[منظور ميساكي]

ركضت.

كان صوت قدميَّ حافيتيْن يرتطم بأرضية القصر الباردة، يتردد في الممرات كنبضات قلبي التي تكاد تخرج من صدري.

التفت. لم أرها، لكنني شعرت بها.

كوغامي... تلاحقني.

كوغامي التي قتلتني ذات يوم.

كوغامي التي لا تزال تتلذذ بطعني مرتين.

والآن... تريد إنهائي للأبد.

من خلفي، جاء صوت خفيف، أشبه بهمسة على شفرات السكاكين:

"ميساااكي... لم تنتهي قصتنا بعد."

جف حلقي. انعطفت بسرعة عبر باب خشبي نصف مفتوح، ودخلت غرفة مظلمة لا أعرفها. أغلقت الباب ببطء، وألصقت ظهري بالجدار.

كان أنفاسي تتلاحق، والدموع تحرق عيني.

أنا شبح... لكن قلبي لا يزال يخاف.

إنها تحمل خنجر الأشباح، الخنجر الملعون. طعنة واحدة... وأختفي من الوجود.

"أتعلمين؟"

جاء صوتها من الخارج، خطواتها هادئة، محسوبة، كأنها تمشي على موسيقى ناعمة تعزفها الكراهية.

"أنا لطالما حسدتك. بشرتك الشاحبة تلك، صوتك الهادئ، اهتمام شينتو بك... وكأنك كنتِ لوحةً مملةً لكنهم جميعًا أرادوها في معارضهم."

مرّ ظل تحت فتحة الباب. كنت أحبس أنفاسي.

"أما أنا؟" تابعت، وبصوت يغلي:

"كنتُ اللهب... وكرهوني لأني أضأتُ الحقيقة!"

بدأ مقبض الباب يدور... ببطء.

ببطء...

ببطء.

تراجعت، باحثة عن مخرج. الغرفة بلا نوافذ.

خزانة؟ لا... صغيرة.

طاولة؟ لا تنفع.

فتحت بابًا خلفيًا ضيقًا يؤدي إلى ممر للخدم. ركضت كأن قدمي ليستا لي، وأنا أسمع الباب يُفتح خلفي:

"هربكِ هذا ممل... دائمًا كنتِ مملة!"

صوت كعب حذائها يضرب الأرض بإيقاع جنوني.

تاك... تاك... تاك...

نظرت خلفي.

كوغامي.

وجهها ملطّخ بالدماء القديمة، وابتسامتها ممزقة، تحمل الخنجر بيدها كأنها وُلِدت به.

"سأقطعكِ من العالم، ميساكي."

"وسأحرق ذكراكِ كما حرقتِ قلبي."

صرختُ داخلي.

أنا لا أريد أن أختفي.

أنا... لا أريد أن أموت ثانيةً!

انزلقت على الأرضية الرطبة وسقطت.

الخنجر اخترق الجدار بجانبي، على بعد شعرة من رأسي.

كوغامي وقفت فوقي، وابتسامتها لم تكن إنسانية.

"نهاية رومانسية، أليس كذلك؟ القاتلة والضحية، على أرضية مبلّلة، تحت ضوء ميت."

رفعت يدها، والخنجر يلمع كنيز مسروق.

غرست كوغامي الخنجر في الأرض، فاتحة المجال للكلمات أن تسيل من فمها مثل سمٍّ قديم:

"أتذكرين؟ كنا في الصف الرابع حين طلبتِ مني أن أعلّمك كيف تضعين الماسكارا… كأنك كنتِ صغيرة جدًا على أن تفهمي الجمال… لكنهم رأوكِ جميلة، وأنا؟ مجرد ظل."

انتزعت الخنجر من الأرض بعنف.

فركضت.

كأنّ خوفي صار وقودًا في عروقي.

أروقة القصر بدت بلا نهاية.

اللوحات على الجدران، النوافذ المغلقة، المرايا المشروخة… كل شيء صار عدواً.

كانت قدماي ترتجفان، روحي تهمس لي:

"إن توقفتِ، انتهيتِ."

[منظر داخلي - ميساكي]

"كوغامي… كنتِ أول من اقترب مني عندما انتقلت إلى المدرسة… أول من ناداني باسمي..."

"ضحكنا معًا. أكلنا معًا. هل كان كل ذلك كذبًا؟ أم كنتِ تخبئين السكين طوال الوقت؟"

انزلقت على الدرج الحجري، وجرحت كاحلي، لكني لم أتوقف.

فتحت بابًا صدئًا إلى مخزن مهجور، واختبأت خلف رفّ مغطى بالملاءات.

يدي على فمي، حتى لا يسمعها أنيني.

كوغامي دخلت بخطواتها الثقيلة، صوت كعبها يقرع كأنها طبول النهاية.

"كنتُ صديقتكِ، يا ميساكي."

"أحببتكِ... بطريقة ما، ربما. لكنكِ كنتِ دائمًا فوقي. كلّهم فضّلوكِ حتى عندما لم تقولي شيئًا!"

رفعت الغطاء عن أحد الرفوف ببطء، وأمالت رأسها، تبحث كقطة مدرّبة.

"تمنّيتُ لو بقيتِ ميتة… لكنكِ عدتِ كالشبح، حتى بعد موتكِ ترفضين أن تبتعدي."

كانت قريبة جدًا… أنفاسها تملأ المكان.

جف لساني.

خوفي صار ملموسًا.

ثم…

سقطت زجاجة خلفها.

استدارت فجأة، ظنّت أني هناك.

استغليت اللحظة، وخرجت من الباب الخلفي.

عدت إلى الممر.

ركضت، وأنا أسمعها تصرخ:

"أيتها الجبانة!! كوني شجاعة لمرة واحدة وواجهي!!"

[منظر داخلي - ميساكي]

"كيف أواجهك، وأنتِ تمسكين بخنجر مخصص لقتلي؟ كيف أواجه من أحببتها كأخت… ثم طعنتني بظهرها؟"

"أحيانًا، أتساءل… هل كنتُ عمياء؟ أم أنكِ كنتِ ماهرة في الكذب؟"

وصلت إلى الدرج المؤدي إلى الطابق السفلي.

لم أكن أعرف إلى أين أهرب.

لكنني كنت أعرف: إن توقفت… سينتهي كل شيء.

كوغامي من خلفي، تلهث، تركض، تقهقه كأنها تستمتع.

"لن يشتاق لكِ أحد يا ميساكي!"

"حتى والدكِ لم يزر قبرك!"

توقفتُ لحظة.

كلماتها كالرصاص.

لكنني تشبثت بالحقيقة… أنا لم أعد بشرًا.

لكني لا زلت أملك إرادتي.

نظرت خلفي.

كوغامي تنزل السلم، الخنجر يتأرجح بيدها، شعرها الطويل مبعثر كأنها خرجت من الجحيم.

"تعالي، يا ملاكي الصغير."

"هذه المرة، سأجعلكِ تتألمين قبل أن تختفي."

وقفتُ أمامها، قلبي لا ينبض، لكن شيئًا في داخلي كان يحترق.

لم أعد أهرب. لم أعد أرتجف.

كوغامي وقفت على بُعد خطوات، تحمل الخنجر كأنها تحمل وعدًا بالذبح.

قالت بابتسامة ساخرة، وهي تميل برأسها مثل قطّة وجدت فريستها:

"يبدو أنكِ استسلمتِ، هل تعبتِ من الجري، أيتها القطة الميتة؟"

لكن ما ظنّته استسلامًا لم يكن سوى شيء آخر.

كنتُ أغلي من الداخل… غاضبة من كلماتها، من كذبها، من وقاحتها وهي تتحدث عن أبي.

همست، لكن صوتي حمل نصلًا:

"كاذبة."

الابتسامة اختفت من وجهها كما يُسحب القناع عن ممثل رديء.

قطّبت حاجبيها، وانحنى فمها في قسوة.

"ماذا؟" قالتها وكأنها لم تسمع الكلمة في حياتها من أحد.

رفعت رأسي.

كل لحظة صمتٍ بيننا كانت تشعل نارًا في صدري.

لم أكن أصرخ، لكن كل حرف خرج من فمي كان طعنة:

"أبي لم يزر قبري؟ لا تجبريني على الضحك."

"أبي لا يزال يحمل صورتي في محفظته، كما يفعل كل صباح."

"ضريحي ليس في المقبرة، إنه في قلب منزلنا، حيث وُضعت زهور بيضاء كل أسبوع."

"وأنتِ..."

"أنتِ فقط... ادّعيتِ البكاء في جنازتي، لكي لا يشك بك أحد."

اقتربت خطوة.

الهواء بيننا صار خانقًا.

عيناها تتحركان بسرعة، كأنها لا تصدق أنني أواجهها… بعد كل شيء.

"كنتِ تبكين أمام الآخرين… ثم تضحكين خلف ظهورهم. كنتِ تمزّقين صورتي في الحمام… وتقولين إنني نلتُ ما أستحق."

أخفضت صوتي، لكنني طعنْتُ بها أعمق:

"أنتِ التعريف الحقيقي للنفاق، والحسد، والضعف."

كوغامي لم تردّ.

وقفت هناك، جسدها متيبّس، نظرتها باردة، كأنني كشفت الوحش الذي تحاول طمسه منذ سنين.

صمتت… طويلًا.

ثم، بصوت منخفض خالٍ من كل مشاعر البشر، قالت:

"موتي."

وفي لحظة… هاجمت.

صرخة الهواء حين شقّه الخنجر كانت كافية لتوقظ كل رعبٍ في داخلي.

اندفعت نحوي بسرعة لا إنسانية، خنجرها يلمع تحت نور الثريا المهتز، يدها الأخرى امتدت لتدفعني نحو الحائط.

لم أتحرّك.

قدماي تجمدتا.

لم أصرخ.

كل شيء حدث في ثانية.

كوغامي تهاجمني بخنجر قاتل للأشباح… وهي صديقتي السابقة.

هل أهرب؟ هل أصد؟ هل أصرخ؟

هل أواجه من كانت... ذات يوم... أغلى من العالم بالنسبة لي؟

لكن شيئًا بداخلي استيقظ.

ربما كان كرامتي، أو خوفي، أو حبي لأبي، أو مجرد الرغبة في ألا أُطعن مرتين.

في اللحظة التي اقتربت فيها، وفي عينيها وعد بالموت، رفعتُ يدي بسرعة…

ودفعتها بكل قوتي إلى الجانب!

اصطدم جسدها بالجدار، لكنها تمالكت نفسها بسرعة.

صرخت، لا لأنني خفت، بل لأنني… لم أعد أتحمل هذا الجحيم:

"أنا ميتة… لكنني لست ضحية!"

بالطبع! إليك استكمال الفصل 30 مع الانتقال إلى منظور بليك، بأسلوب مليء بالتوتر والدراما النفسية. نُكمل المشهد في القصر، حيث يقف بليك في مواجهة كل من سورا وميتسو، بين الشكوك والمراوغة والخوف من المواجهة:

---

[تغيّر المشاهد]

[من منظور بليك]

لم أعرف ما يجب علي فعله…

أمامي الآن يقف سورا، صديقي، أو من كنت أظنه كذلك…

والآخر… ميتسو، مخلوق لم يعد إنسانًا. عيناه لا تلمعان بالحياة بل بالخراب، وصوته يقطّع الهواء كأنفاس مقبرة.

كنت أرتجف… ليس خوفًا فقط، بل من ثقل القرار.

هذا كثير على أي شخص… لكنه وُضِع فوق كتفي.

لكنني لن أهرب.

الجميع يعتمد عليّ.

ميساكي، أكيهيكو، نيمو، وحتى بابادوك… كلهم يخاطرون بحياتهم لأجل هذا الكتاب.

كتاب شمس المعارف…

وسورا… سورا معه.

تقدّم نحوي ببطء، خطواته هادئة، يديه خلف ظهره، كأننا في نزهة لا معركة.

"اسمعني، يا بليك."

صوته ناعم… ناعم لدرجة أنه يخيفك أكثر من الصراخ.

"سأعطيك فرصة أخيرة للانضمام إلينا. إن رفضت، فسوف تموت. وإن وافقت… ستدخل رسميًا إلى الطائفة الساحرة."

تجمّدتُ.

عيناي عليه، لكن قلبي في مكان آخر… في غرفة بجانب قتال، أو مع ميساكي التي لا أعرف إن كانت حية أو ميتة مجددًا.

توقفتُ… فكّرتُ بسرعة.

[تفكير داخلي]

"إن انضممتُ، قد أستطيع المماطلة… أكسب وقتًا… وأفهم ما يريدونه من الكتاب."

"لا أملك القوة لمواجهتهم الآن، لكن أملك الوقت… والكلمات."

"ربما، فقط ربما… أستطيع استخدام حماقة غرورهم ضدهم."

لكن قبل أن أتكلم، زمجر ميتسو، صوته يشبه حديدًا يُجر على الإسفلت:

"ما الذي تفعله يا سورا؟!"

"أنت تمضي وقتًا ثمينًا في الحديث مع الصبي، بينما مالك شمس المعارف يقف أمامنا؟!"

"اقتلْهُ فورًا، قبل أن يعرف أكثر!"

لكنني رفعتُ يدي.

ولأول مرة منذ دخولي هذا القصر… تكلمتُ بثقة.

"ما هي غايتكم من الكتاب أصلًا؟"

سورا رمقني بنظرة طويلة.

ثم ابتسم… ابتسامة هادئة، لا حياة فيها.

"سؤال جيد، بليك."

"لكن الغاية ليست من الكتاب…"

"الغاية… من الذي يقرأه."

تقدّم نحوي خطوة، وعيناه تشعّان بلون داكن كغرق لا شاطئ له.

"الكتاب لا يختار أي أحد. لكنه اختارك… وهذا وحده يجعل دمك ثمينًا."

ميتسو ضحك… ضحكته كانت قبيحة، عفنة، تنبع من حلق شيطان وليس إنسانًا.

"نريد الكتاب، لأن بداخله توجد الأبواب."

"أبواب… إلى شيء لا يجب أن يُفتح."

سورا أضاف:

"ولأنك فتحته يا بليك… فأنت صرت المفتاح."

ارتجف قلبي.

المفتاح؟

أنا؟

تراجعت خطوة، وعيناي تبحثان عن مهرب، عن فكرة، عن بصيص أمل…

لكن قبل أن أتحرك، قال سورا بصوت ثابت:

"سأعطيك دقيقة لتقرر، بليك."

"إما أن تنضم إلينا… أو أترك ميتسو يُنزِل بك ما لن تستطيع حتى تخيّله."

كان الصمت ثقيلًا…

أنفاسي متقطعة، وقلبي يصرخ داخلي، لكنني لم أُظهر ذلك.

سورا لم يزل واقفًا أمامي، متماسكًا… كأن كل شيء تحت سيطرته، وأنا مجرد ورقة بين أصابعه.

أكمل كلامه بصوت بارد كالموت:

"لهذا السبب نحن نحتاجك في الطائفة يا بليك… أنت المفتاح."

"ولا أريد أن أكسر المفتاح بيدي."

قالها كأنها مجرد جملة عادية… لكن الكلمات دخلت إلى أعماقي مثل خنجر.

أنا… مفتاح؟

مفتاح لِماذا؟ الجحيم؟ الخراب؟

لم أفهم… لكنني لم أظهر ضعفي، بل سألته بصوت متماسك نسبيًا:

"أنت تقول إنني مميز… وتحتاجونني… وأنني المفتاح…"

"لكن ما لم أفهمه هو… لماذا تحتاجون الكتاب أيضًا؟"

ابتسم سورا ابتسامة خافتة، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال.

"هل تريد أن تعرف من صنع هذا الكتاب؟"

سكت قلبي للحظة.

لم أتوقع هذا السؤال.

شعرت بأن الهواء من حولي صار أثقل… وأن الإجابة القادمة قد تغيّر كل شيء.

انفتحت مقلتا عيني رغماً عني، حدقت فيه، وكل كياني يصرخ:

قل لي!

فهم هو، وقالها بهدوء لا يليق بالرعب الذي حمله:

"هذا الكتاب… هو أحد الادوات الذين سنستخدمهم لإحياء الساحرات."

تراجعت خطوتين، وكأن الأرض انكمشت تحتي.

"إحياء الساحرات؟!"

"هل يمكن… أن يعود البشر من الموت؟!"

ضحك سورا، ضحكة خفيفة لكنها مليئة بالغرور:

"بالطبع… لا يوجد مستحيل في هذا العالم."

تابع كأنه يلقي درسًا محفوظًا:

"لكي تفهم الوضع جيدًا… الطائفة الساحرة تنقسم إلى سبعة أقسام أو كما نسمهم سبعة عناقيد."

"كل عنقود يمثل خطيئة… الكبرياء، الحسد، الشراهة، الشهوة، الكسل، الغضب، الطمع."

"ويقود كل قسم ما يُعرف بـ مطران الخطيئة، وهم ستة."

ثم أشار بيده اليمنى إلى السماء وكأنه يرسم خريطة في الهواء:

"مطران الخطيئة، الذي يملك سلطة الساحرة."

"سلطة لا يمكن أن يمتلكها إلا كيان فريد… مرتبط بالساحرة الأصلية."

[تفكير داخلي – بليك]

"ما الذي يقوله هذا المجنون؟"

"سبع خطايا… وسلطة خاصة… ومطران؟"

"كأنني دخلت طائفة دينية مجنونة… أو كابوس من كتاب ميت."

تلعثمت، وأنا أحاول هضم الكلام:

"لم… أفهم شيئًا بحق الجحيم."

ضحك سورا قليلاً، ثم قال:

"لا تقلق، المفتاح لا يحتاج أن يفهم، فقط أن يفتح."

شعرت بشيء يتجمّع في معدتي… مزيج من الخوف، والغضب، والاشمئزاز.

أنا لست أداة.

أنا لست مفتاحًا.

رأسي يدور.

كل كلمة من فم سورا كانت كأنها تُفتح بوابة نحو جحيم جديد.

لكن رغم كل ذلك… استجمعت ما تبقى من رباطة جأشي.

كان الأمر واضحًا…

كلمة خاطئة فقط، وقد تكون نهايتي.

لكن لم أستطع التراجع…

لم أعد أريد النجاة فقط.

أريد أن أفهم.

أريد أن أعرف كيف يعمل هذا الكابوس… ومن هم هؤلاء الذين يتلاعبون بالموت والحياة كألعاب أطفال.

سألت، محاولًا إخفاء ارتجاف صوتي:

"قلت إنهم سبعة… لكن لماذا لا يوجد سوى ستة مطارين فقط؟"

سورا أمال رأسه، وكأنه يُكافئني على السؤال بابتسامة باردة:

"لكي تصبح مطرانًا، يجب أن تملك سلطة الساحرة."

"وهذه السلطة… لا تنتقل إلا عندما تموت الساحرة الحقيقية."

توقفت أنفاسي لحظة.

شعرت بلعابي يجف، فابتلعت ريقي بصعوبة، وقلت:

"من هي الساحرة التي لا تزال حيّة؟"

سكت سورا لحظة… ثم قال بنبرة هادئة، كأنها قصة من كتاب أسود:

"الساحرة التي ما زالت حيّة… هي ساحرة الحسد."

أكمل بعينين مظلمتين:

"ساحرة من شدّة قوتها، لم يتمكن أحد من قتلها."

"فقرروا بدلاً من ذلك… ختمها في صحراء نائية، مقفرة، لا يجرؤ أحد على دخولها."

"ولهذا… لا يوجد مطران للحسد."

مرة أخرى، شعرت بالاختناق.

أردت أن أصرخ: ما هذا العالم؟!

لكنني ابتلعت خوفي، وانتبهت لما قاله بعد ذلك:

"كما ترى، كل عنقود… يجب أن يُعيد إحياء ساحرة خطيئته بنفسه."

"ولا يُسمح للعناقيد بمساعدة بعضها البعض."

ثم، ببطء، أمسك سورا بطرف الرداء الأرجواني الذي يرتديه، ونفضه كما يفعل رجال الطوائف المسرحيون.

"أنا… سورا."

"من عنقود الجشع."

صوته أصبح أكثر فخرًا:

"هدفي الأسمى هو إحياء ساحرة الجشع… التي يُقال إنها هي من صنعت كتاب شمس المعارف بنفسها."

وقفت هناك مذهولًا.

كل ما أعرفه عن العالم صار هشًا، هشًّا كأنني كنت أعيش حلمًا لطيفًا واستيقظت الآن وسط كابوس.

[تفكير داخلي – بليك]

"ساحرة صنعت الكتاب؟ هذا يعني أن الكتاب ليس مجرد نص ملعون… بل كائن؟ ذاكرة؟ طقس؟"

"هل أنا مفتاح لها؟ أم بوابة؟ هل كنتُ أداة منذ البداية؟"

لكنني لم أملك الوقت لأفكر أكثر…

مدّ يده البيضاء إليّ بثقة مفرطة… كأن الأمر محسوم، كأنني سأسقط في يده كقطعة دومينو.

"إذاً، يا بليك…"

"ما رأيك؟ هل ستنضم؟"

قالها وكأنها عرض لا يُرفض…

لكنني كنت قد اخترت.

فجأة، ومن حيث لا أدري… نطقت بشجاعة لم أكن أعرف أنها موجودة في داخلي:

"شكرًا على المعلومات، أيها الداعر الغبي."

لحظة صمت…

حتى أنا صُدمت من كلمتي.

كنت أنوي أن أوافق، أن أراوغ، أن أؤجل نهايتي…

لكني تذكرتهم…

ميساكي، أكيهيكو، نيمو، حتى بابادوك الغامض…

كلهم هناك، يقاتلون، يصرخون، يحترقون من أجل إنقاذ العالم من أمثال سورا.

لم أستطع أن أخونهم…

فنطقت بها.

نظرت إلى وجه سورا… وتغيّر.

اختفى بروده تمامًا.

عيناه اشتعلتا كشرارة على وشك الانفجار، عضلات وجهه ارتجفت للحظة.

ثم…

قالها من بين أسنانه المشدودة:

"كيف تجرؤ…"

لكن…

وكأن لديه زرًّا سريًا داخله،

عاد إلى بروده القاتل فجأة،

كأن ملامحه السابقة لم تكن موجودة.

[تفكير داخلي – بليك]

"يا إلهي… هذا الشخص يتحكّم في مشاعره وكأنه يقلب صفحة كتاب."

"إنه ليس طبيعيًا… إنه شيء آخر."

وفجأة، بدون سابق إنذار،

سحب خنجرًا من عباءته الأرجوانية، واندفع نحوي بسرعة غير إنسانية!

وجهه بارد… لكن يده كانت قاتلة.

كنت سأُقتل…

لو لم تدفعني غرائزي خطوة للخلف في اللحظة الأخيرة.

حافة الخنجر لمست خدي فقط… قطعت الهواء، لكنها كانت قريبة من نهايتي.

لكنه لم يتوقف.

تقدم نحوي، خطوة تلو الأخرى، خنجره يبرق، وأنا أتراجع، أنظر يمينًا ويسارًا…

لا مخرج. لا نافذة. لا باب.

لكن… كانت هناك طاولة صغيرة.

طاولة خدمة قصيرة، أقصر حتى من ركبتي…

رأيتها بجانبي، أمسكْتُها بسرعة،

ورفعتها بكلتا يديّ… وجعلتُها درعًا.

اصطدمت ضربات الخنجر بخشبها الرخيص، تطايرت الشظايا، لكني صمدت.

قال في وجهي وهو يهاجم:

"الوقح مثلك يجب أن يُعلّق كدرس!"

وأنا… أصرخ داخليًا:

"أنا لست مقاتلاً… لكني لن أموت هنا!"

ضربة، ثم أخرى، ثم ثالثة…

أصبحت الطاولة مجرد هيكل مكسور…

وسورا أمامي، خنجره مرفوع…

تحطّمت الطاولة بالكامل.

لم يبقَ منها سوى شظايا خشبية صغيرة وحادة، تناثرت حولي مثل رماد كرامة من يحاول النجاة بأي وسيلة.

أسقطتُ ما تبقى منها من يدي، وأنا ألهث، أرتجف، أبحث بعينيّ عن معجزة… أو حتى مخرج وهمي.

لكن لا شيء.

ثم… فجأة، وبكل برود العالم،

أعاد سورا الخنجر إلى عباءته.

لم أفهم.

لحظة، هل… استسلم؟

هل سيتركني؟ هل هذا فخ؟

لكن قبل أن أكمل فكرتي—

ركلني بكل ما يملك من قوة في بطني.

ركلة واحدة… كأن قطارًا صغيرًا اخترق ضلوعي.

انقطعت أنفاسي.

سقطت على الأرض، أتكور على نفسي مثل طفل، أحاول أن أستعيد بعض الهواء لأعيش.

لكنه لم يهتم.

أمسكني من ياقة قميصي، رفعني بسهولة وكأنني دمية،

ثم—

لكمـــــني.

لكمة… كانت كأنها مطرقة.

رمتني أرضًا كأن جسدي بلا وزن، رأسي ارتطم بالرخام، أنفي بدأ ينزف، أسناني طُبعت بالدم.

نظرتُ للأعلى، بعين نصف مغلقة، فرأيته…

سورا، ينظر إليّ بنظرة…

ليست غضب، ولا حقد… بل شفقة.

كأنني مجرد فشل، تجربة ضعيفة.

ثم، سمعته…

صوت ميتسو.

"هاي يا سورا، لما تأخذ كل المتعة؟ دعني أُعذّبه أيضًا."

ضحك.

ضحكة رخوة… ناعمة…

لكني شعرت بأنها أسوأ من الصراخ.

سورا ابتعد. ميتسو اقترب.

يمشي نحوي… بابتسامة قذرة على وجهه.

كأنه سينحت فيّ، قطعة قطعة.

لكن…

قبل أن يلمسني، قبل أن يهمس بأي كلمة… فعلت شيئًا لم أتوقعه من نفسي.

بيدي المرتجفة، التقطت ساق الطاولة الصغيرة، الحادة، التي تحولت إلى رمح بدائي…

وغرســتُها في صدره، مباشرة نحو القلب.

كل شيء توقف.

حتى قلبي، للحظة.

ميتسو تجمّد.

نظرت إلى وجهه…

كنت أتوقّع صراخًا. ألمًا. دماء.

لكنه…

ابتسم.

لم يشعر بالضربة أصلاً.

ثم، وكأنني مجرد بعوضة…

أمسكني بيد واحدة، ورفعني عالياً… ثم رماني كأنني نفاية نحو الجدار الآخر من الرواق.

ارتطمت، تحطمتُ تقريبًا…

سقطت أرضًا وأنا ألهث، كل عضلة في جسدي تصرخ.

وفي الخلفية، رأيته…

ينتزع ساق الطاولة من صدره بهدوء…

بدون قطرة دم.

[تفكير داخلي – بليك]

"هذا ليس بشريًا… ما هذا الجنون؟"

"هل أنا… فعلاً مَن يجب أن يواجه هؤلاء؟"

"لا… بل أنا من يجب أن يعرف كيف يُنهيهم."

كنت ألهث على الأرض، عاجزًا، ظهري لا زال يشتعل ألمًا من الضربة.

كل نَفَس كان وكأنه يدخل بسكين في صدري.

لكن ما حدث بعد ذلك... جعل الألم يتوقف.

ميتسو اقترب من سورا وهو يضحك ويسخر:

"أخخ، هذا الفتى ضعيف حقًا... على الرغم من أنه صاحب الكتاب!"

ضحك، ثم نظر إليّ وكأنني نكتة مملة.

لكنه لم يكن يعلم أن نهايته بدأت من فمه.

سورا أجابه ببرود مميت:

"أيها الغبي... هل تريد قتله؟ نحن نحتاج إلى عينة من دمه أولًا."

رفعت حاجبيّ بصعوبة…

دم؟ لماذا؟

ميتسو رفع رأسه باستغراب وقال:

"بالمناسبة يا سورا... لماذا لم تخبرني يومًا عن تلك الساحرة؟ لم أكن أعرف أنك تريد أخذ الكتاب لنفسك."

توقّف الزمن…

وسورا…

بابتسامة مستفزة، قال:

"بالطبع سأخذه لنفسي… هل أنت أحمق؟ أو ما شابه؟"

تغيّرت ملامح وجه ميتسو.

تحولت من الغرور إلى الذهول… ثم إلى الغضب.

"ماذا؟! ألم نتفق أنني آخذ الكتاب، وأنت تأخذ الفتى؟"

وسورا…

أجاب بنفس البرود:

"كنت أخدعك، أيها الأحمق الكبير. أنت مجرد تابع لا أكثر… أداة. أستعملك لأصل إلى مبتغاي بطريقة أسهل."

[صمت]

ميتسو فتح فمه، أراد أن يقول شيئًا… ربما صرخة، أو شتيمة، أو حتى سؤال.

لكنه لم يجد الوقت.

لأن سورا أخرج خنجره، وفي ثانية…

شــــــــق رأس ميتسو إلى نصفين.

كان الصوت… كأنك تقطع بطيخة ناضجة، لكن أسود من الداخل.

الدم المتناثر كان مزيجًا مقززًا من الأحمر الداكن والأسود القاتم.

دماغ ميتسو انقسم، سقط كل نصف على جهة.

والجسد تبعه، ينهار كأن الروح هربت قبل السقوط.

وقفت مذهولًا…

جسدي ما زال على الأرض، لكن قلبي هو من ارتطم هذه المرة.

[تفكير داخلي – بليك]

"لم يكن ميتسو مجرد تابع… كان وحشًا. وكان قويًا. وكان لا يشعر بالألم."

"وسورا قتلَه… كأنّه حشرة."

عندها فقط… فهمت.

سورا ليس قائدًا.

سورا ليس محاربًا.

سورا… مختل.

سورا كـان كـذلـك دائـمًــا.

بسكون كأن الدنيا انقطعت عن الزمن…

مسح سورا دم ميتسو عن خنجره، ببرودٍ عجيب، كأنّه يمسح حبرًا من دفتر.

لم ينظر حتى لجثة ميتسو المقسومة، فقط تمتم بجفاف:

"نحن لا نتعامل مع الشياطين في الطائفة."

كلماته… لم تكن تهديدًا.

كانت بيان حقيقة.

قانون. قاعدة. خيانة محسوبة.

ارتجف قلبي، لا من الخوف… بل من وضوحه المرعب.

تأوهتُ وأنا أجرّ جسدي المنهك للوقوف، كتفي ينزف، أضلعي تصرخ، لكن كان عليّ أن أنهض.

أن أرى.

نظرت نحو النافذة المهشّمة أمامي…

وتجمّدت.

كل الزومبي… تبخّروا.

حرفيًا، كانوا مئات، يحيطون بالقصر من كل الجهات.

اختفوا… وكأنهم لم يكونوا أحياءً، ولا أمواتًا، بل دخان.

أدركت حينها الحقيقة.

"كان ميتسو من استدعاهم… ومجرد موته أنهى وجودهم."

ابتسمت. شعور انتصار صغير… مرّ في قلبي مثل نسمة خفيفة.

لكن لم يستمر.

لأنني التفتُّ…

ورأيت ما أمامـي.

سورا.

واقفٌ هناك، وسط الرواق الطويل.

الرياح تدخل من النوافذ المحطّمة، تحرّك عباءته الأرجوانية الطويلة، وشعره الأصفر يتطاير في الهواء البارد كأنّه شبح حقيقي.

ضوء القمر يصبُّ عليه من الخلف، ليزيده جمودًا… قداسةً زائفة… أو رعبًا خالصًا.

كان يتقدّم نحوي.

ببطء…

بهدوء…

كأنّه لا يرى بي إنسانًا، بل "خطأً يجب تصحيحه".

لم يتكلّم. لم يصرخ. لم يُسرع.

كان يتحرك فقط، كأنه يعرف النهاية مسبقًا.

وكنت وحدي.

وحيد تمامًا…

أمام وحش بلا خوف، بلا ندم، بلا تردّد… بلا إنسانية.

[تفكير داخلي – بليك]

"هذه ليست معركة."

"هذه ذبيحة. وأنا… الذبيح."

بدأت أتراجع.

كل خطوة إلى الوراء كانت أثقل من التي قبلها.

عقلي يبحث عن خطة، أي شيء.

لكن في عينيه… رأيت أمرًا واحدًا فقط: القتل.

2025/07/23 · 9 مشاهدة · 3140 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025