[منظور ميساكي]
زمجرت كوغامي، وعيناها تلمعان بغضبٍ أعمى: «هكذا إذن؟ روكو! الآخرون! أمسكوها!!!
لم أكد أستوعب صراخها حتى اندفع اثنان من الجانحين نحوي. أحدهما كان ضخمًا، ذو عضلات مفتولة تبرز تحت قميصه الممزق، ووجهه تتخلله ندوب قديمة. الآخر كان أقصر قليلاً، لكنه أكثر رشاقة، وعيناه تلمعان بمكر. اندفعا نحوي كذئاب جائعة، وأنا… لم أكن مستعدة.
كنتُ أقف هناك، الريح تصفع وجهي، وقلبي يدق بعنف كأنه يريد تمزيق ضلوعي. كنتُ مستعدة للمواجهة، لكنني نسيت شيئًا مهمًا، شيئًا بديهيًا ينساه المرء حين يسيطر عليه الغضب: أنا مجرد فتاة صغيرة، نحيلة، لم أتدرب يومًا على القتال. وهذان كانا وحشين من الشارع، معتادين على العنف.
في أقل من ثانية، كانا قد أمسكا بذراعيّ بقوة مذهلة. قبضاتهما كانت كالملاقط الفولاذية، تضغط على معصميّ حتى شعرت بعظامي تكاد تتكسر. حاولت أن أفكّ نفسي، أن أرفس، أن أصرخ، لكن قبضتهما كانت أقوى من أن أفلت منها. لم أستطع الحراك، وحتى الصراخ لم يكن ليُفيد؛ فصوت الريح وصوت قلبي المتسارع كانا أعلى من أي نداء استغاثة.
جرّاني بلا رحمة نحو كوغامي التي كانت تقف أمامي، وعيناها تلمعان بتشفٍّ مقزز. حاولت أن أقاوم، أن أشدّ جسدي للوراء، لكنهما كانا قويين جدًا. كنتُ دميةً تُسحب بلا إرادة، بينما النيران تشتعل في قلبي.
وقفتُ أمامها، وأنا ألهث، ورأسي مرتفع رغم الرعب الذي ينهشني. كانت كوغامي تنظر إليّ بابتسامة قذرة، ابتسامة لا تصل إلى عينيها، بل تتمدد على شفتيها الرقيقتين بطريقة تُظهر أسنانها البيضاء بشكل مبالغ فيه، كأنها قناع سميك من النفاق والحقد. كانت ابتسامة المنتصرة الحقيرة التي تتلذذ بعذاب ضحيتها. في عينيها لم يكن هناك سوى شعور عميق بالكراهية، وكأنها تنتظر هذه اللحظة منذ زمن طويل.
كان الجانحان ينتظران تعليماتها، يداهما لا تزالان تضغطان على ذراعيّ بقوة. شينتو، الذي كان لا يزال ملقى على الأرض خلفها، حاول أن يصرخ. كانت أوداجه منتفخة على وجهه، لكن الكلمات لم تخرج، ربما لأن فكّه كان يؤلمه أو خوفًا من أن تزداد حالته سوءًا.
عندها، قالت كوغامي بصوتٍ هادئ، وعيناها تتوهجان ببرود، كأنها تستمتع بكل كلمة:
«يا ترى ماذا نفعل لكِ؟ ماذا يا ترى؟ آه، وجدتها!»
سكتت قليلاً، لتسمح لكلماتها أن تترسخ في ذهني، ثم أجابت بابتسامة حقيرة جدًا، ارتفعت زوايا فمها بشكل قبيح، وضاقت عيناها، كأنها تستمتع بلحظة انتصارها السادي. بدت وكأنها تستطعم الكلمات قبل أن تلفظها، كل جزء من تعبيرات وجهها يصرخ بالشر المطلق.
وقالت: «انتزعوا ملابسها.»
ابتسم الجانحان، روكو ورفيقه، ابتسامة شيطانية كأنها قد خُطّت على وجوههما بالحقد والشر. كان شينتو ينظر إليّ برعب شديد، وعيناه مفتوحتان على آخرهما، كأنه لم يتوقع أن يصل الأمر بكوغامي إلى هذا الحدّ من الانحطاط. وأنا أيضًا، لم أتوقع. لم أتصور يومًا أن الصداقة يمكن أن تتحول إلى هذا الكابوس البشع.
جاء الجانحان حولي، وأيديهما القذرة تمتدّ نحوي. بدأوا ينتزعون ملابسي بقوة وعنف. قطعة تلو الأخرى، كانت تمزق عن جسدي الهش. حاولت الصراخ، لكن صوتي اختنق في حنجرتي. حاولت الدفاع، أن أضرب، أن أهاجم، لكن قوتي كانت لا شيء أمام وحشيتهما. كانوا أقوى، أضخم، وأكثر خبثًا.
لم يتركوا شيئًا. في تلك اللحظة، في تلك الرياح الباردة، تحت السماء المغيمة السوداء، كنتُ عارية بالكامل. يداي ترتجفان وأحاول تغطية صدري، بينما يدي الأخرى تحاول إخفاء مكاني الحساس. شعرتُ بأعين الجانحين تتفحصني بشهوانية مقززة، وابتساماتهم القذرة تزيد من إحساسي بالذل والخزي.
صوت كوغامي جاء باردًا، يقطع الهواء كالجليد: «حسنًا، حسنًا، توقفوا ولا تلمسوها مرة أخرى أيها المنحرفون.»
ثم نظرت كوغامي إلى جسدي العاري، وعيناها تتجولان عليّ ببطء، كأنها تحلّل كل شبر منه، تبحث عن عيب، عن نقطة ضعف. وأخيرًا، خرجت كلماتها المقززة: «يا له من جسد قبيح.»
نظرتُ إلى شينتو. كان يغلق عينيه بإحكام، يرفض أن يرى هذا المنظر الشنيع. بدأت أبكي، بكيت بحرقة، والدموع تنزل كسيول حارقة من عينيّ. دقات قلبي ازدادت لدرجة غير طبيعية، كأنها طبل يُقرع بقوة في جمجمتي. أصبحت أرتجف، لا أدري إن كنت أرتجف من البرد الشديد الذي يلف جسدي العاري، أم من الخوف الشديد الذي يجتاح روحي. نظرت إلى الأسفل، أحاول بكل قوتي أن أخفي جسدي عن هؤلاء الشهوانيين الذين كانوا ينظرون إليّ بابتسامة حقيرة.
نظرت كوغامي إلى شينتو وقالت بلهجة أمر: «قف.»
قال شينتو مستغربًا، وقد فتح عينيه قليلاً: «ماذا…؟»
لكن قبل أن يُكمل حديثه، أوقفه أحد الجانحين بقوة، ودفعه أمامي، تحت ناظرَيّ مباشرة. لا أريد أن أنظر في عينيه من شدة الخجل. شعرتُ وكأن الأرض ابتلعتني.
قالت كوغامي، وعيناها تتوهجان بلهيب قاسٍ: «صوّرها بكاميرتك، شينتو.»
عندما سمعت هذه الكلمات، دبّ الرعب الحقيقي في قلبي. عرفتُ بالضبط ماذا سوف تفعله تاليًا. لم أكن أنظر إلى كوغامي، لكني علمت أنها تملك نظرة شيطانية في وجهها الآن، نظرة الفائز الذي يحطم روحي قطعة قطعة.
حاول شينتو الرفض، وصوته يخرج مبحوحًا: «كوغامي… أنا… أنا لا أستطيع أن أفعل هذا.»
قاطعتها كوغامي بضحكة باردة، خالية من أي دفء: «ما الذي لا تستطيع فعله؟ هل أصبحتَ فجأة ضعيفًا؟ ألم تكن تتمنى أن تكون حياتك أكثر إثارة؟ هذه هي الإثارة يا شينتو. هذه هي الحياة الحقيقية، وليست تلك الكتب التي تقرؤها.»
«لكن… لكن هذا خطأ! هذا… هذا ضد ميساكي! هي لم تفعل شيئًا لتستحق هذا!»
زمجرت كوغامي، وتقدمت خطوة نحوه، ووجهها يتحول إلى قناع من الغضب البشع: «هي لم تفعل شيئًا؟ لم تفعل شيئًا؟! لقد سرقت مني كل شيء! سرقت مكانتي، سرقتك أنت! لا تتظاهر بالغباء الآن يا شينتو! أنت إما معي، أو ضدّي. وإن كنت ضدي… فلن يعجبك ما سأفعله بك.» كانت كلماتها تحمل تهديدًا مبطنًا وواضحًا، نبرتها كالسيف الذي يمر فوق عنقه.
نظرت إلى شينتو، وعيناي تملؤهما الدموع. كنت أنتظره، أتوسل إليه بصمت أن ينقذني، أن يتدخل ويوقف هذا الكابوس. لكن حدث العكس تمامًا.
كانت عينا شينتو تدمعان، يداه ترتجفان وهو يرفع الكاميرا المعلقة على صدره. قال بصوت مرتجف، يكاد يكون همسًا: «أنا آسف.»
كان جبن شينتو قد تغلب على حسه بالعدالة. لقد انهار. بدأ يلتقط الصور، الواحدة تلو الأخرى، بينما أنا أحاول تغطية جسدي بكل قوتي. كانت مهمة مستحيلة؛ لم أستطع أن أغطي وجهي وجسدي في نفس الوقت.
نظرت كوغامي إليّ ببرود قاتل، بينما شينتو ما زال يلتقط الصور، وكأنه آلة مبرمجة.
قالت كوغامي، وقد بدت عليها علامات الملل: «مم، يبدو هذا مملًا قليلاً، روكو، لا تدعها تغطي أي شيء.»
أجاب روكو بابتسامة قذرة، ونظر إليّ بشهوانية: «بكل تأكيد سيدتي.»
لم يتردد. أمسكني من يدي بقوة، وجذبها بعيدًا عن صدري، ليتركني مكشوفة تمامًا. كان صدري ظاهرًا بالكامل، ومنطقتي الحساسة أيضًا. لم يعد هناك أي شيء يمكنني إخفاؤه.
بكيت وقلت بحرقة، بصوت بالكاد يخرج من حلقي: «أرجوكم توقفوا، كوغامي أرجوكِ، شينتو ساعدني!»
لكن لا أحد استمع.
الجانحون كانوا ينظرون إلى جسدي العاري بالكامل، كأنهم يشاهدون فيلمًا مسلّيًا. شينتو كان خائفًا، وعيناه ممتلئتان بالدموع، لكنه استمر في التقاط الصور. كوغامي كانت تضحك ضحكتها الشنيعة، تلك الضحكة التي ستظل تطاردني في كوابيسي.
عندها، عرفت.
عرفت أن لا أحد يمكنه إنقاذي من هذا.
بعد ربع ساعة، اكتمل التصوير. كانت الدقائق تمرّ كأنها ساعات، كل نقرة للكاميرا كانت وخزة في روحي. عندما انتهى شينتو، وبينما كانت كوغامي تتفحص الصور بابتسامة نصر قذرة، انتهزتُ الفرصة. اندفعتُ بسرعة مذهلة نحو ملابسي الممزقة الملقاة على الأرض. سحبتها والدموع لا تزال تنزل بغزارة من عينيّ، وغطيتُ بها صدري ومنطقتي الحساسة.
ارتديتُ ملابسي بسرعة فائقة، لدرجة أنني نسيت حتى ارتداء ملابسي الداخلية. كل ما أردته هو أن أستر جسدي المرتعش، أن أختبئ من نظراتهم الشهوانية التي لا تزال تحرقني.
نظرت إليّ كوغامي، وعيناها باردتان كالثلج. قالت بتهديد واضح، نبرتها لا تحمل ذرة شك: «إذا اقتربتِ من شينتو أو وشيتِ بما حدث إلى الشرطة، فسوف أنشر هذه الصور. سوف تراكي المدرسة كلها عارية.»
كنتُ أنظر إليها، ليس كإنسانة، بل كوحش، كشيطان لا يعرف الرحمة ولا الشفقة. لكنني استجمعتُ شجاعتي بعدما تذكرتُ كدمة أخي الصغير ووجهه المرتعش. صوته وهو يخبرني بخوف أنهم يعرفونني. لم أستطع أن أسمح لها بإيذائه مجددًا.
قلتُ بصوت مبحوح، يكاد يكون همسًا، لكنه كان مليئًا بالإصرار: «سوف أفعل ما تريدين، لكن لا تؤذي أخي الصغير مجددًا، ولا تُدخليه في الموضوع.»
نظرت إليّ كوغامي باستغراب، وابتسامتها الباردة تزول تدريجيًا. قالت بلهجة لا تُصدّق: «أما زلتِ تمتلكين الشجاعة لكي تتشرطي عليّ أنا؟»
فجأة، غضبت كوغامي. تقدمت نحوي خطوة واحدة، وسحبت قلمًا حادًا من جيبها. بسرعة لم أتوقعها، حتى أن الجانحين لم يستطيعوا التحرك، طعنتني بالقلم في عيني اليسرى. كانت الطعنة عميقة لدرجة أن الرؤية بها أصبحت مستحيلة.
شعرتُ بألم حارق انفجر في وجهي. الدم بدأ يخرج منها بغزارة، بينما أمسكت عيني بيدي، أصرخ وأتلوى على الأرض. كان صراخي يمزق صدري، لكنه لم يوقف الألم.
انفجع الجميع. حتى الجانحون، الذين كانوا يشاهدونني بلا مبالاة قبل لحظات، لم يتوقعوا أبدًا أن تفعل كوغامي هذا. بدت وجوههم مصدومة للحظة، كأنهم رأوا شيئًا يفوق خيالهم من الوحشية.
قالت كوغامي ببرود، وكأنها لم تطعن أحدًا في عينه للتو: «حسنًا، لن ألمس أخاكي الصغير. اتفقنا؟»
بعد تلك الليلة الكابوسية على السطح، عدتُ إلى المنزل. كانت والدتي تصرخ عندما رأت عيني. الدم يلطّخ وجهي، ويدي المرتعشة بالكاد تُمسك المكان الذي كان ينزف بغزارة. أخي الصغير، ساكاكيبارا، كان يحدّق بي بعينين واسعتين، مليئتين بالرعب الذي لا يعرفه الأطفال. لم أستطع أن أقول شيئًا عن كوغامي أو الجانحين؛ الكلمات اختنقت في حلقي. كل ما استطعتُ فعله هو البكاء، والرجفة تهزّ جسدي بالكامل.
أصرت أمي على نقلي إلى المستشفى. كانت الأسئلة تتوالى من الأطباء والممرضات، لكنني كنتُ كالمتحجرة. اخترعتُ قصة عن سقوطي وتعرضي لجرح بآلة حادة. كانت كوغامي قد هددتني، والصور كانت كالسيف المسلّط على رقبتي. بعد الفحص، قال الطبيب إن إصابتي خطيرة، وأن عيني اليسرى قد تضررت بشكل كبير. كانت الرؤية بها شبه مستحيلة، وقد أحتاج لعدة عمليات. بعد يومين، خرجتُ من المستشفى وعيني اليسرى مغطاة بقطعة طبية بيضاء كبيرة. كانت كأنها علامة دائمة، وصمة عار لن تمحوها الأيام.
عندما عدت إلى المدرسة، بدأت حياتي تتحول إلى جحيم. لم ينشروا الصور بعد، لكن الكاميرا كانت كتهديد صامت يلاحقني. كانت النظرات تتبعني في كل مكان. همسات تنتشر في الممرات. "انظروا إلى الفتاة ذات العين الواحدة." "ما الذي حدث لها؟" كانت التعليقات تلتصق بي كالغبار. كنتُ أشعر بأن الجميع يعرف، أو يتخيل، ما حدث. أصبحتُ أتجنب الممرات المزدحمة، أجلس في آخر الصف، وأتجنب أي تواصل بصري. حتى معلمي الرياضيات الذي كان يمازحني دائمًا بدأ ينظر إليّ بشفقة باردة.
الأصعب من كل هذا كان ابتعاد أصدقائي. هوتارو، صديقتي المقربة التي لطالما كانت تدافع عني، بدأت تتجنبني. كانت نظراتها تحمل مزيجًا من الحزن والخوف. عندما حاولتُ التحدث إليها في أحد الأيام، قالت بصوت خافت، كأنها تخشى أن يسمعها أحد: "ميساكي، أنا... أنا لا أستطيع أن أكون معكِ الآن. الناس... الناس ينظرون." كانت خائفة من التنمر الذي قد يطالها هي أيضًا بسببي. فهمتُ الأمر. لم ألومها. لم أكن أريد أن أجلب لأحد هذا الجحيم الذي أعيش فيه. تركتُها تبتعد، وشعرتُ وكأنني أفقد قطعة أخرى من روحي.
أما شينتو... كان الأمر مختلفًا معه. لم يكن يبتعد عني جسديًا فقط، بل كانت عيناه تحملان خليطًا من الذنب والخوف.
عندما كانت نظراتنا تتصادف في الممرات أو في قاعة الطعام، كانت نظرتي إليه حزينة، مليئة بخيبة الأمل والألم. كنتُ أتساءل كيف يمكن لشخص أن يفعل هذا بصديقته؟ كيف يمكنه أن يرضخ للتهديد بهذا الشكل؟ أما نظراته إليّ فكانت خائفة، مليئة بالندم، لكنها كانت أيضًا قادمة، وكأنه يرى فيّ ذكرى الجريمة التي ارتكبها. كان يتجنب عيني المتبقية، لكنني كنتُ أشعر بوجوده، وبثقل نظراته. كانت كل نظرة منه طعنة جديدة.
بعد بضعة أيام، انتشر الخبر كالنار في الهشيم: شينتو وكوغامي يتواعدان. كان هذا الأمر مؤلمًا بشكل لا يوصف. كنتُ أعلم أنه ليس حبًا حقيقيًا، بل نتيجة تهديد كوغامي وابتزازها. كوغامي نفسها أصبحت نجمة المدرسة، شخصيتها اللطيفة المزيفة تتألق أمام الجميع. تبتسم للطلاب والمعلمين، تشارك في الأنشطة المدرسية، تتصدر المشهد في كل مكان. لم يكن أحد يعرف حقيقتها، أو ما فعلته. لم يرَ أحد الوحش الذي يختبئ تحت تلك الابتسامة المصطنعة. كانت تملك كل شيء الآن: الشهرة، الشعبية، وحتى شينتو. وأنا… فقدتُ كل شيء. بقيتُ وحدي، بعين واحدة، وروح ممزقة، أعيش في ظلها، تمامًا كما كانت تريد.
في أحد الأيام بعد المدرسة، وبينما كنت أجلس وحدي في الحديقة الخلفية للمنزل، بعيدًا عن أعين المتطفلين، جاء نيمو. لم يكن مجرد زميل صف، بل كان صديقي. كانت بيننا علاقة صداقة عميقة، ربما شيء أعمق لم يُعترف به صراحة، لكنه كان رفيق روحي الوحيد في المدرسة، والذي ظل معي حتى بعد أن ابتعد الجميع. جلس بهدوء بجانبي، وكأنه شعر بحزني العميق.
لم يعرف شيئًا عن الكدمات النفسية التي أتلقاها، ولا عن العين التي فقدتها، ولا عن الصور التي تهدد وجودي. كل ما عرفه هو أنني حزينة. لم يتحدث كثيرًا، فقط وضع يده برفق على كتفي، ثم أبعدها. كان وجوده الصامت، مجرد جلوسه بجانبي، كافيًا. شعرتُ للحظة أن هذا الشخص يرى ألمي، ويحاول أن يخبرني أنه موجود لأجلي. لم أستطع أن أمنع دموعي من الانهمار. بكيتُ على كل شيء، وبكيتُ لأن نيمو كان الوحيد الذي لا يحكم عليّ، ولا يبتعد عني. وجوده كان خيطًا رفيعًا من النور في ظلامي الدامس.
على حافة الهاوية
بعد أسبوعين من الحادثة، عدتُ إلى نفس السطح، وحدي. كانت الأجواء مغيمة، تمامًا مثل ذلك اليوم المشؤوم. ارتديتُ زيي المدرسي، ورقعة عيني البيضاء كانت تصرخ بالواقع المرير. كان الحزن في عيني الأخرى أعمق من أي وقت مضى. وقفتُ فوق حافة السور، أطلّ على ارتفاع المدرسة الشاهق. كنتُ جاهزة للموت، مستعدة للانزلاق نحو العدم.
لم أعد أحتمل. لم أعد أحتمل تنمر التلاميذ، همساتهم، نظرات الشفقة والاشمئزاز. لم أعد أحتمل أن عائلتي أصبحت هدفًا للثرثرة والحديث السيء في الحي بسببي. لم أعد أحتمل أنني أصبحت وصمة عار، فتاة معاقة ومصورة عارية. لم أعد أحتمل أي شيء.
همست لنفسي، والرياح تصفع وجهي البارد: «آسفة يا أمي، يا أبي، يا أخي، يا نيمو… لكنني لم أستطع الاحتمال.»
كدتُ أن أرمي نفسي، أصابعي بدأت تفلت من حافة السور، عندما فجأة سمعت صوتًا أوقفني.
«توقفي!»
صرخة قوية مدوّية، تأتي من خلفي. كان شينتو. آخر شخص توقعت أن يأتي.
التفتُ ببطء، وعيني لم تصدق ما تراه. كان يقف هناك، يلهث، وجهه شاحب، وشعره مبعثر. كان قلبه ينبض بقوة، ودموعه تسيل على خديه.
«ميساكي! لا تفعليها!» صرخ، وقد كانت نبرته تفيض بالذعر.
نظرتُ إليه بعيني المتبقية، كانت مليئة بالدموع والحقد. «ماذا تفعل هنا، شينتو؟ هل أتيتَ لتتأكد أن المهمة قد اكتملت؟ هل أتيتَ لترى بقايا الإنسانة التي دمرتها بنفسك؟»
تقدم خطوة، ثم تراجع، كأنه يخشى أن يدفعني بعيدًا. «ميساكي، أرجوكِ… لا تتكلمي هكذا. أنا… أنا آسف. آسف جدًا.» كانت كلماته تخرج متقطعة، مختنقة بالندم.
ضحكتُ بسخرية مريرة، ودموعي تنزل كالشلال. «آسف؟ هل تعرف ما معنى كلمة آسف يا شينتو؟ هل تعرف ما فعلته بي؟ لقد وقفتَ هناك، حملتَ الكاميرا، والتقطتَ صورًا لجسدي العاري، بينما كان روحي تتمزق! أين كنتَ عندما كنتُ أتوسل إليك؟ أين كنتَ عندما كنتُ أبكي وأصرخ؟ أين كنتَ عندما طُعنتُ في عيني؟!»
ارتعش جسده، وتصبب العرق من جبينه. «كنتُ خائفًا يا ميساكي! كنتُ خائفًا عليها! لو أنني لم أفعل ما طلبته، كانت… كانت ستفعل شيئًا أسوأ! كانت ستؤذيكِ أكثر، أو… أو تؤذي عائلتكِ!»
«أكثر؟! هل هناك أسوأ مما فعلته بي؟!». صرختُ، وصوتي اهتز من الغضب. «لقد قتلتَ روحي يا شينتو! جعلتني أتحول إلى مجرد شبح! جعلتني أكره نفسي، أكره جسدي، أكره كل شيء! بسبَبِك! بسبب جبنك! أنتَ الذي كان صديقي، الشخص الذي وثقتُ به، أنتَ من خانني بدم بارد!»
انخفض رأسه، واختبأ وجهه بين يديه. «أعرف… أعرف أنني ارتكبتُ خطأً لا يُغتفر. كل ليلة أرى وجهكِ في كوابيسي، أسمع صراخكِ، أرى الدم في عينكِ. أنا أُعاني أيضًا، يا ميساكي. كوغامي… كوغامي تهددني. تهددني بكل شيء. قالت إنها ستدمرني، ستدمر عائلتي، ستنشر تلك الصور إذا لم أفعل ما تطلبه.»
رفعتُ رأسي، والنار تشتعل في عينيّ. «وماذا عني؟ ألا تعتقد أنني أُعاني؟ هل تعتقد أن حياتي أصبحت جنة؟ أنا أعيش في الجحيم يا شينتو! أعيش في كل دقيقة من حياتي بسبب ما فعلته أنتَ وكوغامي! أفضّل الموت على العيش بهذا الذل! أفضّل أن أموت الآن، وأن أرتاح من هذا العذاب الأبدي الذي أعيشه!»
رفع رأسه، وعيناه البنيتان تحدّقان بي بيأس. «لا! لا تقولي هذا! أنا… أنا سأفعل أي شيء لتعود الأمور كما كانت! سأفعل أي شيء لتسامحيني! سأنتقم لكِ من كوغامي، سأفعل أي شيء… فقط لا تفعلي هذا! لا تفعليها! أرجوكِ، ميساكي… لا تموتي!»
كان صوته يرتجف، وكان يقترب مني بخطوات بطيئة، كأنه يخشى أن تنكسر الزجاجة الرقيقة التي أصبحت عليها. كانت نظراته مليئة بالحزن والندم، مزيج من الخوف عليّ والخوف مما فعل. كان يمد يده ببطء نحوي، وكأنه يحاول الوصول إلى ما تبقى مني.
«فات الأوان يا شينتو.» همستُ، وعيناي تحدقان في الهاوية تحت قدميّ. «فات الأوان لكل شيء.»
تقدم شينتو خطوة أخرى، هذه المرة لم يتردد. كان وجهه مشوهًا باليأس، وعيناه لا تحملان سوى ألمًا خالصًا. «لا… لا تقولي هذا! لم يفت الأوان ما دمتِ تتنفسين! ميساكي، أرجوكِ اسمعيني! أنا أعلم، أعلم أني كنتُ جبانًا ولعنًا في ذلك اليوم! كل كلمة قلتها لكِ الآن هي حقيقة! أنا آسف! أنا آسف لأنني خذلتكِ! خذلتُ الصديقة الوحيدة التي آمنت بي، التي رأت فيّ شيئًا مختلفًا، التي كانت تقف بجانبي دائمًا!»
ارتعش صوته، وبدأ يبكي بصوتٍ عالٍ، كالطفل التائه. «لا تتخيلي كيف هي كل ليلة بالنسبة لي! أراكي في كل كابوس، وأرى عينيّ وأنا أرفع الكاميرا، ووجهي القذر وهو يلتقط الصور! أشعر بالغثيان من نفسي يا ميساكي! أنا أكره نفسي! أكره الجبن الذي سكنني، أكره الخوف الذي سيطر عليّ! أنا لا أستحق أن أعيش، لكن… لكنني لا أستطيع أن أتحمل فكرة أن تموتي أنتِ بسببي!»
انزلق على ركبتيه، يده ممدودة نحوي، وعيناه تتوسلان. «أنا أعلم أن كوغامي… أعلم أنها وحش. وهي تضغط عليّ، تهددني، تبتزني بكل شيء. لكن هذا ليس عذرًا! ليس عذرًا لما فعلته بكِ! أنا… أنا فعلتُ شيئًا لا يُغتفر. سامحيني يا ميساكي! فقط امنحيني فرصة واحدة لأصحح خطأي! فرصة واحدة لأريكِ أنني لستُ هذا الجبان الذي رأيته! سأفعل أي شيء… أي شيء… فقط لا تفعلي هذا!»
كانت كلماته تتدفق كشلال من الندم، كل واحدة منها تخترق جدار الغضب الذي بنيته حولي. رأيتُ دموعًا حقيقية في عينيه، ورأيتُ الألم الذي لم يكن تمثيلاً. كان محطمًا، تمامًا مثلي. تذكرتُ كل اللحظات التي قضيناها معًا، ضحكاتنا، أحلامنا. هل كان كل هذا مجرد سراب؟ هل كان شينتو الذي أعرفه قد اختفى إلى الأبد؟
شيء ما انكسر في داخلي. لم يعد غضبًا محضًا، بل مزيجًا من الحزن العميق والشفقة على كلانا. لم أعد أستطع تحمل رؤيته هكذا، ينهار أمامي. ربما كان جبانًا، لكنه كان نادمًا. وربما كان هذا الندم هو بصيص الأمل الوحيد الذي بقي لنا.
تراجعتُ ببطء عن حافة السور، وقدماي بالكاد تحملانني. خطوتُ خطوة، ثم أخرى، حتى وصلتُ إليه. كان لا يزال على ركبتيه، ينظر إليّ بعينين مترجيتين.
مددتُ يدي المرتعشة، ووضعتها على رأسه. لم أستطع التحدث. كل ما استطعت فعله هو البكاء.
رفع شينتو رأسه، ونظر إليّ. رأى الدموع في عينيّ، ورأى الألم. وفي لحظة، اندفع نحوي، احتضنني بقوة غير مسبوقة. كانت ذراعاه تلتفان حولي وكأنه يخشى أن أفلت منه وأتبخر في الهواء.
غرستُ وجهي في صدره، وبكيتُ. بكيتُ كل الدموع التي حبستها لأسابيع. بكيتُ على عيني المفقودة، على جسدي الذي دُنِّس، على صديقتي التي تحولت إلى عدو، وعلى نفسي التي تكسرت. بكيتُ الألم، والخزي، والغضب، واليأس. بكيتُ في حضن شينتو، الشخص الذي خذلني، لكنه كان الوحيد الذي بقي لي في هذه اللحظة، الوحيد الذي لم يبتعد عني تمامًا. كان حضنًا دافئًا، لكنه كان أيضًا مليئًا بمرارة الندم المشترك.
بكيتُ في حضن شينتو، كل الألم الذي كبتُّه لأسابيع يخرج على شكل دموع حارقة. كان حضنه الملاذ الوحيد لي في تلك اللحظة، رغم كل ما حدث. شعرتُ بلحظة هشة من الراحة، ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد.
لكن لم تكتمل الفرحة. لم يكد يمر بضع ثوانٍ حتى انفتح باب السطح الحديدي بصوت صرير عالٍ. دخلت كوغامي، وعيناها تجولان في المكان قبل أن تتجمدا علينا. وجدتنا في أسوأ موقف ممكن: أنا وشينتو نتعانق، دموعي تبلل قميصه، وهو يشدني إليه بيأس.
تغير وجه كوغامي في لحظة. لم يكن غضبًا عاديًا، بل كان انفجارًا بركانيًا. عيناها ضاقتا وتحولتا إلى شعلتين من الكراهية الصافية، عروق جبهتها انتفخت، وشفتيها ارتجفتا قبل أن تشقهما ابتسامة شيطانية مشوهة. كانت ابتسامة مرعبة، ممزوجة بالغضب المطلق. بدت وكأنها على وشك أن تنفجر، وكل ذرة شر بداخلها قد وجدت طريقها إلى وجهها.
«ماذا تفعلان هنا؟! ما هذا المشهد المقزز الذي أراه؟!» صرخت بصوتٍ جعل الرياح تتوقف عن العويل. كانت نبرتها أقسى من أي ضربة، تخترقني مباشرة إلى الصميم.
انفصل شينتو عني بسرعة، ووقف أمامي كدرع، لكنه كان يرتجف. «كوغامي… الأمر ليس كما تظنين!»
ضحكت كوغامي بصوت عالٍ، ضحكة مليئة بالجنون، ثم تقدمت نحونا بخطوات سريعة ومرعبة. «ليس كما أظن؟! هل تعتقد أنني عمياء يا شينتو؟ هل تتحداني؟ بعد كل ما فعلتُه لكِ، يا ميساكي، ما زلتِ تتسكعين حوله؟ وماذا عنك، أيها الخائن؟ ألم يكفِك ما حدث لكي تتعلم؟!»
في جزء من الثانية، كانت كوغامي أمامي. جذبتني من كتفي بقوة، دفعت شينتو بعيدًا عن طريقها بكتفها، ثم رفعت يدها. لكمة قوية سقطت على خدي، جعلت رأسي يرتد إلى الخلف وصرخة مكتومة تخنقني. طعم الدم ملأ فمي.
«أيتها العاهرة القذرة!» صرخت، وذراعها لا تزال تمسكني بقوة حتى كادت تخلع كتفي. «كم مرة سأخبركِ أن تبتعدي عنه؟! ألا تفهمين؟! هل تريدين المزيد من الدروس؟!»
ثم بدأت تصفعني، الواحدة تلو الأخرى، دون توقف. كل صفعة كانت مصحوبة بكلمة قاسية.
«هذه لأنكِ لا تستمعين!» صفعة.
«هذه لأنكِ تظنين نفسكِ أفضل مني!» صفعة.
«هذه لأنكِ لا تعرفين مكانكِ!» صفعة.
كنتُ أترنح تحت ضرباتها، أحاول الدفاع عن نفسي، لكن قبضتها كانت قوية جدًا. دمي ينزف من خدي، وعيني الوحيدة تشوشت من الألم. سمعتُ شينتو يصرخ، يحاول أن يتدخل، لكن روكو الذين ظهر فجأة من خلف كوغامي أمسكه، وثبته في مكانه.
كانت كوغامي تصرخ وتضرب، ووجهها مشتعل بالغضب الأعمى. «سوف أجعلكِ تندمين على اليوم الذي ولدتِ فيه! سوف أجعلكِ تتمنين الموت كل يوم! أيتها المتشردة، سوف أريكِ من هي الزعيمة هنا!»
في ذروة غضبها الأعمى، وبينما كانت ترفع يدها لتوجه صفعة أخرى، دفعتني كوغامي بقوة تفوق ما قصدته. كان جسدي بالفعل على حافة السور، مهتزًا من الضربات والخوف. شعرتُ بدفعة قوية في ظهري، وفقدتُ توازني تمامًا.
صرخة مكتومة خرجت من صدري بينما كان الهواء يصفع وجهي. لم أجد شيئًا أتمسك به. سمعتُ صرخة شينتو المذعورة، صرخته المليئة بالرعب، وكأنه يرى شيئًا لا يصدق. رأيتُ وجه كوغامي يتجمد في مكانه، عيناها مفتوحتان على اتساعهما، وقد تبدل الغضب المطلق فيهما إلى صدمة مرعبة، كأنها أدركت للتو فداحة ما فعلت.
لم أسمع شيئًا بعد ذلك. سقطتُ.
الجسم يسقط من علوٍ شاهق. الهواء يصفر حول أذني. كان السقوط سريعًا جدًا، وكأنني دمية سقطت من يد طفل. لم أشعر بالألم في تلك اللحظة، فقط بفراغ رهيب يبتلعني. للحظة، رأيتُ السماء المغيمة فوقي، ثم الأرض الصلبة تقترب بسرعة جنونية.
عندما ارتطمتُ بالأرض، كان الصوت أشبه بانفجار قنبلة صامتة. لم يعد هناك جسد. كانت مجرد كتلة لحم ممزقة، وعظام متكسرة تبرز من الجلد، وملابس ممزقة غارقة في بركة دموية. كان الوجه مشوهًا بالكامل، لا يمكن التعرف على ملامحه. العين الوحيدة المتبقية انفتحت على اتساعها في لحظة الموت، تحدق في الفراغ، بينما العين الأخرى كانت مجرد فوضى من الدم واللحم.
لم أعد ميساكي. لقد أصبحتُ مجرد كومة من بقايا بشرية على الأرض، شاهدًا صامتًا على الوحشية التي يمكن أن يرتكبها البشر بحق بعضهم البعض.
بمجرد أن ارتطم جسد ميساكي بالأرض، تجمد شينتو في مكانه. كانت عيناه تحدقان في الفراغ حيث اختفت، ثم هبطتا نحو الأسفل، نحو النقطة التي تحولت فيها صديقته إلى كتلة مشوهة. انهار على ركبتيه، صرخة مكتومة خرجت من أعماقه، ليست صرخة غضب، بل صرخة رعب خالص ممزوجة بندم ساحق. كانت يداه ترتجفان، وجهه شاحبًا كالموتى، وكان يلهث وكأنه اختنق للتو. لم يستطع أن يبعد عينيه عن المشهد المروع أدناه. كل كلمات الندم التي نطق بها قبل لحظات تحولت إلى رماد، فقد كان هو نفسه شاهدًا على سقوطها، وحتى لم يتمكن من مد يد العون لها.
بالنسبة لكوغامي، كانت الصدمة لحظية ومبهمة. وجهها الذي كان مشتعلًا بالغضب قبل ثوانٍ تحول إلى قناع من الذهول المطبق. عيناها المفتوحتان على اتساعهما، تحدقان في الفراغ. لم يكن هناك انتصار، لا شماتة، فقط فراغ بارد. لقد أرادت أن تُعاقبها، أن تُذلها، لكن ليس أن تقتلها بهذه الطريقة. للحظة، شعرت ببرودة الخوف يتسلل إلى عظامها. لقد تجاوزت الخط، وأدركت فجأة فداحة فعلتها. لم تكن هذه هي اللعبة التي أرادت لعبها.
أما روكو والجانحون الآخرون، فكانوا مصدومين بشكل كامل. تراجعت ابتساماتهم الشهوانية، وحلت محلها تعابير من عدم التصديق والرعب. لم يتوقعوا أبدًا أن الأمور ستتطور إلى هذا الحد. لقد كانوا جزءًا من التنمر، من التهديد، لكن مشهد الموت المفاجئ كان أكثر مما يمكنهم استيعابه. نظراتهم تبادلت الخوف، وبدأت أصوات همس خافتة تخرج منهم، تحمل قلقًا مبطنًا بشأن ما سيحدث الآن.
بسرعة فائقة، وكأنها تستعيد رباطة جأشها من صدمة الموت، استدارت كوغامي وأمسكت شينتو من ياقة قميصه. كان وجهها قريبًا جدًا من وجهه، وعيناها تحولتا إلى حجر بارد.
«اسمعني،» قالت بتهديد شديد، وصوتها خفيض ومخيف، «أنت لم ترَ أو تسمع أي شيء، حسنًا؟ وإن أتت الشرطة، قل إنها انتحرت لوحدها. وإن أخبرتهم عما حصل فعلاً، سوف أشي بك وأخبرهم أنك ساعدتني في كل شيء، وأنك كنت شريكًا لي في كل خطوة. الخيار بيدك الآن.»
كان شينتو يرتجف، الدموع لا تزال تسيل على وجهه، وهو ينظر إلى كوغامي بوجهها الوحشي، ثم إلى المكان الذي سقطت فيه ميساكي. كان الخوف من كوغامي يصارع حزنه وندمه على ميساكي. ثوانٍ مرت كأنها دهور، صراع داخلي هائل يدور في روحه.
وفي النهاية، اختار شينتو نفسه. كانت نبرة صوته ممزوجة بالخوف واليأس عندما قال: «حسنًا، لن أخبر أحدًا.»
ابتسامة باهتة، بالكاد تظهر، رسمت على شفتي كوغامي. «جيد جدًا. والآن، لنذهب من هنا.»
استدارت كوغامي، ودون نظرة أخيرة إلى الأسفل، غادرت السطح. تبعها روكو والجانحون الآخرون بتردد، بينما بقي شينتو للحظة، عيناه تحدقان في الفراغ، روحه ممزقة بين الخوف والذنب.
منذ تلك اللحظة، تحولتُ إلى شبح. في البداية، لم يستطع أحد رؤيتي. كنتُ عاجزة تمامًا؛ لا أستطيع التكلم، ولا لمس أي شيء، مجرد كيان لا حول له ولا قوة. عندما أردتُ الدخول إلى جنازتي في منزلي، منعتني قوة خفية، كأن حاجزًا غير مرئي يحول بيني وبين عائلتي. كل ما سمعته كان بكاءهم المفجع، بينما أنا أشعر ببرود تام، بلا مشاعر.
مع الوقت، بدأتُ أتبع نيمو. كان يبدو أنه الوحيد الذي يراني. بدأتُ أتمكن من الكلام، لكن لا أحد غيره كان يسمعني. شاهدتُ نيمو ببرود وهو يخبر الجميع أن هناك شبحًا يطارده، لكن لا أحد صدّقه. في النهاية، طُرد من منزله. ذهب إلى ذلك المبنى المهجور، وبدأ يصنع دمى غريبة، محاولًا إيجاد طريقة لمعرفة من هو القاتل، لكن دون جدوى.
ثم ظهر بليك، ومعه كتاب "شمس المعارف" القديم. تمكنتُ من سرقة الكتاب منه، وصنعتُ طقسًا سحريًا مكتوبًا فيه. كان هدفي هو استعادة ذاكرتي وإيجاد قاتلي، لأنني كنت قد فقدت تفاصيل تلك اللحظة المروعة. لكن بدلًا من ذلك، خرج وحش شرير من الكتاب، واختفى الكتاب نفسه. بعد ذلك، صنع لي نيمو عينًا خشبية اصطناعية سحرية، منحتني القدرة على التفاعل مع العالم المادي بشكل أكبر.
كونتُ تحالفًا مع بليك وبابادوك وأكيهيكو. لقد ساعدوني لأصل إلى هنا، إلى المستشفى المهجور هذا، بهدف استعادة ذاكرتي بالكامل وتذكر ما حدث لي بالتفصيل في ذلك اليوم المشؤوم على السطح.
الآن، أنا شبح، لكنني أقوى من أي وقت مضى. معي أصدقائي وحلفائي، أشخاص أنا متأكدة
أنهم لن يتخلوا عني مطلقًا. حان وقت انتقامي من كوغامي.