يا له من ليل هادئ. بعد شهر من التدريب، كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها النجوم. كانت ساطعة للغاية، وكأنها قطع من الماس متناثرة في سماء سوداء.
"إلى أين نحن ذاهبون؟" سألتُ مونو، بينما كنا نسير في الغابة.
"مكان لن يزعجنا فيه أحد." أجابتْ، ووجهها لا يزال خالياً من أي تعبير.
"مكان لن يزعجنا فيه أحد؟" ضحكتُ. "أنتِ تبدين وكأنكِ تحاولين اختطافي."
"أنت لا تستحق الاختطاف." قالت ببرود.
"يا إلهي، أنتِ لطيفة جدًا."
"أعلم."
توقفتُ عن المشي، ونظرتُ إليها في حيرة. "بصراحة، أنتِ لطيفة جدًا. لا أفهم لماذا تحاولين دائمًا أن تكوني باردة."
"لأنني لستُ بشرية." قالت. "أنا مجرد روح حارسة. ليس لدي أي مشاعر."
"لا أصدقك." قلتُ. "أنا متأكد من أن لديكِ قلبًا، يا مونو."
تجمدتْ مونو، ونظرتْ إليّ بذهول. "لا تقل ذلك مرة أخرى." قالت بصوت منخفض.
"لماذا؟" سألتُ. "هل هذا يزعجك؟"
لم ترد مونو، وبدلاً من ذلك، واصلتْ المشي.
"أنتِ تبدين غاضبة." قلتُ، "هل هذا لأنني قلتُ إن لديكِ قلبًا؟"
"لا." أجابتْ، "أنا فقط لا أحب أن أكون مخطئة."
ضحكتُ. "إذًا أنتِ مخطئة. أنتِ لطيفة جدًا، ومضحكة جدًا، ولديكِ قلب كبير."
تجمدتْ مونو، ورفعتْ يدها. "توقف." قالت. "أنا لا أحب هذا النوع من الحديث."
"لماذا؟" سألتُ. "هل هذا لأنكِ خائفة؟"
"أنا لا أخاف من أي شيء."
"إذًا لماذا أنتِ غاضبة؟"
لم ترد مونو، وواصلتْ المشي، لكنني رأيتُ ابتسامة صغيرة تظهر على وجهها.
الفصل التاسع والأربعون
واصلتُ السير خلف مونو، أراقب ظهرها الصغير يتحرك في ضوء القمر. كان الجو باردًا، وكانت الرياح تلامس بشرتي، لكنني لم أشعر بالبرد. شعرتُ بالخوف، لا أعلم لماذا.
"مونو، لدي سؤال."
"اسأل."
"كيف يمكن أن أعود إلى المدرسة؟" سألتُ، "كيف سأشرح غيابي لمدة شهر كامل؟"
توقفتْ مونو، ونظرتْ إليّ. "لا تقلق بشأن ذلك."
"لا تقلق؟" صرختُ"، أصدقائي، مدرستي. كل شيء في خطر!"
"اهدأ." قالت. "أنت لا تفهم."
"لا أفهم ماذا؟"
"الوقت." قالت. "الضباب الذي يحيط بالغابة يجعله مختلفًا عن الوقت في الخارج."
تجمدتُ. "ماذا تقصدين؟"
"شهر كامل هنا يساوي أسبوعًا واحدًا في الخارج."
شعرتُ بالصدمة، وكأنني تعرضتُ لصدمة كهربائية. "أسبوع واحد؟" همستُ، "كيف؟"
"إنها قدرة الضباب." قالت. "يمكن للضباب أن يغير الوقت والمكان. إنه سحر قوي جدًا."
"سحر؟"
"نعم." قالت. "هذا هو العالم الذي تعيش فيه، يا بليك. عالم مليء بالسحر."
تجمدتُ، ونظرتُ إلى مونو، وشعرتُ وكأنني أراها للمرة الأولى. كانت مجرد طفلة صغيرة، لكنها كانت تمتلك قوة لا يمكن تصورها.
"إذًا... أنا بخير؟" سألتُ.
"نعم." أجابت. "أنت بخير. لكن هناك الكثير لتتعلمه."
ابتسمتُ، وشعرتُ بالارتياح. لم أكن قد فقدتُ حياتي، ولم أكن قد فقدتُ أصدقائي. كنتُ فقط قد تعلمتُ شيئًا جديدًا عن نفسي، وعن العالم الذي أعيش فيه.
توقفنا في منطقة وسط الغابة. كانت المنطقة تبدو وكأنها خارج هذا العالم. كانت الأشجار المحيطة بنا ضخمة، وكانت أغصانها تتشابك لتشكل سقفاً طبيعياً. كانت الأزهار البنفسجية تتفتح في كل مكان، وكانت تلمع بضوء خافت، وكأنها جواهر ثمينة. كانت المنطقة تبدو وكأنها مكان من عالم الخيال، مكان لم يمسه البشر.
كانت الأزهار تتراقص في الهواء، وكأنها تحاول الترحيب بنا. كانت ألوانها تتغير من الأرجواني الفاتح إلى الأرجواني الداكن، مما يعطي إحساسًا بالغموض والجمال. كانت رائحة الأزهار تملأ الهواء، وكانت تذكرني برائحة الياسمين.
"هذه منطقة تدريبنا التالية." قالت مونو، ووجهها لا يزال خالياً من أي تعبير.
"تدريب؟" سألت، "ماذا سنفعل هنا؟"
"سأعلمك كيفية استخدام السحر." قالت.
تجمدت، ونظرتُ إلى مونو، وشعرتُ وكأنني أراها للمرة الأولى. كانت مجرد طفلة صغيرة، لكنها كانت تمتلك قوة لا يمكن تصورها.
نظرتُ حولي، وشعرتُ وكأنني في حلم. كان الحقل الأرجواني يلمع بضوء خافت، وكأن النجوم قد سقطت من السماء لتستقر على الأرض. كانت الأنهار الصغيرة تتدفق عبر الحقل، وكانت المياه تلمع بضوء أرجواني. كانت الأجواء هادئة، وكانت رائحة الزهور تملأ الهواء.
"هذا مذهل يا مونو." همستُ.
"نعم، إنه كذلك." قالت بصوت هادئ، بينما كانت تنظر إلى الأنهار عن قرب.
"كيف يمكن أن يكون هذا المكان منطقة تدريب؟" سألتُ، "إنه يبدو وكأنه جنة."
"سوف ترى بنفسك."
وفجأة، بدأت مجموعة من الفراشات الأرجوانية بنفس لون الزهور في الطيران حولي وحول الحقل. كانت الفراشات تتحرك بهدوء، وكأنها تتراقص على أنغام موسيقية. كانت أجنحتها تلمع بضوء خافت، وكانت تبدو وكأنها قطع من الجواهر. شعرتُ بالدهشة، وكأنني في حلم.
قالت مونو وهي تسير إلى تلك الفراشات بيدها: "هؤلاء هم التدريب."
اقتربتُ منها، وقلتُ باستغراب: "لم أفهم. هل يجب أن أصطاد الفراشات أو ما شابه؟"
"حسنًا، شيء كهذا. يجب عليك الهروب من الفراشات."
تجمدتُ، ونظرتُ إلى مونو في حيرة. "الهروب؟"
أكملت مونو كلامها، وقالت: "هذه الفراشات سامة، وإن حطّت إحداها على جلدك، فسوف تُصاب بسمها."
شعرتُ بالصدمة، وكأن أحدهم صفعني على وجهي. "أتمزحين؟ لا يمكنني الهروب من هذا العدد الهائل من الفراشات، سوف أُصاب بالسم!"
"وهذا ما أحتاجه."
"ماذا!؟!"
"اختيارك التالي، تحمل السموم!"
في تلك اللحظة، بدأت الفراشات تتحرك نحوي بشكل جماعي. لم تعد تحوم بهدوء، بل اندفعت بسرعة وكأنها سهام أرجوانية تسعى للهدف. رأيت ألوانها البراقة تقترب، وكل فراشة تبدو وكأنها تحمل سمًا قاتلًا على أجنحتها.
"يا إلهي!" صرختُ، وشعرت بالرعب يتسرب إلى عظامي. لم يكن هذا تدريبًا عاديًا، بل كان اختبارًا للحياة أو الموت.
بدأتُ أركض عبر الحقل، وأنا أتجنب الفراشات المتطايرة نحوي بكل قوتي. كانت أعدادهن هائلة، وكأنهن عاصفة أرجوانية تحاول ابتلاعي. كانت حركتهن سريعة وغير منتظمة، مما جعل الهروب أمرًا صعبًا للغاية.
كنت أركض وأقفز وأنحني، محاولًا تفادي اللمسات السامة. شعرت بالهواء يحرك شعري، وبأزيز أجنحتهن يقترب من أذني. كانت كل ثانية بمثابة معركة، وكل خطوة تخطوها تحمل خطرًا.
كان الحقل مليئًا بالعوائق، بالأنهار الصغيرة والصخور والزهور الكثيفة، لكنني لم أكن أهتم بشيء سوى النجاة. كنت أركز بصري على الفراشات القادمة نحوي، وأحاول توقع حركتهن لتفاديهن.
في لحظة ما، شعرت بلمسة خفيفة على ذراعي. نظرت بسرعة، ورأيت فراشة أرجوانية صغيرة تحاول الالتصاق بجلدي. صرخت ودَفعتها بعيدًا بيدي، وشعرت بوخز خفيف في مكان اللمسة.
"اللعنة!" تمتمت، وشعرت بالخوف يتزايد. يجب أن أكون أكثر حذرًا.
واصلت الركض، وقلبي يخفق بسرعة كبيرة. كنت أتنفس بصعوبة، وشعرت بالعرق يتصبب من جبيني. لكنني لم أتوقف. كنت أعلم أنني إذا توقفت، فسوف أُصاب بالسم وأموت.
كانت مونو تقف تراقبني من بعيد، ووجهها لا يزال خاليًا من أي تعبير. لم تكن تساعدني، ولم تكن تعطيني أي توجيهات. كنت وحدي في هذا الاختبار القاتل.
لكن في داخلي، كان هناك شيء يرفض الاستسلام. كانت هناك إرادة قوية تدفعني للقتال من أجل البقاء. كنت أتذكر كل ما مررت به، وكل من أحبهم، وكنت أعرف أنني لا أستطيع أن أموت هنا.
زادت سرعتي، وبدأت أستخدم كل ما تعلمته في التدريب. كانت رشاقة حركاتي قد تحسنت، وكانت ردود أفعالي أسرع. بدأت أتوقع حركات الفراشات بشكل أفضل، وأتفاداها بمهارة أكبر.
كان الحقل الأرجواني يتحول إلى ساحة معركة، وكنت أنا المحارب الوحيد الذي يحاول النجاة من هذا الهجوم السام. كنت أركض وأقفز وأنا أصرخ بغضب وخوف، لكنني كنت أتحرك بإصرار وعزيمة.
الفراشات كانت تلاحقني بلا هوادة، وكأنها مصممة على إنهاء حياتي. لكنني كنت مصممًا على البقاء. كنت سأهرب من هذا الحقل، وسأتحمل السم، وسأصبح أقوى. كنت سأفعل أي شيء لأنجو.
كان قلبي يخفق بعنف، وعيناي تتبعان كل فراشة تقترب مني. شعرتُ باليأس يزحف إلى داخلي. كان عددهم هائلاً، وكنتُ أدرك أنني لن أستطيع الهروب منهم جميعًا. كان جسدي يتعب، وكانت أنفاسي تصبح أثقل وأثقل.
في لحظة ما، شعرتُ وكأنني على وشك الانهيار. توقفتُ عن الركض، وأغمضتُ عينيّ، وتنفستُ بعمق. كان الألم يتسلل إلى كل عضلة في جسدي، لكنني تجاهلته.
"لا تستسلم." قال صوت داخلي. "أنت أقوى من هذا."
تذكرتُ تدريباتي مع مونو، كل لحظة من الألم، وكل قطرة عرق. تذكرتُ كيف حولتني من فتى ضعيف إلى شخص قوي. كان جسدي قادرًا على تحمل المزيد، وكان عقلي قادرًا على التغلب على المستحيل.
فتحتُ عينيّ، ونظرتُ إلى الفراشات التي كانت تقترب مني. لم أعد أرى وحوشًا، بل رأيتُ تحديًا. تحديًا يجب أن أتغلب عليه.
"حسنًا، أيها الأوغاد." تمتمتُ، "سوف نرى من سيفوز في هذه المعركة."
مددتُ يدي، وظهر سيف قاتل الجن في يدي. كان السيف يلمع بضوء خافت، وكأنه يشع بالقوة. شعرتُ بأن السيف يمتد لي، وبأن كل خلية فيه تستجيب لي.
"بركة استعمال الأسلحة." همستُ.
كانت هذه هي القدرة التي اكتشفتها خلال تدريبي مع مونو. كنتُ قادرًا على استخدام أي سلاح باحترافية تامة. كانت هذه القدرة هي التي ستقودني إلى النصر.
بدأتُ أتحرك، لكن هذه المرة، لم أكن أهرب. كنتُ أقاتل. كنتُ أضرب بسيف قاتل الجن بدقة وسرعة، محاولًا القضاء على أكبر عدد ممكن من الفراشات. كانت الفراشات تتبع حركات السيف، وتحاول تفاديه، لكنها لم تكن سريعة بما يكفي.
كان كل ضربة مني تُنهي حياة فراشة. كانت أجسادهن تتطاير في الهواء، وتتحول إلى غبار أرجواني. كنتُ أتحرك برشاقة، وكأنني راقص. كان السيف يمتد من يدي، وكأنه جزء من جسدي.
لكن عدد الفراشات كان هائلاً. كانت تتدفق نحوي كالنهر، وكان كل ضربة مني لا تُحدث فرقًا. شعرتُ بالإحباط، لكنني لم أتوقف. كنتُ أواصل القتال، وأنا أستخدم كل ما تعلمته.
في لحظة ما، شعرتُ وكأن هناك شيء يلتصق بكتفي. نظرتُ بسرعة، ورأيتُ فراشة أرجوانية تحاول الوقوف على جلدي. صرختُ ودَفعتها بعيدًا بيدي، وشعرتُ بوخز خفيف في مكان اللمسة.
"اللعنة!" تمتمتُ.
في تلك اللحظة، شعرتُ بأن السيف يرتعش في يدي. نظرتُ إليه، ورأيتُ أنه بدأ يتوهج بضوء أصفر. شعرتُ بالدهشة، لكنني لم أفهم ماذا كان يحدث.
وفجأة، اختفى السيف من يدي. نظرتُ إلى يدي في حيرة، وشعرتُ بالصدمة.
"ماذا حدث؟" همستُ.
نظرتُ إلى مونو، التي كانت تقف بعيدة عني، ووجهها لا يزال خاليًا من أي تعبير. كانت تنظر إليّ، وابتسامة صغيرة تظهر على وجهها.
"لا تغش." قالت بصوت هادئ. "هذا تدريب على تحمل السموم، وليس على استخدام السيف."
تجمدتُ، ونظرتُ إلى الفراشات التي كانت تقترب مني، وشعرتُ باليأس. كنتُ وحيدًا مرة أخرى، وكنتُ على وشك أن أُصاب بالسم.
أطلقتُ صرخة غضب مكتومة. كانت مونو واقفة على بعد أمتار، وجهها الجامد لا يظهر أي تعبير. كانت قد جردتني من سلاحي الوحيد. شعرتُ بالغضب يشتعل في داخلي، وكأنه نار حارقة. لقد تلاعبت بي! لقد جعلتني أظن أن لدي فرصة للقتال، ثم سحبت مني هذه الفرصة في لحظة واحدة.
"اللعنة عليكِ!" صرختُ بصوت عالٍ، لكن مونو لم تتحرك.
لم يكن لدي خيار. كان علي أن أعود للهروب. بدأتُ أركض مرة أخرى، لكن هذه المرة، كانت حركاتي أبطأ وأثقل. كنتُ أشعر بالإرهاق يسيطر على جسدي، وكان السم الذي دخل جسدي من لمسة الفراشة يتسبب في شعور بالدوار.
كانت الفراشات تلاحقني بلا هوادة، وكأنها جيش من الأشباح الأرجوانية. كنتُ أركض، لكنها كانت أسرع. كنتُ أقفز، لكنها كانت تتوقع حركاتي. كنتُ أشعر باليأس يملأ قلبي، وكأنني أركض في دائرة لا نهاية لها.
في لحظة ما، تعثرتُ وسقطتُ على الأرض. شعرتُ بالألم يتسلل إلى ركبتي، لكنني لم أهتم. كانت الفراشات تقترب مني، وكان كل ما يمكنني رؤيته هو ألوانها البراقة وسخريتها الصامتة.
نظرتُ حولي، محاولًا العثور على أي شيء يمكنني استخدامه. رأيتُ صخرة صغيرة على الأرض، كانت مسننة قليلاً، وكأنها قطعة من الزجاج المكسور. أمسكتُ بها بيدي المرتجفتين، وشعرتُ بأنها امتداد لجسدي.
"بركة استعمال الأسلحة." همستُ لنفسي.
كانت هذه هي فرصتي الأخيرة. قمتُ من مكاني، وبدأتُ أضرب بالصخرة. كانت حركاتي سريعة ودقيقة، وكأنني استخدم سيفًا حقيقيًا. كنتُ أضرب الفراشات بمهارة، وكنتُ أراها تتحول إلى غبار أرجواني.
كانت الصخرة سلاحي، وكانت الفراشات أعدائي. كنتُ أقاتل بشجاعة، وكنتُ أرفض الاستسلام. كنتُ أتذكر كل ما مررت به، وكل من أحبهم، وكنتُ أعرف أنني لا أستطيع أن أموت هنا.
لكن العدد كان هائلاً. كنتُ أقتل العشرات، لكن مئات أخرى كانت تظهر. كانت أجنحتهن تلمع في ضوء القمر، وكانت عيونهن تبدو وكأنها قطع من الجحيم.
في لحظة ما، شعرتُ بألم حارق في ذراعي. نظرتُ، ورأيتُ فراشة أرجوانية تلتصق بجلدي. صرختُ، وحاولتُ دفعها بعيدًا، لكنها كانت قوية جدًا. كانت الفراشات الأخرى تلتصق بجسدي، الواحدة تلو الأخرى، وكأنها جيش من الموت.
شعرتُ بالسم يتسلل إلى جسدي، وشعرتُ بالدوار يزداد. كانت رؤيتي تضطرب، وكنتُ أرى كل شيء وكأنه يتحرك. كان الألم حارقًا، وكأن النار تلتهم جسدي.
"مونو... اللعنة عليكِ..." همستُ، وسقطتُ على الأرض.
كان آخر ما رأيته هو وجه مونو، الذي كان لا يزال خاليًا من أي تعبير، وآخر ما شعرتُ به هو الألم الذي اجتاح جسدي، قبل أن يغمرني الظلام.
فجأةً، وجدتُ نفسي في مكان غريب. كانت آخر ذكرى لدي هي الألم الحارق الذي اجتاح جسدي، ووجه مونو الجامد بينما كنت أسقط على الأرض. لكن هنا، لم يكن هناك ألم. كان هناك فقط الظلام.
"ماذا؟ ألم أسقط على الأرض بعد هجوم الفراشات؟"
كنتُ أقف على أرضية غريبة، لم تكن صلبة، بل كانت مغطاة بطبقة رقيقة من المياه الأرجوانية البراقة. كانت المياه تمتد في كل اتجاه، لتندمج مع الظلام الحالك الذي يحيط بي. مع كل خطوة، كانت المياه تتموج بهدوء، وكأنها حياة بحد ذاتها. كانت تشبه لوحة فنية، جميلة وغريبة في نفس الوقت.
بدأتُ أتقدم، لكنني لم أشعر أنني أتقدم في الأساس. كانت خطواتي بلا صدى، وكأنني أتحرك في فراغ. شعرتُ بالغرابة تسيطر عليّ، وكان عقلي يحاول فهم ما يحدث. هل أنا ميت؟ هل أنا في عالم آخر؟
بدأتُ أجري، محاولًا الوصول إلى أي مكان. كنتُ أركض بأسرع ما يمكن، لكنني لم أصل إلى أي شيء. كان المكان يبدو وكأنه لا نهاية له، وكأنني أركض في دائرة. بدأتُ أشعر بالذعر، وصرختُ بصوت عالٍ: "مونو! مونو! مونو!"
كان صوتي يختفي في الظلام، وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس. شعرتُ بالخوف يتملكني، وكأنني طفل صغير في غابة مظلمة. كنتُ أركض، وأنا ألهث، وأتساءل: أين أنا؟ ما هذا المكان؟ هل هذا هو الجحيم؟ هل تركتني مونو هنا؟
واصلتُ الجري بسرعة جنونية، حتى تعثرتُ وسقطتُ في المياه الأرجوانية. كانت المياه قليلة لدرجة أنه كان من المستحيل أن أغرق فيها. لم يكن لها أي طعم، ولا رائحة، ولا حتى إحساس.
حاولتُ الوقوف، لكنني لم أستطع. كان جسدي يرتعش، وكان عقلي يحاول استيعاب ما يحدث. يجب أن أهدأ. يجب أن أفكر. لا يمكن أن أكون هنا بمفردي. مونو لا يمكن أن تتركني هكذا. يجب أن أجد طريقًا للخروج.
وبينما كنتُ أحاول التفكير، رأيتُ شيئًا يلمع من بعيد. كان لونًا أخضر داكنًا، وكان يشع بضوء خافت. شعرتُ بالأمل، ونهضتُ من مكاني، وبدأتُ أجري نحوه.
كان الجري هذه المرة مختلفًا. لم أكن أركض في دائرة، بل كنتُ أتقدم. كان الضوء الأخضر يقودني، وكان كل خطوة أقرب إليه تزيد من إصراري. كانت مشاعري تتأرجح بين الأمل واليأس، بين الخوف والشجاعة. كنتُ أركض، وأنا أتخيل أن هذا الضوء هو مونو، هو خلاصي، هو الأمل.
وصلتُ أخيرًا، وأنا ألهث، إلى الضوء الأخضر. كان ضوءًا يخرج من جوهرة عملاقة تطفو في الهواء. كانت الجوهرة خضراء، وكانت تلمع بضوء قوي، وكأنها قلب هذا المكان. كانت تشبه تمامًا الجوهرة التي كانت في عيني.
وقفتُ أمام الجوهرة، ألهث بصعوبة، وعيناي لا تكادان تصدق ما أراه. كانت الجوهرة عملاقة، تطفو في الهواء وكأنها قلب هذا العالم المظلم. كانت تشبه بلورة عملاقة من الزمرد، لونها أخضر داكن يشع بضوء خافت، وداخلها، رأيتُ شبكة معقدة من الخطوط الذهبية تتدفق وتتحرك كأنها أنهار من الضوء السائل. كانت الجوهرة نفسها ليست ناعمة، بل كانت تحتوي على نتوءات وزوايا حادة، مما يضفي عليها مظهرًا غامضًا وخطيرًا. كانت تبدو وكأنها نجمة قديمة، أو ربما عين كائن عملاق يراقبني من بعيد.
مددتُ يدي ببطء، وقلبي يخفق بعنف. لمستُ الجوهرة بطرف إصبعي، وشعرتُ ببرودة غريبة تسرّي في عظامي. لم أكن خائفًا، بل كنتُ أشعر بالفضول. كانت هذه الجوهرة تشبه تمامًا الجوهرة التي كانت في عيني، وكنتُ أرغب في معرفة ما هو سرها.
وفجأة، بدأت الجوهرة تتبخر. كانت تتحول إلى غبار أخضر متوهج، وكأنه مجموعة من النجوم الصغيرة. لم أشعر بالخوف، بل شعرتُ بالدهشة. كان الغبار يتطاير في الهواء، ثم بدأ يتجه نحوي. لم أستطع الهروب، ولم أرد الهروب. كان الغبار يتدفق نحوي كالنهر، وكان يتجمع حول عيني اليمنى.
في تلك اللحظة، شعرتُ بألم لا يوصف. كان الألم حارقًا، وكأن أحدهم يضع نارًا في عيني. صرختُ بأعلى صوتي، لكن صوتي اختفى في الظلام. كان الغبار الأخضر يدخل إلى عيني، وكلما دخل، كان الألم يزداد. شعرتُ وكأن عيني يتمزقان، وكأن عظام جمجمتي تتحول إلى غبار.
استمر الألم لعدة ثوانٍ، لكنها بدت وكأنها أبدية. كنتُ أصرخ وأتألم، وأنا أضغط على عيني بيدي. كنتُ أتمنى الموت، كنتُ أتمنى أن ينتهي كل شيء.
وفجأة، توقف الألم. توقف الغبار عن الدخول إلى عيني، وذهبت الجوهرة بالكامل. كانت قد تبخرت تمامًا، ولم يتبقَ منها شيء. فتحتُ عينيّ ببطء، وشعرتُ بالدوار. كانت عيني اليمنى لا ترى أي شيء، فقط الظلام.
لمستُ عيني اليمنى بيدي المرتجفة، وشعرتُ بشيء صلب وبارد. كان شيئًا غريبًا، لم يكن جلدي، ولم يكن عيني. وضعتُ يدي الأخرى على وجهي، وحاولتُ فهم ما يحدث. لم أجد أي ملامح لوجهي، فقط جوهرة صلبة.
تجمدتُ، وصرختُ بأعلى صوتي. شعرتُ بالرعب، وكأنني تحولتُ إلى وحش. لم تعد لدي عين يمنى، بل كانت جوهرة خضراء تلمع في مكانها.
صرختُ بصوت أعلى، صرخة ممزوجة بالرعب المطلق. لم أعد أتعرف على نفسي. كان وجهي مشوهًا، عيني اليمنى تحولت إلى جوهرة خضراء متوهجة، وكنتُ أقف في هذا الفراغ المظلم، أشعر وكأنني كابوس يتحرك.
ولم يكن الكابوس قد انتهى بعد.
عندما حركتُ قدمي ببطء، شعرتُ بحرقة باردة تنتشر في جلدي. نظرتُ إلى الأسفل، ورأيتُ أن جسدي يمتص المياه الأرجوانية البراقة التي كانت على الأرض. بدأت قدمي تتحول إلى اللون الأرجواني الغامق، وكأنها تُصبغ من الداخل. لم يكن الأمر مجرد لون، بل كان إحساسًا مروعًا، شعورًا بأن جسدي يتم استهلاكه، وأن خلاياي تُستبدل بشيء غريب، شيء لا ينتمي إليّ.
انتشر اللون الأرجواني بسرعة. بدأ يتسلل من قدمي، ويصعد إلى ساقي، ثم إلى فخذي، وكأن شخصًا يملأ كأسًا من العصير، لكن هذا الكأس هو أنا. شعرتُ بالرعب المطلق وأنا أرى جلدي يتحول، يغير لونه، يتصلب ببطء. حاولتُ الصراخ، لكن صوتي كان يختفي في الهواء. كنتُ أرتعش، وأنا أشاهد اللون الأرجواني يلتهم جسدي، يغطي كل شبر من جلدي، تاركًا خلفه إحساسًا بالبرودة والفراغ.
انتشر اللون الأرجواني إلى صدري، وذراعي، ثم إلى رقبتي، وأخيرًا، إلى وجهي. كنتُ أقف هناك، مسخًا حقيقيًا. جسد أرجواني بالكامل، مع عين جوهرة خضراء تلمع في الظلام. كان هذا المشهد أسوأ من أي كابوس. كان هذا هو الجنون بحد ذاته. بدأتُ أضحك، ضحكة مجنونة، مختلطة بالبكاء. هذا أنا... هذا أنا الآن. مسخ... وحش... أنا لست بليك بعد الآن.
في تلك اللحظة، شعرتُ بحرقة مميتة في جهة الجوهرة الخضراء. كانت الحرقة أشد وأعمق من أي ألم شعرتُ به من قبل. شعرتُ وكأن اللون الأرجواني الذي غمر جسدي يحاول الدخول إلى الجوهرة، يسيطر عليها، ويحولها إلى اللون الأرجواني. لكن الجوهرة كانت تقاوم.
أطلقت الجوهرة ضوءًا أخضرًا ساطعًا، وكأنها قلب يتوهج. كان الضوء الأخضر يقاتل اللون الأرجواني، ويتدفق إلى جسدي، مما تسبب في شعور لا يوصف. كان جزء من جسدي يحترق بضوء أخضر، بينما الجزء الآخر كان يُستبدل بلون أرجواني بارد. كانت مشاعري تتأرجح بين الألم الذي لا يطاق، والفوضى، والجنون.
صرختُ بأعلى صوتي، وصرختي كانت تملأ الفراغ. كنتُ أتمايل، وأنا أحاول فهم ما يحدث. هل أنا أموت؟ هل أنا أتحول؟ لا أعلم. كنتُ فقط أشعر بالألم، وأنا أرى جسدي يتحول إلى ساحة معركة بين قوتين عظيمتين. كان هذا هو الجحيم، وكان هذا الجحيم هو أنا.
كان الألم لا يطاق. مزيج من الحرقة الحارقة والبرودة المتجمدة، وكأنني جسد واحد يُمزق بين الجليد والنار. شعرتُ وكأنني أتحول إلى بلورة، إلى قطعة من الزجاج، وكأن كياني يتكسر إلى آلاف الشظايا. لكن في خضم هذا الألم، وفي لحظة جنون مطلق، تحول هذا الشعور إلى غضب. غضب لا حدود له.
كفى! صرختُ في داخلي. لن أستسلم. لن أدع هذا يحدث لي. هذه الجوهرة... إنها هدية. إنها هدية من ميساكي.
لم أكن متأكدًا من ذلك، لكنني كنتُ أؤمن به. كانت هذه الجوهرة تشبه تمامًا الجوهرة التي كانت في عيني. كانت ذكرى ميساكي، وكل من أحبهم. كانت ذكرى قوتي، وذكرى وعدي بأنني لن أكون ضعيفًا بعد الآن. كانت هذه الجوهرة هي أنا، وأنا لن أسمح لأي شيء بالسيطرة عليّ.
فتحتُ عينيّ بقوة، وصرختُ: "استحوذ!"
سمحتُ للضوء الأخضر بالتدفق في جسدي، سمحتُ له بالسيطرة، بالانتشار. شعرتُ بألم جديد، ألم كان أقوى وأكثر حدة من الألم السابق. شعرتُ وكأن جسدي يتشكل من جديد، وكأن عظامي وعضلاتي تُصنع من بلور أخضر. كان الألم يتسبب في صرخاتي، لكنني لم أتوقف. كنتُ أصرخ، وأنا أسمح للضوء الأخضر بالانتصار.
وببطء، بدأ اللون الأرجواني في التقلص. كان ينسحب من جسدي، وكأنه يتراجع عن المعركة. كان اللون الأخضر البلوري يتقدم، يلتهم اللون الأرجواني، ويستبدل جلدي بلون جديد، بكيان جديد. شعرتُ بالخفة، وكأنني لم أكن أمتلك جسدًا من الأساس.
في النهاية، اختفى اللون الأرجواني تمامًا. لم يتبقَ منه أي أثر. كنتُ أقف هناك، تمثالًا من البلور الأخضر. كنتُ أرى كل شيء، لكنني لم أستطع الحركة. كنتُ محبوسًا في جسدي، وكأنني قطعة من الجليد.
ما هذا؟ تساءلتُ في داخلي. هل هذا هو أنا الآن؟ هل هذا ما سأكون عليه للأبد؟
كنتُ محبوسًا، لكن عقلي كان حراً. تذكرتُ أصدقائي. تذكرتُ أكيهيكو الذي كان يؤمن بي، ونيمو الذي ضحى بحياته من أجلي، وميساكي التي أعطتني الأمل. تذكرتُ بابادوك الذي كان معي في كل خطوة. لم أكن وحدي. لم أكن وحشًا. كنتُ أنا، وكنتُ سأعود إليهم.
في تلك اللحظة، ظهرت عيون عملاقة من الظلام الحالك. لم تكن لها ملامح، ولا خير، ولا شر. كانت فقط عيونًا، ثنائية الأبعاد، تطفو في الهواء. كانت تنظر إليّ، وكأنها تراقب قطعة أثرية في متحف. لم تتحرك، ولم ترمش. كانت فقط تحدق بي.
شعرتُ باليأس، لكنني لم أستسلم. حاولتُ تحريك يدي. شعرتُ بشيء يرتعش في البلور، لكنني لم أستطع تحريكها. حاولتُ مرة أخرى، ومرة أخرى، ومرة أخرى. كنتُ أقاتل، وأنا أصرخ في داخلي.
وببطء، بدأ البلور الأخضر يتشقق. كانت الشقوق صغيرة في البداية، لكنها بدأت تكبر. كانت كل حركة مني تسبب في كسر البلور، وفي النهاية، تحركتُ. تحررتُ.
نظرتُ إلى العيون العملاقة في حيرة. كانت لا تزال تحدق بي، لكنني لم أعد خائفًا. كنتُ فقط أشعر بالذهول. كانت العيون تبدو وكأنها قطع من الورق، لكنها كانت حقيقية. كانت تنظر إليّ، وتراقبني.
شعرتُ بحرقة جديدة في عيني، لكنني تحملتُ الألم. كانت الجوهرة تحاول إعادة البلور إلى جسدي، لكنني أوقفتها. "لا." همستُ في داخلي. "أنا لا أريد ذلك. أنا أريد أن أكون حراً."
وفجأة، تحول اللون الأرجواني في المياه على الأرض إلى لون أخضر، مثل الجوهرة الخضراء. كانت المياه تلمع بضوء أخضر، وكأنها حياة جديدة. ثم، بدأت مقلتا أعين الكائنات العملاقة تتحول إلى اللون الأخضر. كانت عيونهن تلمع بضوء أخضر، وكأنهن قد حصلن على حياة جديدة. ثم، بدأ كل شيء يلمع باللون الأخضر. كانت الأجواء تضيء باللون الأخضر، لدرجة أن عيني لم تستطع تحمل الضوء. كانت هذه نهاية رحلة، وبداية رحلة جديدة.
استيقظتُ فجأة، وعيناي تفتحان على حقل الأزهار الأرجواني. كانت آخر ذكرى لدي هي الألم الذي اجتاح جسدي، والظلام الذي ابتلعني. لكن هنا، لم يكن هناك ألم. كان هناك فقط رائحة الزهور، وهدوء الليل.
شعرتُ بغثيان حارق يتصاعد من معدتي. لم يكن غثيانًا عاديًا، بل كان شعورًا بأن شيئًا ما يريد الخروج من جسدي. انحنيتُ، وتقيأتُ قيئًا أرجوانيًا، كان لونه يشبه لون الفراشات التي حطّت علي. شعرتُ وكأنني أفرغ كل السموم التي تراكمت في جسدي، وكل الألم الذي تحملته. كان شعورًا بالراحة، لكنه كان غريبًا جدًا.
رفعتُ رأسي، ورأيتُ وجه مونو يحدق بي. كانت عيناها ثابتتين، لا تظهران أي تعاطف أو قلق. كانت الفراشات الأرجوانية تحوم خلفها بهدوء، وكأنها لم تكن تهاجمني قبل قليل.
"ماذا حدث؟" سألتُ، وعيناي لا تكادان تصدقان ما أراه. "لقد هاجمتني هذه الفراشات، وكدتُ أن أموت!"
"لقد نجوت." قالت بهدوء.
"نجوت؟ لقد عرضتني للخطر! لقد أخذتِ سيفي، وجعلتني أواجه الموت!" صرختُ بغضب.
"كنتُ أعلم ما أفعله." قالت ببرود. "كنتُ أعلم أنك ستنجو. أنت أقوى مما كنت تعتقد."
توقفتُ، ونظرتُ إليها في حيرة. "ماذا كان هذا الشيء؟" سألتُ، "الظلام، والجوهرة، والأرضية الأرجوانية... هل كان هذا حلمًا؟"
"لا." قالت. "لم يكن حلمًا. كان اختبارًا."
"اختبار؟"
"نعم." أجابتْ. "اللون الأرجواني الذي رأيته في حلمك هو السم الذي كان في جسدك. واللون الأخضر هو الجوهرة التي في عينك والتي كانت تحاول منع السم من السيطرة عليك."
تجمدتُ. "هل يعني أنني لو تركتُ اللون الأرجواني يلتهم جسدي بالكامل، كنتُ سأموت؟"
"وإذا كنتَ قد تركتَ الجوهرة الخضراء تحول جسدك إلى تمثال، كنتَ ستتحول إلى مجرد نسخة من وحش لعنة الكتاب." قالت بهدوء. "لكنك استطعتَ السيطرة على قوة الجوهرة. أهنئك، صراحة."
شعرتُ بالهدوء يملأ جسدي. بعد كل العواصف التي مررت بها، شعرتُ وكأنني في مكان آمن. لم يعد هناك ألم، ولا خوف. كان هناك فقط حقل أرجواني، ومونو.
"ما هي هذه الجوهرة بحق الجحيم؟" سألتُ.
"إنها ستساعدك في الكثير من الأشياء." قالت. "مثل هذه المرة، لقد نجوتَ بفضلها. ولقد روضتها الآن، لذا لا يوجد خطر عليك منها."
بينما كنتُ أحاول استيعاب ما قالته مونو، فاجأتني مرة أخرى. مدتْ يدها وأعطتني كأسًا خشبيًا بسيطًا. كانت رائحة الشاي تملأ الهواء، رائحة قوية وعشبية، تذكرني برائحة الأعشاب البرية. كان لون الشاي بنيًا غامقًا، وكان البخار يتصاعد منه بهدوء. كان يبدو وكأنه دواء، لكنه كان يبعث على الراحة.
"هيا، اشربه. إنه سيخفف عنك."
شعرتُ بالدهشة. لم أكن أتوقع أن تظهر مونو أي نوع من العاطفة أو الرعاية. كانت دائمًا باردة وحاسمة، لكن هذه المرة كانت مختلفة. ابتسمتُ، وأخذتُ الكأس من يدها.
"شكرًا."
أخذتُ رشفة صغيرة من الشاي، وكان طعمه لذيذًا. كان مزيجًا من الحلاوة والمرارة، وكان يملأ فمي بدفء مريح. أخذتُ رشفة أخرى، ثم شربتُ الكأس بالكامل دفعة واحدة. شعرتُ بالدفء ينتشر في جسدي، وكأنني عدتُ إلى الحياة.
لكن فجأة، بدأتُ أشعر بحرقة في حلقي. لم تكن حرقة عادية، بل كانت حريقًا حقيقيًا. شعرتُ وكأنني أشرب نارًا سائلة. الألم انتشر إلى معدتي، وأحسستُ بأن كل شيء في داخلي يحترق. انحنيتُ، وتقيأتُ قيئًا أرجوانيًا، كان لونه يشبه لون الزهور. شعرتُ باليأس يملأ قلبي.
"ماذا فعلتِ؟" صرختُ، وأنا ألهث. "لقد سممتني!"
"لا." قالت بهدوء، "لقد اختبرتك."
"اختبرتيني؟" صرختُ بغضب. "هل كنتِ تحاولين تعذيبي؟ هل هذا ما تستمتعين به؟"
لم ترد مونو، وبدلاً من ذلك، نظرتْ إليّ بابتسامة صغيرة. "لقد قاومت السم." قالت. "لقد تغير لون الشاي من الأخضر إلى الأرجواني. هذا يعني أنك قد أصبحتَ مضادًا للسموم. تم الانتهاء من التدريب."
تجمدتُ. كان هذا هو السبب. كانت تحاول أن تجعلني أقوى. شعرتُ بالغضب، لكنه تحول إلى إحباط. كنتُ متعبًا جدًا، وكنتُ أرغب فقط في النوم.
"لا يهم." تمتمتُ، "سوف أنام."
"لا يمكنك النوم في مكان كهذا." قالت.
"سوف أنام أينما أشاء." قلتُ، وأغلقتُ عينيّ.
شعرتُ بيد صغيرة تلمس رأسي. كانت مونو تفرك رأسي بلطف. لم أكن أعرف لماذا تفعل ذلك، لكنها كانت تريحني.
"أنتِ مزعجة." تمتمتُ.
"وأنتَ أحمق." قالت، لكن صوتها كان هادئًا.
مددتُ يدي، وبدأتُ أدغدغها. شعرتُ بها تضحك، وكان ضحكها يملأ الهواء. كان هذا هو الصوت الذي أحبه. صوت مونو