زفرتُ بقوة، والهواء الساخن يلفح وجهي بينما كانت الشمس تتسلق سماء هذا العالم الغريب. شهر كامل… شهر كامل من الجحيم، هكذا وصفتْه مونو ببرودها المعهود. كنت أقف على أرض ترابية خضراء، أرتدي ثيابًا خفيفة أشبه بزيّ الكونغ فو الرخيص، بينما كانت مونو تجلس القرفصاء أمامي، تعبر بذراعيها النحيلتين وتحدق بي بعينيها العميقتين الخاليتين من أي تعبير.
"ابدأ." كانت كلمتها الوحيدة، قاطعة وهادئة كشفرة.
"ابدأ ماذا بحق الجحيم؟" تمتمتُ، والشعور بالضياع يتملكني. لقد شرحتْ لي للتو قائمة التدريب التي بدت وكأنها عقوبة تعذيب صينية قديمة: مئة تمرين ضغط، مئة تمرين بطن، مئة قرفصاء، وعشرة كيلومترات من الركض. كل هذا، يوميًا، لمدة شهر. بدا الأمر سخيفًا، مستحيلًا.
"تمارين الضغط الأولى." أجابت مونو ببساطة، وكأنها تتحدث عن أبسط بديهيات الوجود.
تمارين الضغط؟ حسناً، لقد سمعتُ عنها بالطبع. رأيتها في الأفلام، ربما حاولتُ تقليدها مرة أو مرتين، لكنني لم أكن متأكدًا تمامًا من كيفية القيام بها بشكل صحيح. نزلتُ على يدي وركبتي، محاولًا تقليد ما أتذكره. شعرتُ بالتخبط، وكأنني عنكبوت أعرج يحاول الوقوف.
"هذا خاطئ." قالت مونو بلهجة لا تقبل الجدال. "يجب أن يكون جسمك مستقيماً كلوح خشبي. انزل ببطء وادفع نفسك للأعلى."
لوح خشبي؟ حاولتُ مرة أخرى، لكن مؤخرتي كانت مرتفعة في الهواء، وشعرتُ وكأنني سأنزلق على وجهي في أي لحظة. "لا أعتقد أنني أفهم كيف…" اعترفتُ بخجل.
تنهدتْ مونو تنهيدة صغيرة، ربما هي أقرب ما تكون إلى إظهار الإحباط من قِبَلها. وقفتْ وتحركتْ نحوي. "ضع يديك على الأرض بمسافة أوسع قليلاً من عرض كتفيك." نفذتُ تعليماتها. "الآن، مدّ ساقيك للخلف بحيث تستند على أصابع قدميك." حاولتُ، لكنني تذبذبتُ وشعرتُ بأنني سأسقط.
"يا إلهي، أنت ضعيف بشكل مثير للشفقة." علقتْ مونو ببرود، لكن لم يكن في كلماتها خبث، بل مجرد ملاحظة واقعية. أمسكتْ بخصري النحيل وعدّلتْ وضعي، ضاغطةً بخفة على ظهري حتى أصبح مستقيماً. "هكذا. الآن، اخفض جسمك عن طريق ثني مرفقيك."
شعرتُ بالعضلات في ذراعيّ ترتجف على الفور. كان الأمر أصعب بكثير مما تخيلت. نزلتُ بضع سنتيمترات فقط قبل أن أفقد السيطرة وأرتطم بالأرض بأنفاسي المكتومة.
"بطيء جدًا، وغير مستقيم." قيمتْ مونو أدائي بلا رحمة. "حاول مرة أخرى."
تنفستُ بعمق، محاولًا تجاهل الإحساس بالإهانة الطفيف. فعلتُ كل ما بوسعي لتثبيت جسدي وخفضتُ نفسي ببطء أكبر. شعرتُ بالعضلات تصرخ في وجهي، بالنيران تتأجج في كتفيّ. وصلتُ إلى نقطة شعرتُ عندها بأنني لن أستطيع التحمل أكثر من ذلك.
"اصعد." قالت مونو، وصوتها يحمل نبرة حث خفيفة.
دفعتُ بكل قوتي المتبقية، وشعرتُ بالارتعاش يسري في جميع أنحاء جسدي. بالكاد تمكنتُ من رفع نفسي إلى وضع البداية. سقطتُ على الأرض وأنا ألهث بشدة.
"واحد." أعلنتْ مونو بهدوء.
واحد؟ واحد فقط؟ شعرتُ وكأنني خضتُ للتو معركة طاحنة، وهي تحسبها مجرد تكرار واحد من مئة؟ تنهدتُ داخليًا. حسنًا، ليس لدي خيار آخر على ما يبدو. إذا كنت أريد أن أصبح أقوى بما يكفي لحماية أصدقائي، يجب أن أجتاز هذا الجحيم.
حاولتُ مرة أخرى، وثانية، وثالثة. في كل مرة، كانت مونو تعدل وضعي، وتصحح أخطائي، وتحثني على الاستمرار بكلمات قليلة لكنها كانت تخترق إرادتي المنهكة.
"ركز على عضلاتك، لا على ألمك."
"اجعل تنفسك منتظمًا."
"لا تستسلم."
كانت كلماتها بمثابة وخزات صغيرة من الإصرار تخترق يأسي المتزايد. بين كل تكرار وآخر، كنت أرمقها بنظرة خاطفة. كانت تجلس بهدوء، تراقبني بعينيها الثابتتين، وكأنها آلة تقييم مثالية. لم يكن هناك أي أثر للشفقة أو التعاطف، فقط توقع صارم للأداء.
في داخلي، كانت مشاعري تتأرجح بين الإحباط والغضب والتصميم العنيد. يا إلهي، ذراعيّ تؤلمانني وكأنهما ستنفصلان عن جسدي. مئة مرة؟ من بحق الجحيم يستطيع فعل هذا؟ لكن… لكنني وعدتُ. وعدتُ أكيهيكو، ووعدتُ نفسي بأنني لن أهرب بعد الآن.
بدأتُ أفقد القدرة على الحفاظ على استقامة جسدي. بدأت مؤخرتي تنخفض، وبدأ ظهري يتقوس. كانت مونو تلاحظ كل انحراف طفيف.
"استقامة!" كانت تنبهني بحدة.
ومع كل تكرار، كان جسدي يزداد ثقلًا، وكانت الأرض تبدو وكأنها تجذبني إليها بقوة أكبر. العرق كان يتصبب مني بغزارة، يحرق عينيّ. أنفاسي كانت قصيرة ومتقطعة، وشعرتُ وكأن رئتيّ تشتعلان.
وصلتُ إلى الخمسين. نصف الطريق، هكذا كان عقلي يحاول تهدئتي، لكن جسدي كان يصرخ بألم لا يطاق. في كل مرة أنزل فيها، كنت أشعر وكأنني لن أستطيع الصعود مرة أخرى. في كل مرة أصعد، كنت أشعر وكأنها معجزة صغيرة.
عند الرقم سبعين، بدأت رؤيتي تضطرب. شعرتُ بدوار خفيف، وكأنني على وشك فقدان الوعي. توقفت للحظة قصيرة، ألهث بشدة، لكن نظرة مونو الثابتة أمامي لم تسمح لي بالاستسلام.
"ثمانون." أعلنتْ بصوت خالٍ من أي تعبير، وكأنها تعد قطرات المطر.
العشرون الأخيرة بدت وكأنها دهر. كل تكرار كان بمثابة معركة حياة أو موت. كانت عضلاتي ترتجف بلا سيطرة، وشعرتُ بأنني أتحرك ببطء شديد. الألم كان طاغيًا، يغطي كل فكرة وكل إحساس آخر.
"تسعون."
كنت أعتمد الآن على إرادتي وحدها. جسدي كان يرفض الاستجابة، لكن شيئًا ما بداخلي، عناد أخير، كان يدفعني للاستمرار.
"مئة."
في اللحظة التي دفعتُ فيها نفسي للأعلى للمرة الأخيرة وسقطتُ على الأرض، شعرتُ وكأن حمولة شاحنة قد رُفعت عن ظهري. كنت ألهث بعنف، كل عضلة في جسدي ترتعش. العرق كان يغطي وجهي وعينيّ، وكنت أشعر بدوار شديد.
استلقيتُ على الأرض، عاجزًا عن الحركة، أتنفس بصعوبة وكأنني ركضتُ ماراثونًا. الألم كان حادًا وحارقًا، لكن كان هناك شعور خافت بالرضا يتسلل إليه. لقد فعلتها. المئة الأولى.
نظرتُ إلى مونو، التي كانت لا تزال جالسة تراقبني. لم يكن هناك أي تغيير في تعابير وجهها الجامدة.
"جيد." قالت ببساطة. "الآن، تمارين البطن."
تجمدتُ. تمارين البطن؟ بعد كل هذا العذاب؟ تنهدتُ بصوت مسموع. شهر طويل جدًا ينتظرني حقًا.
بعد أن أنهيت تمارين الضغط، شعرتُ وكأن جسدي لم يعد ملكي. كل عضلة كانت تصرخ بألم حارق، لكن صوت مونو كان أقوى. "الآن، تمارين البطن."
تنهدتُ ببطء، محاولًا جمع ما تبقى من قواي. استلقيتُ على ظهري، ورفعتُ ركبتيّ، ووضعتُ يديّ خلف رأسي. كانت هذه المرة الأولى التي أتدرب فيها على تمارين البطن بجدية، ولم أكن أعرف ما الذي ينتظرني.
تذكرتُ فجأةً جوليان. كان أخي الأكبر يتدرب على هذه التمارين باستمرار في غرفته. كان يدعوني أحيانًا لأتمرن معه، لكنه كان يوقفني بعد دقيقتين، ويضحك على ضعفي، ويقول: "أنت مجرد فتى ضعيف، لا فائدة من تدريبك." كان يتلاعب بي، وكان يستمتع برؤيتي أتألم.
تجاهلتُ تلك الذكرى المؤلمة، وركزتُ على تعليمات مونو. "استخدم عضلات بطنك فقط لرفع الجزء العلوي من جسدك." كانت تقول ببرود. "لا تستخدم ذراعيك أو رقبتك."
حاولتُ مرة أخرى. رفعتُ رأسي قليلاً، لكنني شعرتُ وكأن رقبتي ستنكسر. فشلتُ في الحفاظ على وضعية مستقيمة، وسقطتُ مرة أخرى على الأرض.
"هذا خاطئ." قالت مونو بلهجة لا تقبل الجدال. "يجب أن تكون حركة جسمك منسقة، وكأنها قطعة واحدة."
شعرتُ بالإحباط يتسلل إلى داخلي. كنتُ أظن أنني سأكون قادرًا على القيام بذلك، لكن جسدي كان يرفض الاستجابة.
"أنت لا تركز." قالت مونو. "عليك أن تنسى الألم، وتركز فقط على إتقان الحركة."
تجاهلتُ كلماتها، وواصلتُ المحاولة. كانت كل حركة صراعًا، وكل صراع كان يزيد من إحباطي.
"استسلم!" قال صوت داخلي. "أنت لست قويًا. أنت مجرد فتى ضعيف، كما قال جوليان."
توقفتُ فجأةً، وتحدقتُ في مونو. كانت لا تزال جالسة، تشاهدني بعينيها الثابتتين.
"ماذا تفعل؟" سألتْ.
"أنا أفكر." أجبتُ.
"لا تفكر. افعل."
أغضبتني كلماتها. "أنت لا تفهمين! أنت قوية، أنت لست بشرية. أنا لست مثلك!" صرختُ.
فجأةً، وقفتْ مونو. كانت نظرتها باردة، خالية من أي تعاطف. "أنت محق." قالت. "أنا لست بشرية. لكني أعلم أن الألم هو مجرد وهم. أنت الذي تختار أن تستسلم له. أنت الذي تختار أن تكون ضعيفًا."
أثرت كلماتها في أعماقي. لم يكن لديها أي سبب لمساعدتي، لكنها كانت تفعل ذلك. شعرتُ وكأنها ترى شيئًا في داخلي لم أكن أراه.
"أنا آسف." همستُ.
"لا تعتذر." أجابت. "افعل."
أخذتُ نفسًا عميقًا، وحاولتُ مرة أخرى. هذه المرة، ركزتُ على عضلات بطني. شعرتُ بها وهي تشد، وكأنها حبل مطاطي ينسحب إلى الخلف. رفعتُ الجزء العلوي من جسدي ببطء، وشعرتُ وكأنني أطير.
"ممتاز." قالت مونو.
استمرتُ، وشعرتُ بالتحسن في كل مرة. كانت العضلات تشتد، وكانت الحركة تصبح أسهل. لكن مع كل تمرين، كان الألم يزداد.
"سبعون."
"ثمانون."
"تسعون."
شعرتُ بالدوار، وكأن العالم يدور حولي. كانت عضلات بطني تصرخ، وشعرتُ وكأنها ستمزق.
"مئة."
سقطتُ على الأرض، وأنا ألهث بعنف. كانت كل عضلة في جسدي تحترق، وكنتُ أشعر بدوار شديد.
"جيد." قالت مونو. "الآن، تمارين القرفصاء."
.
توقفتُ عن اللهاث، ورفعتُ بصعوبة رأسي عن الأرض. كانت عضلات بطني تصرخ بألم لا يقل عن الألم الذي سببته لي تمارين الضغط. كان هذا جحيمًا حقيقيًا. شعرتُ وكأنني سأتقيأ في أي لحظة.
"جيد." قالت مونو، ووجهها لا يزال خالياً من أي تعبير. "الآن، تمارين القرفصاء."
"لا أستطيع." تمتمتُ، "جسدي يرفض الاستجابة. أنا بالكاد قادر على التنفس."
لم تهتم مونو بكلماتي، وبدلاً من ذلك، وقفتْ على بعد متر مني. "قف." قالت. "وضَع قدميك بعرض كتفيك."
رفعتُ نفسي بصعوبة، ووقفتُ على قدميّ المرتجفتين. شعرتُ وكأن جسدي سينهار في أي لحظة. وضعتُ قدميّ بعرض كتفيّ.
"الآن، اجلس وكأنك ستجلس على كرسي غير موجود."
كرسي غير موجود؟ شعرتُ بالضياع. حاولتُ الانحناء، لكنني شعرتُ وكأنني سأفقد توازني.
"هذا خاطئ." قالت مونو. "يجب أن تكون ركبتك في وضع مستقيم مع قدمك. لا تدفع ركبتك إلى الأمام."
"لا أفهم." اعترفتُ بضعف.
تنهدتْ مونو بصوت خفيف، وكأنها تتعامل مع طفل. "اسمعني جيدًا، أيها الأحمق." قالت. "تخيل أنك تجلس على كرسي. هل تدفع ركبتك إلى الأمام عندما تجلس؟"
"لا."
"إذًا لماذا تفعل ذلك الآن؟"
"لا أعلم!" صرختُ، "لم أقم بهذا الشيء من قبل!"
"إذًا تعلم." قالت ببرود. "هذا هو الغرض من وجودي هنا. أنا معلمتك."
شعرتُ بغضب عارم. "أنتِ مجرد طفلة، كيف تكونين معلمتي؟"
ابتسمت مونو ابتسامة باردة، وقالت: "أنا أكبر منك بسنين. تعلم مني، وإلا فإنك ستكون مجرد شخص عادي، لن يكون لديك أي فرصة للفوز في أي معركة."
تلك الكلمات كانت بمثابة صفعة قوية لي. لقد كانت محقة. كنتُ مجرد شخص عادي، وكان عليّ أن أتغير.
"حسناً." همستُ. "سأفعل ما تقولينه."
أومأت مونو برأسها، وبدأتْ في شرح الوضعية الصحيحة. "يجب أن يكون ظهرك مستقيمًا. صدرك مرفوع. انزل ببطء، وكأنك ستجلس على كرسي."
حاولتُ مرة أخرى. نزلتُ ببطء، وحاولتُ الحفاظ على وضعية مستقيمة. شعرتُ بألم في فخذيّ، لكنني تجاهلتُه.
"ممتاز." قالت مونو. "الآن، عُد إلى وضع البداية ببطء."
دفعتُ نفسي للأعلى، وشعرتُ وكأن عضلات فخذي ستمزق.
"واحد." قالت مونو.
"واحد فقط؟"
"نعم."
تنهدتُ، وواصلتُ. كانت كل تكرار يزداد صعوبة. شعرتُ بالحموضة تتراكم في ساقيّ، وكنتُ ألهث بقوة.
"أنت بطيء." قالت مونو. "عليك أن تكون أسرع."
"أنا أفعل ما بوسعي!" صرختُ. "جسدي يرفض الاستجابة."
"إذًا أجبره على الاستجابة."
شعرتُ بالإحباط، لكنني واصلتُ. كان الألم يزداد، وكانت عضلات ساقي ترتعش بلا سيطرة.
عندما وصلتُ إلى الخمسين، شعرتُ وكأن ساقيّ ستنكسران.
"توقف!" صاحتْ مونو فجأةً.
توقفتُ، ونظرتُ إليها في حيرة.
"ماذا تفعلين؟"
"أنا أعد." قالت ببرود. "أنا لا أحسب الأرقام، أنا أعدها."
"أنا لا أفهم."
"لا يهم." أجابت. "واصل."
واصلتُ، وشعرتُ وكأنني على وشك الانهيار. كان الألم لا يطاق.
"تسعون."
"تسعة وتسعون."
"مئة."
سقطتُ على الأرض، وأنا ألهث بعنف. كان كل جزء من جسدي يؤلمني. شعرتُ وكأنني سأفقد الوعي.
"جيد." قالت مونو. "الآن، ركض 10 كيلومترات."
تجمدتُ. ركض؟ بعد كل هذا العذاب؟ شعرتُ وكأنني سأبكي.
"أنا لا أستطيع." همستُ.
"إذًا ستموت." قالت ببرود.
نظرتُ إليها، وشعرتُ باليأس. كانت محقة. كنتُ ضعيفًا، وكنتُ سأظل ضعيفًا ما لم أتغير.
"حسناً." همستُ. "سأفعلها."
أومأت مونو برأسها، وقالت: "هيا بنا."
قمتُ بصعوبة، وهرولتُ ببطء، وشعرتُ وكأن كل خطوة هي صراع. كان هذا الجحيم، لكنني كنتُ مستعدًا له.
نهضتُ بصعوبة، وكنتُ أترنح وأنا أقف على قدميّ. شعرتُ وكأنني سأتقيأ في أي لحظة. كان جسدي يشتعل من الألم، وكانت كل عضلة فيه تصرخ.
"جيد." قالت مونو، ووجهها لا يزال خالياً من أي تعبير. "الآن، ركض 10 كيلومترات."
"لا أستطيع." همستُ، "جسدي يرفض الاستجابة. أنا بالكاد قادر على التنفس."
لم تهتم مونو بكلماتي، وبدلاً من ذلك، نظرتْ إلى بحيرة الدموع الأبدية. كانت البحيرة كبيرة جدًا، وكانت محاطة بالغابات. كانت المياه هادئة، وكانت تعكس ضوء الشمس.
"اركض حول البحيرة." قالت ببرود. "عشرة كيلومترات."
شعرتُ باليأس. كنتُ بالكاد قادرًا على المشي، فكيف سأركض؟ لكنني تذكرتُ شيئًا واحدًا: الجري. كان الجري هو الشيء الوحيد الذي كنتُ أتقنه. كنتُ أركض دائمًا عندما كنتُ أشعر بالضياع، وكان الجري هو الشيء الوحيد الذي كان يجعلني أشعر بالسلام.
أومأتُ برأسي، وهرولتُ ببطء. كانت كل خطوة هي صراع، لكنني واصلتُ. شعرتُ وكأنني أركض على الزجاج، لكنني واصلتُ.
في البداية، كنتُ أركز على الألم. كنتُ أفكر في كل عضلة في جسدي، وكنتُ ألعن نفسي على كل خطوة. لكن ببطء، بدأتُ أفكر في أشياء أخرى.
تذكرتُ ميساكي. تذكرتُ كيف كانت تبتسم، وكيف كانت عيناها تلمعان. تذكرتُ كيف كانت قوية، وكيف كانت مستعدة للموت من أجل أصدقائها.
تذكرتُ نيمو. تذكرتُ كيف كان هادئًا، وكيف كان يرى الجمال في كل شيء. تذكرتُ كيف ضحى بحياته من أجلنا.
تذكرتُ أكيهيكو. تذكرتُ كيف كان خائفًا، لكنه واصل القتال. تذكرتُ كيف كان يؤمن بي، حتى عندما لم أؤمن بنفسي.
شعرتُ بالدموع تتساقط على وجهي. كانت كل هذه الذكريات تعطيني القوة. لم أكن أركض من أجل نفسي، بل كنتُ أركض من أجلهم. كنتُ أركض من أجل أن أكون بطلًا، من أجل أن أكون شخصًا يستحق أن يقاتل من أجله.
وببطء، بدأتُ ألاحظ جمال الطبيعة من حولي. كانت الغابة خضراء، وكانت الزهور تتفتح في كل مكان. كانت الطيور تغني، وكانت الرياح تهب بلطف على وجهي.
شعرتُ وكأنني في حلم. كان الألم لا يزال موجودًا، لكنه لم يعد يسيطر عليّ. كنتُ أركض في تناغم مع الطبيعة، وكنتُ أشعر بالسلام.
عندما وصلتُ إلى علامة 10 كيلومترات، سقطتُ على الأرض، وأنا ألهث بعنف. كان كل جزء من جسدي يؤلمني. شعرتُ وكأنني سأفقد الوعي.
"جيد." قالت مونو، ووجهها لا يزال خالياً من أي تعبير. "الآن، استرح."
نظرتُ إليها، وشعرتُ بالامتنان. لم تكن مجرد معلمة، بل كانت صديقة. كانت هي التي دفعتني إلى أقصى حدودي، وكانت هي التي جعلتني أكتشف قوتي الحقيقية.
"شكرًا لك." همستُ.
"لا تشكرني." أجابت. "أنت من فعل ذلك."
في تلك اللحظة، أدركتُ أنني لم أكن ضعيفًا. لم أكن مجرد ولد عادي. كنتُ شخصًا يستطيع أن يتغير. كنتُ بطلًا.
مرَّ شهر كامل.
شهر من الجحيم، هكذا أسميته في البداية، لكنه تحوّل ببطء إلى روتين قاسٍ لا يمكن تخيله. في كل يوم، كانت الشمس المجهولة لهذا العالم الغريب تشرق على ألمي وتغرب على إرهاقي. مئة تمرين ضغط، مئة تمرين بطن، مئة قرفصاء، وعشرة كيلومترات من الركض. كل يوم. بلا استثناء.
كان جسدي يرفض في البداية، يتمرّد، يصرخ بالألم. لكن مع مرور الأيام، بدأ يتقبّل هذه المعاناة كجزء من وجوده. في الأسبوع الأول، كنتُ أستيقظ بالكاد أستطيع تحريك ذراعيّ أو ساقيّ. كانت مونو تدفعني بلا رحمة، لا تظهر أي تعاطف. كانت تشبه قطعة ثلج متحركة، باردة وصامتة، لكنها كانت تذيب ضعفي ببطء.
كان الطعام أسوأ جزء في هذا الروتين. كانت مونو تقدّم لي طعامًا لا أعرف مصدره، عبارة عن خضروات مسلوقة غريبة المذاق وبعض اللحوم الجافة التي لا طعم لها. كنتُ آكل فقط لأبقى على قيد الحياة، لا للاستمتاع. في أحد الأيام، حاولتُ التذمر.
"هذا الطعام مقرف، مونو. ألا يوجد شيء أفضل؟" قلتُ وأنا ألوك قطعة لحم غريبة.
نظرتْ إليّ بعينيها السوداوين. "الوقود ليس للمتعة، بل للنجاة." كانت إجابتها قصيرة وحاسمة.
"حسناً، لكن هذا الوقود سيء للغاية. أعتقد أنني سأتقيأ."
"لا يهم. ستستمر."
كانت هذه هي قاعدتها. لا يهم. لا يهم إذا كنتَ متعبًا، إذا كنتَ جائعًا، إذا كنتَ تتألم. ما يهم هو الاستمرار.
ومع الاستمرار، بدأتُ ألاحظ التغيير. لم يكن تغييرًا فوريًا، بل تدريجيًا. في البداية، كانت عضلاتي مجرد كتل مؤلمة، لكنها بدأتْ تتخذ شكلاً. ذراعيّ أصبحتا أكثر تحديدًا، أكتافي أصبحت أعرض، وعضلات بطني أصبحت صلبة. لم أعد ذلك الفتى الهزيل الذي انهار في المشرحة. كنتُ الآن أمتلك جسدًا رياضيًا، جسدًا مصقولًا بالمعاناة والإصرار. كان التغيير مذهلاً. كانت ملابسي القديمة أصبحت ضيقة عليّ، وكان طول شعري قد زاد بشكل كبير، مما أزعجني.
وفي اليوم الثلاثين، كانت الشمس تغرب فوق بحيرة الدموع الأبدية. أكملتُ آخر تمرين من القرفصاء وسقطتُ على الأرض، وأنا ألهث بعنف. لكن هذه المرة، لم يكن الألم هو الشيء الوحيد الذي شعرتُ به. كان هناك شعور بالانتصار، بالرضا، وكأنني تغلبتُ على جبل.
نهضتْ مونو، ووقفتْ أمامي، ووجهها لا يزال خالياً من أي تعبير.
"لقد انتهيت." قالت. "لقد أكملتَ الشهر."
ابتسمتُ ابتسامة عريضة، وشعرتُ وكأنني سأطير. "لقد فعلتها! أليس كذلك؟"
أومأتْ مونو برأسها ببطء، وفي تلك اللحظة، رأيتُ شيئًا في عينيها لم أره من قبل. كان هناك تقدير، واحترام.
"لقد تغيرتَ كثيرًا، أيها الأحمق." قالت.
ضحكتُ. "أيها الأحمق؟ أليس هذا اسمي المفضل بالنسبة لك؟"
"بل هو كذلك." أجابتْ، "لكنني الآن أضيف له لقبًا جديدًا: الأحمق الأقوى."
"الأحمق الأقوى؟" قلتُ، "أعتقد أنني أقبله."
"يجب أن تكون فخورًا بنفسك." قالت مونو، وصوتها كان أكثر دفئًا مما سمعتُه منها على الإطلاق. "لقد تجاوزتَ حدودك."
"لم أكن لأفعلها بدونك." اعترفتُ، "كنتِ قاسية، لكنكِ جعلتني أقوى."
"هذا هو عملي."
"أعلم، لكن…" قلتُ، وأشرتُ إلى شعري الطويل الذي كان يغطي عينيّ. "هل يمكنني أن أطلب منكِ خدمة؟"
"ماذا؟"
"هل يمكن أن تقصّي لي شعري؟"
نظرتْ إليّ مونو بذهول للحظة، ثم انفجرتْ بالضحك. لم أسمعها تضحك من قبل. كان ضحكها يشبه صوت الجرس، نقياً وجميلاً.
"هل أنت جاد؟" قالت وهي تمسح دمعة صغيرة من عينها.
"نعم." قلتُ بجدية، "لقد أصبح طويلاً جدًا. إنه يزعجني."
"أنا روح حارسة لكتاب سحري، ليس مصففة شعر."
"لكنكِ لا تزالين تمتلكين يدين، أليس كذلك؟"
"يا إلهي، أنت حقًا أحمق." قالت، "لكن... حسناً. أنا أقبل."
وفي تلك اللحظة، شعرتُ أن علاقتنا قد تغيرت تمامًا. لم نعد مجرد معلمة وطالبها، بل أصبحنا أصدقاء.
ابتسمتُ ابتسامة عريضة، وقلتُ: "جيد جدًا، أيتها الروح الحارسة."
جلستُ على صخرة مسطحة بينما كانت مونو تقف خلفي، وتحدق في شعري الطويل بتركيز غريب. شعرتُ بيدها الصغيرة تمسك بخصلة، وبأصابعها النحيلة وهي تتحسسها. كان الجو دافئًا، وكانت رائحة الزهور البرية تملأ الهواء.
"حسناً." همستُ. "لا تفسدي الأمر. لا أريد أن أبدو وكأنني فتى عادي قد قص شعره باستخدام مقص المطبخ."
لم ترد مونو، وبدلاً من ذلك، شعرتُ بلمسة باردة على رأسي. نظرتُ إلى يديها، ورأيتُ شعاعًا خفيفًا من النور يخرج منها. كان النور يتحول إلى مقص ذهبي صغير. شعرتُ بالدهشة، لكنني لم أقل شيئًا.
بدأتْ مونو في قص شعري ببطء. لم تكن تجيد هذا العمل. كانت قصاتها غير متساوية، وكانت تترك خصلات أطول من الأخرى. حاولتُ أن أرى وجهها في انعكاس البحيرة، لكنها كانت سريعة جدًا.
"أنتِ لا تجيدين هذا الأمر." قلتُ. "أنتِ تبدين وكأنكِ طفلة تلعب بالمقص لأول مرة."
"لا تثرثر." قالت ببرود. "هذا أصعب مما يبدو."
"أصعب مما يبدو؟" ضحكتُ. "هذا مجرد قص شعر."
"ليس عندما يكون الشخص الذي تقوم بقص شعره مزعجًا مثلك."
"يا إلهي، أنتِ لطيفة جدًا."
"أعلم."
بعد بضع دقائق، توقفتْ مونو. "انتهيت." قالت.
قمتُ من مكاني، ونظرتُ إلى انعكاسي في البحيرة. شعرتُ بالصدمة. كان شعري أقصر بكثير مما اعتدتُ عليه، لكنه كان أنيقًا. كان يظهر وجهي بوضوح، وكان يبرز عينيّ. كان الشعر يتناثر حول رأسي، لكنه لم يكن سيئًا.
"يا إلهي." همستُ. "أنتِ محترفة."
"لا." قالت. "أنا مجرد روح حارسة موهوبة."
ضحكتُ، وقلتُ: "جيد. الآن، هل يمكننا أن نعود؟ أنا جائع."
"انتظر." قالت.
تجمدتُ. "ماذا الآن؟"
"لقد أحضرتُ لك شيئًا."
تجمدتُ مرة أخرى. "ماذا؟"
أخرجتْ مونو من حقيبتها الصغيرة، التي لم ألاحظها من قبل، علبة صغيرة. فتحتها، ورأيتُ داخلها فطائر على البخار محشوة باللحم. كانت الفطائر ساخنة، وكانت رائحتها شهية.
"ما هذا؟" سألتُ بذهول.
"فطائر لحم." قالت. "هذا هو أفضل ما يمكنني الحصول عليه في هذه الغابة."
"فطائر لحم؟ من أين أحضرتِها؟"
"لا يهم. كُل."
أخذتُ واحدة، وقضمْتُ منها. شعرتُ بأن نكهة اللحم والتوابل تتفجر في فمي. كانت الفطيرة دافئة وناعمة، وكانت أفضل شيء تذوقته في حياتي.
"هذا مذهل!" صرختُ.
"أعلم." قالت ببرود.
واصلتُ الأكل، بينما كانت مونو تراقبي بصمت. في النهاية، توقفتُ. "لماذا تفعلين هذا؟" سألتُ.
"ماذا؟"
"كل هذا. التدريب، الطعام... لماذا تفعلين ذلك؟"
"لأنك أحمق." قالت، "ولأنك ضعيف. وأنا لا أحب الضعفاء."
"أنا أظن أنكِ تكذبين." قلتُ. "أنتِ لا تكرهين الضعفاء. أنتِ تحبينهم. أنتِ تحبين مساعدتهم."
لم ترد مونو، لكنني رأيتُ ابتسامة صغيرة تظهر على وجهها.
في تلك اللحظة، شعرتُ برغبة غريبة في أن أداعبها. اقتربتُ منها، ومددتُ يدي، وبدأتُ أدغدغها.
تجمدتْ مونو، ثم بدأتْ تضحك. كان ضحكها يشبه صوت الرياح، نقياً وجميلاً.
"توقف!" صاحتْ، "هذا مزعج!"
لم أتوقف. واصلتُ الدغدغة، وشعرتُ بالدفء يملأ قلبي. لم تكن مجرد روح حارسة، بل كانت صديقة.
في وقت لاحق، بينما كانت الشمس تغرب، استلقيتُ على صخرة مسطحة، ونظرتُ إلى السماء. كانت النجوم ساطعة، وكانت تضيء الطريق أمامي. شعرتُ بالسلام، وشعرتُ بالأمان.
لم أكن وحيدًا. كان لديّ صديقة، وكنتُ مستعدًا لأي شيء