كانت الصورة مهزوزة، الإضاءة خافتة، والصوت يقطعه تداخل الريح مع تنفّسٍ ثقيل.
في قلب الظلام، وسط المبنى المهجور الذي يسكنه نيمو، دخل شينتو بخطى حذرة، حاملاً كاميرا أمامه.
وجهه لم يظهر في الصورة، لكن صوته كان واضحًا… وخائفًا.
[من تسجيل الكاميرا – 00:00:03]
"يبدو أنني دخلت أخيرًا… هذا هو المكان الذي يختبئ فيه الاشباح،كما يزعم سكان البلدة."
توقف لثوانٍ، ولفّ الكاميرا حوله.
المكان بدا مهجورًا، كأن الزمن نفسه قد تجنّب الدخول إليه.
الجدران مكسوة بطبقات من الغبار، الأرضية مليئة بالأخشاب المتآكلة وقطع النسيج القديمة.
الضوء الخافت من كشاف هاتفه يمرّ على الممرات مثل سكينٍ على جلد متعفن.
[00:00:15]
"يا إلهي… ما هذا المكان؟"
رفع الكاميرا نحو السقف، حيث تدلّت دمية مقلوبة، رأسها مائل، وعيناها الزجاجيتان تحدقان مباشرة في عدسة الكاميرا.
ارتعش صوته:
"تلك الدمية… هل كانت تنظر إلي قبل ثانية؟"
تابع السير، يده تهتزّ وهو يُحرّك الكاميرا يمينًا ويسارًا.
كل بضع خطوات، كانت تمرّ دمية جديدة في الإطار:
دمية بلا ذراع.
دمية مبتسمة بفم مخيط.
دمية محروقة في نصفها السفلي.
[00:00:43]
هل هذه طقوس؟"
مرّ بجانب مرآة مكسورة… وانعكس ظله فقط، لا ظل الهاتف، ولا ظلّ الدمية خلفه.
توقف.
عاد الكاميرا للوراء…
الدمية خلفه اختفت.
[00:01:12]
"مستحيل... كانت هنا... كانت هنا تمامًا..."
وفجأة—
طَقْ!
صوت كأن خشبة في الأرضية انكسرت…
ثم صوت خطوات ناعمة قادمة من الممر الأيمن… خطوات رجل بالغ.
تجمد شينتو، وصوته بالكاد خرج: "هذا ليس طبيعيًا… من هناك؟"
رفع الكاميرا نحو الممر… الظلام قاتم.
ثم—
شيء ما ركض في الخلفية، ظل قصير يمرّ بسرعة…
الصورة اهتزّت.
[00:01:58]
"أنا أغادر... أنا أغادر حالًا!"
ركض شينتو عبر الممر، الكاميرا تهتزّ بعنف، أنفاسه تتسارع، الصوت مشوّش.
ثم… صمت.
الكاميرا توقفت للحظة، تسجّل الفراغ…
"لماذا دخلت هنا…؟"
---
[تغير المشهد]
في غرفة صغيرة خانقة، وسط الظلال التي تتراقص بخفة مع اهتزاز ضوء المصباح الوحيد، جلس نيمو على كرسيه الخشبي القديم. كانت يده تتحرك ببطء وخفة، تخيط دمية قماشية مهترئة.
كان الصمت يخيم، ثقيلًا كأن جدران الغرفة تحتفظ بأنفاس من مضى.
لكن فجأة، تغير كل شيء.
شعر نيمو ببرودة زاحفة تنتشر في الهواء، كأنها خيال يتسلل عبر الفتحات. التفت ببطء، كأن شيئًا ما يستدعيه من الأعماق.
ثم بدأ دقّ الباب… ليس بنظام، بل بعشوائية مرعبة، دقات لا تتبع أي إيقاع.
وقف نيمو بثبات، قلبه ينبض بقوة لكنه يرفض الهروب.
همس بصوت منخفض ومرتجف:
"من هناك؟"
لم يكن هناك جواب.
أمسك المقص بيدين متصلبتين، يلمع ببطء تحت الضوء الخافت.
اقترب من الباب ببطء، فتحه بيد واحدة مرتجفة.
خارج الباب، في الظلام الذي يلتهم الحواف، كان يقف كائن… غير حي، لكن غير ميت.
وجهه متآكل الجلد، شاحب كأنه قادم من عالم الأحلام المظلمة. عيونه العميقة فارغة لكنها تحمل نداءً من العدم، فمه نصف مفتوح وكأن أنفاسه الأخيرة ما زالت معلقة في الهواء.
كان يلفه هدوء مريب يبعث الرعب.
"انه زومبي!"
وقف نيمو كالصخرة أمام ذلك الزومبي، يحاول أن يستوعب مشهد المخلوق المشوه أمامه. لم يكن هناك وقت للتفكير أو للخوف.
بلا مقدمات، اندفع الزومبي نحوه بسرعة مفاجئة رغم مظهره البطيء والمرهق، ذراعيه الممتدتين وكأنهما يشدان الهواء نفسه.
تراجع نيمو خطوة إلى الوراء، محاولًا الحفاظ على مسافة، فبطء الزومبي كان نقطة قوته. كانت محاولة الزومبي للعضّ هجمات مزدوجة، بطيئتان ولكن مصممتان.
نيمو تفادى الضربتين بخفة وحذر، قلبيهما يخفقان في توازن مرعب.
ثم، وفي لحظة استغلال تامة، باغت نيمو المخلوق بهجوم مباغت.
التقط المقص الذي لا يفارق يده، وغرسه بقوة في رأس الزومبي.
خرج من الجرح سائل داكن أشبه باللزوجة السوداء، تنبعث منه رائحة عطرية غريبة تخترق الأنف دون رحمة.
لم يكن دمًا.
سقط الزومبي على الأرض، ميتًا بلا حراك.
لم يضيع نيمو لحظة، وانطلق نحو الرواق الطويل، عينيه تلمعان بالقلق والترقب.
لكن ما لم يتوقعه كان ينتظره.
في نهاية الممر، حيث تنقسم الظلال، وقفت نحو عشرة زومبي، بأشكال مشوهة، أعينهم خاوية ونفوسهم ميتة.
كانوا يحاصرونه من كل الجهات، كأن المبنى نفسه تحوّل إلى فخّ بلا مخرج.
وقفت الأنفاس للحظة.
ابتسم نيمو ببرود، وقبضته تشدد على المقص.
"حسنًا... لنرَ من يخرج من هنا حيًّا."
تغيّر المشهد.
إلى الطابق السفلي، حيث تتسلّل الظلال مثل دخان خفيّ.
شينتو كان هناك، قلبه يقرع صدره كطبل حرب.
أنفاسه متقطعة، عيونه تتحرك في كل اتجاه وهو يهمس لنفسه: "ما هذا المكان...؟ لماذا كل شيء يبدو وكأن... الزمن توقف؟"
أضواء المبنى كانت خافتة، متقطعة، تصدر طنينًا كهربائيًا مرعبًا كأنها تنذر بشيء قادم.
الهواء ساكن... خانق.
شينتو، الذي لطالما أحب توثيق الغرائب بكاميرته، كان يحملها بين يديه، يحاول بها كسر رعبه…
لكن حين استدار فجأة، سقط قلبه بين أضلعه.
كان هناك... شيء خلفه.
وما رآه لم يكن بشريًا... ولا حتى يمكن تسميته "زومبيًا عاديًا".
رعب اللحظة جعله يُفلت الكاميرا من يده، فتسقط على الأرض بقوة، تتحطم عدستها، تصرخ بشرخ زجاجها كأنها تبكي على صاحبها.
أما شينتو...
فوقف يتراجع ببطء، بينما عيناه تتسعان تدريجيًا لما أمامه.
الوحش... كان طويلًا، بشريّ الهيئة، لكن ليس بشريًا أبدًا.
رأسه يشبه رأس إنسان، لكن الفك السفلي كان مفتوحًا بشراسة، يكشف عن أنياب طويلة حادة كالسكاكين.
عيناه صغيرتان، تلمعان ببريق شرير كأن فيهما نارًا حمراء تحترق خلف الظلال.
قرن أو نتوء عظميّ بارز من أعلى أنفه، يجعله يبدو ككائن هجين بين بشر وشيطان.
جسده كان منتصبًا كإنسان، لكن عضلاته تتضخم وتنتفخ تحت جلد رمادي محمّر، كأن جلده لا يحتمل قوته الوحشية.
ذراعاه قويتان بشكل غير طبيعي، تنتهيان بمخالب سوداء كبيرة، تقطر من أطرافها قطرات لزجة.
ساقاه مثل أعمدة حجرية، مغطاة بلحم قاسٍ، أقدامه تشبه أقدام دب، لكنها إنسانية... مرعبة.
فمه كان يزفر دخانًا رماديًا كثيفًا، كل زفير يخرج كأنه تنفّس تنّين نائم استيقظ الآن.
كل شيء فيه ينطق بوحشية.
شينتو، الذي عادة ما يتظاهر بالشجاعة أمام الكاميرا، كان الآن…
يرتجف.
جسده كله ينتفض، وقد همس بشفاه يابسة: "ما… هذا الجحيم؟!"
كاد أن يتبوّل على نفسه من شدة الرعب.
ركبتاه كادتا أن تخونا جسده.
الوحش لم يتحرك… بعد.
لكن عيونه كانت مثبتة عليه…
تدرسه…
كأنها تنتظر أول حركة خاطئة لتبدأ المذبحة.
سُمِع طنين خافت من ضوء فوقهما، واهتز السقف قليلًا…
وشينتو همس بخوف يكاد لا يُسمع: "بليك… أين أنت…؟ ساعدني…"
لكن لا أحد أجابه.
فقط الوحش، يزفر دخانًا ساخنًا… ويتقدّم خطوة.
أرضية المبنى اهتزّت.
.
دون أي مقدمات…
مجرد خطوة واحدة خاطئة من شينتو، صوت احتكاك خفيف لحذائه على البلاط المتشقق…
وكان كافيًا.
الوحش انفجر حركة.
هدير غليظ خرج من صدره مثل زئير محرك محطم، واندفع بجسده الضخم نحو شينتو ككرة هدم بشرية.
ذراعه اليمنى ارتفعت بسرعة مفاجئة، قبضته الضخمة تهوي نحو الصدر تمامًا.
لكن غرائز شينتو كانت أسرع من عقله.
تراجع بجسده في اللحظة الأخيرة.
الضربة سحقت الهواء أمامه، واصطدمت بالجدار خلفه...
وحدث الانفجار.
كأن قنبلة يدوية انفجرت في الحائط…
الجدار تفتت كالبسكويت اليابس، وانطلقت شظايا الإسمنت في كل الاتجاهات.
تطاير الغبار، وتناثرت الأحجار الصغيرة على وجه شينتو وهو يتدحرج على الأرض بحركة فوضوية.
لكن الوحش لم يتوقف.
زمجر، وتقدم خطوة ضخمة أخرى، الأرض تئن تحت وزنه.
اليد الثانية ارتفعت هذه المرة، وتحركت بشكل أفقي كفأس مذبحة.
شينتو رفع جسده بسرعة… لكنه كان قريبًا جدًا.
قفز جانبًا…
لكن الطرف الخارجي من مخلب الوحش مزّق سترته وأصاب كتفه بخدش عميق.
"آآه!"
شهق شينتو وسقط أرضًا، يده تغطي جرحه، والألم يخترق عظامه كلسع البرق.
الوحش تقدم مجددًا.
ضرباته لم تكن سريعة…
لكن كل واحدة منها تُحدث دمارًا مطلقًا.
عمود في منتصف الغرفة؟
ضربة واحدة أطاحته.
حديد ملقى في الزاوية؟
ركله الوحش فانحنى كأنه من ورق ألومنيوم.
أنبوب نحاسي بارز من الجدار؟
تم سحقه تحت قدمه بسهولة، وبدأ الماء ينفجر في الجو، يزيد الفوضى جنونًا.
شينتو يزحف على الأرض، يحاول الوصول إلى قطعة معدنية حادة – ربما من الكاميرا المحطمة – عله يستخدمها كخنجر دفاع أخير.
لكن الوحش كان خلفه،
خطوة واحدة فقط، وستنتهي المعركة قبل أن تبدأ.
الوحش رفع قدمه الضخمة ليهوي بها على ظهر شينتو —
ضربة سحق نهائية.
لكن شينتو، بحركة بديهية مذهلة، تدحرج على جانبه في اللحظة الأخيرة، والقدم ارتطمت بالأرض فخلعت بلاطة كاملة من مكانها، وأطلقت شرارة عالية اصطدمت بجدار معدني.
شرارة…
أضاءت وجه الوحش للحظة، وظهر بالكامل…
وجهه المشوه، فكه المفتوح على الدوام، أنيابه تقطر بلزوجة رمادية…
صوته… ليس صوت زومبي…
بل صوت شيء صُنع، ولم يُولد.
شيء مصنوع باليد… أو بالسحر.
شينتو، يلهث، يزحف خلف ركن محطم، وخلفه الوحش يمشي كالظل الثقيل، خطواته تدق الأرض كطبول القيامة.
كل خطوة… تنهش قلب شينتو أكثر.
كل تنهيدة من فمه المدخن… تقصّر حياته بثانية.
لكن شينتو، رغم الرعب، يحاول النجاة.
داخل الغرفة العلوية المنهكة…
الوحش يزأر، والغرفة ترتج.
بكل ضربة، عمود آخر يتحطم…
السقف بدأ يصرخ، جدران تتنفس بصعوبة، والمكان يحتضر.
شينتو، مرهق، مجروح، وعيناه تبحثان عن أمل…
ثم شعر به.
تحت قدميه.
ارتجاف غريب، كأن الأرض نفسها بدأت تتخلى عن وزنها.
ثم… صوت تشقق، خافت أولًا، ثم أكثر، ثم أعلى... وأعلى...
كأنها أغنية الموت تتصاعد من تحت الأرض.
نظر شينتو ببطء،
عيناه تتسعان.
الأرضية…
كلها…
على وشك الانهيار.
شقوق طولية تسير كالثعابين السوداء، تنبع من تحت أقدام الوحش وتنتشر بسرعة مرعبة تحت البلاط.
ثم رفع نظره إلى الوحش…
ورأى ما لا يُحتمل.
وجهه العريض يقترب…
الهواء يرتج من زفيره.
وشينتو لا يستطيع الحراك.
"…مستحيل أن أخرج حيًا من هذا."
—
تغيير المشهد.
في الطابق العلوي… في الرواق… في قلب الظلام…
نيمو واقف، يلهث، يقطر عرقًا ودمًا.
المقص في يده، ووجهه عليه ظلال من الماضي، ونظرة رجل اختار القتال.
قال بصوت خافت،
لكن فيه نبرة تكفي لإخافة الشياطين:
> "لن أموت اليوم، أيها اللعناء."
وانقضّ.
أول زومبي اقترب، بفك مفتوح، كأنه يستعد لـ"الوليمة".
لكن نيمو لم يترك له فرصة.
قفزة قصيرة، وضربة دقيقة،
وغُرس المقص في وسط جبهته.
لم يُصدر الزومبي صوتًا، فقط اهتز، ثم انهار مثل دمية مكسورة.
لم يكن هناك وقت…
زومبي ثانٍ هجم من الجانب، ذراعاه ممدودتان كالهواء، لكن نيمو دار بجسده، وانحنى، ثم:
“شِقّ!”
المقص انغرس هذه المرة من أسفل الذقن إلى الدماغ.
"شلوك!"
اللزوجة السوداء تدفقت مثل مداد فاسد، برائحة تشبه الحليب الفاسد وصدأ الحديد.
لكن ثالثهم لم ينتظر.
زومبي بفك أعوج، هجم من الخلف،
لكن نيمو استدار فجأة، ورفع مرفقه.
"طاخ!"
ضربة عنيفة على وجه الزومبي أدارت رأسه 180 درجة.
لم يمت، لكن فمه صار في مؤخرة رأسه.
نيمو استغل التشويش،
وغرز المقص في رقبته بكل قوته.
"طَقّ!"
ثم سقوط الرأس.
رابعهم جاء…
كأنهم في حفلة موت.
لكنه لم يُمنح حتى فرصة الهجوم.
ركلة مباشرة من نيمو.
ركلة تخرج من رجل عاش عشر سنوات في الظل والغضب.
"بووووم!"
الركلة رفعت الزومبي عن الأرض، وطارت به إلى الجدار، حيث اصطدم بعنف، وتهشم كتفه كصندوق كرتوني.
لكن…
الأعداد لا تتناقص.
الزومبي يتقاطرون عليه من كل الجهات.
أصوات أنين… زمجرة… لزوجة… صرير أقدام… صرير فكيّن…
نيمو بدأ بالتراجع ببطء، عرقه يختلط بالدم.
ظهره للجدار، أنفاسه ثقيلة، عيناه تبحثان…
لكن لا مهرب.
أحدهم يقترب أكثر…
ثم آخر…
ثم ثالث…
ثم… فجأة…
انفجار من القوة!
الزومبي تفرقوا بعنف كأوراق شجر في إعصار.
“بووووف!!”
جسد طائر يصطدم بالجدار،
آخر يصطدم بالأرض،
ثالث يُقذف في الهواء.
وظهرت هي.
ميساكي.
شعرها يتطاير،،
وجهها مليء بالتصميم،
وعيناها تشتعلان بغضب صامت.
قالت بصوت منخفض لكنه مرعب:
> "اهلا نيمو،يبدو انك تحتاج بعض المساعدة."
نيمو، مذهول، مغطى بالدم والغبار، ابتسم رغم كل شيء.
> "ميساكي... توقيتك لا يُقدّر بثمن."
لكن بينما الزومبي يُقذفون للرواق الآخر،
بعضهم بدأ ينهض من جديد.
ميساكي تنظر إليهم، ثم إلى نيمو:
> "سنؤخرهم… لكننا لن ننجو وحدنا… هناك فتى اسمه شينتو هنا في الطابق السفلى؟!"
نيمو شهق…
شينتو أنا اشعر كأنني سمعت هذا الاسم في مكان ما،و اصلا مالذي يفعله هنا!"
"الايجابات سوف تأتي لاحقا،الان يجب عليا ان اهتم بهؤلاء الملاعيين"
الرواق المعتم، الملطخ بالدماء والهمسات الجائعة.
الزومبي بدأوا يتكاثرون كالدود من كل زاوية.
أصوات أقدامهم المشوهة تجرّ نفسها على الأرض، وصوت فكيهم وهي تصطك يرن كطبول الجحيم.
لكن ميساكي… لم تتراجع.
تقدّمت.
الهواء حولها بارد، لكنها تحترق.
أول زومبي اقترب، فمه مفتوح كفتحة مجاري مقلوبة، يهمّ بعضّ كتفها.
ميساكي لم تتراجع.
بل انحنت فجأة، وضربت فكّه السفلي بباطن كفها، ضربة من أسفل إلى أعلى، بقوة جعلت فكه يُنتزع من مكانه ويندلق على وجهه مثل قطعة لحم نافق!
"طراااخ!"
والزومبي ارتدّ للوراء يتخبط في دمه اللزج، يخرج صوتًا يشبه غرغرة مريضة بالقيح.
لكن قبل أن تهبط يدها…
زومبي آخر كان يهاجم من الجانب الأيسر، ذراعه ممدودة كالسوط.
ميساكي التفتت بسرعة،
وأمسكت بذراعه.
ثم دارَت بجسدها 360 درجة، وسحبت الزومبي معها، لتقذفه بكل ما فيها من قوة نحو جدار الرواق…
لكنه لم يصطدم فقط، بل سقط على رأس زومبي آخر، فكُسر عنقهما معًا!
"كرااااك!!"
الدماء، بلونها الأحمر الداكن، بدأت تتناثر كطلاء مجنون على الجدران.
لكن ميساكي لم تتوقف.
زومبي ثالث، ذو فم مقطوع على جنب، اقترب زاحفًا،
لكنها قفزت للأعلى، ثم نزلت بكل وزنها بركبة حادة على جمجمته.
"بوووف!"
انغرزت الركبة في وجهه، وحطّمت عينه اليمنى وكسرت الحاجز العظمي للوجه.
خبطت رأسه بالأرض ثلاث مرات بسرعة:
"طَقّ! طَقّ! طَقّ!"
حتى صارت جمجمته أقرب لعجينة رمادية ملوثة.
ميساكي كانت وحشًا في هيئة فتاة.
زومبي رابع هجم، ضخم البنية، محاولًا الإمساك برقبتها من الخلف.
لكنها رفعت ذراعها بسرعة،
أمسكت أنفه المشوه وسحبته نحوها،
ثم عضّته في رقبته!
نعم، ميساكي عضّت الزومبي!!
نهشت قطعة من جلده، ثم بصقتها على وجهه!
ثم صفعت فكه بكلتا يديها حتى تكسّر كالزجاج.
ميساكي الآن كانت مُلطخة بالدم، والقيح، وأشلاء لحوم باردة.
زومبي آخر اقترب بهمجية، ولكنها… قفزت عليه.
قفزت بالفعل، والتفت على عنقه بساقيها،
ثم دارت بجسدها كأنها تقوم بحركة قفل عنق،
وجعلته يسقط على الأرض…
ثم سحقت رأسه بكعبها.
"تشجخ!"
الرأس لم يعد رأسًا، فقط كومة من العظام والجلد المخلوط، تنفث دخانًا أسود.
لكن الدم لم يتوقف…
ميساكي الآن تنزف خدوشًا، أظافرها مكسورة، أنفاسها قصيرة،
لكن في عينيها نار لا تهدأ.
وصلها زومبي زاحف…
سحبت ذراعه.
نزعتها.
ثم طعنته بها في عينه.
زومبي أخير اقترب راكضًا بلا اتزان،
ميساكي جثت على الأرض،
ثم نهضت بحركة فجائية
ووجهت كوعها إلى فكه السفلي بقوة أخرجت أنيابه من الأعلى!
ثم حطّمت أضلاعه بركلة مزدوجة جعلته يرتطم بالسقف قبل أن يسقط كجثة فاسدة.
—
الرواق الآن هادئ… نسبيًا.
ميساكي تقف، صدرها يرتفع ويهبط،
الجثث حولها لا تتحرك،
لكن أصوات الخطر لم تختفِ…
كانت قادمة من الأسفل.
نيمو اقترب، وعيناه لا تصدقان ما رآه:
> "…هل أنتِ… حقًا ميساكي؟"
قالتها وهي تمسح الدم عن وجهها بيدٍ ترتجف و صوت خائف نوعا ما و مستغرب:
> "يبدو أنني افقد قوتي."
وفجأة…
أرضية الرواق اهتزّت.
شيء ما يتحرّك في الأسفل…
الوحش لم ينتهي.
الصمت، للحظة…
لكن الأرض تحتهما بدأت ترتجف.
"…نيمو؟" همست ميساكي، وعيناها توسعتا.
الاهتزازات تسارعت، وشقوق طويلة ظهرت على الجدران.
الزجاج بدأ يهتز، الأبواب تُصفق وحدها،
وسقف الرواق أصدر أنينًا منخفضًا يشبه تنفّس ميت بُعث من جديد.
نيمو شعر بشيءٍ ثقيل في صدره، ليس من الرعب فقط، بل من إدراك الحقيقة:
> "المبنى… ينهار."
تحته مباشرة، سمع صوتًا أشبه بـصرخة هيكلٍ معدني يموت.
الطابق السفلي لم يعد موجودًا. الوحش الذي واجه شينتو، في لحظة جنون، حطّم كامل الأعمدة الحاملة.
"كرااااااااااااك——"
فجأة…
الأرضية انقسمت!
نيمو سقط نصف جسده في الهوة، أمسك الحافة بأطراف أصابعه،
الغبار انفجر من كل مكان،
أضواء المصابيح تكسّرت فوق رؤوسهم مثل نجوم تنفجر.
ميساكي، دون تردّد، أمسكته من ذراعه قبل أن يسقط تمامًا.
"تمسك بي!"
صرخت وسط أصوات الانهيار، والصخور تنهال من السقف كأمطار حجارة.
عيناه التقت بعينيها،
ورأى في وجهها شجاعة لا تُصدق.
لكن لا وقت للمشاعر…
جزء كبير من السقف بدأ بالهبوط!
ميساكي سحبت نيمو بجنون،
ركضت به وسط الممر، بينما الأرض تنهار خلفهم!
كأنهما يهربان من وحش عملاق لا يُرى، يبتلع المبنى قطعةً قطعة.
في لحظة واحدة…
شقّ كبير فُتح أمامهم.
ميساكي توقفت.
نظر نيمو إليها وقد أصابه الذهول…
> "نحن محاصرون… المبنى سينهار فوقنا!"
لكنها لم ترد، فقط أدارت رأسها نحو النافذة.
الزجاج تشقّق، لكن لم ينكسر بعد.
أمسكت نيمو بقوة من خصره… ثم ركضت.
"ميساكي لااااا——!"
"آآآآآآه!!!"
قفزت به من النافذة!
—
كل شيء أصبح صامتًا…
الغبار، الزجاج، الأضواء، حتى الصراخ…
كل شيء تجمّد للحظة.
نيمو شعر بأن قلبه ترك جسده.
تحتهم…
المبنى انفجر من الداخل.
الأرض اهتزّت، سُحب من النار والغبار اندفعت من النوافذ،
كأن قلب الجحيم نفسه انفجر وسط البلدة الهادئة.
"بوممممممم!!!"
انفجار داخلي عنيف دفع بهم في الهواء،
جعلهم يسقطون على سطح مبنى منخفض مجاور مع ارتطام عنيف.
"غوووف!"
صوت تحطم الزجاج على ظهورهم، صراخ نيمو،
وصمت ميساكي…
نيمو كان مُلقى على الأرض، يتنفس بصعوبة، الدم يسيل من جبينه.
الغبار يملأ الهواء، وحرارة الدمار تحيط بهم.
رفع رأسه بتعب، نظر إلى جواره…
ميساكي بدون اي خدش جالسة تنظر اليه.
"نيمو؟!"
اقترب منها، قلبه ينبض، لكن نيمو فقد الوعي.
بدأ الناس يتجمعون امام المبنى الساقط
لم يتبقَّ شيء.
كان كومةً من الركام،
ووسط الركام… تنهيدة وحش لم يُهزم بعد.
[منظور بليك]
كنت أركض.
ركضت كأن قلبي سبقني، كأنني أطارده على أمل ألا يتوقف.
كنت ألهث بشدة، صدري يتقطع مع كل خطوة، ورئتاي تصرخان، لكنني لم أتوقف.
> كنت فقط… أريد أن أصل قبل أن تحدث الكارثة.
لكن الكارثة…
كانت أسرع مني.
عندما انعطفت في الزاوية الأخيرة،
تجمّدت.
أمامي لم يكن هناك مبنى.
فقط كومة ضخمة من الحجارة المطحونة، والأعمدة الملتوية، والزجاج المهشّم.
بقايا حياة…
دُفنت.
مبنى نيمو، المكان الذي عرفته كمأوى للغرابة، والأسرار، والدُمى،
كان الآن رمادًا رطبًا تحت المطر.
الهواء كان خانقًا، كأنّ الركام نفسه يئنّ.
الناس توافدوا من كل مكان،
وجوه مشدوهة، أفواه مفتوحة،
أصوات تساؤلات مرتجفة:
> "متى انهار؟"
"هل كان أحد بالداخل؟!"
"يا إلهي… هل رأيت ذلك؟!"
"المبنى سقط كأنه من ورق!"
الشرطة كانت تطوّق المكان بسرعة،
الشريط الأصفر تمّ مده بعجلة،
والسيارات الإسعاف أطلقت صفاراتها كأنها تبكي نيابةً عنا.
رجال الإطفاء صرخوا:
"ابتعدوا! لا تقتربوا من الأنقاض!"
السماء لم ترحم.
المطر بدأ يهطل كمن يحاول غسل الدماء… أو إخفاء الجثث.
وقفت هناك، وسط الحشود،
أنظر إلى الكارثة التي فاتني إيقافها،
وقلبي يسقط تحت وزنه.
> لقد فقدت كل شيء…
نيمو…
شينتو…
ثم…
سمعت صوتًا خلفي.
"بليك!"
استدرت.
لم أصدق.
كان نيمو،
يمشي بصعوبة، يتكئ على ميساكي، التي كانت تسنده بذراعها.
جسده كان مغطى بالغبار، قميصه ممزق، وجرح في جبينه ينزف فوق حاجبه.
كان يعرج، يتألم، يرفع يده بصعوبة كمن يسبح في وحل ثقيل.
"بليك!!"
ركضت نحوه.
نسيت المطر، نسيت الألم، نسيت حتى تنفسي.
ارتميت عليه، حضنته بقوة.
تأوه من الألم،
لكن ضحك في صدري، كأنه لا يصدق أننا على قيد الحياة معًا.
"نيمو… هل أنت بخير؟! مالذي حدث؟! أين شينتو؟!"
ردّ بصوت مرهق لكنه مبتسم:
"نعم… نعم… أنا بخير، فقط… بعض الكدمات. المسعفون ساعدوني… وميساكي… كانت السبب أنني خرجت حيًا."
ثم زفر بعنف، ونظر إلى المبنى المدمر.
"أما ما حدث للمبنى… فهو قصة طويلة. ومخيفة."
ابتسمت، رغم الحزن، رغم الألم.
ثم فجأة…
تجمّدت مجددًا.
تذكرت شينتو .
صرخة الشرطة مزّقت الضجيج:
"لقد وجدنا شخصًا مصابًا! إنه حي! وجدنا شخصًا حيًا!"
توقّف قلبي للحظة.
ثم انفجر داخلي كقنبلة.
ركضت.
ركضت كأن الأرض تحت قدميّ على وشك الانهيار مجددًا.
ركضت والوحل يلطخ حذائي والمطر يصفع وجهي.
> فقط… فقط ليكون شينتو…
عندما اقتربت، رأيتهم.
رجال الإنقاذ كانوا يسحبون جسدًا من بين الأنقاض — جسد بشري مغطى بالغبار، والدم، والألم.
نعم… إنه هو.
كان شينتو.
جسده محطم.
نصف وجهه مغطى بالدماء، خدوش عميقة تمزق جلده، شعره ملتصق بوجهه من المطر والدم.
إحدى ذراعيه كانت ملتوية بطريقة غير طبيعية، وصدره يرتفع ويهبط كمن يلتقط أنفاسه الأخيرة.
> شينتو… كان أكثر من أصيب في الحادثة.
ولا يبدو أنه سيعيش.
وقفت بجانبه، يداي ترتجفان.
نيمو وميساكي كانا خلفي، صامتَين، مجمّدَين مثلي.
كأننا جميعًا ننتظر… معجزة.
رجال الإسعاف حملوه بعناية إلى النقالة.
كانت خطواتهم سريعة، دقيقة، محمومة.
شينتو لم يكن واعيًا،
لكنه كان… يئن.
يئن بهدوء، أنين ضعيف كهمسة موت.
> شعرت بألم في روحي.
كأن قلبي سُحب من صدري، وسُحق تحت نفس الصخور التي سقطت عليه.
ثم…
حدث شيء.
في اللحظة التي وضعوا فيها النقالة قرب باب سيارة الإسعاف،
حرّك شينتو عينيه.
ببطء شديد، وكأنّه يعوم وسط بحر من الرماد،
نظر إلى ميساكي.
لم يلتفت إليّ.
لم يلتفت إلى نيمو.
نظر فقط… إلى ميساكي.
كانت نظرة فارغة، ولكن فيها شيء.
شيء خام.
شيء حي.
تبادلنا النظرات — أنا ونيمو — ثم نظرنا إلى ميساكي التي بدت مصدومة.
شيء ما… تغيّر.
> في تلك اللحظة، عرفنا.
شينتو… رأى ميساكي.
قبل أن أتمكن من نطق أي كلمة،
همس شينتو، بصوت خافت كأنه يرتجف بين الموت والحياة:
"ميساكي…"
سقط الصمت علينا جميعًا.
> نعم… لقد تأكدنا.
شينتو يستطيع رؤية ميساكي.
تغيّر المشهد.
الصوت الخافت للمطر يتحوّل إلى سيمفونية كئيبة...
قطراته ترتطم بالأوراق، بالأرض، بالأنقاض… ولكنها لا تزعج الرجل الجالس هناك.
في حديقة مقابلة للمبنى الساقط،
وسط أشجار مبللة وأرض موحلة،
كان هناك كرسي حديقة قديم، وقد جلس عليه رجلٌ يرتدي معطفًا أسود طويلًا،
قبعته تخفي جزءًا من وجهه، ويداه متشابكتان بهدوء فوق ركبتيه.
ميتسو.
كان المطر يغرقه من رأسه حتى أخمص قدميه،
لكنّه لم يتحرك.
لم يرفع مظلة.
لم يحاول الاحتماء.
بل جلس كما هو،
وكأنّ العالم من حوله لا يعنيه…
وكأنّ الكارثة التي وقعت أمامه مجرد عرضٍ خاص له وحده.
أمام عينيه:
أنقاض.
حجارة محطمة.
أضواء سيارات الشرطة.
صفارات الإنذار.
أجساد منهكة.
ناس تبكي، تصرخ، تتوسل…
وهو… فقط يشاهد.
بعينيه الباردتين، يراقب المسرح بعد أن انطفأت الأضواء، وانكسر السقف، وتحوّلت الشخصيات إلى ضحايا.
ثم،
ابتسم.
ابتسامة صغيرة، بالكاد تُرى، لكنها مشبعة بشيء… مظلم.
وتنهد، بصوت خافت، كما لو كان يهمس لفيلم انتهى للتو:
"يا للعالم الرحيم…"