[من منظور نيمو]
كنت أجري… لا، كنت أهرب.
أروقة القصر الشاسعة تمتد أمامي ككابوس لا نهاية له، وجدرانه تتردد فيها خطوات ثقيلة، متعفنة، تقترب رويدًا رويدًا. خلفي كان أكيهيكو يلهث، ووراءنا... موجة من الزومبي، بطيئة لكنها لا تتوقف. كنا هدفًا سهلًا في هذا المتاهة الحجرية.
الشيء الغريب… لم أكن أفكر فيهم.
كنت أفكر في ميساكي.
هل هي بخير؟ هل اختبأت؟ هل تُطارد أيضًا؟
يا إلهي… لا وقت للتفكير!
"إنهم أمامنا!!!"
صرخة أكيهيكو قطعت سيل أفكاري كالسيف.
توقفت فجأة، وتوقف هو بجانبي. اتسعت عيوننا في رعب.
الرواق الطويل أمامنا كان يعج بهم أيضًا.
خلفنا؟ زومبي.
أمامنا؟ زومبي.
نحن محاصرون... كالفرائس في فم الذئب.
نظرت إلى أكيهيكو، وكانت عيناه على وشك الانهيار، دموعه تتلألأ في ضوء المصابيح الخافتة.
لكني لم أسمح له بالانهيار، لم أسمح لنفسي حتى بالتفكير في الموت الآن.
"أكيهيكو!! ليس وقت البكاء أو الخوف!! نحن لسنا ضعفاء! فهمت؟! علينا القتال! علينا أن نساعد الآخرين، علينا أن نصل إلى ميساكي!!"
حدّق بي لثوانٍ، ثم…
مسح دموعه بكُم سترته وابتلع خوفه.
"أنت محق... لكننا لا نملك أي شيء! لا سلاح! لا فرصة ضدهم!"
قالها، وصوته يرتجف، لكن فيه شرارة أمل بدأت تشتعل.
هنا… جاءت الفكرة.
لم تكن عظيمة… لكنها كانت كافية لنعيش دقيقة أخرى.
"أكيهيكو!! أعطني سترتك بسرعة!"
"ماذا؟! لماذا؟"
"أعطني إياها الآن!!!"
نزعها بسرعة، وأنا لففتها حول يدي كما رأيت في الأفلام القديمة، شددتها جيدًا، ثم…
تحطيم!
ضربت النافذة القريبة بكامل قوتي.
الزجاج تناثر كشظايا الأمل، واخترت واحدة، طويلة، حادة… باردة كالموت.
رفعتها أمام عيني، وقلت بابتسامة خفيفة:
"الآن… لدينا سلاح."
نظر إلي أكيهيكو بدهشة، ثم ابتسم هو الآخر…
وبينما الزومبي يزحفون ببطء نحونا من الجهتين، وقفت أنا، دميةً مكسورة تحمل شظية، وصوت في داخلي يصرخ:
"ميساكي، اصمدي… نحن قادمون."
رحت أتنفس ببطء، أنظر للزجاجة في يدي كأنها خشبة النجاة الأخيرة في محيطٍ من الموت.
أكيهيكو خلفي، يتراجع نحو الحائط، أصابعه ترتجف، وأنا… أنا الوحيد الواقف.
بيني وبينهم… خطوات.
الزومبي لا يركضون، لا يصرخون، لا يهددون.
إنهم يزحفون.
يسحبون أرجلهم كجثث وُضعت في موكب جنائزي بلا نغمة.
أجسادهم ممزقة، جلدهم ملتصق بالعظام، رائحة الدم الفاسد تملأ المكان.
أحدهم لا يملك فكًا سفليًا… والآخر يزحف بذراع واحدة تتدلى منها أمعاء بشرية.
"أنا خائف."
قلت لنفسي، لم أخجل من الفكرة. قلبي كان يضرب كطبلة مذبوحة.
لكنني تقدّمت.
رفعت الشظية.
"جاء وقت القتال."
الزومبي الأول اقترب، وجهه محترق نصفه، وعيناه خاويتان…
صرخت، لا من الشجاعة، بل لأقنع نفسي أنني على قيد الحياة، ثم
طعنت رقبته.
دخل الزجاج في لحمه مثلما تدخل الإبرة في وسادة مبللة،
خرج سائل أسود دافئ على يدي، وعلقت الشظية بعظم الرقبة.
لم يتوقف.
اقترب أكثر، فتح فمه المشقوق، أنيابه السوداء على بُعد إنش واحد.
دفعت بكل قوتي، ضغطت الزجاج داخله حتى اخترق الحلق، وانكسر طرفه.
سقط على الأرض وهو يهتز، مثل سمكة تلفظ أنفاسها على اليابسة.
أخذت شظية أخرى.
جاء الثاني، لا يملك عينًا، وجلده مليء بالفتحات الصغيرة كأنه مُنخَر.
"كفى."
طعنة في الجبين.
لم تكن كافية.
هجم علي، سقطت معه على الأرض.
صرخ أكيهيكو خلفي، وأنا أحاول أن أبعد فكه عن وجهي.
رائحة لسانه... كأنك فتحت تابوتًا عمره مئة عام.
غرزت الشظية في جانبه، مرة، اثنتين، ثلاثًا، بلا وعي.
"موت… موت… موت يا ابن ال..."
صرخت وأنا أطعنه كالمجنون.
وأخيرًا، توقف عن الحركة.
لكنني لم أخرج سالمًا.
ذراعي اليمنى كانت تنزف من خدشٍ عميق.
كان له مخلب صدئ، قطع جلدي كما يُقطع القماش الرخيص.
وقفت وأنا أترنح.
شفتاي جافتان، والعرق يغرق جبهتي.
رأيت زومبي صغير الحجم، ربما كان طفلًا.
يداه الصغيرتان ملوّثتان بالدم، عينه واحدة، يرتجف.
ترددت.
"لا… هذا ليس طفلًا. لا شيء منهم بشرٌ بعد الآن."
رفعت الشظية، وطعنته في قلبه، ثم دفعته بعيدًا.
تقيأت.
نعم… بعد الطعنة الثالثة، لم أتحمل.
تقيأت على الأرض، كل ما في معدتي خرج، دموع سالت دون إرادة.
لكن الزومبي لم يتوقفوا.
كانوا خمسة الآن… يزحفون، يتحركون مثل العفن فوق جدار قديم.
نظرت ليدي الملطخة…
"أنا أقاتل… لكن إلى متى؟"
قلت وأنا أتلّقط أنفاسي.
ركبتي تؤلمني من سقوطي، وجرحي ينبض.
لكنني رفعت الزجاج مجددًا،
نظرت خلفي لأكيهيكو، وقلت بصوت خافت:
"ابق خلفي… لا تتحرك."
ثم تقدّمت.
أنا… نيمو… مجرد ولد يصنع دمى…
لكن الآن؟
أنا وحشٌ يقاتل الوحوش.
ركضت نحو الثالث.
ما عدت أفكر، فقط أتحرّك.
طعنة في الكتف، ثم ضربة بالرأس بشظية مكسورة.
صوت العظم وهو يتحطم تحت الضربة كان واقعيًا أكثر من أن يحتمله عقلي.
أحسست بشيء ينفجر داخلي…
ليس شجاعة، بل يأس خام.
الرابع عضني… نعم، عضني بالفعل، على الكتف الأيسر.
صرخت، وركلته بعنف حتى تراجع، ثم غرزت الشظية في فمه المفتوح.
خرج شيء كالعفن من رأسه… وسقط.
وقفت، ألهث، أنظر حولي.
الخامس كان يتسلّق الحائط مثل صرصور، عظامه مكشوفة، يزحف بلا صوت.
رمقته… ثم قفز عليّ.
سقطت معه مرة أخرى.
شظيتي كانت مبللة بالدماء، يدي ترتعش، لكني وجهتها نحو وجهه وطعنت عينه الوحيدة.
كانت دافئة… ولينة.
كأنك تدوس على ثمرة فاسدة.
انفجرت في وجهي.
"آاااااااه!!!"
صرخة أكيهيكو هذه المرة لم تكن لي، بل لما رآه.
اهتز القصر.
الهواء تغيّر.
رائحة الموت أصبحت أثقل، كأن أحدهم فتح باب الجحيم نفسه.
التفتُ، وأنا ألهث، يدي تنزف، كتفي يؤلمني، نصف وجهي مغطى بعصارة عين زومبي.
لكن ما رأيته… لم يكن زومبي عاديًا.
الوحش دخل.
عملاق.
قدماه ثقيلتان، كل خطوة تُحدث ارتجاجًا في البلاط.
وصدره… كان يتنفس.
أكيهيكو كان يرتجف، يلتصق بالجدار، وجهه شاحب.
"نيمو... ما هذا...؟"
صوته كان بالكاد يُسمع.
أما أنا؟
ركبتاي بدأتا تخونانني.
قلبي لم ينبض… بل توقف لثانية.
الوحش نظر إليّ.
شعرت بنظراته.
خطى خطوة واحدة.
تفتت الأرض تحته.
الزومبي العاديون انسحبوا، كأنهم خائفون منه.
همست:
"نحن... لن ننجو من هذا."
لكنني رفعت الشظية.
أنا لا أريد النجاة.
أريد أن أوقفه… ولو لثانية.
ذراعاه قويتان بشكل غير طبيعي، تنتهيان بمخالب سوداء كبيرة، تقطر من أطرافها قطرات لزجة.
ساقاه مثل أعمدة حجرية، مغطاة بلحم قاسٍ يتشقق من الضغط.
أقدامه؟ ليست لدب، ولا لإنسان… بل لشيء وُلد في خطأٍ كوني.
كائن لا يجب أن يوجد.
فمه كان يزفر دخانًا رماديًا، كل زفير يحرق أنفي ويخنق صدري.
كأن تنينًا نائمًا قد استيقظ… لكن من كابوس، لا من حلم.
وقفتُ هناك… وشظية الزجاج في يدي ترتعش.
لكنني لم أهرب.
رفع الوحش رأسه الهائل، وصدره المنتفخ اخرج زئيرًا بلا رحمة…شعرت بها في أضلعي.
ثم هجم.
لم يكن يركض، بل كان يندفع.
كرة لحم متفجرة.
أظافره حطّمت الأرض تحته، وكتلة جسده كسرت الجدران أثناء حركته.
رفعت الشظية، مستعدًا لمواجهته على الأقل بشيء من الكرامة.
لكن…
شعرت بيدٍ تسحبني من كتفي.
أكيهيكو.
بوجه شاحب، وبقوة لا أعرف من أين جاء بها، جذبني إلى الرواق الجانبي… في اللحظة الأخيرة.
الوحش لم ينتبه.
تابع في خط مستقيم، مثل وحش آلي مبرمج على اتجاه واحد.
"بوووووووووم!!"
اخترق الجدار أمامه كأنه ورقة.
الغبار غمر المكان، والسقف اهتز.
تصدعت الأرض، سقطت أحجار، وسُمِع صوت تحطمٍ كأن زلزالًا قد ضرب القصر.
سقطنا نحن الاثنين على الأرض.
كحّتُ، ويدي لا تزال تقبض على الشظية.
نظرت لأكيهيكو، كان جسده يرتجف.
"أنت مجنون!"
قالها، لا ليؤنبني، بل لأنه لا يعرف كيف نجا.
أنا أيضًا لا أعرف.
جلستُ، أتنفس بثقل.
كل شيء داخلي كان يهتز.
قلبي، عظامي، خوفي.
"هذا... ليس عدوًا يمكننا قتله."
قلت.
كنت صادقًا.
أكيهيكو لم يرد، فقط أبقى نظره على الحائط المحطّم.
كان الوحش قد مر... لكنه سيعود.
وربما… المرة القادمة لن نكون محظوظين.
---
ركضت أنا وأكيهيكو في الرواق الطويل، محاولين بشتى الطرق أن نجد مخرجًا أو مهربًا من هذا الوحش الفتاك.
كل ما كنت أسمعه كان زمجرة الوحش.
رغم بعدها، كانت الزمجرة تدق في عظامي، تنشر رعبًا متجذرًا في صدري، يصعب تحمله.
أكيهيكو لم يكن مختلفًا عني، عيونه تلمعان بالدموع من شدة الخوف وهو يلهث بجانبي، وجهه مشحون بالرهبة مع كل خطوة نخطوها.
فجأة، توقفنا.
سمعت صوتًا غريبًا، كأنه تشقق مدوي في الجدار المقابل لنا.
صرخت النفس داخل صدري، وألقيت نظرة على أكيهيكو، الذي همس بصوت متهدج:
"ما هذا الصوت؟"
لم أجب.
فجأة…
انهار الجدار أمامنا!
تفحّصتُ المشهد، ورأيت الوحش يخرج من وراء الحطام، مزّق الحائط بأطرافه الضخمة، زمجر كأنه يطلق غضبًا مدويًا لا يرحم.
الوحش قرر أن يأخذ طريقًا مختصرًا، غير مكترث بكل شيء، مدمرًا كل من يقف في طريقه.
بدأ يركض نحونا بسرعة لا تصدق، غبار الحطام يغطيه، لكننا كنا محظوظين.
تفادينا الحطام، واختبأنا خلف ركام مهددًا يتطاير في الهواء، بعيدةً عن عيون الوحش الحارسة.
لكن هذا الوحش…
كان سريعًا، مدمرًا، لا يموت بسهولة.
ركض خلفنا بلا توقف، لا يريدنا أن نهرب.
أمامنا، ظهرت غرفتان متجاورتان.
نظرت إلى أكيهيكو، كان ينظر إليّ وفهمت خطتي من نظرتي.
تفرقنا بسرعة، كل منا دخل إلى غرفة مختلفة.
دخلت الغرفة اليمنى.
كانت المطبخ.
المطبخ كان مدهشًا بكل بساطته رغم فوضى الهروب.
حواف رخامية ناعمة، كانت تنعكس عليها أنوار المصابيح فوق الطاولة، تتلألأ كلوحات فنية صغيرة.
أدوات الطبخ معلقة على الحائط بخفة وأناقة، بعضها من النحاس الأصفر اللامع، والبعض الآخر مصنوع من الفولاذ المصقول.
طاولة خشبية كبيرة في الوسط، عليها بقايا أكواب وبعض الفاكهة المرمية هنا وهناك، كأن أحدهم غادر المكان على عجل.
لكن لسوء حظي… الوحش تبعني.
دون أن أسمع حركة أكيهيكو، شعرت بثقله يقترب.
الهواء اهتزّ.
قلبت المطبخ بأكمله، بحثًا عن مخرج أو سلاح، لكن كل ما كان أمامي… كان وحشًا يمزق الحياة.
دخل الوحش إلى المطبخ.
كانت المساحة واسعة، لدرجة تسمح له بالتحرك بحرية رغم حجمه الهائل.
طوله وعرضه كانا يملآن المكان، لكن الجدران ما زالت تحاصرنا معًا.
أنا والوحش في مكان مغلق، لا مفر، ولا مهرب.
أدركت أن أقل ما يمكنني فعله الآن هو القتال، أو على الأقل… محاولة النجاة.
نظرت سريعًا حولي، حتى وجدت سكين مطبخ حادة تلمع على الطاولة.
أمسكتها بيد ترتجف، وحاولت جمع كل قوتي.
بكل ما أوتيت من قوة، ضربت السكين في صدر الوحش.
لكن المفاجأة كانت صادمة.
السكين انثنت.
لم يخترق اللحم… بل كان الجلد والعضلات تحتها صلبة كالصخر.
الوحش بدأ يزمجر بغضب.
رفع يده، وأخذ يلوح بها في الهواء، كأنه يريد سحق شيء ما.
هتفت لنفسي: "هذا وحش… ليس مجرد زومبي."
ضرب القرن الضخم على الحائط المجاور بقوة مدمرة.
تحطمت النافذة الكبيرة المطلة على المسبح، وامتلأ المكان بغبار الزجاج المتناثر.
ضرب كل شيء في المطبخ، أطباق، طاولات، كراسي، لكني استطعت تفادي كل ضربة بأعجوبة، أتنقل بخفة بين الفوضى.
وفي لحظة، لفت نظري شيء كان موضوعًا جانبًا… كيس طحين أبيض كبير.
فكرت بسرعة.
أمسكت بالكيس، والوحش أمامي مباشرة، تحدّاني بعيونه السوداء المتوهجة.
قلت بجرأة رغم خوف قلبي:
"أنت سوف أريك ما قد يفعله الضعفاء بأستعمال ذكائهم."
رميت الطحين على جسده الضخم، يغطيه كضباب أبيض كثيف.
لم أترك وقتًا للتردد، أمسكت بولاعة كانت قد وجدتُها على الأرض، وأشعلتها.
كانت خطتي أن أُغطيه بالطحين ثم أفجره بالنار، على أمل أن ينفجر كقنبلة.
لكن على غير المتوقع، لم يحدث شيء.
الطحين لم ينفجر.
توقف اللهب على سطح الطحين، ولم ينتشر.
وقفت هناك، وحدي، أمام وحش مغطى بالطحين، لا أكثر ولا أقل.
صوت زمجرته تقطع الصمت، وكأنه يستهزئ بخطتي البسيطة.
وفي تلك اللحظة، أدركت:
الوحش ليس فقط قويًا…
إنه لا يقهر.
---
لم يكن لدي مكان أهرب إليه.
قلبي ينبض بسرعة، مخيف، لكنه صامت بين رعدة الخوف التي تسيطر علي.
أنا خائف، لكن… لا أريد الموت الآن.
يجب أن أنقذ ميساكي، مهما كلف الأمر.
الوحش بدأ يتقدم نحوي، جسده الثقيل يهتز، وكأنه يستعد لسحقي، لإنهائي.
ثم فجأة، من خلف الوحش، قُذف ڨالون زيت كبير، انسكب على جسد الوحش، مغطّياً إياه بسائل أسود لزج.
رأيت أكيهيكو.
وجهه كان مرعوبًا، لكن عينيه تشعان بالشجاعة، وهو يرمي الزيت بلا تردد.
لم يفهم في البداية سبب اختيار الزيت بالتحديد، لكني كنت سعيدًا... لأنه أنقذني.
الوحش استدار نحو أكيهيكو، غاضبًا كأنه يريد أن يلتهمه.
أكيهيكو تراجع، وجهه متجمد من الرعب، لكنه قال بصوت حازم:
"الآن، نيمو!"
عندها فهمت الخطة.
فتحت الولاعة وألقيتها نحو الوحش الملوث بالزيت.
فجأة، إشتعل الوحش بالكامل.
نار تلتهم جلده، تنتشر بسرعة مخيفة، تنير المطبخ العالي سقفه بضوء جهنمي.
صرخة الوحش كانت مرعبة، صرخة تصم الآذان، تعبر عن ألم لا يوصف.
ابتعدتُ بسرعة، وركضت بجانب أكيهيكو لنشاهد.
الوحش يتلوى، يحاول بيديه الحارقتين إطفاء النار التي تلتهم جلده، لكنه كائن غبي، فقط يغرق في هيجان الألم.
في حالة من الغضب والفزع، ضرب الوحش بقوة، وبدون قصد، صدم النافذة المحطمة.
الزجاج انهار، والوحش فقد توازنه.
سقط من الطابق الثالث في القصر، هابطًا في المسبح أدناه.
صوت طقع الماء كان عاليًا.
ثم، ساد الصمت.
الوحش لم يتحرك.
نظرت إلى أكيهيكو، وقلبي ينبض ببطء، متوترًا،
هل انتهى هذا الكابوس؟
كنا نطل على جثة الوحش المحروق، وهو غارق في مياه المسبح الباردة. جسده الضخم كان مغطى بالرماد والدم المتفحم، وسطح الماء تماوج فوقه كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة. أجزاء من جلده المحروق تبدو كقشرة متشققة، وأطرافه التي كانت مخالب سوداء، الآن هامدة بلا حياة، تغرق في سكون مظلم.
نظرت إلى أكيهيكو وسألته بقلق: "هل تظن أنه مات؟"
أجابني بهدوء لكنه محاط بالحذر: "حسناً، يبدو ميتاً بالنسبة لي."
ابتسمت وقلت وأنا أربت على ظهره بقوة: "فلنرجُ أن يكون قد مات... لكن يا صديقي، كنت رائعاً عندما رميت الزيت، كانت فكرتك عبقرية."
ضحك أكيهيكو قليلاً وقال: "حسناً، أتتني الفكرة عندما دخلت تلك الغرفة ووجدت أنها مخزن الزيت."
لكن فرحتنا لم تدم، إذ بدأت أصوات أقدام ثقيلة تقترب.
رأينا الزومبي يتدفقون بكميات هائلة، يتحركون ببطء لكن بثبات لا يرحم.
قلت بصوت مملوء بالغضب: "تبا! لقد عاد هؤلاء الملاعين."
سمعت أكيهيكو يسألني: "هاي نيمو، هل تسمع هذا الصوت؟"
أجبت: "نعم، إنه صوت نيران متصاعدة."
استدرت نحو المطبخ، وهناك ما لم نتوقعه.
أنبوب غاز الفرن قد قُطع، والغاز يتسرب بكثافة في الغرفة، وسط النيران المشتعلة التي بدأت تتسلل من تحت الطاولة.
صرخت بسرعة: "أكيهيكو، ابتعد!"
دفعتُه بعيداً وأنا أعرف جيداً ماذا سيحدث.
وبالفعل، حدث ما توقعت.
انفجر المطبخ بقوة مدوية، صدى الانفجار أجبرنا على إغلاق أعيننا لثوانٍ.
النيران التهمت المطبخ بالكامل، ألسنة اللهب تلتهم الخشب، والزجاج، وكل ما وقع في طريقها، وتزداد ارتفاعاً بلا رحمة.
الدخان بدأ يتصاعد، والنيران تزحف خارج المطبخ، حتى تحول السقف الأبيض إلى سواد قاتم.
لكن رغم كل الدمار، كان هناك شيء واحد إيجابي:
النيران قضت على معظم الزومبي الذين كانوا يقتربون منا، وأصبح بإمكاننا الآن التحرك بحرية أكبر والهرب.
اوقفت أكيهيكو على قدمه، ينظر إليّ بعيون ثابتة تعكس حيرة وحزم في آنٍ واحد.
قلت له بثقة رغم كل شيء:
"أنا سوف أذهب لأساعد ميساكي، ألا تأتي معي؟"
تردد للحظة، ثم توقف وأجابني بصوت هادئ لكنه حازم:
"أذهب أنت، بينما سأبقى لأساعد بليك في قتاله."
كانت كلماته كالصخرة، واضحة ولا تقبل النقاش.
نظر إليّ بجدية تعكس وعيه بالمسؤولية الثقيلة التي نحملها، لقد قلها بثقة رغم توتره:
نظرت إليه، وابتسمتُ ابتسامة بسيطة ملؤها الاعتماد والثقة، رغم كل المخاطر.
قلت له بحزم وود:
"حسنًا، كن حذرًا."
أومأ برأسه بثبات، وابتعد كل منا في طريقه داخل القصر، كلٌ منا محمّل بالعزيمة والإصرار.
كانت تلك اللحظة مليئة بالسكينة التي تسبق العاصفة، حيث كل خطوة تحمل ثقل مصير ينتظرنا.