لم أعد أعرف إن كنت أتنفّس، أو أختنق.

جسدي كان ثقيلًا… أكثر من اللازم. كأن الألم الذي نَزَل على ظهري بعد ضربة الباب قد غرز مخالبه في عمودي الفقري، ورفض أن يخرج.

بجانبي الباب المقتلع من مكانه قد حطم بعض المزهريات من شدة الاصطدام

كل شيء حولي كان ساكنًا، لكن داخلي كان يصرخ.

ما الذي حدث للتو؟

كان يجب أن أهرب…

أن أصعد الدرج…

أن أترك هذا القبو، هذا البيت، هذا العالم كله.

لكنني بقيت.

أنظر إلى ذاك الشيء —

ذاك الكتاب…

الذي لا يزال ينبعث منه نور ذهبي هادئ، كأن شيئًا لم يكن.

نور ناعم… دافئ…

لكنه لا يُشبه الدفء البشري.

بل دفء شيء غريب، شيء أكبر، شيء أقدم.

كنت أحاول فهم أي شيء —

من أين جاء السواد؟

ما كان ذلك المخلوق؟

ومن اليد العملاقة التي سحبته؟

لكن شيئًا داخلي همس لي الحقيقة التي لم أُرد سماعها:

كلّ ما حدث… بدأ عندما فتحتُ ذلك الكتاب.

حدقت في النور…

عقلي بدأ يضعف، عينيّ تثقلان.

النور صار يلمع أكثر، يتموّج، يتنفس.

وكل شيء آخر بدأ يختفي…

الجدران… الأرض… صوت أنفاسي…

ثم...

سقطت.

لم أشعر بالأرض حين اصطدمت بها.

لم أسمع صوت جسدي وهو يرتطم بالبلاط

استيقظت.

ضوء الشمس كان يملأ المكان…

دافئًا، ساطعًا، كأن الليل لم يكن موجودًا من قبل.

زقزقة العصافير كانت حادة في أذني، عالية، غير مألوفة…

كأنها تسخر من الرعب الذي عشته.

أدرت رأسي ببطء.

كنت على الأرض، في نفس المكان

نفس البلاط البارد تحت ظهري… نفس الرطوبة في الجو…

لكنّ شيئًا ما تغيّر.

حاولت النهوض…

وصرخة مكتومة انفلتت من بين أسناني.

ظهري.

الضربة.

كانت حقيقية.

الشعور كأن أحدهم ضربني بمطرقة ثقيلة مباشرة على عمودي الفقري.

يدي ارتجفت وأنا أضعها على الجدار لأستند.

هل كان حلمًا؟

صوت الوحش… صرخة السحب… اليد العملاقة… السواد المتلوّي…

كل شيء بدا كأنه هلوسة مجنونة، كابوس ليلة مرهقة…

لكن…

التفتّ.

ورأيت الباب.

أو ما تبقى منه.

والحائط المقابل… مشقوق.

آثار جسدي لا تزال على الغبار، موضحة مكان سقوطي.

الغرفة كانت في فوضى، أشياء مقلوبة، غبار مبعثر، الهواء أثقل من أن يكون صباحًا طبيعيًا.

وقتها فقط…

عرفت.

لم يكن حلمًا.

لم أكن أتخيل.

كل شيء كان حقيقيًا.

شعرت أن معدتي ستنقلب، وقلبي سينفجر من جديد.

تمنيت أنني ما فتحت ذلك الكتاب.

---

استندت على الحائط، أتنفس بصعوبة.

كل خطوة كانت كأنها طعنة جديدة في ظهري، لكنني جررت نفسي.

كنت أريد شيئًا واحدًا فقط…

هاتفي.

أحتاج أن أطلب الشرطة.

أن يخبرني أحدهم أنني لست مجنونًا. أن هناك تفسيرًا، أي تفسير.

زحفت ، متكئًا على الجدار، ووصلت لغرفة الجلوس حيث تركت الهاتف.

التقطته، ويدي ترتجف.

لكنني توقفت.

أصبعي ظل معلقًا فوق زر الاتصال، لا يتحرك.

"وماذا سأقول لهم؟"

"مرحبًا، أنا فتى وحيد، جاءني وحش من السواد، ثم سحبه وحشٌ أعظم؟"

حتى وأنا أفكر بها… بدت سخيفة.

من سيصدقني؟

من أصلاً يهتم؟

لا أحد في عائلتي سيأتي لمساعدتي.

أمي ستقول: "دراما جديدة من الفاشل."

تنهدت.

كانت تنهيدة ثقيلة، ممتلئة بالعجز، كأنها خرجت من مكان أعمق من رئتي.

تركت الهاتف.

سرت نحو غرفتي، متكئًا على الأثاث، كل حركة تؤلمني، لكنني بقيت أجرّ جسدي المُنهك.

أخذت حقيبتي الصغيرة.

وضعت الكتاب داخلها، دون أن أنظر إليه…

فقط… لم أستطع تركه هنا.

لا أعرف لماذا.

لكنه يبدو أخطر من أن يُترك.

خرجت من المنزل.

كل خطوة في الممر الأمامي كانت كأنها نهاية العالم.

ركبت تاكسي.

لم أتكلم مع السائق.

لم أنظر إليه.

فقط قلت بصوت خافت:

> "أقرب مستشفى… بسرعة."

وأسندت رأسي للنافذة، أحاول تجاهل النبض المؤلم في ظهري…

وأتجاهل النبض الأخطر… في قلبي.

---

وصلت إلى المستشفى.

الهواء المعقم، رائحة المطهرات، الأضواء البيضاء الساطعة…

كل شيء هنا بدا كأنه ينتمي لعالم مختلف تمامًا عن الذي خرجتُ منه للتو.

جلست على الكرسي، أحد الممرضين أعطاني استمارة، وطلب مني أن أملأها.

كنت بالكاد أستطيع الإمساك بالقلم، لكني فعلت.

بعد دقائق، دخلت إلى غرفة الفحص.

دخلت هي —

طبيبة شابة، في أواخر العشرينات ربما.

شعرها مربوط للأعلى بعناية، وبشرتها سمراء فاتحة، وعيناها بنية ناعمة لكن حادة، كأنها قادرة على رؤية ما لا أقوله.

كانت ترتدي بالطوها الأبيض فوق قميص وردي خفيف، وحذاءً مسطحًا يصدر صوتًا بالكاد يُسمع.

نظراتها دقيقة… سريعة… لا تضيع وقتًا.

"مرحبًا، أنا الدكتورة لينا

" قالت وهي تضع قفازاتها.

"أخبروني أنك تلقيت ضربة قوية في الظهر؟"

أومأتُ برأسي.

لم أرد التحدث كثيرًا… لا أعرف ما يمكنني قوله دون أن أبدو كالمجنون.

"هل يمكنك أن تخلع قميصك؟ بهدوء… وسأساعدك إذا احتجت.

فعلت كما طلبت، متألمًا.

وضعت يدها برفق على ظهري، ثم ضغطت في نقاط معينة.

شهقت.

ألم حارق… لكنه ليس أسوأ مما مررت به.

"آه… نعم، هناك كدمة كبيرة. لكن لا يوجد كسر."

ابتعدت قليلًا، وكتبت شيئًا في ملفي.

"بصراحة، كنت أتوقع كسورًا على الأقل من حجم التورم، لكن يبدو أنك محظوظ."

ابتسمت، ثم أكملت:

"ستحتاج فقط إلى بعض المسكنات وراحة تامة لأسبوعين، وستكون بخير."

أومأت.

كنت لا أزال مذهولًا أن عمودي الفقري لم يتحطم.

قالت لي بابتسامة خفيفة، "هل وقعت من مكان مرتفع؟"

"... لا. فقط... اصطدمت بشيء."

نظرت إلي قليلًا، كأنها تريد أن تسأل المزيد، لكنها قررت ألا تفعل.

أعطتني الوصفة الطبية، وابتعدت.

خرجت من المستشفى بعدها بدقائق.

دفعت ثمن العلاج من البطاقة البنكية التي ورثتها عن جدي —

الحساب الملكي كما أسماه المحامي، ممتلئ بما يكفي ليبقيني حيًا… لفترة على الأقل.

ركبت سيارة أجرة أخرى.

الشارع كان هادئًا، والشمس بدأت ترتفع في السماء، لكن شيئًا في داخلي كان لا يزال غارقًا في التفكير.

---

رجعت إلى المنزل.

جسدي منهك، وظهري لا يزال ينبض بالألم مع كل خطوة، لكن أكثر ما كان يثقلني لم يكن الجرح… بل ذلك الشيء الذي أحمله في حقيبتي.

دخلت البيت بصمت، لا طير يزقزق هنا، لا نور يملأ المكان مثلما كان صباحًا… فقط جدران باردة وسكون ثقيل.

وضعت الحقيبة على الطاولة، وسحبت الكتاب منها بحذر، وكأني أتعامل مع قنبلة.

"كفى… أنت السبب في كل شيء."

خرجت إلى الحديقة الخلفية. كان الهواء ساكنًا، والسماء تميل إلى الاحمرار كأنها تراقبني بشفقة.

أحضرت قداحة وبعض الأوراق الجافة… وضعتها تحت الكتاب، وأشعلت النار.

راقبت اللهب يلتهم الورق من حوله، يصعد ويلتهم أطرافه…

لكن…

الكتاب لم يحترق.

لم تشتعل فيه صفحة واحدة. لم يتغير لونه. لم يتأثر.

انحنيت أقرب، بعينين متسعتين. مررت إصبعي على أطرافه… لا حرارة. لا أثر نار.

"مستحيل…"

حملته ورميته في الزبالة.

دخلت للمنزل. جلست على الأريكة، أحاول أن أتنفس بعمق، أقنع نفسي أنني تخلّصت منه.

لكن…

حين رفعت عيني، كان الكتاب على الطاولة أمامي.

نظرت إلى سلة القمامة — فارغة.

بللت شفتي، قلبي بدأ يتسارع.

"ماذا تريد؟"

صرخت بالجملة، لكن لا أحد يجيب.

أمسكته بيدي، مزقته بكل قوتي. حاولت بكل ما أوتيت أن أشق أوراقه. أن أقطع غلافه. أن أُتلفه بأي شكل.

لكن لا شيء ينكسر فيه.

لا تنفصل منه صفحة واحدة.

وكأنه أصلب من الفولاذ.

خرجت مجددًا، إلى الجسر القريب، ورميت الكتاب بكل قوتي في المياه المتدفقة.

وقفـتُ هناك، أراقب الدوامة تبتلعه.

وانتظرت.

ثلاث ثوانٍ.

خمس.

عشر…

رجعت للمنزل، أحاول أن أقنع نفسي أن الأمر انتهى. أنه غرق.

لكن ما إن دخلت…

كان الكتاب فوق سريري.

ساكنًا. نظيفًا. جافًا.

"أنا… أستسلم."

قلتُها بصوت منخفض، بصوت لا يملك شيئًا بعد.

جلست على طرف السرير، نظري مثبت عليه.

هذا ليس كتابًا.

إنه لعنة.

جلست على طرف السرير، أحدق في الكتاب وكأنني أحدق في لعنة تُحدق بي.

"ماذا تريد مني؟" تمتمت، صوتي بالكاد يُسمع.

ثم—

شعرت به.

ذاك الشعور البارد في ظهري… أنفاس ثقيلة تخرج من فمٍ ليس ببشري.

استدرت بسرعة—

وكان خلفي.

هو!

لكن… لا، ليس بالضبط.

كان نسخة طبق الأصل من الوحش القصير تلك الليلة… نفس القامة المحدبة، نفس الذراعين الطويلتين المنتهيتين بمخالب… نفس الفم المشقوق كأن أحدهم شق رأسه أفقيًا.

لكن…

كان مختلفًا.

جلده لم يكن أسودًا كالقطران… بل رمادي متشقق، وكأن جسده جفّ بعد الموت.

عيناه كانت فارغتين، محجرتين مظلمتين لا تلمعان، كأن الحياة غادرته… لكنه يتحرك.

وظهره… ظهره كان مزروعًا بنتوءات طويلة تشبه العظام، تهتز مع كل حركة.

شعرت بكل شعرة في جسدي تقف.

قفزت للخلف.

اصطدمت بالحائط، شهقت، الألم انفجر مجددًا في ظهري.

لكنني لم أكن أفكر في شيء سوى الهرب.

ركضت نحو الباب… ثم تذكرت—

الكتاب!

لقد تركته على السرير.

استدرت لأراه—

لكن الوحش…

لم يكن يراني حتى.

كل تركيزه كان على الكتاب.

اقترب منه ببطء… كأنه يحلم به… كأن شيئًا أعمى يتحكم به.

مد يده العظمية المرتجفة… ولمس الغلاف.

ثم…

انفجر الكتاب بالضوء.

ضوء ذهبي، نقي، قوي، كأنه شمسٌ انفجرت داخل الغرفة.

غطيت عيني فورًا، الحرارة لامست وجهي رغم المسافة.

ثم—

صرخة!

ترددت في أرجاء الغرفة، قصيرة… لكنها مرعبة.

صرخة لم أسمع مثلها من قبل.

وحين فتحت عيني…

لم يكن هناك شيء.

لا وحش.

لا أثر.

فقط غبار رمادي كثيف يتناثر في الهواء ببطء، ثم يسقط إلى الأرض كرماد محترق.

تقدمت ببطء.

الكتاب لا يزال على السرير.

مغلق… ساكن… وكأنه لم يفعل شيئًا.

لكنني أعرف ما رأيت.

وأعرف الآن…

أن هذا الكتاب…

لا يُريد أحدًا غيري

وقفتُ أتنفس بصعوبة، أنظر إلى الغبار الذي خلفه الوحش كأنني ما زلتُ لا أصدق ما حدث للتو.

لكن…

قبل أن أستعيد أنفاسي…

شعرت بهم.

رفعت رأسي ببطء.

وتجمّدت.

كانوا هناك.

أمام باب غرفتي… في الممر… على الجدران… على السقف!

عدد هائل من الوحوش.

مخلوقات بأحجام وأشكال لا تُصدّق… بعضها يزحف، بعضها يطير، وبعضها يُشبه الظلال أكثر من الأجساد.

كلها تحدّق نحوي.

لا، بل نحو الكتاب.

لكن…

لم يتحركوا.

كلهم توقفوا تمامًا عندما رأوا ما حدث لذلك الوحش… ذلك الذي تجرأ ولمس الكتاب.

شعرت بالخطر يزحف في أعماقي، كأن قلبي صار قطعة جليد بطيئة الذوبان.

يداي ترتجفان، والعرق يغمر وجهي.

أخذت الكتاب بسرعة.

وضممته إلى صدري كأنه درع… أو آخر أمل.

ركضت خارج الغرفة، أقدامي تتعثر من الذعر، والآلام تلسع ظهري، لكنني لم أكن أهتم.

اتجهت نحو القبو.

كان الباب لا يزال مخلوعًا من تلك الليلة… والظلام في الداخل يرحّب بي من جديد.

نزلت الدرجات بصعوبة، وجلست على الأرض، وضعت الكتاب أمامي.

ثم فتحته.

بدأت أتصفحه بسرعة… كأنني أبحث عن شيء ينقذني.

ورقة… تلو الأخرى…

صور… رسومات… مخلوقات…

كل صفحة تحتوي على كائن مختلف:

وحوش عملاقة بأسنان بحجم السيارات… مخلوقات ظلالية بعيون كثيرة… وحوش لها أكثر من رأس، أكثر من قلب، أكثر من عقل.

كأن هذا الكتاب… موسوعة عنهم.

موسوعة عن الوحوش.

لكن لم يكن هناك شرح… لم تكن اللغة مفهومة.

رموز… نقوش غريبة… خطوط متعرجة كأن أحدهم رسمها أثناء نوبة جنون.

واصلت التصفح.

وحين وصلت إلى آخر خمس عشرة صفحة…

توقفت.

فارغة.

تمامًا.

صفحات بيضاء كأنها تنتظر شيئًا.

لم أفهم… لم أُعِرها انتباهًا.

عدت أبحث عن أي كتابة مفهومة، أي رمز يشبه الأحرف، أي خريطة، أي تعليمات.

لكن… لا شيء.

كل شيء بدا وكأنه يُخفي عني الحقيقة.

ومع كل دقيقة تمر…

كنت أشعر بالخطر يتضاعف.

كنت أعلم أن الوحوش لا تزال هناك… تراقبني من بعيد… تنتظر لحظة ضعف…

والكتاب هو الشيء الوحيد الذي يمنعها من تمزيقي.

وفجأة…

تذكرت.

الصندوق.

الصندوق الذي كان فيه الكتاب.

نهضت ببطء، رغم الألم، وعدت إلى الغرفة التي بدأ فيها كل شيء.

رغم الفوضى والدمار… ظل الصندوق في الزاوية، وكأنه لم يتأثر بأي مما حدث.

ركعت أمامه، فتحته من جديد، وبدأت أفتش داخله بدقة.

وكما توقعت.

كانت هناك ورقة مطويّة بعناية، مخبأة تحت قطعة قماش بالية.

لكن ما لفت انتباهي فورًا…

أن نوع الورق مختلف.

ليست من نفس مادة صفحات الكتاب الغريب…

هذه الورقة كانت تبدو… بشرية.

ورق عادي. مألوف.

فتحتها.

وفور أن رأيت الخط،

ابتسمت.

ابتسامة لم أعرف أنني قادر على صنعها بعد كل ما مررت به.

– "أستطيع تمييز شكل كتابتك يا جدي… حتى بعد مئة سنة."

كانت الورقة مكتوبة بخطّ يد الجد ثيودور.

واضح… وهادئ… كأن الزمن لم يمسّه.

في وسط الورقة كان هناك رمز كبير.

شكل الرمز؟

كان دائرة متداخلة مع مثلث مقلوب، تتقاطع حوافه مع أربع نقاط سوداء على الزوايا…

وفي منتصف الدائرة، خط عمودي مائل يمر خلال عين مفتوحة.

مجرد النظر إليه جعلني أشعر بالبرد يتسلّل إلى ظهري.

لكن التفسير المكتوب بجانبه…

كان أكثر أهمية.

> "هذا الرمز ، هو ختم الحماية.

ارسمه على جميع حوائط المنزل، وابدأ بالأركان.

يجب أن تظهر في منتصف الرمز بقعة من صبغة الحشيش الأخضر النقي… لا شيء آخر يصلح.

حينها، سيمنع الوحوش من دخول المنزل، وسيصبح البيت مُدرّعًا… آمنًا.

تذكّر،: ليس كل من في الظلام عدو… ولكن لا تمنح الثقة إلا لمن يثبتها."

وضعت الورقة بجانبي…

ورفعت بصري نحو السقف المشروخ، وجدران المنزل التي كادت تنهار من تلك الليلة

ثم همست:

– هذا المكان اعطتني جدي و هو المكان الوحيد الذي يذكرني ، اذن فلن أتركه لكم أيها القبيحون و سوف احميه… على طريقتك، يا جدي."

---

قضيت الساعات التالية وأنا أجوب المنزل من الداخل، غرفةً تلو الأخرى،

أرسم الرمز بحذر على كل حائط…

كان الأمر متعبًا… مرهقًا…

لكن شعور الخطر كان كفيلًا بأن يُبقيني مستيقظًا.

وحين انتهيت من الرسم، عدت إلى الحديقة الخلفية.

اقتربت من الأرض التي لا تزال تحمل أثر دمي من الليلة الماضية…

وانحنيت بهدوء، واقتلعت بيديّ كمية من الحشيش الأخضر الذي نما بجانب السور المهجور.

عدت إلى الداخل.

في منتصف كل رمز على الحائط،

وضعت قطرة صغيرة من تلك الصبغة الخضراء.

وما إن لامست مركز الرمز…

حتى أضاء بلونٍ ذهبيّ خافت.

ضوء دافئ… يشبه أنفاس الجد الأخيرة،

كأنها كانت رسالته لي: "أنت بأمان الآن".

وفجأة، شعرت به.

درع.

قبة خفية من الطاقة تكوّنت حول المنزل بأكمله.

لا تُرى، لكن تُحس.

كأنك تقف تحت مجال مغناطيسي حيّ.

تنهدت براحة…

ثم قلت:

– "هذا هو… الآن لنجربه."

خرجت إلى الحديقة الخلفية،

ومشهدٌ لن أنساه انتظرني هناك…

آلاف الوحوش.

صفوف لا تنتهي… بأشكال لا تُصدّق.

أنياب… عيون متوهّجة… جلود متشققة…

كلهم يزأرون، ويتحركون، ويحدقون فيّ وكأنني الوجبة الوحيدة على الكوكب.

اقترب أحدهم من القبة…

ومجرد أن لمسها…

انفجر.

تلاشى… وكأنه لم يكن موجودًا أصلًا.

الثاني؟ نفس الشيء.

الثالث؟ لم يكمل حتى الخطوة الأولى.

كل من لمس الحاجز… احترق.

تلاشوا مثل الغبار.

وقفت هناك، أنظر إليهم بكل برود…

ثم ضيّقت عينيّ ورفعت يدي…

أشرت إليهم بأصبعي الأوسط.

– "هذا أنتم؟ ألف شكل وشكل… ولا أحد منكم يعرف كيف يفتح باب؟ يا للعار."

ضحكت.

– "ناموا بدري يا عفاريت، عندكم مدرسة بكرة."

ثم استدرت…

ودخلت المنزل بخطى هادئة، كأن شيئًا لم يكن.

أغلقت الباب…

اتجهت إلى غرفتي…

ألقيت نفسي على السرير.

– "أيّ يوم هذا…"

وأخيرًا، أغمضت عيني لاول مرة منذ ايام أحصل علي نومة هانئة

مرّ أسبوعان.

أسبوعان كاملان على تلك الليلة المشؤومة…

الليلة التي كادت تُنهي حياتي،

وتبدأ شيئًا… لا أعرف له اسمًا حتى الآن.

لكن لا أنكر أنني كنت ممتنًا لشيء واحد…

الهدوء.

كل شيء بقي هادئًا بعد تلك الليلة…

لم يظهر أي وحش،

ولم يلمع الكتاب مجددًا،

ولم أسمع أي صوت غريب…

وكنت بحاجة لهذا الهدوء.

اليوم هو السبت…

تبقّى 3 أيام فقط على عودة المدارس.

كنت مستلقيًا على الأريكة، أشاهد التلفاز.

إعدادات الفطور بجانبي: خبز محمص، بيض مقلي، وكوب شاي بالحليب.

البيت كان دافئًا،

والشمس تدخل من النافذة بزوايا ناعسة،

كأنها تهمس لي: "استمتع بيومك الأخير من السلام."

فجأة…

دقّ جرس الباب.

رفعت حاجبي.

– "غريب… ما في أحد يزورني."

نهضت بكسل، ووضعت الكوب على الطاولة،

وسرت ببطء إلى الباب.

فتحت.

… وتجمّدت.

أمام الباب وقف رجل…

ذو بشرة بيضاء شاحبة،

يرتدي معطفًا أسود طويلًا يكاد يلامس الأرض،

ويمسك مظلة سوداء مغلقة،

وابتسامته باردة…

شفتاه بالكاد تتحركان،

وعلى رأسه…

قبعة ساحر سوداء كلاسيكية.

ظل واقفًا هناك بصمت، يحدق بي.

بلعت ريقي.

– "من… أنت؟"

رفع رأسه قليلًا…

وصوته خرج بنبرة عميقة، رتيبة… كأنها همسة خرجت من قبر:

"بابادوك."

وهنا فقط…

انتهى كل شعور بالأمان

2025/06/05 · 33 مشاهدة · 2383 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025