كانت رائحة الغبار المتصاعد من الركام تملأ الأنفاس، ورنين صفارات الإنذار القادمة من الجهات البعيدة للمدينة يمزق سكون الليل. تحرك ني يان وبروس بانر بخطوات سريعة لكن حذرة، متوارين خلف ظلال المباني المتهدمة بعد أن تمكنوا من الخروج من محيط القتال الكبير. كان هدف ني يان أن يبتعدا بأقصى سرعة ممكنة عن المنطقة التي قد تُصبح ساحة للمطاردة العسكرية وشيكة.
توغل ني يان ببروس في زقاق ضيق، تحيط به حاويات القمامة والمخلفات الصناعية، مما يوفر لهما غطاءً مؤقتاً ومظلمًا. دفع ني يان بروس برفق إلى عمق الزقاق.
"توقف هنا، أيها الطبيب،" قال ني يان بصوت خفيض. كان صوته يحمل خشونَة الجندي الذي اعتاد على التعامل مع المواقف الحرجة.
تنفس بروس بعمق، يسند جسده المُنهك إلى جدار بارد. كانت حركته خالية من أي توتر نفسي يُذكر؛ لقد اعتاد على مشاهدة نهاية العالم تتجسد في كل زاوية. نظر بروس إلى ني يان بامتنان هادئ.
"شكراً لك، ني يان. مرة أخرى، أنت تنقذ حياتي. لولا سرعتك و... مهاراتك، لكان مصيري محتوماً بالعودة إلى حظيرة الجنرال روس."
تجاهل ني يان الشكر، وعيناه الزرقاوان لا تزالان ترصدان محيط الزقاق بتركيز حاد، يبحث عن أي حركة غريبة أو انعكاس ضوء خفي. كانت لديه مهمة واحدة لم تُنجز بعد، وهي تأمين سلامة بروس بانر.
"لا تشكرني بعد،" رد ني يان بصرامة. "الأمان الحقيقي ليس الهروب من ساحة المعركة، بل الاختفاء نهائياً. يجب أن نجد وسيلة نقل سريعة. هذه المدينة ستكون مغلقة بالكامل قبل طلوع الشمس."
همّ بروس بالرد ليُشير إلى أن فرصتهما في إيجاد سيارة سليمة وبعيدة عن الرصد ضئيلة، لكن صوتاً نسائياً ناعماً، ولكنه جاد، اخترق عتمة الزقاق.
"لا داعي للبحث. لقد وجدتكم."
تجمد ني يان في مكانه. سحب خنجره الفضي بسرعة البرق، مستديراً ليواجه مصدر الصوت. كانت الدكتورة بيتي روس تقف على فم الزقاق، يحيطها ضوء الشارع المائل. كانت تبدو شاحبة ومتعبة، لكن في عينيها إصرار واضح.
"توقفي! لا تتحركي خطوة واحدة!" أمرها ني يان، وقد ثبّت الخنجر نحوها. كان الغضب والشك يشتعلان في نبرته.
اندفع بروس إلى الأمام، متجاهلاً التهديد الحاد. "بيتي! يا إلهي، بيتي! هل أنتِ بخير؟ كيف... كيف لحقتِ بنا؟"
"بروس،" قالت بيتي، متجاهلة الخنجر الموجه إليها تماماً وموجهة خطابها لبروس. "أنا بخير، وتمكنت من التملص منهم بعد أن رحل ني يان وغوست رايدر. عرفتُ أنك ستُحاول الابتعاد عن الطرق الرئيسية. لكن ليس هذا وقت التساؤلات."
عاد ني يان ليقف بينهما، حاجزاً بيتي عن بروس. "تراجعي! أنتِ ابنة ذلك الجنرال، ولا أمان في ظهوركِ هذا. الجنرال روس سيستخدمكِ كطُعم أو جهاز تتبع ليعثر علينا! ما هو هدفكِ الحقيقي من اللحاق بنا؟ لا أثق بكِ."
نظرت بيتي في عين ني يان مباشرة، ببرود لم يكن يتوقعه. "أنا أتفهم عدم ثقتك بي، ني يان. أنا لا أطلب منك الثقة، بل أطلب منك الإنصات فقط. أنا هنا لإنقاذ بروس بشكل دائم، وليس فقط من الجيش."
"الإنقاذ؟" سخر ني يان، وشفتيه ترتسمان بابتسامة مريرة. "الهروب هو أقصى ما يمكن تحقيقه. لا يوجد إنقاذ دائم من تلك اللعنة. الهالك سيبقى جزءاً منه للأبد."
تدخل بروس، وقد سحب ني يان من ساعده برفق ليخفض الخنجر. "ني يان، أرجوك. أنا أعرفها. على الأقل، دعها تتكلم."
أزاح ني يان يد بروس بعنف، لكنه لم يرفع الخنجر مجدداً. ظل محتفظاً بوضعية الاستعداد القتالي.
استغلت بيتي الفرصة، وتحدثت بنبرة علمية وجدية خالية من العواطف. "أنت محق، ني يان. لا يمكن قمع الهالك أو علاجه بالأدوية الكيميائية. لكن هناك شخص... شخص أعرفه، كان يعمل بعيداً عن أعين والدي. هذا الشخص يمتلك تقنية فصل الكيانات العضوية على المستوى الجزيئي. يمكنه نزع... أو فصل الهالك بالكامل عن جسد بروس بانر."
اتسعت عينا بروس قليلاً. كانت هذه الفكرة قد خطرت بباله سابقاً في أعمق أفكاره، لكنه كان يعتقد أنها مستحيلة. "فصل... كيان الهالك؟ بيتي، هذا يتجاوز كل حدود الفيزياء التي نعرفها. هل أنتِ متأكدة مما تقولين؟"
"أنا متأكدة من أن هذه هي فرصتنا الوحيدة، بروس،" قالت بيتي، وتقدمت خطوة حذرة للأمام، رافعة يديها ببطء لتبدو غير مهددة. "الهروب لن يغير شيئاً. ستظل مطارداً. هذا الرجل هو آخر أمل لي ولصحتك. لقد تابعت خطة عمله السرية لسنوات. الأمر ليس سهلاً، وهي عملية شديدة الخطورة، لكن النتيجة هي حريتك التامة. حريتك من الهالك."
ظل ني يان صامتاً، يحدق في بيتي بتركيز، محاولاً فك شفرة ما إذا كانت هذه مناورة يائسة أم فخاً مُحكماً. كان يدرك جيداً أن قوة الهالك هي السبب الرئيسي لاهتمام فريقه ببروس. إزالة الهالك يعني إزالة القوة الخارقة من المعادلة. لكنه أيضاً كان يعلم أن بروس في حالته الحالية عبء كبير على أي مهمة هروب طويلة الأمد.
"أين هو هذا الشخص؟" سأل ني يان، ونبرته لا تزال تتسم بالشك. "وكم تحتاج الرحلة للوصول إليه؟ لا وقت لدينا لرحلات طويلة عبر القارة."
"المكان ليس بعيداً جداً،" أجابت بيتي بسرعة. "إنه مختبئ في منشأة مهجورة تقع على مسافة ليست شاسعة من هنا، يمكن الوصول إليها في بضع ساعات بالسيارة إذا نجحنا في إيجاد سيارة مناسبة. لقد وضعتُ بالفعل خطة هروب، ولديّ سيارة مُعدة ومخبأة في شارع جانبي قريب، وهي خارج نطاق رصد رادار الجيش القريب."
التفت بروس إلى ني يان، وكانت عيناه تحملان إشفاقاً على الذات وأملاً مجنوناً. "ني يان، أرجوك. لقد عشت سنوات وأنا أحلم بهذه اللحظة. بفرصة لإنهاء هذا العذاب. لنأخذ هذه المخاطرة. إذا كان هناك احتمال واحد، فلن أضيعه."
نظر ني يان إلى بروس، ثم عاد بنظره إلى بيتي. أغمض عينيه للحظة قصيرة، يزن العواقب. أن يرفض الآن، يعني أن يضع بروس تحت حماية دائمة ومُرهقة. أن يوافق، يعني المخاطرة بالتعرض لفخ، لكنه يضمن إما حرية بروس الأبدية أو هلاكه، وكلاهما ينهي مهمة حمايته.
فتح ني يان عينيه، ورفع خنجره، لكن هذه المرة لم يوجهه لبيتي، بل قام بغمده.
"حسناً، سنذهب معكِ، أيتها الطبيبة،" قال ني يان، بصوت هادئ ومحسوم. "لكن ليس بثقة، بل بمراقبة كاملة. أنا سأجلس خلفكِ مباشرة في السيارة، وسأقوم بالتفتيش الدقيق لتلك المركبة بنفسي. إذا تبين لي وجود أي جهاز رصد أو فخ، فسأقتلكِ وأقتل نفسي وأقتله معكِ قبل أن نصبح طعاماً لوالدكِ. هل هذه الشروط واضحة تماماً؟"
أومأت بيتي برأسها بقوة، ورغم الخطر، ارتسمت على وجهها علامات ارتياح غامر. "واضحة تماماً. هيا، يجب أن نتحرك الآن. الوقت ليس في صالحنا."
اندفع الثلاثة نحو المدخل المظلم للزقاق، وبدأوا في التوجه نحو النقطة التي حددتها بيتي، حيث تنتظرهم سيارة الهروب، والخطر الأكبر الذي يكمن في الثقة بامرأة تحمل دماء عدوهم الأكبر.
.
كانت السيارة تتحرك بهدوء نسبي في شوارع شنغهاي الجانبية المظلمة، سيارة دفع رباعي قديمة لكنها صلبة، استخرجتها بيتي من مخبأ سري بين الأنقاض. كانت تقود بتركيز، بينما جلس بروس بانر إلى جانبها، وفي المقعد الخلفي، جلس ني يان، الذي كانت عيناه تراقبان كل حركة تقوم بها بيتي، وكل ضوء ينعكس على زجاج السيارة، بتركيز متوتر لا يلين.
بعد أن تأكد ني يان من خلو السيارة من أي أجهزة تتبع مرئية، بقي شكه معلقاً في الهواء، لكن الحاجة الملحة للوصول إلى بر الأمان كانت تفوق حذره.
ساد صمت طويل، قطعته فقط همهمة محرك السيارة. كان صمتاً ثقيلاً، مليئاً بالتوتر الذي يخترق العواطف القديمة. كسرت بيتي هذا الصمت، ليس بخطة عمل جديدة، بل بحديث خافت موجه لبروس.
"بروس،" همست بيتي، وعيناها مثبتتان على الطريق. "أعلم أنك... أنك لم تعد تثق بأحد. ولا ألومك على ذلك. لكنني أريد منك أن تعلم شيئاً واحداً، لم يتغير أبداً منذ ذلك اليوم في المختبر. كل ما فعلته، وكل خطوة اتخذتها، كانت محاولة يائسة مني لتدارك خطأ والدي، لكي لا تخسر... كينونتك."
التفت إليها بروس، وكانت عيناه تحملان خليطاً من الإرهاق والامتنان. "أنا أفهم يا بيتي. لطالما كنتِ مرساتي الوحيدة في هذه الفوضى. لكن الطريق الذي سلكتِه، يا عزيزتي، كان محفوفاً بالمخاطر، وأنا أخشى أنكِ دفعتِ ثمناً باهظاً لأجل أن تبقى روحي... سليمة."
"الروح لا تقدر بثمن، بروس،" ردت بيتي، بصوت فيه رنين عاطفي قوي. "ما هي قيمة العلم أو السلطة إذا لم يكن بوسعك أن تعيش حياة طبيعية مع من تحب؟ لقد ضحينا بالكثير من أجلك، نعم، لكن هذا لم يكن تضحية بقدر ما كان واجباً. لم أستطع أن أتحمل فكرة أن تظل سجيناً لكيان لم تختاره أنت."
ازداد دفء الحوار بينهما، وني يان يراقب المشهد من الخلف. لم يكن قادراً على منع التعبير العاطفي بينهما، لكنه كان يركز على الكلمات والنيات خلفها. كان يرى بيتي وهي تتخطى حدود الشك بالصدق الواضح في عينيها عندما تنظر إلى بروس، بينما بروس يستمد القوة والهدوء من هذا الاهتمام النقي.
"الآن،" قالت بيتي، وقد توقفت السيارة أخيراً في شارع خلفي مهجور يتوسطه مبنى سكني قديم وشقة تبدو عادية جداً ومتهالكة. "هذا هو المكان. الشقة رقم تسعة في الطابق الثالث."
نزل الثلاثة من السيارة. كان ني يان يسبق الجميع، يمسك بخنجره تحت معطفه، يستعد لأي سيناريو. كانت رائحة الرطوبة والزمن العتيق تملأ المدخل. صعدوا الدرج المتهالك حتى وصلوا إلى شقة في الطابق الثالث.
رفعت بيتي يدها وطرقت الباب ثلاث طرقات متتالية، ثم طرقة قصيرة.
انفتح الباب جزئياً، وكُشف عن وجه متعب وشارد. كان رجلاً في منتصف الأربعينات من عمره، ذو ملامح عسكرية سابقة لا تخطئها العين، لكنها مغطاة بشعيرات رمادية غير حليقة وذقن مهملة. كان يرتدي ملابس رثة، وعلى جلده آثار قذارة واضحة. كانت حالته توحي بأنه لم ير حماماً منذ أسابيع، وأن النوم لم يكن رفيقه المفضل. نظراته كانت حادة لكنها تحمل ضياعاً واضحاً.
"كلمة السر،" سأل الرجل بصوت خشن ومُتعب.
رفعت بيتي رأسها، ونظرت إليه مباشرة. "عُقدة الخلود."
انفراج وجه الرجل قليلاً، لكنه لم يبتسم. فتح الباب على مصراعيه وابتعد ليسمح لهم بالدخول. "تفضلوا. كان انتظاري لكم طويلاً."
دخل ني يان أولاً، يجوب بنظره الغرفة الواسعة التي كانت عبارة عن مساحة معيشة ومختبر معاً. كانت الغرفة مكدسة بالكتب والمخططات القديمة، وأجهزة إلكترونية مفككة، وأنابيب زجاجية غريبة. كان هناك سرير بسيط مطروح في إحدى الزوايا، ويبدو أنه كان مهجوراً لبعض الوقت.
"شكراً لك، بلونسكي،" قالت بيتي، وهي تدخل وتتبعها بروس.
أومأ بلونسكي برأسه ببطء، وعيناه لا تتركان بروس بانر. اقترب منه، وكأنه يدرس قطعة أثرية نادرة، وبدأ يمسح عينيه على جسد بروس النحيل.
"إذاً، أنت هو المُضيف اللعين،" قال بلونسكي بصوت يشبه الهمس. "أنا إميل بلونسكي، جندي سابق في الجيش، وكنتُ شريكاً مُغفَّلاً في جنون والدكِ، يا آنسة روس، قبل أن أكتشف الحقيقة وأُصبح منبوذاً. أجلس يا بانر. لنبدأ."
جلس بروس بانر على كرسي خشبي مُقابل بلونسكي.
"أخبرني أيها الطبيب،" بدأ بلونسكي، وهو يمسح على شعر بروس بعشوائية، "لماذا ترفض هذه النعمة؟ القوة التي تسكنك، تلك الطاقة الجامحة، هي الخلود الذي سعى إليه الجميع، بما فيهم سيدي الجنرال روس. لماذا تتوق إلى التخلص من هذه الهدية الفريدة؟"
نظر بروس إلى بلونسكي بأسى. "إنها ليست هدية، يا بلونسكي، بل لعنة. لعنة تجعلني سلاحاً، آلة تدمير لا ترحم. أنا لستُ وحشاً، بل أنا عالم، باحث. كل ما أريده هو الهدوء، العيش دون خوف من أن أؤذي من أحب. تلك القوة ليست لي؛ هي شيء آخر، يجب أن يُفصل عني."
تأمل بلونسكي بروس للحظة، ثم رفع كتفيه. "حسنًا، كلٌ يختار هلاكه على طريقته. سأساعدك. لكن عليك أن تفهم... هذه ليست عملية استخلاص دم عادية، بل هي سحب للكيان الملوث."
التفت بلونسكي إلى بيتي وني يان. "الطريقة الوحيدة لتنفيذ هذا الفصل هي سحب الدم المُشبع بالإشعاع الملوث المُسبب للتحول، دفعة واحدة، وبكمية كبيرة جداً، قبل أن يلحظ الكيان الطفيلي ما يحدث فيعاند. هذا يتطلب إدخال إبر عملاقة لسحب الدم بسرعة هائلة."
بدأ بلونسكي في جمع أدواته: عدة إبر ضخمة، أنابيب، ومضخة يدوية للسحب السريع، كلها تبدو قديمة ومُرتجلة.
"المشكلة الكبرى هي الرفض،" تابع بلونسكي بجدية قاتمة. "عندما يشعر هذا الكيان بأن جسد المُضيف يتعرض لخطر النزيف أو الضعف المفاجئ، سيبدأ التحول الدفاعي. يجب أن نُبطئ هذه العملية أطول فترة ممكنة."
نظر بلونسكي إلى بروس ثم إلى ني يان وبيتي. "عليك أن تستلقي على هذا السرير، أيها الطبيب. سأقوم بتثبيت قيود معدنية لإبطاء حركة الهالك. عندما أبدأ السحب، ستحتاجان إلى تثبيت جسده بقوة هائلة. لا يمكن أن يتحرك. إذا تحول الهالك قبل أن أنتهي، سنموت جميعاً، وستصبح هذه المدينة قطعة من الجحيم."
أومأ بروس برأسه ببطء، ووقف ليذهب نحو السرير. كان الإصرار على وجهه أقوى من أي خوف. استلقى بروس على السرير القاسي، وقام بلونسكي بتقييد معصميه وكاحليه بأحزمة جلدية عريضة.
أشار بلونسكي إلى ني يان وبيتي. "أنتِ، يا آنسة روس، امسكي كتفه الأيمن بوزن جسمك. وأنت، أيها الشاب ذو العيون الحادة، امسك كتفه الأيسر والذراع بقوة قدر الإمكان. يجب أن نكون كالحجر."
وضع ني يان خنجره على منضدة قريبة، وتجاهل القذارة المحيطة به، ووقف إلى جوار السرير، ممسكاً بكتف بروس بقبضة فولاذية، بينما فعلت بيتي الشيء نفسه على الجانب الآخر.
ابتعد بلونسكي قليلاً، وأمسك بإبرة ضخمة جداً تبدو غير مناسبة للاستخدام البشري، وبدأ بتطهير مكان الوخز على جلد بروس بمادة كيميائية حارقة.
رفع بلونسكي الإبرة، وتوقف للحظة، متطلعاً إلى بروس. "الآن، يا بانر. لتبدأ المعركة الحقيقية."
دفع بلونسكي بالإبرة الضخمة بعمق في جلد بروس.
تشنج جسد بروس بانر بالكامل من الألم المفاجئ. بدأت الأوردة تنتفخ تحت جلد ني يان وبيتي وهما يمسكان به. كان وجه بروس يتغير، وبدأت عضلاته في التصلب، وبدأ السائل الأخضر الملوث يتدفق بسرعة عبر الأنابيب الزجاجية نحو جهاز السحب.
بدأ ني يان يشعر بالحرارة المرتفعة تحت راحة يده. كان التحول قد بدأ.
أمسك ني يان كتف بروس بقوة أكبر، ضاغطاً بوزنه بالكامل.
"أمسكوه بقوة!" صرخ بلونسكي، وهو يضغط على مضخة السحب بيده العارية، "الدم يتسارع! الهالك يقاوم!"
وكان بروس بانر يطلق صرخات مكتومة، صرخات ألم وفزع لا علاقة لها بالتحول بعد، بل بالعملية الجسدية المروعة التي بدأت تمزق كيانه.
كانت العملية قد بدأت للتو.
انقبضت قبضة ني يان على كتف بروس بانر، تحولت إلى قطعة من الصخر، وهو يضغط بكامل ثقل جسده. كانت الإبرة الضخمة قد اخترقت جلد بانر، وبدأت المضخة المرتجلة التي يديرها إميل بلونسكي في عملها العنيف.
تدفق الدم داخل الأنبوب الزجاجي ببطء يُنذر بالخطر. لم يكن لونه أحمر قانيا كدم بشري طبيعي. كان أغمق، بلون الصدأ العميق المختلط بالكثافة الداكنة، وكأنه سائل ثقيل يُقاوم قانون الجاذبية، يرفض الخروج من الجسد الذي اعتاد السكن فيه.
بدأ صوت الجهاز الميكانيكي، الذي كان يراقب تدفق الدم، يتسارع بنسق خفيض ومنتظم: "بيب— بيب— بيب—". كان الإيقاع يتسارع تدريجياً، مُعلناً عن زيادة في الضغط الداخلي لجسد بانر.
أغمض بروس عينيه بقوة، قبض على أسنانه حتى كادت تتكسر. كان يصارع غريزة البقاء الأساسية، يحاول أن يتنفس بعمق بطريقة مُتحكمة، لكن جسده كان ينتفض بعنف.
صرخ بلونسكي، الذي كان يراقب الأنبوب وعيناه تلمعان بالذهول العلمي المشوب بالارتباك: "الدم... يتغير تركيبه لحظة خروجه! يصبح أكثر كثافة! إنه... يتصلب!"
ردت بيتي روس ببرودٍ عملي، محاولةً طرد أي مشاعر شخصية من صوتها لتبقى على قيد التركيز: "استمروا! يجب أن نصل إلى الكمية المحددة قبل أن يفقد السيطرة."
اهتز الأنبوب الزجاجي خفيفاً بين يدي بلونسكي، وكأن السائل الداخلي لم يكن مجرد دم، بل كيان نابض يحمل حياته الخاصة. تعرّق جبين بروس، وتصلبت عضلات ذراعه لدرجة أن ني يان شعر بأوتارها كالحبال تحت أصابعه.
فجأة، انفتحَت عينا بروس، واكتسحتهما ومضة خاطفة من اللون الأخضر الزمردي القوي، استمرت لأقل من ثانية، قبل أن تعودا إلى لونهما الطبيعي البني، لكنهما كانتا تحملان الآن وهجاً من الرعب المطلق.
صرخ بلونسكي، وعيناه مثبتتان على شاشة مراقبة النبض المرتجلة: "النبض يرتفع! النبض يتجاوز الحد الآمن! يجب أن نوقف هذا!"
استجمع بانر آخر ما تبقى له من قوة، وخرج صوته مبحوحاً وضعيفاً، لكنه واضح: "كفى... الآن. أوقف... العملية."
سُحبت الإبرة بسرعة هائلة من جسد بانر. أُغلق الأنبوب بإحكام، ثم وُضع في حاوية عازلة سميكة، وكأن بلونسكي لا يقوم بحفظ عينة دم، بل بحبس وحش بيولوجي صغير.
ساد صمت مطبق. كان بروس يلهث بعمق، جسده يرتجف بعنف، لكنه... بقي بروس بانر. لم يتحول.
نظرت بيتي إلى الأنبوب المحكم، ثم إلى بروس، ثم إلى الأنبوب مرة أخرى. كانت عيناها تلمعان لا بالقلق على بروس، بل بانتصار علمي مرير.
قالت بيتي بهدوء مخيف، يشوبه نوع من النشوة الهادئة: "هذا يكفي. لقد حصلنا على العينة التي نحتاجها، بروس. جزء من الكيان الآن بين أيدينا."
لكن خلف الزجاج السميك للحاوية العازلة، كان ني يان يلاحظ ما لم يلاحظه أي منهما: مؤشر صغير للحرارة كان ما زال يومض على جانب الحاوية. كان الدم، حتى وهو منفصل عن صاحبه، لم يتوقف عن الغضب.
فجأة، ودون سابق إنذار، بدأ بروس بانر بالهيجان. لم يكن هيجان التحول الكامل، بل كان هيجان جسدي عنيف ناتج عن صدمة النظام العصبي وفقدان الدم الملوث. تقييده لم يعد كافياً، وبدأ يشد على الأحزمة الجلدية بعنف شديد، وهو يطلق صرخات ضعيفة ممزوجة بأزيز التحول الذي لم يكتمل.
اندفعت بيتي نحوه على الفور، تتحدث إليه بكلمات خافتة ومُطمئنة، تحاول أن تعيد رباطه إلى الحاضر. "بروس! انظر إليّ! لا تتركهم يفوزون! أنت بروس! كن هادئاً، بروس!"
استجاب بروس لنداء بيتي العاطفي جزئياً. هدأت عضلاته قليلاً، وعاد ليُغمض عينيه، يلهث ويئن. نجحت بيتي في تهدئته، لكن الضرر كان قد وقع.
صرخ بلونسكي بمرارة وهو يخلع قفازيه الملطخين: "لا فائدة! التجربة لم تنجح بالكامل. الكمية التي سحبناها لم تكن كافية لقتل الكيان الطفيلي أو فصله! لقد أصبنا المضيف بجروح بالغة فقط! الكيان ما زال هناك!"
وقبل أن يتمكن ني يان أو بيتي من الرد، سُمع صوت ارتطام قوي من خارج الشقة. ثم انفتح الباب الخشبي بعنف، واقتحمه الجنرال ثاديوس "ثاندر" روس شخصياً، برفقة أربعة من كبار جنوده المُدججين بالسلاح.
استغرب الجميع من المشهد. بيتي تجمدت في مكانها، وعيناها مثبتتان على والدها، بينما بروس بانر كان فاقداً للوعي تقريباً ومقيداً على السرير.
كانت المفاجأة القاتلة في رد فعل بلونسكي. بدل أن يتراجع خوفاً، اندفع بلونسكي نحو ني يان، الذي كان يقف في وضعية استعداد، مُركزاً نظره على الجنرال روس. لم يتردد بلونسكي للحظة، بل سحب صاعقاً كهربائياً محمولاً كان مخبأً تحت طاولة الأدوات، ووجه ضربة سريعة وقوية مباشرة إلى وجه ني يان.
سقط ني يان على الأرض بصرخة مكتومة، يرتجف جسده بعنف تحت تأثير الصعقة، قبل أن يسود عليه الإغماء التام.
نظرت بيتي إلى بلونسكي، وقد تجمدت الدماء في عروقها من هول الخيانة. "بلونسكي! ماذا... ماذا فعلت؟ لماذا؟"
أومأ بلونسكي برأسه ببرود نحو الجنرال روس. "ابنتكِ لا تفهم الأولوية، يا جنرال. لقد أتممتُ مهمتي. بروس بانر هنا، جاهز للنقل، وتم تخديره جزئياً بما يكفي لتأخير التحول."
تقدم الجنرال روس، بعينين حادتين لا تحملان أي عاطفة تجاه ابنته، بل مجرد الغرور المنتصر. "أحسنت صنعاً، بلونسكي. لم أكن مخطئاً عندما راهنت على جشعك وخوفك من المنفى. أنتِ يا بيتي، يا ليتني لم أستمع إليكِ قط عندما توسلتِ إليّ في المرة الأولى! بلونسكي كان متعاوناً معنا طوال الوقت. لقد سمحنا لكِ بالهروب واللجوء إليه لكي يرشدنا إلى مكان الهالك."
ارتعشت بيتي من الصدمة. "أنت... أنت استخدمتني! استخدمتَ حبي له لإعادته إليك!"
"هذا ما يفعله القادة، يا بيتي. يستخدمون كل أداة في متناول اليد لتحقيق الهدف الأسمى. والهالك هو هدفنا. خذوه!" أمر روس جنوده.
اندفع الجنود نحو بروس. فكوا قيوده الجلدية بسرعة وقاموا بتثبيته على نقالة، بينما كان الجنرال روس يمسك بذراع بيتي بقبضة فولاذية، يجرها خلفه.
"لن أسمح لك بذلك! حرر بروس! دعوه وشأنه!" صرخت بيتي، تقاوم سحب والدها بقوة يائسة، لكن قوتها لم تكن شيئاً أمام صلابته العسكرية.
"أنتِ قادمة معي، بيتي. لن تكوني مصدر إلهاء بعد اليوم،" قال روس بصرامة، بينما كان الجنود يحملون بروس بانر الذي كان لا يزال فاقداً للوعي ويخرجون به من الشقة.
خرج الجنود وبروس وروس وبيتي من الشقة. بعد لحظات، سُمع صوت مراوح ضخم يزداد قرباً. كانت طائرة حربية ضخمة من طراز CH-47 Chinook، تحمل شعار الجيش الأمريكي، تقترب من المبنى، وقد تم إعدادها للإقلاع الفوري خارج المدينة.
دُفع بروس بانر على النقالة نحو الطائرة، بينما جُرّت بيتي خلفه، تصرخ وتتوسل، تحاول أن تصل إليه، لكن والدها كان أقوى.
صعد الجنرال روس وطاقمه وطائرة بانر وطاروا بعيداً في سماء شنغهاي المظلمة، بعيداً عن المدينة والضجيج، حاملين معهم السلاح البيولوجي الأخطر في العالم.
في الشقة المهجورة، بقي ني يان مطروحاً على الأرض، جسده منهك من الصاعقة، لكنه بدأ يفتح عينيه ببطء. كان الضوء الخافت يكشف عن بلونسكي، الذي كان يقف وحيداً في المنتصف، يرتدي ابتسامة باهتة من الانتصار المشوب بالندم.
تلاشت أصوات مراوح الطائرة في الأفق، ليحل محلها صمت موحش.
كان بلونسكي وحيداً، والطائرة قد طارت.
كان صوت مروحيات الإخلاء قد تلاشى تماماً في أرجاء سماء شنغهاي. بقيت الشقة العتيقة في صمت موحش، صمت يكسوه الآن شعور بالخيانة وعبء التجربة الفاشلة. كان ني يان لا يزال مُلقى على الأرض، يحاول استعادة وعيه ببطء، وجسده يرتجف من أثر الصاعقة الكهربائية.
وقف إميل بلونسكي في وسط الغرفة، يتنفس بعمق، يراقب الفوضى التي أحدثها، لكن عينيه كانتا خاليتين من أي ندم تجاه ما فعله ببيتي أو ني يان. كان الهدف قد تحقق: لقد خرج بروس بانر من الشقة، ونجح بلونسكي في تسليم "السلاح" إلى الجنرال روس. لكن انتصاره كان ناقصاً.
توجه بلونسكي ببطء نحو طاولة الأدوات المكدسة. كان المختبر المرتجل ساكناً، ساكناً بشكل مريب. كانت أضواء الفلوريسنت الباردة تومض ببطء، عاكسة وميضها على الأنابيب الزجاجية الفارغة، بينما كانت أجهزة المراقبة القديمة، التي قام بتوصيلها ببعضها البعض، تهمس بأصوات إلكترونية منتظمة ومملة، كأنها تحاول إثبات أن العالم ما زال يعمل بشكل طبيعي، رغم كل شيء.
جلس إميل بلونسكي على كرسي معدني صدئ. جسده لم يكن مرتاحاً بعد؛ كان متصلباً من التوتر الذي سبّبته العملية ومن اللحظة الحاسمة التي خان فيها حليفه المُغفَّل. لم يكن الألم الجسدي هو ما يزعجه، فقد اعتاد على ذلك كجندي. ما كان يقض مضجعه هو الإحساس المُهين بالعجز الذي شعر به وهو يرى الجنرال روس يحقق ما عجز هو عن تحقيقه لسنوات.
تأمل بلونسكي في الأنبوب الذي كان يحتوي على الدم المسحوب، والذي أُغلق ووُضع داخل الحاوية العازلة. لم يكن قد سلّم كل شيء للجنرال روس. كانت هناك خطة ثانية، خاصة به وحده، خطة لم يكن ليخبر بها حتى الجنرال نفسه.
فتح بلونسكي باب المختبر ببطء، كان الباب يؤدي إلى غرفة أخرى أصغر حجماً، كان يستخدمها كمخزن. عاد يحمل حقيبة أدوات قديمة، وضعها على الطاولة بجوار مكان سقوط ني يان. فتح الحقيبة ببطء متعمد، وكأنه يقوم بطقس مقدس.
في داخل الحقيبة، لم يكن هناك سوى أنبوب زجاجي صغير بحجم الإصبع، بداخله سائل أخضر داكن كثيف، يتوهج خفيفاً. كان السائل نابضاً، وكأنه كيان حي صغير تم انتزاعه بعنف من موطنه.
تسمرت عينا بلونسكي على الأنبوب. هذا ليس مجرد دم ملوث؛ هذا هو جوهر القوة التي غيرت حياة بروس بانر إلى الأبد.
قال بلونسكي بصوت منخفض، كأنه يناجي نفسه: "هذا ما أردته."
اقترب بلونسكي من الأنبوب ببطء شديد، وكأنما يخشى أن يختفي السائل الأخضر الثمين إن رمش. مد يده، تردد للحظة طويلة، ثم أمسكه. كانت لمسة الأنبوب باردة، لكنه شعر بشيء غريب يتخلل أصابعه. لم يكن خوفاً، فقد تخلص منه منذ زمن بعيد. كان شوقاً، رغبة جامحة في تجاوز حدود ذاته.
"هذا ما يجعل منه... ذلك الشيء؟" سأل بلونسكي، وصوته متقطع من شدة التركيز، يتحدث إلى العينة وكأنها كائن حي. "قوة لا تعرف الانكسار؟ خلود خارج عن قوانين الطبيعة؟"
لم يجبه أحد في الغرفة الموحشة، لكن صوتاً خشناً وعميقاً بدا أنه قادم من عمق ذاكرة بلونسكي، صدى لكلمات أحد العلماء المغضوب عليهم، الذين كانوا يؤمنون بالكيانات الطفيليهذا ما يكسر الحدود البشرية، بلونسكي. هذا ما يجعلك إلهاً... أو وحشاً."
أغلق بلونسكي الحقيبة، ثم سحب العينة من الأنبوب بواسطة محقن طبي عادي. كانت الإبرة ليست كبيرة على الإطلاق، لكن ثقل القرار الذي اتخذه بلونسكي للتو جعلها تبدو كـ رمح سيخترق حياته بأكملها.
لم يتردد هذه المرة. وجه المحقن إلى ذراعه العارية.
عندما اخترقت الإبرة جلده، لم يصرخ بلونسكي. لم يكن هناك ألم فوري.
في البداية... لا شيء.
ثم— شعر بحرارة تنتشر في ذراعه، كما لو أن دماً مغلياً يجري في عروقه.
ثم تحولت الحرارة إلى حريق يلتهم جسده من الداخل، يتسلل إلى عظام حوضه وفقراته.
ثم تلى ذلك إحساس مرعب بأن عظامه تضيق على شيء يريد الخروج، وكأنها سجن ضيق لكيان يتضخم بلا حدود.
بدأ قلبه يخفق بعنف هستيري، أسرع... أسرع... دقاته تتحول إلى طبول حرب داخل صدره. انتفخت عروقه على عنقه وذراعيه بشكل مفرط، واتسعت عيناه، لكن ابتسامة خفيفة، ابتسامة ارتياح غامضة، ارتسمت على وجهه.
"أشعر به..." قال بلونسكي وهو يلهث، صوته يتحول إلى فحيح أجش. "إنه... لا يتوقف عن النمو. لا يتوقف عن المطالبة!"
في تلك اللحظة، انطلقت أجهزة الإنذار في المختبر. لم يكن إنذاراً عسكرياً، بل إنذار من أجهزة بلونسكي نفسه. ارتفعت المؤشرات البيولوجية بشكل غير طبيعي ومخيف. كان النبض وضغط الدم يتجاوزان جميع حدود الحياة الممكنة.
صرخ بلونسكي بصوت عميق مُتحول، وهو يضحك في هستيريا: "النبض خارج السيطرة!"
لكن بلونسكي لم يتوقف عن الضحك. لم يكن ضحك جنون، بل ضحك رجل أدرك للتو أنه لن يعود إنساناً مرة أخرى. رجل تجاوز الحدود، واختار مصيره بنفسه.
وفي أعماقه... في كل خلية من جسده بدأت تتشرب القوة الممنوعة...
وُلد شيء جديد.
لم يكن هذا الكيان الجديد يريد أن يكون نسخة طبق الأصل من الهالك. لقد رأى بلونسكي ما فعله الهالك ببروس بانر: جعله طفلاً خائفاً من نفسه. بلونسكي لم يكن خائفاً. لقد كان غاضباً.
لقد وُلد كيان جديد، يحمل نفس القوة المفرطة، ولكنه مدفوع بنوايا واضحة: إنه يريد أن يهزم الهالك، ويثبت أنه الكيان المتفوق،
والمسيطر الحقيقي.
نهاية المجلد السابع