كانت قدمي تتهادى على بلاط الشارع الهادئ، وقلبي ينبض بإيقاع ثقيل مع كل خطوة أقترب فيها من منزل والد نيمو. لم يكن مجرد منزل عادي، بل كان يحمل بين جدرانه صدى حياة نيمو، صديقي الذي فقدته للتو. كنتُ أشعر بمسؤولية ثقيلة تجاهه، تجاه ذكراه، وتجاه والده الذي ربما لم يكن يعلم بعد بحقيقة ما حدث.
توقفتُ أمام المنزل. كان يابانيًا بسيطًا من طابقين. سقفه القرميدي داكن، وجدرانه بيضاء باهتة قليلاً من قدمها. نافذة صغيرة في الطابق العلوي ما زالت تضع ستائر وردية باهتة... تذكرتُ حديث نيمو عنها، كانت تخصها. ميزومي. أخت نيمو الصغيرة التي ماتت. زفرتُ بهدوء، محاولاً جمع شتات نفسي.
رفعتُ يدي ودققتُ الباب. انتظرتُ للحظات قليلة، ثم انفتح الباب وخرج لي فتى صغير، لا يملك يصل إلى عمر 8 سنوات. كانت عيناه واسعتين وشعره البرتقالي الطويل نوعًا ما يجعله يشبه نيمو بشكل ملحوظ. لم يبدُ عليه الخجل، بل قال بصوته الصغير الواثق: "مرحبًا، من أنت؟"
"مرحبًا، أنا صديق نيمو،" أجبتُه، محاولًا أن أبدو هادئًا قدر الإمكان.
استغرب الفتى ومال رأسه قليلاً، ثم قال: "صديق... أخي؟"
"نعم،" أكدتُ له. "هل يمكنني الدخول؟"
"أوه، تفضل،" قال الصغير، وبدأ يبتعد عن الباب ليُفسح لي المجال.
لكن قبل أن أخطو خطوة للداخل، سمعتُ صوتًا بالغًا يصرخ بغضب من عمق المنزل، وصوت خطوات سريعة تتقدم نحونا. ثم أتى من داخل المنزل رجل في أواخر الأربعينات، وجهه مجعد من التعب أكثر من الزمن، وشعره المختلط بين الأسود والرمادي يزداد شحوبًا. نظر إلينا بنظرة حادة وقال بصوتٍ أجش: "سينجيرو! لا تدخل الغرباء إلى المنزل!"
وقف الرجل الغامض أمامي، غاضبًا، وقال: "من أنت؟"
"أنا صديق نيمو،" أجبتُ بوثوق، وربما ببعض التحدي في صوتي.
"نيمو؟" تمتم الرجل باستهزاء. "هل يملك نيمو أصدقاء أصلاً؟ إنه مجرد مجنون!"
اشتعل الغضب في داخلي. كيف يمكن لوالده أن يتحدث عنه هكذا؟ "لا تتكلم عن نيمو هكذا!" صرختُ. "هل أنت والده؟ يا لك من والد سيء! لم تأتِ لجنازة ابنك، والآن تسبه؟"
بدأ سينجيرو يختبئ خلف الجدار، وجهه الصغير يغمره الحزن.
واصل الوالد كلامه، ببرود صادم: "نيمو مجرد شخص جلب العار لعائلتنا. لا نحتاج للذهاب لجنازة شخص منهم."
غضبتُ فعلاً هذه المرة. الدماء غلت في عروقي. "لا تتكلم عن نيمو هكذا!" كررتُ، بصوتٍ أعلى وأكثر قوة. "نيمو بطل! نيمو ضحى بنفسه لأجلنا! يجب أن تكون فخورًا بابنك أيها الأحمق العجوز!"
غضب الرجل أمامي. عينيه اشتعلتا، وقبضتاه انقبضتا. صرخ سينجيرو فجأة، "أبي، توقف!"
لكن الأوان كان قد فات. فجأة، رأيتُ قبضة الأب الوحشية تندفع نحو صدري. لم أفهم كيف كان هذا العجوز قويًا إلى هذا الحد، لكن غريزتي دفعتني لرفع معصمي بسرعة لأصد الهجوم. كانت الضربة قوية جدًا، لدرجة أنها أخرجتني من المنزل وأسقطتني على الرصيف.
صرخ الأب من عتبة الباب: "اخرج من هنا!"
لم أهتم بقوته المفرطة، ولا بتساؤلي عن مصدرها. لم أفهم كيف لعجوز أن يكون بهذه القوة، لكني لم أهتم. شيء واحد فقط كان يهمني: لن أتراجع. سأقاتل لأجل كرامة نيمو.
اندفع الرجل خارج المنزل كعاصفة غضب، لكنني لم أتردد لحظة. انطلقت نحوه، متجاهلاً فارق السن الذي كان يفصلنا. لم يكن سوى عقبة يجب إزالتها لأجل نيمو. وجهتُ له لكمة قوية، لكنها ارتطمت به بلا تأثير يُذكر، كأنني أضرب صخرة صلدة لا تتأثر باللكمات. فجأة، هوت قبضته القاسية على صدري بضربة علوية خاطفة.
تألمتُ بشدة، وسرت قشعريرة باردة في جسدي من قوة الصدمة. حاولتُ التراجع، لكن الرجل اندفع نحوي مرة أخرى بسرعة مذهلة، لا تتناسب أبدًا مع عمره في الخمسينات. لكن، قبل أن تصل قبضته هذه المرة، بدأ يترنح بشكل غريب. تمايل جسده، يتدلى يمينًا ويسارًا بلا سيطرة، كأنه دمية خرقية تحركها خيوط مقطوعة، أو رجل ثمل فقد اتزانه تمامًا.
استغربتُ للحظة، ثم اخترقت أنفي رائحة نفاذة ومميزة. رائحة الكحول. في تلك اللحظة، اتضح لي الأمر: هذا الرجل ليس سوى سكير فاشل! لمعت فكرة في ذهني. استغليتُ ارتباكه، واندفعتُ نحوه بسرعة البرق. قفزتُ في الهواء، ووجهتُ له نطحة قوية برأسي في رأسه مباشرة. سقط الرجل على الأرض متألمًا، وبدأ يزمجر بكلمات غير مفهومة وهو يمسك رأسه بين يديه.
حتى رأسي كان يؤلمني من قوة النطحة، لكن الألم كان لا شيء مقارنةً بما شعرتُ به. فجأة، انطلق سينجيرو يجري نحو والده، ساعده على النهوض، وأدخله إلى المنزل. ثم خرج سينجيرو وأغلق الباب بهدوء خلفه.
قال لي سينجيرو، وعيناه الكبيرتان اللامعتان تملؤهما الأسف الصادق: "أنا آسف حقًا لما فعله والدي. ما رأيك أن تدخل؟ سأحضر لك الشاي."
كانت رائحة الشاي الأخضر الخفيفة تملأ غرفة المعيشة الهادئة. جلستُ على إحدى الوسائد المريحة على الأرض، أمام طاولة قصيرة، وقد وضع سينجيرو أمامي كوبًا بخاريًا من الشاي. أنا لا أحب الشاي الأخضر في العادة، لكنني لم أستطع أن أجرح مشاعره. التقطتُ الكوب، وتذوقتُ رشفة صغيرة.
جلس سينجيرو أمامي مباشرة، عيناه الكبيرتان تحدقان بي باهتمام. كان يبدو هادئًا الآن، لكن آثار الدموع ما زالت تلمع في زوايا عينيه.
"أنا آسف حقًا لما فعله والدي،" قال بصوته الصغير الخافت، وكأنه يتحمل عبئًا أثقل من عمره. "إنه... إنه يسكر كثيرًا هذه الأيام. أكثر من أي وقت مضى."
"لماذا؟" سألتُ، محاولًا أن أبدو متعاطفًا قدر الإمكان.
تنهد سينجيرو الصغير، وبدت عليه حيرة. "لا أعرف بالضبط. يقول إن الأمر بسبب شيء غريب حدث قبل فترة. يتغير كثيرًا عندما يشرب."
أومأتُ برأسي تفهمًا. "لا تقلق، الأمر ليس خطأك." ثم أخذتُ نفسًا عميقًا، وقررتُ أن أبدأ بتقديم نفسي بشكل صحيح. "اسمي بليك. بليك إيثر. أنا... أنا صديق لأخيك."
"صديق أخي؟" كرر سينجيرو، وقد لمعت عيناه بفضول لم أره فيهما من قبل. "هل هذا يعني أنك كنت تعرفه؟"
"نعم،" أجبتُ، وشعرتُ ببعض المرارة. "لقد كنتُ أعرفه جيدًا." نظرتُ إليه، أرى فيه نسخة أصغر وأكثر براءة من نيمو. "وأنت؟ ما اسمك؟"
"اسمي سينجيرو،" قال وهو يبتسم ابتسامة خجولة. "أنا أخو نيمو الصغير." لمعت عيناه، وتغيرت نبرة صوته لتصبح أكثر دفئًا. "أخي... كان طيبًا جدًا. كان دائمًا يلعب معي، ويقرأ لي القصص. كان يحكي لي عن الدمى التي يصنعها."
تذكرتُ دمى نيمو، وكيف كانت حياته تتمحور حولها. "نعم، كان نيمو شخصًا مميزًا جدًا،" قلتُ، وشعرتُ بغصة في حلقي. "وكان شجاعًا جدًا."
عبس سينجيرو قليلاً. "هل مات نيمو حقًا؟" سأل، وكأنها المرة الأولى التي يسأل فيها هذا السؤال بصوت عالٍ. "أبي يقول إنه ذهب بعيدًا، ولن يعود."
انقبض قلبي. لم يكن الطفل يعرف الحقيقة كاملة. "نعم يا سينجيرو،" قلتُ بهدوء، محاولًا اختيار كلماتي بعناية. "نيمو مات. ولقد حزنتُ عليه كثيرًا."
تجمعت الدموع في عيني سينجيرو مرة أخرى. "لم أذهب إلى جنازته،" همس. "أبي لم يسمح لي. قال إن... قال إنه لا داعي للذهاب." رفع عينيه إليّ، وهما تلمعان بالأسى. "هل هذا صحيح؟ هل مات أخي لأنه جلب العار، كما يقول أبي؟"
"لا!" قلتُ بحزم، وهززتُ رأسي بشدة. "أخوك مات بطلاً يا سينجيرو. لقد أنقذ أرواحًا كثيرة، وضحت بنفسه من أجل أشخاص أحبهم. لم يجلب العار لعائلتك أبدًا، بل جلب لهم الفخر. يجب أن تكون فخورًا به، وأن تحزن على فقده. إنه ليس مجنونًا كما يقول والدك، بل كان شخصًا رائعًا."
بدا سينجيرو مستغربًا قليلًا، ثم ظهر بصيص أمل في عينيه. ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها شخصًا يتحدث عن نيمو بإيجابية وحب.
شعرتُ بالهدوء يحلّ محل الألم في عينَي سينجيرو. كان الأمر كما لو أنني أعطيته قطعة من الحقيقة كانت مفقودة، قطعة تساعده على فهم أخيه. التقطتُ كوب الشاي، لكنني لم أشرب منه، فقد كانت الأفكار تتزاحم في رأسي. شيء ما لم يكن صحيحًا. كان هناك الكثير من التناقضات في قصة عائلة نيمو.
"إذن، هل لدى نيمو إخوة آخرون؟" سألتُ، محاولًا جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات.
أومأ سينجيرو رأسه، وظهرت على وجهه علامات الحيرة مرة أخرى. "نعم... لدينا أخ اسمه بلوت، إنه الأكبر. يعمل ويعيش بمفرده الآن. وجورغيل في الجامعة ويعيش في السكن الطلابي. ودوري، كانت الأقرب إلى نيمو بيننا جميعًا. ودارلا، هي في الإعدادية."
توقف قليلاً، ثم أضاف بهدوء: "لكن أنا... أنا لست شقيقهم الفعلي. نحن لسنا من نفس الأم."
اتسعت عيناي من الدهشة. "ماذا؟" قلتُ، غير مصدق.
"في الواقع، بعد موت أم نيمو بسرطان، تزوج أبي مرة أخرى وأنجبني. لكن العلاقة لم تستمر طويلاً، وتم طلاقهما. أبي لا يزال يحب زوجته الأولى."
صدمتُ من هذا الكشف. كان الأمر أعقد مما تخيلت. عائلة مبعثرة، وأب يعيش على ذكرى حب قديم، وأبناء من زيجات مختلفة. هذا يفسر الكثير من الحزن الموجود في هذا المنزل.
"لكن... ما الذي حدث لوالدك ليجعله بهذا العنف؟" سألتُ، متذكرًا القبضة القوية التي ألقته على الرصيف. "أنت تقول إنه لم يكن يشرب بهذه الطريقة من قبل."
تنهد سينجيرو بعمق. "أبي شخص قوي حقًا. في شبابه كان يتدرب دائمًا على الكاراتيه والرياضات القتالية. لكن هذه الأيام، أصبح يسكر بدون أي سبب واضح، مع أنه لم تكن لديه هذه العادة من قبل."
شربتُ رشفة من الشاي البارد. كان الأمر غريبًا. والد مدمن على الكحول فجأة، يكره ابنه الأكبر الذي مات، وشخصية غامضة من عائلة مبعثرة. هل هناك علاقة بين كل هذا وبين ما حدث لنيمو؟ أم أنني أبحث عن روابط غير موجودة؟
[منظور سينجيرو]
ودعتُ بليك عند غروب الشمس. كانت الشمس تتدلى ككرة برتقالية حارقة في الأفق، تلقي بظلال طويلة على الشارع الهادئ. وقفتُ عند الباب، أراقب ظهره وهو يبتعد، يتضاءل حجمه مع كل خطوة. لم يقل بليك الكثير، اكتفى بابتسامة باهتة و"اعتني بنفسك يا سينجيرو"، لكنني شعرت بثقل كلماته. بدا وجهه متعبًا، وكأن حمل العالم كله يقع على كتفيه. كان هناك حزن عميق في عينيه، حزن لم يفهمه إلا من شهد نفس الأهوال. شعرتُ بالامتنان، وبالحزن، وربما بقليل من الخوف عليه. لكنه اختفى أخيرًا عند منعطف الشارع، وتركني وحيدًا مع أفكاري.
أغلقتُ الباب بهدوء، ثم دخلتُ إلى غرفة المعيشة. وجدتُ أبي مارلين جالسًا وحده، يشرب بهدوء، وعيناه مثبتتان على الغروب أمام الحديقة الخلفية للمنزل. كان ظهره مقوسًا، وبدا وكأنه قطعة أثاث قديمة، مهملة ومنسية.
"أبي،" قلتُ بهدوء، "لقد تحدثنا كثيرًا اليوم مع بليك عن نيمو."
لم يتحرك، ولم يرفع عينيه عن الأفق. قال بصوتٍ خافت، أجشّ، "لا أهتم. أخرج. دعني أجلس وحدي."
لكنني أصريتُ. شعرتُ بدافع قوي لإجباره على الاستماع. "قال بليك إن نيمو شخص عظيم، وقد ضحى بنفسه لأجلهم."
توقفت يده التي تحمل الكوب. ثم التفت إليّ، وعيناه حمراوان من الشرب والتعب. "هل تصدق هذا الكلام يا سينجيرو؟ ظننتُك أنضج من هذا الخراء."
"لكن..." حاولتُ أن أرد، لكنه قاطعني بحدة.
"تخيل إن كانت أمك موجودة الآن،" قال بصوت قاسٍ، وكأنه يصفعني بكلماته، "وتَرى ابنها يحضر العار إلى عائلتنا."
حزنتُ. لم يكن في يدي أي شيء أستطيع فعله. كانت كلماته كالجدران الصامتة، لا يمكنني اختراقها. خرجتُ من الغرفة، أجرّ قدمي ورائي، وقلبي الصغير ينزف.
وعندما خرجتُ، سمعتُ صوت بكاء خافت. توقفتُ. الصوت كان يأتي من غرفة المعيشة. أبي مارلين كان يبكي وحده. كما ظننتُ، إنه حزين على نيمو، ولا يريد إظهار ذلك. إنه يبكي بحرقة، ويسكر ليغرق ذلك الحزن الذي يعصف بروحه.
ترددتُ للحظة، ثم عدتُ أدراجي إلى الغرفة. رأيته، جالسًا بنفس الوضعية، لكن كتفيه كانا يرتجفان، وبصوت عالٍ، سمعتُ نحيبًا يمزق القلب. اقتربتُ منه ببطء، ثم احتضنته من الخلف.
"ألم أقل لك لا تدخل؟" قال، لكن صوته كان مختنقًا بالدموع. لم يكن غاضبًا هذه المرة، بل منكسرًا.
انفجرتُ أنا أيضًا بالبكاء. دموعي الساخنة تدفقت على كتفه. بكيتُ على أخي الذي لم أعد أراه، على كلماته الطيبة التي لن أسمعها مجددًا. وبكيتُ على أبي، الذي أدركتُ للتو أنه يعاني في صمت، يختبئ خلف قناع القسوة والكحول. احتضنته بقوة أكبر، وكأنني أحاول أن أجمع شتات قلبه المتصدع. كانت دموعنا تختلط، حزن أب وابنه، يتشاركان نفس الألم لفقدان شخص كان جزءًا من كليهما، شخص لم يرحل أبدًا حقًا. كان بكاءً صادقًا، يُخرج كل الكبت الذي تراكم فينا، ويُعلن عن حقيقة واحدة: نيمو كان محبوبًا، وموته ترك فراغًا مؤلمًا في هذه العائلة التي حاولت إنكاره.
بعد أن توقفنا عن البكاء، خيّم الصمت علينا. بقينا جالسين على الأرض بجانب بعضنا البعض، بينما كان الظلام يتسلل ببطء إلى الغرفة بعد غروب الشمس. كانت رائحة الكحول قد اختلطت برائحة الدموع في الهواء، وكنت أشعر بدفء جسد أبي بجانبي.
فجأة، وقف أبي مارلين من مكانه. لم يكن يترنح كما فعل سابقًا، بل كانت حركته ثابتة وذات هدف. اتجه إلى أحد الجدران، حيث كان يوجد شيء ما مغطى بقماش قديم لمنع الغبار. كنت دائمًا أظن أن تلك القطعة مجرد زينة قديمة، جزء من تراث المنزل الياباني التقليدي. كانت الغرفة نفسها بسيطة، بأرضيتها المغطاة بحصير التاتامي، وبعض الوسائد المتناثرة، وحديقتنا الصغيرة تظهر من خلال النافذة الزجاجية الكبيرة.
نزع أبي القماش ببطء وهدوء. انفتح الستار عن سيفٍ مزخرف على الطراز الياباني، أو ما يسمى بـ الكاتانا.
لم يكن سيفًا عاديًا. نصله كان أسود اللون مع حافة حمراء حادة، وعليه نقوش يابانية بيضاء معقدة، ربما كانت من نوع الكانجي. أما غمده فكان أبيضًا ناصعًا، ومزينًا بأسهم سوداء تشير للأسفل.
لكن أكثر ما لفت انتباهي كان الحلية اليدوية (Tsuba) التي تفصل المقبض عن النصل. كانت على شكل لهب بلون برتقالي مشرق، تصميم مميز وقوي. المقبض كان أبيض اللون ومضفرًا بأسلوب تقليدي.
وقف أبي أمامه، يحدق فيه بعينين حزينتين. ثم مد يده، وأمسك بالمقبض، وسحبه من الغمد ببطء. لم يصدر النصل صوتًا عند خروجه، وكأنه مصنوع من مادة مختلفة تمامًا. لم يكن سيفًا للزينة، بل كان حقيقيًا، حادًا، وخطيرًا.
"يا أبي، ما هذا؟" سألتُ بصوت خافت، أخشى أن يغضب مني مرة أخرى.
نظر إليّ أبي بنظرة لم أرها في عينيه من قبل. لم يكن فيها غضب، ولا يأس، بل كان هناك تصميم بارد وثبات لا يتزعزع. جلس على ركبتيه أمامي مباشرة، ممسكًا بالسيف بكلتا يديه، وكأنه يقدم لي كنزا ثمينا أو حملا ثقيلا.
"اسمعني يا سينجيرو،" قال بصوت هادئ وثقيل، "سوف أخبرك بسر لم أخبر به أي فرد من العائلة من قبل."
اتسعت عيناي من المفاجأة. "ماذا؟" قلتُ، غير قادر على استيعاب ما يجري.
"أن عائلتنا... لم تكن عائلة تعمل في صناعة الدمى،" تابع أبي، وعيناه مثبتتان على السيف اللامع. "بل كانت تتوارث مهنة صيد الشياطين."
"ماذاااااا؟" صرختُ، وقد قفزت من مكاني. هل هو يمزح؟ هل عاد ليسكر من جديد؟ هل هذا جزء من حزنه؟
لكن أبي لم يضحك، ولم يترنح. استمر في الكلام بجدية لم أعهدها. "أجدادنا، لعقود طويلة، كانوا يصطادون الشياطين ويورثون تقنياتهم لأبنائهم. استمر الأمر حتى اختفت الشياطين تمامًا قبل مئة سنة، وعندها فقط أصبحت مهنة العائلة هي صنع الدمى."
نظر إليّ أبي مباشرة. "لكن بعد موت نيمو، تيقنتُ أن على الرغم من موت جميع الشياطين، لا يزال هناك كائنات مرعبة تتربص بالعالم في الخفاء. ولهذا، يجب أن نعود."
مدّ السيف باتجاهي، وقد ارتجفت يدي وأنا أراه يقترب. "خذ هذا السيف. سوف أعلمك كيف تصبح صائد شياطين. سوف أعلمك تقنياتي وكل ما أعرفه. وأنت... ستنتقم لنيمو. هل أنت موافق؟"
كنتُ غير مصدق لحد الآن، عقلي الصغير يحاول استيعاب كل هذه المعلومات الغريبة. لكن عندما رأيتُ الجدية في وجه أبي، والحزن العميق الذي كان يدفعه، عرفتُ أن الأمر ليس نكتة. كانت هذه هي الحقيقة التي كانت خلف غضبه وجنونه وحزنه. كانت هذه هي الحقيقة التي قتلته من الداخل.
كنتُ سأرفض. كنتُ سأقول إنني طفل، وإنني أخاف من هذا السيف وكل ما يمثله. لكني تذكرت نيمو. تذكرتُ ضحكته، وكلماته، ودمىه التي كانت تحمي الأرواح الحزينة. تذكرتُ كيف ضحى بنفسه من أجل الآخرين.
أمسكتُ بالسيف، وبدأتُ أسحبه ببطء من يدي أبي. كان ثقيلاً وباردًا.
"فلتعلّمني،" قلتُ، بصوت ثابت هذه الممرة.
شعرتُ للحظة وكأنني قد ارتديتُ عباءة أخي الأكبر. عباءة شرف ثقيلة، لكنها دافئة ومقدسة. عباءة صائد الشياطين.
[منظور بليك]
بعد أسبوع، حان وقت العودة إلى المدرسة. توقفت الدراسة لفترة بسبب فضيحة موت الأستاذ تاكاشي المروعة في الفصل، والآن، يجب أن نعود. لم أكن متحمسًا لذلك على الإطلاق. شعرتُ بثقل غير مرئي يجثم على روحي، ففكرة العودة إلى تلك الجدران، وتلك المقاعد، حيث وقعت تلك المأساة، كانت تقبض قلبي.
خرجتُ من المنزل وأنا أجري بأقصى سرعتي، فقد استغرقتُ وقتًا طويلاً في النوم هذا الصباح. في طريقي، اعترض طريقي أكيهيكو الذي كان يجري هو الآخر، وجهه محمرّ وعيناه تدوران في محجريهما محاولاً اللحاق بالوقت.
"هل أنت بخير وأنت تجري هكذا؟" سألته، وقد ارتفعت حواجبي. "لقد خرجتَ من المستشفى قبل فترة قصيرة فقط."
لوح بيده في الهواء، بالكاد يجد وقتًا لالتقاط أنفاسه. "لا تقلق عليّ، أنا بخير!" قال وهو يلهث، ثم أضاف بجدية كوميدية: "والآن، يجب أن نسرع، وإلا سيكتب اسمنا في سجل التأخير!"
استمررنا في الركض جنبًا إلى جنب، نسمع دقات قلوبنا المتسارعة ونحن نحاول ألا نصل متأخرين. وصلنا إلى بوابة المدرسة أخيرًا، نتنفس الصعداء. تفرقنا عند المدخل، فقد كانت فصولنا الدراسية مختلفة.
اندفعتُ نحو فصلي، مستعدًا لمعاتبة الأستاذ الجديد الذي سيحل محل الأستاذ تاكاشي. توقعتُ أن أجده واقفًا عند الباب، بنظرة صارمة، جاهزًا لتوبيخي على تأخري. لكن عندما دخلتُ الفصل، تفاجأتُ! لم يكن الأستاذ قد وصل بعد. المقاعد كانت فارغة إلا من عدد قليل من الطلاب الذين وصلوا مبكرًا، وبعضهم كان يستغل الوقت للحديث أو اللعب. شعرتُ بمزيج غريب من الارتياح والدهشة. يبدو أنني لم أتأخر بالقدر الذي ظننت.
وأخيرًا، بعد لحظات قليلة، انفتح باب الفصل ودخل المعلم الجديد، متأخرًا في أول يوم له. كان يمتلك شعرًا أشقر فاتحًا، ناعمًا وقصيرًا بقصة متساوية تقريبًا، تغطي جبهته قليلاً. عيناه كانتا ضيّقتين وحادتين النظرة، تُعطيان إيحاءً بالقوة والثقة، مع حواجب داكنة ومقوّسة بشكل حاد. بشرته كانت فاتحة وخالية من العيوب. ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة ومغرورة نوعًا ما، مع نظرة مباشرة توحي بأنه واثق من نفسه وربما يتحداك.
"أنا المدرس الجديد، الأستاذ أونيزوكا،" قال بملل ظاهر على وجهه، وكأن مجرد الوقوف أمامنا مهمة لا تُطاق.
تنهد أحد الطلاب في الصف الخلفي: "أستاذ، متى سنبدأ بالدراسة؟"
نظر إليه أونيزوكا بنظرة شبه غاضبة، لكنها تحمل لمسة من السخرية. "أوه، هل أنت متحمس لذلك؟ أنا لستُ كذلك. على أي حال، لا يهم متى نبدأ. كل ما يهم هو أنني هنا، وهذا يكفي."
تمتمت فتاة من الأمام: "لكن... أستاذ، هل ستشرح لنا شيئًا؟"
رفع أونيزوكا حاجبًا، وبدت ابتسامته الساخرة أوسع قليلاً. "أشرح؟ لا، لن أشرح. واجبكم أن تفهموا. أنا هنا لأتأكد من أنكم لا تتسببون في أي مشاكل، هذا كل ما في الأمر. الآن، هل هناك أي سؤال آخر؟ سؤال لا يتضمن كلمة 'دراسة'؟"
عم الصمت للحظة، ثم قال بملل أكبر: "آه، لقد نسيتُ. هناك طالب جديد سينضم إلى الفصل."
استغرب الجميع. طالب جديد بعد كل ما حدث؟ انفتح الباب ببطء. دخل فتى وسيم ذو شعر أسود فاحم، يرتدي ملابس سوداء أنيقة وفاخرة، وبشرته ناعمة بيضاء كالحليب. كان طويل القامة، وفخم المنظر بشكل لا يُصدق.
انتفضت جميع الفتيات في الفصل، وبعضهن كاد يغمى عليهنّ، وارتفعت الهمسات والإشادات بجماله. "يا إلهي، إنه وسيم جدًا!" "هل هذا ملاك؟" "أريده أن يجلس بجانبي!" بينما تبادل الأولاد نظرات الدهشة والإعجاب بنوع من الغيرة الكوميدية.
لكن أكثر شخص تفاجأ هو أنا. تجمدتُ في مكاني، وعيناي اتسعتا بصدمة. لأنني أعرف تمامًا من هو هذا الفتى. إنه بابادوك.
في أثناء الاستراحة، لم أتمالك نفسي. قمتُ على الفور، متوجهًا نحو بابادوك الذي كان يجلس بهدوء على مقعده، يأكل طعامه غير مبالٍ بالعالم من حوله. الفتيات كن يحيطن به وكأنه نجم سينمائي، يتسابقن لمساعدته في فتح علبة العصير أو تقديم منديل له، وهن يتهامسن بضحكات خجولة.
وقفتُ أمامه، ويدي على خصري، وعيناي تضيقان بغضب كوميدي. من حولنا، بدأت الهمسات تتعالى. "من هذا؟" "هل يعرف الفتى الوسيم؟" "يا للهول، هل يجرؤ على إزعاجه؟"
"بابادوك! ما الذي تفعله هنا بحق الجحيم؟" قلتُ، محاولًا إخفاء دهشتي وصرامتي في آن واحد.
رفع رأسه ببطء، وعيناه الساحرتان تنظران إليّ بملل مصطنع. "ماذا؟" قال، وهو يبتلع لقمة من طعامه. "أنا هنا لكي أحرسك، أيها الأحمق. أعلم أنك مجرد أهوج، وسوف تقع في المشاكل عاجلاً أم آجلاً. لذا، يجب أن أكون بالقرب منك." ثم أضاف بنبرة مغرورة، "كما أنني دووك الآن، ولست بابادوك."
"بابادوك أو دووك، كلاهما أسماء غبية!" اعترضتُ فورًا. "وأيضًا، لماذا أنت تأخذ شكل شخص وسيم هكذا؟ هل تريد أن تغيظني؟"
أجاب بتردد كاذب، تظهر عليه لمحة من الاستمتاع: "لا، أنا وسيم من الأصل أيها القبيح. هذه هي هيئتي الحقيقية، أنت فقط لم ترها من قبل."
ضحكتُ بسخرية. "أنسيت شكلك الحقيقي يا وجه الفحمة؟ ألم تكن كتلة من الظلام تُشبه المخالب؟"
"أغلق فمك ودعني آكل!" تمتم، وهو يعود لطعامه غير مهتم بوجودي.
فجأة، انطلق صوت عالٍ عبر المجمعة: "بابادوك! لماذا أنت هنا؟! ولماذا أنت وسيم لهذه الدرجة؟!" كان هذا أكيهيكو، الذي كان يركض نحونا، وعيناه واسعتان من الدهشة والإعجاب.
نظر إليه بابادوك (أو دووك كما يحب أن يسمي نفسه الآن) بنظرة متضايقة. "أغلق فمك أيها الغبي! اسمي دووك وليس بابادوك!"
بعد ربع ساعة، كنا نحن الثلاثة نجلس معًا على أحد المقاعد في الساحة، نأكل صناديق طعامنا. كانت صناديقي تحتوي على أرز بالخضار ودجاج مقلي، طعام ياباني تقليدي. أكيهيكو كان لديه صندوق مليء بالسوشي المتنوع وبعض شرائح التاماجوياكي (أومليت ياباني). أما بابادوك، فقد كان صندوقه يبدو وكأنه قطعة فنية. كان مليئًا بأنواع مختلفة من الحلويات الفاخرة، وكعك صغير مزين، وشوكولاتة بلجيكية، وفواكه استوائية مقطعة بعناية. "ماذا؟" قال بابادوك وهو يلاحظ نظرتي المتعجبة، "هذا ما يفضله دووك."
كان دووك قد انتهى لتوه من شرح بلأكيهيكو لكل شيء، وكيف أنه الآن "طالب عادي" في المدرسة لحمايتي.
"إذن، فهمت الآن!" قال أكيهيكو، وهو يهز رأسه بقناعة.
ضحكنا ثلاثتنا، شعرتُ بلحظة نادرة من الهدوء والسعادة في خضم الجنون الذي أصبحت عليه حياتي. وجود بابادوك هنا، مهما كان غريبًا، كان مريحًا. وكنا معًا، أنا وأكيهيكو ودووك، نأكل طعامنا تحت شمس الظهيرة، وكأننا مجرد طلاب عاديين.
انتهت الحصص أخيرًا، وبعد يوم دراسي غريب، خرجت أنا ودووك وأكيهيكو من مبنى المدرسة، نستعد للمغادرة. كانت الشمس تميل نحو الغروب، وتلقي بظلال طويلة على الممرات. بينما كنا نسير، تذكرت فجأة التزامي تجاه نادي الغرائب.
"انتظرا لحظة يا رفاق!" قلتُ، متوقفًا فجأة. "لقد نسيتُ أمرًا مهمًا. يجب أن أذهب إلى نادي الغرائب."
نظر دووك إليّ ببرود. "نادي الغرائب؟ ما هذا الهراء؟ ألا يكفيك ما حدث من غرائب بالفعل؟"
"صحيح،" أضاف أكيهيكو، وهو يرفع حاجبه. "لا أعتقد أن الغرائب فكرة جيدة لبليك حاليًا."
"لا يا رفاق، الأمر ليس كذلك!" قلتُ، محاولاً شرح الموقف. "النادي يمر بظروف صعبة بعد... بعد كل شيء. أنا وهيمورا أصبحنا وحدنا تقريبًا. أحتاج أن أذهب لأطمئن عليها، وربما... ربما نحاول إيجاد أعضاء جدد." نظرتُ إليهما بتردد. "هل تودان الانضمام إلي؟"
نظر دووك إليّ بطرف عينه. "هل هذا يعني أنني سأضطر لتحمل المزيد من حماقاتك في مكان آخر غير المدرسة؟"
"ربما،" أجبتُ بابتسامة متكلفة. "لكن صدقني، سيكون الأمر ممتعًا. وقد تجد بعض الحلويات الغريبة هناك."
تغير تعبير وجه دووك قليلاً عند ذكر الحلويات. "همم... حسناً، لا أرى ضررًا في إلقاء نظرة. لكن إن كان الأمر مملًا، فسأغادر."
"وأنا سآتي!" قال أكيهيكو بحماس، وقد لمعت عيناه. "يبدو الأمر مثيرًا للاهتمام! وربما أستطيع المساعدة بقوتي الجديدة!"
ضحكتُ. "رائع! هيا بنا إذن."
وصلنا إلى النادي. كانت الأضواء خافتة، والمكان يبدو أكثر هدوءًا من المعتاد. دخلتُ ووجدتُ هيمورا جالسة وحدها عند إحدى الطاولات، تحدق في الفراغ. كان الوضع طبيعيًا تمامًا بعد موت شينتو وهوتارو. لقد أصبحنا أنا وهي وحدنا فعليًا في النادي.
دخلتُ، وقلبي يعتصره الحزن لأجلها، لكنها رفعت رأسها فجأة وصرخت، وجهها يجمع بين الحزن والغضب والكوميديا في آن واحد: "بليك! أين كنت بحق السماء؟! كنتُ أعاني وحدي هنا! سوف يُغلق النادي إذا لم نجد أعضاء جدد!"
لكنها توقفت فجأة عن الصراخ، وعيناها اتسعتا بذهول وهي تلاحظ وجود دووك وأكيهيكو خلفي. وقفت على الفور، ووضعت يديها على كتفيّ بقوة، وكأنها اكتشفت كنزًا مدفونًا.
"أوه يا بليك! شكرًا لك! شكرًا جزيلاً لك!" قالت، وابتسامة واسعة بدأت ترتسم على وجهها. "لقد أحضرت أعضاء جددًا! أنت منقذ النادي!"
"نعم،" قلتُ، محاولًا كتم ضحكتي. "أعرفكِ على المنظمين الجدد. هذا أكيهيكو، وهذا دووك."
مد أكيهيكو يده بابتسامة خجولة: "مرحبًا، أنا أكيهيكو."
نظر دووك إلى هيمورا بملل، ولوح بيده بالكاد. "أهلاً."
نظرت هيمورا إلينا، ثم وضعت يدها على ذقنها بتفكير. "إنه... هذا يبدو غريبًا بعض الشيء أن أكون الفتاة الوحيدة بين ثلاثة أولاد. لكن لا بأس، فالأهم هو أن لدينا أعضاء جددًا!" ثم أضافت، بنبرة خافتة، كأنها تتحدث إلى نفسها، لكنني سمعتها بوضوح: "خاصة أن اثنين منهم قبيحين."
نظر أكيهيكو إليّ، وعيناه تعكسان صدمة كوميدية: "بليك... هل هي تتحدث عنا؟"
"نعم،" أجبتُ بهدوء، محاولًا ألا أنفجر ضاحكًا على تعابير وجهيهما. كانت هذه العودة إلى "الطبيعية" أغرب مما توقعت.
جلسنا في النادي قليلاً بعد انتهاء الدراسة. تبادلنا بعض الأحاديث المتفرقة مع هيمورا، التي بدت سعيدة جدًا بانضمام أكيهيكو ودووك، على الرغم من تعليقها الساخر عنهما. لم نفعل شيئًا مهمًا، فقط استمتعنا بوجودنا معًا، وهي لحظة هدوء نادرة في حياتي التي أصبحت مليئة بالغرائب.
عند الغروب، غادرت أنا وأكيهيكو ودووك المدرسة. كانت الشمس تودّع الأفق بألوانها البرتقالية والحمراء، وتلقي ظلالاً طويلة خلفنا. عندما وصلنا أمام بوابة المدرسة، لاحظنا فتاة تقف هناك، تنظر إلينا مباشرةً، وكأنها تنتظرنا.
كانت فتاة ذات مظهر لافت وشخصية قوية وحيوية. شعرها طويل وكثيف بلون برتقالي فاتح مائل إلى الذهبي، مع غرة مستقيمة تغطي الجبهة وشعر من الخلف يتفرّع بشكل يشبه اللهب. عيناها كانتا بنفسجيتين لامعتين وواسعتين، تعكسان الغضب أو التحدي، مع حواجب مرسومة بدقة تزيد من حدتهما. كانت عيناها حادتين بشكل خاص. كانت تقف بثقة، يد على الخصر ويد أخرى متكئة على حائط المدرسة، مرتدية زيًا مدرسيًا يابانيًا تقليديًا (سيرافوكو) يتكوّن من قميص أبيض بأكمام طويلة مع ياقة زرقاء وعقدة بلون فيروزي، وتنورة كحلية قصيرة، وجوارب رمادية تصل إلى ما تحت الركبة. بدا أنها في المرحلة الإعدادية.
ابتعدت عن الحائط، وسارت نحونا، تشير بإصبعها إليّ مباشرةً.
"هل أنت بليك إيثر؟" قالت بصوتها الواضح الذي يحمل نبرة تحدٍ.
ترددتُ في الرد للحظة، شعرتُ بنظرات دووك وأكيهيكو تنتظران إجابتي.
"نعم،" قلتُ أخيرًا، محاولًا إخفاء أي أثر للقلق في صوتي. "من تسأل؟"
اجابت، وعيناها البنفسجيتان تشتعلان بالغضب: "أنا توراكو. الأخت الصغيرة لـكوغامي."