{اليوم التاسع من اللعنة}
كان الجوُّ مُلبّدًا بالغيوم، كأن السماء على وشك أن تنفجر بالبكاء.
الهواء يحمل برودة خفيفة، ورائحة تراب مبتلّ خفيّة تلوّح من بعيد.
دخل بليك المدرسة بخطى بطيئة، وعيناه شاردتان كما لو أنه يسير بلا وعي.
جسده حاضر، لكن روحه عالقة في الأمس…
مشهد هانا وهي تغرق، عيناها المفتوحتان بلا صوت، النظرات المذعورة، الموج الرمادي…
كل ذلك كان يلتف حول قلبه كحبل بارد.
جلس في مقعده، نفس المقعد الذي يشعر فيه دائمًا كأنه خلف زجاج غير مرئي.
حاول أن يصرف التفكير، أن يفتح كتابه أو ينظر من النافذة، لكنه لم يستطع.
الندم يعلكه ببطء.
"ماذا لو كانت ماتت؟ ماذا لو تكررت الحادثة؟"
"أنا لعنة متحركة… لماذا لا يراني أحد كما أرى نفسي؟"
وفجأة، توقفت أفكاره حين ظهر وجه سورا أمامه، فجأة، أقرب من اللازم، كأنما خرج من العدم.
"ما زلت غاضبًا بشأن البارحة؟" سأل بنبرة خفيفة لكنها مباشرة.
رمش بليك مرتين، ثم تمتم: "لا… لا، لم أكن غاضبًا."
رفع سورا حاجبًا وهو يضيق عينيه. "إذًا لماذا غادرت؟"
بليك عض على شفته، قبل أن يجيب: "أحسست أني لا أنتمي إلى هناك."
في الواقع، كنت أكذب.
لا أريد أن يعرف سورا بشأن لعنتي.
إنه الشيء الوحيد الذي ما زال يشعرني أنني طبيعي… أنه عالمي الصغير، الهروب الوحيد من الجنون الذي أعيش فيه.
لو عرف… ربما لن يبقى.
وقبل أن يسترسل في أفكاره، سمع صوتًا ناعمًا خلفه.
"آسفة لأنني أقلقتك البارحة، بليك."
رفع نظره بسرعة.
إنها هانا.
تنحني قليلًا عند مقعده، وابتسامة خفيفة تلمع على شفتيها، رغم الشحوب الذي لم يفارق وجهها.
كانت جميلة.
حتى في هذا الجوّ المعتم، كانت تشعّ هدوءًا.
شعر لوهلة أن قلبه توقف عن النبض، أو على الأقل تلعثم.
"أنا… لا بأس، فقط… سعيد أنك بخير." قالها ببطء، يكاد يهمس.
وهنا، نظر إلى سورا…
ووجد تلك النظرة.
نظرة "أنا أعرف ما تفكر فيه"
نظرة مستفزة، مائلة، مع حاجب مرفوع، وابتسامة خبيثة.
همس وهو يضع يده على فمه متصنّعًا: "أوووه، انظروا إليه، إنه يحبها! هااااه!"
ضربه بليك بمرفقه ضربة خفيفة: "اصمت، أيها الأحمق."
ضحك سورا ضحكة خافتة، بينما هانا نظرت إليهما في حيرة، ثم ابتسمت وهي تهز رأسها: "أنتما غريبان."
جلسوا بعدها في صمت لحظات.
دخل الأستاذ تاكاشي الصف،
وساد الصمت كما يحدث دائمًا عند دخول المعلم.
لكن هذه المرة…
كان الصمت مختلفًا.
مشحونًا.
ثقيلاً.
كل شيء فيه بدا خاطئًا.
تعابير وجهه… مزيج غريب من الذعر والهلع، كأنه رأى شبحًا داخل المدرسة.
عينا الرجل مفتوحتان أكثر من اللازم، جاحظتان، تتلفتان في الفراغ كمن ضاع بين الحقيقة والوهم.
وجنتاه مشدودتان، فمه نصف مفتوح وكأنه يحاول أن يصرخ… لكنه عاجز.
لم أكن أنا فقط من لاحظ…
كل من في الصف شعر بذلك الخوف المعدي، الذي تسلل من وجهه إلى صدورنا دون إذن.
حتى سورا… لم يرمِ أي تعليق ساخر. كان ينظر بتوتر، حاجباه مقطبان، أصابعه مشدودة على طرف الطاولة.
تاكاشي لم ينطق بكلمة.
خطى إلى طاولته كما لو كان يمشي على حبل مشدود فوق هاوية.
وضع حقيبته السوداء…
فتح السحاب ببطء…
وفجأة… أخرج منها شيئًا جعل أنفاسي تنقطع:
سكين.
سكين مدرسية، طويلة، لماعة، وكأنها قُدّت لتشرح أكثر من مجرد ورقة.
سمعتُ صوت تلميذة تجلس في الصف الأمامي تلهث. آخرون شهقوا. رائحة خوف واضحة بدأت تفوح في الغرفة.
لكنه… لم يتوقف.
رفع السكين أمامه… ثم صرخ، بصوت حادّ جعل بعضنا يرتجف:
"لا تتحركوا!!!"
تجمّدنا.
كأن الكراسي التحمت بأجسادنا.
لا أحد تنفّس.
لا أحد تجرأ أن يسعل حتى.
أنا… لم أعد أسمع سوى دقات قلبي.
هل هو يهددنا؟
هل جنّ الأستاذ؟
هل هذه بداية مجزرة؟
لكنني لاحظت شيئًا…
في عينيه لم يكن الغضب… بل الرعب.
لم يكن يلوّح بالسكين كمن يريد القتل… بل كمن يظن أنه يُطارد.
عيناه لم تكن تنظر إلينا… بل وراءنا.
نظر بعض التلاميذ إلى بعضهم. واحدة بدأت تبكي.
شخص ما في الخلف تمتم: "النجدة… استدعوا المدير…"
لكن لا أحد تحرّك.
رفعت عيني إلى وجهه…
وكان يتصبب عرقًا.
شفاهه ترتجف، والسكين تهتز في يده.
ارتفعت صرخات التلاميذ.
البعض نهض، البعض جلس مكانه كالمشلول.
أنا… لم أستطع أن أتحرك.
وقف الأستاذ تاكاشي أمامنا، والسكين ما تزال في يده، تتأرجح ببطء كأنها بندول موت.
ثم، بصوت أجوف، مبحوح، خرجت الكلمات من فمه كأنها كانت تخنقه منذ سنوات:
"اليوم… يجب عليّ أن أعتذر منكم جميعًا.
أجدني مجبرًا في هذه الحال…
بذلت قصارى جهدي كي تتمكنوا من التخرج بصحة وعافية مع حلول الربيع المقبل.
فعلتُ كل ما بوسعي لتحقيق هذه الأمنية…"
كان صوته يزداد انكسارًا، ومع كل كلمة، كان شيء ما داخلي ينهار.
"ما سيحدث من الآن فصاعدًا… إنما هو شأنكم وحدكم.
فور بدايتها… لا أعلم إلى أي حدّ يمكن للكفاح أن يكون عبثًا.
لا أعلم… لا أمل في أن أعلم.
لكن، هذا الكلام… لا فائدة منه الآن."
ثم…
بدأ بتحريك السكين.
مرّة نحو الأعلى.
مرّة نحو الأسفل.
يمينًا… يسارًا.
إيقاع بطيء… عشوائي.
كنا نتجمّد في أماكننا، كل نفس يُسحب بصعوبة، كل عرق يتصبب مثل المطر، كل عَين مفتوحة لا تطرف.
العقول تحاول فهم ما يجري، لكنها تغرق في عجزها.
ثم حدث ما لم يتوقّعه أحد.
هانا تحرّكت.
بخطوات مرتجفة، تقدّمت نحو الباب.
جسدها كان يهتز من الرعب، لكن عينيها كانت تقول: "أريد الخروج، فقط الخروج، من هذا الكابوس."
لكن…
"ششششششش…"
صوت تمزّق الهواء.
في لحظة، وبحركة واحدة،
رفع الأستاذ يده — كأنها صقر انقضّ —
والسكين خطّت مسارًا من اليمين إلى اليسار…
ثم… ذبحتها.
شاهدتُه.
شاهدنا جميعًا.
الحديدة الباردة اخترقت عنقها من الجانب، وخرج الدم من حنجرتها كنافورة جهنمية، تصاعد بلون أحمر قاتم، نثر نقاطًا على الجدران والوجوه والدفاتر…
هانا وقفت لثانية…
كأن عقلها لم يدرك بعد أنها ماتت.
ثم انهارت…
ركبتاها انثنتا أولًا…
ثم جسدها ارتطم بالأرض كدمية قُطعت خيوطها.
عيناها… لا تزال مفتوحة، تحدّق في السقف كأنها تبحث عن نجدة من السماء.
فمها يتحرك… لكنها لا تتكلم.
ثم، لم يعد يتحرك شيء.
---
ثم جاء الصمت.
ليس الصمت المعتاد.
بل صمت ما بعد الانفجار.
ذلك النوع من الصمت الذي يأتي فقط… بعد أن ينهار شيء مقدّس داخل النفس البشرية.
---
فجأة، انطلقت الصرخات.
تلميذان في الخلف نهضا وركضا إلى الزاوية كأن الجدران ستحميهم.
فتاة كانت تبكي بصوتٍ خافت، ثم انفجرت كأن رئتيها لا تحتملان المزيد.
سورا ظلّ واقفًا مكانه، وجهه تحوّل إلى لون شاحب كالرماد، عينيه اتسعتا لدرجة جعلتني أظن أنه قد ينهار هو أيضًا.
أنا؟
كل شيء تجمّد داخلي.
كنت أسمع دقات قلبي وكأنها طبول موت.
يدي ترتجف.
فمي جاف.
كنت أريد أن أصرخ، أن أركض، أن أبكي… لكنني فقط… حدّقت.
شعري التصق بجبيني من العرق.
عيني كانت مفتوحة لا ترمش.
وكان الدم… يتسرّب ببطء تحت طاولتي.
دافئ… ولزج… كأنه يبتلع الصف كله.
---
تاكاشي لم يتحرك.
ظلّ واقفًا مكانه، السكين تتقطر من طرفها، ويده ترتجف، وكأنه… استعاد وعيه للحظة.
نظراته جالت على وجوهنا…
ثم على جسد هانا…
ثم… رفع السكين من جديد.
وهنا…
صرخ بصوت لم أعرف أنه له:
"تاكاشي! توقف!"
-
لم يتحرّك أحد.
ولا حتى الهواء.
كان الفصل أشبه بغرفة ميتة، سُحب منها كل الأوكسجين، وعلّق في سقفها زمنٌ معطوب.
لكن تاكاشي…
كان مختلفًا.
بدأ يرتجف.
عيناه، اللتان كانتا قبل لحظات جامدتين كجثّة، أصبحتا فجأة تمتلئان بالرعب الحقيقي.
أرخي جفنيه قليلاً، ثم اتسعتا أكثر من ذي قبل، وكأن عقله بدأ يستوعب الكارثة التي ارتكبها.
يده المرتجفة كانت لا تزال تمسك بالسكين.
تراجع خطوة…
ثم خطوة أخرى…
أنفاسه تصاعدت بصوت حاد،
كأن صدره لا يعرف كيف يتنفس من جديد،
كأن كل شهيق كان طعنة داخله.
نظر إلينا.
كل واحد فينا.
وجوهنا الشاحبة… عيوننا الممتلئة بالخوف والصدمة…
لكن أكثر ما نظر إليه كان جسد هانا…
جسدها الصغير الملقى على الأرض، ما زال ينزف ببطء، كأن الحياة ترفض مغادرتها بسرعة.
---
تاكاشي تمتم بكلمات غير مفهومة.
ثم رفع السكين… لا نحونا، بل نحو نفسه.
"ما الذي فعلته…؟"
كانت نبرته كطفل صغير ضائع.
كأن من يقف أمامنا الآن لم يكن معلمًا، بل مخلوقًا مكسورًا، غرق في حفرة لا قاع لها.
رفع السكين فوق حنجرته.
وبحركة عنيفة، غرسها في رقبته بكل ما تبقى فيه من قوة.
"آااااااااهه—!"
خرج صوت لا يشبه أي صرخة بشرية.
بل كان صوت نهاية.
الحديدة مزّقت حلقه ودخلت عميقًا.
دخلت بعمقٍ شديد لدرجة أن نصلها خرج من مؤخرة عنقه،
يقطر دمًا دافئًا، كثيفًا…
وبعينين مذعورتين، وقف لثانية، كأن جسده يرفض السقوط.
ثم بصق دماً.
فمه انفجر بسعال مرعب، خرج معه خيط دموي طويل، تبعثر كرشّة طلاء على الطاولة القريبة.
وجهه أصبح كقناع من الدماء، وعيناه أصبحتا زجاجيتين، بلا تركيز، تحدقان في اللاشيء.
أخذ نفسًا أخيرًا…
ثم سقط.
سقط بثقلٍ مدوٍ.
ارتطم جسده بالأرض…
وارتفعت رشة دم تحت رقبته المفتوحة مثل شلال صغير.
---
كانت الإضاءة لا تزال ساطعة فوق جسده.
باردة.
قاسية.
تكشف كل شيء بلا رحمة.
السكين ما زالت مغروسة.
صدره، رقبته، وجهه… أصبحوا مجرد لوحات من الدم والدموع.
الدماء شكلت بركة حول جسده.
تمددت تحت الطاولات…
وصلت إلى أرجلنا…
غمرت دفاتر وهوايات وذكريات…
كأنها تقول: "لا أحد سيخرج من هنا كما دخل."
الحقائب ملوثة.
الكراسي ملطخة.
الأرض غارقة.
---
لم أستطع الحراك.
لم أستطع حتى أن أغمض عيني.
لقد مات.
تاكاشي مات أمام أعيننا.
أمام أعيننا المكسورة.
وصدى صرخته… لا يزال يتردّد في رأسي.
ولأول مرة في حياتي… تمنيت لو أنني أستطيع أن أنسى.
تغيّر المشهد.
صفارات الشرطة كانت أول ما سمعناه… ثم سحب الأقدام الثقيلة…
الأصوات العالية المرتبكة… والصراخ المكبوت في العيون.
دخل الضباط الصفّ كأشباح واقعية، ومعهم الإسعاف…
غُطّيت جثة هانا ببطانية رمادية باردة، لكن الدماء ظلت تشهد،
وجثة تاكاشي نُقلت محمولة بين أيادٍ مرتجفة.
ما زلت أرى الممرضة تبكي…
أحد الشرطيين صرخ في وجه مصوّر طائش كان يحاول التقاط صورة.
وصلت أهالي الطلاب لاحقًا.
صراخ… بكاء… احتضان… لهفة…
مشاهد كافية لتمزّق قلب أي أحد.
لكن… أنا؟
وقفت وحدي، أنظر إليهم من بعيد.
لم يأتِ أحد من أجلي.
لا أم، لا أب، لا شقيق ولا شقيقة.
ولا حتى أحدٌ يسألني: "هل أنت بخير؟"
راقبتُ مشهد الأمهات يحتضنّ أبناءهن،
والآباء يشدّون على أكتافهم بقوة،
وأنا…
أنا فقط كنت أتفرّج، وكأنني أنتمي إلى مشهد آخر، إلى عالم آخر… أو ربما لا أنتمي لأيّ مشهد على الإطلاق.
رفعتُ رأسي للسماء.
كانت سوداء.
مكتظة بالغيوم، كأنها تبكي قبلنا.
وفجأة، سمعت صوتًا مألوفًا بجانبي:
"يبدو أنها سوف تمطر."
استدرتُ.
كانت هيمورا.
واقفة بجانبي، تحمل مظلة مغلقة بلون أسود.
بهدوء غريب… برود مألوف… نظرة لا تكشف إلا القليل.
قلتُ: "إذاً… ما الذي حدث؟ سمعتُ أن الدراسة توقفت في المدرسة بالكامل بعد الحادثة."
أجابت بنبرة لا تحمل خوفًا ولا دهشة: "لا أدري."
ثم ابتسمت نصف ابتسامة: "لكن عندي نظرية."
نظرتُ إليها، وأجبت بشك: "ما هي؟"
قالتها وكأنها تسرد قصة قبل النوم: "إنها لعنة. لعنة تسببت بكل شيء… من موت هوتارو، إلى جنون تاكاشي، إلى موت هامان… وموت ميساكي."
تجمدت.
"ماذا؟ ميساكي؟!"
قالت: "نعم، ميساكي… ألا تعرفها؟"
كأن روحي انتفضت داخلي. "ما الذي تعرفينه عنها؟!" سألتها باندفاع.
ضحكت قليلاً، ثم قالت بمكر: "أوه، لماذا أنت متحمّس هكذا؟ إنها فقط فتاة… انتحرت في المدرسة قبل سنتين. ويقولون أن روحها لا تزال هنا، تائهة، تظهر لتنتقم من كل من تسبب في مأساتها."
"من قال هذه الخرافات؟!"
"شينتو." قالتها بهدوء، ثم أكملت: "منذ أول مرة تقابلنا، أخبرني بهذه القصة. أظنها كانت السبب في حبه لعالم الرعب… والسبب في انضمامه لنادي الغرائب."
"...إنها قصة مخيفة." قلتُ.
لكن في داخلي، كنتُ أفكر:
> في الواقع… أنتِ المخيفة هنا.
كيف وصلتِ لهذا الاستنتاج؟
كيف أدركتِ وجود لعنة؟
وكيف ربطتِ ميساكي بكل ما يجري؟
هيمورا… فتاة ذكية.
غريبة.
هادئة كأنها تعرف أشياء لا تُقال.
وأنا، وسط كل ذلك، كنت أغرق أكثر…
في شك، في رعب، في أسئلة لا تنتهي.
لكن كان هناك شيء واحد مؤكد…
اللعنة بدأت تشتد.
وفجأة…
بدأ كل شيء يربط نفسه في ذهني.
كل تفصيلة… كل نغزة قلب… كل لحظة مرعبة مرّت منذ أن عثرت على ذلك الكتاب اللعين.
موت هوتارو…
صرخة أكيهيكو…
انتحار تاكاشي المروّع، بتلك الطريقة التي لا يمكن لعقل أن يقبلها…
والآن، تلك الكلمات من هيمورا… عن ميساكي… عن اللعنة.
هل من الممكن أن تضخّم لعنتي هو ما سبّب جنونه؟
هل أنا… من أطلقت شيئًا بداخله؟
هل كنت أنا السبب؟
شعرت ببرودة تسري في عمودي الفقري…
كأن أحدهم سكب دلواً من الجليد داخل نخاعي.
اتسعت عيناي، نبض قلبي أصبح صوتًا في أذني، وتشنّجت أناملي المرتجفة.
"ما بك يا بليك؟"
نظرت إليّ هيمورا، حاجباها مرتفعان قليلاً، وعيناها فيهما لمحة قلق… أو فضول، لا أعلم.
قلت بتوتر: "لا شيء… لا شيء."
ثم بدّلت الموضوع، أو حاولت الهرب منه: "بالمناسبة، أين شينتو؟"
قالت وهي تنظر إلى الأفق: "شينتو… ذهب إلى أحد الأماكن المهجورة التي صوّرها من قبل."
التفتُّ إليها فجأة، كأنها طعنتني بالكلمات: "ماذا؟! ذلك المختل الغبي! أليس الأمر خطيرًا؟!"
هزّت كتفيها بلا مبالاة: "لم أستطع منعه من الذهاب… في النهاية، ذلك هو شغفه، أليس كذلك؟"
قلتُ وأنا أحاول كبت القلق الذي بدأ ينهش رأسي: "إلى أين تحديدًا ذهب؟"
أخرجت من جيبها صورة مطويّة بعناية، وناولتها لي.
نظرتُ إلى الصورة… وتجمّدت.
كأن الدم توقف عن الجريان في عروقي…
عيناي ثبتتا على الصورة.
الصورة كانت مألوفة.
نعم… إنها إحدى صور شينتو…
لكن من بين كل الأماكن… من بين كل اللقطات التي يمكن أن يختارها…
لقد ذهب إلى أسوأ مكان.
مبنى نيمو.
شهقت بصوت مرتفع، دفعت الصورة في جيبي بعجلة، وصرخت: "يا له من أحمق!!"
ثم… ركضت.
ركضت بكل ما تبقّى لدي من قوة.
صوت خطواتي يضرب الأرض كطبول حرب.
الهواء كان ثقيلاً، والسماء بدأت تقطر أولى قطرات المطر،
كأن العالم نفسه يحذّرني.
لكنني لم أتوقف.
عليّ أن أصل إليه.
قبل فوات الأوان.
قبل أن تبتلع اللعنة شخصًا آخر.
قبل أن يصبح شينتو… ضحية جديدة.