"لم أكن أحلم... هذا حقيقي"

لم أفهم ما كنت أراه.

لم أسمع خطوات. لم يكن له ظل ٫ فقط تلك الابتسامة الباردة

لم يتكلم. لم يصرخ. فقط انحنى قليلًا... وهاجمني.

بسرعة غير بشرية.

لم أملك وقتًا للتفكير.

الجزء الحاد من مظلته اتجه نحوي كخنجر.

لو لم أتحرك في اللحظة الأخيرة، لكنت الآن مُعلّقًا بالحائط.

سقطت على الأرض، والهواء يهرب من صدري وأنا ألهث.

صوت المظلة وهي تخترق الجدار خلفي كان مثل طلقة رصاص.

هذا الشيء... هذا ليس إنسانًا.

"من... من أنت؟!" صرختُ، لا أعرف إن كنت أصرخ على صداه أم على رعبي.

لكنه لم يجب.

سحب مظلته من الجدار ببطء... ثم تقدّم نحوي خطوة

وفجأة… توقف.

رأسه تحرّك ببطء نحو الرف الجانبي.

عيناه، أو ما يشبههما، ثبتتا على شيء لم ألحظه من قبل... الكتاب.

شمس المعارف.

لقد وضعته في احد الرفوف في غرفة المعيشة

بابادوك التفت بجسده كله دفعة واحدة، متجاهلًا وجودي تمامًا.

تقدّم بخطوات ملساء نحو الكتاب، كأنه كان يبحث عنه طوال هذا الوقت.

أدركت حينها الحقيقة التي لم أكن مستعدًا لسماعها:

هذا ليس رجلًا.

هذا... واحد منهم. الوحوش.

لكنه... متنكر.

مدّ يده الطويلة السوداء نحو الكتاب. أصابعه الحادة تشبه المخالب، ترتعش بنشوة كمن وجد كنزًا.

قلبي توقف، وكل شيء داخلي صرخ دفعة واحدة:

"درع!"

ما كنت أتوقع شيئًا. الكلمة خرجت من فمي كما لو أن أحدًا آخر قالها نيابة عني.

وفي اللحظة التالية…

انفجر الضوء من الكتاب.

بانفجار صامت.

ضوء ذهبي نقي تمدد فجأة في كل اتجاه مثل البرق، واندفع من مركز الغرفة كما لو أن الشمس قررت أن تولد في منزلي

بابادوك طار للخلف كما لو ضُرب بمطرقة فولاذية.

جسده ارتطم بالجدار، ثم اخترقه كأن الحائط مصنوع من ورق.

سمعت صوت تحطيم، ثم ارتطامه العنيف في الجدار المقابل للمنزل.

النافذة ارتجّت.

الغبار تهاوى من السقف.

وكل شيء... سكت.

لكنني كنت أرتجف.

الغبار لا يزال يملأ الهواء.

قلبـي ينبض بقوة، لكن قدماي تتحركان وحدهما.

خرجت من الباب وأنا أُمسك بالكتاب.

لا أعرف لماذا أخذته معي… لكن شيئًا في داخلي أخبرني أن الوقت حان.

لماذا قلت تلك الكلمة يا ترا

كان ملقى هناك، على الرصيف المقابل، جسده نصفه داخل حفرة في الجدار، ونصفه الآخر يرتجف.

بابادوك… أو ما تبقى منه.

كان يتلوّى من الألم، لا يستطيع الوقوف.

اقتربت خطوة… فقط لأسمع صوته للمرة الأولى.

"ماذا فعلت، أيها العين؟"

قالها بصوتٍ بشري تمامًا. عادي. عابر.

كأن أحدهم قرر إعطاء هذا المسخ حنجرة إنسان مجهول.

وقفت أمامه، ثابتًا.

"من أنت؟ وكيف دخلت المنزل… رغم نقش القبة؟"

رفع رأسه قليلًا، وعيناه تتلألأ بشيء بين الغضب والذل.

"ولِمَ عليّ إخبارك بكل هذا؟" قالها وهو يسعل دمًا أسود.

أخرجت الكتاب من تحت ذراعي.

ورفعته أمامه.

"إذًا... هذا ما تريده، هاه؟"

تحوّل ارتجافه إلى ذعر.

"لا، لا، لا! أبعده عني!"

تجمدتُ.

ماذا؟ ألم يكن يحاول أخذه منذ لحظة؟

خطوتُ خطوة أخرى نحوه، والكتاب أمامي.

وما إن اقترب الغلاف من جسده، حتى بدأ جسده... يُسحق.

كأنه يُفَعص في الأرض.

كأن ضغطًا لا يُرى يطحن عظامه ببطء.

"آآآآآآاه!"

صرخ.

صراخه جعل نافذة السيارة القريبة تهتز.

"ههههههه…"

ضحكت، ليس لأنني كنت شجاعًا… بل لأنني أخيرًا لست الضحية.

"إذًا أنت لا تستطيع حتى لمس الكتاب..."

اقتربت أكثر.

عظامه بدأت تُصدر صوت تكسير واضح.

"اجبني على كل أسئلتي… وسأُبعد الكتاب عنك."

فتح عينيه الممزّقتين.

"حسنٌ… حسن! سأجيبك على أي شيء!"

رفعت الكتاب قليلًا، ووجّهت نظري نحوه بثبات:

"من أنتم أيها الوحوش؟ ولماذا تريدون هذا الكتاب بهذه الشدة؟"

رفع رأسه بصعوبة، وعيونه تحدّق بي وكأنني أهنت سلالة بأكملها.

"من تنعت بالوحوش أيها البشري الوضيع؟"

نظرت إليه ببرود… ثم رفعت الكتاب أمامه قليلًا.

صرخة مكتومة خرجت من حلقه، وعيناه اتسعتا.

ثم قال، بصوت خافت:

"نحن لسنا وحوشًا... نحن جن."

تجمدت.

"جن...؟؟"

هزّ رأسه ببطء.

"نحن مخلوقات لا يراها البشر. نعيش في بُعدٍ موازٍ لعالمكم."

"مهلًا، مهلًا... هل يوجد عوالم موازية؟"

"بالطبع، أيها الغبي."

قالها بلهجة ساخرة وهو يتألم.

"وبما أنكم من بعدٍ آخر، فكيف وصلتم إلى هنا؟"

أجاب وهو يحاول تعديل وضعه على الأرض:

"عن طريق الشروخ... شروخ في العَباد. قد تسبب المكانية دخولنا إلى هذا العالم."

"شروخ؟ ما الذي يسببها؟"

"السحر الأسود، الاستدعاء، أدوات مثل الكتاب الذي تحمله في يدك."

ثم نظر إلى الكتاب وكأنه يتذكّر شيئًا أعمق…

"ذلك الكتاب... عندما فتحته وقرأت تلك العبارة، أنشأت شرخًا كبيرًا. جذب الآلاف من الجن نحوه… ومنهم أنا."

"ومن تكون أنت أصلاً؟"

نظر إليّ مطولًا، ثم ضحك ضحكة باردة، ونفَخ بصوت مكتوم كأنّ جسده بالكاد يتحمّل الحركة.

مدّ يده المرتعشة ووضعها على صدره، وقال بفخر كاذب:

"أنا ذلك الجن المهيب… العملاق… من الليلة الأولى التي فتحتَ فيها الكتاب!"

اتسعت عيناي.

"أنت... أنت هو ذاك العملاق المرعب؟!"

"أجل... وبكل فخر. اسمي بابادوك."

"لكن... كيف أصبحت بهذا الشكل البشري؟"

أخفض نظره قليلًا، ثم قال:

"بسببك."

"ذلك الكتاب… عندما اشتعل نوره، أطلق موجة طاقة قوية دمّرت كل من كان في مداره من الجن. أثّرت عليّ بشدة. أنا الآن… ضعيف جدًا، لا أستطيع استخدام سوى جزء صغير من قوتي."

سكتُّ للحظة… ثم سألت:

"لكن لماذا تريدون الكتاب بهذه الدرجة؟"

نظر إليّ بثقل، كأن السؤال نفسه كان مُرهقًا.

ثم أجاب:

"ذلك الكتاب… من يستحوذ عليه، يصبح ملك الجن."

---

"ما الذي تعنيه؟"

سألته بنبرة بدأت تتحول من رعب إلى فضول… وربما غضب.

قال بصوت مثقل بالألم:

"من يستحوذ على كتاب شمس المعارف، سيكتشف أسرار كل الجن… وسيتمكّن من حكمهم."

ابتلعت ريقي.

"لكن… لا تستطيعون لمسه حتى."

"في عالمنا، نحن الجن، هناك هرم… في القوة والذكاء. أولئك الذين هاجموك كانوا من الأدنى، الأضعف، والأغبى."

"يضربون دون تفكير، فقط لجني القوة، دون أدنى اعتبار للعواقب. أما أنا… فأنا في قمة السلم، أكثر منهم قوة وذكاء."

رفعت حاجبي بسخرية، وقلت:

"لو كنت أذكى فعلًا… لما حاولت سرقة الكتاب قبل قليل."

رميت الجملة مثل طعنة.

رمقني بنظرة خافتة، ثم قال بابتسامة منهكة:

"كان الأمر يستحق المحاولة."

صمتنا للحظة. ثم سألته:

"ومَن كتب هذا الكتاب أصلًا؟ وما هذه اللغة الغريبة فيه؟"

ضحك بسخرية، ثم تنهد كمن يحمل أعباء قرون:

"أوه، أيها البشري… تسألني أسئلة حتى أنا لا أعرف لها جوابًا."

رفعت الكتاب أمام وجهه، وكأنني أهدده من جديد.

صرخ:

"فعلاً… لا أعرف! الوحيدون الذين يعرفون حقًا أسرار هذا الكتاب هم قلة نادرة… قلة لا يعرف أحد من هم أو أين يعيشون."

تنهدت.

كأنني اصطدمت بجدار.

لكن بقي سؤال أخير…

"كيف دخلت منزلي رغم الحاجز؟"

زفر مجددًا:

"قوتي كانت ضعيفة جدًا. كنت متنكّرًا بهيئة بشري… خدعت الحاجز، فظنني واحدًا منكم."

وقفت. نظرت إليه، وإلى حالته المزرية. ثم قلت:

"حسنًا… بعد أن استجوبتك، أظن أنه قد حان وقت موتك."

رفعت الكتاب ببطء…

"لاااا! أرجوك!!"

بدأ يصرخ كالمجنون، يزحف للخلف، يتوسّل.

"دعني أعيش! لن أؤذيك أبدًا، أقسم! سأرحل، فقط دعني أذهب!"

بدأ صوته يتحول من رجفة رجُل إلى بكاء طفل.

بكى. فعلاً بكى. كأنه سقط من فوق الحياة نفسها.

نظرت إليه طويلاً…

ثم قلت بهدوء:

"حسنًا. فقط… اذهب."

"شكرًا… شكرًا جزيلاً… شكرًااااااااا!!"

اقتربت منه أكثر، ونظرت مباشرة في عينيه.

"لكن إن عدت…"

نطقتها ببرود كالسيف:

"لن أرحمك أبدًا."

ظلّ ينظر إليّ لحظة… ثم، فجأة، اختفى.

كما لو أن الهواء ابتلعه.

دخلت منزلي مجددًا، أُغلق الباب خلفي بصوتٍ ثقيل.

وضعت الكتاب على الطاولة، ثم جلست… وأنا أتنفس ببطء

2025/06/07 · 73 مشاهدة · 1100 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025