اليوم الثالث عشر و الأخير من اللعنة]

في وسط المدينة، حيث تمتد الأبنية المتوسطة الارتفاع فوق الأرصفة المبللة، يبرز قصر حديث بتصميم بسيط وأنيق. جدرانه من الخرسانة والزجاج، نوافذه الكبيرة تعكس ضوء الشوارع، ولم يكن يبدو مبنى استثنائياً أو غريباً في أي شيء.

الداخل، الرواق طويل ومرتب، الأرضية من الرخام اللامع، والجدران بيضاء مصقولة، تُضيئها مصابيح خافتة موضوعة بعناية.

في هذا الهدوء الصناعي، يسير شخصان بخطى ثابتة، تتردد أصداؤها بين جدران الرواق.

كان الظلام قد ابتلع الأروقة، ولم يبقَ سوى ضوء خافت من شمعة صغيرة بعيدة، تكاد تنطفئ.

في الرواق الطويل، يمشي شخصان بخطى حذرة. أصوات أقدامهما تخدش الصمت.

كوغامي، بابتسامة مريبة، تتكلم بثقة ممزوجة بالحقد:

"وأخيرًا… إنه اليوم الثالث عشر. سيموت ذلك المدعو بليك موتة فورية حالما تدق الساعة منتصف الليل… وعندها سأرتاح منه إلى الأبد."

ميتسو، صوته بارد كالموت، يرد دون أن يلتفت:

"فعلاً. وعندها سنستطيع إكمال خطتنا بالكتاب… شمس المعارف."

تتوقف كوغامي لحظة، تنظر إلى جدار يحمل لوحة قديمة، تمسح عليه بأصابعها وتقول:

"أين هو الكتاب على أي حال؟"

يجيب ميتسو وهو يتابع سيره:

"إنه مع الطرف الثالث… اتفقنا أن المجتمع السري سيجتمع في منزله… ويبدو أن هذا القصر هو منزله."

كوغامي، بنبرة ساخرة:

"يبدو أنه فاحش الثراء أكثر مما توقعت…"

لكن فجأة، تغير شيء ما في نبرة ميتسو.

توقف. حدّق إلى الأمام، في عمق الرواق. الهواء أصبح أكثر برودة، وكأن أحدهم فتح بابًا من عالمٍ آخر.

قال بحذر:

"كوغامي… اصمتي."

نظرت إليه بقلق، لكنها أدركت فورًا أن شيئًا ليس على ما يرام.

صوت خطوات… بطيئة، ثابتة.

صوت تنفس ثقيل يقترب.

الظلام أمامهم ينكسر تدريجيًا.

ويخرج منه... بليك.

وقف بليك في منتصف الرواق بثبات، كأن حضوره نفسه يكسر توازن الهواء في المكان. كانت خطواته المتأنية تترك صدى يتردد في الجدران الخرسانية، وكأنها تتحدى كل التوقعات.

تجمّدت كوغامي في مكانها، نظراتها انفتحت على اتساعها، وجهها يتحول بسرعة من الثقة إلى الذهول. لم تنبس بكلمة.

ميتسو كذلك، اكتفى بالتحديق لثوانٍ، عيناه تلمعان خلف نظارته الرفيعة. هو الآخر لم يكن يتوقّع ظهوره... ليس الآن.

لقد كان من المفترض أن يكون ميتًا.

لم يكن هناك أي تفسير منطقي. اللعنة كانت دقيقة. الموعد كان مضبوطًا. الموت كان مؤكدًا. لكن بليك... خالف كل القواعد.

رفع بليك نظره مباشرة إلى كوغامي، وصوته حاد بثقة:

"مرحبًا يا كوغامي اللعينة. لم تتوقعي أني سأأتي، أليس كذلك؟"

تبدلت ملامحها فورًا من الذهول إلى الغضب، قبضت يدها وتقدّمت نحوه بخطوات سريعة، عيناها تشتعلان، وعلى وشك أن ترفع يدها...

لكن ميتسو رفع يده بهدوء ليوقفها، ونظر إلى بليك نظرة طويلة، عميقة، ثم قال بنبرة ساحرة وخطيرة في آن:

"يبدو أنك لم تمت... لم أظن أنك ستصل إلى اليوم الأخير."

أجاب بليك، بصوت متماسك رغم التعب الواضح على جسده:

"لن أقبل موتي بسبب لعنة غبية. أنا لا أخطط للموت… لا اليوم، ولا غدًا.

أنا الهارب من قدري المحتوم."

ابتسم ميتسو بسخرية خفيفة، وقال:

"مثل الصراصير... لا تموت بسهولة. لكن للأسف، الليلة… سيتم دعسك."

ضحك بليك بسخرية مضادة:

"سنرى في هذا الشأن، أيها العجوز. وبالمناسبة… لم أتوقع أنك أنت من يقف خلف كل هذا.

المترجم الهادئ واللطيف… هو ذاته الرأس المدبر؟ يا له من أمر غير متوقع."

في تلك اللحظة، تغيّرت نبرة ميتسو، واختفى منها أثر المجاملة.

قال بهدوء قاتل:

"بسببك… وبسبب جهلك. رأيت و لمست كتاب شمس المعارف، ومعه رأيت كل شيء.

حينها فقط… علمت علمت كل شيء عن عالم ما وراء الطبيعة."

ثم، ببطء وهدوء مرعب، خلع ميتسو نظارته، ثم قبعته، ومزّق كم قميصه الأيمن.

ما كُشف لم يكن بشريًا.

جلده بدأ يتغير، جانب جسده الأيمن تحوّل تدريجيًا إلى لون أسود باهت يميل إلى الرماد، وكأن شيئًا يتحلل داخله.

عروقه انتفخت، وتحوّل بياض عينه اليمنى إلى لون أصفر قاتم، تلامذها أصبح مشقوقًا بالطول، كعين حيوان مفترس.

ما كان بشرًا، لم يعد كذلك. أمام بليك الآن… شيء آخر.

قال ميتسو، بصوته المشوّه، نصفه بشري ونصفه شيء آخر:

"أنا الآن… شيطان الزومبي."

لحظة كشف ميتسو عن شكله الحقيقي كانت كافية لتجمّد الهواء في الرواق. لكن ما تلاها… كان أسوأ.

رفع ميتسو يده السوداء المشوهة ببطء، كأن الهواء نفسه ينتظر أمره.

وفجأة… بدأ العالم من حول القصر يتغير.

من العدم… من الفراغات بين الأشجار، من ظلال الحديقة، من الزوايا التي لا تُلاحظ عادة… خرجوا.

جثث متحللة. وجوه مشوهة. عيون بيضاء ميتة.

زومبي، بالعشرات، لا، بالمئات. أحاطوا بالقصر من كل الجهات، ملأوا الممرات، تسلقوا الشرفات، وخرجوا حتى من جدران الرواق خلف بليك.

كأن القصر نفسه بدأ يختنق من الداخل.

كوغامي ابتسمت بخبث، تراقب الحصار يكتمل، بينما ميتسو يمد ذراعيه كأنه يستعرض فنه.

لكن بليك… لم يتحرك. لم يرمش. لم يتراجع خطوة واحدة.

كانت عيناه هادئتين، صلبة كصخر، كأن هذه الجثث لا تساوي شيئًا مما رآه.

قال بنبرة هادئة، وهو ينظر مباشرة نحو ميتسو:

"آه… إذًا أنت من وضع النجوم على جدران مبنى نيمو. هذا يفسّر الكثير."

ثم أمال رأسه قليلًا، وابتسم بازدراء:

"لكن… اسمك سخيف، حقًا. شيطان الزومبي؟ احترم الشياطين يا رجل."

اهتز وجه ميتسو بغضب، وفقد تماسكه لأول مرة، وصرخ:

"تظن أنك قوي؟ مغرور بما فيه الكفاية لتأتي وحدك… وتظن أنك ستفوز؟!"

لكن بليك لم يجب مباشرة.

بل ابتسم.

ابتسامة فخمة، هادئة، واثقة، تحمل أكثر من مجرد ثقة…

تحمل وعدًا.

ثم قال بهدوء:

"ومن قال… أني أتيت وحدي؟"

وفي اللحظة التالية، سُمع وقع خطوات خفيف خلفه.

خرجت ميساكي من الظل.

تمشي بخفة، ترتدي ملابس قاتمة، وشعرها مربوط إلى الخلف. على وجهها نظارات الغضب، وداخل عينيها… نار من الماضي.

وقفت بجانب بليك، في صمتٍ غاضب.

ثم لحق بها نيمو، وجهه يحمل مزيجًا نادرًا من الثقة والغضب، كما لو أنه جاء اليوم ليسامح… أو لينتقم.

وقف على الجانب الآخر لبليك.

وبعد لحظات، ظهر أكيهيكو، متوترًا، يتنفس بصعوبة، نظراته قلقة لكنه لم يتراجع. في عينيه خوف… وغضب دفين.

وقف خلف نيمو، وتسللت يده نحو جيبه، ممسكًا بشيء صغير… دميته.

بليك، في المنتصف، يقف بينهم جميعًا كقائد هادئ وسط العاصفة.

رفع بصره نحو ميتسو، ونطق بنبرة عميقة، حادة، لا تحتمل الجدل:

"أعطني كتاب شمس المعارف… ولن تحدث مشاكل أخرى."

نظرت ميساكي إلى كوغامي، والنور الخافت في الممر انعكس على وجهها الشاحب، فزاد من برود ملامحها. كانت نظرتها جامدة، صلبة، لا أثر فيها للشفقة أو الخوف.

قالت بصوت منخفض، لكنه حمل في أعماقه نبرة غريبة من الرهبة:

"مرحبًا... كوغامي."

لم تكن الكلمة تحية، بل إعلانًا عن شيء أكبر... عن نهاية اقتربت.

كوغامي لم ترد مباشرة. ارتجفت يدها للحظة، ثم دفعت نظارتها على أنفها بحركة متعالية تخفي بها ارتباكها. نظرت إلى ميساكي وكأنها ترى شبحًا من الماضي ترفض تصديقه. عبست. عضّت شفتها السفلية بقوة، وعيناها اشتعلتا بنار غضب متفجرة.

كانت ملامحها مزيجًا من الغضب والكبرياء الجريح، شعرها المتناثر على جانب وجهها بدا أشبه باللهب المشتعل، وجسدها المتوتر يدل على أنها في أقصى حالات الاستنفار.

ثم بصقت كوغامي كلماتها كأنها سكاكين:

"هل تظنون أنكم تستطيعون هزيمتنا، أيها الحثالة الضعيفة؟"

ضحكت ضحكة قصيرة جافة.

"أنتم حتى لا تستطيعون مجاراتي أنا، فما بالك بميتسو؟"

أجفل ميتسو قليلًا، لكنه بقي صامتًا يراقب.

تقدم بليك خطوة، وعيناه لم تغادرا عيني كوغامي. كانت نظرته هذه المرة مختلفة، أكثر ثباتًا، أكثر نضجًا.

قال ببرود ساخر:

"فعلاً، وجهة نظر جيدة... لكننا لم نأتِ وحدنا."

صمت.

ثم، كما لو أن الهواء تمزق، خرج بابادوك من خلف بليك، كأنما شُكّل من ظل الممر نفسه. معطفه الطويل تمايل بصمت، وقبعته تحجبت بها ملامحه.

في لحظة واحدة، وبسلاسة قاتلة، أخذ مظلته السوداء — ثم مرّرها أفقيًا أمامه.

"شَك!"

قطعٌ نظيف، سريع، صامت. رؤوس الزومبي المتربصة في الرواق تطايرت كأن خيطًا خفيًا مزّقها جميعًا دفعة واحدة.

سقطوا على الأرض، واحدًا تلو الآخر، بينما ظل بابادوك واقفًا كأن شيئًا لم يحدث. كل شيء صمت فجأة، حتى الهواء بدا وكأنه توقف عن الحركة.

كوغامي شهقت ببطء، وميسو اتسعت عيناه. لم يتوقعا ظهوره، ولا سرعته.

أخذ الاثنان خطوة إلى الوراء، ولأول مرة، بدا أن الثقة تزعزعت في عيونهما.

قال ميتسو، بصوت متوتر:

"كيف... كيف عرفتم أننا هنا؟"

لكن بابادوك، دون أن ينظر إليه، أجاب بنبرة ساخرة مرحة وكأن القتال لا يعنيه شيئًا:

"وهل نظن أننا نحتاج إلى إذنك، أيها القبيح؟"

رفع مظلته مرة أخرى، مستعدًا.

الهواء اشتد حولهم، الرواق امتلأ بطاقة غريبة.

وقف بليك إلى جانب ميساكي، وعيناه على خصومه.

المعركة الحقيقية... على وشك أن تبدأ.

بالطبع! إليك استكمال الفصل بأسلوب روائي مميز، بلسان بليك الراوي، مع مراعاة وصف الإصابات، وتوتر العلاقات، والمخاوف غير المعلنة... كل ذلك بأسلوب متماسك ودرامي:

[الراوي: بليك]

[قبل 24 ساعة من المواجهة في القصر]

بعدما هربنا من المستشفى، أنا وأكيهيكو، كنا بالكاد نقدر على الوقوف. كانت أجسادنا تحمل آثار كل لحظة مرت في ذلك المكان اللعين.

عدنا إلى منزلي، بصعوبة، وفي صمت ثقيل. لم تمضِ سوى ساعة واحدة حتى التحق بنا نيمو… وبعده بابادوك.

دخل نيمو إلى الغرفة كأنه عاصفة.

"ما الذي حصل بحق الجحيم؟!"

قالها بصوت ملتهب، والشرر يتطاير من عينيه.

"ماذا حدث بحق الجحيم في المستشفى؟"

أخفضت عينيّ. لم أرد أن أشرح... لا الآن.

أكيهيكو كان شبه منهار على الكنبة، رأسه مائل للجانب، وجهه شاحب، وضمادات مرتجلة تحيط بذراعه المصابة.

أما أنا... فقد كنت في حال لا توصف.

قميصي ممزق، ذراعي مخدوشة بخطوط حمراء غائرة، ضلوعي تؤلمني من الضرب، والدم الجاف يغطي نصف صدري.

شعرت وكأن قطعة من المستشفى ما تزال عالقة في داخلي.

لكن نيمو لم يتوقف.

"الشرطة عثرت على جثث مدنيين مبعثرة في أروقة المستشفى، مصعد مدمَّر بالكامل، بقع دماء على الجدران… وحتى أحشاء على الأرضيات. والأسوأ؟ جثة شرطي."

لم أجب. فقط قلت، وأنا أتنفس بصعوبة:

"إنها قصة طويلة يا نيمو… لكن الآن… أحتاج لبعض الراحة. جسدي تحطّم."

لكنّ بابادوك… كالعادة، لم يُظهر أي رحمة.

قال بصوته العميق الغاضب:

"ليس وقت الراحة، بليك. بقي يوم واحد فقط. لعنتك تنتهي غدًا عند منتصف الليل… بالموت. وتقول إنك تريد أن ترتاح؟"

نظرت إليه، منهكًا، ونطقت:

"أنا وأكيهيكو كنا على وشك الموت… أنت لا تعرف ماذا حدث هناك!"

بابادوك لم يناقش. فقط رفع يده فجأة، ومن بين أصابعه، قذف شيئًا غريبًا نحوي.

كان… قرصًا لزجًا، أسود داكن اللون، ينبض كقلب حي.

اصطدم بصدرِي، والتصق بجسدي كالعَلَق، قبل أن يذوب داخلي… وبلحظة، شعرت وكأن جمرة الألم التي اشتعلت في ضلوعي منذ الأمس… قد انطفأت تمامًا.

شهقت. جسدي كان ينكمش من الألم قبل ثوانٍ، والآن… لا شيء. لا ألم. لا تشنج. فقط دفء غريب.

نظر إليّ بابتسامة جانبية، ثم رمى قرصًا آخر نحو أكيهيكو.

تشنّج جسد الأخير للحظة، ثم ارتخى… وفتح عينيه ببطء، كأنه استيقظ من كابوس طويل.

صرخت في وجهه:

"هاي! بابادوك! ما هذه القدرة الغريبة؟ ولماذا لم تستخدمها علينا من قبل، أيها اللعين؟!"

نظر إليّ نظرة ساخرة، وعيناه تلمعان:

"ولماذا كنتُ لأفعلها؟ على عديمي الفائدة مثلكم؟"

رغم الغضب… كنت مرتاحًا.

كان ذلك الشعور بالتحرر من الألم يشبه الحياة من جديد.

لكن راحتي لم تدم طويلاً.

بابادوك نظر إلى يده، وتابع بصوت أكثر هدوءًا… لكنه لم يكن مطمئنًا:

"أنا جِن. وهذه إحدى قدراتي. يبدو أن قوتي تعود إليّ… يومًا بعد يوم."

تجمّدت.

أحسست بشيء غريب. شيء داخلي لم أجرؤ على البوح به.

هل يمكن أن… ينقلب علينا؟ حين يستعيد قوته الكاملة؟ هل كان كل ما فعله لمصلحته فقط؟

نظرت إليه بصمت، ثم أبعدت هذه الأفكار من رأسي. ليس الآن.

الوقت يمرّ.

وغدًا… هو اليوم الثالث عشر.

وغدًا… قد نواجه نهاية كل شيء.

نهضت أنا وأكيهيكو ببطء بعد أن استعدنا قوتنا، ثم قلت بصوت هادئ لكنه حاسم:

"حسنًا... يبدو أن ميساكي تعرف مكان شمس المعارف."

رفع بابادوك رأسه نحوي بسرعة، نبرته الحادة ظهرت مجددًا:

"هل أنت متأكد؟"

أجبت وأنا أنظر إلى حيث كانت ميساكي تتحرك بهدوء في البيت:

"نعم. لقد استعادت ذاكرتها بالكامل... وهذا غيّر كل شيء."

نظر نيمو إليها بتركيز، عينيه تضيقان في محاولة لفهم ما يراه، قبل أن يتمتم:

"إذن هذا يفسر تصرفاتها الغريبة اليوم..."

كانت تمشي في أرجاء المنزل، تلمس الأثاث، تنظر إلى النوافذ، حتى لمست كوبًا على الطاولة بابتسامة خفيفة على وجهها... ابتسامة لم أرها عليها يومًا.

أطلق أكيهيكو تنهيدة مذهولة، وقال:

"لم أرَ ميساكي تبتسم بهذه الطريقة من قبل..."

أجاب نيمو بنبرة فيها شيء من الفلسفة الغريبة:

"بما أنها استعادت ذاكرتها، فالجزء البارد منها تبخر. الآن أصبحت... أكثر بشرية. تخيّل وعاءً فارغًا... ثم ملأناه بالحليب. الوعاء هو ميساكي الشبح، والحليب؟ ذكرياتها الميتة."

رمقته بنظرة جانبية.

"تشبيهك غريب... ومقرف."

ضحك أكيهيكو بهدوء. لم أكن الوحيد الذي شعر بذلك.

ثم فجأة... ظهرت ميساكي عند المدخل، تمشي بخفة، كأنها فراشة نزلت من سماء أخرى.

كانت ترتدي شيئًا جديدًا لأول مرة منذ لقائنا:

قميص أبيض فضفاض بأكمام قصيرة، مزرر من الأمام، وسروال كاكي بسيط، شعرها مربوط بخفة إلى الخلف بشريطة سوداء، وحذاء رياضي أبيض نظيف...

منظَرها كان بسيطًا... لكن ساحر بشكل لا يُصدق.

دقّ قلبي فجأة.

قلت في نفسي وأنا أحاول أن أبدو عاديًا:

"…إنها جميلة."

ثم نظرت إلينا وقالت، بابتسامة خجولة ووجه يفيض براءةً:

"إذن... ما رأيكم بي؟"

ساد صمت قصير، ثم… نظرات مرتبة من الجميع.

في داخل كل واحد منا، مرّت الجملة ذاتها:

"تبا... كيف تموت فتاة لطيفة مثل هذه... بتلك الطريقة الوحشية؟"

(حتى بابادوك رفع حاجبًا قليلًا، رغم محاولته إخفاء اندهاشه).

لكن سرعان ما عاد الحديث إلى الجدية.

قال بابادوك، وهو يخطو نحوها:

"حسنًا، ميساكي... أين الكتاب؟"

تحولت نظرتها في لحظة. البريق الطفولي اختفى، وحلت مكانه نظرة حادة وهادئة:

"إنه في قصرٍ وسط البلدة... يحوزه رجل عجوز، وكوغامي... ومعهم طرف ثالث."

أضافت، بعد لحظة من التردد:

"هذا الطرف الثالث... هو الأقوى من بينهم."

تحرك بابادوك بخفة بيننا، نظر إليّ، ثم قال:

"إذن سنواجه خصومًا خطرين... أحدهم على الأرجح هو من وضع تلك الهجوم على مبنى نيمو."

نيمو، كعادته، لم يحتمل الصبر، وقال فورًا:

"إذن من الذي قتلكِ يا ميساكي؟"

أجابت بهدوء، كأنها تتحدث عن شيء عادي:

"كوغامي."

ساد صمت ثقيل.

ثم زمجر نيمو:

"كوغامي… تلك اللعينة؟ لم تنجُ بفعلتها. لن تخرج من هذه الليلة حيّة!"

لكن بابادوك أوقفه برفع يده:

"اهدأ، نيمو. لا نعرف مدى خطورة الطرف الثالث بعد. علينا أن نستعد جيدًا."

ثم أدار وجهه نحونا جميعًا:

"نهاجم غدًا... عند منتصف الليل. ستكون تلك معركتنا الأخيرة.

وفجأة، ومن العدم، شعرت بظلٍ ثقيل يخيم خلفي. التفتّ بسرعة، وإذا بجنٍّ عملاق يقف هناك، على بعد خطوات فقط. مخلوق مظلم يتخذ شكلاً شبه بشري، لكن ملامحه بعيدة كل البعد عن أي شيء مألوف. عيون متعددة ومتوهجة ترصع وجهه، وكأنها مصابيح شرّ تراقب كل حركة. من رأسه يبرز نتوء حاد كالقرن، وأطرافه الخلفية متشابكة، متداخلة بشكل غريب، كأنها تنمو من بعضها البعض في عبث شيطاني.

صرخ جسدي قبل فمي، لكنه كان أسرع. رفع قبضته الهائلة، أكبر من رأسي بكثير، ووجهها نحوي بقوة وحشية. في تلك اللحظة، أدركت أنني على بعد ثانية واحدة من الموت. كل شيء تباطأ... صوت دقات قلبي طغى على كل الأصوات.

لكن قبل أن تلامسني قبضته، دوى صوت مزلاجٍ يُفتح بسرعة، تلاه مشهد لا يُصدق.

بابادوك، بهدوء قاتل، فتح مظلته السوداء، ثم لوّح بها بقوة نحو الجنّ. لم تكن مظلة عادية... بل كانت كأنها مطرقة جبارة هوت من السماء. ضربة واحدة كانت كافية لنسف الجنّ تمامًا. الأرض اهتزت، وقطعة كبيرة من أرضية المنزل تحطّمت كأنها زجاج تحت ضغط لا يُحتمل.

تراجعت إلى الوراء مذهولًا، قلبي يقفز كالمجنون. لم أستوعب ما رأيته للتو... الجميع من حولي كانوا في حالة صدمة. ظننت أنني في مأمن بعد تفعيل قبة الواقع، ظننت أن تهديد نجوم الجنّ قد انتهى… لكنّ شيئًا ما تغيّر.

صرخت دون وعي:

"ما الذي يحدث بحق الجحيم؟! كيف دخل هذا الجنّ إلى هنا؟!"

بابادوك أجاب بصوت منخفض، لكن نبرته كانت مملوءة بالقلق:

"يبدو أن أحدهم... خرّب تعويذة القبة."

تسمرت في مكاني، عيوني تتسع ببطء، الكلمات بالكاد تخرج من فمي:

"ماذا؟؟!"

[تغير المشهد]

ميتسو و كوغامي لا يتحركان، وكأنهما ينتظران شيئًا… ونحن كذلك.

قال بابادوك بصوت خافت، فيه لمحة توتر لم أعهدها منه:

"الطرف الثالث… ليس هنا. أين هو؟"

أجبته وأنا أحاول فهم الوضع:

"أجل… تذكرت، الطرف الثالث… هو من يملك الكتاب."

تقدّمت خطوة وصرخت بصوت مرتفع:

"أين هو صديقكم الآخر؟ هل هو مختبئ في أحد الخزائن؟ ليخرج حالاً!"

لكن بدل الرد، انطلقت ضحكة مفاجئة… ضحكة طويلة، غريبة.

كوغامي كانت تضحك، ضحكتها تحمل مزيجًا من السخرية والغرور:

"خائف؟… يا لها من نكتة! ههههههه…"

ضحك ميتسو معها، ضحكة باردة تشبه خشخشة عظام.

عندما رأيت ملامحهما… عرفت.

الطرف الثالث ليس شخصًا عاديًا… بل هو شيء آخر. شيء جعل ميتسو و كوغامي يثقان إلى هذه الدرجة، رغم وضعنا العدائي الواضح.

فجأة، قال ميتسو بلهجةٍ هادئة، لكنها ثقيلة:

"أوه… ها هو قادم."

عمّ الصمت.

ثم، ببطء ثابت، تردّد صدى خطوات في الرواق. خطوات معدودة… لكنها كانت كافية لتغير الجو كله. الهواء صار أثقل، وكأن شيئًا غير مرئي يضغط على صدورنا جميعًا.

بابادوك نظر أمامه، اتسعت عيناه بشكل لم أره من قبل، ثم قال بنبرة مندهشة ممتزجة بالتحذير:

"بليك… شمس المعارف مع الشخص القادم الآن."

شعرت بجسدي يتجمد. اتخذت وضعية القتال، ورفاقي كذلك. لم يكن علينا أن نتبادل النظرات أو الكلمات… جميعنا شعرنا بالخطر نفسه، في اللحظة نفسها.

اقتربت الخطوات أكثر… أكثر…

حتى ظهرت ملامح القادم.

كان فتى، لا يزيد عمره عن ستة عشر عامًا. لكن حضوره… لم يكن يشبه أعمارنا.

شعره أصفر، بلون الذهب الباهت، يتدلّى بخفة فوق عينيه السوداوين… لا سواد عادي، بل سواد تام، يشبه الفراغ.

يرتدي عباءة طويلة، فضفاضة، تسحب خلفه على الأرض بخفة متعمدة. لونها بنفسجي داكن، كأنها امتصت الليل في خيوطها. أما من الداخل، فكانت مبطّنة بأرجوان حيّ، يعكس الضوء الخافت بأطرافه الواسعة.

ياقة العباءة مرتفعة، تحيط بعنقه وكأنها تطوّقه، ومن الأمام يمتد سحاب طويل بلون فضي باهت، يلمع بلمسة غير واقعية. وتحتها، كان يظهر طرف قميص داخلي بلون الرماد الأبيض.

أكمام عباءته كانت أعرض مما يجب، تنتهي بشكل مدبب كأنها أجنحة مغلقة، لكن لا شيء فيها يوحي بالدفء أو الضعف.

كان يمشي بخطوات محسوبة… لا متوترة، ولا بطيئة، وكأنه يدخل منزله.

لكن أكثر ما صدمني… أكثر ما جعل كل شيء داخلي يتوقف…

وجهه.

الطرف الثالث هو…

سورا.

كنت أقف هناك، مشلولًا بالكامل.

أنظر إلى وجه سورا… إلى عينيه اللتين كنت أعرفهما جيدًا،

لكن اليوم…

اليوم لا شيء فيهما يُشبه من كنت أعرفه.

كانت صدمة عمري.

صديقي المفضل… الشخص الذي كان يشاركني الأمل وسط فوضى المدرسة، الذي كان ينام في منزلي، نتمشى سويًا بعد الحصص، نضحك، نحلم… نحارب الملل سويًا.

كان هو.

هو من يقف أمامي الآن كعدوي الرئيسي… من يحمل شمس المعارف في يده كما لو أنه مفتاح الخراب.

سمعت صوت أكيهيكو من خلفي، وكأن صوته يأتي من مسافة بعيدة رغم قربه:

"بليك… أليس هذا الفتى من صفك؟"

لكني لم أجب.

لم أستطع.

كل ما فيّ كان موجّهًا إلى سورا.

بصوت مبحوح بالكاد خرج من حنجرتي، قلت:

"سورا… مالذي تفعله هنا؟

ما الذي يحصل بحق الجحيم؟

هل أنت… سورا فعلًا؟

لماذا تمسك شمس المعارف؟

لماذا ترتدي هذا الشيء الغريب؟

أخبرني… ما الذي يجري؟"

لكن نظرته… بقيت كما هي.

نظرة باردة، لا ملامح فيها… كأن روحه رحلت.

بينما شعرت أن كوغامي وميتسو ينظران إلينا كما لو كانا يعيشان نشوة نصر، تقدم سورا خطوة إلى الأمام وقال:

"أنا سورا… من طائفة الساحرة.

تابع عنقود الجشع."

عنقود الجشع…؟

في لحظة، ترددت تلك القصة التي حكاها لي منذ أيام عن "الساحرات السبع" في ذهني…

قصة ظننتها مجرد خيال، مجرد لعبة كلمات وتسلية مدرسية.

همست وأنا أرتجف:

"ماذا…؟ هل القصة… حقيقية؟"

رد دون أن يرمش:

"نعم. هي كذلك.

وأنا أحد أتباعها."

كأن أحدهم طعنني بسكين وهمي في صدري.

كل تلك الذكريات… انفجرت دفعة واحدة في عقلي.

كل ضحكة، كل لحظة…

هل كانت مجرد كذبة؟

"هل يعني أن صداقتنا كلها كانت كذبًا…؟" سألت وأنا أحاول أن ألتقط نفسي.

فأجاب بصوت خالٍ من أي ندم:

"نعم.

لقد تقربت منك فقط للوصول إلى مبتغاي."

"…أنت لست نادمًا؟"

"لست نادمًا على أي شيء."

قلت وأنا أغلي:

"إذن… أنت من خرب تعويذة الحاجز…"

"نعم."

انفجرت صرخاتي في وجهه:

"لماذا تفعل هذا؟!"

قالها كأن الأمر أبسط مما أتصور:

"سأفعل أي شيء من أجل طائفتي.

وهذا الكتاب… سيساعدنا كثيرًا."

ضربت الأرض بقدمي وصرخت من الأعماق:

"تبا لك… وتبا لطائفتك!

ستُدفنون هنا اليوم، أنتم الثلاثة الملعونون!"

لكنه لم يرتبك.

نظر إليّ بنفس الهدوء، ثم قال:

"عندما رويت لك قصة الساحرات… كنت حرفيًا أدعوك للانضمام إلينا.

لكنك رفضت.

لذا… أنا لا أهتم الآن.

حياتي لطائفتي.

أهدافي من أجلها.

لا شيء شخصي، بليك."

"لا شيء شخصي؟!" صرخت كمن نزف كل مشاعره.

"تبا لك… سأمزقك وأعيد كتابي!"

عندها فقط…

أخرج من داخل عباءته خنجرًا قصيرًا.

لم يكن خنجرًا عاديًا.

شفرة بيضاء لامعة، كأنها صنعت من فولاذ نقي،

وقبضة مغطاة بوشم خافت يشبه خيوط العناكب.

أمسك به بثقة، كأنما يحمل جزءًا من قدره… وقال:

"حاول… إن استطعت."

أثناء عصبيتي نسيت من خلفي، وفجأة جرى بابادوك بسرعة مجنونة ممسكًا بمظلته كأنها سيف، مندفعًا نحو سورا بنية القضاء عليه. ولكن، قبل أن يصل إليه بثوانٍ، صدح صوت ميتسو الصارخ من امامي:

"هل تظن أنك الوحيد القوي هنا؟!"

توقف بابادوك فجأة، عينيه اتسعتا بدهشة، لكن قبل أن يتمكن من الرد، اخترق المكان مجس أرجواني ضخم، مرّ كالسهم بجانبه، ثم انقضّ عليه وأصابه في يده اليمنى، مما أجبره على التراجع للخلف بسرعة. رغم الإصابة، عالج بابادوك ذراعه في لحظة، لكنها لم تكن مجرد ضربة عادية… لقد شعر بها.

كان هذا المجس مألوفًا لبابادوك.

نعم، إنه هو… وحش اللعنة، لكنه هذه المرة في أقوى هيئة له — بهيئة ميساكي.

تجمّد الجميع في أماكنهم، أصوات أنفاسهم ارتجفت، وعيونهم اتسعت برعب خالص.

بليك لم يصدق عينيه، وشينتو همس:

"مستحيل… هذا… يشبه ميساكي تمامًا…"

ميساكي وضعت يدها على فمها غير قادرة على النطق، و اكيهيكو اتخذ وضعية دفاعية، رغم أنه كان يعلم… لا فائدة من القتال.

الوحش وقف هناك، ملامحه مطابقة لملامح ميساكي… لكن مشوهة، كأنها مزيج من جمالها ونقمتها. شعره يتطاير حوله كأنه له حياة، وعيناه مضيئتان بضوء بنفسجي حارق. كانت على شفتيه ابتسامة… لا بشرية، بل كابوسية. بلا شعور، بلا رحمة.

ثم، دون إنذار، تحولت يداه إلى كتلتين عملاقتين ارجوانيتان، كأنهما صُنِعتا من الظلام نفسه.

وفي لحظة، رفع إحداهما — وضرب بها بابادوك.

الضربة كانت كأنها زلزال. الحائط خلف بابادوك تهشّم، وطار جسده كدمية قماشية عبر الجدار، منطلقًا نحو الحديقة الخارجية للقصر، محطمًا معه الجدار ونافذة ضخمة، لتدخل أشعة القمر الباردة إلى القاعة كأنها شاهد على المصيبة.

لم تمر سوى لحظات، حتى قفز الوحش خلف بابادوك، مهبطًا في الحديقة، الأرض اهتزت تحت قدميه.

بابادوك نهض من الحطام، نظر إلى خصمه بحدة، ملامحه لا تزال ثابتة… لكنه غاضب.

رفع مظلته أمامه، ثم بصوت هادئ قاتم:

"لم أتوقع أن يتجسد اللعنة بهذه القوة…"

الوحش لم يرد، فقط رفع يده اليمنى، وفي لحظة، انطلقت مجسات منه كالرماح، طعنت كل الزومبي الموجودين في الحديقة، ممزقًا إياهم خلال ثوانٍ، وكأنه يقول: لا أريد إزعاجًا… القتال بيننا فقط.

الصمت خيّم للحظة.

القمر انعكس في عيني بابادوك، وهو يتخذ وضعية الهجوم.

الوحش فعل الشيء ذاته.

وقف الاثنان، وجها لوجه، كوحشين خرجا من الأساطير.

بابادوك ابتسم أخيرًا وقال:

"يبدو أن هذا… سيكون مزعجًا."

[تغير المشهد-منظور بليك]

أنفاسي ترتجف داخل صدري وكأنها ترفض الخروج. الوحش الذي رأيناه للتو لم يكن شيئًا عاديًا. لقد شعرت برعب خالص، لكنه كان ممزوجًا بيقين داخلي أن بابادوك لن يتأخر... سيهتم بالأمر، كما يفعل دائمًا.

لكن لم تدم لحظتي هذه طويلًا. قاطع أفكاري صوتٌ مألوف، لكنه هذه المرة كان مشبعًا بشيء مظلم:

"سورا، أنا أريد ميساكي."

كان صوت كوغامي.

رد سورا ببساطة، وكأنه مستعد مسبقًا:

"بالطبع."

ثم أخرج من سترته خنجرًا آخر، أقصر من خنجره المعتاد، مائل إلى السواد، يشع بغرابة باهتة. نظر إلى كوغامي وقال بنبرة جدية:

"هذا الخنجر مصنوع من معدن خاص، قادر على قتل الأشباح... وطردهم."

تألقت عينا كوغامي بجنون، وكأنها وُلدت من جديد حين أمسكت بالخنجر. لم تلتفت إلينا. نظرت مباشرة إلى ميساكي، تلك النظرة... نظرة ذئب رأى فريسته تترنح.

كانت ميساكي تقف على مسافة، أنفاسها غير منتظمة، ووجهها شاحب أكثر من المعتاد. الذكريات التي عادت إليها... أضعفتها كثيرًا. لم تعد تلك الروح الخارقة التي أنقذتني سابقًا، بل صارت أقرب لإنسانة ضعيفة تقف في مهب العاصفة.

كوغامي تقدّمت فجأة، وركضت نحوها كالسهم، الخنجر في يدها يلمع، والنية في عينيها واضحة تمامًا.

صرخ نيمو من خلفنا، صوته ارتجف من شدة الخوف:

"ميساكي، اهربي!!!"

وفعلت.

استدارت ميساكي وهربت بكل ما أوتيت من قوة، وركضت كوغامي خلفها، خنجرها كظل أسود يلاحق النور. حاولنا اللحاق بها، أن نوقف كوغامي، لكن...

كان هناك شيء آخر.

أسوأ.

من نهاية الرواق، ظهر مخلوق... لا، وحش لا يمكن وصفه إلا بكلمة واحدة: زومبي.

لكنه لم يكن كأي زومبي رأيته سابقًا.

كان ضخمًا، بحجم دب بالغ، جلده متعفن، عينيه محجوبتان بلون أسود كثيف، وصدره يرتفع وينخفض كأنه يزأر في صمت.

تجمدنا.

صرخت نيمو بصوت مرتعش:

"إنه نفس الزومبي... الذي هاجم المبنى سابقًا!"

لكن تلك الصرخة... كانت الخطأ القاتل.

لم يكن يجب على نيمو أن يصرخ. لم يكن يجب على أحدنا أن يصدر صوتًا.

التفت الوحش، ببطء، وكأن العالم توقف في لحظته.

ثم...

ركض.

ركض كأنه صخرة ضخمة انطلقت من جبل، كل خطوة منه تهز الأرض، كل زفير منه يطلق موجة من الرعب.

ركض مباشرة نحو نيمو وأكيهيكو.

"اهربا!!" صرخت.

فعلوا. ركض الاثنان في ممر آخر، والزومبي خلفهم، يحطم الجدران كأنها ورق. ضربة واحدة منه مزقت الجدار الذي يفصل بين الرواق وغرفة الصف، الغبار تطاير، وهدير الوحش وحده جعل قلبي يسقط في قدمي.

لكن نظري كان معلقًا بشيء واحد...

ميساكي.

كانت الآن في أخطر لعبة ممكنة...

لعبة القط والفأر.

والمطاردة تقودها فتاة بخنجر قادر على قتل الأرواح.

كانت ميساكي الفأر...

لكنني لست متأكدًا إن كان هناك أي مخرج من هذا المتاهة.

لكنني نسيت نفسي...

لقد بقيت طيلة هذا الوقت أقلق على الآخرين. على سورا، على هوتارو، على ميساكي، على أكيهيكو وحتى نيمو...

لكن الحقيقة المؤلمة التي تجاهلتها كانت أن أكثر شخص كان يجب أن أقلق عليه... هو نفسي.

كنت واقفًا وحدي... وأمامي يقف سورا، صديقي، أو من ظننته صديقًا.

يمسك بيده اليمنى كتاب شمس المعارف، كأنه يمسك روحي نفسها. وفي اليد الأخرى خنجر المرعب.

بجانبه يقف ميتسو، وقد تحوّل وجهه إلى قناع شيطاني تتآكله تشققات متحركة. عيناه بلا حياة، لكن جسده ينبض بالطاقة، هدوئه و بروده قاتل.

رفع سورا خنجره نحوي ببرود قاتل، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاد كالسكاكين:

"لا يوجد الآن من يحميك، يا بليك... فلتَمُت بهدوء، أعدك أني سأقتلك دون تعذيب."

الهواء كان ساكنًا، وكأن الزمن توقف، لكن داخلي... كان عاصفة.

رغم رعشة جسدي، استجمعت كل ما تبقّى من شجاعتي، وصحت:

"مستحيل! الجميع يعتمد عليَّ في استعادة الكتاب...

إذا هربت الآن، فسينتهي كل شيء... لذا، لا! لن أهرب. وسأهزمك، حتى لو كنتَ أنت."

رمش سورا، نظر إليّ ببطء، وكأن كلماتي جعلته يتردد للحظة. حتى ميتسو حدّق بي كأنني تحدثت بلغة لم يسمعها من قبل.

قال سورا ببرود:

"يبدو أنك اخترت طريق الموت الأصعب إذن..."

أخذ خطوة نحوي.

أخ

ملخص مختصر للفصل 28: اليوم الثالث عشر والأخير من اللعنة

يبدأ الفصل في قصر أنيق حيث كوغامي وميتسو يخططان لموت بليك واستعادة كتاب شمس المعارف. يظهر بليك فجأة، حيًا، ويواجههما. يكشف ميتسو عن هويته الحقيقية كشيطان زومبي، ويستدعي مئات الزومبي لحصار القصر.

يكشف بليك أنه لم يأتِ وحده، حيث ينضم إليه ميساكي، نيمو، أكيهيكو، وبابادوك، الذي يظهر قوة خارقة في القضاء على الزومبي. تتخلل الأحداث ذكريات سابقة تُظهر شفاء بليك وأكيهيكو بقوة بابادوك الغامضة، وكشف ميساكي لموقع الكتاب وهوية قاتلها (كوغامي). كما تُكشف مخاوف من انقلب بابادوك عليهم بعد استعادة قوته.

يعود السرد للحاضر، حيث يظهر "الطرف الثالث" وهو سورا، صديق بليك، الذي يعلن ببرود أنه عميل لطائفة شريرة وأن صداقته ببليك كانت مجرد خدعة. يندفع بابادوك لقتال سورا، لكن وحش اللعنة يتجسد بهيئة ميساكي المشوهة ويهاجم بابادوك، ليدخلا في قتال عنيف بالحديقة. في الفوضى، تلاحق كوغامي ميساكي بخنجر قاتل للأشباح، بينما يطارد زومبي ضخم نيمو وأكيهيكو.

يجد بليك نفسه وحيدًا في مواجهة سورا وميتسو. يرفع سورا خنجره لقتل بليك، لكن بليك يرفض الاستسلام ويقسم على استعادة الكتاب وهزيمة صديقه السابق الذي تحول إلى عدو.

كنت واقفًا بثبات، للمرة الأولى بدون بابادوك، بدون أحد خلفي...

فقط أنا، ونيتي.

مستعدًا لمواجهة عدوي...

ذلك الشخص الذي كان يومًا ما أعز أصدقائي.

2025/07/21 · 7 مشاهدة · 4281 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025