مرت ثلاثة أسابيع منذ معركة المدرسة. كانت ثلاثة أسابيع طبيعية بشكل يبعث على الارتياح، وكأن شيئًا لم يحدث أبدًا. كنت أذهب وأعود من المدرسة، وأستمتع بالوقت الذي أقضيه مع دووك وأكيهيكو. لا شيء جديد، وكان هذا الهدوء يعجبني كثيرًا.
في نهاية اليوم الدراسي، توجهنا أنا ودووك وأكيهيكو إلى نادي الغرائب. دخلنا ووجدنا هيمورا كالعادة، تقرأ رواية جديدة بعنوان "الساحر الأبيض". نظرت إلينا وقالت بابتسامة تذيب القلوب: "مرحبًا بكم".
أجبناها جميعًا: "أهلاً هيمورا".
استغربت مما كانت تقرأه، فهي عادةً ما تقرأ روايات الرعب، فسألتها: "تبدين مختلفة اليوم يا هيمورا، أنتِ عادةً لا تقرأين هذا النوع من القصص".
أجابتني وهي ترفع عينيها عن الكتاب: "أردت بعض التغيير عن قصص الرعب، فالتنوع جيد".
"فعلاً"، قلتُ لها، "إذا أردتِ، يمكنني أن أرشح لكِ كتبًا من مختلف الأنواع".
ردت بابتسامة واسعة: "حقًا؟ هذا رائع".
"بالتأكيد!" قلتُ بكل فخر بينما أعبث بشعري الناعم، "أنا مخضرم في هذا المجال".
"هههههههه، أنت ستعطي ترشيحات؟ لا تضحكني أيها المعفن! ذوقك مقرف!" قاطعني بابادوك، أو "دووك" كما كان يتنكر، بضحكة ساخرة.
"ماذا قلت؟"
نطحت رأسه برأسي في مشهد كوميدي، لكن فاجأني أكيهيكو الذي وقف فجأة وخرج من الفصل وهو يقول: "آسف، لدي شيء أفعله اليوم. أراكم غدًا."
كان هذا غريبًا جدًا، فنحن دائمًا ما نغادر النادي معًا في نفس الوقت. حتى دووك استغرب. نظرنا إلى بعضنا البعض وسألتُ: "ماذا تظن أنه يفعله يا دووك؟"
أجابني بلامبالاة: "لا أعرف. ربما يمتلك حبيبة سرية أو ما شابه."
لكن قاطعتنا هيمورا وهي تمسك بكتفينا، وقالت: "دعوا أكيهيكو يعيش حياته أيضًا. الناس أحيانًا تحتاج إلى بعض الخصوصية."
"حسنًا، أظن أنكِ محقة." قلتُ لها، ثم انتبهت إلى شيء آخر: "بالمناسبة، ما هذه الصورة التي كانت مغلقة؟"
"إنها هذه!" قالت وهي ترفع الصورة.
كانت الصورة لعمارة مهجورة. بدا المبنى قديمًا ومتهالكًا، نوافذه المكسورة تشبه عيونًا فارغة، والجدران المتشققة غطتها النباتات المتسلقة. بدت كأنها بقايا مبنى خرج من فيلم رعب. أكملت هيمورا بحماس: "إنه البحث الجديد لنادينا. هذه العمارة مهجورة منذ خمس سنوات، ويقول الناس إنهم يسمعون منها أصوات ضحكات وصراخًا عندما يمرون بجانبها. أليست رائعة؟"
نظرتُ أنا ودووك إليها بذهول، وقلت وأنا أبتسم بتكلف: "أجل... مثير للاهتمام."
في الواقع، لم أكن مهتمًا على الإطلاق. لقد تشبعت بالفعل بجنون الأشباح واللعنات والوحوش.
هل تريد مني أن أستمر في هذا المشهد أو أنتقل إلى مشهد آخر؟
في آخر اليوم، غادرت النادي أنا ودووك، وتوجهنا في طريقنا إلى المنزل. كان بابادوك يسكن في منزلي طوال هذه الفترة، مبررًا ذلك بأنه يحميني. لكن في الحقيقة، كان إزعاجه لا يُحتمل. كان يأكل كل الطعام في الثلاجة دون أن يشتري غيره، وكان صوته المزعج يملأ المنزل بالصخب.
فجأة، قال دووك: "هاي بليك، هل هذه هي العمارة التي كانت تتحدث عنها هيمورا؟"
أشار بيده نحو مبنى مهجور. كانت بالفعل نفس العمارة في الصورة. استغربت أنني لم ألحظها من قبل، على الرغم من أنني أعود إلى المنزل من هذا الطريق كل يوم. لكنني لم أهتم وأكملت طريقي، ليوقفني بابادوك فجأة ويقول بابتسامة متكلفة: "ما رأيك أن نستكشفها؟"
"ماذااا؟ مستحيل! الشمس ستغرب، ومن المستحيل أن أدخل إلى مكان مثل ذلك!"
"هيا، فلنرَ إذا كان فيه شيء خارق فعلاً."
"مستحيل! لماذا قد أفعل ذلك بحق الجحيم؟ أريد حياة هادئة، وأنت تحضر المشاكل إلي!"
"فكّر في الأمر. يجب أن تصبح أقوى لمواجهة الأعداء المستقبليين مثل الطائفة الساحرة أو ميتسو. لا نعلم كم من الوقت ستبقى الأمور هادئة هكذا، لكن من المستحيل أن يبقى الهدوء إلى الأبد."
"حتى لو قلت ذلك، ما الذي سأستفيده من الذهاب إلى مكان كهذا؟"
"أنا أشعر ببعض الطاقة منه. على الأغلب المكان مسكون بالجن فعلاً، لكن طاقتهم ليست كبيرة. لذا، هم مجرد جن ضعفاء يمكننا هزيمتهم بسهولة، وسأعتبر ذلك تدريبًا لك."
صمتُّ للحظات، تخبطت قليلًا، وعصرتُ دماغي. في النهاية، وافقت على مضض وقلت بتنهد: "حسنًا."
دخلنا العمارة المهجورة، التي كانت من الداخل أشد رعبًا مما توقعت. كانت الأوساخ والركام تملأ الممرات، وجدرانها تآكلت ببطء عبر السنين. كانت رائحة العفن والغبار تملأ الهواء، وأشعة الشمس الخافتة التي كانت تتسلل من النوافذ المكسورة كانت ترسم خطوطًا من الضوء على الأرضية الخشبية المتهالكة، مما يجعل الظلال ترقص في كل زاوية.
سرنا بين الممرات التي كانت تتشعب في كل اتجاه، وكل خطوة كنا نخطوها كانت تُصدر صريرًا عاليًا من الأخشاب القديمة. كنتُ خائفًا حقًا، فالظلام كان يحل في الخارج، بينما كان بابادوك يستمتع بالاستكشاف وكأنه يغيظني، يتقدم بخطوات واثقة، غير مبالٍ بالهدوء المخيف.
واصلنا الاستكشاف، وتجاوزنا غرفًا فارغة، وحمامات مدمرة، ومطابخ تحولت إلى مكب للنفايات. حتى وصلنا إلى أحد الأماكن الغريبة حيث توقف بابادوك فجأة. كانت هناك باب خشبية صغيرة في الأرض. عندما فتحناها، وجدنا سلالم عمودية حديدية تنزل إلى حفرة مظلمة تحت المبنى. كانت الحفرة صغيرة، ومحاطة بالتراب الرطب، وأسفلها لا يظهر منه شيء سوى الظلام.
لم أكن مرتاحًا للنزول، خاصة أنني لم أكن أعرف ما الذي تحويه هذه الحفرة. كان الأمر أشبه بالنزول في بئر، لكن بابادوك دفعني وقال لي: "هيا الآن، لا أحب الانتظار. لقد وصلنا إلى المكان الذي فيه الكثير من الهالة. لا بد أن الجن مختبئون في أعماق الحفرة."
"هل الجن دائمًا يختبئون في الحفر؟"
"نعم، بالطبع. الجن التي دخلت إلى بعد البشر تختبئ في الكهوف والصحاري والبحار الفارغة والأماكن المهجورة عمومًا."
"لكنك لا تسكن فيها."
"بالطبع لا. أنا جن أمتلك اسمًا."
"اسمًا؟ هل هذا مهم فعلاً؟"
"بالتأكيد! إنه مهم. فالاسم هو الذي يُعَرِّف الشيء، ولا يوجد شيء في هذا العالم بلا اسم. والشيء الذي بلا اسم فليس له قيمة."
"إذًا، هناك جن يمتلكون أسماء، وهناك جن لا يمتلكون أسماء؟"
"نعم، ومن يمتلكون أسماء أقوى من غيرهم."
"هل جميع أسماء الجن غريبة مثل السمك؟"
ركز علي بابادوك بغضب، ثم أمسك برأسي بقوة وقال لي: "اصمت!"
أثناء حديثي مع بابادوك، لم أستوعب أنني نزلت في الحفرة بالفعل عبر السلالم. كنت أنزل ببطء، بينما بابادوك فوقي ينزل أيضًا. كان المكان رطبًا ومظلمًا، وشعرت ببعض الحشرات تزحف على يدي، بينما كانت رائحة التراب القديم تملأ أنفي. كانت السلالم الحديدية التي أتمسك بها باردة ومغطاة بالصدأ، وكانت كل خطوة أضعها نحو الأسفل تجعل قلبي ينبض بقوة أكبر. أردت الصعود بشدة، لكن لا مجال للتراجع الآن.
واصلنا نزولنا إلى أن رأيت في الأسفل بعض ضوء القمر يتسرب من فتحة، ففرحت ونزلت بسرعة، وبابادوك خلفي. وجدنا المكان عبارة عن كهف كبير تحت الأرض. كانت أرضيته غير مستوية ومليئة بالصخور المدببة، والجدران الحجرية الرطبة كانت تتلألأ في ضوء القمر الخافت. كانت هناك قطرات ماء تتساقط من السقف، مما يضيف إلى الأجواء المخيفة.
"حسنًا، لم أتوقع أن أرى كهفًا تحت هذه العمارة. إذن، أين هم الجن يا بابادوك؟" قلتُ وأنا أتفحص المكان.
نظرت إلى بابادوك لأجده خائفًا ومرعوبًا. كانت هذه أول مرة أرى فيها بابادوك هكذا. خفت أنا أيضًا بمجرد النظر إلى وجهه، فقلت له: "بابادوك، ما بك؟"
"كان هذا خطأ أن ننزل!" قال بصوت مرتجف.
"ماذا؟"
"لقد أخطأت فعلاً... خطأ فادحًا."
صرختُ على بابادوك: "ماذا تعني بهذا؟ أنا لا أفهم!"
"الشيء الذي هنا... قوي جدًا."
وفجأة، انطلق شعاع أصفر مثل قنبلة ليزر، وضرب بابادوك ورماه بعيدًا، مخلفًا انفجارًا مدويًا.
"ما هذا بحق الجحيم؟!" صرختُ في ذهول، وشعرت بالرعب يجتاح كل خلية في جسدي.
وقف أمامي مخلوقٌ لا يشبه أي شيء رأيته من قبل. كان جلده أبيضًا شاحبًا، أو ربما رماديًا فاتحًا، تتخلله خطوط زرقاء داكنة وسوداء على رأسه، وذراعيه، وصدره. كان جسده مفتول العضلات، مع عضلات صدر وبطن بارزة بشكل واضح، وفي منتصف صدره كان يوجد ثقب أسود صغير.
لكن الأمر الأكثر رعبًا كان وجهه. لم يكن لديه شعر، بل رأس أملس. عيناه كانتا واسعتين وجاحظتين، بيضاء بالكامل مع بؤبؤ أزرق غريب الشكل ومتحرك، مما أعطاه مظهرًا مجنونًا ومرعبًا. بدا وكأن لديه عينين إضافيتين صغيرتين أعلى عينيه الكبيرتين. وفمه، الذي كان عريضًا بشكل غير طبيعي، كشف عن صفين من الأسنان العريضة البارزة، مثل أسنان سمكة قرش، وشكل ابتسامة واسعة ومخيفة.
كان الرعب يجتاحني. هل هذا جن؟ لا أظن ذلك، فالجن الذين واجهتهم كانوا باللون الأسود. إذًا ما هذا؟ وماذا يريد؟ هل هو السبب وراء الإشاعات التي تدور حول هذه العمارة؟ مئات الأسئلة كانت تدور في رأسي دون أي إجابة.
قطع أفكاري عندما بدأ الوحش يضحك بهستيرية، قهقهة غير بشرية. كان يتلوى من الضحك ويمسك برأسه، يهتز من اليمين إلى اليسار وكأنه فقد عقله تمامًا. ثم فجأة، فرد يديه، ورأيت كرةً غريبة تتشكل في يده اليمنى. كانت كرة غير مستقرة، أشبه بكرة مائية بلون أصفر ذهبي، عرفت على الفور أنها نفس الشعاع الأصفر الذي قذف بابادوك بعيدًا. إنها كرة بلازما ذهبية مدمرة وخطيرة، ولم أكن أملك أدنى فكرة عما أفعله.
بينما كان الكائن يضحك، رمى الكرة نحوي كمن يرمي بالونة ماء. كانت كرة البلازما تتجه نحوي مباشرةً، وكنت عاجزًا عن الحركة. في اللحظة الأخيرة، وقف بابادوك أمامي، وفتح مظلته ليستعملها كدرع. اصطدمت كرة البلازما بالمظلة، مخلفة موجة صدمة أسقطتني على الأرض. حتى مظلة بابادوك سقطت من يده، ورأيت يده محترقة بالكامل، حمراء للغاية. حتى درع بابادوك لم يكن كافيًا لإنقاذه، وهذا أثبت لي مدى قوة هذا المخلوق الذي نواجهه.
بينما كان بابادوك يحاول علاج الحروق التي غطت يده بالكامل، اختفى الكائن فجأة من أمامنا. استغربت للحظة، لكن قبل أن أستوعب ما حدث، نظرت نحو بابادوك لأجد الكائن يتشقلب من ورائه بسرعة مذهلة، ثم وجه له ركلة قوية في ظهره جعلته يطير بعيدًا. كان الكائن سريعًا لدرجة أننا لم ندرك حتى أنه هاجم.
كانت المشكلة أن الكائن الآن يقف أمامي مباشرةً. كان يفصلنا عنه بضعة أمتار فقط. بضربة واحدة يمكنه قتلي، وكنتُ عاجزًا تمامًا عن الحركة. لكن فجأة، تحركت مظلة بابادوك من تلقاء نفسها، وضربت وجه الكائن بقوة، ثم انطلقت نحو بابادوك وتمسكت بيده.
نظرت إلى بابادوك الذي ارتطم بالحائط الحجري للكهف بعنف. كانت علامات الارتطام واضحة على الجدار، ووقع على الأرض في حالة يرثى لها. كان جسده يرتجف، وعيناه تظهران الألم الشديد. كانت الضربة غير مؤثرة على الوحش إطلاقًا، فقد استمر في الضحك بجنون، وهو يقهقه بصوت يصدح في أرجاء الكهف.
حاول بابادوك النهوض بصعوبة، وقال بصوت خافت لكنه مليء بالإصرار: "لن أدعك تموت يا بليك... فأنا السبب في وصولك إلى هذا المكان. سأصلح غلطتي!"
كنت أعرف أن بابادوك لا يستطيع أن يفعل شيئًا. هو ما زال لم يتعافَ تمامًا من المعركة ضد وحش اللعنة، وما زال يجمع قواه. لهذا، هو ضعيف الآن. حاول بابادوك التحول إلى هيئته الكاملة كجني، لكنه لم يستطع.
وببرود قاتل، كون الكائن كرة بلازما ذهبية أخرى في يده، ورماها نحو بابادوك مباشرةً. انطلقت الكرة بسرعة خارقة، وحدث انفجار هائل هز الأرض من تحتي.
صرختُ باسمه: "بابادوك!"
لكن ما إن ابتعد الغبار، حتى رأيت جسد بابادوك ملقى على الأرض. يده وقدمه، كلاهما، كانا قد انفصلا عن جسده تمامًا. كان غارقًا في دمه الأسود الغامق، الذي كان يتسرب من جروحه، ومظهره يوحي بأنه لا يتحرك.
كان الوحش أمامي، يقهقه دون أن يفتح فمه، وكأن صوته المدمر ينبعث من كيانه بالكامل. كان شكله المخيف يثير في داخلي غضبًا ممزوجًا بالرعب. صرختُ على بابادوك منذ لحظات، لكنني الآن أخشى على نفسي. أنا مجرد شخص ضعيف أمام وحش مدمر. ماذا يمكنني أن أفعل؟
لكنني لن أستسلم بهذه السهولة. حاولت الهروب، ركضت بأقصى سرعة ممكنة، لكن الأمر كان بلا جدوى. في لمح البصر، وبسرعة فائقة لم أستطع إدراكها، ضربني الكائن بمخلبه الذي قطع معصم يدي بالكامل. لم أشعر بألم الضربة نفسها، بل بالصدمة التي تلتها.
سقطت على الأرض، أتألم بشدة، وممسكًا بمعصم يدي الذي قُطع بوحشية. كان الألم لا يطاق. شعرتُ وكأن آلاف الإبر تخترق ذراعي، وأن النار تشتعل في كل عصب. كانت الدماء تنزف بغزارة، وتملأ يدي، وكنتُ أرى بوضوح نهاية ذراعي، حيث توقفت الحياة. لم أصدق ما حدث، لقد فقدت يدي بهذه السهولة، وقد أفقد حياتي في الثانية التالية دون أن أشعر.
ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
فجأة، سمعت قهقهة الوحش مرة أخرى. قهقهة كانت تدمر لها الآذان، صوتًا جعلك تشعر وكأن العالم ينهار من حولك. نظرت إلى الكائن الذي كان يقهقه، شعرت بالغضب يغلي في داخلي، غضب لا يوصف. كان يضحك على ألمي، وعلى ضعفي. أقسمت في داخلي أنني لن أدعه يفلت بفعلته.
حاولت أن أقف، لكن ألم يدي المقطوعة كان يمنعني. كان ألمًا لم أشعر به من قبل، لدرجة أنني تمنيت فقط أن أستلقي وأموت في هذا الكهف. نظرت إلى الوحش ووجدته بدأ يكون كرة بلازما ذهبية أخرى في يده، كرة أكبر وأكثر إشعاعًا من أي وقت مضى.
كنت أعرف أن إصابتي بواحدة من هذه الكرات ستنهي حياتي وتحول جسدي إلى كومة من اللحم المشوي على الفور. حاولت الوقوف مرة أخرى لكن جسدي رفض أن يستجيب. لذا، قررت الزحف، وكأن الزحف سينقذني. فجأة، زادت محنتي عندما شعرت بألم شديد في عيني اليمنى التي تحمل البقعة الخضراء، ألم لا يطاق. كان شعورًا وكأن أحدهم يسحب لحمي إلى داخل جمجمتي بقوة، حتى أن العروق تضخمت وملأت محجر العين.
لم يكن ألم يدي كافيًا، والآن ألم عيني. وفجأة، اختفى الألم واختفت معه قدرتي على الحركة. لقد استهلكت كل طاقتي المتبقية، وأنا الآن عاجز تمامًا.
أكمل الوحش نحوي بخطوات بطيئة، وكأنه يستمتع بتعذيبي نفسيًا قبل أن ينهي حياتي. عندما أطلق الكرة البلازمية نحوي، ظننت حقًا أنها النهاية.
فجأة، تبخرت الكرة البلازمية في الهواء، وظهر حول جسدي هالة ذهبية أعرفها جيدًا. ثم خرج من العدم أمامي كتاب "شمس المعارف"، يضيء بنور ذهبي ساطع كالشمس. كانت صفحاته تتحرك بسرعة جنونية، وكأنها تتصفح نفسها بحثًا عن شيء ما، وتطلق ضوءًا مبهرًا يغطي الكهف بأكمله.
كنت مصدومًا تمامًا، عقلي عاجز عن استيعاب المشهد أمامي. حتى الوحش، الذي كان يملأ الكهف بقهقهاته المجنونة، توقف عن ضحكه وتسمر في مكانه، وعيناه المجنونتان تتفحصان الكتاب بفضول غريب. كانت الصدمة الكبرى عندما رأيت يدًا صغيرة بيضاء تخرج من إحدى صفحات الكتاب المضيء.
اتسعت عيناي أكثر عندما خرجت من الكتاب طفلة صغيرة. كان عمرها لا يتجاوز الثامنة أو التاسعة. كانت ترتدي معطفًا أصفر واسعًا بغطاء رأس كبير يغطي وجهها بالكامل تقريبًا، لكن خصلات من شعرها البني القصير كانت تظهر من تحته. في يدها اليمنى، كانت تحمل ضوءًا صغيرًا يتوهج بلون أصفر خافت، نفس الضوء الذي قادني إلى بر الأمان عندما احترق القصر. كانت الهالة الذهبية تحيط بها وهي تطفو في الهواء.
كان وجهها حزينًا ومتعبًا، كأنها عاشت مائة عام من الألم. نظرت إلى الكهف، إلى الوحش، ثم إلى بابادوك الملقى على الأرض، وأخيرًا إلى. عينيها البنيتان الواسعتان توحي بالكثير من الحكمة التي لا تتناسب مع عمرها.
قالت بصوت رقيق لكنه يحمل ثقلًا غريبًا:
"أخيرًا، خرجتُ من هذا الكتاب."