[من منظور ميساكي – فلاش باك]

منذ تلك المرة التي التقيت فيها بـ شينتو، عند سور الحديقة، حيث اصطدمت كتفي برفقته، تغيّر شيء ما.

كأن الحياة فتحت نافذة جديدة، يدخل منها ضوء مختلف.

صرنا نتسكع معًا كثيرًا…

في الفسحة، في المكتبة، بعد المدرسة أحيانًا.

نجلس على السطح، نتبادل الروايات المفضّلة، نتجادل حول النهايات السخيفة، ونضحك على أسماء الشخصيات الغريبة.

كنا نحب الشيء نفسه: الكتب، الرعب، الأماكن الغامضة، والوجوه الغامضة في الزوايا الخلفية للروايات المهجورة.

كنت أعتقد أنني الوحيدة التي تهتم بهذه الأشياء…

لكنّه، بطريقة ما، كان يُكملني في كل جملة.

---

عرفت عنه أشياء كثيرة.

أولًا…

اكتشفت أن شينتو كان من أشهر تلاميذ الثانوية.

نعم، صدق أو لا تصدق، ذاك الفتى الذي يحب الكتب الغريبة والحديث عن "الرعب النفسي العميق" كان في الحقيقة… نجم المدرسة.

وسيم لدرجة مُحرجة، شعره مثالي كأن رياحًا خاصة به تصفّفه دائمًا، وعيناه الزرقاوان يمكن أن تتسببا في تعطيل الدراسة.

والفتيات؟ آه، الفتيات...

كل مرة يقترب مني لأعطيني كتابًا، أو يبتسم وهو يهمس برأي عن قصة، كنت أشعر بنظراتهم…

تخترق ظهري مثل سكاكين صغيرة مغطاة بابتسامات مزيفة.

إحدى الفتيات مرّت بجانبي يومًا وقالت بابتسامة مُصطنعة:

– "أوه، لم أكن أعلم أن غريبات الأطوار يجدن شركاء قراءة."

ضحكتُ ضحكة توتر وقلت في نفسي:

> "شكراً على السُمية المجانية."

---

ثانيًا…

عرفت أن شينتو مصوّر بارع.

لكنه لم يكن يُصوّر الناس في المهرجانات أو الأزهار في الربيع…

بل كان يحب تصوير الأماكن الغريبة: البيوت المهجورة، المصانع المتروكة، السلالم التي لا تنتهي…

يقول إنها "تحكي قصصًا صامتة".

وفي أول مرة أخبرني بذلك، قالها وهو يبتسم ببراءة:

– "أنا لا أُصوّر ما هو جميل… بل ما يُخيفني."

لم أتوقع أن يبوح لي بهواية كهذه…

لكنه فعل.

وأحسست بشيء داخلي يقول: "إنه يثق بكِ."

---

ثالثًا…

كان لطيفًا للغاية.

ليس لطفًا مصطنعًا مثل أولئك الذين يبتسمون للجميع، بل كان صادقًا.

دائمًا يساعدني إن نسيت واجبًا، يعيرني ملاحظاته إن غبت، ويشرح لي قوانين الفيزياء بطريقة أسهل من كل معلمي المدرسة.

لكنه كان منظمًا بشكل مرعب.

دفتره مقسوم إلى ألوان، ساعته مزودة بمؤقت، يقرأ كل يوم فصلًا واحدًا على الأقل، ويُعد وجبة غداءه بنفسه.

مرة قلت له بمزاح:

– "هل أنتَ إنسان… أم روبوت تنظيم من المستقبل؟"

فقال بجدية مُبالغ فيها:

– "أنا روبوت تنظيمي تم تطويري لأرشدكِ في حياتك العشوائية."

ثم أعطاني قطعة شوكولاتة.

---

ومع مرور الأيام…

صار من الصعب تجاهل الشعور الذي يكبر بيننا.

كنا مجرد "أصدقاء قراءة"… على الورق.

لكن بين السطور، كانت هناك ابتسامات أطول من اللازم، وصمت مريح لا يحتاج لكلمات.

كنتُ أنظر إليه أحيانًا، وأتساءل…

> "هل أنت حقيقي؟ أم أنك بطل في رواية كتبها عقلي ليحميني من هذا العالم البارد؟"

في أحد الأيام المشمسة، كنت جالسة في الفصل، ظهري نحو النافذة، بينما أتحدث مع هوتارو.

كانت هوتارو مثلي… هادئة، تُفضل الزوايا على المراكز، وتعرف متى تنسحب من ضوضاء العالم بصمت أنيق.

كنا أول من كوّنا صداقة بيننا في الثانوية، ربما لأننا لم نكن بحاجة لكلمات كثيرة لنفهم بعضنا.

قالت وهي تعبث بخصلات شعرها القصيرة:

– "بصراحة… أعتقد أن معلم الرياضيات عنده أزمة منتصف عمر."

ضحكت وقلت:

– "لأنه يصرخ كل مرة أحد يغلط؟"

– "ولأنه يستخدم نفس القميص كل يوم ثلاثاء. صار مثل طقس مدرسي."

ابتسمت، ثم قلت:

– "أراهن أنه يمتلك عشرة قُمصان متطابقة."

هوتارو هزّت رأسها: – "مرعب أكثر مما توقعت."

ضحكنا.

ثم، كالعادة… دخلت كوغامي.

كانت تمضغ علكة وتلوّح بحقيبتها على كتفها كأنها لا تملك وقتًا لأي شيء.

توقّفت عندنا وقالت، بنبرة مليئة بالملل:

– "ميساكي، هوتارو… لنعد سوا للبيت. الجو لطيف والمشي أحسن من التفكير."

قلت وأنا أرتب حقيبتي:

– "حسناً، فلنذهب."

هوتارو أومأت دون كلام كعادتها، ثم وقفت معنا.

وأنا أهمّ بحمل حقيبتي الثقيلة التي دائما ما اشتكي منها وكأنها شريك حياة — سمعت صوتًا مألوفًا يدخل من الباب.

شينتو.

دخل بخطواته الواثقة، ومعه ابتسامته التي يعرف تمامًا أنها تفتح كل الأقفال.

– "أوه! لون ميساكي، وجدتك!" قالها وهو يلوّح بيده وكأننا لم نكن في نفس المدرسة كلها.

أضاف بحماس صادق:

– "فلنذهب إلى المكتبة، لقد نزل المجلد الثالث من مستنسخ لا نهائي!"

توقفت عن الحركة تمامًا.

– "أوه، حقًّا؟!!" قلت باندهاش، عيوني توسّعت كأنني سمعت خبرًا من عالم آخر، "سوف آتي حالاً!"

ثم… التفتت إلى كوغامي وهوتارو.

نظرتُ في عيني كوغامي، وابتسمت باعتذار صغير:

– "آسفة… اليوم، اذهبوا من دوني."

كوغامي رفعت حاجبها، نظرت إلى هوتارو، ثم إليّ.

– "هاه؟ خُطِفَت الفتاة."

هوتارو قالت بهمسٍ ساخر:

– "أعتقد أننا خسرناها رسميًا."

كوغامي لوّحت لي بيدها، وقالت بنبرة مشاكسة:

– "لا تنسي أننا سنسخر منك لاحقًا."

ضحكت، ثم تبعت شينتو نحو الممر، بينما كان قلبي ينبض بخفة.

ربما كان المجلد الثالث هو العذر.

لكن الحقيقة؟

كنت أريد أن أمشي بجانبه… فقط.

[منظور كوغامي – بعد مغادرة ميساكي]

كنتُ أنظر إلى ميساكي وهي تغادر الفصل مع شينتو.

كانت تبتسم… تلك الابتسامة الهادئة، الخجولة، التي تستخدمها دائمًا وكأنها لا تعني شيئًا.

لكنني كنت أراها… كبيرة، واضحة، أمامي كلكمة في صدري.

ابتسمتُ أنا الأخرى، بابتسامة أكبر، أوسع، مزيفة أكثر مما أحتمل.

ثم التفتُّ إلى هوتارو، وقلت:

– "أوه… تذكرت شيئًا. عودي إلى المنزل وحدك، حسناً؟"

قالتها هوتارو بصوت منخفض:

– "حسنًا…"

صوتها كان مليئًا بشيء أعرفه جيدًا:

الإهمال.

أحسّت أنها تم نسيانها ببساطة، وغادرت.

ولوهلة، شعرت بوخزة في صدري.

ثم اختفى كل شيء.

---

سرتُ وحدي في أروقة المدرسة، خطواتي تصدر صدى خفيفًا، وأنا أفكّر.

تلك اللعينة… سرقتها مني.

كنت أعني شينتو.

نعم… لقد كنتُ معجبة به.

ليس لأنه مثالي أو لأنه يقرأ الكتب الغريبة… بل لأنه مشهور.

وسيم، هادئ، محاط بنظرات الإعجاب.

وكنت أريد ذلك.

كنت أريد أن أكون ملكة المدرسة التي تواعد نجم المدرسة.

كان الأمر بسيطًا… خطة سهلة.

لو سار كل شيء كما يجب، لكان الجميع يتحدث عنّا، يحسدوننا، ينظرون إليّ كما يجب.

لكن كل هذا…

ذهب إلى ميساكي.

ميساكي المسطّحة. ميساكي الهادئة. ميساكي التي تقرأ روايات مظلمة وتجلس وحدها في الساحة الخلفية.

قلت في داخلي، وأنا أعضّ شفتاي:

– لماذا هي؟ لماذا اختارها؟

أنا اجتماعية.

أنا رياضية.

أنا جميلة.

أنا أملك جسدًا يستدير له الرؤوس في الممرات.

فلماذا هي؟

من أجل الكتب؟ من أجل أنها "تفهمه"؟ من أجل أنها تضحك على نكاته عن "الرعب الداخلي"؟

تفاهة.

---

توقفتُ بجانب نافذة تطلّ على الساحة الخلفية. رأيتهما معًا…

هو يضحك، وهي تبتسم بخجل.

فكّرت:

> "هل تظن أني لا ألاحظ؟

أنني لا أرى كيف تنظرين إليه؟

كيف يتغيّر صوتك كلما تحدث إليكِ؟"

كنت قد سألتها ذات مرة، مباشرة:

– "هل تواعدين شينتو؟"

فأجابت، بنفس ابتسامتها الناعمة:

– "لا… مجرد صديق."

كاذبة.

أنا أعرف هذه النظرات.

أعرف كيف تكون لغة الجسد حين ينبض القلب في الجهة الخاطئة من الصدر.

كنت أبتسم أمامها.

أضحك معها.

أصغي إليها.

لكن الحقيقة؟

كنت أغلي من الداخل.

---

مررت بجانب مرآة معلقة في ممر نادي المسرح.

نظرتُ إلى نفسي…

لكن وجهي لم يكن وجهي المعتاد.

كانت عيناي ضيّقتين، وجبهتي مجعّدة، وفمي معقود.

كأن الغضب أذاب القناع.

وجهي لا يشبهني.

قلت لنفسي، بصوت مسموع، وكأنني أتحدث مع ظلّي:

– "لقد سئمت من هذا."

سئمتُ من التظاهر.

سئمتُ من الابتسام كلما اقتربت مني، وهي تعلم تمامًا أنني أراقب.

سئمتُ من كوني الخلفية في حكاية ليست لي.

يجب أن أفعل شيئًا.

---

[بعد يومين]

انتهى الدوام المدرسي. خرج الطلاب في مجموعات، يضحكون، يثرثرون، يركضون للحاق بالحافلات أو أصدقاء الطريق.

أما أنا…

فبقيت.

حقيبتي على كتفي، وجسدي يتجه بثبات نحو الباحة الخلفية للمدرسة… حيث لا أحد يرغب أن يمر إلا مضطرًا.

الركن المظلم… حيث يتجمع أولئك الفتية الجانحين، أولئك الذين لا يملكون شيئًا إلا الفوضى.

كانوا هناك، تمامًا كما توقعت.

يجلسون على حافة الجدار المهمل، يحيط بهم الدخان والكلمات البذيئة، يضحكون على نكات جنسية سخيفة، ويركلون علبة معدنية فارغة بين أقدامهم.

أحدهم كان يرتدي زي المدرسة مفتوحًا بالكامل، وقميصًا داخليًا أسود ملطخًا، شعره مصبوغ بلون فضي رخيص، وعلى رقبته سلسلة سميكة تبدو مسروقة من كلب.

آخر كان يحمل سيجارة مشتعلة، يضع قدمه فوق كرسي مقلوب، ويرسم علامات على الجدار بسكين صغير صدئ.

أما الثالث، فذو بنية ضخمة، حليق الرأس، وعيناه نصف مغمضتين كأنه يتحدّاك أن تنظر إليه.

كانوا مجموعة تشبه عصابة شوارع... داخل ساحة مدرسة.

تقدّمت بثقة.

رغم الرائحة الكريهة، ورغم العيون التي التفتت إليّ وكأنها وجدت وجبة مفاجئة.

قلت، وأنا أحاول ألا أختنق:

– "مرحبًا… أنا كوغامي. وأحتاج إليكم في شيء."

ساد صمت قصير.

ثم قام أحدهم. بدا واضحًا أنه القائد من طريقة وقوفه…

طويل القامة، عيناه ضيقتان كأفعى، وعلى ذقنه ندبة صغيرة، كأنها توقيع قديم لعنف سابق.

اقترب مني حتى كدت أشعر بأنفاسه.

قال، بنبرة لزجة:

– "مرحبًا، أيتها الجميلة… بالطبع سأستمع لطلبك… مهما كان."

كان قريبًا جدًا، أقرب من اللازم.

لكني لم أتحرك. لم أتراجع. لم أرمش حتى.

قلت بثبات:

– "أريد منكم أن تتنمّروا على شخص… وتحوّلوا حياتها إلى جحيم."

ضحك اثنان من خلفه.

أما هو، فرفع حاجبه، كأنه لم يتوقع مني طلبًا كهذا.

– "أوه… طلب مباشر، أحب ذلك. لكن… ما المقابل؟"

لم أجب.

أخرجت من جيبي رزمة من الأوراق النقدية، مربوطة بشريط مطاطي.

مددتها إليه:

– "هذه ألفا ين. ستقبلون المهمة، أليس كذلك؟"

أخذها مني قبل أن أنهي جملتي، فتّشها بسرعة، ثم قال:

– "بالتأكيد."

ابتسم ابتسامة ثقيلة، ثم أضاف:

– "لكن قبل ذلك… علينا أن نتعرف على بعضنا، لا؟ اسمي روكو، قائدة هذه الزاوية الفاسدة من العالم."

قلت ببرود:

– "لا يهمني اسمك. فقط افعل ما عليك."

ثم أخرجت هاتفي. فتحت صورة ميساكي، ورفعتها أمامهم:

– "هذه هي. اسمها ميساكي. أريدها أن تتمنّى لو لم تولد أبدًا."

روكو نظر إلى الصورة، ثم صافح أحد رفاقه بنظرة.

– "فتاة إذن… لا بأس، لكن…"

نظر إليّ، وعاد يقترب مجددًا، هذه المرة بنظرة مختلفة.

– "يبدو أن ألفي ين… لا تكفي."

شعرت بشيء يتغير في الجو.

قلت ببطء:

– "ماذا؟"

ابتسم تلك الابتسامة التي لم تكن يومًا نزيهة، وقال:

– "نريد خدمة أخرى… منك شخصيًا."

صوته كان هادئًا، لكنه قذر.

نبرة لا تُخطئها أي فتاة.

عرفت تمامًا ما كان يريده هذا الحقير.

كان يقترب مني… وجهه مقزز، وابتسامته تنقط قذارة.

يمسك يدي، يقترب أكثر، عيناه لا تنظران إلى وجهي… بل إلى أسفل، إلى صدري، دون خجل.

قال بنبرة لزجة:

– "نريد الاستمتاع معك… إذا ما رأيك؟"

ومدّ يده القذرة نحوي، أصابعه تحاول لمس ما لا يحق له حتى النظر إليه.

لكن قبل أن تلمسني…

صفعته.

ضربت يده بقوة جعلته يتراجع نصف خطوة، ورفعت صوتي:

– "اقترب خطوة أخرى وسأكسر فكك."

قفزت للوراء بسرعة. صدري يعلو ويهبط، ليس من الخوف… بل من الغضب.

أقسم… أنني كنت سأقيء من القرف لو بقيت هناك ثانية إضافية.

قال، بصوت غاضب ومليء بالغليان:

– "هاي… أيتها العاهرة. تعالي إلى هنا!!!"

ونهض البقية.

كانوا خمسة.

جميعهم يقفون الآن.

أعينهم لم تلتقِ بعينيّ أبدًا.

ينظرون إليّ كأنني شيء… غنيمة… مجرد جسد.

لكنني لست كذلك.

أنا لست كذلك.

نظرت إلى الأرض، بسرعة، وجدت قضيبًا معدنيًا مكسورًا بجانب الجدار، ربما من إحدى الألعاب الرياضية.

انحنيت، رفعته، قبضتي عليه محكمة.

قلت، وقلبي ينبض بثبات:

– "للعلم فقط… أنا في نادي الكيندو."

---

ثم بدأ القتال.

اندفع الأول نحوي، ظنًا أنه سيخيفني.

أطلقت صرخة قصيرة، وضربته في ساقه اليمنى بالقضيب المعدني بكل ما أوتيت من قوة.

صرخ وسقط، يئن، يمسك بقدمه.

الثاني جاء من اليمين.

دفعني بكتفه بقوة، كدت أسقط، لكنني دُرت بجسدي وضربته في الخاصرة، ثم في ظهره.

انحنى، يتأوه. ركلته في بطنه لأبعده.

الثالث حاول أن يمسكني من الخلف.

شعرت بذراعه تقترب، فرفعت القضيب بسرعة وضربته على ذراعه، ثم التفتُّ وضربته في وجهه.

ارتد للخلف، أنفه ينزف.

أما "روكو"، قائدهم، فكان الأخير.

تقدم ببطء، يظن أنه أقوى، أنه مختلف.

صرخ وهو يندفع نحوي:

– "سأجعلك تندمين!!!"

لكني لم أمهله.

صرخت بكل قوتي، وضربته ضربة مباشرة على كتفه، ثم أخرى على ركبته، حتى سقط أرضًا.

اقتربت منه وهو يأن، رفعت القضيب المعدني نحو وجهه…

همس:

– "توقفي… يكفي…"

نظرت إلى وجوههم، جميعهم يتلوّون.

أطلقت زفيرًا طويلًا.

قلت:

– "أنا لا ألعب. ولا أطلب المساعدة من كلاب مثلكم."

وضعت القضيب على كتفي وامسكته بيد واحدة.

---

كان جسدي يرتجف من الأدرينالين.

لكني لم أكن خائفة.

كنت غاضبة. ومرهقة. ووحيدة.

لكنني انتصرت.

انتصرت على أكثر شيء مقرف يمكن أن يواجه فتاة.

احسست اني اقوى من أي وقت مضى

جلستُ فوق ظهر روكو، واضعة ركبةً على لوح كتفه، فيما يقبع هو ورفاقه منهزمين على الأرض. قبضتي لا تزال تشدّ القضيب المعدني، أتنفّس بعمق كي أثبّت رعشة الأدرينالين.

قلتُ بصوت صارم:

— «إذن… هل تعلّمتم الدرس؟»

ارتفع صوتهم متداخلًا، مكسورًا:

— «نعم، نعم، سيّدتي!»

حدّقتُ في وجه روكو. رغم الدم والعرق، لمحـتُ على شفتيه ابتسامة مغتاظة—يكاد يبدو مُستمتعًا فقط لأنني أجلس فوقه. المنحرف يبقى منحرفًا.

نهضتُ، نفضتُ الغبار عن التنّورة، ثم لوّحت بالقضيب إلى مستوى أعينهم:

— «والآن… المهمّة. ستُنفَّذ، أليس كذلك؟»

أومأ روكو سريعًا، ثم قال متلجلجًا:

— «نعم، نعم… فقط أخبرينا بالتفاصيل. تريدين تنمّرًا كيف بالضبط؟ نبتزّها؟ نضربها؟ نـمارس معها الجنس»

قاطعته بصرخة وانقباضة في قلبي:

— «إيّاك والجملة الأخيرة يا حيوان!»

تبادل الجانحون نظراتٍ مضطربة. تابعتُ، هذه المرّة أكثر هدوءًا، لكن بنبرة تهديد واضحة:

— «اسمعوا جيّدًا:

1. لا تلمسوها بأذى بدني خطير.

2. لا تحاولوا شيئًا وسخًا معها.

3. كل ما أريده هو أن تعرف أن حياة أخيها الصغيرة قد تصبح شاقة إن لم تبتعد عن شينتو. مفهوم؟»

روكو مسح الدم عن فمه، زحف قليلًا ليجلس، ثم قال:

— «تهديد بالأسرة… مفهوم. أين أجـ—»

— «هذه صورتها، وهذا اسم أخيها الأصغر: ساكاكيبارا. يظهر معها أحيانًا بعد المدرسة قرب محل الحلوى عند الشارع الرئيسي. تَرَصّدوا هناك، واجعلوا الرسالة تصل… بصوت خافت لكن مفهوم.»

انتقلت نظراتهم من هاتفي إلى عينيّ. كانت حدّتي كافية لقطع أي اعتراض. روكو التقط الرزمة النقديّة التي سقطت قربه، شدّ الشريط المطاطي حولها، ثم قال:

— «اتُّفق. أسبوع واحد، وستسمعين النتيجة.»

خفضتُ القضيب ببطء، وضغطتُ قبضتي حوله حتى شعرت بالمعدن يبرد في راحتي:

> «ميساكي… صديقتي العزيزة… هذا لمصلحتك أنتِ أيضاً، أليس كذلك؟»

في أعماقي، وُلد إحساسٌ رقيق بالذنب. لكنه ذاب سريعًا في بئرٍ أعمق: بئر الغيرة.

صوت ركو المتكسّر أعادني للواقع:

— «هل لديكِ شروط أخرى، يا آنسة كوغامي؟»

هززتُ رأسي:

— «نفّذوا… وابقوا بعيدًا عني بعد ذلك. إن عدتم إليّ بمشاكل، سأجعلكم تندمون أنكم تنفّستم هواء هذا الحيّ.»

تجمّدت أجسادهم لثانية، ثم انطلقت همهمات الطاعة.

وقفتُ بينهم، أنظر إلى وجوههم المنهزمة، وأدرك للمرة الأولى كم يمكن لابتسامةٍ حادةٍ أن تكون سلاحًا أشدَّ من القضيب المعدني.

> «الكرة في ملعبكِ الآن، ميساكي… فهل ستفهمين الإشارة؟»

[منظور ميساكي – بعد ثلاثة أيام]

كانت الشمس تغيب ببطء، تصبغ السماء بلون برتقالي باهت، والريح تمرّ من بين الأشجار كأنها تهمس بأسرار لا أحد سيسمعها.

عُدتُ إلى المنزل كعادتي. لا شيء جديد في الأيام الأخيرة.

حياتي بدأت تشبه الموجات الراكدة، هادئة لكن مشبوهة… وكأن شيئًا ينتظر أن ينفجر تحت السطح.

فتحت الباب، وخلعت حذائي، ثم مشيت نحو غرفة المعيشة.

لكن…

تجمّدت.

كان أخي الصغير، ساكاكيبارا، يجلس على الأريكة، وعينه اليمنى منتفخة، بلون أزرق غامق، كدمة واضحة لا يمكن إنكارها.

ركضت نحوه بسرعة وقلبي يهوي في صدري:

— "ساكاكيبارا!! مالذي حدث لك؟!"

نظر إليّ بعين دامعة، ثم قفز في حضني وانفجر بالبكاء.

بكى بحرقة.

لم أبكِ منذ وقت طويل… لكن صوته وهو ينتحب بين ذراعيّ كان كافيًا ليزرع الرعب في عظامي.

التفتُّ بسرعة إلى أبي وأمي، اللذان كانا واقفَين بصمت على بعد خطوة.

قلت بنبرة مرتجفة:

— "أبي؟ أمي؟ من فعل هذا له؟!"

أبي عضّ على شفتيه، وأمي أمسكت بيديها فنجانًا لم ترتشف منه، كأنها تحاول أن تشتت نظرها.

أخيرًا، قال أبي بصوت خافت:

— "لقد… لكمه أحد الجانحين…"

شعرت بدمٍ بارد يصعد إلى رأسي.

— "ماذا؟ متى؟ أين؟ ولماذا؟!"

أجابت أمي أخيرًا، وعيناها تنظران إلى الطاولة:

— "كان عند خروجه من المدرسة… هجم عليه أحدهم، وقال له فقط…"

سكتت. وكأن الجملة التالية علقة في حلقها.

قلت بإصرار، وقلبي يدقّ:

— "قال لي ماذا؟!"

أجابت أمي، ببطء:

— "قال له… أن يُخبر أخته… أن تأتي إلى سطح المدرسة غدًا."

---

الصدمة.

أشبه بصفعة باردة على وجهي.

كررتُ الكلمات في عقلي.

أخبِر أختك أن تأتي إلى السطح…

من؟

من يرسل هذه الرسالة؟

ولماذا ساكاكيبارا؟

هل هو تهديد؟ أم فخ؟ أم…؟

همستُ لنفسي، بالكاد بصوت مسموع:

— "ماذا…؟"

نظرتُ إلى أخي، ثم إلى الكدمة التي تُغطي وجهه الصغير.

كل الخوف الذي كنت أشعر به منذ صغري… كل مشاعري التي كنت أبتلعها في صمت، تبخّرت.

> لا أحد يؤذي أخي…

لا أحد يختارني هدفًا ولا يتلقى الجواب.

رفعت بصري، وعيناي مليئتان بقرار لا رجعة فيه.

> "غدًا… سأذهب إلى السطح."

2025/07/12 · 8 مشاهدة · 2538 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025