذلك آخر ما تفعله.كارول لا تتحرك.تُطلق الكرة النجمية.التصادم فظيع.الكرة الذهبية لمونو تتصادم مع الكرة النجمية، فتنفجر في انفجار أبيض ذهبي يهز الأرض ويُعمي الرؤية. نيرو تصطدم بكارول في نفس اللحظة، تضربها بكل قوتها في الصدر، لكن الدرع الكوني يمتص الصدمة، وكارول لا تتراجع سوى خطوة واحدة.ثم ترفع كارول يدها الأخرى، وتُطلق موجة صدمية كونية نقية.مونو ونيرو تُرميان إلى الخلف كدميتين مكسورتين، تطيران عشرين متراً، ثم ثلاثين، ثم يصطدمان بالأرض بقوة تُخرج الدم من أفواهما. يتوقفان أخيراً، مُمددتين على الأرض، غير قادرتين على الحركة، الدم يسيل من جروح جديدة، والأنفاس تخرج متقطعة.كارول تخفض يدها، تنظر إليهما بنظرة لا تحمل شماتة، بل حزن خفيف.«كان يمكن أن تنتهي هذه القصة بطريقة أقل ألماً.»ثم ترفع يدها مرة أخرى، تستعد للضربة النهائية.فجأة، ينفجر الهواء خلفها.صوت خطوات ثقيلة، سريعة، غاضبة. ظل أسود يقطع الضوء الكوني كسيف.ميليوداس يهبط بين كارول والفتاتين، يديه في جيوبه،

عيناه السوداوان تضيقان، وابتسامة صغيرة خطيرة على شفتيه.كارول تُخفض يدها قليلاً، عيناها تتسعان للحظة، ثم تعودان إلى الهدوء، لكن صوتها يحمل نبرة مختلفة الآن، نبرة تعرف صاحبها جيداً:«ميليوداس… إذن أنتَ هنا أيضاً.»ميليوداس ينظر إلى مونو ونيرو، يقيّم إصاباتهما بنظرة واحدة، ثم يقول بهدوء قاتل:«…تأخرتُ.»مونو تبتسم بصعوبة، صوتها متهدج:«كدتِ تقتليننا… أيها الأحمق.»ميليوداس لا يرد عليها، يدير رأسه نحو كارول ببطء، ثم يخرج يده اليمنى من جيبه ويفتح قبضته: علامة التنين السوداء تتوهج على ظهر يده.كارول تنظر إلى العلامة، ثم إليه، وتهمس بصوت منخفض:«لا تزال تحمل لعنة الشياطين… حتى بعد كل هذه السنوات.»ميليوداس يبتسم ابتسامة لا تحمل أي مرح:«وأنتِ لا تزالين تحملين واجبكِ الكوني… حتى بعد أن رأيتِ ما فعلتهِ بفتاتين لم تؤذياكِ أبداً.»كارول تغمض عينيها لحظة، ثم تفتحهما وهي تتنهد:«لم أرد هذا… لكنكَ تعرفين القاعدة. الكائنات غير البشرية التي تهدد التوازن…»ميليوداس يقاطعها بصوت هادئ لكنه يحمل كل الغضب المكبوت:«هن لسن تهديداً… هن عائلتي.»ثم يُخرج سيفه Lostvayne من ظهره ببطء، يضعه أمام وجهه، ثم يهمس:«الآن… سأجعلكِ تندمين.»

كان الصمت الذي تبع كلمات ميليوداس ثقيلاً كحجر يُلقى في بحيرة ساكنة. الريح توقفت للحظة، والغبار بدأ يستقر على الأرض المحترقة، كأن العالم نفسه ينتظر ما سيحدث.كارول دانفرز لم تتحرك، لكن الطاقة حولها ازدادت كثافة، حتى صار الهواء يهتز بصمت، وكأن قلب نجم ينبض بين يديها. نظرت إلى ميليوداس بعينين لا تعكسان خوفاً، بل تقييماً عميقاً، كمن يرى عدواً قديماً عاد من الموت.«لقد تغيرتَ، ميليوداس.» قالت بصوت هادئ، لكنه يحمل صدىً بعيداً، «كنتَ في السابق تُقاتل من أجل شيء أكبر من نفسك. والآن… تُقاتل من أجل فتاتين؟»ميليوداس لم يرفع سيفه بعد. ظل واقفاً، يداه معلقتان إلى جانبيه، لكن عيناه السوداوان كانتا كحفرتين لا قرار لهما.«تغيرتُ؟» ردّ بهدوء مرير، «لا، كارول. أنتِ من تغيرتِ. كنتِ في السابق تحمين الضعفاء… والآن تُصنفينهم كتهديدات لمجرد أنهم يقاومون.»ثم رفع سيفه ببطء، ليس بطريقة درامية، بل كمن يستعد لشيء يعرفه جيداً، شيء يكرهه، لكنه مضطر إليه.«أنا لا أبحث عن القتال معكِ. لكنكِ وقفتِ في طريقي… وطريقهن.»كارول أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتهما، والضوء فيهما أصبح أكثر حدة.«إذن لا خيار.» قالت، «سأنهي هذا قبل أن يتحول إلى كارثة أكبر.»في تلك اللحظة، اندفع ميليوداس.لم يكن اندفاعاً صارخاً، ولا بهجوماً مُعلناً.

كان اندفاعاً صامتاً، سريعاً، كأن الظل نفسه قرر أن يتحرك. خطوة واحدة، واختفى من مكانه، وظهر أمام كارول مباشرة، سيفه ينساب نحو كتفها بزاوية دقيقة،

ليست قاتلة، لكنها مُعطلة.كارول لم تتفاجأ. رفعت ذراعها بسرعة فائقة، واصطدمت بالسيف بقبضتها المغطاة بالطاقة. التصادم لم يُصدر صوتاً عالياً، بل صوتاً مكتوماً، كأن شيئاً ثقيلاً سقط في الماء العميق. الطاقة تفرّقت في موجة دائرية، هزت الأرض، وألقت بمونو ونيرو إلى الخلف قليلاً.ميليوداس لم يتراجع. ضرب مرة أخرى، ثم ثالثة، ثم رابعة، كل ضربة أسرع من سابقتها، كل ضربة تُحسب بدقة لتُجبر كارول على الحركة، على الدفاع، على استهلاك طاقتها.كارول بدأت ترد. لكمة واحدة، لكنها كانت كموجة صدمية. ميليوداس تفاداها بصعوبة، لكن القوة الهوائية ألقت به إلى الخلف عدة أمتار، فسقط على ركبة واحدة، ثم نهض فوراً.«لا تزال سريعاً.» قالت كارول، «لكن السرعة وحدها لا تكفي.»ميليوداس مسح الدم من زاوية فمه، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن مرحة:«ومن قال إنني أعتمد على السرعة فقط؟»ثم رفع سيفه أمام وجهه، وأغلق عينيه للحظة.الظلام بدأ يتجمع حوله، ليس ظلاماً عادياً، بل ظلاماً ثقيلاً، كأنه يمتص الضوء نفسه. علامة التنين على يده بدأت تنبض، والأرض تحت قدميه بدأت تتشقق.كارول شعرت به. لم تتحرك، لكن عينيها ضاقتا.«هذا…» همست، «هذا هو الشكل الذي رأيته قبل آلاف السنين… عندما كنتِ لا تزالين مجرد جندية في حرب الكون.»ميليوداس فتح عينيه. لم تكن سوداوين بعد الآن. كانت إحداهما سوداء تماماً، والأخرى تحمل دائرة حمراء صغيرة تدور ببطء.«أنا لستُ ذلك الشخص بعد الآن.» قال بهدوء، «لكن إذا اضطررتُ… سأستخدم كل ما تبقى لدي.»ثم اندفع مرة أخرى.لكن هذه المرة، لم يكن وحده.من خلفه، بدأت مونو تتحرك ببطء، رغم الألم، رغم الدم، رغم كل شيء. رفعت يدها المُرتجفة، وكرة ذهبية صغيرة بدأت تتكون في كفها، ليست كبيرة، لكنها نقية، مُركزة، كأنها قلبها نفسه.نيرو، على الأرض، فتحت عينيها، ورفعت يدها السليمة، وبدأت ترسم ختماً أزرق على الأرض، ختم ضعيف، لكنه ينبض بالحياة.لم يكن قتالاً بعد الآن.كان شيئاً أكبر.كان وعدًا.

كان الصمت الذي خيّم على المكان بعد كلمات ميليوداس ثقيلاً كحجرٍ سقط في بئرٍ عميقة. لم يعد هناك ريح، ولا غبار يتحرك، ولا حتى صوت أنفاس بعيدة. كل شيء توقف، كأن الزمن نفسه تردد في متابعة سيره.كارول دانفرز بقيت واقفة في مكانها، ذراعاها مطويتان، لكن الضوء الذي يحيط بها لم يعد يتدفق بسلاسة؛ كان يرتجف الآن، ينبض بإيقاع غير منتظم، كأن شيئاً ما بدأ يُزعج توازن النجم داخلها. نظرت إلى ميليوداس طويلاً، عيناها تضيقان حتى صارتا كخطين رفيعين من الضوء الأبيض.«أنتَ تعرف أنني لا أستطيع التراجع.» قالت بصوتٍ منخفض، لكنه لم يكن فيه تهديد، بل كان فيه شيء أقرب إلى الحزن، «لقد رأيتُ ما يحدث عندما يُترك كائنٌ مثلكَ حراً. رأيتُ كواكب بأكملها تُمحى. رأيتُ أطفالاً يولدون في ظلام لا ينتهي. أنا لا أقاتلكَ لأنني أريد… أنا أقاتلكَ لأنني مضطرة.»ميليوداس لم يرد فوراً. ظل ينظر إليها، سيفه معلقاً إلى جانبه، والظلام الذي يخرج من علامة التنين على يده يتسلل ببطء على الأرض، يبتلع الضوء خطوة بخطوة.«وأنا…» قال أخيراً، صوته هادئ لكنه يحمل وزن آلاف السنين، «أنا مضطر أن أحمي من تبقى لي. لم يعد لديّ مملكة، ولا عرش، ولا حتى اسم يُذكر بفخر. تبقى لي فقط هاتان الفتاتان… ومن خلفهما أصدقاء ينتظرون. إذا كان عليّ أن أُصبح الشر الذي تخافين منه لأحميهم… فسأكون ذلك الشر.»ثم التفت إلى مونو ونيرو.كانتا لا تزالان ملقيتين على الأرض، لكن شيئاً ما تغير. مونو فتحت عينيها ببطء، وكان فيهما بريق ذهبي خافت، كأن شيئاً داخلها استيقظ من جديد. نيرو رفعت رأسها، ذراعها المكسورة ترتجف، لكن يدها السليمة كانت تضغط على الأرض، وختم أزرق صغير يتوهج تحت أصابعها.مونو همست، صوتها مكسور لكنه واضح:«لم… ننتهِ بعد.»

نيرو أكملت، صوتها أجش لكنه ثابت:«لن… نترككَ تقاتل وحدك.»ميليوداس نظر إليهما للحظة طويلة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، صادقة، لم تظهر على وجهه منذ زمن بعيد.«عنيدتان… كما توقعت.»ثم استدار نحو كارول، ورفع سيفه ببطء.«سأعطيكِ فرصة أخيرة، كارول. ارحلي. لا أريد أن أُجبر على قتلكِ.»كارول هزت رأسها ببطء.«ولا أنا أريد أن أُجبر على قتلك.»ثم رفعت يديها، والضوء انفجر من حولها، لكن هذه المرة لم يكن ضوءاً عادياً. كان ضوءاً كونياً نقياً، يحمل في طياته صوت ملايين النجوم، ووزن ملايين السنين.«لكن الواجب… هو الواجب.»وفي تلك اللحظة، بدأ القتال الحقيقي.اندفع ميليوداس أولاً، لكن لم يكن وحده.مونو، بكل ما تبقى لديها من قوة، دفعت نفسها من الأرض، وأطلقت كرة ذهبية صغيرة، لكنها كانت مُركزة بدرجة لا تُصدق، كأنها جوهرة صلبة من المانا النقية. الكرة لم تكن للهجوم، بل لتشتيت انتباه كارول للحظة واحدة.نيرو، في نفس اللحظة، أكملت ختمها الأزرق على الأرض، ودفعته بيدها السليمة. الختم لم يكن قوياً، لكنه كان دقيقاً: ختم الالتصاق المُحسّن، يهدف إلى إبطاء حركة كارول لجزء من الثانية.كارول شعرت بهما. حاولت تفادي الكرة الذهبية، لكنها كانت أبطأ بقليل مما توقعت، بسبب الختم. الكرة مرت بجانب وجهها، وانفجرت في وميض ذهبي أعمى بصرها للحظة.وفي تلك اللحظة، وصل ميليوداس.سيفه قطع الهواء بصوت خافت، لكنه لم يكن يهدف إلى القتل. كان يهدف إلى الإعاقة. ضربة واحدة، نظيفة، نحو معصم كارول اليمنى.كارول تفادت في اللحظة الأخيرة، لكن السيف خدش درعها، وأحدث شرخاً صغيراً في الضوء الكوني.تراجعت خطوة واحدة، عيناها مفتوحتان على وسعهما.«هذا…» قالت بصوتٍ منخفض، «هذا مستحيل.»ميليوداس لم يعطها فرصة للتفكير. ضرب مرة أخرى، ثم ثالثة،

ثم رابعة، كل ضربة أسرع، أدق، أقرب. لم يكن يستخدم قوة شيطانية كاملة، لكنه كان يستخدم كل ما تبقى لديه من مهارة، من خبرة، من سنوات القتال التي جعلته أسطورة.كارول بدأت ترد. لكمة، ركلة، موجة صدمية. كل ضربة كانت تُهدد بتمزيق الواقع نفسه. ميليوداس تفادى، صد، انحنى، قفز، لكنه لم يتراجع.مونو ونيرو، من بعيد، كانتا تتابعان القتال بعيون مُرهقة، لكن فيها شيء جديد: أمل.مونو همست، صوتها ضعيف لكنه واضح:«هو… يقاتل من أجلنا.»نيرو أومأت، دموع صامتة في عينيها:«لن… نتركه وحده.»ثم بدأتا تتحركان ببطء، يسحبان أنفسهما من الأرض، يدعمان بعضهما، يخطوان خطوة… ثم أخرى… ثم أخرى.كارول لاحظت ذلك. حاولت التراجع، لكن ميليوداس لم يسمح لها. كان يُبقيها في مكانها، يُجبرها على القتال، يُجبرها على التركيز عليه.«أنتَ…» قالت كارول بصوتٍ متهدج لأول مرة، «أنتَ تُرهق نفسك… من أجلهما؟»ميليوداس لم يجب. ضرب فقط، ضربة أقوى، أسرع، أعمق.ثم، في لحظة واحدة، توقف.تراجع خطوة واحدة، ونظر إلى كارول بعينين لا تعكسان غضباً، بل شيئاً أعمق: حزن.«كفى.» قال بهدوء، «لقد رأيتُ ما يكفي من الدم. ارحلي… ودعينا نعيش.»كارول نظرت إليه طويلاً، ثم إلى مونو ونيرو اللتين كانتا تقتربان ببطء، متكئتين على بعضهما، دماؤهما تسيل، لكنهما لا تزالان تقفان.ثم أخفضت يديها.الضوء الكوني بدأ يخفت ببطء.«ربما…» قالت بصوتٍ منخفض، «ربما كنتُ مخطئة.»ثم استدارت، وطارت بعيداً، تاركةً خلفها صمتاً ثقيلاً، وثلاثة أشخاص يقفون في وسط أنقاض مدينة محترقة، أحياء… لكن بثمن.

لم يكن الصمت الذي سقط بعد كلمات ميليوداس صمت سلام، بل كان صمت ما قبل العاصفة الحقيقية.كارول دانفرز لم تتحرك بعد، لكن الضوء حولها ازداد كثافة، حتى صار الهواء نفسه يتألم من الضغط. نظرت إلى ميليوداس بعينين لا تعكسان خوفاً، بل تقييماً بارداً، كمن يقيس مسافة بين نجمين.ثم سمعت خطوات.خطوتان ثقيلتان، متعثرتان، لكنهما مُصممتان.مونو ونيرو كانتا تقتربان.مونو تسحب نفسها بصعوبة، ذراعها اليمنى مُعلقة بجانبها، لكن يدها اليسرى مرفوعة، وفي كفها كرة ذهبية صغيرة، ليست كبيرة، لكنها مُركزة، مُكثفة، كأنها قطرة من الشمس نفسها. نيرو تمشي إلى جانبها، ذراعها المكسورة تتدلى بلا حياة، لكن قبضتها السليمة مُغلقة، وعضلاتها ترتجف من الجهد، لكن عينيها لا تزالان مشتعلتين.كارول التفتت إليهما ببطء، عيناها تضيقان.«ألم أقل لكما كفى؟»مونو لم تجب. رفعت يدها أعلى، والكرة الذهبية ازدادت سطوعاً.نيرو تكلمت بصوت خشن، لكنه واضح:«لم ننتهِ… حتى ننتهي.»ثم اندفعتا.لم تكن اندفاعة بطولية، ولا صارخة. كانت اندفاعة صامتة، يائسة، لكنها صادقة. مونو أطلقت الكرة الذهبية الأولى، ليست كبيرة، لكنها سريعة، مُركزة، تتجه مباشرة نحو صدر كارول. في نفس اللحظة، اندفعت نيرو بجسدها كله، ليس بسحر، بل بقوة خام، عضلية، بشرية، كأنها تريد أن تصطدم بكارول وتُحطمها بجسدها نفسه.كارول لم تتحرك. رفعت يدها، وموجة صدمية كونية انطلقت، أبطأت الكرة الذهبية، ثم حولتها إلى غبار ذهبي. ثم أمسكت نيرو من رقبتها بيد واحدة، ورفعتها عن الأرض كأنها لا تزن شيئاً.

نيرو لم تصرخ. ضربت بقبضتها السليمة في درع كارول، مرة، مرتين، ثلاثاً، حتى سال الدم من مفاصل أصابعها.كارول نظرت إليها بعينين لا تعكسان غضباً، بل شيئاً أقرب إلى الإعجاب المُر.«عنادكما… يُذكرني بأشخاص كنتُ أعرفهم.»ثم ألقت نيرو بعيداً، لكن ليس بقسوة. سقطت نيرو بجانب مونو، وكلتاهما تنفسان بصعوبة.ميليوداس لم يتحرك. ظل يراقب، سيفه في يده، عيناه تتابعان كل حركة.ثم تكلم بهدوء:«كفى.»كارول التفتت إليه.«قلتُ كفى.» كرر ميليوداس، صوته لا يزال هادئاً، لكنه يحمل شيئاً جديداً، شيئاً خطيراً، «لقد رأيتُ ما يكفي. أنتِ لستِ عدوة. وهن لسن تهديداً. دعينا ننهي هذا… بلا دماء أكثر.»كارول نظرت إليه طويلاً، ثم إلى مونو ونيرو، ثم إلى السماء التي بدأت تتحول إلى اللون الرمادي مع اقتراب الفجر.ثم أخفضت يديها.الضوء الكوني بدأ يخفت ببطء، كأن نجماً قرر أن ينام.«ربما…» قالت أخيراً، صوتها منخفض، «ربما كنتُ مخطئة.»ثم استدارت، وطارت بعيداً، تاركةً خلفها صمتاً ثقيلاً، وثلاثة أشخاص يقفون في وسط أنقاض مدينة محترقة، أحياء… لكن بثمن.مونو سقطت على ركبتيها، تنفسها متقطع، لكنها ابتسمت.نيرو جلست بجانبها، رأسها مائل، لكن عينيها لا تزالان مفتوحتين.ميليوداس أخفض سيفه، ثم اقترب منهما ببطء، جلس بينهما، ووضع يده على كتف كل منهما.لم يتحدث أحد.لم يكن هناك حاجة.

لم يدم الصمت طويلاً.كان الفجر قد بدأ يتلون السماء بلون رمادي شاحب عندما انشق الهواء فجأة بصوتٍ مدوٍّ، كأن نسيج الواقع نفسه قد تمزّق. ظهرت كارول دانفرز من جديد، لكنها لم تعد هي نفسها.لم يعد هناك درعٌ أزرق وأحمر، ولا عينان هادئتان. كان جسدها كله يتوهج بضوءٍ أبيض نقيٍّ مُرعب، كأنها قد استحضرت قلب نجمٍ حيٍّ داخل صدرها. شعرها يرفرف كأنه لهبٌ أبيض، والأرض تحت قدميها تذوب وتتحول إلى زجاجٍ مُحمّر. الطاقة الكونية لم تعد تتدفق منها؛ بل كانت هي نفسها الطاقة.لم تتكلم. لم تُعطِ تحذيراً. رفعت يديها فقط، وانفجر الضوء.موجة صدمية كونية نقية، غير مُشوّهة، غير مُقيّدة بأي قانون من قوانين الفيزياء الأرضية، انطلقت في كل الاتجاهات بسرعة تفوق الخيال. لم يكن هناك صوت، ولا ريح، ولا حتى حرارة؛ كان هناك فقط إلغاءٌ لكل شيء في طريقها.ميليوداس رأى الضوء قبل أن يتحرك. دفع مونو ونيرو بكلتا يديه إلى الخلف، واستدار في اللحظة نفسها، سيفه يشق الهواء أمامه بزاويةٍ مُحسوبة بدقةٍ متناهية. لم يستخدم Full Counter هذه المرة؛ لم يكن هناك وقت. استخدم شيئاً آخر، شيئاً أقدم، شيئاً لم يُستخدم منذ آلاف السنين: انعكاس الظلام المطلق.الظل الأسود الذي خرج من علامة التنين امتد كدرعٍ أمام الثلاثة، لكنه لم يكن درعاً عادياً؛ كان ثقباً في الواقع نفسه، يبتلع الضوء الكوني بدلاً من صده. للحظة، بدا أن الظل سينهار، لكن ميليوداس صرخ صرخةً خافتة، غير بشرية، ودفع كل ما تبقى لديه من قوة شيطانية في الظل.مونو، وهي لا تزال في الهواء من دفعة ميليوداس، رفعت يدها المُرتجفة وأطلقت كرة ذهبية صغيرة جداً، لكنها كانت مختلفة: كرة مُكثفة حتى درجة الجنون، كأنها حبة رمل من الشمس المضغوطة. لم تُطلقها نحو كارول، بل نحو الأرض أمامهم، لتخلق حاجزاً ذهبياً مُنحنياً يُحوّل جزءاً من الموجة.نيرو

، في نفس اللحظة، ضربت الأرض بقبضتها السليمة، وفعّلت آخر ختم لديها، ختم الجاذبية، ليس لإبطاء كارول، بل لإبطاء الزمن نفسه حولهم لجزء من الثانية، بما يكفي ليتمكنوا من التحرك.الثلاثة نجحوا، بالكاد.الموجة مرت، تُحرق الأرض، تُذيب الصخور، تُشوّه الهواء، لكنها لم تصبهم مباشرة. سقطوا جميعاً على الأرض، أجسادهم مُثقلة بضغط الطاقة المتبقية، يتنفسون بصعوبة.كارول لم تتوقف.اندفعت نحوهم، جسدها يتوهج أكثر، كأنها قررت أن تُنهي الأمر بنفسها. كانت أسرع من الضوء، أسرع من الفكر، لكن ميليوداس كان قد استدار بالفعل، سيفه في يده، ومونو ونيرو كانتا قد نهضتا بصعوبة، عيونهما مشتعلتان.بدأ القتال الحقيقي.ميليوداس هاجم أولاً، سيفه يشق الهواء بضربات سريعة لا تُرى، كل ضربة تُحسب لتُجبر كارول على التحرك بزاوية معينة. لم يكن يحاول قتلها، بل كان يُحاصرها، يُجبرها على البقاء في نطاق معين.مونو أطلقت كرات ذهبية متتالية، ليست كبيرة، لكنها مُتتابعة، مُركزة، كأنها رصاصات من الشمس. كل كرة تنفجر عندما تصل إلى كارول، تُطلق موجات صدمية ذهبية تُبطئ حركتها، تُزعزع توازنها.نيرو لم تعد تستخدم سحراً. لم يبقَ لديها مانا تقريباً. لكنها كانت تستخدم جسدها فقط، قوة خام، بشرية، لكنها مُرعبة. كانت تندفع نحو كارول، تضرب بقبضتها، بركبتها، بكتفها، بكل ما تبقى لديها، كأنها تريد أن تُثبت أن الإنسان يمكنه أن يُقاتل نجماً.كارول كانت تُدافع، لكنها لم تعد تُهاجم بنفس القوة. كانت تُصد، تُحاول التراجع، لكن الثلاثة لم يسمحوا لها.كانوا يُحاصرونها.ميليوداس يضرب من الأمام، مونو من الجانب، نيرو من الخلف.كانوا يُنسقون بدون كلام، بدون إشارات، كأنهم جسد واحد.

كارول بدأت تُرهق. لأول مرة، بدأ الضوء حولها يخفت قليلاً.ثم، في لحظة واحدة، أمسكت نيرو بذراع كارول.لم تكن قبضة قوية، لكنها كانت كافية.نيرو، بآخر ما تبقى لديها من مانا، فعّلت ختماً أزرقاً مباشراً على صدر كارول.ختم الإغلاق الكامل.الختم لم يكن لإبطائها، بل لإغلاقها.الطاقة الكونية بدأت تتجمد داخل جسد كارول، كأن قلب النجم قد توقف فجأة.كارول صرخت لأول مرة، صرخة لم تكن بشرية، بل كانت صرخة كونٍ يُغلق.ثم سقطت على ركبتيها.نيرو سقطت بعدها مباشرة، فاقدة الوعي تماماً، جسدها مُنهكاً، لكن ختمها لا يزال يعمل.ميليوداس ومونو وقفا بجانبها، يتنفسان بصعوبة، ينظران إلى كارول التي كانت تُحاول النهوض، لكنها لم تستطع.كان القتال قد انتهى.لكن الثمن كان باهظاً

2025/12/09 · 5 مشاهدة · 2779 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025