[منظور بليك]
كان الجو فوق قمة الجبل عليلًا ودافئًا، والهواء النقي يلامس وجهي كنسيم رقيق. كانت الشمس الذهبية ترسل أشعتها الأولى، فتصبغ السماء بألوان خلابة من الأرجواني والبرتقالي. أمام عيني، كانت البحيرة الفيروزية تتلألأ بهدوء، عاكسةً السماء الصافية وكأنها مرآة عملاقة للسماء. كان مشهدًا يستحق التوقف عنده، مشهدًا يبعث على السلام والهدوء بعد أسابيع من الجحيم. ولكن، لم يكن هناك وقت للاستمتاع، لأن تدريبي لم ينتهِ بعد.
أصبحت أسرع. أصبحت أقوى. كان سيفي الذهبي، "قاتل الجن"، امتدادًا لذراعي. كانت "ويش" تندفع نحوي ككرة من اللهب، ولكنني كنت أستشعرها. لم أعد أعتمد على بصري، بل على "حاسة الصوت" التي اكتسبتها في التدريب السابق. كانت كل حركة من حركاتها تُصدر صوتًا مميزًا، كنت أرى "خريطة صوتية" في ذهني، كل حركة كانت تُظهر لي نقطة على هذه الخريطة.
في هذه الغابة، لا توجد قواعد. إنها أرض معركة حقيقية. القتال هو حياتي الجديدة، وأنا أعيشها بكل ما أملك. كانت "ويش" تُطلق عليّ وابلًا من الكرات النارية، ولكنني كنت أرد عليها بوابل من الضربات. سيفي لم يعد مجرد سلاح، بل كان درعًا وسيفًا في نفس الوقت. كنت أستخدمه لصد هجمات "ويش" النارية، وأحرك قدمي بسرعة غير طبيعية. كنت أندفع نحوها بسرعة خاطفة، أراوغ هجماتها، وأرد بضربات دقيقة ومميتة.
كانت مونو تقف بجانب البحيرة، تشاهدني بهدوء. كانت عيناها تراقبان كل حركة لي، كل ضربة، كل هجوم. كانت تعلم أن هذه ليست مجرد معركة، بل هي اختبار لإرادتي. لم تكن تشجعني، بل كانت صامتة، وهذا الصمت كان أبلغ من أي كلمة. كان يشجعني على مواصلة القتال، وكنت أستمد القوة من صمتها.
بعد ساعة من القتال المتواصل، استطعتُ أن أرى نقطة ضعفها. كانت في حركة واحدة. حركة واحدة تكشف عن ضعفها. أخذتُ نفسًا عميقًا، وأغمضتُ عيني، وأطلقتُ ضربة واحدة. ضربة قوية ومميتة. عندما فتحتُ عيني، كانت "ويش" قد تحولت إلى شعلة ذهبية صغيرة، وكانت تتلاشى ببطء في الهواء. لقد انتصرتُ.
اقتربت مونو مني، لم تقل أي شيء، بل كانت ابتسامتها أبلغ من أي كلمة. أومأت برأسي، فابتسمت هي. كانت هذه الابتسامة تروي قصة طويلة، قصة عن التدريب، عن الألم، وعن القوة.
سقطت على ظهري، ألهث، ورغم تعب عضلاتي، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي. لقد هزمت ويش للمرة الثانية. شعرت بقمة السعادة، وكأنني حققت إنجازًا لم أكن لأصدقه قبل شهر واحد فقط. يبدو أنني أتطور حقًا.
بينما كنت مستلقيًا على الأرض، وقفت مونو أمامي. حجب ظلها أشعة الشمس عن وجهي، وقالت بصوت هادئ: "عمل جيد يا بليك."
أعطتني منشفة لأمسح العرق الذي يغطي وجهي وجسدي. كان عرقًا باردًا، لكني كنت أشعر بالنشوة. كانت عيناي تتلألآن بالفخر. مسحت وجهي بعنف، ثم وضعت المنشفة على رأسي، ونظرت إليها.
"أين كنتِ البارحة؟" سألتها بفضول.
"كنت أستكشف المنطقة المحيطة بنا، لأضمن أنها آمنة"، أجابت بسرعة، لكن عيناها لم تنظر إلي مباشرة.
"هل أنتِ متأكدة؟" سألتها، مدركًا أن هناك شيئًا ما لا تخبرني به. لم ترغب في أن تنظر في عيني، وهذا كان غريبًا جدًا.
"بالطبع"، قالت، وهي تلتفت لكي لا تراني. "أيها الفتى، لن أكذب عليك. لماذا تسألني هذا السؤال؟"
لم أرد عليها، ولكنني شعرت بأن هناك شيئًا ما لا يزال غامضًا. ولكنني كنت في حالة مزاجية جيدة، لذا لم أضغط عليها.
"حسنًا، إذن، ما هو التدريب التالي؟" سألتها، متحمسًا للتدريب التالي.
نظرت مونو في عيني وقالت: "سوف نأخذ راحة اليوم".
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي. "أنتِ تمزحين، أليس كذلك؟" قلت، وقد شعرت بقمة السعادة.
"لا، أنا جادة"، قالت. "سنأخذ راحة اليوم".
لكن فجأة، تذكرت أنه من الغريب أن تعطيني مونو راحة ليومين متتاليين. هذا لم يحدث من قبل.
سألتها باستغراب: "لماذا نحتاج إلى الراحة؟ لقد استرحت البارحة."
نظرت مونو في عيني وقالت: "في الواقع، التدريب القادم صعب جدًا، لذا يجب أن تتطور قليلاً قبله."
ارتجف جسدي، وشعرت أن قلبي سيقفز من مكانه. "تدريب؟" سألتها، وقد شعرت بالخوف. "ما هو هذا التدريب؟"
لم تقل مونو أي شيء. لكن عيناها كانتا تقولان كل شيء. كانتا تقولان لي أن التدريب القادم سيكون أصعب من أي شيء مررت به في حياتي. ابتلعت ريقي، وشعرت بالبرد. كان وجهي شاحبًا، وأنا أتخيل أصعب تدريب ممكن.
"إذًا بما أنك هنا اليوم، أريد أن أسألك عن بعض الأشياء."
قلت كلماتي الأخيرة وأنا مستلقٍ على الأرض، أستمتع بأشعة الشمس الدافئة التي تداعب وجهي. لقد كانت لحظة سلام حقيقية.
"حسنًا، يمكنك سؤالي"، أجابت مونو.
جلست على الأرض، وهو ما لم أتوقعه أبدًا. لقد اعتدتُ على رؤيتها وهي تطفو في الهواء، كأنها لا تنتمي إلى هذا العالم.
"إذًا، ما هي الحاسة الصوتية؟" سألتها، وما زال الفضول يملأني.
استغربت مونو. "الحاسة الصوتية؟"
"هكذا أسمّيها"، أوضحتُ لها. "ظهرت عندما قاتلتُ ويش لأول مرة. أشعر وكأنني أستطيع رؤية عيوب خصمي والمناطق الأفضل للاستهداف ونقاط الضعف فقط عن طريق الأصوات. إنها أشبه بخريطة صوتية".
قالت مونو: "أوه، ذلك... إنه ليس حاسة الصوت. إنه شيء يُدعى التنفس".
"التنفس؟" قلت بذهول، وقد كاد فكي يسقط على الأرض. لم أكن لأتخيل أبدًا أن شيئًا بهذه القوة قد يكون له اسم بسيط كهذا.
أكملت مونو حديثها وهي تبتسم: "نعم، التنفس. هناك تقنيات قتالية تُسمى 'التنفس'، وهي أساليب قتالية مستمدة من التحكم في التنفس لزيادة القوة والسرعة والدقة. كل تنفس مرتبط بعنصر أو أسلوب محدد، ويوجد عدة أنواع رئيسية أو أنواع فرعية مختلفة. وكان قاتلو الشياطين يستخدمونها في الماضي. والتنفس الذي لديك يُدعى تنفس الصوت".
لقد دُهشت تمامًا من كلام مونو. كان عقلي يحاول استيعاب ما قالته. "التنفس؟" تمتمتُ لنفسي. "أنا... أنا أستخدم التنفس؟" كانت عيناي تتسعان، وكأنني أرى عالمًا جديدًا تمامًا. لم أكن أظن أن شيئًا بهذه القوة يمكن أن يكون له اسم بسيط كهذا.
قالت مونو وهي تبتسم ابتسامة خفيفة: "لكني لا أصدق أنك استطعت تعلم كيفية التنفس في وسط قتال. أنت مذهل يا بليك، فعادةً ما تأخذ تقنيات التنفس سنوات من التعلم."
شعرت بقلبي ينتفض من الفخر. "أنا مذهل، أليس كذلك؟" قلت وأنا أقف على قدمي، وأنفخ صدري كديك منتفخ. "هذا ما قلته بالضبط! أنا... أنا بليك! أنا مميز!"
"لا بد أن شمس المعارف ساعدك كثيرًا،" قالت مونو.
فجأة، تحطمت كل أحلامي. "لا!" صرختُ، ووجهي أصبح شاحبًا. "كيف ذلك؟! مستحيل أن يكون الكتاب من ساعدني! لا بد أنني أنا المميز!"
نظرت مونو في عيني وقالت: "لأن الكتاب صقل قوتك الجسدية من السمع والبصر والشم والإحساس. فلولا الكتاب، لم تكن لتستطيع تحمل أي تدريب من تدريباتي."
شعرت بالهزيمة المطلقة. كانت كل أحلامي تتحطم أمام عيني. "إذًا... أنا لست مميزًا؟" سألتُ بصوت خافت، وقد فقدت كل فخري. "أنا مجرد... أنا مجرد بليك."
هزت مونو رأسها وقالت: "لا يا بليك. أنت مميز. لكن قوة الكتاب ساعدتك على تحقيق هذا. فكل ما فعلته هو مساعدتك على إيجاد طريقك الخاص. ولكن، القوة الآن هي قوتك."
شعرت بقمة السعادة. لم أكن أصدق ما أسمعه. لقد كانت كل أحلامي تتحطم، لكنها عادت الآن أقوى من أي وقت مضى. ابتسمت ابتسامة عريضة، ونظرت إلى مونو، وشعرت أنني مستعد لأي شيء.
بعد سماعي لمدحها، شعرت بقمة السعادة. ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي، واندفعت نحوها، ووضعت يدي على رأسها، وأخذت أفرك شعرها الناعم.
"لا أصدق أنكِ تمدحينني!" قلتُ بضحكة. "أنا فتى مميز بعد كل شيء."
كانت ملامح مونو غاضبة، لكن لم يكن هناك غضب حقيقي في عينيها. "توقف أيها الأحمق!" قالت، محاولةً دفع يدي.
"لا، لن أتوقف"، قلت، وأخذتُ ألعب بخديها الصغيرين، وكأنهما فطيرتان. كانت وجنتاها حمراوين من الغضب، لكنهما كانتا ناعمتين للغاية.
"أنت مزعج للغاية!" صرخت، لكن صوتها كان أشبه بزقزقة عصفور.
"أنا أعلم"، قلتُ، مبتسمًا. "لكن لا يمكنك إنكار أنني لطيف أيضًا".
وفي غمرة لعبنا، أحسست فجأةً بخطر يزحف نحوي. كان شعوراً لا يمكن وصفه، لكنه كان واضحاً كوضوح النهار. لقد تعلمتُ أن أثق بهذا الشعور الجديد، هذا "التنفس" الذي أسميته لنفسي. أدرتُ رأسي ببطء، وفي تلك اللحظة، رأيت ما لم أتوقع رؤيته أبداً.
كانت فراشة أرجوانية ترفرف بهدوء، قادمةً نحوي. تلك الفراشات السامة من الحقل، التي لا يجب أن تلمس جلدي أبداً. كان جسدي يرتعش من الخوف، وأدركتُ أنني في ورطة. أخرجتُ سيفي من العدم، مستعداً لقطعها، لكن فجأةً، ضربتني مونو على رأسي بيدها الصغيرة.
"يا غبي، لماذا تحاول قتلها؟" قالت بغضب.
"لكنها خطرة!" صرختُ، والخوف يملأ صوتي.
"لا تقلق، دعها تأتي فحسب"، قالت وهي تُشير إليّ أن أخفي سيفي. "والآن، أنزع السيف".
"حسناً"، قلتُ، وأخفيتُ سيفي. كان قلبي يدق بسرعة جنونية. كانت الفراشة تقترب، وأنا أشعر بالرعب. كانت صغيرة، لكنها كانت مميتة.
"اثبت يا بليك!" قالت مونو، وصوتها يملأه الثقة.
"ماذا؟ هل أنتِ مجنونة؟" سألتها، محاولاً الهروب، لكنها أمسكت بيدي بقوة.
"لا تقلق، فقط ثق بي"، قالت.
تركتُ الفراشة تقترب، وفجأة، وقفت على يدي. شعرت بالبرد يغمر جسدي، وكأنني أقف على حافة الهاوية. لكن بعد عشر ثوانٍ، طارت الفراشة بهدوء في اتجاه آخر.
نظرتُ إلى مكان وقوفها على يدي، وبدأ لونه يتغير. فجأة، شعرتُ بالجوهرة الخضراء تشع من عيني، ثم عادت إلى طبيعتها. كان شعوراً غريباً، وكأن عيني أصبحت جزءاً من جسدي.
"يبدو أنك فعلاً مضاد للسموم"، قالت مونو.
"ماذا تعنين؟" سألتها، وقد شعرت بالارتباك.
"أنت لا تحتاج للقلق من السم بعد الآن"، قالت. "تلك الجوهرة تُصفّي جسدك وتطرده. أنت الآن مضاد للسموم".
تطلعت إلى يدي، حيث كانت تقف الفراشة السامة قبل قليل. كان لونها يتبدل من الأخضر إلى الأزرق، ثم إلى البنفسجي، قبل أن تعود إلى لونها الطبيعي. شعرت باندهاش عميق، وكأنني اكتشفت سرًا عظيمًا عن نفسي. "أنا... أنا مضاد للسموم؟" تمتمت لنفسي.
"نعم، أنت كذلك"، قالت مونو. "الآن، أنت لست فقط أقوى جسديًا، بل لديك أيضًا القدرة على تحمل السموم".
في تلك اللحظة، عادت الفراشة الأرجوانية مرة أخرى، لكن هذه المرة لم أشعر بالخوف. بل على العكس، شعرت بالسلام. نظرت إليها، وشعرت وكأننا صديقان قديمان. رفعت إصبعي، ووقفت عليه الفراشة. لم أعد أشعر بالخوف أو الرعب، بل شعرت بالهدوء. وقفت الفراشة على إصبعي لدقيقة، ثم طارت بعيدًا.
نظرت إلى مونو، وشعرت بامتنان عميق. لقد كانت هذه الجوهرة الخضراء هدية من ميساكي، والتي كانت تعني أنها لا تزال معي، وأنها لا تزال تحميني. "شكرًا لكِ، ميساكي"، قلت في سري. "شكرًا لكِ على هذه الهدية".
ليس هذا فحسب"، قالت مونو، وعيناها تلمعان بغموض. "انظر ما سيحدث عندما تُخرج السيف".
تطلعت إليها باندهاش. "ما الذي تتحدثين عنه؟"
"افعل ما أقوله فحسب"، أجابت وهي تبتسم ابتسامة خفيفة.
أخرجت سيفي من العدم، ورفعته أمام وجهي. "الآن ماذا أفعل؟ لم يتغير شيء".
مدت مونو يدها وأخذت غصن شجرة يابسًا. "الآن، اضرب الغصن بضربة خفيفة بالسيف".
"حسناً"، قلت وأنا أشعر بالفضول. رفعت سيفي وضربت الغصن ضربة خفيفة. كان صوت الضربة خفيفاً، كصوت قطرة ماء تسقط على ورقة. ولكن، بعد أن ابتعد السيف عن الغصن، حدث شيء غريب.
بدأ الغصن يذبل. تحول لونه من الأخضر الحي إلى الأصفر الباهت، ثم إلى البهتان البني. كانت الحياة تخرج منه ببطء، كأنها روح تترك جسدًا. أصبح هشًا وجافًا، وتحطم في النهاية في يدي مونو، وتحول إلى رماد.
"ماذا حدث؟" سألتها، وقد شعرت بالرعب.
نظرت مونو في عيني وقالت: "السم في جسدك أصبح سلاحك".
"ماذا!؟" صرخت، ووجهي أصبح شاحبًا. كان عقلي يحاول استيعاب ما قالته. لقد كان السم في جسدي... الآن أصبح سلاحًا؟ هل أنا... أنا وحش الآن؟
"الجوهرة الخضراء في عينك لا تمتص السم من جسدك فحسب، بل تُكدّسه لديها وتُطلقه وقت الحاجة"، قالت مونو، وابتسامة خبيثة ارتسمت على وجهها. "بهذا، أصبحت هجماتك بالسيف سامة".
توسعت عيناي من الذهول. "إذًا... أي سم يمتصه جسدي يصبح سلاحًا لي وأستطيع تسميم أي شخص أجرحه؟"
"نعم، ولكن يجب أن تأخذ كمية السم في جسدك في الاعتبار"، أجابت مونو. "جسدك لحد الآن امتص القليل جدًا من السم، لذلك هجماتك بنصل السم ضعيفة. ولكن إن امتص جسدك كمًا هائلًا من السم، فقد تصبح هجماتك مدمرة".
شعرت بالنشوة تملأني. لم أعد مجرد فتى ضعيف. لقد أصبحت سلاحًا حيًا. لم أعد أخاف من السموم، بل أصبحت أستمد قوتي منها. كانت هذه القوة الجديدة تملأني بالأمل، وكنتُ على استعداد لتقبل أي شيء يمكن أن يحدث.
غربت الشمس، تاركةً وراءها سماءً برتقالية مذهلة. بعد يوم كامل من الراحة مع مونو، حان الوقت للاستحمام. اتجهت نحو "بحيرة الدموع الأبدية"، ونزعت ملابسي ببطء، واحدة تلو الأخرى. رميت نفسي في البحيرة، وشعرت ببرودة الماء تلامس جسدي. كان شعورًا رائعًا، لم أجربه من قبل. كان جسدي يرتعش من البرد، لكنه كان شعورًا منعشًا بعد كل التدريبات.
كانت هذه هي المرة الأولى التي أسبح فيها. لم أدخل مسبحًا من قبل، كنت دائمًا أستخدم حوض الاستحمام في المنزل. كان شعورًا عظيمًا. تركت جسدي يطفو على الماء، وشعرت وكأنني في حلم. كان كل شيء هادئًا، وكنتُ أستمع إلى صوت الريح وهي تهب على الأشجار.
فجأة، أثناء استمتاعي، وجدتُ مونو تنظر إلي، وهي تأكل غصن شجرة. "مونو، ما الذي تأكلينه بحق الجحيم؟" سألتها، والدهشة تملأ صوتي.
"إنه غصن صنوبر، إنه مغذي"، أجابت بهدوء.
"هذا مقزز!" قلتُ، لكنها لم تهتم، وأكملت أكلها حتى أنهته.
قالت: "يبدو أنك لا تهتم، وأنت تسبح في بحيرة الدموع الأبدية".
"ولما قد أهتم؟" قلت وأنا أبتسم. "إنها مجرد بحيرة في النهاية، وجدت كي يغتسل فيها الناس. إنها عذبة حقًا. لماذا لا تأتين وتستحمي معي؟"
"لا أستطيع"، أجابت مونو بصوت خافت.
"هيا، لا تقلقي. أنا غير مهتم أبدًا بالأطفال"، قلت.
"لا أقصد ذلك. كما أنني أكبر منك أيها اللعين!" صرخت مونو، وقد ارتسم الغضب على وجهها.
قلت لها وأنا أسبح: "لقد فهمت. لا بد أنكِ لا تعرفين كيفية السباحة. لا تقلقي، أنا مبتدئ أيضًا، سوف أساعدك".
"ليس هذا"، تنهدت مونو، ونظرت إلى الماء بحزن. كان وجهها شاحبًا كانت نظرتها حزينة، وكأنها تتذكر شيئًا ما.
نظرت مونو إلى الماء، ثم إلى نفسها، وقالت: "أنا لا أستطيع نزع هذا اللباس".
فكرت قليلًا في كلام مونو. طوال الوقت، كانت ترتدي هذا المعطف الأصفر الواسع، الذي يُخفي جزءًا كبيرًا من جسدها الصغير ووجهها. لم أفكر في الأمر كثيرًا من قبل، لكن الآن، عندما قالت إنها لا تستطيع نزعه، تذكرت ميساكي. هي أيضًا كانت ترتدي زيها المدرسي دون تغيير.
"لماذا لا تستطيعين نزعه؟" سألتها.
"هذا طبيعي"، أجابت بصوت هادئ. "أنا روح اصطناعية، والأرواح لا تستطيع تغيير ملابسها، لهذا لا أستطيع نزع هذا اللباس".
تذكرت ميساكي مرة أخرى. "هذا منطقي"، قلتُ لها.
"يبدو غريبًا، أليس كذلك؟" قالت.
فجأةً، وقفت. لم أكن أرتدي شيئًا سوى سروالي الداخلي. وقفت أمامها، وأنا أنظر إلى عينيها.
"في الواقع، كان يبدو غريبًا في البداية"، قلتُ. "فتاة صغيرة ترتدي معطف مطر والجو حار جدًا. لكن بعد مرور الوقت، وتعرفي عليكِ، لم أعد أهتم. أصبحتُ متأقلمًا معكِ".
نظرت مونو في عينيّ، وارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها. "شكرًا"، قالت بصوت خافت.
فجأةً، خرج ويش من جسدها، واتجه نحو خدها. كان مجرد شعلة ذهبية صغيرة، لكنه بدا وكأنه يعانقها. كان يواسيها، ويُشعرها بالحب. بعد أن ابتعد عنها، ربتت مونو عليه بيدها الصغيرة، وقالت: "شكرًا لك أيضًا، ويش".
في تلك اللحظة، شعرت بالفضول. "حسنًا، قد لا يكون الوقت مناسبًا، لكن... ويش روح صُغرى، صحيح؟"
"نعم، إنه صديقي منذ زمن طويل. لماذا تسأل؟"
"لأن، بعد التفكير في الأمر، معنى اسم 'ويش' هو 'الأمنية'. هل هذا الاسم صدفة أم ماذا؟"
سكتت مونو قليلاً، ثم نظرت إلى ويش وقالت: "نعم، هذا صحيح. ويش اسمه 'أمنية' لأنه روح صُغرى نجمية محققة للأمنيات".
تطلعت إلى مونو بذهول. "روح نجمية محققة للأماني؟" تمتمتُ، وعقلي يحاول استيعاب هذه الفكرة المذهلة.
"نعم"، أجابت مونو. "كان ويش يومًا نجمًا ساطعًا في السماء، لكنه سقط على الأرض وأصبح مجرد روح. الأرواح النجمية معروفة بقدرتها على تحقيق الأمنيات، وويش واحد منها".
شعر جسدي كله بالدهشة. "إذن لماذا لا تتمنين أن تستطيعي نزع ملابسكِ؟ بما أنه صديقكِ؟"
"الأمر ليس بهذه السهولة"، قالت، وابتسامتها اختفت. "بمجرد أن أتمنى أمنية، لن أستطيع أن أتمنى واحدة أخرى أبدًا. إنها قوة تُستخدم لمرة واحدة فقط، وأنا أُدخرها للأوقات الطارئة جدًا جدًا".
"هكذا إذن"، قلت، وشعرت أن قلبي ينقبض.
صمتنا للحظات. كان الصمت ثقيلًا، لكنه كان مليئًا بالأفكار. تطلعتُ إلى ويش، وهو يرفرف بهدوء بجانب مونو. كان مجرد شعلة صغيرة، لكنه كان يحمل قوة هائلة.
فجأة، قررت. أمسكتُ ويش برفق، وقلتُ بصوتٍ عالٍ: "ويش، أتمنى أن تستطيع مونو نزع ملابسها".
ارتسمت صدمة شديدة على وجه مونو. "ماذا تفعل أيها الغبي؟! لا يمكنك إهدار أمنية على أمرٍ تافه كهذا!" صرخت علي.
"إنه يستحق"، قلتُ، وعيناي تلمعان بالثقة.
وبالفعل، بدأ ويش يتوهج بشدة. كان التوهج ساطعًا لدرجة أن عيناي أُصيبتا بالعمى لثوانٍ. كان النور ذهبيًا، وملأ المكان كله، وكأن نجمًا قد وُلد للتو. بعد أن تلاشى النور، فتحتُ عيني لأرى مشهدًا لن أنساه أبدًا.
بعد أن تلاشى النور الذهبي، فتحتُ عينيّ لأرى مونو. كانت تقف أمامي، لكنها لم تعد ترتدي معطفها الأصفر الواسع. لقد كان معطفها في يديها، وهي تمسكه بنظرة لا تصدق. كانت عيناها تلمعان، ودموع الفرح تنزل على وجهها. لم تكن تبكي من الحزن، بل من السعادة المطلقة.
"أنت... أنت فعلتها"، قالت بصوتٍ خافت، وقد اهتزت كلماتها من الفرحة. "أنت فعلتها!"
تقدمتُ نحوها، واحتضنتها. كانت ترتعش في ذراعي، ودموعها تنزل على كتفي. لم أكن أهتم بكونها روحًا اصطناعية، أو بكونها أكبر مني. في تلك اللحظة، كانت مجرد فتاة صغيرة تشعر بالحرية لأول مرة.
"أنا لا أصدق... لا أصدق"، تمتمت، ودفنت وجهها في صدري.
"أنتِ الآن حرة يا مونو"، قلت لها، ويدي تمسد على شعرها. "أنتِ حرة".
توقفنا عن العناق، وابتعدتُ عنها ببطء. نظرت إليّ، ثم إلى نفسي، وقد تذكرتُ فجأة أنني شبه عارٍ.
"تبدو منحرفًا، وأنت تحتضن فتاة صغيرة وأنت شبه عارٍ"، قالت مونو، وعادت ابتسامتها المعتادة إلى وجهها.
"وأنتِ تبدين غريبة بدون معطفكِ"، أجبتها، وشعرت بأنني على وشك الضحك.
انفجرنا في الضحك معًا، كان ضحكًا حقيقيًا من القلب. ضحكنا على أنفسنا، على الموقف الذي كنا فيه، وعلى كيف أننا لم نعد نهتم بمدى غرابة حياتنا. كان ضحكًا مليئًا بالدفء والسعادة، ضحكًا يثبت أننا أصبحنا أكثر من مجرد معلمة وطالب. لقد أصبحنا أصدقاء.
[منظور مونو]
"ما هذا الغبي!"، تمتمتُ في نفسي. نظرتُ إليه وهو يضحك، وشعرتُ بالضيق. كيف يمكنه أن يهدر أمنية... أمنية نادرة مثل تلك... على أمر تافه كهذا؟ مجرد أن أستطيع تغيير ملابسي؟ أي حماقة هذه؟! كان وجهي يشتعل غضبًا، وشعرتُ أنني أريد أن أضربه على رأسه.
"أنت لا تفهم"، قلتُ لنفسي، "أنتِ لا تفهمين شيئًا. هو مجرد فتى غبي، لا يعرف قيمة ما يفعله".
لكن، في أعماقي، شعرتُ بشيء آخر. شيء دافئ. شيء جميل. كانت هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالحب. الحب الحقيقي، الذي لم أختبره من قبل. شعرت أنني أريد أن أبكي، ولكنني كنتُ أغضب. كيف يمكنني أن أبكي، وأنا غاضبة منه؟!
نظرتُ إليه، وابتسمتُ ابتسامة صغيرة. "أنت لا تفهم، أليس كذلك؟" قلتُ لنفسي مرة أخرى. "هذه ليست مجرد أمنية. هذه أمنية من قلبي. لقد جعلتني أشعر بأنني إنسانة، وليس مجرد آلة. لقد جعلتني أشعر بأنني حية".
"أيها الأحمق"، تمتمتُ. "لماذا فعلتَ هذا؟"
لكنني كنت أعلم الإجابة. لقد فعل ذلك لأنه كان يحبني. لقد فعل ذلك لأنه كان يريد أن يراني سعيدة. ولهذا، كنتُ أحبه. كنتُ أحبه بكل ما أملك.
"أنت غبي جدًا"، قلتُ له، وابتسامة غريبة ارتسمت على وجهي. "لكنك لطيف. وأنا... أنا أحبك".
"أيها الأحمق"، تمتمت مونو، وابتسامة غريبة ارتسمت على وجهها. "أنت غبي جدًا، لكنك لطيف. وأنا... أنا أحبك".
توقفتُ عن الضحك، ونظرتُ إليها بذهول. كان وجهي شاحبًا، وعقلي يحاول استيعاب ما سمعت. "ماذا؟" قلتُ، بصوتٍ يكاد لا يُسمع. "أنتِ... أنتِ تحبينني؟"
كانت مونو صامتة، لكن عينيها كانتا تقولان كل شيء. كانتا تقولان لي إنها جادة. لكن، في لحظة من الحيرة، أردتُ أن أتأكد.
"أنتِ لا تفهمين"، قالت مونو، وابتسامتها اختفت. "أنا لا أحبك بالطريقة التي تفكر بها. أنا... أنا أحبك كصديق. أنت أول شخص يجعلني أشعر بأنني إنسانة، وليس مجرد آلة. أنت أول شخص يهتم بي".
شعرت بقلبي يدق بسرعة. "أنا... أنا لا أحب اللولي"، قلتُ لها، ووجهي أصبح أحمر. "أنا أحبك كصديق أيضًا. أنتِ أفضل صديقة لي".
ارتسم الغضب على وجه مونو. "أيها الأحمق!" صرخت، وعبست بغضب. "أنا لست لولي! أنا أكبر منك، أيها الغبي!"
ضحكتُ. "أنا أعلم"، قلتُ، وابتسامة عريضة ارتسمت على وجهي. "لكن لا يمكنك إنكار أنكِ لطيفة".
استدارت مونو عني، وقد ارتسمت على وجهها تعابير الحزن. "أنت لا تفهم"، قالت، وصوتها كان خافتًا. "أنت لا تفهم شيئًا".
"أنا أفهم"، قلتُ لها. "أنا أفهم أنكِ كنتِ وحيدة لفترة طويلة. وأنا... أنا هنا من أجلكِ. لن أترككِ أبدًا".
نظرت إليّ مونو، وقد نزلت دموعها على وجهها. "أنت... أنت حقًا أفضل صديق لي"، قالت.
"أنا أعلم"، قلتُ، مبتسمًا. "الآن، تعالي واسبحي معي".
نظرت مونو إلى الماء، ثم إلى ملابسها. "لا أستطيع"، قالت.
"أنتِ تستطيعين الآن"، قلتُ لها، وعيناي تلمعان بالثقة.
أخذت مونو نفسًا عميقًا، ثم نزعت ملابسها ببطء. كان أول مرة أراها بدون معطفها، كانت تبدو... عارية. لكن لم يكن هناك أي شيء جنسي في الأمر. كانت تبدو بريئة، وضعيفة، وجميلة.
دخلت مونو الماء، وشعرت بابتسامة عريضة على وجهي. كانت هذه هي اللحظة التي شعرت فيها بأننا أصبحنا أكثر من مجرد معلمة وطالب. لقد أصبحنا أصدقاء حقيقيين.
[منظور بليك]
كان الماء باردًا، ولكن هذا البرد لم يزعجني. لقد كان شعورًا غريبًا، شعورًا لم أجربه من قبل. كان جسدي يطفو على الماء، وشعرت وكأنني في حلم. كانت عيناي تتسعان، وكأنني أرى العالم لأول مرة.
"ما هذا الشعور؟" سألتُ نفسي.
لم أكن أعرف ما هو هذا الشعور، لكنني كنت أعلم أنه شعور جيد. كان شعورًا بالسلام، شعورًا بالحرية، شعورًا بأنني أخيرًا وجدتُ مكاني في هذا العالم.
"أنا... أنا حية"، تمتمتُ، وابتسامة غريبة ارتسمت على وجهي.
[منظور بليك]
بينما كنت أطفو في الماء، شاهدتُ مونو تضع يدها الصغيرة على سطح الماء، وتُحركها ببطء، وكأنها تتعرف على شعور لم تختبره من قبل. كان وجهها يعكس مزيجًا من الفضول والتردد. "هيا، إنه ليس سيئًا!" قلتُ لها، محاولًا تشجيعها.
نظرت إليّ بعينين واسعتين، ثم أومأت برأسها ببطء، وكأنها توافق على خوض التجربة. بدأت تُحرك قدميها في الماء، وابتسامة خجولة ارتسمت على وجهها عندما شعرت بالفقاعات التي تُحدثها. "هذا... هذا غريب!" قالت، وضحكتها الخافتة كانت تشبه صوت أجراس صغيرة.
"نعم، إنه غريب في البداية!" قلتُ، وقررتُ أن أبدأ لعبتي. "ولكنه ممتع أيضًا!"
فجأة، قمتُ بدفع الماء باتجاه وجهها، وصرختُ: "هجوم الفقاعات!"
توقعتُ أن تغضب، لكنها ضحكت فقط، وقامت بنفس الحركة، ولكن هذه المرة كان هجومها أقوى. "هجوم الماء!" صرخت، وضحكت بصوت عالٍ.
استمرت لعبتنا لبعض الوقت. كانت تضحك، وتصرخ، وتدفع الماء، وتنسى تمامًا أنها روح اصطناعية. كان وجهها مليئًا بالسعادة، وعيناها تلمعان بالبهجة.
"أنتِ جيدة جدًا في هذا!" قلتُ لها، وعيناي تتأملانها. "هل أنتِ متأكدة من أنكِ لم تسبحي من قبل؟"
"لا، لم أسبح أبدًا!" قالت وهي تضحك. "ولكن... هذا ممتع جدًا!"
في تلك اللحظة، شعرتُ أنني أسعد شخص في العالم. لم تكن سعادتي بسبب فوزي في المعركة، أو لأنني أصبحت أقوى. كانت سعادتي لأنني رأيت مونو سعيدة. كانت هذه السعادة هي كل ما أردت.
بعد أن انتهينا من اللعب، خرجنا من الماء، وشعرنا بالبرد قليلاً. رفعت مونو يديها الصغيرتين، وبدأت تتمتم بكلمات غير مفهومة، وفجأة، ظهرت من العدم منشفتان كبيرتان وناعمتان. ناولَتْني إحداهما، وأخذت الأخرى لنفسها. بدأتُ أجفف شعري وجسدي، وشعرت بالراحة تعود إليّ تدريجيًا.
ارتديت ملابسي، ثم التفتُّ إلى مونو، فوجدتها ترتدي معطفها الأصفر الواسع من جديد. استغربت قليلاً، وسألتها: "لماذا ترتدينه مجددًا؟"
نظرت إليّ وقالت بهدوء: "في الواقع، أنا لا أكره هذا الرداء. هو فقط يمنعني من الاستحمام. لذا أردت إعادة ارتدائه. لقد كنتُ أرتديه لفترة طويلة جدًا، لا أستطيع تركه فحسب".
ابتسمتُ وقلت: "لا بأس. وفي الواقع، أنا أفضل هذه الهيئة عليكِ".
ابتسمت مونو ابتسامة صغيرة، ثم رفعت إصبع يدها الصغير إلى السماء وقالت: "بليك، ما رأيك أن تُحلّق؟"
"ماذا!؟" قلتُ بذهول.
وفجأة، بدأت الأرض تهتز من تحتي، وشعرت وكأنني أرتفع في الهواء. كنت أقف على شيء غير مرئي، وكأن هناك أرضًا صلبة تحملني، لكنها مخفية. نظرت إلى مونو، فوجدتها ترتفع هي الأخرى بجانبي. صعدنا بسرعة كبيرة حتى وصلنا إلى ارتفاع شاهق في السماء.
تملكني رعب شديد من المرتفعات. كانت قدماي ترتجفان، وشعرت بدوار خفيف. نظرت إلى الأسفل، ورأيت البحيرة تبدو كنقطة صغيرة، والأشجار كعيدان ثقاب.
لكن مونو طمأنتني وقالت بابتسامة: "لا تقلق، يمكنك الوقوف. من المستحيل أن تسقط. يوجد حاجز خفي يطير تحتنا".
نظرت إلى الأسفل مرة أخرى، ورأيت بالفعل شيئًا يشبه طبقة شفافة تتحرك بنا بسلاسة في الهواء. وقفت بحذر، وشعرت بالدهشة تغمرني. كنا نطير! كنا نحلق في السماء الزرقاء الصافية، والرياح تداعب وجوهنا بلطف. كان شعورًا لا يُصدق.
بينما كنا نحلق في الهواء، كان المشهد من أسفلنا يكتسي بجمال أخاذ. كانت غابة الضباب المخفية تظهر وكأنها بساط أخضر ضخم، ممتدًا إلى ما لا نهاية. كان الضباب يلف حوافها، وكأنه وشاح حريري أبيض، مما أعطاها سحرًا غامضًا. كانت الأشجار الضخمة تبدو كنقاط خضراء صغيرة، وكان الضباب يتحرك بينها ببطء، وكأنه نهر أبيض ينساب عبر الغابة. كانت أشعة الشمس الذهبية تتسلل عبر الضباب، فتخلق ألوانًا قوس قزحية، وكأن الغابة لوحة فنية رسمها فنان عظيم.
كانت عينا مونو تتألقان بالبهجة، وابتسامة عريضة ارتسمت على وجهها. كانت تنظر إلى الغابة، ثم تنظر إلي، وكأنها تريد أن تقول لي: "انظر، هذا هو عالمي. هذا هو المكان الذي أنتمي إليه". كانت ملامحها تعكس سعادة لا يمكن وصفها، وكأنها وجدت سعادتها الحقيقية في هذا المكان. كانت يدها الصغيرة تمسك يدي، وكأنها تخشى أن أفلت منها. كانت تريد أن تُشاركني هذا الجمال، وكانت تريد أن تشعر بأنني معها.
أما أنا، فكان وجهي يعكس مزيجًا من الدهشة والخوف. كان قلبي يدق بسرعة، وشعرت وكأنني في حلم. كانت عيناي تتأملان الغابة، وشعرت وكأنني أستطيع أن أسمع صوت كل شجرة، وصوت كل حيوان. كانت يدي ترتعش قليلاً، لكنني لم أكن خائفًا. كنتُ مندهشًا. كنتُ أشعر أنني جزء من هذا العالم، جزء من هذا الجمال، جزء من هذا السحر.
في تلك اللحظة، لم نكن نتكلم. لم تكن هناك حاجة للكلمات. كانت عيناهما تتكلمان، وقلبانا يتواصلان. كانت تلك اللحظة هي كل ما أردت. كانت لحظة صمت، ولكنها كانت مليئة بالحب، والدفء، والأمل.
أحسست بيدي مونو ترتعش، وكانت تنظر إلى الغابة في الأسفل بتعبير حزين. أدركت أن هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة، وأن هناك شيئًا ما تحاول أن تخبرني به. أمسكت بيدها الأخرى، وقلت لها: "ما الأمر يا مونو؟ هناك شيء يزعجك."
نظرت إليّ، وابتسامتها اختفت. "أنا... أنا ذهبتُ إلى المدينة البارحة"، قالت بصوتٍ خافت، وقد نزلت دموعها على وجهها. "لقد ذهبتُ لأرى أصدقائك، ولكن... ولكنني اعتقدتُ أنهم يحاولون استغلالك. لذا... لذا حاربتُهم".
شعر قلبي بالصدمة، لكنني لم أقل شيئًا. كنتُ أعلم أن هناك شيئًا ما كان خطأ، ولكنني لم أكن لأتخيل أن شيئًا كهذا قد يحدث.
"لقد حاربتُهم"، قالت وهي تبكي. "لقد حطّمتُ بابادوك، وكدتُ أقتُل أكيهيكو.و دمرت البلدة و اذيت الابرياء لقد كنتُ غاضبة، ولم أكن أرى أي شيء. كنتُ... كنتُ حمقاء".
احتضنتُها بقوة، وشعرت أنني أريد أن أبكي معها. "أنا أفهم"، قلتُ لها. "أنا أفهم أنكِ كنتِ قلقة عليّ. لا بأس يا مونو. لا بأس".
ابتعدت عني، ونظرت إليّ بعينين حمراوين. "ولكن... ولكنني فعلتُ شيئًا آخر. لقد أعطيتُ أكيهيكو سيفًا سحريًا. لقد أعطيتُه سيفًا لمساعدته على التحكم بقوة البرق".
"قوة البرق؟" سألتها، وقد شعرت بالدهشة.
"نعم"، أجابت وهي تنظر إلى الغابة في الأسفل. "لقد أظهر أكيهيكو قوة خارقة. قوة لم أرها من قبل. لقد كانت قوة البرق. ولقد كان قويًا لدرجة أنه كاد يقتلني".
توقفتُ عن الكلام، وعقلي يحاول استيعاب ما سمعت. "إذًا... هل هم بخير الآن؟" سألتها.
"نعم"، أجابت مونو، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهها. "لقد شفيتُهم جميعًا، وعدتُ إلى هنا. ولكن... ولكنني لا أستطيع أن أسامح نفسي. لقد كنتُ شريرة".
احتضنتُها مرة أخرى، وشعرت أنني أريد أن أبكي معها. "لا بأس يا مونو. لا بأس. نحن جميعًا نرتكب الأخطاء. المهم هو أننا نتعلم منها".
نظرت إليّ، وابتسامتها عادت إلى وجهها. "شكرًا لك يا بليك"، قالت. "أنت... أنت أفضل صديق في العالم".
كانت الشمس على وشك الغروب، تاركةً وراءها سماءً حمراء وبرتقالية رائعة. فجأة، بدأت مونو تتمتم بكلمات غير مفهومة، ورفعت يديها إلى السماء. بدأ السحر يتشكل بين يديها، وفي لحظات، صنعت طائرات ورقية ذهبية من السحر الخالص. كانت الطائرات لامعة، وكانت ترفرف في الهواء، وكأنها طيور ذهبية. لم تكن طائرة واحدة أو اثنتين، بل كانت المئات. كانت الطائرات تملأ السماء، وكأنها نجوم تسقط من السماء.
"انظر يا بليك"، قالت مونو، وابتسامة عريضة ارتسمت على وجهها. "هذا هو الجمال الحقيقي".
تملكني الذهول. كان المشهد لا يصدق. كانت الطائرات الذهبية تلمع في السماء، وتخلق ألوانًا رائعة. كانت مونو سعيدة، وكانت عيناها تلمعان بالبهجة. شعرت بالحب يغمرني. شعرت أنني أريد أن أبكي من السعادة.
"هذه هي قوتك الحقيقية يا مونو"، قلتُ لها، وعيناي تتأملانها. "الجمال".
ابتسمت مونو، ثم نظرت إليّ وقالت: "الآن، حان دورك. أغلق عينيك، واخرج سيفك".
"ماذا؟" قلتُ، ووجهي أصبح شاحبًا. "أنتِ تريدين مني أن أقطعهم؟"
"نعم"، أجابت مونو. "أريدك أن تقطعهم جميعًا بضربة واحدة".
ترددتُ في البداية، ثم أغمضتُ عيني، وأخرجت سيفي. شعرتُ بتنفسي يتغير، وبدأتُ أستخدم "تنفس الصوت". كانت الطائرات الذهبية تُصدر صوتًا خافتًا، وكنت أسمع صوت كل واحدة منها. كان صوتًا رقيقًا، ولكنه كان واضحًا. كان عقلي يرسم خريطة صوتية للطائرات، وكانت كل طائرة تُشير إلى نقطة على الخريطة.
رفعتُ سيفي، وأطلقتُ ضربة واحدة. كانت ضربة سريعة، كسرعة البرق. لم يكن هناك صوت، ولا ضوء، فقط صوت سيفي وهو يقطع الهواء. عندما فتحتُ عيني، كانت الطائرات الذهبية قد اختفت. كانت قد تحولت إلى غبار ذهبي، وكان الغبار يتلألأ في الهواء، وكأنه نجوم تسقط من السماء.
نظرتُ إلى مونو، وشعرت بأنني على وشك البكاء. كان وجهي مليئًا بالدموع، لكنها كانت دموع فرح. كانت هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بأنني قوي، وأنني أستطيع أن أفعل أي شيء.
"أنت... أنت فعلتها"، قالت مونو، وابتسامتها كانت أكثر جمالًا من أي وقت مضى. "أنت فعلتها يا بليك".