{اليوم الثاني من اللعنة}

لعنات الأيام الثلاثة عشر مستمرة... وكل تأخير، كل تفصيلة، قد تكون مصيدة لا أدركها.

دخلت الفصل، وكانت هناك.

ميساكي.

جالسة في مكانها المعتاد، عيناها نصف مغمضتين كأنها نائمة، أو كأنها فقط... منهكة من الموت. لا أحد يراها. لا أحد يلاحظ الفتاة ذات العين الواحدة والضمادة القديمة. حتى أنا، لم أبادلها نظرة.

تذكرت ما قالته لي:

"لا تتحدث إليّ أمام الآخرين... هذا مهم."

صوتها كان ما زال عالقًا في مؤخرة رأسي كصدى خافت.

فلم أكلمها. فقط مشيت بهدوء وجلست في مقعدي.

أغمضت عيني للحظة.

"صباح الخير بليك-سان!"

فتحتهما بسرعة. كان سورا، بابتسامته الدائمة وصوته المشع بالحياة.

"صباح الخير سورا-سان"، رددتها بابتسامة صغيرة، وربما أكثر ارتباكًا من المعتاد.

بدأنا نكمل حديث الأمس، تلك المحادثة التي تركت في نفسي أثرًا غير متوقع.

شعرت أنني أرتاح للكلام معه. ليس لأنه لطيف فقط، بل لأنه... لا يتصنع. لا يبدو مهتمًا بأن يربحني أو يخدعني.

ثم دخل الأستاذ، فعُدنا لمقاعدنا.

الساعة مضت ببطء. ليس لأنها مملة، بل لأن رأسي كان يركض في اتجاهين: الحديث مع سورا، والذهاب لنادي الغرائب... والفرصة الوحيدة لرؤية أصدقاء ميساكي.

حين رنّ الجرس، نهضت متجهًا نحو الباب بحماس هادئ.

لكن صوت سورا أوقفني.

"ما رأيك أن نأكل معًا؟"

تجمدت في مكاني.

لو رفضت... سأبدو وقحًا. ولو قبلت... سأضيع فرصتي.

أردت أن أقول "لا"، لكن الكلمات خانتني.

"حسنًا."

قلتُها، وابتسمت مجددًا، وكأن شيئًا لم يكن.

...

جلسنا في الساحة الخلفية، قرب نافورة قديمة، وتشاركنا الطعام.

كان يضحك من نكتة عن أستاذ التاريخ وأنا أبتسم كالمعتوه. في داخلي، كنت أصرخ:

"أنت تضيّع وقتك، بليك! الكتاب، ميساكي، اللعنة!"

لكنني كنت أستمع إليه... لأن جزءًا مني كان بحاجة لهذا الهدوء الزائف.

"لا بأس..." قلتُ في داخلي، "سأحاول بعد الحصص."

لكن الحصص انتهت، والفرصة عادت.

جمعت أغراضي بسرعة، وهممت بالذهاب نحو نادي الغرائب، عندما سمعت صوته مجددًا:

"هيا، لنعد إلى المنزل معًا."

...

لحظة تردّد.

ضحكتي اختنقت داخلي.

"تبا لي... لا أستطيع رفضه."

"حسنا"، قلتها بهدوء، ونحن نبدأ السير معًا... بعيدًا عن النادي.

قبل أن أخرج من المدرسة... وقفت أمامي.

ميساكي.

وقفت في طريقي دون كلام، تنظر إليّ وكأنها تحاول أن تمنعني من التقدّم.

لم تقل شيئًا، لكن ملامحها كانت واضحة.

قالت:

"ماذا تفعل؟ يجب عليك الذهاب إلى النادي."

بهذه الجملة، دمرت قانونها الخاص الذي وضعته بنفسها:

"لا نتفاعل أمام الآخرين."

أبعدت نظري عنها.

كان سورا ما يزال بجانبي يتكلم بحماسة، ولم أكن أريد أن أبدو غريب الأطوار أمامه. لا أريد أن يسألني عمّن أنظر إليه... عمّن أتحدث معه... ولا يراها.

"لماذا توقفت، بليك سان؟"

سألني بصوت مستغرب.

ارتبكت، ثم قلت بسرعة:

"آه، لا لا... لا شيء، فقط... نسيت شيئًا مهمًا. اسبقني."

ابتسم وهز رأسه.

"حسنًا."

راقبته وهو يبتعد، ثم التفتُ نحو ميساكي وسرتُ نحو نادي الغرائب.

خطواتي كانت ثقيلة... شعور غريب بالذنب بدأ يتسلّل.

كانت تمشي خلفي بصمت، إلى أن بدأ الرواق يفرغ تدريجيًا.

عندها فقط فتحتُ فمي:

"شكرًا لكِ... لإيقافي. كنت سأنسى كل شيء وأعود معه."

قالت بهدوء، بدون أي مشاعر:

"لا بأس... المهم أنك تعلمت من خطأك."

توقفت.

"أ... أنتِ غاضبة؟" سألتها.

نظرت إليّ، نفس النظرة الباردة دائمًا.

"أنا لا أشعر، يا بليك. أنا شبح."

كتمت ضحكة قصيرة من توتري.

"حسنًا... ظننت فقط أنكِ غاضبة لأني نسيتك."

"لا بأس."

وصلنا إلى باب النادي، وفتحتُه.

ثم دخلت.

دخلت نادي الغرائب... وكان بالفعل اسمه على مسمّى.

الجدران مغطاة بملصقات لكائنات أسطورية ويوكاي يابانية، بعضها يحدق إليك كأنها تعرفك.

مجسّمات لشخصيات فانتازية مشهورة تتوزع في الزوايا، شموع منتهية ومحترقة نصفها مازال ملتصقًا على الطاولات.

كانت الغرفة فوضوية، لكنها حيّة.

في وسط الغرفة، كان هناك فتى وفتاة جالسين مقابل بعضهما على طاولة كبيرة نسبيًا.

رفع الفتى رأسه أولًا، وقال بصوت ودود:

"أوه، أهلًا! كيف أساعدك؟"

كان يبدو أكبر مني بسنتين. مظهره أنيق وواثق.

نظارات أنيقة تزيد من وسامته، شعره الأسود قصير ومرتب، وعيناه زرقاوان بشكل لافت.

يرتدي سترة فخمة بعض الشيء، وفي صدره معلقة كاميرا رقمية محترفة.

أما الفتاة التي تجلس مقابله، فكانت ذات شعر أسود متوسط الطول، وبشرة بيضاء تميل إلى السُمرة.

عيناها بنيتان، وملامحها متوسطة الجمال. لم تكن تنظر إليّ، وكأنها تفضل أن تظل في الخلفية. بدا واضحًا أنها خجولة. كانت أكبر مني أيضًا، غالبًا في السنة الثالثة مثل الفتى.

قلت بهدوء:

"أنا هنا للانضمام إلى النادي."

ما إن أنهيت جملتي حتى صرخ الفتى بحماس وقفز من مكانه، ليمسك بيدي بفرح طفولي:

"حقًا؟ شكرًا لله!"

رفعت حاجبيّ من المفاجأة، وسألت:

"آه... أيمكنك أن تخبرني لماذا أنت سعيد لهذه الدرجة؟"

ابتعد قليلًا وهو يضحك بإحراج:

"آه، آسف على الحماس الزائد. تصرفتُ معك بطريقة غير مهذبة. اسمي شينتو، من السنة الثالثة. وهذه هوتارو، زميلتي."

هوتارو لم ترفع رأسها، واكتفت بقول:

"م-مرحبا..."

كان صوتها هادئًا ومليئًا بالتحفظ.

قال شينتو وهو ينظر إليها ضاحكًا:

"إنها خجولة قليلاً، لكنك ستعتاد عليها."

أجبت بابتسامة خفيفة:

"اسمي بليك إيثر، من السنة الأولى. وأتمنى أن أنضم إلى ناديكم للغرائب."

قال شينتو بحماس مجددًا:

"بالتأكيد! نحن بحاجة ماسة لأعضاء جدد حتى لا يتم إغلاق النادي. لكن هناك خطوة مهمة قبل ذلك... علينا استدعاء رئيسة النادي، هيمورا."

كررت الاسم:

"هيمورا؟"

هز رأسه:

"نعم، رئيسة النادي. لا أحد ينضم بدون موافقتها. قد تكون في غرفة التصوير أو نائمة في أحد الزوايا… سأذهب لأبحث عنها، فقط انتظر لحظة."

ثم أشار لي أن أجلس على أحد المقاعد، وتوجّه نحو باب داخلي خلف الستارة.

جلست... وميساكي كانت واقفة خلفي كالظل، صامتة كعادتها.

لم ألتفت إليها، لكنها كانت هناك... أشعر بوجودها، أشعر بأنها تراقب كل شيء.

نظرت إلى المكان من حولي. الغرفة مليئة بالأشياء... لكنها فارغة من الناس.

فراغ مألوف.

نظرت نحوي هوتارو أخيرًا، وقالت بصوت منخفض دون أن تلتقي عيناها بعيني:

"ما الذي دفعك للانضمام؟"

فكرت قليلًا، ثم قلت ببساطة:

"الفضول... وربما، البحث عن إجابات."

أومأت برأسها ولم تضف شيئًا. ربما فهمت... أو تظاهرت بذلك.

عاد شينتو بعد قليل، مزاحًا الستارة بابتسامة:

حيث

"وجدتها! إنها مستعدة لرؤية العضو الجديد."

خرجت هيمورا من خلف الستارة ووقفت أمامي.

كان مظهرها لافتًا.

شعرها طويل جدًا، مستقيم، بلون أسود فاتح.

جزء منه مربوط إلى الخلف في ذيل حصان منخفض، بينما الجزء الأكبر ينسدل على كتفيها وصدرها من الأمام.

خصلات صغيرة متفرقة تحيط بوجهها، تضيف شيئًا من العشوائية لمظهرها المرتب بعناية.

وجهها بيضاوي، ونظاراتها ذات إطار داكن ورفيع تكشف عن عينين واسعتين خلف الزجاج.

ابتسامة خفيفة تزين شفتيها الرقيقتين، ونظرتها ثابتة ومباشرة.

كانت واقفة بثقة، تمد يدها وتشير بإصبعها إليّ، كأنها تعلن بداية مشهد مسرحي.

قالت بصوت واضح فيه نغمة استعراضية:

"مرحبًا بك في نادي الغرائب، حيث نحقق في كل ما هو غريب... ورهيب!"

كانت الجملة بحد ذاتها سخيفة، لا أنكر ذلك.

لكن طريقة قولها لها؟

كانت... أسطورية.

وقفت مستقيمًا تلقائيًا، وقلت:

"أنا بليك إيثر، وسأنضم إلى هذا النادي."

أجابت ببساطة:

"حسنًا."

رفعت حاجبيّ قليلًا.

"هكذا فقط؟"

قالت بحيوية وهي تلوّح بيدها:

"نعم. لا نحبّ التعقيد هنا. أنت وافقت... ونحن نرحب. فقط تذكر: الغرابة تأتيك عندما لا تتوقعها."

وقفت لحظة أستوعب بساطة الأمر، ثم تنفست بعمق.

نظرت خلفي، لم أجد ميساكي.

اختفت مجددًا.

بعد أن أنهيت إجراءات الانضمام، أصبحت رسميًا عضوًا في نادي الغرائب.

كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرًا، وقد بدأ التعب يتسلل إلى جسدي، لكن الحماس ما زال يطغى.

بدل أن أعود مباشرة إلى المنزل، قررت التوجه إلى مبنى نيمو.

كنت بحاجة للكلام، للمزيد من التوضيح، أو ربما فقط لصوت مألوف.

طرقت الباب كعادتي، فُتح فورًا.

"مرحبًا بك، بليك،" قال نيمو وهو يتراجع إلى الداخل، "كيف كان يومك؟"

ابتسمت قليلًا وقلت:

"كان رائعًا... تحدثت مع كثير من الأشخاص، ودخلت ناديً للمرة الأولى في حياتي."

رفع حاجبه باستغراب ساخر:

"يبدو أنك نجحت في الخطوة الأولى الخطة ، لكن... لماذا أتيت الآن؟"

جلست على الأريكة المتهالكة قرب النافذة، وقلت بهدوء:

"قلت لي إن هناك احد اصديقاء ميساكي في نادي الغرائب. كلهم كانو مجرد طالب عاديين ، اشخص لا يبدون مريبًين أبدًا... اشخص طبيعيين جدًا ومغرمون بالأشياء الخارقة."

أومأ نيمو برأسه ببطء، ثم قال:

"تحرّيت عن ذلك... والشخص الذي عليك الاقتراب منه وجمع المعلومات من خلاله هو... هوتارو."

ارتفعت حاجباي تلقائيًا:

"هوتارو؟ الفتاة الخجولة؟ كانت صديقة ميساكي؟"

"بل كانت من أعز أصدقائها،" قالها نيمو بثقة.

تنهدت وأخفضت نظري:

"كفاية أنها فتاة وخجولة... والآن تطلب مني أن أقترب منها؟ هذا شبه مستحيل بالنسبة لي."

ضحك نيمو بخفة، ثم قال:

"كلاكما خجولان، وهذا بالضبط ما قد يخلق بينكما رابطة قوية. لكن انتبه، لا تتحدث عن ميساكي أمامها... ليس الآن. انتظر الوقت المناسب فقط."

أومأت موافقًا.

"حسنًا..."

أكملنا الحديث قليلًا، نراجع الأسماء والملاحظات، ثم استأذنت للرحيل.

رافقني نيمو حتى الباب، كعادته، لكنني توقفت للحظة على حافة الممر المؤدي للسلالم.

نظرت إلى السماء التي بدأت تكتسب لونًا برتقاليًا باهتًا، نسيم المساء يداعب أطراف شعري...

وفجأة—

دوّي!

سقطت صخرة ضخمة من أعلى، بسرعة مرعبة.

قفزت إلى الوراء دون تفكير، سقطت على الأرض، قلبي يكاد ينفجر من صدري.

ثوانٍ فقط فصلتني عن الموت.

تجمّد نيمو، ثم صاح:

"ماذا بحق الجحيم؟! هل بدأ المبنى يتهاوى؟! أنا أرّممه من وقت لآخر!"

كنت ألهث، محاولًا الوقوف على قدمي المرتجفتين، وقلت بصوت منخفض متقطع:

"ليست مشكلة المبنى..."

نظرت إليه، ثم إلى السماء.

"إنها مشكلة قدري المحتوم.

---

عدت إلى المنزل، وكان الصمت ينتظرني كعادته.

لا عشاء.

لا رائحة طعام تملأ المكان مثل باقي الطلاب الذين يعودون إلى منازلهم ليجدوا أمّهاتهم أو إخوتهم بانتظارهم.

أنا؟

وجدت فقط بردًا ووحدةً وأرضًا فارغة.

فتحت الخزانة، أخرجت كيس فشار وبعض الوجبات الخفيفة، ثم رميته داخل الميكروويف.

فكرة سخيفة… لكنها كانت الشيء الوحيد القادر على ملء هذا الفراغ.

جلست على الأريكة، أعبث بجهاز التحكم، أتنقل بين القنوات بلا هدف، محاولًا نسيان كل شيء… حتى عمّتي.

لكن فجأة… شممت رائحة.

دخان.

قفزت من مكاني بسرعة، وركضت نحو المطبخ.

باب الميكروويف كان يصدر صفيرًا خافتًا، والدخان يتصاعد منه بغزارة.

فتحت الباب بقوة.

الفشار احترق تمامًا.

السواد يملأ الكيس من الداخل، ودوامات الدخان و النار تغزو الهواء كأنها سحب من لعنات صغيرة.

لكن مهلاً…

الوقت لم يكن كافيًا لحرقه بهذه الدرجة.

شيء ما لم يكن طبيعيًا.

رجعت خطوة للوراء، لكن الدخان بدأ يخنقني.

سعلت، بحثت عن نافذة، عن منشفة، عن أي شيء… لم أعرف ماذا أفعل.

كل ما استطعت فعله هو محاولة الخروج من المطبخ.

لكن فجأة… سقطت.

كأن شيئًا غير مرئي دفعني من الخلف بقوة.

اصطدم جسدي بالأرض، وبدأت أزحف.

زحفًا... ببطء… أختنق.

حينها، أحسست به.

شيء ما أمسك بساقي.

بارد. خشن. غير بشري.

بدأ يسحبني للخلف، نحو مصدر الدخان… نحو الميكروويف… نحو النار.

"مـ... ما الذي يحصل بحق السماء؟!"

كنت أصرخ داخليًا أكثر مما أتكلم.

هذا المنزل… سوف يحترق.

سوف يبتلعني معه.

رأسي بدأ يثقل.

رئتاي تتوسلان للأكسجين.

كنت على وشك فقدان الوعي…

حين ظهر شيء… أو شخص… أمامي.

شخص وقف في وجه الدخان… في وجه النار… في وجه كل شيء.

وجه بدا مألوفًا.

"أأنت بخير…" .

لكن حين سمعت صوتها، عرفت.

"لا تقلق، سوف أساعدك."

قالتها ببرود هادئ… وكأنها لا تواجه نارًا ولا دخانًا.

رفعت نظري نحوها.

ميساكي.

أمسكت ميساكي بالميكروويف بكل هدوء، ورفعت الغطاء، ثم مدّت يدها العارية نحو النيران.

نعم… بيدها العارية.

حرّكتها وسط ألسنة اللهب كأنها تُطفئ شمعة.

لم تحترق. لم تتألم.

حسنًا… هذا على الأرجح أحد إيجابيات كونك شيء غير مادي.

ببساطة، أغلقت الميكروويف، ولوّحت بيدها نحو الدخان... ليخرج من النوافذ وكأنه يُطرد بأمرٍ منها.

في لحظات، أصبح الجو نظيفًا.

ثم اقتربت مني، وساعدتني على الجلوس على الأريكة.

كنت ألهث، أتنفس بصعوبة، بينما صدري يرتفع وينخفض كأنني جريت ماراثونًا.

قلت بصوت مبحوح:

"شكراً لك... أنا مدين لك."

أجابت ببساطة، وهي تقف وتراقبني:

"لا بأس. بعد كل ما فعلته لي... أنا المدينة لك أكثر."

نظرت إليها، محاولةً التركيز في ملامحها وسط الدوار.

"هل... كنتِ تتبعيني طوال الوقت؟"

قالت مباشرة دون أي تردد:

"نعم."

"أنتِ صريحة أكثر من اللازم..."

قالتها كأنها لا ترى في الموضوع مشكلة.

كنت بالكاد أتكلم، لكنني حاولت أن أستوعب ما حصل.

"ما الذي حدث؟ أحسستُ أن شيئًا شريرًا... كان يحاول قتلي."

نظرت إليّ بعينيها الهادئتين، وقالت:

"إنه الوحش. مع مرور الأيام، يزداد قوة… ويبدو أنك أصبحت واحدًا من فرائسه، يا بليك."

"لماذا؟!" صرخت شبه مختنق. "أنا لم أفعل شيئًا!"

هزّت رأسها بهدوء.

"بل فعلت. أنت أخطر مخلوق عليه الآن. إن وجدت الكتاب... تستطيع محو التعويذة التي تمنحه الوجود.

ولهذا... يريد قتلك."

شعرت بانقباض في قلبي، وكأن أحدهم قال لي إنني مصاب بمرض لا شفاء منه.

"تبا... لماذا كل شيء ضدي؟ القدر... الكتاب... والآن الوحش؟"

قالت ميساكي، بنغمة لم أفهمها أهي سخرية أم شفقة:

"أشعر بالأسف عليك."

حدّقت بها قليلًا، ثم قلت متنهداً:

"على الأقل… يجب على بابادوك أن يجد الكتاب بسرعة. عندها، نحل كل شيء دفعة واحدة."

أغلقت عيني، واستندت للخلف.

أردت فقط خمس دقائق… بدون وحوش، بدون دخان، بدون لعنات.

فقط خمس دقائق… أتنفس فيها.

---

لكن ما جعلني أتنفس حقًا...

ما جعل الهواء أخيرًا يصل إلى صدري دون مقاومة، لم يكن اختفاء الدخان.

بل كان كلام ميساكي.

نظرت إليّ بعينين صافيتين رغم كل الظلال التي خلفها الموت، وقالت:

"سأحميك... لا تقلق."

صوتها كان ثابت، مباشرًا، وكأنها أقسمت بشيء لا يُكسر.

ثم أضافت، بنبرة أكثر هدوءًا، وهي لا تزال تنظر في عيني:

"هذا أقل شيء أفعله لك... بعدما ساعدتني، وسامحتني على سرقة الكتاب، وتقبلتني... شكرًا لك، بليك."

في تلك اللحظة... فهمت.

فهمت ما كان يقصده نيمو عندما تحدث عن مشاعر ميساكي.

فهمت تلك النظرة التي تحمل مزيجًا من الذنب والامتنان، والهدوء الذي يخفي تحته عاصفة.

ميساكي... كانت فتاة تنبض بالحياة.

حتى لو كان الجسد الذي تسكنه... لا ينبض.

نظرت إليها، وقلت بشغف صادق، كأنني لم أكن على وشك الموت قبل ربع ساعة:

"حسنًا... أعتمد عليك."

ابتسمت.

ابتسمت بطريقة لا تشبه الأشباح ولا الأحياء.

ابتسامت امتنان.

2025/06/26 · 19 مشاهدة · 2085 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025