اندفع ماركو وقط الكذب خارجين من مبنى المدرسة الثانوية. دفع ماركو الباب الخشبي المتآكل بكل قوته، مستخدمًا كتفه ليفتح ممرًا ضيقًا. كان قط الكذب يركض إلى جواره، بخطوات خفيفة ورشيقة تُلامس الأرض بالكاد، وعيناه الصفراوان تتبعان حركة ماركو السريعة وتفحصان محيطهما بحذر شديد. كانت قرون العنز المنحنية على رأس ماركو تُعطي مظهره قوة غريبة، لكن حركته كانت حذرة ومركّزة. كان يشعر بنبض المركبة الفضائية بوضوح الآن، اهتزاز كهرومغناطيسي خفيف لا يدركه إلا هو، يأتي من كتلة مبانٍ متداعية تبعد عنه مسافة قصيرة.
"علينا الإسراع، التوقيع الطاقة يزداد وضوحًا. يجب أن تكون هنا في مكان ما، محشورة تحت هذه الأنقاض الملعونة." تمتم ماركو بصوته الخشن والمُنظّم.
لم يخطو ماركو سوى خطوتين في الشارع المُدمر حتى انبعث صوت صرير إطارات عنيف ومخيف مزق سكون الليل، كان الصوت ضخمًا لدرجة أنه هز الغبار المترسب على المباني المجاورة. شعر ماركو باهتزاز في الأرضية تحت حذائه.
"تراجع!" صرخ ماركو فجأة، دافعًا قط الكذب بقوة إلى جانب الشارع.
وفي اللحظة التالية، اندفعت سيارة كلاسيكية ضخمة من نوع (Muscle Car)، سوداء ولامعة كالليل، ذات هيكل معدني مُزخرف ومُقوّى بشكل هائل. كانت سرعتها جنونية، ومحركها يصدر هديرًا شرسًا مُتعطشًا يتردد صداه في الشوارع المهجورة.
صدمت السيارة المكان الذي كان يقف فيه ماركو قبل ثانية واحدة، فتهشم الأسفلت تحت إطاراتها، وتطايرت شظايا الركام في الهواء على ارتفاع كبير.
لم يضيع ماركو ثانية واحدة في تقييم الوضع. استل مسدسه الفضائي الصغير من جرابه. كان المسدس يتميز ببطارية بلازمية مُكثفة وشبه-عادية، يطلق نبضات من الطاقة الحركية النقية، وهي مصممة خصيصًا لشل حركة أو إرباك الأنظمة الميكانيكية المعقدة.
التحليل الآني (ماركو): الهدف ميكانيكي وحركي، يتصرف بذكاء تكتيكي واضح. يجب أن يكون مركز التحكم أو مصدر الطاقة متمركزًا في كتلة المحرك.
اندفع ماركو بخطوات سريعة وغير متوقعة إلى الأمام، متجنبًا محاولة ثانية للدهس. كانت السيارة سريعة جدًا في الخط المستقيم، لكنها تفتقر إلى خفة الحركة في هذه الشوارع الضيقة المليئة بالحطام.
أطلق ماركو ثلاث نبضات سريعة ومُركزة في تتابع شبه آلي:
* الضربة الأولى (تشتيت): استهدفت الإطارات الخلفية. لم تُفجّر النبضة الإطارات مباشرة، لكن النبض الحركي تسبب في تشتيت فوري لجزيئات المطاط وتآكلها على جانب واحد، مما أضعف قبضة الإطار الأيمن الخلفي على الأرض بشكل حرج.
* الضربة الثانية (تحديد الهيكل): استهدفت غطاء المحرك. اخترقت النبضة المعدن القوي، مُحدثة تشققًا صغيرًا يزداد عمقًا، وهو مؤشر على بدء تفكيك الروابط الجزيئية لجوهر وحش الكاتب المُتجسد.
* الضربة الثالثة (إرباك):): استهدفت المصابيح الأمامية. تحطمت المصابيح، ولكن السيارة لم تتأثر في رؤيتها، ما أكد لماركو أن رؤيتها لا تعتمد على الوسائل البصرية العادية.
توقفت السيارة فجأة بعد أن فقدت جزءًا من توازنها بسبب تلف الإطار الخلفي. وبدلاً من أن تهاجم مباشرة، بدأت تدور حول ماركو في دائرة ضيقة، مُطلقة غاز العادم الأسود الكثيف في محاولة لإيجاد زاوية هجوم مثالية أو للتشويش على ماركو بالضوضاء والسرعة الهائلة.
ماركو، الذي كان قد تراجع للحظة ليحتمي خلف كتلة خرسانية مكسورة، أدرك أن إهدار الطاقة في الهجمات السطحية غير مجدٍ. يجب أن تكون الضربة القاضية على مركز القوة.
في تلك اللحظة، استغلت السيارة الثبات اللحظي لماركو. قفز ماركو إلى الجهة اليسرى في لمح البصر، متدحرجًا خلف حاجز إسمنتي مكسور.
وفي حركة غير متوقعة ومُدرَّسة، أطلقت السيارة الكلاسيكية صوت زئير محرك فائق تجاوز الحد المسموح به بكثير، تلاه موجة صدمة صوتية مُركَّزة خرجت من فتحات المحرك الجانبية. مزقت الموجة الصوتية الحاجز الإسمنتي الذي كان ماركو يحتمي خلفه إلى أجزاء صغيرة متطايرة.
دُفع ماركو إلى الخلف بقوة الصدمة، وشعر بألم حاد في طبلة أذنيه، بينما انفجر قناع التنفس الجزئي الذي كان يرتديه بسبب ضغط الموجة. نهض بسرعة، يمسح الدم الذي بدأ ينزف من أنفه، وعيناه تشتعلان بغضب تقني مُنظَّم.
ماركو (يستنتج): "صدمات صوتية... ذكاء مُطوَّر... الوحش يحاول إفقادي القدرة على التحديد الصوتي والتحليل اللحظي. هذا لن يحدث."
رفع ماركو مسدسه. هذه المرة، لم يطلق نبضات متفرقة، بل قام بشحن طاقة البلازما بشكل كامل، مما جعل قلب المسدس يتوهج بضوء أزرق ساطع يملأ المكان.
ركز ماركو على مُقدمة السيارة التي كانت تستعد لهجومها النهائي، وهي تندفع نحوه مباشرة بأقصى سرعة، محاولة إنهاء المعركة بضربة واحدة.
ماركو (يخطط): "الجسم مُدرع بشكل جيد، لكن مركز القوة – المحرك – يجب أن يكون النقطة الأكثر عرضة للانهيار الجزيئي المباشر عند الاصطدام."
في اللحظة التي كانت فيها السيارة على بعد أقل من مترين من دهسه، أطلق ماركو طلقته المشحونة بالكامل. كانت الطلقة عبارة عن شعاع أزرق مُكثَّف ورفيع من الطاقة الحركية النقية، يخترق الهواء بسرعة لا تصدق.
اصطدم الشعاع مباشرة بشبكة المبرد (Grill) الأمامية للسيارة، واستمر في اختراقه بعمق كبير. لم يحدث انفجار ضخم، بل حدث تفكك جزيئي داخلي سريع ومُركَّز في قلب المحرك. اخترقت الطاقة المحرك، وأحدثت صدمة في نظام التجسيد السحري للوحش.
في أقل من ثانية، بدأ الهيكل الأسود اللامع للسيارة يرتعش بشكل جنوني، وتحول المحرك بالكامل إلى رماد أسود لزج ودخان كثيف، وهو المادة التي يتكون منها خيال فيرتشايلد. توقفت السيارة فجأة عن الحركة، وتصاعد منها دخان كثيف، ثم انهار هيكلها المُدرَّع بالكامل إلى كومة من المعدن الخردة غير المتحرك.
سقطت جثة السيارة الكلاسيكية المهزومة على الأرض بصوت ضخم، تاركة خلفها أثرًا مرعبًا لقتال قصير ومُركَّز انتهى بتدمير مركز قوتها.
نزل قط الكذب من السقف المتصدع الذي كان يراقبه منه، ووقف بجوار ماركو الذي كان يلهث بصعوبة، يمسك بمسدسه الساخن.
هز ماركو رأسه بالإيجاب، وبدأ يبتعد عن الحطام، يستعيد تنفسه، ومُركِّزًا مرة أخرى على الإحساس بالاهتزازات الكهرومغناطيسية لمركبته الفضائية.
"ليس لدينا وقت نضيعه. لا أعتقد أن هذا الوحش كان الوحيد الذي ينتظرنا."
في تلك الأثناء، داخل المدرسة الثانوية، كان المشهد يتحول إلى فوضى يائسة على الرغم من جهود الدفاع المُضنية.
في صالة الألعاب الرياضية، حيث تحصن الناجون، كانت الأجواء تغلي بالتوتر. كان المراهقون، الذين حركتهم الكلمات القاسية لبابادوك سابقًا، قد قاموا بتدعيم الأبواب والنوافذ باستخدام مقاعد الجمهور والطاولات والخزانات المعدنية. كانت حركتهم منظمة لكنها مدفوعة بالذعر.
بدأ صوت الخدش والضغط يتعالى بشكل مرعب من وراء التحصينات، معلناً تزايد أعداد وحوش الزومبي وأقزام العشب التي كانت تتجدد باستمرار.
فجأة، تحطمت إحدى النوافذ الكبيرة المؤدية إلى ممرات المدرسة بصوت هائل ومفاجئ. لم يندفع الزومبي أولاً، بل تسربت كائنات أكثر غرابة وخبثًا: الزواحف ذوات الأجسام البشرية.
كانت هذه الكائنات مجموعة من البشر الزاحفين، يغلب عليها اللون الأرجواني الداكن اللامع. كانت تتحرك على أربعة أطراف بسرعات مذهلة، وأجسامها هزيلة لكنها مُتينة، وعيونها صفراء باردة خالية من أي تعبير. كانت هذه الكائنات تُمثل وحوش التسلل والتخريب من روايات فيرتشايلد.
تدفق أول فوج من الزواحف إلى الداخل، متخطية الركام والمتحصنين بمرونة مخيفة.
صاحت فتاة شابة بذعر: "هذه ليست مثل الأموات! إنها سريعة جدًا وتزحف!"
حاول الطلاب هزيمة هذه الكائنات بالعصي والقضبان المعدنية التي انتزعوها من المعدات الرياضية. ضربوا تلك الكائنات بعنف، لكن الأجساد الزاحفة كانت صلبة ومُتينة بشكل غير متوقع. كانت الضربات تحدث أصواتًا مكتومة، لكنها لم تكن كافية لإيقافها.
بدأ الذعر يدب في صفوف الناجين.
صرخ مراهق ضخم البنية، ذو شعر أشقر كثيف، وهو يحاول صد إحدى الزواحف بقضيب حديدي: "ماذا نفعل؟ إنها تتسرب إلينا! لا يمكننا إيقافها بالضرب العادي!"
في هذه اللحظة الحرجة، وبينما كانت الزواحف تتقدم نحو مركز التجمع، ظهرت هانا فيرتشايلد من الممر الجانبي. كانت عيناها تحدقان بالزواحف بهدوء مُخيف، وكأنها تعرفها حقًا. لم يكن أحد من الطلاب يعرفها، لكنها كانت تبدو مصممة بشكل لا يصدق.
"توقفوا!" صاحت هانا بصوت عالٍ وحاد، جاعلة الجميع يتوقفون وينظرون إليها.
سألها أحد المراهقين بعصبية: "من أنتِ؟ هل أنتِ معنا أم ضدنا؟"
هانا (مُشيرة إلى الزواحف): "لا وقت للتعريف! أنا أعرف هذه الكائنات. إنها الراسيليون. ضربها بالقوة المادية لن يجدي نفعًا."
سألها شاب آخر: "وماذا يفيدنا هذا الآن؟ ما الذي يمكن أن يوقفها غير القوة؟"
هانا (برفض قاطع): "قوتها لا تكمن في متانتها، بل في منطقها. هذه الكائنات صلبة ضد الضرب العادي لأنها ترى الضرب كـ منطق مادي مفهوم يمكنها تحمله. لكنها تكره شيئًا واحدًا أكثر من أي شيء آخر: السلوك البشري العبثي غير المُبرر!"
تقدمت إحدى الزواحف ببطء نحو هانا، وهي تُصدر صوت هسهسة حادة من حلقها.
صاح المراهق الأشقر: "ماذا تقصدين بـ 'العبثي'؟ لا أفهمكِ!"
هانا (تصرخ في الجميع، وعيناها مليئتان بالتحدي): "أريد منكم جميعًا أن تبدأوا بالرقص العشوائي! أريد حركات لا معنى لها! أريدكم أن تطلقوا أصواتًا سخيفة ومُرتفعة! افعلوا أي شيء... لا منطقي!"
بدا الطلاب في حالة صدمة ودهشة. الرقص في مواجهة الموت؟ كانت الفكرة سخيفة لدرجة أنها تجاوزت حدود الجنون.
تدخلت طالبة أخرى: "هل جننتِ؟ سنرقص بينما هي تقتلنا؟ هذا هو أسخف شيء سمعته!"
هانا (بحدة صارمة، ترتفع نبرتها): "نعم، أنا جادة تمامًا! هذه كائنات برامجية، حركتها تقوم على القواعد الصارمة! المنطق المادي! إذا قوبلت بقوة لا يمكن تحليلها، بـ فوضى لا يمكن وضعها في معادلة، فإن نظامها ينهار! الرقص! الآن!"
رغم التشكيك، ومع تقدم الزواحف خطوة أخرى، بدأ يأسهم يتحول إلى استجابة غريبة. بدأ اليأس يدفعهم نحو قبول أي حل، مهما كان جنونيًا
بدأت طالبة تضحك ضحكة هستيرية عالية، وقامت بالقفز العشوائي في مكانها. تبعها طالب آخر بدأ يصرخ بأغنية أطفال بصوت مرتفع ومُنشز.
الزواحف، التي كانت تتقدم بخطوات مُحكمة، توقفت بشكل مفاجئ. بدأت أجسادها الأرجوانية ترتعش اهتزازًا خفيفًا.
عندما بدأ المراهق الأشقر يرقص بأسلوب غريب، ويطلق أصواتًا تشبه صياح الديك مع حركات يد مبالغ فيها، بدأ الارتباك يظهر بوضوح على الكائنات.
أصدرت الزواحف أصوات هسهسة أعلى وأكثر تشتتًا. بدأت اثنتان منها بالتراجع ببطء، وكأنها تتعرض لضغط هائل على نظامها العصبي البارد.
هانا (تشجعهم بصوت صارم): "أكثر! اجعلوا أصواتكم أعلى! لا تعطوها أي مبرر لوجودكم أو لحركاتكم! هذه هي نقطة ضعفهم! إنها تخاف من جنون الطبيعة البشرية!"
تحول المشهد إلى فوضى بصرية وسمعية: مجموعة من المراهقين يرقصون ويصرخون ويضحكون بهستيريا في مواجهة الموت الزاحف.
لم تستطع الزواحف تحمل هذا الكم من اللا-منطق. بدأت تتفكك. فقدت أجسادها الأرجوانية تماسكها، وبدأت تتحول إلى سائل لزج أسود يسيل على أرضية الصالة.
خلال دقيقتين من الفوضى المُنظَّمة التي قادتها هانا، تم طرد جميع الزواحف من صالة الألعاب الرياضية.
شعر الجميع بإحساس غريب يمزج بين التعب الشديد والانتصار العبثي. توقف الرقص والصراخ، وعمّ صمت ثقيل المكان.
نظر المراهق الأشقر إلى هانا، التي كانت تتنفس بصعوبة.
المراهق الأشقر: "لقد... لقد نجح الأمر. كيف عرفتِ هذا الشيء عن منطقها؟"
هانا (وهي تتنهد بعمق، وتنكسر حدتها): "لقد صادفتها... في كتاب قديم. يبدو أن بعض الوحوش تفقد المنطق عندما تواجه الفوضى التي لا يمكنها تحليلها. ربما أكون قد قرأت عنها... في مكان ما."
ثم نظرت هانا نحو الممر المؤدي إلى المكتبة، حيث كان والدها يكتب، وعيناها مليئتان بالتعب وقناعة تامة بما يجب فعله.
هانا (تُخاطب نفسها بهدوء): "استمر في الكتابة يا أبي. الآن عرفوا كيف يدافعون عن أنفسهم."
في زاوية أخرى من الفوضى العارمة التي اجتاحت ممرات المدرسة، كان بابادوك يواجه موجة جديدة من الهجوم. كان يقف في المدخل الرئيسي المدعم، وعباءته السوداء تتطاير خلفه. كان يستخدم مظلته السوداء العتيقة بسلاسة وفتك. لم تكن المظلة مجرد أداة للحماية، بل كانت سلاحًا حادًا وقاطعًا، يستخدمه بابادوك كقاطع معدني لضرب وقطع وحوش فيرتشايلد، محولًا إياها إلى كتل من الرماد اللزج.
بابادوك (مُتمتمًا بصوت عميق ومُتهدج، وهو يهوي بمظلته لقطع رأس قزم عشب كان يزحف): "عمل سخيف! أقوم بإغلاق الوحوش التي أطلقتها بيدي! يجب أن أكون أنا من يقود هذا الجحيم، لا أن أكون بوابًا تافهًا لـ... هذه الكوابيس الرخيصة!"
أثناء اندفاعه لقطع رأس زومبي بمظلته، شعر فجأة ببرودة لزجة تلامس جانب وجهه. التفت بابادوك بسرعة، مُتجاهلاً الزومبي المقطوع، ومُطلقًا ضحكة قصيرة مُفزعة تدل على الازدراء المطلق لما رآه.
كان الوافد الجديد هو القناع المسكون.
كان القناع المسكون قناعًا واعيًا، مصنوعًا من مادة عضوية شاحبة ومُتصلبة، أشبه باللحم المُجفف. كانت له فتحتان خاوية للعينين، وفم مُتشقق يعكس ابتسامة ثابتة ومُشوهة، مع خيوط رقيقة لزجة تنسدل من أطرافه. كانت مهمته الأساسية هي الاندماج مع وجه من يرتديه وتحويله إلى كائن شرير مسكون ببرامجية القناع الخبيثة.
اندفع القناع بسرعة مذهلة نحو وجه بابادوك. كان يتحرك في الهواء كلوح لحم طائر، مدفوعًا بقوة عزم ذاتي لا يُرى.
بابادوك (بصوت يقطر سخرية): "ما هذا؟ قناع؟ هل أنت مزحة سيئة أخرى من فوضى هذا الكاتب السمين؟"
حاول القناع المسكون الاندماج مع وجه بابادوك. ارتطم به بشدة، وبدأت الخيوط اللزجة تحاول الالتصاق بجلد بابادوك الشاحب.
ولإظهار مدى عدم اهتمامه، سمح بابادوك للقناع بالالتصاق، وفي الوقت نفسه، حوَّل ساقه اليمنى إلى هيئة الجن الكامل العملاق؛ ازداد حجم الساق بشكل هائل وتصلبت وتغطت بجلد أزرق داكن، مُطلقة صريرًا خفيفًا على أرضية الممر الرخامية.
القناع (بصوت داخلي حاد ومُتلعثم، يتردد صداه في ذهن بابادوك أثناء محاولة الاندماج): أخيرًا... سأرتديك! سأجعلك شريرًا! سأسيطر على قلبك المظلم وأطلق العنان للشر المطلق!
لكن القناع توقف فجأة. الخيوط اللزجة لم تستطع الالتصاق بالكامل أو اختراق جلد بابادوك الشاحب. الأهم من ذلك، أن القناع لم يجد أي "خير" أو "طيبة" أو "نقطة ضعف" يُفسدها أو "يُحولها".
بدأ القناع المسكون يرتجف على وجه بابادوك، ليس من الغضب، بل من الارتباك العميق للنظام.
بابادوك (وهو يرفع حاجبه الأيسر، بينما القناع مُلتصق بجزء من وجهه، وبصوت هادئ ومُستمتع): "هل أنت مرتبك يا أيها القناع؟ هل وجدت مكاني المظلم؟"
القناع (في ذهن بابادوك، بنبرة بدأت تتحول إلى رعب): لا... لا يوجد تحول ضروري... الشر موجود بالكامل... النوايا... النوايا غير قابلة للتحويل... بل هي... جوهر ثابت...
بابادوك (بابتسامة شريرة واسعة تظهر أسنانه الحادة، وهو يتحدث بصوت كئيب وهادئ): "يا له من اكتشاف عبقري! ألم تفهم يا أيها القناع الصغير؟ أنا لا أحتاج إليك لتجعلني شريرًا. أنا الشر نفسه. لقد ولدتُ منه، وتغذيتُ عليه، وأنا تجسيد للضرر الروحي غير المبرر. لا يوجد 'إنسان' في داخلي لتفسده ببرامجيتك الرخيصة، أنت تحاول تلبيس ثوب شر على كيان شرير بالفعل!"
شعر القناع المسكون بصدمة النظام. انفصل القناع عن وجه بابادوك بسرعة مرعبة. كانت برمجته الأساسية تقوم على إفساد الطيبة وتحويل المضيف. عندما واجه كيانًا كان بالفعل تجسيدًا للشر النقي الكامن، تعطلت مهمته بالكامل، وواجه رعبًا لا يمكن تصنيفه.
بدأ القناع يطير بسرعة فائقة مبتعدًا عن بابادوك، مُصدرًا صوت هسهسة مرتفعًا ومُنكسرًا. لقد فر القناع من مواجهة لم يستوعبها منطق وجوده. هرب القناع من رعب بابادوك نفسه.
توقف بابادوك، وهو ينظر إلى القناع الهارب بازدراء، ثم أطلق ضحكة قصيرة، خشنة ومُخيفة، وأعاد ساقه العملاقة إلى هيئتها الطبيعية.
بابادوك: "يا له من وحش سخيف! هل يعتقد أنه يمكن أن يفرض إرادته على كيان يُمثّل الظلام منذ الأزل؟ إذهب وعد إلى كتابك الرخيص أيها القناع البالي!"
ثم استدار بابادوك، ورفع مظلته استعدادًا لقطع بقية الوحوش، لكن هذه المرة بابتسامة أكثر شرًا ورضا، وكأنه أثبت للتو تفوق شره الخاص على شر رواية مُبتذلة.
.
في الوقت ذاته، كان بليك إيثر يتمركز في فناء المدرسة الأمامي. سيفه الفضي اللامع كان يتحرك بدقة قاتلة، مُطلقًا شرارات بيضاء مع كل حركة. كانت مهمته هي قطع رأس موجة جديدة من وحوش الكاتب: الفزاعات المتحركة.
كانت هذه الفزاعات كوابيس مزروعة، يبلغ طول الواحدة منها اثني عشر قدمًا، مصنوعة من أقمشة بالية ومحشوة بقش جاف وشعير، لكنها كانت تتحرك بخبث وقوة لا تصدق. كل واحدة منها كانت مسلحة بأذرع خشبية مدببة.
بليك (لنفسه، وهو يتفادى طعنة فزاعة ببراعة): "الآن هذه على الأقل لديها هيكل مادي يمكن التعامل معه. أفضل من الأوهام المائية والدمى الساذجة."
كانت حركات بليك مذهلة في سرعة الاستجابة. في غمضة عين، كان قد قطع أربعة فزاعات. كان سيفه، الذي يحمل شحنة طاقة سحرية خفيفة، يترك خلفه خطوطًا من الضوء الأبيض عندما يمر بالهواء. قطع الفزاعة الأولى إلى نصفين عموديين، ثم قام بقطع الأطراف الخشبية للفزاعة الثانية، قبل أن يهوي بالسيف على الرأس المحشو للفزاعة الثالثة، مُنهيًا وجودها في لحظات.
كان القش يتناثر في كل مكان، لكن بليك لم يتوقف. كان يعلم أن الوقت ضيق وأن التحصينات لن تصمد طويلاً.
وبينما كان ينهي الفزاعة الأخيرة، تسبب تحطيمها في إطلاق موجة من الغبار والدخان، وفي تلك اللحظة بالضبط، حدث شيء غير متوقع على الإطلاق.
جميع أبواب المدرسة الثانوية، التي قضاها الطلاب ساعات في تدعيمها وتثبيتها، انفتحت مرة واحدة.
لم تُكسر الأقفال، ولم تتحطم المداميك. بل فُتحت الأبواب المدعمة إلى الداخل بصوت فرقعة قوية ومدوية، وكأن قوة خفية ضخمة قد ألغت كل المقاومة المادية دفعة واحدة.
توقف بليك عن الحركة. أحس بتيار هواء بارد يتدفق من الممرات المظلمة. كانت هذه القوة تتجاوز بكثير قدرات الوحوش الجسدية العادية؛ كانت قوة روحانية مُركزة.
ومن بين الأبواب المفتوحة والظلال المُتدفقة، ظهرت كائنة لم يكن يتوقعها بليك.
كانت دمية بطن غريبة الشكل. ترتدي أزياء الهنود الحمر التقليدية، ووجهها كان شبه مربع، مع شعر أسود مربوط بضفائر كثيفة. كانت تقف بهدوء مُخيف، لا تبتسم، وعيناها مثبتتان على بليك بتركيز.
قدمت الكائنة نفسها ببطء، بصوت رقيق ومُتذبذب، وكأنه يأتي من مكان بعيد: "أهلاً بك أيها الفارس الوسيم. أنا مدام دوم، أنا عرافة الظلال المسكونة، والمساعدة الأولى لسيدي سلابي. لقد أتيت لأرى من هو الذي تجرأ على تجميد دميته المفضلة."
نظر بليك إلى الدمية الجديدة بتركيز شديد. لقد كان قد تعامل مع سلابي، وكان يعلم أن سلابي كان يمتلك قوة حقيقية، لكن هذه الدمية... بدت سخيفة بشكل غير متوقع.
فجأة، انطلقت ضحكة قصيرة، عميقة ومُهينة من بليك. كان ضحكًا حقيقيًا لم يتمكن من كبته.
بليك (وهو يدخل سيفه في غمده، مُتجاهلاً الكائنة): "حقًا؟ دمية بطن أخرى ترتدي زيًا غريبًا؟ يا لها من مهزلة مأساوية. يجب أن أقول، مدام دوم، لو كنتِ تمثلين قوة سلابي، فأنتِ لا تمتلكين حتى 10% من قدرته على إثارة الرعب أو التهديد."
تجمدت مدام دوم. يبدو أن تقييم بليك المُهين والساخر أصابها في الصميم. تحول وجه الدمية الشبه مربع إلى تعبير مُتعجرف ومليء بالغضب الصامت.
مدام دوم (بصوت يرتفع فيه الارتعاش): "أيها المغرور! أنت تهينين! أنا قوة الرؤيا والتخريب الروحي! سأجعل روحك تشعر بالجحيم، أيها البشري الساذج!"
وبدأت مدام دوم هجومها. لم تهاجم جسديًا، بل أطلقت طاقة روحانية قوية ومركزة نحو بليك. شعر بليك بضغط هائل على صدره وذهنه، وكأن شبحًا غير مرئي يحاول أن يعتصر روحه. بدأ محيط الدمية يتوهج بهالة خافتة، وظهرت خيوط من الطاقة الغامضة تتجه نحوه.
بليك (وهو يتخذ وضعية دفاعية): "قوة روحانية؟ هذا غير مادي، لكنه ليس صعبًا."
استجمع بليك سحره الخاص، وهو سحر العناصر المتقن الذي تعلمه في سنواته الطويلة. ركز بليك على جوهر الدمية. لم يكن يستهدف الروح أو الجسد، بل كان يستهدف المادة التي تتكون منها.
بليك (بهدوء مُركّز): "الماء، هو الحل دائمًا ضد القش والأقمشة."
رفع بليك يده بسرعة. استخرج بليك كمية كبيرة من الرطوبة المتجمدة والماء السائل من الهواء المحيط، ومن الأرض، مُركزًا إياها في كتلة هائلة.
في لحظة واحدة، أطلق بليك سحر الماء نحو الدمية. كانت موجة مائية باردة ومُركزة، اخترقت الروحانية المحيطة بها بسرعة لا تُصدق. أصيبت مدام دوم مباشرة بالكتلة المائية.
تم امتصاص الماء بالكامل من قبل الأقمشة والقش الذي تتكون منه الدمية، لتصبح كتلة رطبة وثقيلة. فقدت الدمية قوتها الروحانية فورًا، وتوقفت هالتها عن التوهج.
مدام دوم (بصوت خافت ومُتذبذب، يائس): "لا... القش... لا أستطيع..."
لكن بليك لم يعطها فرصة. بمجرد أن أصبحت الدمية مُبللة بالكامل، تحول سحره مباشرة إلى سحر الجليد.
بليك (بإيجاز): "والآن... التجمد."
انخفضت درجة حرارة الماء الذي غمر الدمية بشكل حاد وغير طبيعي. في ثانية واحدة، تحولت مدام دوم إلى تمثال ثلجي مُتصلب، مُتجمد داخل كتلة من الجليد الرمادي القذر. توقفت تمامًا عن الحركة والتعبير.
هزم بليك الدمية بسهولة مدهشة، مُستخدمًا التفكير المنطقي البارد (تغيير الحالة المادية) على قوة غير مادية.
ومع هزيمة مدام دوم، فقدت القوة الخفية التي فتحت الأبواب سيطرتها، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.
أصبحت جميع أبواب المدرسة الآن مفتوحة بالكامل.
وبمجرد سقوط حاجز المقاومة، اندفعت جميع الوحوش المتبقية إلى الداخل في سيل لا يمكن إيقافه. الزومبي، وأقزام العشب، والمزيد من الكائنات الغريبة؛ كلها تتدفق بعنف في الممرات المظلمة للمدرسة الثانوية.
نظر بليك إلى سيل الوحوش، وشعر بالقلق يساوره. لقد تمكن من إزالة تهديد مدام دوم، لكنه فتح باب الجحيم على مصراعيه.