بدأ السواد يزحف من الزاوية المظلمة ككائن حي، يتلوّى ويتنفس، يبتلع الضوء بهدوء قاتل.

وقف بليك يتراجع خطوةً بعد خطوة، لكنه لم يستطع انتزاع عينيه عن المشهد المخيف.

من داخل السواد، خرج مخلوق قصير القامة، محدودب الظهر، بقدمين شبيهتين بأقدام الديناصورات الصغيرة، تغوص مخالبه في الأرض الحجرية مع كل خطوة.

ذراعاه طويلتان تنتهيان بثلاثة أصابع حادة كالخطاطيف، تتحرك بعصبية.

وجهه كان أشبه بالكابوس — عينان حمراوان لامعتان صغيرتان، وفم مشقوق أفقيًا، يفترّ عن صفوف من الأسنان المدببة التي يسيل منها لعاب كثيف.

لكن المخلوق لم ينظر إلى بليك…

بل إلى شيء آخر.

الكتاب.

كتاب "شمس المعارف"، الذي كان لا يزال بين يدي بليك

كان الوحش يزحف نحوه، يمد ذراعيه ببطء، ومخالبه تفتح وتغلق كأنه يتوق للمسه…

كأنه جائع له.

تحرك بليك فورًا، ممسكًا بالكتاب.

ركض نحو الباب، وقلبه يضرب أضلعه، ورأسه يصرخ بداخله: "اخرج الآن… اخرج!"

وصل إلى الباب، فتحه بسرعة، لكن في اللحظة التي حاول الخروج فيها—

ضُرب الباب من الخلف بقوة!

صفق على ظهره بعنف، فتمزقت صرخة ألم من فمه وهو يُقذف نحو الحائط المقابل، ويسقط على ركبتيه.

شعور بالحرق يسري في عموده الفقري، كأن عظامه تحطمت تحت تلك الضربة.

شهق، ثم حاول الزحف مبتعدًا، ونظر للخلف…

"سقط الكتاب من يدي…"

الوحش كان الآن فوق الكتاب، يمد يده ليمسك به.

الظلام ابتلع نصف الغرفة.

وبليك عاجز… لا يستطيع الحراك.

وفجأة—

خرجت يد عملاقة من داخل السواد.

يد مغطاة بحراشف خشنة داكنة، ذات أصابع طويلة تنتهي بمخالب مخيفة.

أمسكت الوحش من جسده وجذبته إلى الداخل دفعة واحدة.

صرخة الوحش كانت مرعبة.

صرخة كائن يعرف أنه لن يعود، كأن شيئًا أكبر منه ينهش لحمه.

ثم…

اختفى الصوت.

وبقي الكتاب مكانه…

ساكنًا، صامتًا… كأن شيئًا لم يحدث.

أما بليك—

فكان جسده يرتعش.

ظهره ينبض بالألم، أنفاسه مقطّعة، وعرقه يقطر.

كل شيء بداخله يصرخ:

> "اهرب!"

لكنه لم يستطع…

بسبب ضربة الباب.

زحف بليك محاولًا الوصول إلى الكتاب.

لقد أدرك أنه…

هو السبب.

الكتاب هو مفتاح كل هذه المصائب.

وفجأة، انفجرت صرخة من داخله.

---

كان بليك يصرخ…

صرخة تمزق الصمت، تمزق عقله، تمزق كل ما تبقى من منطق.

لكنه توقف فجأة

شيء ما…

يتحرك داخل السواد مجددًا.

السواد الذي ظن أنه ابتلع الوحش وانتهى… بدأ يغلي

وفجأة…

خرج شيء آخر.

ببطء…

تتسللت ملامح وجه أضخم، أعرض من الغرفة نفسها.

من داخل العتمة…

ظهرت قرون ضخمة ملتوية، خشنة، تلمع كأنها مبللة بالدم أو بالسائل الأسود.

ثم انكشف الجلد — ليس كجلد مخلوق، بل كجدار حي، ينبض، مشقوق بخطوط أرجوانية ساطعة.

الفم نفسه…

لكنه أكبر بعشرات المرات.

أنفاسه كانت كالعواصف.

وبين شقوق السواد، برزت أنياب أطول من ذراع بليك نفسه.

الغرفة بدت صغيرة جدًا أمام وجه الوحش.

كأن كل القبو مجرد نافذة صغيرة ينظر منها هذا الكيان العملاق.

بليك تجمّد.

عقله يحاول أن يفسّر… أن ينكر… أن يهرب…

لكن جسده لا يستجيب.

أنفاسه انحبست.

لم يعرف إن كان يتنفس أو يختنق.

عيناه اتسعتا حتى كادتا تخرجان من محجريهما.

ركبتاه ترتجفان كأنهما ستنهاران.

جسده كله يرتعد، وقلبه يدق بسرعة لدرجة أنه لم يعد يشعر بنبضاته، بل بطنين الموت.

ثم…

ربما صرخ، أو همس، بصوت مرتجف مشروخ:

> "مـ... ما الذي تريده مني؟!"

كان صوته مثل أنين طفل وسط عاصفة… لا يسمعه أحد.

الوحش لم يرد.

لكنه اقترب أكثر… حتى تلامس السواد مع أطراف أصابع بليك.

وأخرج الوحش يده العملاقة مرةً أخرى.

وهذه المرة، ظن بليك أن الدور قد جاء عليه…

ليتمزق.

دقات قلبه تسارعت بجنون، حتى أحس أنها ستخرج من صدره.

دمه تجمّد، وساقاه تخدّرتا من شدة الخوف.

وعندما كادت أظافره الطويلة العملاقة أن تلامس ساقه…

عندها…

اختفى كل شيء.

السواد انسحب فجأة… كأنه لم يكن.

القبو عاد إلى صمته.

لكن رعب بليك ظلّ في صدره… حيًا.

ثم، من جانبه…

لمح نورًا ذهبيًا ينبعث من الكتاب

2025/06/05 · 65 مشاهدة · 582 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025