في ظلام الكهف الدامس، حيث الصخور المدببة تملأ الأرضية المحطمة، وقطرات الماء تتساقط ببطء، وقف شاب يلمس التراب المحطم. شعره الأسود الأشعث كان يتمايل قليلاً، وملامحه الهادئة والمركزة تعكس ثقةً كاملة. انحنى ببطء، واستنشق الهواء المحيط بالنقطة التي تبخرت فيها اللعنة. حركاته كانت دقيقة، وكأنه يقرأ كتابًا غير مرئي.
خلفه، وقفت فتاة وشاب آخر. كانت الفتاة بشعرها البني الفاتح، ترتدي زيًا داكنًا وتمسك بمطرقة. أما الشاب فكان شعره ورديًا قصيرًا، ويرتدي سترة وسروالًا داكنين مع ياقة حمراء. كانت ملامحه جادة، ويداه في وضعية قتالية.
قال الشاب ذو الشعر الأسود، وهو يرفع رأسه: "لقد كانوا هنا."
أجابته الفتاة بصوت حاد: "أدرك ذلك، لكن الأثر انتهى هنا. لا يمكنني استشعار المزيد."
نظر الشاب إلى الأفق المظلم، وتحدث بنبرة هادئة: "لا يهم. هذه اللعنة كانت قوية. وجودها هنا دليل على أن شيئًا ما يحدث."
"وما هو الشيء؟" سألته الفتاة وهي تضغط على مقبض مطرقتها. "هل هو مستعمل جوجوتسو قوي؟"
أومأ الشاب برأسه، وأجاب: "بما أننا في كهف، فقد تكون هذه القرية تحمل طاقة ملعونة كبيرة. وقد يكون من أخرجه هو من قاتل اللعنة."
ثم التفت إلى الشاب ذي الشعر الوردي وقال: "لننسحب حاليًا. يجب أن نخبر رؤساء الجوجوتسو. هذه اللعنة كانت قوية جدًا. ومن قاتلها يجب أن يكون أقوى، أو يمتلك أداة قوية. أيًا كان السبب، أريد أن أجد الإجابة بنفسي. أنا لا أريد أن أجد كتاب شمس المعارف فقط، بل أريد أن أعرف من الذي يقاتل اللعنة. هذا هو الجبل الحقيقي الذي يجب أن نصعده، أليس كذلك يا إيتادوري؟"
استدار الشاب نحو إيتادوري الذي أجابه بهدوء: "نعم، من الممكن أنهم سرقوا إصبع سوكونا أيضًا."
[منظور بليك]
لم أتخيل يومًا أن رحلتي للنجاة ستكون عبارة عن تسلق جبل. لم تكن الصخور المدببة ولا الارتفاع الشاهق هو المشكلة، بل كانت المشكلة الحقيقية تتمثل في الكائن الصغير الذي يتبعني، أو بالأحرى، يتقدم أمامي بخطوات ثابتة ومملة.
"ألا يمكننا أن نأخذ استراحة؟" صرختُ، وصدى صوتي ارتد من الجبل وكأنه يوبخني على ضعفي. كنت أتصبب عرقًا، ورئتاي تحترقان من الجهد، بينما كانت مونو تتقدم ببطء، وكأنها في نزهة صباحية.
توقفت مونو، وأدارت رأسها نحوي. معطفها الأصفر الباهت كان يتمايل مع الرياح الخفيفة، وعيناها الهادئتان كانتا تحدقان فيّ دون أي تعبير. "لماذا؟" سألت بهدوء.
"لماذا؟!" أعدت كلمتها وكأنها نكتة سخيفة. "لأنني على وشك الانهيار! جسدي ليس مصممًا لتسلق الجبال. لقد قلتُ لكِ إنني لست رياضيًا!"
أشارت مونو إلى يدي التي كانت مشدودة على صخرة: "لكن جسدك تعافى. القوة في داخلك، يجب أن تتقبلها."
"القوة ؟ هل أنتِ جادة؟" استندت على الصخرة وأخذت نفسًا عميقًا. "أنتِ تتحدثين عن القوة وكأنها حبة فيتامين! هذه ليست قوة، هذا شعور غريب يملأ جسدي، وكأنه على وشك الانفجار في أي لحظة. هل هذا شعور طبيعي؟"
لم تُجب مونو على سؤالي، بل أدارت ظهرها وبدأت في الصعود مجددًا. "هيا، ليس لدينا الكثير من الوقت."
"ماذا تقصدين بـ'ليس لدينا الكثير من الوقت'؟" لحقت بها بصعوبة. "أين نحن بالضبط؟ لماذا في الصين؟ ولماذا جبل بالتحديد؟ هل الجبل سيجعلني أقوى؟"
تجاهلت مونو أسئلتي تمامًا. استمرت في الصعود، ويديها الصغيرتان كانتا تتشبثان بالصخور بكل سهولة، وكأنها تنمو من الجبل نفسه. كان شكلها يثير جنوني. كيف يمكن لطفلة بحجمها أن تكون بهذه القوة؟
بعد فترة من الصمت، سألتها مجددًا: "هل أنتِ متأكدة أننا في الطريق الصحيح؟"
توقفت مونو مرة أخرى، ونظرت إليّ بجدية: "ماذا تقصد؟"
"أقصد… ألم تشعري أننا نذهب في دائرة؟" أشرت بيدي إلى الخلف. "أنا متأكد أنني رأيت تلك الشجرة منذ ساعة!"
ردت مونو ببرود: "لا. تلك كانت شجرة أخرى."
"أخرى؟" قلت بسخرية. "هل الأشجار هنا تأتي على شكل مجموعات؟"
لم ترد مونو، بل بدأت تسرع في خطواتها، وكأنها تحاول الهروب من أسئلتي. كان عليّ أن أركض للحاق بها.
"مهلًا!" صرخت. "هل يمكن أن يكون هناك مصعد؟ أو حتى حبل؟ أي شيء يخفف من هذا العذاب؟"
نظرت إليّ مونو، وعيناها كانت تلمعان بضوء غريب: "الضعفاء هم من يبحثون عن الحلول السهلة."
شعرت بالإهانة، لكنني لم أستطع الرد. كانت كلماتها تثير في داخلي شعورًا غريبًا من التحدي. رغم تذمري، كان هناك جزء مني يريد أن يثبت لها أنه مخطئة، وأنني لست ضعيفًا.
مرت ساعات طويلة، وكلما اعتقدت أنني سأصل إلى القمة، كان يظهر أمامي منحدر آخر. كان الألم في ساقي يزداد، وكل جزء من جسدي كان يصرخ من الإرهاق. لكن مونو لم تتوقف. كان صمتها وبرودها هو الوقود الذي دفعني للاستمرار.
أخيرًا، وبعد جهد كبير، وصلتُ إلى القمة. كانت الشمس قد بدأت في الغروب، وألوان السماء البرتقالية والوردية كانت ترسم لوحة فنية ساحرة. الهواء كان نقيًا وباردًا، وكانت القرية الصغيرة تظهر في الأفق وكأنها نقطة صغيرة من الضوء.
وقفتُ بجانب مونو، ونظرت إلى الأفق، وقلتُ بصوتٍ متعب لكنه مليء بالإعجاب: "إنها... جميلة حقًا."
أومأت مونو برأسها، ثم نظرت إليّ وقالت: "لقد وصلت."
لم تكن كلماتها مجرد ملاحظة، بل كانت اعترافًا. لقد وصلتُ إلى القمة، ليس بفضل قوتي، بل بفضل إصراري. شعرت بفخر غريب، رغم كل التذمر الذي قمت به.
ثم قالت مونو، وهي تخرج يدها من جيبها: "الآن، لنبدأ التدريب."
ابتلعت ريقي بصعوبة. لم تكن هذه مجرد نزهة، بل كانت بداية الجحيم.
تسلقت أخيرًا إلى قمة الجبل، حيث كان الهواء باردًا ونقيًا، والمنظر يأسر الأنفاس. لم يكن مجرد منظر بانورامي للأفق، بل كان هناك مشهد سحري يملأ المكان. بحيرة صغيرة، مياهها صافية بلون الفيروز، محاطة بالصخور الرمادية والأعشاب الخضراء الداكنة. وفي الجانب الآخر، صف من الأشجار الخضراء الغامضة يمتد كحدود طبيعية. كان المنظر هادئًا وجميلًا، لكن جسدي كان يرفض أن يستمتع به.
كنت ألهث بصوت عالٍ، كل نفسٍ يخرج كصرخة مكتومة. ساقاي ترتجفان، وأدركتُ أنني على وشك السقوط في أي لحظة. بالكاد تمكنتُ من سحب نفسي خطوة تلو الأخرى، متجاهلاً الألم الحارق في عضلاتي، حتى وصلت إلى حافة البحيرة. كان الماء يلمع ببرود، يدعوني للغطس فيه.
"إذًا... هذا... هو السبب... لصعودنا كل هذا الطريق... للاستحمام!؟" تمكنتُ من إخراج الكلمات بصعوبة. لم أكن أهتم بالجمال أو الهدوء، كل ما أردته هو تخفيف الإرهاق.
بدون أي تردد، انحنيت، وأخذت حفنة من الماء الفيروزي، ثم بدأت بغسل إبطي ببرود ودون مبالاة، متجاهلاً تمامًا وجود مونو. كان الماء باردًا ومنعشًا، ولفترة وجيزة، شعرتُ وكأن كل التعب يغادر جسدي.
"يا بليك، هذا غير مهذب أن تغسل إبطيك في بحيرة الدموع الأبدية."
تجمدتُ في مكاني، بينما كانت يدي لا تزال مغطاة بالماء والصابون المتخيل. رفعتُ رأسي ببطء لأرى مونو تنظر إليّ ببرودها المعتاد، عيناها لا تظهران أي مشاعر، وكأنها تراقب حشرة تفعل شيئًا غبيًا.
"بحيرة... ماذا؟" كان صوتي يخرج باهتًا، بالكاد مسموعًا. شعور من الرعب البارد بدأ يتسلل إلى جسدي، مختلطًا بالإرهاق. لم أعد أهتم بغسل إبطي أو بجمال البحيرة، كل ما فكرتُ به هو معنى تلك الكلمات. هل كنت أغسل نفسي في مكان مقدس؟ أو أسوأ من ذلك، مكان ملعون؟
حدقت في الماء، الذي كان يلمع وكأنه لا يحمل أي أسرار، ثم نظرت إلى مونو، التي كانت لا تزال تنتظر رد فعلي، مدركًا أنني قد ارتكبت خطأً فادحًا.
تجمدت في مكاني، شعوري بالخجل يطغى على إرهاقي. مونو، بوجهها الخالي من التعابير، أدارت ظهرها وبدأت تسير على طول حافة البحيرة. "يا بليك، اتبعني." كانت نبرتها آمرة، لا تقبل النقاش.
بعد أن جففت نفسي بسرعة، تبعتها حتى وصلنا إلى حافة المنطقة، حيث توقفتُ فجأة، غير قادر على التقدم. المشهد أمامي كان ساحرًا لدرجة لا تُصدق. جبال شاهقة مغطاة بالضباب والسحب، بعضها يبرز كصخور حادة. بين هذه الجبال، يمر نهر يتلألأ، وعليه جسر حجري صغير يربط ضفتيه. مبانٍ آسيوية تقليدية، كأنها معابد أو أبراج، تظهر على بعض التلال. السماء مضيئة بنور الشمس الذهبي عند الغروب، مما يضفي على المشهد جوًا هادئًا وسحريًا.
لم أكن أرى نهاية للمنطقة، كانت غابة كثيفة لا أرضية لها ولا أفق. شعرتُ وكأنني داخل لوحة فنية، أو كأن هذا المكان لا ينتمي إلى عالمنا. كان قلبي ينبض ببطء، وفي لحظة نسيتُ كل التعب الذي عانيته. التفت إلى مونو، ورأيتها تبتسم للحظة، ابتسامة خفيفة، ثم عادت إلى هدوئها.
شعرتُ بفرح غريب. لقد شاركتني هذا الشعور، هذا المنظر الساحر. "ما هذا المكان يا مونو؟ إنه جميل حقًا."
قالت بهدوء: "مرحبًا بك يا بليك في غابة الضباب المخفية، حيث خرج أعظم مستعمل فنون قتالية في العالم، محارب التنين."
"حسنًا، اسمه رائع على الأقل." قلتُ مبتسمًا.
نظرت إليّ مونو بجدية. بدأت تطفو ببطء حتى وصلت إلى ارتفاع صغير، لكنها بدت وكأنها في قلب الشمس البرتقالية العملاقة، يشع منها نفس الضوء الذهبي، مع هالتها الصفراء الخاصة. كان مشهدًا مهيبًا.
قالت لي وهي تقبض يدها بقوة: "بليك، أتريد أن تصبح أقوى؟"
للحظة، عادت كل ذكرياتي إلى رأسي. صوت سورا يتهكم عليّ، خوف أكيهيكو على أخته، عجز بابادوك أمام اللعنة. كل هذه الذكريات كانت كالنار في داخلي. أردتُ أن أتوقف عن الشعور بالضعف، أردتُ أن أكون الشخص الذي يحمي لا الذي يُحمى.
"نعم."
"هل تريد أن تحمي أصدقائك؟"
"نعم."
"هل تريد أن تثبت نفسك للعالم؟"
"نعم."
"إذن أنت تلميذي ولن أخذلك أبدًا."
"أجل، أقبل." كانت الكلمات تخرج من فمي بحماس، لكن في داخلي، كنت أعلم أنني قد بدأت أصعب رحلة في حياتي.
أدرت ظهري للمنحدر، تاركًا خلفي كل التعب والإرهاق. كان قلبي ينبض بحماس، وكلمة "نعم" تتردد في ذهني، تمنحني قوة لم أكن أعرف أنني أمتلكها. الآن، بعد أن أصبحت "تلميذًا"، كان عليّ أن أكتشف ما تخبئه لي هذه "المعلمة" الغامضة.
بدأت أتجول حول البحيرة، أراقب انعكاس الجبال في مياهها الهادئة. كان الهواء باردًا ونقيًا، ورائحة التراب الرطب تملأ رئتي. كان هذا المكان غريبًا، لكنه كان يبعث على الهدوء في نفس الوقت.
"مونو،" قلتُ، محاولًا كسر الصمت، "هل يمكننا أن نتوقف عن هذا الجدية المفرطة؟"
كانت مونو تسير أمامي، تتأمل في البحيرة وكأنها لم تسمعني. كانت هادئة كتمثال، وهذا الهدوء كان يثير جنوني.
"أقصد،" تابعتُ، "هل يمكننا أن نتحدث عن أشياء عادية؟ مثل... هل أنتِ من هواة البان كيك؟ أم أنكِ تحبين البيتزا أكثر؟"
لم ترد مونو، بل توقفت فجأة، والتفتت إليّ. "لا يوجد وقت للحديث عن الطعام." كانت نبرتها حادة، وكأنها توبخني على تفكيري السطحي.
شعرتُ بالإحباط. "حسنًا، حسنًا، لكن هل يمكنني أن أطرح عليكِ سؤالًا واحدًا على الأقل؟"
نظرت إليّ مونو ببرود. "ماذا؟"
"هل أنتِ إنسانة؟"
تجمدت مونو في مكانها للحظة. كان هذا أول سؤال يغير من تعابير وجهها. لقد شعرتُ أنني قد لمستُ وترًا حساسًا.
"ما هذا السؤال؟" قالت بصوت منخفض، "أنا حارسة الكتاب. هذا هو كل ما تحتاج إلى معرفته."
لم أقتنع بإجابتها. "لكن لديكِ مشاعر. لقد ابتسمتِ عندما رأيتِ المنظر، ولقد شعرتِ بالانزعاج عندما تحدثتُ عن غسل إبطي."
نظرت مونو إلى البحيرة مجددًا، وكأنها تتجنب النظر في عينيّ. "لا يوجد وقت لهذه الأسئلة."
شعرتُ أنني قد تجاوزت حدودي. قررتُ أن أغير الموضوع. "حسنًا، وماذا عن هذه البحيرة؟ لماذا اسمها بحيرة الدموع الأبدية؟"
لم ترد مونو، بل أشارت إلى صخرة كبيرة في وسط البحيرة. "هناك،" قالت. "هناك ستكون نقطة انطلاقك."
تجاهلتُ ما قالته، وبدأت أتجول حول البحيرة، لكن هذه المرة، كنت أراقب كل شيء بعناية. كان هذا المكان يحمل أسرارًا، ومونو كانت جزءًا من هذه الأسرار. في هذه اللحظة، لم أكن مهتمًا بالتدريب فقط، بل أردتُ أن أكتشف من هي هذه الفتاة الغامضة.
استمررت في المشي، ولكن لم يكن التجول حول البحيرة هو ما يشغل بالي، بل كانت مونو. كان عدم إجابتها على أسئلتي يثير إحباطًا كبيرًا في داخلي. أردتُ أن أفهمها، أن أعرف من هي، لكنها كانت مثل لغز محكم الإغلاق. شعرتُ بالغضب واليأس، فكلما حاولت الاقتراب، كانت تبتعد. بدا وكأنها لا تهتم بي كشخص، بل كأداة يجب تدريبها. كان هذا الشعور قاسيًا، وكأنها سحبت مني كل شيء إنساني وجعلتني مجرد مشروع.
لكن بينما كنت أتجول بانزعاج، لمحت شيئًا غيّر نظرتي بالكامل.
في لحظة انحراف نظري عن البحيرة إلى وجهها الصغير داخل معطفها الأصفر الذي لم تخلعه أبدًا، اكتشفتُ شيئًا غير موازين، شيئًا لم يكن يتناسب أبدًا مع برودها. كانت ملامحها ناعمة ورقيقة. أنفها صغير، وشفتاها ورديتان، وعيناها الهادئتان كانت تلمعان بلمسة من البضاعة التي لم ألاحظها من قبل.
كان جسدها الصغير، المخبأ تحت المعطف، يبدو ضعيفًا وهشًا، كأنه جسد طفلة لا يمكنها أن تضر أحدًا. كان هناك تناقض صارخ بين هذه الملامح البريئة والقوة الهائلة التي رأيتها. كانت تبدو لطيفة جدًا، كيوت، كما لو أنها خرجت للتو من قصة خيالية. كان هذا الوجه البريء واللطيف هو الوجه الذي دمر وحشًا هائلاً بلمسة واحدة. شعرتُ بالارتباك، وكأن شخصيتين مختلفتين تعيشان في جسد واحد.
في هذه اللحظة، لم أعد أرى مونو ككائن غامض أو حارسة للكتاب، بل كفتاة صغيرة، ربما تحتاج إلى فهم أكثر مما تحتاج إلى تدريب.
أخذت أتقدم منها ببطء، وابتسامة شيطانية بدأت ترتسم على وجهي. كانت عيناي تلمعان بلمعة لم ترها مونو من قبل، لمحة من التحدي والشر. كانت يداي مستعدتين، وأصابعي متشنجة، بينما كنت أسير نحوها ببطء، كل خطوة محسوبة.
توقفت مونو، ونظرت إليّ ببرودها المعتاد، لكن هذه المرة كان هناك شيء مختلف في عينيها. كان هناك لمحة من الحذر والفضول. "بليك، ماذا تفعل؟" سألت، وصوتها كان أكثر هدوءًا من المعتاد.
لم أجبها، بل استمررت في التقدم. كانت تبدو هشة جدًا في هذه اللحظة، وهذا الضعف الظاهري كان يغري غريزة الشر في داخلي. عندما وصلت إليها، أخذت وضعية غريبة، ثم، وفي لحظة مفاجئة، انقضضت عليها!
أمسكتُ رأسها بكلتا يدي، وبدأت أفرك شعرها الأشعث. كان ناعمًا، كشعر الأطفال، وكأنني ألعب مع دمية. لم تكن تتوقع ذلك. حاولت الإفلات مني، لكن قبضتي كانت قوية.
"اتركني! ماذا تفعل؟" صرخت، وصوتها كان أكثر انزعاجًا من المعتاد.
ثم، ودون أي تردد، بدأت في مط خدودها. كانا ناعمين ومرنين، مثل العجين. كانت عيناها تتسعان ببطء، وفي وجهها ظهر تعبير لم أكن لأتخيل أنه يمكن أن يظهر على وجهها: تعبير عن الإحراج.
"بليك! توقف!" صرخت، وراحت تضرب يدي بخفة، محاولة إبعادي.
"ماذا؟" قلتُ بسخرية. "ألا تحبين ذلك؟"
"لا، لا أحبه! اتركني!" كانت تتأرجح يمينًا ويسارًا، محاولة الإفلات مني، ولكنني كنت أستمتع بهذا المشهد المضحك. كانت هذه الفتاة القوية، التي دمرت وحشًا هائلاً، عاجزة أمامي الآن.
بعد فترة من اللعب، تركتها أخيرًا. كانت تتنفس بصعوبة، وشعرها كان مشعثًا أكثر من المعتاد. نظرت إليّ بغضب، لكنني رأيت في عينيها لمحة من الضحك المكبوت.
"لا تفعل ذلك مرة أخرى!" قالت بصرامة.
"حسنًا، حسنًا،" قلتُ، وأنا أبتسم بانتصار. "لكن اعترفي أنكِ استمتعتِ بذلك."
أدارت ظهرها لي، ثم قالت بصوت خافت: "لا... لم أفعل."
في هذه اللحظة، شعرتُ أنني قد كسرتُ الجليد بيننا أخيرًا. لم تعد مونو مجرد حارسة للكتاب، بل أصبحت فتاة صغيرة، لديها مشاعر، وتغضب، وتضحك أيضًا.
لم يكن لدي وقت لأستمتع بانتصاري، فمونو كانت تسير مجددًا، لكن هذه المرة كان في مشيتها شيء من الانزعاج. لحقت بها وأنا أبتسم ابتسامة شيطانية.
"إذا لم تجيبي على كل أسئلتي،" قلتُ بنبرة خبيثة، "سأظل اليوم بطوله أدغدغك وأزعجك."
توقفت مونو فجأة، وعيناها كانتا تلمعان بالغضب. ثم تنهدت ببطء وقالت، وكأنها تستسلم: "حسنًا... حسنًا... سوف أخبرك."
"رائع!" قلتُ، وجلستُ على الأرض أمامها، مستعدًا لسماع شروحاتها.
"أولًا، هل أنتِ بشرية؟" كان هذا سؤالي الأول.
صمتت مونو للحظة، وعلامات الحزن بدأت تظهر على وجهها. كان هذا أول تعبير عاطفي حقيقي أراه عليها. "لقد كنتُ بشرية يومًا ما في الماضي،" قالت بصوت خافت، "لكني الآن روح حارسة للكتاب."
"ماذا!؟ أتعنين أنكِ شبح... مثل ميساكي؟"
نظرت إليّ بغضب مصطنع، وقالت: "لا يا غبي! هناك العديد من أنواع الأرواح. أتظن أن هناك تعريفًا واحدًا للأرواح؟"
"أظن ذلك... ما الفرق؟"
"ميساكي هي نوعية الأشباح البشرية، وهي أرواح أو بقايا غير مادية لأشخاص ماتوا، لكنهم لم ينتقلوا إلى 'العالم الآخر'. غالبًا ما تكون مرتبطة بمكان، حدث، أو شخص، وتظهر نتيجة موت مأساوي أو عنيف، أو رغبة لم تتحقق أو ندم كبير. يمكن أن يستحوذ عليها الشياطين، مما يجعلها أرواحًا شريرة. لكني لستُ من نوع الأشباح البشرية."
"إذن أنتِ ماذا؟"
"أنا روح اصطناعية."
استمرت مونو في شرحها، وكنت أستمع إليها بانتباه. كان عالم الأرواح يبدو أكثر تعقيدًا مما تخيلت.
"تنقسم الأرواح في العالم إلى عدة أنواع، أبرزها: الأرواح الصغرى، وهي أرواح ضعيفة وتوجد بوفرة في الطبيعة. يمكن للسحرة إبرام عقود معها لاستخدام قواها في السحر. ثم هناك الأرواح الكبرى، وهي أرواح قوية جدًا ونادرة. إبرام عقد مع روح كبرى يمنح مستخدم السحر قوة هائلة، لكنه يتطلب كمية كبيرة من المانا من المتعاقد معه."
نظرت إليّ مباشرة، وقالت: "الروح الاصطناعية هو نوع خاص ونادر جدًا من الأرواح تم إنشاؤه بواسطة شخص لديه معرفة وقوة استثنائية، وليس كائنًا طبيعيًا. بالمقارنة مع الأرواح العادية التي تنمو بشكل طبيعي، فإن الأرواح الاصطناعية تُخلق بمستوى قوة محدد وثابت، ولا تتطور بشكل طبيعي. وهي تعتبر نتاج معرفة سحرية عميقة، وهي نادرة للغاية في العالم، وأنا إحداها لكني مختلفة قليلاً."
"أنا أرى الاختلاف،" قلتُ، "بما أن الروح الاصطناعية يتم إنشاؤها من البداية كروح، لكن حسب كلامك، كنتِ بشرية."
"نعم."
"لكن كيف أصبحتِ روحًا..."
تجمدت مونو في مكانها، وعيناها كانت تنظران إلى الأرض. كان الغضب واضحًا على وجهها. "أنا لا أريد التكلم عن الأمر."
"ح...حسنًا،" قلتُ، وأنا أبتلع ريقي بصعوبة. كان من الواضح أن هذا الموضوع كان حساسًا بالنسبة لها.
جلست مونو صامتة للحظة، عيناها مثبتتان على الأرض. بدا عليها الإحباط، وكأنها نادمة على كل كلمة قالتها. ثم رفعت رأسها ونظرت إليّ. "هل ارتحت الآن؟ لقد عرفت كل شيء." كانت نبرتها باردة، خالية من أي مشاعر
[منظور مونو]
لم أكن أرغب في الحديث عن الماضي. لماذا يريد هذا الأحمق أن يعرف كل شيء؟ لقد أخبرته أنني روح اصطناعية، وأنني حارسة للكتاب، وهذا يكفي. لكنه لم يقتنع. شعرت بالحزن يتسرب من داخلي، وكنت أعلم أنه قد لاحظ ذلك.
كنت على وشك أن أغضب وأصرخ في وجهه، لكني شعرتُ فجأة بيديه تلمسان رأسي. كانت يداه دافئتين، وكنت أسمعه يهمس: "أنتِ لطيفة، ولأنكِ حزينة."
كانت كلماته كالصدمة. لم أتوقع منه أن يكون لطيفًا، لم أتوقع منه أن يرى حزني. أنا روح اصطناعية، ليس من المفترض أن أشعر، وليس من المفترض أن أكون حزينة. لكنه... كان يرى شيئًا مختلفًا.
"أبعد يديك عني!" صرختُ، وشعرتُ بالخجل يملأ وجهي. "أنا لستُ... حزينة!"
لقد كذبت. كنتُ حزينة، وكنتُ أرغب في أن يظل يربت على رأسي. لكنني لم أستطع أن أسمح لنفسي أن أكون ضعيفة. أنا حارسة، ومهمتي هي حماية بليك، وليس العكس.
ابتعد عني، ولكني شعرتُ أن شيئًا ما قد تغير. لم يعد ينظر إليّ ككائن خارق، بل كفتاة. كان هذا الشعور غريبًا، لكنه لم يكن سيئًا.
بعد أن ابتعد عني، وقفتُ ونظرت إليه. كان يبتسم بانتصار. "أنتِ فتى غريب بحق."
لم أكن أقصد ما قلته. كنتُ أعني أنه فتى غريب، لكن بطريقة جيدة. لقد كان أول شخص يعاملني كإنسانة
[منظور بليك]
قلبي ما زال ينبض ببطء، محاولًا استيعاب كل ما قالته. كان هناك الكثير من المعلومات الجديدة التي كانت تتدفق إلى رأسي، وكنتُ أحاول أن أربطها معًا.
"إذًا لماذا هذا المكان اسمه بحيرة الدموع الأبدية، ولماذا تلك الغابة تدعى بغابة الضباب المخفية؟" سألتها، وأنا آمل أن أحصل على إجابة منطقية هذه المرة.
نظرت مونو إلى الغابة الكثيفة التي تحيط بالبحيرة، وقالت: "بالنسبة للغابة، فاسمها هكذا لأنها غابة كبيرة للغاية، لكنها أيضًا محاطة بضباب يمنع المخلوقات التي تعيش هناك من الخروج، وفي الوقت نفسه يمنع البشر من الدخول."
"مخلوقات... ماذا تعنين؟" سألتُ، وشعرتُ بقشعريرة باردة تسري في جسدي.
"أعني الوحوش، بالطبع. هذه الغابة من أكثر الغابات في العالم التي تحتوي على وحوش."
شعرتُ بالرعب. كانت عيناي تتسعان، وتوقفت عن المشي. هل أنا في منتصف غابة مليئة بالوحوش؟ هل هذا جنون؟
أكملت مونو، وكأنها لم تلاحظ رعبي: "أنا لا ألومك على أنك لم تسمع بها من قبل، لأن أي إنسان استطاع دخولها، لم يستطع الخروج بعدها."
"يبدو هذا مرعبًا جدًا!" قلتُ، وصوتي يرتجف.
أكملت مونو، وهي تبتسم ابتسامة خفيفة: "وبالنسبة إلى بحيرة الدموع الأبدية..."
كنتُ مستعدًا لسماع أي شيء. بعدما سمعت عن غابة الوحوش تلك، لن أتفاجأ من أن تكون هذه البحيرة تحتوي على وحش أسطوري أو ألف دمعة ذهبية.
أكملت مونو حديثها وقالت: "إنها مجرد اسم فحسب."
"ماذااااااااااااااااااااا؟!" صرختُ، وصدى صوتي تردد في الجبال.
نظرت إليّ ببرود، وقالت: "لماذا أنت متفاجئ؟ إنه مجرد اسم ابتكره سكان البلدة، لأن هذه البحيرة تصبح مالحة في الصيف مثل الدموع، وعذبة في الشتاء."
"إذًا هي مجرد بحيرة عادية؟"
"نعم، لكن هذا المكان مناسب جدًا للتدريب، لأنه خرج منه أعظم مقاتل فنون قتالية، محارب التنين."
"حسنًا، حسنًا، لا أهتم." قلتُ، وأنا أشعر بالخجل من ردة فعلي المبالغ فيها.
تحول المشهد فجأة، وانتقلنا من ضباب الغابة المخيفة إلى مكان مشمس ومفعم بالحياة. كان الهواء دافئًا، وضوء الشمس يرقص على سطح بحيرة الدموع الأبدية، ويجعل مياهها الفيروزية تبدو وكأنها جوهرة عملاقة.
كنتُ أقف هناك، ممسكًا بيدي كتاب شمس المعارف، وأمامي مونو الهادئة. كانت عيناها تحدقان فيّ دون أي تعبير، وكأنها تزن كل كلمة ستقولها.
"حسنًا،" قالت أخيرًا، "هذا هو أول تدريب لك."
شعرتُ بالحماس يملأني. "رائع! هل ستدربينني على استعمال سحر الأطباق المتفجرة، أم ستعلمينني كيفية الطيران؟" قلتُ، ويدي كانت ترتجف من الإثارة.
"لا."
كلمة واحدة فقط كانت كافية لتحطيم كل أحلامي. "ماذا؟!" قلتُ، وشعرتُ بخيبة أمل عميقة.
أكملت مونو، وكأنها لم تلاحظ شيئًا: "سوف تتعلم السحر لاحقًا، لكن الآن نحن نحتاج إلى تدريب جسدك الهزيل."
"لا أيتها الأخت!" قلتُ، وقد بدأ اليأس يتسلل إلى صوتي. "أنا أكره تدريب الجسد. فلنفعل شيئًا آخر! لندرب العقل، أو أي شيء آخر شائع!"
"أغلق فمك ودعني أدربك." كان صوتها حازمًا، لا يقبل النقاش.
"حسنًا..." استسلمت، ولم يكن لدي أي خيار آخر.
"لكن لماذا أنا ممسك بـشمس المعارف؟" سألتُ، وأنا أرفع الكتاب.
"قبل أن نبدأ التدريب،" قالت مونو، "يجب أن تكتشف شيئًا عن الكتاب، لكي تبدأ في استعمال قدراته الكاملة."
"قدراته الكاملة؟"
"افتح الكتاب."
"ح... حسنًا."
بدأتُ أفتح الكتاب ببطء، وأتصفحه. كانت لغته الغريبة لا تزال لا تُفهم، وصوره المرعبة للجن لا تزال تخيفني. كنتُ أقلب الصفحات، كل صفحة كانت تحتوي على رموز غريبة ورسومات مخيفة. كانت هذه مجرد صفحة عادية، صفحة من اللغات والرسوم التي لم أستطع فهمها.
كان هذا أمرًا محيرًا. أقف في مكان ساحر، ومعي فتاة خارقة، وكل ما تطلبه مني هو تصفح كتاب لا أفهم منه شيئًا. "ما الذي سأستفيده من تصفح كتاب لا أفهم منه شيء؟" سألتُ مونو، وكنتُ مستغربًا من هذا التدريب الغريب.
"افتح الكتاب على أي صفحة." كان صوتها هادئًا ومطمئنًا.
فعلت ما طلبته، وفتحت الكتاب على صفحة عشوائية. كانت مليئة بالرموز التي لم أفهمها والرسومات التي كانت تخيفني. "امسك به بكلتا يديك."
أمسكتُ بالكتاب، وكنتُ ألاحظ أن وزنه كان ثقيلاً للغاية، كأنني أحمل صخرة. "أغمض عينيك."
أغمضتُ عيني، وكنتُ أرى كل شيء مظلمًا. "والآن، حاول أن تتخيل في دماغك أن الكتاب الذي في يدك الآن مجرد كرة نور."
"كرة نور؟" كادت هذه الكلمات أن تثير الضحك في داخلي. الكتاب كان قاسيًا، وباردًا، وثقيلاً، كيف يمكنني أن أتخيله ككرة نور؟ حاولت، لكن كل ما رأيته في عقلي كان غلافًا أسود قاسيًا، وصفحات مرعبة.
"حاول الهدوء، واسترخِ، وأخرج كل الأفكار عديمة الفائدة من رأسك. وصب كل تفكيرك في شيء واحد: أن تتخيل كرة النور."
حاولتُ مرة أخرى. أخذتُ نفسًا عميقًا، وأخرجته ببطء. حاولتُ إفراغ عقلي من كل شيء، من الخوف، من القلق، من التعب. لكن الأفكار كانت تتدفق بلا توقف.
"أنا فاشل. لن أستطيع فعل هذا."
فجأة، شعرتُ بيد مونو الصغيرة تلمس يدي. كان لمسها دافئًا ومطمئنًا. "أنت لست فاشلًا،" قالت بصوت خافت، "أنت فقط خائف."
كلماتها كانت كالسحر. كل الخوف الذي كان في داخلي بدأ يختفي ببطء. أخذتُ نفسًا عميقًا آخر، وأغمضتُ عيني مرة أخرى. هذه المرة، لم أحاول أن أرى كرة نور، بل حاولت أن أشعر بها. شعرتُ بالدفء يخرج من الكتاب، وشعرتُ بالضوء يملأ يدي. شعرتُ بأن الكتاب لم يعد مجرد كتاب، بل كان جزءًا مني.
وفجأة، رأيتُ كرة نور في عقلي. كانت صغيرة، لكنها كانت ساطعة للغاية. كانت تتحرك ببطء، وتكبر، وتملأ كل شيء من حولي. شعرتُ بأنني لم أعد في الجبل، بل كنتُ في وسط هذا الضوء.
"لقد نجحت!" سمعت صوت مونو، وكانت نبرتها تحمل لمحة من الفخر.
فتحتُ عيني، ونظرت إلى الكتاب. لم يكن كرة نور، لكنه لم يعد مجرد كتاب. كان هناك شيء مختلف. كان هناك شعور بالقوة، وشعور بالسلام.
"ماذا حدث؟" سألتها، ولم أكن أستطيع أن أصدق ما حدث.
"لقد استطعت أن ترى ما هو الكتاب حقًا. إنه ليس مجرد كتاب، بل هو مصدر للقوة. والآن، أنت مستعد للتدريب."
استمرت مونو في شرحها، وكنت أستمع إليها بانتباه شديد. كانت كل كلمة تقولها تثير في داخلي شعورًا بالفضول والإثارة.
"والآن، مد يدك بهدوء، والمس بكفك الصفحة في الكتاب."
فعلتُ ما طلبته. مددت يدي اليمنى ببطء، ولمست صفحة الكتاب. كانت باردة وناعمة.
"والآن أغلق قبضتك كأنك تمسك بمقبض باب."
استغربتُ من هذا الطلب الغريب، لكنني فعلته. أغلقت قبضتي، ولم أشعر بأي شيء. كانت يدي مغلقة على الهواء.
"والآن حاول أن تسحب يدك وهي مغلقة، وكأنك تسحب شعرة من كتلة عجين."
حسناً، سوف أفعل. بدأتُ أرفع يدي بهدوء، بينما كانت قبضتي مغلقة. شعرتُ بشيء غريب. يدي بدأت تصبح أثقل، وكأنني أسحب شيئًا بالفعل. كان هناك شعور بالمقاومة، كأنني أسحب خيطًا سميكًا من مادة غير مرئية.
"هيه هيه... أكمل، واترك دماغك فارغًا بدون أن تتوتر كثيرًا." كان صوت مونو هادئًا ومطمئنًا.
"سوف أحاول."
واصلتُ السحب، ويدي أصبحت أثقل وأثقل. فجأة، بدأ الكتاب يشع باللون الذهبي في يدي. غلافه بدأ يلمع، وصفحاته بدأت تشع بطريقة سحرية. شعرتُ بالحرارة تتسلل إلى يدي، وكنتُ أسمع صوتًا غريبًا يشبه صوت صفير خافت.
"بليك، حاول أن لا تتوتر. حاول أن تجعل النور يتدفق."
شعرتُ بالتوتر يتسلل إلى داخلي. هل هذا هو التدريب الذي تحدثت عنه؟ هل يمكنني أن أفعل هذا؟ كانت يدي ترتجف، وشعرتُ بأنني على وشك أن أسقط.
لكنني تذكرتُ كلام مونو: "أنت لست فاشلاً، أنت فقط خائف." أخذتُ نفسًا عميقًا، وأخرجتُ كل الخوف من صدري. ركزتُ على الشعور بالدفء الذي يخرج من الكتاب، وعلى النور الذي كان يملأ يدي.
وبعد أن خف توتري، شعرتُ بشيء يتشكل بالنور. كانت يدي قد ابتعدت قليلًا عن الكتاب، وكانت لا تزال مغلقة. وفي لحظة سحرية، ظهر داخل قبضتي سيف ذهبي المقبض. كانت مقابضه مزخرفة بطريقة معقدة، وكأنها عمل فني. كانت الشفرة نفسها تتوهج بضوء أصفر نقي، وكأنها مصنوعة من النور. كان السيف خفيف الوزن بشكل غريب، على الرغم من حجمه الكبير.
ثم اختفى التوهج من الكتاب عندما أخرجتُ منه سيفًا كاملاً. نظرتُ إلى يدي، وإلى السيف، ثم إلى مونو. كانت عيناي تتسعان من الصدمة. لم أستطع أن أصدق ما رأيته. لقد سحبتُ سيفًا من كتاب.
بعد أن تركت يدي السيف، شعرت بفرحة غريبة تغمرني. لم تكن مجرد فرحة لإنجاز مهمة صعبة، بل كانت مزيجًا من الدهشة، والفخر، والإثارة. لم أستطع أن أصدق أنني قد سحبت سيفًا من كتاب. كان السيف يلمع بضوء ذهبي، وكأنه قطعة من الشمس. كان خفيف الوزن، وكأنني لم أمسك به من قبل.
"ما هو هذا السيف؟" سألتُ مونو، وصوتي كان يرتجف من الحماس.
"هذا هو السلاح الأساسي لمالك شمس المعارف، سيف قاتل الجن."
"قاتل الجن..." كررت الكلمات، ونظرت إلى السيف في يدي. كان السيف يبدو أكثر خطورة الآن، أكثر قوة. كان هذا السيف مصممًا لقتل الجن، الكائنات التي أرعبتني طوال هذه الاشهر.
نظرت إلى مونو، وقلتُ بحماس: "هيا مونو! لقد بدأت أتحمس لهذا التدريب! دعنا نبدأ بالتدريب على السيف!"
"ليس الآن."
كلمتان فقط كانتا كافيتان لتحطيم كل حماسي. "ماذا!؟ لكني أريد أن أتدرب بالسيف!" قلتُ، وشعرتُ بالإحباط.
"يجب أن تدرب جسدك في البداية."
تنهدتُ، ولم يكن لدي أي خيار آخر. "حسنًا، لكن دعيني أجربه على الأقل."
"لكنك لن تعرف كيف تستعمله."
"هيا، دعيني أحاول!"
تنهدت مونو ببطء. "أُف، حسنًا... مرة واحدة فقط."
"شكرًا جزيلًا لكِ!" قلتُ، وابتسامة عريضة رسمت على وجهي.
وقفتُ أمام شجرة صنوبر ضخمة، ومسكتُ السيف بقوة. كانت يداي ترتجفان من الإثارة. وقفت مونو ورائي، وكنتُ أشعر بنظراتها الباردة.
"اخدش تلك الشجرة، لا وقت لدينا." قالت مونو، وكلماتها كانت حادة.
"حسنًا!"
أخذتُ نفسًا عميقًا، وأغمضتُ عيني. تخيلتُ أنني محارب عظيم، وأن السيف هو جزء مني. لوحتُ بالسيف عموديًا، مستهدفًا الشجرة. لكن بطريقة غريبة وغير متوقعة، انقطعت الشجرة بالكامل. لم أكن أخطط لذلك. كان السيف خفيفًا جدًا، وكأنني لم ألمس شيئًا.
فتحتُ عيني ببطء، ونظرتُ إلى الشجرة التي انقطعت. كانت تسقط ببطء، وتصدر صوتًا مرعبًا. التفتُ إلى مونو، ورأيتُ أن عينيها كانت تتسعان من الصدمة. كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها هذا التعبير على وجهها.
في هذه اللحظة، أدركتُ أن هذا السيف ليس مجرد سيف، وأدركتُ أن هذه المغامرة لم تكن مجرد مغامرة.
لم أتخيل يومًا أن أرى مونو بهذه الصدمة. كانت عيناها متسعتين، وفمها مفتوحًا بذهول، كأنها لم تكن تتوقع أبدًا أن ينجح سيفها في قطع شجرة ضخمة بضربة واحدة. كانت ترتجف قليلًا، ثم بدأت تطفو باتجاهي، وكل جزء من جسدها كان ينضح بعدم التصديق.
وقفت أمامي، ورفعت يديها الصبيحتين ببطء، وبدأت تتفحص وجهي. كانت يديها باردتين، ولكن لمسة أصابعها على خدي كانت ناعمة، وكأنها تريد أن تتأكد من أنني حقيقي. كانت تتأمل في عينيّ، ثم في تعبيرات وجهي، كأنها تبحث عن إجابة لشيء غامض.
ثم وقفت على الأرض، وأشاحت بوجهها عني، وقالت بصوت خافت، وكأنها تتحدث مع نفسها: "مستحيل... هل يمكن أن يكون الأمر صحيحًا؟"
"ماذا؟ ما الأمر يا مونو؟" سألتها، وشعرتُ بالفضول يتسرب إلى داخلي.
التفتت إليّ، وكانت نظرتها تجمع بين الذهول والإعجاب. "أنت يا بليك، تملك بركة استعمال الأسلحة."
تسمرتُ في مكاني، وشعور غريب يملأني. بركة استعمال الأسلحة؟ لم أكن أستوعب ما قالته مونو. هل أنا مبارك؟ لماذا؟ وكيف؟ كل ما أعرفه عن نفسي هو أنني فتى عادي، وليس لدي أي قدرات خارقة.
سألتها، وصوتي كان يرتجف من الاستغراب: "ما هي البركات؟"
أجابتني مونو بسرعة، وكأنها كانت تنتظر هذا السؤال: "هي هبات أو قوى خاصة يمنحها كيان سماوي يُدعى أود لاغونا لبعض الأفراد عند ولادتهم. كل شخص يولد قد يمتلك بركة واحدة أو لا يمتلك أي بركة. البركات ليست شيئًا يمكن اكتسابه لاحقًا بالتدريب، على عكس السحر أو القدرات الجسدية. تأثيرها دائم، وغالبًا ما يحدد جزءًا مهمًا من حياة حاملها."
ثم شرحت لي خصائص البركات:
* متنوعة جدًا: منها ما هو بسيط، ومنها ما هو قوي جدًا.
* فطرية: يولد بها الشخص، ولا يمكنه اختيارها.
* ليست سحرًا: تختلف عن نظام المانا والسحر.
* تعتمد على الحظ: ليست وراثية، ولا تُمنح حسب المكانة، بل أشبه باليانصيب السماوي.
نظرت إليّ مونو مباشرة، وقالت: "أنت يا بليك، تملك بركة إلهية قوية فعلًا، وهي بركة استعمال السلاح، التي تسمح لك باستعمال أي سلاح بطريقة احترافية مهما كان."
في هذه اللحظة، كل شيء أصبح منطقيًا. تذكرتُ قتالي مع سورا، عندما أمسكت بالفأس لأول مرة. فجأة، وبطريقة غريبة، تمكنتُ من استعماله كأنني محترف. كانت حركاتي سريعة ودقيقة، وكنتُ أستطيع أن أضرب سورا في كل مرة. في ذلك الوقت، لم أكن أعرف ما الذي يحدث، لكن الآن، كل شيء واضح. هذا يشرح كل شيء.
لقد كنت مذهولًا. لم أستطع أن أصدق ما سمعته. طوال حياتي، كنتُ أظن أنني فتى عادي، ليس لدي أي قدرات خاصة. لكن الآن، أدركتُ أنني كنتُ أمتلك قوة خفية طوال الوقت، قوة كانت تنبع من أعماقي. كانت هذه القوة هي التي سمحت لي بالقتال ضد سورا، وهي التي سمحت لي الآن بقطع شجرة ضخمة بضربة واحدة. كان هذا الشعور غريبًا، ولكنه كان شعورًا بالفخر والإثارة.
قالت مونو: "رائع، هذه البركة ستساعدك كثيرًا في التدريب على السيف. لكن الآن، خبئ السيف، فلن نستعمله حاليًا."
"حسنًا، لكن أين أخبئه؟" سألتُ، ويدي ما زالت ممسكة بالسيف.
"فكر فحسب في اختفاء السيف."
فعلتُ ما طلبته. فكرتُ في اختفاء السيف، وكنتُ أتصور أنه يتبخر في الهواء. في ثوانٍ، بدأ السيف يتوهج بلون ذهبي ساطع، ثم اختفى من يدي، وكأنه لم يكن موجودًا أبدًا.
"مممم، ماذا حصل الآن؟" سألتُ، وكنتُ مندهشًا من هذه القوة.
"لا تقلق،" قالت مونو، "إذا أردتَ استدعاء السيف مجددًا، فقط أغلق قبضة يدك في الهواء وتخيل السيف، واسحب يدك، وسوف يخرج السيف من لا مكان."
"حسنًا، سأحاول."
أغمضتُ عيني، وأغلقتُ قبضتي في الهواء. تخيلتُ السيف، وكنتُ أتصوره في يدي، ومقبضه الذهبي، وشفرته اللامعة. ثم سحبتُ يدي، وشعرتُ بثقل السيف يملأ يدي. فتحتُ عيني، ووجدتُ السيف في يدي. كان هذا شعورًا مدهشًا.
"يا إلهي، لقد نجحتُ!" صرختُ، وشعرتُ بفرحة لا تُوصف.
كررتُ العملية عدة مرات، في كل مرة كنتُ أخرج السيف، وفي كل مرة كنتُ أشعر بالدهشة والفرح. في النهاية، أعدتُ السيف إلى الكتاب بنفس الطريقة، وكنتُ أعلم أن هذا كان مجرد بداية.
بعد أن أعدت السيف إلى العدم، شعرتُ بالاطمئنان يملأني. كانت هذه القوة شيئًا جديدًا بالنسبة لي، لكنها لم تعد مخيفة. نظرت إلى مونو، وقلتُ، "حسنًا، الآن ماذا ستفعلين يا مونو؟"
نظرت إليّ، وكانت عيناها تحملان نظرة جادة. "سيبدأ الآن التدريب الحقيقي."
شعرتُ بالخوف يتسلل إلى جسدي. كان هذا هو الجزء الذي كنتُ أخشاه، الجزء الذي كنتُ أحاول تجاهله. كنتُ أتوقع أن يكون التدريب صعبًا، ولكن لم أكن أعلم كم سيكون صعبًا.
"100 تمرين ضغط، 100 تمرين بطن، 100 قرفصاء، جري لمسافة 10 كيلومتر." قالت مونو، وصوتها كان خاليًا من أي عاطفة. "هذه هي القواعد التي يجب أن تلتزم بها: التدريب كل يوم بلا استثناء، والأكل بانتظام، وتناول 3 وجبات يوميًا، مع فاكهة في كل وجبة."
كانت كلماتها كالسياط. لم أكن رياضيًا، ولم أكن أعرف كيف سأفعل هذا. كان جسدي يرتجف بالفعل من الجهد الذي بذلته لتسلق الجبل، والآن عليّ أن أفعل هذا؟
"هل هذا كل شيء؟" سألتُ، وكنتُ آمل أن تكون الإجابة "نعم".
أومأت مونو برأسها، وأكملت: "عليك أن تتحمل
حرارة الصيف وبرد الشتاء. وعليك أن تستمر على هذا الروتين لمدة شهر كامل."
في تلك اللحظة، أدركتُ أنني على وشك دخول شهر من الجحيم.
[نهاية المجلد الثاني]