سكون.
لم يكن هناك سوى صدى تنفّسي يتردد بين جدران الحفرة الحجرية. قطرات الماء تتساقط في إيقاع بطيء، كأنها ساعة خفية تعدّ الثواني التي تفصلني عن المجهول.
أمام عيني، التفّ الجسد الأبيض العملاق، قشوره تعكس الضوء الشاحب مثل شفرات زجاجية مبلّلة. رأس الأفعى يرتفع قليلًا، وعيونها الحمراء تتوهج ببطء، كجمرتين تتنفسان في الظلام.
شعرت بصدري يضيق، لكنني تذكرت شيئًا واحدًا… أنا أحب الأحياء. درست الأفاعي من قبل: كيف تترقب فريستها بصبر قاتل، كيف تُخفي هجومها في هدوء، وكيف لا تتحرك إلا عندما تتيقن أن الضربة ستكون قاضية. هذه القاعدة وحدها كانت مثل خيط نجاة أتمسك به.
"هي مجرد أفعى… مجرد أفعى ضخمة…" هكذا همست لنفسي.
لو أظهرتُ ارتباكًا، ستهاجمني. لو أظهرتُ خوفًا، ستشمّ رائحته.
تظاهرت بالثبات، جسدي جامد، عيناي مثبتتان في عينيها دون تحدٍّ، فقط يقظة. كل جزء في داخلي كان يصرخ: اركض! لكن عقلي ردّ: ابقَ هادئًا.
الهواء حولي صار أثقل. لسانها الطويل المشقوق خرج ببطء، يختبرني. رأيت لمعانه المبلل وهو يهتز في الهواء. أصوات قلبي كادت تفضحني، لكنني ضغطت أسناني، أُقنع نفسي أنني ما زلت مسيطرًا.
"لا بأس… أعرف سلوكك. لستِ شيطانًا، لستِ وحشًا… مجرد مفترس يتّبع غرائزه."
ابتلعت ريقي ببطء. لكن غرائزك… قد تعني نهايتي.
فجأة، ارتفع رأسها أكثر، وانقبضت عضلات جسدها العملاق كما لو كانت نابضًا مشدودًا لآخره.
عيني اتسعتا… شعرت بتلك اللحظة المميتة قادمة.
"الآن…!"
انقضّت الأفعى مثل سهم أبيض هائل يخترق الهواء، سرعة لا تصدق في هذا المكان الضيق. الغريزة تولت زمام جسدي، قفزت إلى الجانب في اللحظة الأخيرة. صوت ارتطام رأسها بالأرض دوّى خلفي، الحفرة اهتزت، شظايا من الصخور والطحالب تطايرت.
استدرت بسرعة، أنفاسي متقطعة… وابتسامة صغيرة ارتسمت رغماً عن خوفي:
"بدأ القتال."
ارتطم رأس الأفعى البيضاء العملاقة بجدار الحفرة، وارتجف المكان كله. رفعت سيفي أمامي، أنفاسي مضطربة، وقطرات العرق تتساقط على الأرض الموحلة.
جسدها الهائل يمتد في الظلام، يتلوى كأنه يملأ الحفرة بأكملها. رغم ضخامة حجمها، حاولت تهدئة نفسي: إنها مجرد حيوان… مجرد ثعبان، لا شيء أكثر.
ارتجفت أصابعي حول مقبض السيف، وقلت لنفسي: "هدئ نفسك… لا تؤذيها."
لكن الحيوان لا يعرف الكلام، يعرف القوة والحركة فقط.
اندفعت نحوي فجأة، رأسها الضخم كصخرة متساقطة. رفعت سيفي، وارتطم نابها المعدني بنصل السيف مع شرر يتطاير. تراجعت خطوة إلى الخلف، يدي ترتجف، وقلبي يصرخ من شدة الخوف.
"لن أسمح لنفسي أن أكرر الماضي…"
---
[فلاش باك]
كنت صغيرًا، بالكاد أتم العاشرة.
ليلة ممطرة، وأنا أحمل قطة صغيرة رمادية، عيناها تلمعان بالخوف. وجدتها وحيدة في الشارع، ترتجف من البرد، وكأنها تنتظر من ينقذها.
ركضت بها نحو المنزل، أحتضنها بين ذراعيّ، وقلت: "ماريلا، انظري… وجدتها، سأعتني بها."
ماريلا نظرت إليّ باستهجان، وقالت ببرود: "لماذا تجلب الأوساخ إلى المنزل؟ أرميها في الشارع، هذا أفضل."
لم أحبها يومًا. لم أكن أهتم لرأيها، ولم أشعر بحبها أو دفئها أبدًا. كل ما شعرت به هو الغضب والخوف والخذلان.
"لكنك ستُقتل… سيسحقها السيارات!" صرخت لها.
لكنها لم تتحرك. لم تبال. لم تكترث. لم تشعر بأي شيء. لم تكن تهتم أبدًا بي، فكيف لها أن تهتم بقطة صغيرة؟
خرجت في الشارع، حاولت حمايتها، لكن ضوء سيارة يقترب بسرعة… صوت المكابح متأخر جدًا… ثم صمت رهيب.
الفراغ أمامي… القطة لم تعد موجودة.
ماريلا دخلت المنزل دون أن تلقي نظرة، وقالت: "لقد قلت لك، لا شيء سيهمك."
ظللت واقفًا هناك، يدي فارغة، وقلبي محطم. لم أحبها يومًا، ولم أتعلق بها، ولم أتوقع منها أي شيء.
---
[عودة للحاضر]
ارتجفت يداي، لكن سيفي ما زال ثابتا.
"لن أترك أي كائن يموت بسبب يدي… لن أكون مثلها."
الأفعى البيضاء هاجمت مرة أخرى، رأسها الضخم يهوي عليّ. رفعت نصلي، وصدّيت الضربة بقوة. الشرر تناثر، وذراعاي تحترقان من ثقل الضربة.
صرخت في داخلي: "لن أقتلك… حتى لو كسر جسدي!"
حركت جسدها في لفة كاملة، ذيلها انطلق كسوط هائل. انحنيت بالكاد لتجنبه، والصوت المدوّي أصاب أذني.
كل ضربة كانت تقول: "أنت دخيل… يجب أن تموت."
وكل نبضة في قلبي كانت تقول: "أنا أفهمك… لكنني لن أؤذيك."
كل حركة، كل صدمة، كل شعور بالخطر كان يُعيدني لفلاش باك الطفولة، للخيبة، لعدم الحب.
"لن أسمح لأي شيء أن يقتل أو يتأذى بيدي… حتى لو اضطررت للقتال إلى آخر قطرة دم."
عيوني تلمع بالعزيمة، وقلبي يتسارع، وأنا أصطدم بالرؤوس الضخمة للأفعى مرارًا وتكرارًا، سيفي صدّ كل ضربة، ومع كل صدّ، شعور داخلي يزداد:
لن أكون مثل ماريلا. لن أترك الضعف يقتلني أو يقتل أي كائن حي.
الظلام في الحفرة أصبح أخف بقليل من ضوء النهار الذي يصل من الأعلى، لكنه لم يكن كافيًا ليجعل حجم الأفعى أقل رعبًا. كل حركة لها كانت كصدمة كهربائية تمر في جسدي. تنفسها كان كرياح شديدة، وعينيها تتوهجان كالجمر، تحمل نيرانًا من العداوة، كأنها تقول لي: "سأقتلك إن اقتربت أكثر!"
رفعت السيف مرة أخرى، لكن هذه المرة، ليس لقتالها… فقط للدفاع عن نفسي. كل خطوة كنت أخطوها، كل قفزة أو تفادي كانت محاولة لتجنب أي أذى.
"لن أقتلها… مهما حدث… أنا لن أكون مثلهم…"
لكن الصراع الداخلي بدا ينهش قلبي:
"إنها ضخمة، قادرة على سحقي في لحظة واحدة… لكن ماذا لو استمرت هجومها؟ هل علي أن أوقفها بالقوة؟ أقتلها؟ أم أظل مجرد طفل يحاول الهرب؟"
كانت الأسئلة تتراكم، تثقل عقلي وتزيد من سرعة نبضات قلبي. كل ضربة صدّها السيف كانت تذكرني بطفولتي، بالقطة الرمادية، بالخذلان الذي شعرت به تجاه ماريلا، والدروس القاسية التي تعلمتها: لا تثق أبداً بالضعفاء، لا تسمح لأحد بأن يتحكم في حياتك… أو في حياة المخلوقات الأخرى.
حاولت التركيز على كل حركة للأفعى، على كل اهتزاز لذيلها، على كل التواء لجسدها العملاق. كان كل شيء مبهرًا ومرعبًا في الوقت نفسه. كلما اقتربت، شعرت بالرعب، ولكن أيضًا بالعزيمة:
"أنا لن أؤذيها… لكنني لن أسمح لنفسي أن أموت هنا."
حاولت تفادي هجومها، رفعت السيف لتصد ضرباتها العنيفة، لكن كل مرة كانت تضربني بطاقة هائلة. شعرت بجسدي يتأرجح، ذراعاي تتألمن، وقلبي يكاد ينفجر من شدة التركيز والخوف.
كل لحظة كانت حربًا حقيقية داخل نفسي.
"إذا ضربتها… ستقتلها؟ سأكون قاتلًا… قاتلًا مثل أمي، مثل العالم الذي لا يهتم؟ لا… لا أستطيع…"
الأفعى هاجمت مجددًا، هذه المرة بسرعة أكبر من أي وقت مضى. انحنيت لتفادي رأسها الضخم، لكنه انقض عليّ مباشرة، وفجأة… شعرت بألم حاد يتسلل إلى كتفي وذراعي.
عضت الأفعى جسدي، نابها الضخم اخترق جلدي، وحقن سمها في دمي. ارتجف جسدي كله، وارتفعت الحرارة في عروقي. طعنة الألم كانت تخترق عقلي، ومعها ارتجفت كل أفكاري:
"لا… لا يمكن… هذا لا يحدث… أنا لم أؤذيك… لماذا؟"
السم بدأ ينتشر بسرعة، يجعل كل حركة صعبة، وكل تنفس مرهقًا. شعرت بثقل لا يطاق على جسدي، وعينيّ تكاد تنغلق من الألم والدوار. لكن عقلي لم يستسلم بعد.
كل شيء بدا وكأنه يتباطأ: صوت التنفس، ضربات قلب الأفعى، حتى نبضات قلبي. شعرت بمرارة الماضي، بخيبات الطفولة، بعدم الحب، بالغضب المكبوت تجاه ماريلا، وكل تلك اللحظات التي صنعتني كما أنا الآن.
"لن أقتلها… لن أسمح لنفسي أن أكون قاتلًا… مهما حدث، مهما كان الألم، مهما كانت القوة…"
ارتجفت يدي، وحاولت رفع السيف، ليس لقتلها، بل لأني سأقاتل من أجل البقاء، من أجل الدفاع عن نفسي، من أجل أن أظهر لنفسي أن الرحمة ممكنة، حتى في أحلك اللحظات.
لكن الأفعى لم تتوقف. نظرتها الثاقبة تقول كل شيء: "لن تفلت مني." ومع كل حركة، كل قفزة، كل صدّ، شعرت أن الحرب الحقيقية ليست فقط بيني وبينها… بل داخل قلبي وعقلي، حيث تتصارع الرحمة مع البقاء، والذكريات مع الحاضر، والخوف مع العزيمة.
ابتعدت الأفعى قليلاً، ملتفة حول نفسها كملكة تنتظر لحظة ماضية من قبضتها.
أنا، مرمي على الأرض، أنزف ببطء، كل قطرة دم كأنها تذكير بخطورة اللحظة.
العضة… كانت مثل منزل ضخم اخترق جسدي، ممتلئ بالألم الذي يترك أثرًا لا يُمحى. كل شعرة وكل عصب بدا وكأنه يتألم، وكل نفس أخذته كان يحمل حرارة السم ونبض الخطر.
رفعت عيناي ببطء نحوها، محاولة فهم النية وراء كل حركة، وكل نظرة. كانت عيناها… بلا شفقة، بلا رحمة، بلا أي اهتمام. كأنها لا ترى سوى وجبة محتملة. شعرت بقسوة العالم بأسره أمامي، بعنف الغابة الذي لا يعرف الرحمة.
ثم فهمت… فهمت الحقيقة القاسية:
"الضعيف… يُؤكل. هذا هو قانون الغابة. لا خيار أمامي… إما أن أقتلها، أو سأُقتل."
تسارعت نبضات قلبي، لكن عيني كانت هادئتين… قاسية… باردة.
كل الرحمة التي كانت في داخلي ذابت. لم أعد ذلك الطفل الذي يحاول حماية كل شيء… لم أعد ذلك الذي يهرب من الألم.
الآن… كان الوقت للقرار: البقاء على قيد الحياة أو الموت تحت أسنان الأفعى.
مددت يدي، أمسك بالمقبض البارد لسيفي، شعرت بثقل المسؤولية، بصلابة الحديد، بثقل الدماء، وبحتمية القوة.
تراجعت قليلاً للوراء، عيناي تراقبان كل حركة للأفعى، كل توتر في جسدها، كل التواء لذيلها، كل حركة تهديدية تقول: "أنا ملك هذه الحفرة."
وأنا أفكر، أفكر في كل شيء: طفولتي، القطة الرمادية، ماريلا، كل الخيبات، كل الألم، كل الغضب الذي كُبتته منذ سنوات.
كل هذا الآن يتجمع في لحظة واحدة:
"أنا لن أكون الضحية… أنا لن أترك هذه الحفرة تبتلعني… سأقاتل."
سرت موجة من العزيمة عبر جسدي المنهك، وبدأت أشعر بقوة داخلية، قاسية، حادة، مستعدة للانفجار.
تقدمت خطوة، وأمسكت السيف بقبضة محكمة، عيناي تراقبان الأفعى، مستعدان لتلقي أي حركة، وأيضًا لتنفيذ أي هجوم إذا اقتضت الضرورة.
الهواء المحيط أصبح أثقل، رائحة الرطوبة والدم امتزجت مع الغضب الصامت في داخلي.
كل شيء حولي أصبح ثانويًا، ما عدا الأفعى… وما عدا القتال… وما عدا البقاء على قيد الحياة.
كانت اللحظة التالية حاسمة: أنا مستعد، عيني ثابتتان، قبضتي على السيف مشدودة… وعقلي صافي كالثلج البارد، لا شفقة، لا رحمة، فقط البقاء، فقط قانون الغابة… فقط الصراع بين الحياة والموت.
وقفت أمام الأفعى، عيناي تراقبان كل حركة، وكل التواء في جسدها الضخم.
السم ما زال يسري في عروقي، لكنه لم يعد مجرد ألم… شيئًا غريبًا بدأ يحدث، شيئًا غير متوقع.
ببطء، شعرت بحرارة غريبة في عيني اليمنى.
فجأة، بدأت عيناي تتوهج بضوء أخضر نابض، كأنها شعلة داخلية تحرق السم في جسدي، وكأن السم نفسه أصبح وقودًا لقوة جديدة.
الضوء الأخضر امتد في عيني، يتلألأ ويشع كنجمة في الظلام، كل شعاع منه ينساب على عروقي ويدفع الألم إلى حدوده القصوى لكنه… يمنحني قوة.
كنت أشعر بالسيطرة لأول مرة منذ العضّة، وكأن السم أصبح سلاحي، كأنه امتداد لي وليس تهديدًا.
أعدت عيني إلى لونها الطبيعي، لكن الأفعى كانت مذهولة. نظرتها استغرابية، لم تعد متأكدة مما يحدث. لكنها لم تتوقف، كانت على وشك الهجوم من جديد، أسنانها البيضاء البارزة واللسان يتلوى في الهواء.
تنهدت بهدوء، همست لنفسي:
"أيتها الغبية… السم في جسدي أصبح سلاحي الآن."
وفجأة، انطلقت.
الجسم كله يتحرك بانسيابية، مثل موجة خفية تنطلق من داخلي، الأرض تهتز تحت قدمي. الأفعى اندفعت لأعضّ، فمددت ذراعي بسرعة، واستخدمت تنفس الصوت.
التنفس كان متقنًا، كل شهيق وزفير يخلق موجة من الطاقة الصوتية التي تحيط بي، تهز الهواء وتربك حركات الأفعى. شعرت بأن كل موجة تهب معها قوة السم، وأن ضرباتي المقبلة ستكون أشد تأثيرًا.
تجنبت لدغة الأفعى بحركة سريعة، متقنة، ثم هويت بسيفي، ووجّهته إلى جانب جسدها الضخم، حيث العضلات المترهلة على جانبيها.
الشفرة غرست نفسها في لحمها الضخم، وتمزق النسيج العضلي بعنف، خرج صراخ حاد من بين أسنانها. الدم الأحمر بدأ يتدفق، لكنه لم يعد عادياً، كان يميل تدريجيًا إلى اللون الأرجواني الغامق، أثر تفاعل السم مع ضربة السيف، وكأن السم في داخلي يرفع تأثير الضربة إلى مستوى خارق.
الأفعى توقفت للحظة، تتلوى من الألم، الجروح تنتشر على طول الجوانب، كل نفس تأخذه أصبح صعبًا، كل حركة تجعله يرتجف.
كلما تراكم السم في جسدي أكثر، كلما أصبحت ضرباتي أكثر سمّية، أكثر تدميرًا، أكثر قوة. كل مرة تضربني فيها بالسم تتحول ضربة سيفي إلى موت مؤلم للألياف التي تلمسها، كلما ازداد الألم… ازدادت قوتي.
وقفت أمامها، ثابتًا، سيفي مشدود، عيني تتأمل كل حركة، كل توتر في جسدها.
الأفعى الآن تعرف أن الخصم أمامها ليس مجرد طفل… ليس مجرد فريسة سهلة… بل كائن قادر على تحويل السم إلى سلاح، قادر على قلب قوانين الغابة لصالحه.
الحرارة تتصاعد، صوت الأفعى يختلط بصوت تنفسي، والدم الأرجواني ينساب على الأرض… كل شيء أصبح لوحة حرب حيّة، متوهجة، قاتلة، ساحرة، وكلها تحت سيطرة بليك الآن.
وقفت أمام الأفعى، أنفاسي ثقيلة، والضوء الأخضر الذي ما زال يلمع في عيني اليمنى يتلاشى ببطء، تاركًا عينيّ الطبيعيتين، لكن القوة ما زالت متدفقة في جسدي.
حدقت في الأفعى، ودهشتي لم تهدأ: على الرغم من الجروح المميتة التي غرستها في جسدها، كانت لا تزال تتحرك بانسيابية، تلتف، تضرب، وتعيد ترتيب نفسها كما لو أن الألم لا يمسها على الإطلاق.
"كيف… لا أصدق… كيف تستطيع التحمل؟" همست لنفسي، والدهشة تتسلل إلى قلبي.
لم يكن هذا مجرد حيوان عادي. كانت هذه الأفعى تحفة من القوة والدهاء، جسد ضخم يتحرك بانسيابية مرعبة، وقوة لا تصدق، كل أداة من أدوات الطبيعة مركزة في هذا الوحش.
حاولت أن أركز، أن أستدعي كل ما تعلمته… كل شيء.
الحفرة حولنا أصبحت جزءًا من القتال، كل تربة رطبة، كل صخرة، كل انحدار، كان فرصة للاختباء، لتفادي الضربات أو للارتداد. التواء الجدار الحجري أعطاني منصة للانطلاق أو التفادي، بينما الأفعى تحاول استخدام امتداد جسدها لتطوي المسافة بيننا بسرعة مذهلة.
تنفست ببطء، وأغلقت عيني للحظة، مستحضرًا تنفس الصوت: السمع الفائق.
بدأت أصوات الحفرة الصغيرة تتحول إلى موجة موسيقية من التفاصيل: صوت الهواء المتحرك حول الأفعى، صوت عضلاتها وهي تتوتر، حتى صوت تدفق الدم في جسدها، ضربات قلبها، وصوت السوائل المتدفقة من جروحها الأرجوانية.
كل صوت من هذه الأصوات كان بمثابة خريطة، خريطة لأبعد تفصيل في حركتها، كل اهتزاز، كل حركة، كل نفس.
فتحت عينيّ، وانطلقت.
الأفعى هاجمت، جسمها الضخم يلتف في الهواء، الرأس يندفع مثل الرمح، الأسنان البيضاء البارزة. لكنني كنت مستعدًا، كل خطوة، كل حركة محسوبة بدقة.
تقدمت بخفة، ارتكزت على حافة الصخور، اقفزت، وصدت هجومها بالسيف، وهو يصدر صوتًا حادًا يتردد في الحفرة، كأنه صدى معركة أسطورية.
"لا أستطيع… لا أستطيع قتلها، لكنها ستقتلني إذا لم أفعل…"
معركة داخلية عنيفة تشابكت مع القتال الخارجي.
أشعر بالامتداد القوي للسم في عروقي، كل ضربة من الأفعى تزيد الألم في جسدي، وكل مرة أستخدم السيف لتوجيه ضربة، أشعر بأن السم يضاعف قوتها.
"لا… ليس لأنني أريد أن أقتلها… ولكن لأنه يجب علي النجاة. لا خيار أمامي."
الأفعى تعاود الهجوم، تتلوى، تتحرك بشكل مرعب بين الصخور والوحل. كل التواء لها يضعني أمام تحدٍ جديد، وكل لحظة تتسارع فيها، كانت الأرض ترتجف من وقع جسدها الضخم.
استخدمت الحفرة لصالحه، ارتدت عن الصخور، تدحرجت مع الميلان، وتجنبت فكيها المفتوحين. شعرت بالهواء يهمس حولي، كل اهتزاز يتحول إلى إشارة لخطوة قادمة.
تنفست، وأطلقت موجة من تنفس الصوت، أستخدمها لتحديد اللحظة الدقيقة لفتح جناحيها، كل اهتزاز صوتي مفسر في عقلي، كل نبضة قلبها، كل شهيق وزفير، وكل حركة عضلاتها، كل ذلك جعلني أتفادى الضربات قبل أن تصل.
ثم، في لحظة حاسمة، هويت بسيفي على جانبها، قطع في العضلات الضخمة، والجروح تتسع، الدم الأرجواني ينساب ببطء، مصحوبًا بصرخة موجعة من الأفعى.
وقفت، أنفاسي تتسارع، جسدي يؤلمني، لكن عينيّ تلمعان بالتركيز، كل الألم والسم أصبحوا جزءًا مني، قوة داخليّة تحركني، بينما الأفعى تتلوى، محاولاً التعافي والرد.
كانت هذه معركة لن تُنسى، كل خطوة، كل تفادي، كل ضربة، كانت لوحة حرب حية في حفرة مظلمة، دماء الأرجواني، ضوء عيني، وحركة السيف، كل شيء يتناغم في مشهد ملحمي، لا مكان فيه للرحمة، فقط البقاء… أو الموت
وقفت أمام الأفعى، الجروح في جسدها ممتدة كخيوط الحياة المنهارة، لكنها لم تتراجع. كل حافة صخر، كل ميلان في الأرض، كل تجويف مظلم، أصبح ساحة للقتال الاستراتيجي. شعرت بالضغط على جسدي، السم يندفع في عروقي، كل ضربة تضاعف الألم، لكن كل الألم أصبح جزءًا من وعيي.
"هذا… هذا ليس مجرد قتال… إنه اختبار لكل ما تعلمته… لكل ما أنا عليه…"
تنفست ببطء، عيناها تتأملاني ببرود لا يرحم، وأنا أستجمع كل قوّة، كل معرفة، كل حيلة استخدمتها في التدريب مع المجس الذهبي، وكل حركات مونو في الحفر، وكل درس في التوازن والتحكم.
في عقلي، بدأت أستمع… القتال نفسه بدأ يتحول إلى مقطوعة موسيقية.
كل خطوة للأفعى، كل هجوم، كل صوت للعضلات وهي تنقبض، كل تدفق للدم، كل انكسار للصخور تحت أقدامنا، أصبح نوتة في لحن داخلي.
تذكرت تدريباتي على تنفس الصوت: السمع الفائق، وكيف كنت أستمع للأصوات الصغيرة في الغابة، لتحديد مواقع المجس الذهبي، الآن الصوت أصبح أكثر تعقيدًا، أكثر ثراءً، لكنه يعطيني كل شيء.
"إذا استطعت ترتيب كل هذه النوتات… إذا استطعت قراءتها… سأعرف كل حركة قبل أن تحدث."
بدأت أرتبها في رأسي، كل نغمة، كل إيقاع، كل تصادم، وكل ارتطام، كل شيء صار كأننا أوركسترا في حفرة مظلمة. ومع كل ترتيب، كل تحليل، كل حركة للأفعى أصبحت متوقعة.
الضربة التالية، الحركة التالية، حتى انعكاس الضوء على جسدها، كل ذلك أصبح إشارة على ماذا ستفعل بعد لحظة.
الأفعى هاجمت بقوة هائلة، رأسها يندفع، الجسم الضخم يتلوى، الأسنان البيضاء البارزة. لكنني كنت مستعدًا، شعرت بالاهتزازات، بالضغط، بالاهتزازات الدقيقة في الهواء، كل ذلك بمثابة مؤشر على اللحظة الدقيقة للارتداد.
ارتدت عن الصخور، دحرجت على الأرض المبللة، رفعت السيف بزاوية مثالية، صدت الهجوم، ودفعت جسدها جانبًا. السم الذي في جسدي أصبح حادًا، يضاعف قوة كل ضربة، وكل ضربة من السيف تترافق مع ألم الأفعى الذي ينعكس في صوت فحيحها الممزق.
"لا يمكنني التراجع… إذا ترددت… سنهلك كلاً منا…"
الأفعى لم تتوقف، التواء بعد التواء، محاولة لسحق جسدي، لكنني أصبحت أتحرك بتناغم مع المقطوعة الموسيقية التي أنشأتها، كل خطوة، كل دوران، كل ارتداد، أصبح توقعًا دقيقًا، كأنني أقرأ نوتة موسيقية مكتوبة في الهواء.
قفزت على حافة صخرية، ارتدت، ووجهت ضربة جانبية بسيفي، القطع العميق في جانبي الأفعى جعل الدم يتغير من الأحمر إلى الأرجواني، الصراخ المجلجل من الأفعى أصبح جزءًا من المقطوعة، كل اهتزاز في الحفرة، كل صوت يتردد بين الجدران، صار بمثابة إيقاع للقادم من الحركات.
"أنا أقرأك… كل حركة، كل تفصيل، كل خدعة… لقد تعلمت كيف تجعلها مثل الموسيقى… وأصبح السلاح هو وعيي."
كلما زادت سمية جسدي، كلما أصبحت الضربات أسرع، كلما كانت التنبؤات أدق. كل لحظة من القتال، الألم، الإرهاق، والجوع للبقاء، جعلني أندمج أكثر مع الأرض والحفرة والضربات، وكل حركة للأفعى.
معركة الحفرة لم تكن مجرد صراع جسدي، بل كانت رقصة، كانت سيمفونية من القوة والتكتيك، وكنت أنا، بليك، القائد الذي يعيد ترتيب النوتات باستمرار، يتنبأ، يتفادى، ويهاجم، حتى يتحول السم، والدم، وحركة الأفعى، والضوء في عينيّ، إلى جزء من مقطوعتي الموسيقية الملحمية.
العرق يتصبب على جبيني، كل نفس ثقيل يرافقه طنين السم في عروقي، كل ضربة من الأفعى تزلزل الأرض وتبعثر الصخور، وكل التواء في جسدها العملاق يجعل الحفرة تصرخ بالاهتزازات. شعرت بالدهشة، كيف لهذه الكائنات أن تتحمل كل هذا الألم، كل هذا الجرح، ولا تزال تهاجم بلا رحمة؟
"إنها ليست مجرد قوة جسدية… إنها إرادة… إرادة البقاء… وأنا… أنا هنا… لأثبت أن إرادتي ليست أقل."
بدأت أراقب كل حركة لها، كل تذبذب في الهواء، كل صوت للعضلات، حتى أصوات الدم المتدفق في جسدها أصبحت نوتات موسيقية في عقلي. استغليت تنفس الصوت: السمع الفائق لأسمع أدق الأصوات، أصوات تدفق الهواء بين التواءاتها، صوت أقدامها على الطين، حتى رائحة تحريك السم في جسدي أصبحت إيقاعًا جديدًا.
تحركت بحذر على الحواف الصخرية للحفرة، أستخدم الارتفاعات والانخفاضات لإجبار الأفعى على تغيير اتجاه هجماتها. كل صخرة، كل ميل، كل حفرة صغيرة أصبحت سلاحًا إضافيًا.
"البيئة كلها أداة… كل تفصيل يمكن أن يصبح مميزًا… يجب أن أتحرك كالعاصفة، وأضرب كالصاعقة."
ارتكزت على حافة صخرية، استدرت فجأة، ووجهت ضربة جانبية بسيفي المدمج بالسم، ضربة مفاجئة مليئة بالقوة الخام والفوضى. الدم الأحمر تحول إلى أرجواني على طول الضربة، كل اهتزاز في الأرض صار جزءًا من المقطوعة الموسيقية التي أنشأتها في رأسي.
الأفعى ردت بمحاولة عض جديدة، التواءت بجسدي كله للالتفاف حولها، لكنني كنت أسرع من توقعاتها. جمعت بين التحليل الصوتي وسرعة حركتي، وضرباتي الجسدية المباشرة، والسن في سيفي أصبح وسيلة لتدمير الصخور الصغيرة، ورفع الغبار، وإرباك الأفعى أكثر.
"هذا هو أسلوبي… ليس مجرد ضرب وسيف… إنها سيمفونية من الصوت، الحركة، السم، والفوضى… وأنا القائد فيها."
كل مرة تهجم فيها الأفعى، كل التواء، كل محاولة للقبض علي، كنت أقرأها وأعيد ترتيب النوتات في عقلي، ثم أضرب بدقة، أتحرك بسرعات غير متوقعة، أستخدم كل زاوية وكل ميل في الحفرة. السم في جسدي أصبح مصدر قوة، يضاعف قوة ضربات السيف، يضيف عمقًا وحرقًا لكل ضربة، والأفعى تتألم أكثر مع كل تصادم.
"لن أسمح لها أن تنتصر… ليس بسبب الكره… بل لأن البقاء هنا يعني أن أتحكم… أن أعيش… أن أفرض إرادتي على هذا العالم."
الجسد يتعب، السم يحرق، العرق يملأ عينيّ، لكن عينيّ الخضراء تشع مرة أخرى، تسع كل تفاصيل الحفرة، كل حركة الأفعى، كل صوت. كل شيء يصبح جزءًا من المقطوعة الموسيقية القتالية، وكل ضربة، كل دوران، كل التواء، أصبح جزءًا من لوحة فنية مدمرة، فوضوية، وفخمة كما شعرت نفسي أصفها.
الأفعى لم تعد تعرف أين هي، كل هجوم جديد أصبح مرتبكًا، غير متوقع، وكلما ازدادت فوضى المعركة، كلما زاد سيطرتي عليها، ولم يعد السم مجرد تهديد لي، بل أصبح سلاحي الحي، يضفي عمقًا وصرامة على كل ضربة، وكل حركة، وكل نغمة في المعركة الملحمية.
ارتجفت الأرض تحت ثقل الأفعى العملاقة، وكل تحرك لها كان يرسل صدى في أذنيّ، كأن الحفرة نفسها تتنفس معنا. جسدي متعب، السم يحرق كل عصب، لكن قلبي ثابت، وروحي ترفض الاستسلام.
"كل خطوة هنا… كل هجمة… هذا ليس مجرد قتال… هذا اختبار لإرادتي… لعزيمتي… لقد تعلمت ألا أهاب أي قوة، مهما كانت ضخمة…"
الأفعى التفت فجأة، عينان حمراء متوهجة تلمعان بالغضب، فمها مفتوح على مصراعيه، ولسانها يلوح كأداة تهديد حية. كل حركة لها كانت محاولة حقيقية لسحق جسدي، لإيقافي قبل أن أصبح مجرد وجبة أخرى في عالم هذا الوحش.
استخدمت الحفرة لصالحتي، تحركت على الحواف الصخرية، قفزت على الصخور المائلة، وأجبرت الأفعى على الانحناء والالتواء في مساحات ضيقة، كل ميل وارتفاع كان سلاحًا إضافيًا في يدي.
"لن أقتلها لأنها شريرة… لا… سأفعلها لأن البقاء هنا يعني أن أفرض إرادتي… القانون واضح: الأقوى يبقى… والضعيف… يرحل."
وضعت يدي على مقبض السيف، وأخذت نفسًا عميقًا. عيناي الخضراء بدأت تتوهج مرة أخرى، ضوءها كأشعة الشمس تشرق في الحفرة المظلمة، مملوءة بالقوة والتركيز. شعرت بالسم في جسدي يتفاعل مع نبض قلبي، كل خلية من جسدي أصبحت جزءًا من معادلة القتال.
"حان الوقت… الزئير…"
رفعت سيفي، وبدأت أركز كل قدرتي في تنفس الصوت: الزئير. زئير داخلي، عميق، مرتفع، تصاعد في صدري وخرج من حلقي كأمواج من القوة. الهواء اهتز، الأرض اهتزت، حتى الصخور الصغيرة تحركت بفعل القوة الناتجة عن التنفس.
السيف أصبح امتدادًا لروحي، والسم في جسدي تفاعل مع الزئير، ملغمًا ضربة السيف بطاقة مدمرة، جاهزًا لإطلاق الهجوم على الأفعى.
وفجأة، اندفعت للأمام بسرعة لا يمكن للأفعى توقعها. كل عضلة في جسدي مشدودة، كل حركة محسوبة، وكل هجمة مبنية على تحليل الصوت. السيف اصطدم بجسد الأفعى، وخلفه أثر موجة سمية تحرق كل جزء في جسدها. الدم الأحمر تحول إلى أرجواني، كل ضربة تتفاعل مع السم في جسدي لتصبح قوة مضاعفة.
الأفعى ارتجت، صوتها يملأ الحفرة بصوت صاخب، لكنها لم تنهزم، بل عادت للهجوم بحركة أقوى وأكثر عدوانية. لكنني شعرت بها، كل حركة، كل نبض، كل اهتزاز – كانت النوتات في المقطوعة الموسيقية تتكشف أمامي.
"كل هجوم لها… كل رد فعل… أصبحت أعرفك… أستطيع التنبؤ بك… كل خطوة ستأخذك إلى أين؟ هنا… إلى نهايتك المحتملة."
قفزت على صخرة مائلة، التف حولها، وضربتها بضربة جانبية أخرى مدعومة بالزئير. الدم الأرجواني يتطاير، أجنابها تتقطع تحت قوة السم والموجة الصوتية، وكل صوت يصبح جزءًا من المقطوعة القتالية التي أنسجها في رأسي، أقرأ كل نبضة وكل تردد لتنسيق كل ضربة تالية.
"هذا هو أسلوبي… ليس مجرد قوة أو سرعة… إنه سيمفونية من الفوضى، السم، والحركة… وأنا قائدها."
الأفعى تصر على المقاومة، لكنني أشعر بتراجعها البطيء، كل خطوة للأمام في الحفرة أصبحت السيطرة أكبر، وكل ضربة الآن أقرب إلى الحسم النهائي، ومع كل زئير أطلقه، السم يصبح أكثر قوة، أكثر دقة، وأقرب لأن يكون حكمًا على الوحش أمامي.
وقفتُ لأخذ نفسٍ عميق، عيني تراقب كل حركة للأفعى، جسدي متعب، وسمها قد بدأ يفقد تأثيره مع كل ضربة سابقة. شعرت بنفاذ السم من خلاياي، وكأن جسدي أصبح أخف، لكن في الوقت نفسه فقدت ذلك الامتداد المميت الذي منحته لي السم.
"لقد نفد… كل شيء صار مجرد قوتي الجسدية… لكن هذا لا يعني الضعف… هذه فرصة لأريها قوة إرادتي، ليس السم… بل أنا."
الأفعى لم تنتظر، اندفعت إلي مجددًا، جسدها العملاق يلتف في الحفرة كما لو أنها تسعى لتطوي جسدي بين ثناياها. الأرض تهتز تحت ثقلها، والصخور الصغيرة تتناثر، والمياه المتساقطة من جوانب الحفرة تضيف صدى إضافيًا لكل حركة.
كل خطوة للأفعى كانت بمثابة نبضة موسيقية في رأسي، وأنا أستعمل تنفس الصوت: الضربات المتتالية. بدأت بسلسلة من الضربات المتتابعة بسيفي، كل ضربة تصدر انفجارًا صوتيًا، متوالية كأنها أعمدة موسيقية متشابكة. الهواء اهتز حولي، وارتجف الجدار الصخري للحفرة من قوة كل موجة صوتية.
"كل هجمة… كل محاولة… كل رد فعل… أقرأها الآن… أترجمها في عقلي… كأنني أعيد ترتيب كل صوت في مقطوعة لا يمكن لأحد سماعها غيري…"
قفزت على الحافة الصخرية، التف حول جسد الأفعى العملاق، وضربتها في عدة اتجاهات متتالية، كل ضربة تضرب الأجناب والرقبة، فتتهادى وتصرخ بصوت صاخب يملأ الحفرة بصدى تهديدها. ومع كل ضربة شعرت بالقوة تعود لي، السم قد نفد، لكن السرعة، التحليل الصوتي، والإبداع الحركي أصبحوا أسلحتي الجديدة.
"لقد نجوت من السم… الآن عليّ أن أحوّل كل خلية في جسدي إلى سلاح… ليس للقتل… بل للبقاء."
الأفعى تعبت جزئيًا، لكنها لم تنهزم، كل هجمة مني كانت تمرق على التلال الصغيرة في الحفرة، تتفاعل مع الصخور والأرض والمياه، كل حركة تضاعف من تأثيرها. شعرت بأن كل عنصر في الحفرة أصبح جزءًا من معركتي، كأنني أستغل تضاريس المكان لتوجيه الضربات بشكل أكثر دقة وفوضى.
"كل ضربة، كل صوت… كل حركة… هذه هي سيمفونيتي الخاصة… هذه هي معركة حياتي… وسأخرج منها أنا المنتصر."
الأفعى حاولت مرة أخيرة الالتفاف حولي، لكنها وجدت نفسي أسرع، ضرباتي تتتابع بلا توقف، انفجارات صوتية تضرب جسدها وتربكه. دمها الأحمر يتطاير مع كل ضربة، والقوة التي كانت تأتي من السم قد تحولت الآن إلى قوة إرادتي الخالصة، كل ضربة أقوى من سابقتها، وكل انفجار صوتي يقترب بها خطوة من النهاية.
"سأظل واقفًا… حتى لو كان كل شيء ضدّي… سأقاتل… سأقاوم… سأنتصر…"
بدأت الأفعى تتحرك ببطء، عينان حمراء متوهجة تثبتان عليّ نظرةً مخيفة، وكأنها تتحدى كل تفكيري، كل رغباتي في البقاء على قيد الحياة. جسدي مازال يتألم من السم السابق، لكن الإرادة بداخلي كانت حديدية: "لا رحمة… لا خوف… هذه معركة حياتي… ليس لأقتلها لأنها شريرة… بل لأبقى على قيد الحياة."
استقريت على حافة الحفرة، أستغل الصخور العالية والانحدارات الصغيرة لتفادي هجماتها، وأتجنب عضاتها المفاجئة. كل حركة كانت كأنها رقص موسيقي معقد، كل صخرة وكل انحدار أصبح جزءًا من معركتي.
مع كل هجمة لها، كنت أسمع أصوات حركة جسدها، ارتجاف الأرض تحت ثقلها، حتى تساقط قطرات المياه من جدران الحفرة. بدأت أدمج كل هذه الأصوات في مخيلي، كأنها نوتات موسيقية، ثم انتقلت إلى تنفس الصوت الشكل الخامس: أداء الأوتار.
سيوفي تحركت بسرعة فائقة، تضرب الهواء، كل ضربة تصنع انفجارًا صوتيًا دقيقًا، متتابعة كأنها عزف متقن على آلة موسيقية عملاقة. الأفعى حاولت الالتفاف، لكنها وجدت نفسها محاصرة بين الهجمات المتقنة، كل ضربة تفتح ثغرة صغيرة في دفاعها، كل انفجار صوتي يربك حركتها، وكل حركة مني تتناغم مع التضاريس لتصبح الضربة أكثر فعالية.
"إنها ليست مجرد معركة… هذه سيمفونية حياتي… كل نوتة صوتية، كل اهتزاز، كل صدى… كل شيء هنا أصبح سلاحي…"
حركة بعد أخرى، التففت حول جسد الأفعى الضخم، استخدمت الصخور كمنصات للارتداد، وانحدرت المياه أمام ضرباتي لتزيد من ارتدادها على جسدها. كل حركة كانت محسوبة بدقة، وسرعة سيوفي مع انفجارات الصوت جعلت الأفعى تكاد تفقد توازنها.
وأخيرًا، وجدت الفجوة المناسبة، رفعت سيفي ووجهته نحو رأسها الضخم، وبتناغم كامل مع كل ضربة سابقة، قطعت رأس الأفعى بضربة واحدة مذهلة.
في اللحظة التالية، بدأت الأفعى تتبخر في هواء الحفرة، ضوء أزرق وابيض يغمر المكان، ومع تبخر جسدها اكتشفت حقيقة مذهلة: لم تكن أفعى حقيقية… بل كائن آخر متخفي في شكل الأفعى العملاقة.
قبل أن أستوعب الصدمة، ظهر صوت مألوف، خافت لكنه واضح:
"أحسنت!"
مونو كانت عند حافة الحفرة، مددّت يديها وسحبتني، وأنا ما زلت أتنفس بصعوبة، أعيننا تلتقي، وابتسامتها الصغيرة كانت كأنها تعكس شعورًا بالنجاح والارتياح بعد معركة لا تُنسى.
وقفتُ هناك، أعيد ترتيب أنفاسي، وأدركت أن هذه المعركة لم تكن مجرد اختبار للقوة الجسدية، بل تجربة نفسية، موسيقية، وفنية، علمتني شيئًا عميقًا: القوة ليست في السم، ولا في العضلات فقط… بل في القدرة على دمج كل شيء في معركة
واحدة حية، متناغمة، لا يُمكن التفوق عليها إلا بالإرادة المطلقة والتركيز الكامل.