51 - لا يمكنك حتى هزيمة كرة من اللهيب

بعد أن عدنا إلى الحقل، جلستُ على الأرض ألهث، ورأسي يكاد ينفجر من شدة الألم. كل شعرة في جسدي كانت تصرخ من الإرهاق. كانت مونو تقف أمامي، يدها على خصرها، وابتسامة خفيفة لم تفارق شفتيها منذ أن انفجرت ضاحكة. هذه الضحكة، التي كانت أجمل ما سمعته في حياتي، كانت الآن تزعجني.

"أنتِ تستمتعين بهذا، أليس كذلك؟" قلتُ، وكلماتي خرجت كهمسٍ متقطع.

"بماذا؟" أجابت مونو، وعادت ملامحها للبرود المعتاد، لكنني رأيت بريقًا خبيثًا في عينيها.

"بمعاناتي! بالتهديد بضربي على رأسي، بإلقائي في بحيرة، بتحويلي إلى بلورة في غابة! هل ترينني مجنونًا؟" صرختُ، ورفعتُ يديّ في الهواء. "هذا التدريب لا معنى له! كيف يمكن لشخص طبيعي أن يتدرب على الغرق والسموم؟"

عبست مونو. "إذا لم تستطع تحمل الألم، فلن تستطيع الدفاع عن نفسك."

"الدفاع عن نفسي؟" ضحكتُ بمرارة. "أنا لا أحتاج للدفاع عن نفسي! أنا أريد فقط أن أعود للمدرسة، أن آكل بيتزا، أن أذهب إلى السينما! هل هذا كثير؟"

تنهدت مونو بعمق. "بليك، الحياة التي تعرفها لم تعد موجودة. أنتَ الآن جزء من عالم مختلف. عالم الأرواح، الجن، الشياطين، والساحرات. إذا لم تتعلم كيف تنجو، فسوف تموت."

"أفضل أن أموت وأنا آكل البيتزا!" قلتُ، وأنا أشعر بالدراما تملأ كلماتي.

"لا يمكنني السماح بحدوث ذلك." قالت مونو، وابتسمت ابتسامة خفيفة. "لقد استيقظتَ من سباتٍ عميقٍ بسببك. أنا الآن مسؤولة عنك."

"مسؤولة عني؟" صرختُ. "أنتِ مسؤولة عن إلقائي في بحيرة وترك السلاسل تكبلني؟"

"لا." قالت. "أنا مسؤولة عن تدريبك. لقد قمتُ بذلك لأنني أعلم أنك ستنجو. أنتَ تمتلك قوة الإرادة. هذه القوة نادرة جدًا."

نظرتُ إليها، ووجدتُ أن عينيها كانت جادتين. "هل هذا صحيح؟" سألتُ بهدوء.

"نعم." أجابت. "أنتَ لست ضعيفًا. أنتَ فقط لم تتعلم كيف تستخدم قوتك. يجب أن تصبح أقوى من أي وقت مضى. هناك أشياء أسوأ من الغرق في بحيرة الدموع الأبدية."

شعرتُ بالبرد يسري في عظامي. "ماذا؟"

"أنتَ لست وحدك في هذا العالم، يا بليك. هناك قوى شريرة تسعى إليك. أنتَ تحمل مفتاحًا مهمًا في هذا العالم، مفتاحًا سيغير مصير الكثيرين."

تلاشى التوتر من وجهي، وأخذت نفسًا عميقًا. أخيرًا، بعد كل هذا الجحيم، يبدو أن مونو قد قررت أن تمنحني استراحة. "حسنًا، ما هو التدريب التالي؟" سألتها، محاولًا أن أبدو هادئًا قدر الإمكان. "أتمنى ألا أتعذب هذه المرة."

ابتسمت مونو، وكانت ابتسامتها هذه المرة تحمل دفئًا خفيًا، ابتسامة مطمئنة. "لا تقلق، إنه أقل صعوبة من التدريبات السابقة." قالت بصوتها الهادئ، وكأنها تُزيل عني ثقلًا هائلًا. "لن أخاطر بحياتك هذه المرة."

"الحمد لله!" تمتمت، وشعرتُ بالراحة تسري في عروقي. "كنتُ قلقًا. إذن ما هو؟"

مدّت مونو يدها، وببطء، خرجت كرة من الضوء من كفها. كانت صغيرة، بحجم كفها، وتلمع بضوء أبيض نقي. كانت هي نفس كرة النور التي استخدمتها لهزيمة تلك اللعنة الرهيبة، والتي أنقذتني من الحريق في القصر. كان وجودها يمنحني شعورًا بالأمان، لكنه في الوقت نفسه كان يثير فضولي.

رفعت مونو كرة النور التي كانت تطفو فوق كفها، وقالت: "هذا هو تدريبك التالي."

تجمدتُ في مكاني، وشعرتُ بأن كل خلية في جسدي تصرخ بالاستغراب. "ماذا؟" قلتُ، وكلماتي خرجت كصوتٍ متهدج. "ماذا تعنين؟ ما الذي ستساعدني به هذه الكرة الصغيرة؟"

اقتربتُ منها لأتأملها عن كثب. لم تكن مجرد كرة من الضوء، بل كانت كائنًا. لم تكن لها عيون أو فم بالمعنى الحرفي، لكن كانت لديها حلقات صغيرة داخلها تشبه العيون، وخط منحني في الأسفل يشبه ابتسامة دافئة. كانت تعابيرها تتغير باستمرار، كأنها تعكس مشاعرها أو تفاعلها مع ما حولها.

وفجأة، بدأت كرة النور تطفو أعلى وأعلى، كأنها تحررت من جاذبية كف مونو. كانت تسبح في الهواء، وتتحرك بعشوائية تامة، كفراشة صغيرة تهرب من قفص. كانت سرعتها تتغير باستمرار، تارةً بطيئة كأنها تتأمل المشهد، وتارةً سريعة كأنها تلعب. كانت تدور حولنا، وتتنقل بيننا، وكأنها تبحث عن شيء ما. كان واضحًا أن لديها روحها الخاصة، وأنها تتحكم في نفسها تمامًا. كان هذا الضوء، الذي أنقذني في الماضي، هو الآن شريكي الجديد في هذه المغامرة.

توقفَت كرةُ النورِ عن حركتها الفوضوية، وطفَت بهدوءٍ أمام وجهي. شعرتُ وكأنها تنتظر مني أن أفهم. نظرتُ إلى مونو، ووجهي لا يزال يحمل علامات الاستغراب. "مونو، ما هذا الشيء؟" سألتُ، وكلماتي خرجت بصعوبة، كمن يرى شيئًا غريبًا لأول مرة.

"إنه يُدعى ويش." أجابت مونو بصوتها الرتيب. "وهو روحٌ صُغرى."

توسعت عيناي، وابتسامة خجولة بدأت ترتسم على وجهي. "حقًا؟ هل هو روح؟" قلتُ، ويدي بدأت تمتد ببطء نحوه. لم أكن أصدق أنني أرى روحًا بهذا الشكل. "لكن... ذكّريني مجددًا، ما هي الروح الصُغرى؟"

تجهم وجه مونو، وعبست بعمق. كان عبوسها كغيوم داكنة تتجمع قبل عاصفة، وكأنها لا تُصدق أنني لم أكن أُنصت إليها في وقت سابق.

"هل كنتَ تُنصت إليّ عندما كنتُ أشرح لك سابقًا؟" قالت، ونبرة صوتها كانت باردة كالصقيع.

شعرتُ بالخجل، وحاولت أن أبتسم ابتسامة مُحرجة. "أرجوكِ، أعيدي إخباري."

تنهدت مونو بعمق، وكأنها تفرغ صبرها كله في ذلك التنهد. "الأرواح الصُغرى هي أرواحٌ ضعيفة وتوجد بوفرة في الطبيعة." قالت، وكلماتها كانت واضحة ومنظمة، كأنها تلقي محاضرة للمرة المليون. "يستطيع السحرة إبرام عقود معها لاستخدام قواها في السحر."

"إذن هل أبرمتِ عقدًا معها؟" سألتُ، وارتسمت على وجهي ابتسامة كبيرة.

"نعم." أجابت مونو، وعينيها تحوّلتا إلى ويش. "لقد وجدته قبل زمن بعيد، وهو شريكي ومساعدي الدائم."

انتابتني لحظة من التفكير. "إذًا، هل هذا يعني أنكِ ساحرة؟"

"لا، لستُ ساحرة."

تجمدتُ في مكاني، وشعرتُ وكأن صاعقة قد ضربتني. "ماذا؟!" صرختُ، وكلماتي كادت أن تتداخل من شدة الصدمة. "لكنكِ تستطيعين استخدام السحر المكاني، وتفعلين أشياء كثيرة خارقة للطبيعة!"

"هذه فقط قدراتي كـروحٍ اصطناعية." قالت مونو، وكأنها تُصحح لي معلومة بسيطة. "فالروح لا تستطيع أن تُصبح ساحرة."

"لماذا؟" سألتُ، وكنتُ أحاول أن أربط بين كل هذه المفاهيم الغريبة في ذهني.

"تخيّل أن لديك كوبًا من الماء ممتلئًا حتى الحافة." قالت مونو، وهي تشير بيدها في الهواء. "أي حركة صغيرة يمكن أن تتسبب في انسكاب بعض الماء، لأن الكوب ممتلئٌ حتى الحافة. عندما تُحاول سكب بعض الماء في كوب آخر، من شبه المستحيل ألا تسقط بعض النقاط من الماء على الأرض، أليس كذلك؟"

"آها، أكملي كلامك." قلتُ، محاولًا إظهار أنني أفهم ما تقوله.

"لأشرح لك أكثر، الكوب هو الروح، والماء هو المانا. وعندما تسكب الماء في كوب آخر، كأنك تُطبق سحرك."

نظرتُ إليها، ووجدتُ أن ابتسامتي قد تلاشت. "آها... لم أفهم شيئًا."

تجهم وجه مونو مرة أخرى، لكن هذه المرة، كان عبوسها أكبر وأعمق، كأن كل غضب العالم قد اجتمع فيه.

"أيها الغبيييييييي!" صرخت مونو، وشعرتُ وكأنها على وشك أن تضربني بعصا أخرى.

"بالمختصر، يستحيل على الأرواح أن يصبحوا سحرةً كاملين لأن أجسادهم كلها عبارة عن مانا." قالت مونو، وكلماتها كانت تخرج كطلقات رصاص من شدة غضبها من غبائي.

"حسنًا، حسنًا، لقد فهمت." قلتُ، محاولًا تهدئة الوضع. "لكن كيف تستعملين ذلك السحر إذاً؟"

تنفست مونو بعمق، وكأنها تُجبر نفسها على الصبر. "إنه مجرد سحر بسيط أستعمله من حين لآخر، ويأخذ مني الكثير من المانا، عكس الإنسان الذي إذا طبق نفس النوع من السحر فسوف يأخذ منه مانا أقل بكثير."

"إذن تلك الأشعة الذهبية والطيران كلها جزء من قواك كروح، بينما البقية سحر طفيف؟"

"يمكنك أن تقول ذلك."

"حسنًا، لدي سؤال آخر." قلتُ، وشعرتُ بأنني أخطأت في اللحظة التي خرجت فيها الكلمات من فمي.

تجمدت مونو، ونظرت إليّ بنظرة جعلت كل شعرة في جسدي تقف من الخوف. كانت نظرةً مرعبةً، نظرة كائن لا يُعرف معنى الرحمة. "ماذا؟!" قالت بصوتٍ منخفضٍ ومرعبٍ، صوتٌ كفيلٌ بأن يُخيف أكبر الشجعان.

أدركتُ على الفور أنني قد دفعتُها إلى أقصى حدود صبرها. "كيف يمكنكِ إبرام عقد مع روح وأنتِ روحٌ من الأساس؟" سألتُ، وكنتُ مستعدًا لأي رد فعل.

عادت نظرتها إلى وضعها الطبيعي، وتنهدت. "أوف، ظننتُ أنك ستسأل سؤالًا غبيًا. كنتُ حينها لأرميك في البحيرة دون رجعة."

"ماذا!؟!" صرختُ، وكلماتي كانت تحمل مزيجًا من الصدمة والخوف.

"لا توجد مشكلة في إبرام روح عقد مع روح أخرى." أكملت مونو، وكأنها لم تسمع ما قلته.

"أوه، هكذا إذًا." قلتُ، وأنا أحاول أن أبدو طبيعيًا قدر الإمكان.

"حسنًا، الآن لنبدأ التدريب." قالت، وهي تلتفتُ نحو ويش.

"حسنًا، لم تشرحي لي كيف سأتدرب مع هذه الروح الصغيرة."

"سوف ترى."

وفجأة، توقف ويش عن الحركة، وبدأ لهيبه يشتعل أكثر. تحول لونه من الأبيض النقي إلى لون ذهبي عميق، وبدأت كتلته تكبر وتكبر، حتى أصبح بحجم رأسي. لم يعد كرةً صغيرةً من الضوء، بل أصبح شعلةً حيةً، شعلةً تحمل وجهًا غاضبًا. كانت عيناه حلقتين ذهبيتين، وفمه خطًا مستقيمًا من اللهيب. كان جميلًا بشكل مخيف، وكنت أرى في وجهه عداوةً واضحةً.

وفجأة، من إحدى تلك الحلقات فوق رأسه، انطلق نحو وجهي عمود من اللهيب. لكنني كنتُ قد تدربتُ على السرعة، فابتعدتُ بسرعة. تحطمَت الأرض من شدة الضربة، وتركت حفرةً عميقةً.

"ما هذا بحق الجحيم؟!" صرختُ، وكنتُ ما زلتُ ألهث من الخوف.

"هذا هو تدريبك." قالت مونو، وابتسامة خبيثة ارتسمت على شفتيها. "تدريبك هو باختصار أن تهرب من ويش."

"تباً!" صرختُ. وفجأة، بدأ ويش في ملاحقتي. كان يطفو في الهواء، ويتحرك بسرعةٍ شديدةٍ. حاولتُ أن أوقفه بيدي، لكن يدي احترقت على الفور.

تجاهلتُ الألم، وقررتُ أن أهرب. أخرجتُ سيف "قاتل الجن" من لا مكان، وكنتُ أركض بأقصى سرعة ممكنة. كان ويش يلاحقني من الخلف، وكنتُ أسمع صوت اللهيب وهو يقترب. كنتُ مستعدًا هذه المرة، ومستعدًا لمواجهة شعلة الجحيم التي لا ترحم.

اندفعتُ كالسهم في الغابة. كانت ساقايَ تتحركان بسرعة جنونية، أركض عبر الأشجار التي تلمع بضوء أزرق خافت، وأتجنب الحُفر والأغصان المتساقطة. كان التدريب الذي فرضته مونو عليّ قد آتى بثماره، فلم أشعر بالتعب، ولم تضعف سرعتي. كنتُ أركضُ وأنا أسمعُ صوت اللهيب يلاحقني، صوتُ ويش، الروح الصغيرة التي تحولت إلى وحشٍ ناري.

لم يكن ويش مجرد شعلة. كان يُشبه كرة من الجحيم، تطير خلفي، تترك خلفها دخانًا أسود. كان يرمي كرات من اللهيب في كل مكان، بعضها يطير فوق رأسي، وبعضها ينفجر على الأرض، تاركًا خلفه حفرًا سوداء. كانت حركته سريعة، كطائر جارح يطارد فريسته. كان يُشبه كابوسًا حيًا، كابوسًا يلاحقني في كل مكان.

"إنه ليس تدريبًا!" صرختُ في الهواء. "إنه تعذيب! إنها تحاول قتلي!"

كانت أفكاري تتسارع، وكانت مشاعري تتضارب. كنتُ خائفًا، لكنني لم أكن يائسًا. كنتُ غاضبًا، لكنني كنتُ أركز. كان عليّ أن أجد طريقة للنجاة، طريقة للتغلب على هذا الجحيم. تذكرتُ كلمات مونو: "قوة الإرادة". لم أكن أعلم ما تعنيه، لكنني كنتُ أعلم أنني يجب أن أجدها.

في لحظة من لحظات اليأس، قررت أن أستخدم سيفي. كنتُ أجدف به الهواء، محاولًا إبعاد ويش عني. كان ويش يبتعد قليلاً، لكنه كان يعود بسرعة، يرمي كرات اللهيب في كل مكان.

"أنتَ لستَ أقوى مني!" صرختُ، وكلماتي كانت تخرج من أعماق قلبي. "لن أستسلم!"

كان ويش يُصدر صوتًا يشبه صوت ضحكة شريرة. كان يعلم أنه أقوى مني، لكنه لم يكن يعلم أنني أمتلك شيئًا أقوى من قوته: الإرادة. كنتُ مستعدًا أن أركض لأيام، لأسابيع، حتى لأشهر. كنتُ مستعدًا أن أقاتل حتى آخر نفس. لأنني كنتُ أعلم أنني لن أستسلم.

وفجأة، توقف ويش. لم أكن أعلم لماذا، لكنني توقفتُ أنا أيضًا. كانت الغابة صامتة، ولم أسمع سوى صوتي وأنا أتنفس. كان ويش يطفو أمامي، ولم يكن يرمي كرات اللهيب. كان ينظر إليّ، وكأنني لست فريسته. كان ينظر إليّ وكأنني خصمه.

توقّف ويش عن مطاردتي، وطفَا أمامي في الهواء، يلمع بضوءٍ ذهبيٍّ شرس. كان وجهه الغاضب يحدّق فيّ، وكأنني لستُ مجرد فريسة، بل خصمًا يستحقُّ اهتمامَه. شعرتُ بالغضب يملأُني. سئمتُ من الهرب، وسئمتُ من الخوف. قررتُ أن أواجهه، أن أقاتله حتى آخر قطرة من قوتي.

"هيا بنا!" صرختُ، وأنا أُمسك بسيف "قاتل الجن" بكلتا يديّ.

اندفعتُ نحوه بسرعةٍ جنونيةٍ، ورفعتُ سيفي لأقطعَه. ضربتُه بقوةٍ، وسمعتُ صوتَ ارتطامٍ حادٍ، كصوتِ الزجاجِ الذي ينكسر. لكن ويش لم يتأذَّ. كان مجرد كرةٍ من النور، ومرّ سيفي من خلاله، وكأنني ضربتُ الهواء.

"ماذا؟!" صرختُ، ووجهي يحملُ علاماتِ الدهشة. "كيف... كيف لم تتأذّ؟"

لم يُجب ويش، بل بدأ يضحك. لم تكن ضحكته صوتًا، بل كانت اهتزازاتٍ من اللهيب، تهتزُّ في الهواء، وكأنها تسخر مني.

هاجمتُه مرةً أخرى، ومرةً أخرى. كنتُ أركضُ حوله، وأضربه من كل جانب، لكن دون فائدة. كان مجرد ضوء، وكنتُ مجرد إنسانٍ يحاولُ أن يضربَ ضوءًا. كان يُشبهُ مطاردةَ ظلٍّ في الظلام، كانت معركةً ضدَّ اللا شيء.

في لحظة من لحظات اليأس، قررتُ أن أغيّرَ خطتي. ركضتُ بعيدًا عنه، وحاولتُ أن أختبئَ خلفَ شجرة. لكن ويش لم يكن غبيًا. رمى كرةً من اللهيب، وانفجرت الشجرة، وتركت خلفها حفرةً سوداءَ كبيرة.

كانت هجماته عشوائية، لكنها كانت قوية. كان يطلقُ كراتِ اللهيبِ في كل مكان، بعضها يطيرُ فوق رأسي، وبعضها ينفجرُ على الأرض. كنتُ أركضُ وأنا أتجنّبُها، وكنتُ أُحاولُ أن أُبعدَها بسيفي، لكن السيفَ لم يكن له أيُّ تأثيرٍ. كان ويشُ لا يُهزم.

"ما هذا التدريب بحق الجحيم؟" صرختُ. "إنه لا يُهزم! كيف سأهزم شيئًا لا يمكنُ لمسُه؟!"

كان ويش يقتربُ مني، وكانت نظراتُه تزدادُ غضبًا. كانت كراتُ اللهيبِ تزدادُ في عددها، وكانت تتحركُ بسرعةٍ أكبر. كنتُ محاصرًا، وكنتُ أعلمُ أنني سأُهزمُ. شعرتُ باليأس يملأُني. كانت قوتهُ لا تُقهر، وكانت إرادتي لا يمكنُ أن توازنَها.

في لحظة من لحظات اليأس، نظرتُ إلى مونو، التي كانت تقفُ على بُعدٍ، تنظرُ إليّ بوجهٍ خالٍ من أي تعبير. كانت هناك، تنظرُ إليّ، وكأنها تقول: "أنتَ وحدك."

أدركتُ أنني لا أستطيعُ أن أهزمَ ويش. لا في هذه اللحظة، ولا بهذه الطريقة. كان عليّ أن أجدَ طريقةً أخرى. كان عليّ أن أهرب. اندفعتُ بأقصى سرعة ممكنة، تاركًا ويش خلفي. كان يضحكُ بصوتِ لهيبٍ، وكان يرمي كراتِ اللهيبِ، لكنني كنتُ أركضُ، أركضُ وأنا أعلمُ أنني سأعودُ، سأعودُ عندما أكونُ أقوى، عندما أكونُ مستعدًا لمواجهةِ شعلةِ الجحيمِ.

ركضتُ بأقصى سرعة ممكنة، تاركًا ويش خلفي. كان اللهيب يلاحقني، لكنني لم أنظر إلى الخلف. كان كل ما أراه هو ضعف نفسي، وكل ما أسمعه هو صوت خيبة أملي.

"يا لك من أحمق، بليك!" همستُ لنفسي. "أنتَ ضعيف، ضعيف جدًا. لا يمكنك حتى هزيمة كرة من اللهيب!"

كانت هذه الأفكار تتردد في رأسي، وتملأني باليأس. كنتُ أركض، لكنني لم أكن أهرب من ويش، بل كنتُ أهرب من نفسي. كنتُ أهرب من ضعفي، ومن خوفي، ومن كل شيء لا أريد أن أراه.

شعرتُ باليأس يملأ قلبي، وسمعتُ صوت ضحكة ويش تزداد قوة. كان يرمي كرات من اللهيب في كل مكان، بعضها ينفجر خلفي، وبعضها يضرب الأشجار، ويُسقطها على الأرض. كنتُ أركضُ وأنا أتجنبها، لكنني لم أستطع أن أتجنبها كلها.

فجأة، شعرتُ بألمٍ حادٍ في ظهري، وكأن شيئًا قد ضربني بقوة. لم أستطع أن أقف، وسقطتُ على الأرض، وتدحرجتُ في منحدرٍ عميقٍ. كانت الأشجار تضربني، والحجارة تجرحني، وكنتُ أصرخُ من الألم.

توقفتُ عن التدحرج في أسفل المنحدر. كانت عظامي تؤلمني، وكانت رأسي تدور. لم أستطع أن أقف، وكنتُ أرى كل شيء يتحول إلى لون أزرق.

"هل هذه هي النهاية؟" سألتُ نفسي. "هل سأموت هنا؟"

فكرتُ في حياتي. فكرتُ في والدتي، في أصدقائي. فكرتُ في كل شيء لم أفكر فيه من قبل. وفكرتُ في كل شيء أريد أن أفكر فيه. أريد أن أعود إلى المدرسة، أريد أن آكل بيتزا، أريد أن أذهب إلى السينما. أريد أن أكون قويًا بما يكفي لأفعل كل هذا.

فجأة، شعرتُ بالقوة تتدفق في جسدي. لم تكن قوةً سحرية، بل كانت قوةً داخلية. قوة من الإرادة، من الشجاعة، من الأمل. كنتُ أريد أن أكون قويًا، وكنتُ مستعدًا لأفعل أي شيء لأصبح قويًا.

تذكرتُ كلمات مونو: "لا يجب أن تهرب من الألم. يجب أن تتعلم كيف تستخدمه."

أغلقتُ عينيّ، وركزتُ على كل خلية في جسدي. كنتُ أتنفس ببطء، ببطء شديد. كنتُ أستمعُ إلى صوتي الداخلي، وأستمعُ إلى صوت الغابة. كنتُ أسمعُ صوت ويش وهو يقترب، وكنتُ أسمعُ صوت كرات اللهيب التي يرميها.

وفجأة، لم تعد هجمات ويش عشوائية. كانت هناك نمط. كان يرمي كرات اللهيب في نمطٍ معينٍ، وكان يطير في نمطٍ معينٍ. كنتُ أستطيع أن أتنبأ بضرباته. كنتُ أستطيع أن أتنبأ بحركاته. كنتُ أستطيع أن أتنبأ بهجماته.

فتحتُ عينيّ، وابتسمتُ ابتسامة باهتة. كنتُ أعلم أنني لن أهزمه، لكنني كنتُ أعلم أنني لن أستسلم. كنتُ أعلم أنني سأقاتل حتى النهاية.

وقف ويش أمامي، يطفو في الهواء، وعيناه الذهبيتان تلمعان. كنتُ أقف أمامه، وسيفي في يدي. لم أكن خائفًا، بل كنتُ مستعدًا. كنتُ مستعدًا لمواجهة شعلة الجحيم.

وقفنا وجهًا لوجه، أنا وويش. لم يكن هناك صمت، فقط صوت لهيب ويش وهو يشتعل، وصوت تنفسي وأنا أحاول أن أهدئ من روعي. كانت عيناي تراقبان كل حركة له، وكل نبضة من اللهيب الذي يحيط به. كان جسدي مستعدًا، وعقلي كان أكثر استعدادًا. كنتُ أعلم أنني لن أستطيع أن أهزمه، لكنني كنتُ أعلم أنني لن أستسلم.

وفجأة، هاجم ويش. كانت هجماته مدمرة، أسرع وأكثر كثافة من أي وقت مضى. أطلق العنان لوابل من كرات اللهيب التي انفجرت في كل مكان، تاركة خلفها حفرًا سوداء. كانت تتساقط كوابل من الشهب، بعضها يضرب الأشجار، وبعضها يضرب الأرض، وبعضها يطير فوق رأسي، كأنه يريد أن يُحرقني.

لكنني لم أكن بليك الذي كنتُ عليه. كانت عيناي تريان ما لا تراه العين. كانت عيناي ترى الموجات الصوتية التي كان يُصدرها ويش. كنتُ أرى خريطةً من الموجات الصوتية، تظهر في الهواء لمدة ثانية، ثم تختفي. كانت هذه الخريطة تظهر لي المناطق التي يستطيع ويش أن يهاجم منها، والمناطق التي لا يستطيع أن يهاجم منها.

لم أكن أقاتل بعيني، بل كنتُ أقاتل بأذني. كنتُ أسمع صوت لهيب ويش، وكنتُ أستخدمه لأتنبأ بحركاته. كنتُ أتجنب كرات اللهيب التي يرميها، وكنتُ أركضُ في الاتجاه المعاكس، وأنا أعلم أنه لن يضربني. كانت كل حركة له، كل نبضة من اللهيب، كانت تُترجم إلى صوت، وكنتُ أترجمُ الصوتَ إلى حركة.

"هنا، هنا! وهنا!" صرختُ، وكنتُ أتحرك بسرعة جنونية، وأنا أتجنب كرات اللهيب.

كان ويش غاضبًا. كان غاضبًا لأنني كنتُ أتجنب هجماته، وغاضبًا لأنني كنتُ أضحك. كان يرمي كرات اللهيب في كل مكان، لكنني كنتُ أتحرك، وأتحرك، وأتحرك. كانت هجماته مجرد هواء بالنسبة لي.

"الآن، يا ويش!" صرختُ، واندفعتُ نحوه بسرعة.

لم أكن أستخدم عيني، بل كنتُ أستخدم أذني. كنتُ أسمع صوت اللهيب الذي يخرج منه، وكنتُ أترجمُ الصوتَ إلى حركة. رفعتُ سيف قاتل الجن، وكنتُ أعلم أنني يجب أن أقطعه. كانت كل حركات ويش تتحول إلى موجات صوتية في رأسي، ورأيتُ خريطةً من الموجات الصوتية، تظهرُ لمدة ثانية، ثم تختفي.

قطعتُه. لم يكن ضربة عادية، بل كانت ضربةً سريعةً، ودقيقةً، ومميتةً. كانت ضربةً قطعت ويش إلى نصفين. لم يكن هناك صوت، فقط صمتٌ مطلق.

انقسم ويش إلى نصفين، وبدأ يتلاشى ببطء. كان يترك خلفه غبارًا ذهبيًا يلمع في الهواء، وكنتُ أرى كل الأشجار التي حوله تُقطع في نفس الوقت. كانت قطعًا دقيقة، وكأنها قطعة واحدة.

فجأة، شعرتُ بوجود شخصٍ ورائي. كان صوتًا لم أسمعه من قبل، صوتٌ يملأه الفخر. "لقد فعلتها، يا بليك."

التفتُ، ووجدتُ مونو تقف ورائي. كانت تبتسم ابتسامة كبيرة، ابتسامة لم أرها من قبل. كانت عيناها تلمعان، وكانت كلماتها تحمل كل الحب الذي لم تتحدث به من قبل.

"لقد فعلتها." قالت، وابتسامتها كانت كافية لأنسى كل الألم الذي مررتُ به.

"لقد فعلتها." قلتُ، ودمعة صغيرة سقطت من عيني. لم تكن دمعة حزن، بل كانت دمعة فرح. كنتُ أعلم أنني لم أكن ضعيفًا. كنتُ أعلم أنني قويًا. كنتُ أعلم أنني سأنجح.

2025/08/20 · 2 مشاهدة · 2916 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025