[منظور بليك]

وقفتُ، الفأس في يديّ، مقبضها الخشن يحرقُ كفّي. كانَ ثقيلًا، غيرَ متوازنٍ، قطعةَ معدنٍ وخشبٍ غريبةٍ عليّ. أمامي وقفَ سورا، خنجرُهُ القصيرُ يلمعُ ببرودٍ، يدانِ تعرفانِ كيفَ تمسكانِ السلاحَ، كيفَ تقتلانِ بهِ. شعرتُ بالخوفِ يلتفُّ حولَ قلبي، ليسَ خوفَ الموتِ بقدرِ ما هو خوفُ الفشلِ. كانَ عليَّ أن أُقاتلَ من أجلِ أكيهيكو الذي يكافحُ على الأرضِ، ومن أجلِ ميساكي ونيمو وبابادوك، أينما كانوا في هذا القصرِ المشتعلِ. كانتْ النيرانُ تلتهمُ الجدرانَ، ودويُّ الاصطداماتِ من الخارجِ كانَ يهُزُّ الأرضَ، لكنني لم أكنْ أدركُ بعدُ هولَ ما كانَ يحدثُ بعيدًا عني.

"مسكينٌ،" قالَ سورا، صوتهُ كصوتِ الأفاعي. "هل تظنُّ أنَّ قطعةَ الخشبِ تلكَ ستنقذُكَ؟"

اندفعَ سورا. لم يكنْ هجومًا مباشرًا، بل رقصةً من الموتِ. تحرّكَ بسرعةٍ لا تُصدَّقِ، يلتفُّ حولي، خنجرُهُ يومضُ في الهواءِ. حاولتُ صدَّهُ بالفأسِ، لكنها كانتْ بطيئةً، غيرَ عمليةٍ. تراجعتُ، أرفعُ الفأسَ بشكلٍ عشوائيٍّ، بينما كانتْ ضرباتُ سورا الخاطفةِ تستهدفُ أطرافي. شعرتُ بلسعةٍ حارقةٍ على ذراعي، ثمَّ أخرى على ساقي. كانَ نصلُهُ يخترقُ ملابسي ويُخلِّفُ خطوطًا حمراءَ مؤلمةً.

"أنتَ لا تعرفُ كيفَ تُقاتلُ،" تمتمَ سورا، يدهُ تتحرّكُ ببراعةٍ لا تُصدَّقِ، يُحوِّلُ خنجرَهُ إلى امتدادٍ لجسدهِ. كانَ يقتربُ ثمَّ يبتعدُ، يراوغُني بسهولةٍ. كلُّ ما أستطيعُ فعلهُ هو الدورانُ، محاولًا إبقاءَ الفأسِ بيني وبينَهُ، لكنها كانتْ تشعرُ بثقلِها الزائدِ.

'فكر يا بليك! فكر!' صاحَ صوتٌ داخليٌّ يائسٌ. 'إنها ليستْ مجردَ قطعةِ خشبٍ!'

حاولتُ استخدامَ وزنِ الفأسِ لصالحي. سدّدتُ ضربةً قويةً نحو الأرضِ أمامهُ، بهدفِ إحداثِ شرخٍ أو دفعِهِ للتراجعِ. لكنَّ سورا قفزَ بخفةٍ، ثمَّ استغلَّ ثقلَ ضربتي وانقضَّ عليَّ، ووجّهَ ركلةً قويةً لبطني. سقطتُ على ركبتيَّ، والهواءُ يُطردُ من رئتيَّ.

"كم أنتَ ضعيفٌ!" ضحكَ سورا ببرودٍ، رافعًا خنجرهُ ليُوجّهَ ضربةً قاتلةً. "كنتَ سَتكونُ دميةً مثاليةً لطائفتنا!"

رأيتُ نصلَهُ يتوهّجُ في الضوءِ الأحمرِ للنيرانِ. في تلكَ اللحظةِ، لم أفكّرْ في كيفيةِ القتالِ، بل في ضرورةِ البقاءِ. لن أستسلمَ. وبقوةٍ أخيرةٍ، دفعتُ الفأسَ أمامي، ليسَ بمهارةٍ، بل بدافعٍ يائسٍ، لأصدَّ الضربةَ.

رأيتُ نصلَ سورا يتوهَّجُ في الضوءِ الأحمرِ للنيرانِ. كانَ يهبطُ نحوي بقوةٍ قاتلةٍ. دفعتُ الفأسَ أمامي بدافعٍ يائسٍ لأصدَّ الضربةَ، وبشكلٍ لم أتصوَّرهُ، تَحوَّلتْ الفأسُ في يديَّ. لم تعدْ ثقيلةً، ولا غريبةً. شعرتُ بها امتدادًا لذراعي، كأنها جزءٌ مني.

ارتطمتْ الفأسُ بخنجرِ سورا بصوتٍ معدنيٍّ حادٍّ. تصدَّعتْ قوةُ الضربةِ، وشعرتُ بها تمرُّ عبرَ الفأسِ إلى ذراعي، لكنني صمدتُ. انتابتني مفاجأةٌ عارمةٌ. كيفَ حدثَ هذا؟ كيفَ أصبحتُ قادرًا على صدِّه؟

"ماذا؟!" زمجرَ سورا، وعيناهُ تلمعانِ بالدهشةِ والغضبِ. لم يتوقعْ أن أُقاومَ.

لم أُضيِّعْ الفرصةَ. وبقوةٍ لم أكنْ أعلمُ أنني أمتلكُها، دفعتُ الفأسَ نحو الأمامِ، مستهدفًا سورا. تراجعَ هو بخفةٍ، لكنَّ ضربتي هذهِ المرةَ لم تكنْ عشوائيةً. كانتْ أسرعَ، وأكثرَ دقةً. رأيتُ وميضًا من المفاجأةِ يتسللُ إلى عينيهِ الباردتينِ.

'كيفَ... كيفَ أفعلُ هذا؟' تساءلتُ في ذهني، بينما كانتْ الفأسُ ترقصُ في يديّ، تتحرّكُ بسلاسةٍ لم أكنْ لأُصدِّقها. كانَ الأمرُ أشبهَ بغريزةٍ، معرفةٍ قديمةٍ تتكشَّفُ في أعماقي. كلُّ حركةٍ لسورا، كلُّ وميضٍ لخنجرهِ، كنتُ أراهُ قادماً. أصدُّ وأراوغُ، أضربُ وأتراجعُ، أستخدمُ وزنَ الفأسِ وزخمها لصالِحي.

كانَ سورا يهاجمُ ببراعةٍ لا تُضاهى، خنجرهُ يرقصُ حولَ الفأسِ، يبحثُ عن نقطةِ ضعفٍ. كنتُ أشعرُ بوخزاتٍ خفيفةٍ على جسدي حيثُ كانتْ ضرباتهُ تخترقُ ملابسي، لكنني كنتُ أُبقي الفأسَ بيني وبينَهُ، كجدارٍ صلبٍ لا يمكنُ اختراقُهُ. أصبحَ القتالُ تحوُّلاً كاملاً. لم أعدْ أدافعُ فقط، بل كنتُ أهاجمُ أيضًا. كلُّما حاولَ سورا الاقترابَ، كنتُ أردُّ بضربةٍ جارفةٍ أو طعنةٍ سريعةٍ بالفأسِ، مُجبرًا إياه على التراجعِ.

كانَ سورا يتصبَّبُ عرقًا، وتعبيرُهُ الباردُ بدأَ يتكسَّرُ. "من المستحيلِ!" صرخَ، ونبرةُ صوتهِ تحملُ مزيجًا من الغضبِ وعدمِ التصديقِ. "أنتَ مجردُ ضعيف! كيفَ لكَ أن..."

"لا أعرفُ!" صرختُ في وجههِ، بينما كانتْ الفأسُ تصفُرُ في الهواءِ بضربةٍ شبهِ عمياءَ أجبرتهُ على القفزِ إلى الخلفِ لتجنُّبها. كنتُ مرهقًا، مصابًا، لكنَّ الفأسَ كانتْ تمنحُني قوةً لم أكنْ أدركُها. كانَ القتالُ قد تحوَّلَ إلى تعادلٍ في القوةِ. كلُّ ضربةٍ كانتْ تُقابلُ بضربةٍ، كلُّ حركةٍ تُقابلُ بردَّةِ فعلٍ. النيرانُ كانتْ تشتعلُ حولنا، تُلْقي بظلالٍ مرعبةٍ على رقصةِ الموتِ هذهِ، لكنَّنا لم نكنْ لننظرَ بعيداً عن أعينِ بعضنا البعضِ.

كانتْ الفأسُ تصفِرُ في يديَّ، كلُّ حركةٍ أصبحتْ أكثرَ سلاسةً، كلُّ صدَّةٍ أكثرَ قوةً. كنتُ أصدُّ ضرباتِ سورا بخنجرهِ ببراعةٍ لم أكنْ لأُصدِّقها قبلَ دقائقَ. كانَ جسدي يتحرّكُ بدافعٍ غريبٍ، وكأنَّ روحَ الفأسِ نفسها تُرشدُني. لم أعدْ أُفكرُ في حركاتٍ معينةٍ، بل أتركُ جسدي يتفاعلُ معَ كلِّ هجومٍ لسورا. كنتُ أرى فتحاتٍ في دفاعهِ، لحظاتٍ يمكنُني استغلالها، وأصبحتُ أضربُ بدقةٍ أكبرَ.

"مستحيلٌ...!" تمتمَ سورا، وعيناهُ تلمعانِ بالغضبِ والارتباكِ. كانتْ حركاتهُ، التي كانتْ سلسةً كالمياهِ، قد بدأتْ تظهرُ عليها علاماتُ التعبِ. كانَ يعتمدُ على خفةِ حركتهِ، لكنَّ الفأسَ في يديَّ كانتْ تُلغي تفوقهُ هذا. كلُّ ضربةٍ لي كانتْ تهدفُ لإحداثِ مسافةٍ، لإجبارِهِ على التراجعِ، بينما كانتْ ضرباتهُ تخفُّ حدتها.

شعرْتُ أنَّ القتالَ بدأَ يميلُ لصالحي. لم أكنْ أقوى منهُ، لكنَّ الفأسَ كانتْ تمنحُني ميزةً لم يتوقعها. استغللتُ لحظةَ تردُّدٍ منهُ، وسددتُ ضربةً جانبيةً بالفأسِ استهدفتْ ساقهَ. تراجعَ سورا بسرعةٍ، لكنَّ حافةَ الفأسِ خدشتْ ساقهَ، مما أحدثَ شقًا في سروالهِ الأسودِ. لم يكنْ جرحًا عميقًا، لكنهُ جعلهُ يتأوهُ.

تزايدَ غضبُ سورا. أصبحَ يهاجمُ بضراوةٍ أكبرَ، محاولًا إرهابي. لكنني كنتُ قد تجاوزتُ الخوفَ الأوليَّ. شعرتُ بثقةٍ غريبةٍ تنمو بداخلي، وكأنَّ الفأسَ كانتْ تُغذِّي روحيَ بمهاراتٍ قتاليةٍ كامنةٍ. صدّدتُ ضربةً أخرى لخنجرهِ، ثمَّ رددتُ بضربةٍ عموديةٍ قويةٍ كادتْ أن تصيبَ كتفهُ. اضطرَّ سورا للقفزِ إلى الخلفِ، ووجههُ يتصبَّبُ عرقًا، وعيناهُ تضمرانِ من الجهدِ.

أصبحتُ أرى الإرهاقَ في حركاتهِ، بينما كانتْ ضرباتي تزدادُ قوةً ودقةً. لم يكنْ الأمرُ مجردَ قتالٍ بالأسلحةِ، بل صراعُ إراداتٍ. كانتْ النيرانُ تلتهمُ بقايا القصرِ حولنا، ودويُّ الاصطداماتِ من الخارجِ كانَ يزدادُ عنفًا، لكنني كنتُ مركزًا تمامًا على سورا.

كانَ سورا يتراجعُ خطوةً بخطوةٍ، يُدافعُ أكثرَ مما يُهاجمُ. أدركتُ أنَّهُ بدأَ يخسرُ السيطرةَ على المعركةِ. لم تكنْ النهايةُ بعدُ، لكنَّ كفتيْ الميزانِ بدأتا تميلانِ بوضوحٍ، وهذا كانَ يُثيرُ فيهِ الغضبَ والجنونَ.

كان سورا يتراجعُ، غاضبًا ومرهقًا. دفعني بضربةٍ أخيرةٍ يائسةٍ بخنجرهِ، ضربةٌ موجَّهةٌ لقلبي. لكنني كنتُ أسبقهُ بخطوةٍ. رفعتُ الفأسَ، هذهِ المرةَ ليستْ لصدِّ الضربةِ، بل لتلقيها.

ارتطمتْ الفأسُ بنصلِ الخنجرِ مباشرةً. سمعتُ صوتَ صريرٍ معدنيٍّ حادٍّ ومُفاجئٍ، تبعهُ صوتُ تكسُّرٍ مدوٍّ. لم يكنْ صوتَ اصطدامٍ فحسب، بل صوتَ تحطُّمٍ. انكسرَ نصلُ خنجرِ سورا إلى قطعتينِ، وتطايرتْ الشظايا في الهواءِ كشظايا زجاجٍ أسودَ، بينما بقيتْ الفأسُ في يديَّ سليمةً، تتوهّجُ بقوةٍ خفيةٍ.

اتسعتْ عينا سورا بصدمةٍ تامةٍ، وارتجفَ الجُزءُ المتبقي من مقبضِ خنجرهِ في يدهِ. كانَ وجههُ الملطخُ بالدخانِ يتجمّدُ في تعبيرٍ من عدمِ التصديقِ المطلقِ. لقد كسرْتُ سلاحَهُ.

للحظةٍ، شعرتُ بانتصارٍ صغيرٍ يغمرني، لكنَّ هذا الشعورَ تلاشى بسرعةٍ عندما رأيتُ الشرارةَ تعودُ إلى عينيهِ. سورا لم يكنْ من النوعِ الذي يستسلمُ.

"لا يزالُ لديكَ الكثيرُ لتتعلَّمَهُ،" قالَ سورا، صوتهُ عادَ باردًا ومتحكمًا، رغمَ الصدمةِ. ألقى بمقبضِ خنجرهِ المكسورِ جانبًا. "الأسلحةُ ليستْ كلَّ شيءٍ."

اندفعَ سورا نحوي مرةً أخرى، لكن هذهِ المرةَ لم يكنْ يهاجمُ بالخنجرِ. كانَ يركضُ بسرعةٍ فائقةٍ، يتجنَّبُ ضرباتِ الفأسِ التي أصبحتْ أكثرَ دقةً. قفزَ فوقَ حطامٍ متناثرٍ، ثمَّ انزلقَ تحتَ ضربةٍ جارفةٍ مني. لم يكنْ يهاجمُ مباشرةً، بل كانَ يتحرّكُ بذكاءٍ تكتيكيٍّ، يبحثُ عن نقطةِ ضعفٍ، عن فرصةٍ.

'ماذا يفعلُ؟' تساءلتُ في ذهني، بينما كنتُ أُلاحقهُ بالفأسِ. كانتْ النيرانُ تشتعلُ حولنا بقوةٍ أكبرَ، حرارةُ القصرِ كانتْ لا تُطاقُ. شعرتُ بالعرقِ يتصبَّبُ مني، وبدأَ الإرهاقُ يتسللُ إلى عظامي. كانتْ الأرضيةُ تحتَ قدميَّ ساخنةً، تكادُ تحرقُ حذائي، والهواءُ أصبحَ ثقيلاً بالدخانِ.

رأيتُ سورا يركضُ نحو عمودٍ حجريٍّ متصدِّعٍ، كانَ جزءًا من الرواقِ المنهارِ. لم أدركْ نيتهُ إلا عندما وصلَ إليهِ. وبقوةٍ مفاجئةٍ، دفعَ سورا العمودَ. كانتْ حركتهُ سريعةً ومحسوبةً. انهارَ العمودُ، وسقطتْ أجزاؤهُ الضخمةُ نحو الأرضِ، مُحدثةً سحابةً من الغبارِ والحطامِ.

لم يكنْ لديَّ وقتٌ للتفكيرِ. كانَ عليَّ أن أتجنَّبَ الحطامَ المتساقطَ. قفزتُ إلى الجانبِ، لكنَّ حركةَ الفأسِ الثقيلةِ في يديَّ جعلتْني أُبطئُ. في تلكَ اللحظةِ، استغلَّ سورا الفرصةَ. بينما كنتُ أُحاولُ استعادةَ توازني، انقضَّ عليَّ بسرعةِ البرقِ. لم يهاجمْني، بل استهدفَ الفأسَ.

مدَّ يدهُ، ليستْ لضربي، بل لضربِ مقبضِ الفأسِ بقوةٍ. كانتْ ضربةً دقيقةً، محسوبةً، استغلَّ فيها لحظةَ ضعفي. شعرتُ بيديهِ تضربانِ بقوةٍ على مقبضِ الفأسِ، وفقدتُ قبضتي عليها.

سقطتْ الفأسُ من يديَّ، وارتطمتْ بالأرضِ بصوتٍ معدنيٍّ مكتومٍ، متدحرجةً بعيدًا عن متناولِ يديَّ. وقفتُ وحدي الآنَ، بلا سلاحٍ، أمامَ سورا الذي كانَ يبتسمُ ببرودٍ، عيناهُ تلمعانِ بذكاءٍ خبيثٍ. لقد نجحَ في تجريدي من سلاحي.

سقطت الفأس من يديّ، وارتطمت بالأرض بصوتٍ معدنيٍّ مكتومٍ، متدحرجةً بعيدًا عن متناولِ يديَّ. وقفتُ وحدي الآنَ، بلا سلاحٍ، أمامَ سورا الذي كانَ يبتسمُ ببرودٍ، عيناهُ تلمعانِ بذكاءٍ خبيثٍ. لقد نجحَ في تجريدي من سلاحي.

حاولتُ أن أذهبَ وأمسكَ بالفأسِ مرةً أخرى. خطوتُ خطوةً، اثنتينِ، لكنَّ الحرارةَ الشديدةَ المنبعثةَ من النيرانِ التي تلتهمُ القصرَ كانتْ تنهشُ قوايَ. شعرتُ بالهواءِ الثقيلِ يخنُقني، وجسدي كانَ مرهقاً، كلُّ حركةٍ تكلِّفُني جهداً مضاعفاً.

كانَ سورا أسرعَ مني. اندفعَ نحوي بخطواتٍ سريعةٍ، ووصلَ إليَّ قبلَ أن أُكملَ خطوتي الثالثةَ. دفعني بقوةٍ، ألقتني بعيداً عن الفأسِ، ليصطدمَ ظهري بحطامٍ ساخنٍ. شعرتُ بألمٍ حارقٍ ينتشرُ في جسدي.

لم يُعطني سورا فرصةً لألتقطَ أنفاسي. انقضَّ عليَّ، ولكمةٌ قويةٌ أصابتْ وجهي. شعرتُ بطعمِ الدمِ في فمي، واندفعَ الألمُ كتيارٍ كهربائيٍّ في رأسي. تبعتها لكمةٌ أخرى في بطني، ثمَّ ركلةٌ في ساقي. كلُّ ضربةٍ كانتْ قاسيةً، موجَّهةً بدقةٍ، ليسَ بهدفِ القتلِ السريعِ، بل بهدفِ تعذيبي وإخضاعي.

'لا تستسلمْ!' صاحَ صوتٌ في داخلي، صوتٌ خافتٌ لكنه عنيدٌ. حاولتُ رفعَ ذراعيَّ لأحمي وجهي، لأصدَّ الضرباتِ المتتاليةَ التي كانتْ تنهالُ عليَّ بلا رحمةٍ. شعرتُ بالورمِ يتكوّنُ تحتَ عينيَّ، وبأضلاعي تئنُّ تحتَ الضغطِ. كنتُ أصدُّ بعضَ الضرباتِ، وأتجنَّبُ بعضها الآخرَ بصعوبةٍ، لكنَّني لم أكنْ أُقاتلُ حقاً. كنتُ أدافعُ، أُحاولُ البقاءَ على قيدِ الحياةِ.

كانَ سورا يُركِّزُ على إرهابي، على سحقِ إرادتي. لكمةٌ أخرى في رأسي جعلتني أرى النجومَ تدورُ حولي. سقطتُ على ركبتيَّ، بالكادِ أستطيعُ الرؤيةَ بوضوحٍ، وشعرتُ بيديهِ تلتفُّ حولَ رقبتي، ترفعني عن الأرضِ.

----------

[منظور أكيهيكو]

كان جسدي مشلولاً. كلُ عضلةٍ تصرخُ ألماً، عظامي وكأنها تحطمتْ. الدخانُ الكثيفُ يخنقُني، وألسنةُ اللهبِ ترقصُ كوحوشٍ حولنا. لكن كل هذا لم يكن شيئاً مقارنةً بالصورةِ التي ارتسمتْ أمامي: بليك يتعرضُ للضربِ، لكمةً تلو الأخرى، يسقطُ، ويُرفعُ، ثم يُسقطُ من جديدٍ، كلُّ ذلكَ على يدِ سورا. صديقنا، الذي كانَ يعتبرهُ أخاً.

الغضبُ... كانَ كالنارِ التي تلتهمُني من الداخلِ. أقوى من لهيبِ القصرِ المحترقِ. كيفَ يمكنني أن أرى أخي يُعذّبُ أمامي ولا أستطيعُ فعلَ شيءٍ؟ شعرتُ بالدمِ يغلي في عروقي، وبصرخةٍ مكتومةٍ تتصاعدُ في حنجرتي.

"لا... توقفْ!" تمتمتُ، لكن صوتي كانَ مجردَ همسٍ خافتٍ، بالكادِ أسمعهُ أنا نفسي.

حاولتُ النهوضَ مرةً أخرى. دفعتُ بيديَّ على الأرضِ المنهارةِ، سحبتُ جسدي المثقَلَ، لكنَّ الألمَ كانَ حاداً كسكينٍ يخترقُني. سقطتُ مجدداً، جبيني يرتطمُ بالحطامِ. لعنتُ ضعفي. لعنتُ هذا الجسدَ الذي خذلني في أحلكِ الظروفِ.

رأيتُ سورا يرفعُ بليك من رقبتهِ، ووجهُ بليك الشاحبُ يُعبرُ عن الألمِ والإرهاقِ. كانَ هذا المشهدُ يُمزّقُني إرباً. كانَ بليك يدافعُ عني، عن الجميعِ، والآنَ هو وحيدٌ، بلا سلاحٍ، يتعرضُ للتعذيبِ.

'انهضْ يا أكيهيكو! يجبُ أن تنهضَ!' صرختُ في عقلي. لكنَّ جسدي لم يستجبْ. كلُّ ما استطعتُ فعلهُ هو أن أشدَّ قبضتي على الأرضِ، أظافري تحفرُ في الحصى، بينما كانتْ الدموعُ تمتزجُ بالعرقِ والدماءِ على وجهي. هذا ليسَ ما كانَ يجبُ أن يحدثَ.

الغضبُ... كانَ كالنارِ التي تلتهمُني من الداخلِ. أقوى من لهيبِ القصرِ المحترقِ. كيفَ يمكنني أن أرى أخي يُعذّبُ أمامي ولا أستطيعُ فعلَ شيءٍ؟ شعرتُ بالدمِ يغلي في عروقي، وبصرخةٍ مكتومةٍ تتصاعدُ في حنجرتي.

"لا... توقفْ!" تمتمتُ، لكن صوتي كانَ مجردَ همسٍ خافتٍ، بالكادِ أسمعهُ أنا نفسي.

حاولتُ النهوضَ مرةً أخرى. دفعتُ بيديَّ على الأرضِ المنهارةِ، سحبتُ جسدي المثقَلَ، لكنَّ الألمَ كانَ حاداً كسكينٍ يخترقُني. سقطتُ مجدداً، جبيني يرتطمُ بالحطامِ. لعنتُ ضعفي. لعنتُ هذا الجسدَ الذي خذلني في أحلكِ الظروفِ.

رأيتُ سورا يرفعُ بليك من رقبتهِ، ووجهُ بليك الشاحبُ يُعبرُ عن الألمِ والإرهاقِ. كانَ هذا المشهدُ يُمزّقُني إرباً. كانَ بليك يدافعُ عني، عن الجميعِ، والآنَ هو وحيدٌ، بلا سلاحٍ، يتعرضُ للتعذيبِ.

'انهضْ يا أكيهيكو! يجبُ أن تنهضَ!' صرختُ في عقلي. لكنَّ جسدي لم يستجبْ. كلُّ ما استطعتُ فعلهُ هو أن أشدَّ قبضتي على الأرضِ، أظافري تحفرُ في الحصى، بينما كانتْ الدموعُ تمتزجُ بالعرقِ والدماءِ على وجهي. هذا ليسَ ما كانَ يجبُ أن يحدثَ.

فلاش باك: لعنة الحاسة السادسة

انكمشتْ عينايَ، وتلاشتْ صورةُ بليك وسورا، ليحلَّ محلَّها ظلامٌ باردٌ. عادتْ بي الذاكرةُ إلى الماضي، إلى صوتِ أمي وهي تصرخُ باسمي، صوتِ أبي وهو يتنهّدُ بيأسٍ.

"لا يوجدُ أحدٌ هنا يا أكيهيكو! توقفْ عن هذهِ الأكاذيبِ!"

كانَ عمري سبعَ سنواتٍ، أجلسُ في غرفتي، أُشيرُ إلى زاويةٍ فارغةٍ حيثُ رأيتُ ظلالاً تُهمسُ. كانتْ شفَّافةً، متراقصةً، أصواتها تترددُ في رأسي كصدىً بعيدٍ. كنتُ أراها، أسمعُها، أحسُّ بوجودها. لكنَّ والديَّ لم يريا شيئاً. لا أحدَ رآها.

"لكنها هنا! إنها تتحدثُ عن الأرواحِ!" كنتُ أُصرخُ، ودموعُ الحيرةِ تملأُ عينيَّ.

كانتْ أيامُ طفولتي سلسلةً من النظراتِ القلقةِ، الهمساتِ الخافتةِ، والعيونِ التي تُراقبُني كأنني كائنٌ غريبٌ. لم يُصدِّقني أحدٌ. لا أصدقائي في المدرسةِ، ولا معلميَّ، ولا حتى والديَّ. كنتُ أتحدثُ عن رؤى، عن كلماتٍ أسمعها من فراغٍ، عن شعورٍ بوجودِ أشياءَ لا يمكنُ رؤيتها.

أتذكرُ يومَ أن أحضرَ والديَّ لي طبيبًا نفسيًا. كانَ رجلاً لطيفاً، لكنَّ نظراتهِ كانتْ تُخفي شفقةً. جلسَ معي لساعاتٍ، سألني عن أحلامي، عن مخاوفي. حاولتُ أن أشرحَ لهُ عن الأصواتِ، عن الرؤى. كانتْ مجردَ كلماتٍ في الهواءِ بالنسبةِ لهم.

"ابني، لا يوجدُ شيءٌ هناكَ. كلُّها أوهامٌ،" قالتْ أمي ذاتَ يومٍ، وهي تحتضنني، صوتها يرتجفُ. "ربما يجبُ أن تأخذَ هذهِ الأدويةَ. ستساعدُكَ على الراحةِ."

لم أُردِ الأدويةَ. لم أكنْ مريضاً. كنتُ أرى الحقيقةَ التي لا يراها الآخرونَ. كانتْ تلكَ الوحدةُ، ذلكَ الشعورُ بأنكَ مختلفٌ ومجنونٌ، هو أكبرُ ألمٍ في طفولتي. كنتُ أحاولُ إخفاءَ رؤيايَ، أصواتي، حتى لا أُزعجَ والديَّ أكثرَ، حتى لا أُصبحَ "المشكلةَ" في حياتهما. كانتْ حاسّتي السادسةِ... لعنةً.

انتهىت ذكرياتي بصرخةٍ من بليك، أعادتني إلى الواقعِ. الألمُ في جسدي ازدادَ، لكنَّ الغضبَ واليأسَ من كوني عاجزاً كانا أكبرَ. رأيتُ بليك يصارعُ، ويدهُ ترتفعُ نحو وجهِ سورا. يجبُ أن أتحركَ. هذهِ ليستْ طفولتي، وهذهِ ليستْ مجردَ أوهامٍ. هذا واقعٌ، وأخي يتعرضُ للقتلِ.

كنتُ أتذكرُ بليك، الشخصَ الوحيدَ الذي صدَّقني. الذي لم يقلْ إنني غريبٌ، الذي اعتبرني أخ له. والآنَ لن أدعهُ يُضربُ هكذا.

استجمعتُ كلَّ قوتي. الحرارةُ كانتْ قاتلةً، والألمُ كانَ يقتلُني، لكنني لن أهتمَّ. دفعتُ بيديَّ على الأرضِ الملتهمةِ بالنيرانِ، رفعتُ جسدي المرتعشَ، وخطوتُ خطوةً تلو الأخرى. شعرتُ بكلِّ عضلةٍ تتمزَّقُ، لكنني استطعتُ الوقوفَ. كانَ سورا مُنشغلاً بضربِ بليك، لم يرني. كانَ تركيزُهُ منصبًا عليهِ تماماً.

وبسرعةٍ مؤلمةٍ، دفعتُ سورا. لم تكنْ دفعةً قويةً بالمعنى البدنيّ، بل كانتْ هبةً من روحي المنهكةِ. أطلقتُ صرخةً من أعماقِ صدري، واندفعتُ نحوهُ بجسدي المنهكِ. اصطدمتُ بهِ، ليسَ بعنفٍ، بل بثقلِ يأسٍ وغضبٍ. أمسكتُ بهِ، قبضتي الواهنةِ تلتفُّ حولَ ذراعيهِ، أحاولُ تثبيتهُ لفترةٍ قصيرةٍ.

"ابتعدْ أيها الحثالةُ!" زمجرَ سورا، ودفعَني بقوةٍ مذهلةٍ. لم أكنْ خصماً لهُ. طرتُ في الهواءِ بضعَ أقدامٍ، ثمَّ ارتطمتُ بالأرضِ بقسوةٍ، لكنني ابتسمتُ. لقد فاتَ الأوانُ عليهِ. رأيتُ بليك، وعيناهُ تلمعانِ، يندفعُ نحو الفأسِ التي كانتْ قد سقطتْ.

"بليك!" صرختُ، صوتي يرتجفُ بالنصرِ المريرِ.

نظرَ إليَّ بليك، وفي عينيهِ رأيتُ انعكاسَ ابتسامتي، ابتسامةَ نصرٍ حقيقيٍّ. بينما انفجعَ سورا، تحولَ وجههُ إلى تعبيرٍ من الغضبِ الجنونيِّ. لم يدركْ أنني لم أكنْ أُمسكهُ لأُوقفهُ فحسب.

كنتُ أحملُ كتابَ شمسِ المعارفِ. أثناءَ دفعهِ لي، أثناءَ لحظةِ عدمِ تركيزهِ، استطعتُ أن أسحبَهُ من سترتهِ. لم أكنْ أعرفُ كيفَ فعلتُ ذلكَ، ربما كانتْ تلكَ حاسّتي السادسةِ، أو مجردَ حظٍّ خالصٍ. رأيتُ سورا يشتعلُ غضباً، واندفعَ نحوي بسرعةٍ جنونيةٍ، مستعداً لقتلي.

جمعتُ كلَّ ما تبقَّى من قوةٍ في جسدي المنهكِ، وبكلِّ ما أوتيتُ من عزمٍ، رميتُ الكتابَ نحو بليك. كانَ الهواءُ حارقاً، والمسافةُ تبدو بعيدةً، لكنَّ الكتابَ طارَ في الهواءِ. حاولَ سورا الإمساكَ بهِ، مدَّ يدهُ اليمنى، لكنهُ لم يستطعْ. مرَّ الكتابُ من بينِ أصابعهِ.

وصلَ الكتابُ إلى يدِ بليك. في تلكَ اللحظةِ، شعرتُ بكلِّ قوةٍ تُستنزفُ من جسدي. سقطتُ على الأرضِ، عينايَ تحدِّقانِ في سقفِ القصرِ المنهارِ، بينما كانتْ النيرانُ تُلقي بظلالِها الراقصةِ على وجهي. لقد أنجزتُ مهمتي

2025/07/28 · 4 مشاهدة · 2452 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025