كنت أرتكز على توراكو، وهي بالمثل تستند علي، كلاهما مصاب ومرهق، ونتقدم بخطوات بطيئة ومتثاقلة نحو السطح. كانت ألمًا خفيًا يلتهم جسدي مع كل خطوة، وأعلم أنها كانت تشعر بنفس الألم، حيث كانت أنفاسها تزداد ثقلًا وتناثرًا مع كل حركة. كانت ملابسها ممزقة في أماكن متعددة، وخدوش عميقة كانت تغطي ذراعها ووجها. كانت الدماء تتساقط من زاوية فمها، لكنها كانت تقبض على يدي بقوة، كما لو أنها لا تريد أن تتركني.
أما هاروكا، فقد كان خلفنا، صامتًا وهادئًا على نحو غريب، يراقب الأرض بعينيه الغاضبتين، ويداه مضمومتان بقوة. كانت الدماء لا تزال ملتصقة بأنفه، لكنه لم يهتم بها، كأنه كان في عالم آخر، محتجزًا في دوامة من الأفكار المشتعلة.
صعدنا الدرجات الأخيرة، وفتحنا الباب الذي يؤدي إلى السطح. عندها، غمرنا ضوء الغروب البرتقالي المذهل الذي كان يصبغ السماء بألوانه الدافئة. كانت الشمس تغرق في الأفق، وضوؤها يملأ المكان بهدوء، يمسح آثار الدم، ويهدئ الصرخات.
نظرنا حولنا، ورأينا أفراد العصابتين يجلسون معًا، يتحدثون بهدوء. إيندو كان يضحك مع سوجيشيتا، بينما تومياما ونيي كانا يتبادلان أطراف الحديث وكأنهما صديقان قديمان.
كان المنظر غريبًا، لكنه كان يمنحني شعورًا بالسلام الداخلي. بعد كل هذا العنف، كل هذا الغضب، كان غروب الشمس يذكرنا بأن هناك دائمًا فرصة لبداية جديدة. كانت هذه اللحظة، التي شعرنا فيها بأن كل شيء يمكن أن يتغير.
نظر الجميع إلينا عندما وصلنا، وكنتُ مستغربًا بشدة من هذا الهدوء الذي حلّ فجأة. تبادلتُ النظرات مع توراكو التي كانت تشعر بنفس الدهشة. لم أتمالك نفسي، فقلتُ بصوتٍ يملؤه الاستغراب:
"مهلاً، ألم تكونوا تتقاتلون لدرجة الموت قبل قليل؟"
قال لي أكيهيكو، الذي كان يجلس بجانب أوميميا وهما يتبادلان الضحكات: "لا تسأل الآن، سوف نخبرك بكل شيء لاحقًا."
جلستُ بجانب أكيهيكو، بينما جلست توراكو على الجانب الآخر له، وكأنها حلقة وصل بيننا. كنتُ أنظر باستغراب إلى ما يجري بين العصابتين؛ كان إيندو ذا العضلات الضخمة يتحدث بودية مع سوجيشيتا الذي كان يبدو أكثر هدوءًا. بينما كان تومياما ونيي، اللذان كانا قبل قليل يتبادلان الضربات، يتبادلان الآن القصص والضحكات. كانت الأجواء ودّية، كأن العنف الذي مررنا به كان مجرد حلم.
فجأة، دخل بابادوك ويده تحمل كمًا هائلاً من علب الطعام المصفوفة بشكل متوازن ومدهش. سمعتُ البقية يقولون بصوتٍ واحد: "وأخيرًا أتى الأكل!"
صرخ أحدهم: "مذهل، لم تسقط أي واحدة منها!" بينما تساءل آخر: "من أين أتى بكل هذا؟"
وضع دووك علب الطعام أمام الجميع، كل علبة كانت من النوع الذي يستخدم في المدارس اليابانية، وتحتوي على أرز أبيض، سمك مشوي، وبعض الخضروات المخللة. رائحة الطعام الشهي ملأت الأجواء، مما جعل بطني يقرقع.
وضع دووك علبة طعام أمامي، لكنني أمسكت بمعصمه قبل أن يبتعد، وقلتُ بصوت خافت:
"ما الذي يحدث؟ لماذا أنت تحضر الطعام؟ من أين أحضرت الطعام هذا كله أصلًا؟"
نظر إليّ بابتسامة غامضة وقال بهدوء: "لقد سرقته."
"ماذا!؟"
صرختُ، لكن صوتي كان خافتًا، متفاجئًا.
نظر إليَّ دووك بابتسامة هادئة ووضَع علبة طعام على رأسي، ثم نظر إليَّ وقال بهدوء: "اهدأ يا بليك. لم يكن سرقة بالمعنى الكامل، لقد استعرتُها من مطبخ المدرسة. بما أن المدرسة لم تعد تعمل، فمن الأفضل أن نستفيد من الطعام بدلاً من أن يضيع."
ضحكتُ بسخريةٍ خفيفةٍ وقلتُ: "هذا هو معنى السرقة، يا دووك! لكن على أي حال، شكرًا لك."
عدتُ إلى مقعدي بجانب أكيهيكو، وكنتُ أنظر إلى باقي المجموعة بدهشةٍ لا تُصدق.
اجتماع العصابتين تحت ضوء الغروب
كان المنظر أمام عينيّ غريبًا، لكنه كان يبعث على الهدوء. كان أونيزوكا، بجسده الضخم، يجلس في الجهة الأخرى من السطح، يتحدث مع هاروكا وتوراكو. كان يمسك علبة طعامه، لكنه لم يفتحها بعد، وعيناه كانتا تنظران إلى هاروكا بتركيزٍ، وكأنه يدرس كل حركة منه. قال أونيزوكا بصوتٍ عميقٍ ومُتزنٍ: "حسنًا، أنا أرى أنك قد فهمت الدرس. لكن هذا لا يغير حقيقة أننا كنا نتقاتل لدرجة الموت قبل قليل. لماذا نحن هنا حقًا؟"
تنهَّد هاروكا، ووجهه كان لا يزال يحمل آثار المعركة، لكن ملامحه كانت أكثر هدوءًا الآن. نظر إلى أونيزوكا وإلينا جميعًا وقال بصوتٍ منخفضٍ ومكسورٍ: "لم أكن أعلم... لم أكن أعلم أن أختي كوغامي كانت بتلك الوحشية. ظننتُ أننا ننتقم لها، لكننا كنا فقط نتبع كبرياءً زائفًا. هذا الفيديو... هذا الفيديو غيَّر كل شيء بالنسبة لي. أنا آسف لكم جميعًا."
نظرتُ إلى نيي، الذي كان يجلس على بُعدٍ قليلٍ، وعيناه الباردتان كانت لا تزالان تنظران إلى هاروكا ببعض الشك. كان يتأمل سلسلته، ويقول بصوتٍ ساخرٍ: "حسنًا، لقد أثارت فينا الحماس بالقتال، والآن تأتي لتقول إنك آسف؟ هل تعتقد أن هذا سيكفي؟"
تدخلت توراكو وقالت بصوتٍ حازمٍ، وهي تنظر إلى نيي: "لا، هذا لا يكفي. نحن أيضًا كنا مخطئين، وأنا أتحمل مسؤولية أفعال أختي. لكنني أقول لكم هذا: هذا ليس وقت الشجار الداخلي. هناك خطر أكبر يواجهنا جميعًا. يجب أن نتحد الآن."
في هذه اللحظة، تدخل أكيهيكو، الذي كان يأكل طعامه بسرعةٍ، وقال: "يا رفاق، دعونا نهدأ. لا أحد منكم كان يعرف الحقيقة. ما يهم الآن هو ما سنفعله للمضي قدمًا. نحن هنا، وهذا يعني أننا جميعًا على استعداد لإيجاد حل."
أومأ إيندو برأسه، وهو يمسح فمه بعد أن انتهى من علبة الطعام، وقال بصوتٍ خشنٍ وقويٍ: "أنا لا يهمني الماضي. المهم هو القتال القادم. طالما أن هناك عدوًا أكبر، أنا جاهز."
قال سوجيشيتا، الذي كان يجلس بجانب إيندو، بصوتٍ هافتٍ: "أتفق معه. لقد حاربنا بما يكفي. الآن يجب أن نُركِّز."
كانت الشخصيات الأخرى تتفاعل بهدوءٍ أيضًا. كان تايشي، ذو الشعر الأبيض، يحرك طرف عصاه الشائكة على الأرض، بينما كان كاجي يلعق مصاصته، لا يبالي بالوضع وكأنه خارج الزمن. كان توغامي، بنظاراته الشمسية، يتكئ على الحائط، ويراقب الجميع بصمتٍ، في حين أن اوميميا، ذو الشعر الرمادي، كان يتحدث مع تايشي، ويتبادلان قصصًا قديمة.
نظرتُ إلى دووك، الذي كان يتأملنا جميعًا بابتسامةٍ هادئةٍ، وكنتُ أدركُ أنه هو من جعل كل هذا ممكنًا. في تلك اللحظة، شعرتُ وكأنني أرى ضوءًا من الأمل في نهاية النفق المظلم الذي كنا فيه.
ظل السطح يلفه الصمت بعد أن أنهت توراكو كلامها. كانت كلماتها بمثابة الإعلان عن حقبة جديدة، لكن الجميع كان لا يزال مستغربًا من التحول. كانت الأنظار تتجه نحو هاروكا، الذي كان يجلس بصمت مطأطئ الرأس، وكأن ثقل ذنبه يثقل عاتقه.
كانت عيناه تتجنبان النظر إلى أي شخص، يلمس أنفه الملطخ بالدماء بأصابعه، وشفتاه مرتعشتان. كان يبدو كأنه طفلٌ وقع في خطأ فادحٍ، لا كقائد عصابة شرسة.
أومأ أونيزوكا برأسه وقال بجدية: "اسمع يا هاروكا، أنت شاب قوي. لم أكن أرى فيك إلا قائدًا حقيقيًا. شجاعتك في الاعتراف بخطئك، رغم كل كبريائك، هي ما يجعلك قائدًا محترمًا حقًا."
تجمد هاروكا في مكانه، ووجهه الأحمر كان يزداد احمرارًا. رفع رأسه ببطء، وعيناه اتسعت قليلًا، وكأنه لم يسمع كلمة مدح في حياته كلها.
"ماذا...؟" قال بصوتٍ خافتٍ، وكأنه يشك في سمعه.
ضحك إيندو بصوتٍ عالٍ وقال: "أتفق مع الأستاذ! يا رجل، أنت مقاتلٌ لا يُستهان به. كدت أن تسحقني في المعركة. هذا الاحترام ليس بالأمر السهل."
كان وجه هاروكا الآن يوازي لون غروب الشمس. حاول أن يتظاهر باللامبالاة، فصرخ: "ماذا تقولون أيها الحمقى؟ أنا لا أحتاج لمدحكم! أنا... أنا فقط..."
لكنه لم يستطع إكمال الجملة، فقد كان خجله أكبر من قدرته على التظاهر بالقسوة.
ضحك نيي ابتسامة ساخرة وقال: "انظروا إليه! قائد العصابة صار خجولاً. لا أصدق أنني كدت أن أموت على يد شخص ينهار من بضع كلمات!"
رفع أكيهيكو يده، محاولًا تهدئة الموقف، وقال بهدوء: "يا رفاق، دعوا الشاب وشأنه. إنه يبدو وكأنه على وشك الانفجار من الخجل."
هنا، تقدم بابادوك بابتسامة غامضة، وقال بصوت خافت: "الإنسان يجد صعوبة في تقبل المديح عندما لا يكون مستعدًا له. الأمر يشبه تلقي لكمة في وجهك... لكن بشكلٍ لطيفٍ."
أنهى كلامه وهو يضع علبة طعام على رأس هاروكا، مما جعله يرفع رأسه ببطء.
كانت تلك اللحظة التي رأيت فيها قائد العصابة الشرس يتحول إلى مجرد شابٍ خجولٍ ومندهشٍ من لطف الآخرين، وكان هذا المنظر، رغم كل ما مررنا به، هو الشيء الأكثر إضحاكًا الذي رأيته في حياتي كلها.
بعد أن هدأت الأجواء من موقف هاروكا المحرج، ساد الصمت مرة أخرى. كان الجميع يتبادل النظرات، وكأننا نتساءل عما سيحدث بعد ذلك. في تلك اللحظة، كسر أونيزوكا الصمت بصوت عميق ومُتزن، وكأنه على وشك إلقاء خطاب تاريخي.
"اسمعوا أيها الشباب... لقد جعلتني هذه المعركة أفكر مليًا في حياتي."
نظرتُ إليه بدهشة، بينما أومأ إيندو برأسه بجدية، وكأنه يتوقع حكمة عميقة. أما أكيهيكو، فكان ينظر إليه باهتمام، ربما ظن أن الأستاذ سيتحدث عن استراتيجية جديدة أو نصيحة ثمينة.
تابع أونيزوكا بنفس النبرة الجادة: "لقد أدركتُ شيئًا هامًا... لقد حان الوقت لأجد لنفسي شريكة حياة."
بدأ الحماس يظهر على وجه أكيهيكو، بينما ابتسم هاروكا ابتسامة خفيفة، وكأن الفكرة لا تخلو من الطرافة. شعرتُ أنا أيضًا بنبضة من الفرح لأجل الأستاذ.
لكن تلك المشاعر الإيجابية تلاشت تمامًا عندما أضاف أونيزوكا بهدوء: "أريد فتاةً في المرحلة الثانوية."
ساد صمت تام على السطح. كان الصمت ثقيلاً ومحرجًا، حتى أنني شعرت وكأن الهواء تجمد في رئتي. نظرتُ إلى وجوه البقية، كانت تعابيرهم لا تُصدق.
صاح أكيهيكو بصدمةٍ: "ماذا؟ أيها الأستاذ! أنت في الثلاثينيات من عمرك!"
لكن أونيزوكا لم يهتز، بل رفع يده وأجاب بنفس النبرة الواثقة: "لا تقاطعني يا أكيهيكو. أنا لا أبحث عن علاقة عابرة. أنا أريد فتاةً يمكنني أن أشاركها همومها، وأن أساعدها في واجباتها المدرسية... وأن أعطيها نصائح حكيمة للحياة."
هنا، انفجر هاروكا بالضحك، وهو يمسك بطنه، ويقول: "يا رجل، أنت مجنون! أنت لا تريد حبيبة، بل تريد أن تصبح أستاذًا في الحب!"
أما نيي، فكان يضحك من جانبه ويقول: "هذا هو الجحيم بعينه! لن تجد أحدًا يقبل بك أيها العجوز!"
احمرَّ وجه أونيزوكا من الإحراج، وقال بصوت متأثر: "ماذا بكم أيها الشباب؟ ألا تفهمون؟ أنا لا زلتُ صغير الروح!"
ضحك إيندو بصوتٍ عالٍ: "أيها الأستاذ، القوة الجسدية قد تدوم، لكن الشباب لا. يجب أن تركز على القتال، لا على الحب الممنوع!"
أما بابادوك، الذي كان يراقب المشهد بصمتٍ، فقال بصوتٍ خالٍ من أي تعابير: "وفقًا لتقارير علم النفس، فإن الفجوة العمرية التي تتعدى خمس سنوات تزيد من احتمالية... "
صاح الجميع به: "اصمت يا دووك!"
في النهاية، كان الجميع يضحك على أونيزوكا الذي لم يكن يرى كم يبدو سخيفًا. كان هذا المشهد، رغم كل العنف والقتال الذي مررنا به، هو الشيء الذي أعاد إلينا إحساسنا بالحياة والفكاهة، وذكرنا بأننا في نهاية المطاف، مجرد شباب عاديين في المدرسة.
بعد أن انتهت موجة الضحك التي أحدثها كلام أونيزوكا، عاد الصمت إلى السطح مرة أخرى. لكن هذه المرة، كان صمتًا ثقيلاً، مليئًا باللحظات التي لم تُقال. شعرتُ أن هناك شيئًا في الأجواء لم يُحل بعد.
في تلك اللحظة، تحرك تايشي وتوغامي، وكانا يجلسان معًا. كان تايشي مطأطئ الرأس، بينما كان توغامي ينظر إلى الأرض عبر نظارته الشمسية. كان الاثنان مصابين بجروح خفيفة، لكنها كانت تذكيرًا لهما بأنهما خسرا.
وقفا أمام أونيزوكا ببطء، وتايشي، الذي كان دائمًا ما يبدو مجنونًا، قال بصوتٍ منخفضٍ ومترددٍ: "أيها الأستاذ، أنا آسف. لقد خسرتُ. لقد خذلتك وخذلتُ الفريق."
ثم أومأ توغامي برأسه، وقال بصوتٍ هادئٍ لكنه مليءٌ بالأسف: "وأنا كذلك يا أستاذ. لم أكن قويًا بما يكفي."
نظر إليهما أونيزوكا بابتسامةٍ هفيفةٍ، وقال بهدوء: "الخسارة ليست نهاية العالم يا رفاق. لقد قاتلتم بشرف. هذا هو ما يهم."
في تلك اللحظة، تحرك نيي، الذي كان خصم تايشي، وابتسم ابتسامته الساخرة وقال: "لا داعي للاعتذار، أيها المجنون. لقد كنت خصمًا ممتعًا. لم أكن أدرك أن عصاك الشائكة قد تكون خطيرة."
نظر تايشي إلى نيي بدهشة، وقال بصوتٍ متقطعٍ: "لكنك... أنت هادئ جدًا..."
ضحك نيي وقال: "القوة لا تكمن في الصراخ، بل في السيطرة. لقد قاتلتني بأسلوب مجنون، وهذا هو ما جعلك خصمًا تستحق الاحترام."
ثم تحرك سوجيشيتا، الذي كان خصم توغامي، ووضع يده الضخمة على كتف توغامي. كان سوجيشيتا لا يزال يمتلك تلك النظرة الجادة، لكن كلماته كانت تحمل احترامًا.
قال سوجيشيتا بصوتٍ عميقٍ: "أسلوبك القتالي كان جيدًا. لقد كنتَ سريعًا ودقيقًا. ليس كل شخص يستطيع أن يواجه قوتي."
لم يتكلم توغامي، لكنه أومأ برأسه بتواضعٍ، وكأنه يتقبل كلمات خصمه بصمت.
نظرتُ إلى المشهد، وشعرتُ بأن الحواجز التي كانت تفصل بين العصابتين بدأت تنهار. لم يعد هناك أعداء، بل أصبح هناك مقاتلون يحترمون بعضهم البعض. كان غروب الشمس يصبغ السماء باللون البرتقالي، وشعرتُ أننا جميعًا نشهد على نهاية حقبة، وبداية أخرى، حيث كل شيء يمكن أن يتغير.
بينما كانت أجواء المصالحة تملأ السطح، لفت انتباهي اثنان كانا يجلسان بعيدًا عن البقية، وكأنهما في عالمهما الخاص. كانا توباكينو، بشعره الأحمر، وأوميميا، بشعره الرمادي. كانت ملامحهما متقاربة، وكان بينهما شعور بالاحترام ممزوج بتاريخ طويل.
"ألم تكن معركتنا ممتعة؟" قال توباكينو بصوتٍ هادئٍ، وهو ينظر إلى أوميميا بابتسامةٍ خفيفةٍ.
أومأ أوميميا برأسه، وعيناه الزرقاوان كانتا تنظران إلى الأفق، وقال بهدوء: "لقد كنا خصمين منذ الصغر. دائمًا ما كنا نتقاتل، لكنني لم أتصور يومًا أننا سنفعل ذلك بهذه الطريقة."
تابع توباكينو، وصوته يحمل شيئًا من الحنين: "أتذكر كيف كنا نتقاتل على من سيكون قائد العصابة؟"
ضحك أوميميا بمرارةٍ وقال: "نعم، أتذكر. لكنك كنت دائمًا أفضل مني. كنت دائمًا تتفوق علي بخطوة."
توقف توباكينو عن الضحك، وظهر على وجهه تعبيرٌ جادٌ، وقال: "هذا هو ما يجعلني أقاتل يا أوميميا. ليس من أجل الكبرياء، بل من أجل هدف أكبر. أعلم أنني قد أبدو فتى عاديًا، لكنني أريد أن أكون قائد العصابة بعد الأستاذ أونيزوكا."
نظر أوميميا إلى توباكينو بدهشةٍ، لكنه لم يتكلم. تابع توباكينو، وعيناه تلمعان بطموح لا يُقهر: "لدي أحلام. أريد أن أثبت للجميع أنني قادرٌ على قيادة هذه العصابة، وأن أكون قائدًا عادلاً وقويًا. أريد أن أصل إلى القمة، وأنا أعلم أن هذا هو طريقي."
نظر إلى أوميميا، وقال بصوتٍ حازمٍ: "لذلك، عندما نذهب إلى المدرسة المهجورة، سأقاتل بكل ما أملك من قوة. هذا هو وقتي، وهذا هو ما سأثبت فيه أنني أستحق أن أكون قائدًا."
كانت كلمات توباكينو بمثابة صدمةٍ لي. لم أكن أدرك أن وراء كل هذا القتال كانت هناك أحلام وطموحات. نظرتُ إلى أوميميا، ورأيتُ أنه يفهم الآن لماذا كان توباكينو يقاتل. في تلك اللحظة، شعرتُ أننا جميعًا لسنا مجرد مقاتلين، بل أشخاصٌ لديهم أحلام، حتى لو كانت أحلامنا مختلفة.
كانت أجواء المصالحة تملأ السطح، والجميع يتبادلون القصص، لكن فجأة، سمعتُ صوتًا عميقًا وقويًا يكسر الهدوء. كان إيندو، الرجل الضخم بوشومه الكثيرة، يتوجه بالحديث إلى بابادوك الذي كان يجلس هادئًا على طرف السطح، يأكل طعامه ببطء.
قال إيندو، ووجهه يحمل تعبيرًا من الإعجاب والدهشة: "يا دووك، أنت شخص مذهل. لم أكن أعلم أن هناك قوة مثل قوتك. لقد رأيتُ تسوباكي وهي على وشك الموت، ورأيتُ الدماء تتسرب من جسدها. كانت في حالة لم يكن من الممكن لأي أحد أن يعيدها منها. لكنك، بلمسة واحدة، عدت بها إلى الحياة. كان الأمر أشبه بالمعجزة."
توقفتُ عن الأكل، ونظرتُ إلى توميهيرو الذي كان يجلس بجانبنا، يمسك رأسه بين يديه، ووجهه يحمل تعبيرًا من الألم، وكأنه لا يزال يعاني من شيء ما. أومأ إيندو برأسه نحو توميهيرو وقال: "وهذا المسكين، ما زال يعاني من ذالك. ما الذي فعلته له يا رجل؟ هل كسرت عقله؟"
نظر بابادوك إلى إيندو بابتسامة خبيثة، ورمى بعود الطعام الذي كان في يده على الأرض.
"موت؟" قال بابادوك بسخرية، "لا أحد يموت. أنا فقط أضغط على زر التشغيل والإيقاف. الأمر ليس بهذه الصعوبة يا رجل. أنت تبالغ في الأمر."
نظر إلينا بابتسامة متكلفة، وقال بلهجة ساخرة: "أما عن هذا الأحمق، فقد منحته فرصة ليُعيد النظر في أفعاله. أتمنى أن يكون قد تعلم شيئًا منها."
شعر إيندو بالحيرة، وقال بصوتٍ متقطع: "ولكن... كيف؟"
أجاب بابادوك بنفس النبرة الساخرة: "دعني أقول لك، ليس كل ما تراه حقيقيًا. عليك أن تنظر إلى ما وراء الأشياء. الآن، دعنا ننسى هذا الموضوع. لدينا مهمة أهم الآن."
كانت ردة فعله الساخرة مثيرة للدهشة، لكنها كانت تُظهر أن بابادوك لا يهتم بالمدح أو التقدير. إنه يرى كل شيء كأنه لعبة، وكل ما يفعله هو مجرد خطوة في خطته الكبيرة.
بعدما انتهت أحاديث الجميع، وتناثرت مجموعات النقاش الصغيرة، انسحب هاروكا وجلس بعيدًا على حافة السطح، يحدق في غروب الشمس، تاركًا كل شيء وراءه. كانت ملامحه حزينة، وكان صمته ثقيلًا.
تقدمت توراكو نحوه وجلست بجانبه، وظلت صامتة لبعض الوقت، وكأنها تنتظر اللحظة المناسبة. أخيرًا، قالت بصوتٍ هادئٍ وحزين: "أعلم أنك غاضب، يا أخي. أعلم أنك تشعر بالخيانة."
نظر إليها هاروكا بنظرة فارغة، وقال بصوتٍ مكسورٍ: "لم أكن أعلم أننا إخوة غير أشقاء، كنت أعتقد أننا إخوة من أم وأب، توراكو، أمنا هي نفسها لكن أمي ليست أمك، أنا ابن أب آخر. كنت دائماً أظن بأنكم جميعًا إخوتي من نفس الأب والأم، لكنني كنت مخطئًا."
ابتسمت توراكو ابتسامة حزينة، وقالت بهدوء: "أعلم يا أخي، لكن هذا لا يغير شيئًا من الحقيقة. أنت أخي، وستظل أخي. لا يهم من تكون أمنا أو أبونا."
ثم تابعت توراكو، وصوتها يمتزج بالبكاء: "أنا آسفة لأنني لم أكن هناك من أجلك، أخي. كنت دائمًا في الظل، أراقبك من بعيد، لكنني لم أستطع أن أفعل شيئًا."
تنهد هاروكا، وقال بصوتٍ مليءٍ بالألم: "منذ أن كنتُ صغيرًا، كنتُ دائمًا وحيدًا. كان لون شعري مختلفًا، وكنتُ أتعرض للتنمر والسخرية بسبب ذلك. كان الأطفال يرمونني بالحجارة، ويطلقون علي أسماء غريبة."
نظر إليَّ، ثم عاد نظره إلى توراكو، وتابع: "في ذلك الوقت، لم تكن هناك سوى كوغامي التي تدافع عني. كانت هي الأخت التي حماني، والوحيدة التي لم تتردد في الوقوف بجانبي. لقد كانت قوتي، ولهذا السبب، أردتُ أن أكون قويًا مثلها. أردتُ أن أصبح مقاتلاً، ليس لأذية أحد، بل لأحمي نفسي وأحمي كل من أحبهم."
كانت دموع توراكو تنهمر على خديها، وقالت بصوتٍ متهدج: "أعلم يا أخي، وأنا فخورة بك. أنت أقوى مما تعتقد. أنت لست مقاتلاً، بل أنت حامي. أنت شجاع لأنك واجهت حقيقتك."
احتضنته توراكو، وظلت تهدهده وهي تبكي. في تلك اللحظة، لم يكونا قائدين لعصابة، بل مجرد أخ وأخت يتشاركان الألم والحب. كان غروب الشمس يصبغ السماء باللون الأحمر، وكنتُ أنظر إلى المشهد، وأشعر بأن هذا هو ما كانت توراكو تقصده.
بعد أن انتهت لحظة هاروكا وتوراكو المؤثرة، عاد الهدوء إلى السطح. كانت الشمس قد أوشكت على الغروب، تاركةً خلفها لوحة فنية من الألوان الدافئة. نظرتُ حولي، ورأيتُ أن الجميع كانوا يتبادلون الحديث، وكأنهم لم يكونوا أعداءً بالأمس.
كان كيريو، الفتى ذو الشعر الوردي الذي يتمتع بهدوء مدهش، يتحدث مع تومياما، ذو الشعر الأشقر الحاد. كان تومياما يقول لكيريو بإعجاب: "أنت سريع بشكل لا يصدق. لم أكن أدرك أن أسلوبك الهادئ يمكن أن يخفي مثل هذه القوة."
ابتسم كيريو ابتسامة خفيفة وقال: "وأنت أيضًا. سرعتك لا تُضاهى. يبدو أننا وجدنا خصومًا يستحقون الاحترام."
بينما كانا يتبادلان أطراف الحديث عن القتال، اقترب مني كاجي، الفتى ذو الشعر الأبيض الذي لم يترك المصاصة من فمه. نظر إليَّ بنظرة غريبة وقال بصوتٍ هافتٍ: "طعم المعركة كان مرًا في البداية... لكنه الآن أصبح حلوًا."
لم أفهم ما كان يقصده، لكنني أومأت برأسي، وعرفتُ أن هذه كانت طريقته في فهم الأمور. ابتسم كاجي ورفع مصاصته في الهواء، وكأنه يحييني، ثم عاد ليجلس في مكانه.
في تلك الأثناء، كان تسوغورا، الفتى ذو عصابة الرأس البرتقالية، يقترب من أكيهيكو، الذي كان لا يزال جالسًا بجانبي. قال تسوغورا لأكيهيكو بإعجاب: "أنت ذكي جدًا. كنتُ أرى كيف كنتَ توجه رفاقك في المعركة، وكيف كنتَ تقرأ تحركاتنا. لم أكن أعتقد أن هناك شخصًا يمكنه أن يفعل ذلك."
نظرتُ إلى أكيهيكو، ورأيتُ أن وجهه احمر خجلاً من المديح. لكنه سرعان ما عاد إلى الجدية، وقال بصوتٍ هادئٍ لكنه حازم: "أنا فقط أستخدم ما لدي. لكنني أعلم أنني لست قويًا بما يكفي. أريد أن أكون أقوى، ليس بالذكاء فقط، بل بالقوة الجسدية أيضًا."
كانت هذه هي اللحظة التي فهمتُ فيها أننا جميعًا كنا نتغير. كنا نتعلم أن القوة ليست فقط في العضلات، بل في العقل، وفي القلب، وفي القدرة على الاعتراف بالضعف.
أوشكت الشمس على الغروب، وأدركنا أن هذا الفصل من حياتنا قد انتهى. كنا جميعًا نقف على السطح، نترقب المستقبل.
بدأ الظلام يحل ببطء، وتوارت آخر خيوط ضوء الشمس خلف الأفق، معلنةً نهاية هذا اليوم الطويل والمجنون. كان علينا العودة إلى منازلنا، فخرجنا من باب السطح، ووقفنا أمام المدرسة التي دمرنا معظم ممتلكاتها في القتال. كانت المباني المحطمة وشظايا الزجاج المنتشرة على الأرض تذكيرًا صامتًا بالمعركة التي انتهت للتو.
وقفتُ أنا، وبابادوك، وأكيهيكو، وأونيزوكا معًا. كان أونيزوكا يقف منتصب القامة، ويداه متشابكتان خلف ظهره، وكأنه يودع طلابه في نهاية اليوم الدراسي. أما أكيهيكو فكان يقف بجانبي، يداه في جيوبه، ونظرة هادئة على وجهه، وكأنه لا يزال يدرس الموقف. بينما كان بابادوك يقف مسترخيًا، وابتسامة خفيفة على وجهه، وكأنه يراقب مسرحية انتهت للتو.
جاء هاروكا في وسط مجموعته، ونظر إلينا بجدية.
"آسف مجددًا على كل ما فعلناه"، قال بصوتٍ حازمٍ، "يجب أن نهرب الآن قبل أن تأتي الشرطة لاعتقالنا بسبب تخريب الممتلكات. لكنني أعدك يا بليك أنني سأكون قائدًا أفضل من كوغامي، وسأصحح أخطاءها، ولن ندع ما حصل يتكرر."
ابتسمتُ ابتسامة متعبة، لكنها كانت صادقة.
"حسنًا، اعتمد عليكم."
أومأ هاروكا برأسه وقال: "حسنًا، إنه وقت الوداع الآن. لكن إن احتجت مساعدتنا، تعال في أي وقت إلى المدرسة المهجورة. إنه مكان إقامة العصابة."
استغربتُ، وقلتُ: "المدرسة المهجورة؟ لا أعرفها. ما اسمها؟"
"اسمها على اسم عصابتنا. لا تقلق، فقط إذا وقعت في مشكلة، تعال إلى شيشتورين!"
"شيشتورين، إنه اسم جميل."
ودعناهم، وتفرق الجميع. كان الوداع مختلفًا عن أي وداعٍ آخر. كان مليئًا بالاحترام المتبادل، والفهم المكتسب. أومأ أونيزوكا برأسه إلى هاروكا، بينما أومأ هاروكا برأسه إلى أونيزوكا، في إشارة إلى الاحترام المتبادل.
ثم انقسمت العصابتان، وذهب كلٌ منا في طريقه، تاركين وراءنا المدرسة المدمرة، ومعها ذكريات يومٍ لا يُنسى.
كان الظلام قد حلَّ تمامًا عندما بدأنا طريق العودة إلى المنزل. كنتُ أنا وأكيهيكو وبابادوك نمشي في الشارع الهادئ، والأضواء الخافتة تُنير طريقنا.
تنهدتُ بعمق، وشعرتُ بتعب اليوم يغمرني، فقلتُ: "آه، يا له من يوم، أليس كذلك؟"
نظر إليَّ أكيهيكو بابتسامةٍ، وقال: "نعم، لكنني استمتعتُ بالحديث معهم بدلًا من قتالهم، ويبدو أنني تعرفت على صداقات جديدة."
ابتسمتُ ابتسامة خبيثة، ونظرتُ إليه، وقلتُ: "مممم، توراكو، أليس كذلك؟ هل وقعتَ في حبها؟"
احمرَّ وجه أكيهيكو خجلًا، وتلعثم قائلًا: "ماذا؟ مستحيل أيها الغبي!"
ضحكتُ بصوتٍ عالٍ، وتابعته: "ههههه، أنتَ بالفعل واقعٌ في الحب، لكن للأسف، الفارق العمري كبير؛ فهي في الإعدادية بينما أنت في الثانوية."
صرخ أكيهيكو: "يا أحمق، إنها أصغر مني بسنة واحدة فقط!"
"ماذا؟ هل تريد الزواج منها؟ ههههه، أكيهيكو، أنت واقعٌ في الحب حقًا، لم أتوقع هذا!"
قبل أن يكمل أكيهيكو كلامه، سمعنا صوتًا صاخبا لكنه حازم: "اصمتوا يا أغبياء، أنتم مزعجون!" كان بابادوك هو من صرخ بنا، ووجهه كان يحمل نظرة مزعجة من تفاهاتنا.
وبذلك، انتهى هذا اليوم المجنون