أقف ساحة مدرسة بوفورين المهجورة… هذا المكان الذي كان يعج يومًا بالضحكات، صار الآن صامتًا، كل جدار متآكل يصرخ بذكريات لم تعد تخص أحدًا. الريح تعصف بالغبار عبر النوافذ المكسورة، والسماء الرمادية تلقي بظل ثقيل على الأرض المتشققة.
في وسط الساحة، كانت مونو واقفة. جامدة، باردة… كتمثال حجري. عيناها تراقبانني بلا رحمة، كما لو كانت تتأكد من وزني كخصم، لا كطالب. لم تبتسم. لم تلمح لي بالدفء. فقط ذاك البرود الذي يجعلني أشعر أن أي خطأ صغير قد يقتلني.
في الزاوية، كان بابادوك يقف متكئًا على مظلته، عيناه السوداوان تراقبان بصمت غير مريح، بينما نيرو جلست على أحد المقاعد المحطمة، ساقاها متشابكتان، يدها تلمس ذقنها وكأنها تقيم عرضًا مسرحيًا، لا تدريبًا قاتلًا.
أخذت نفسًا عميقًا، ورفعت الكاتانا بيدي.
كانت ثقيلة… لكنها صارت مألوفة بعد أيام من الإمساك بها. مع ذلك، لا تزال تشعرني أنني دخيل عليها.
"امسكها بثبات،" قالت مونو بصوت منخفض، ثابت. "الشفرة لا تتبع يدك، أنت من يتبعها. اجعلها امتدادًا لروحك، لا مجرد قطعة حديد."
ارتجفت يدي. كلماتها بسيطة، لكن وقعها ثقيل في صدري.
روح؟ أي روح؟ كل ما أشعر به الآن هو البرق يتكدس في داخلي، كوحش يركض بلا قفص.
رفعت الكاتانا ببطء، وقلت:
"أشعر وكأنني سأفقد السيطرة… في أي لحظة."
مونو لم ترمش حتى.
"افقد السيطرة هنا، وسوف تموت. الأمر بتلك البساطة."
ابتسم بابادوك بسخرية من بعيد، وهمس كأنه يكلم نفسه:
"قاسية كالعادة…"
نيرو ردت بخفة:
"قاسية؟ لا، هذه رحمة. لو لم تكن قاسية، لما عاش دقيقة واحدة."
ابتلعت ريقي.
أخذت وضعية هجومية كما علمتني مونو في اليوم السابق. قدماي متباعدتان، يدي اليمنى تقبض على الكاتانا، اليسرى تدعم القبضة من الأسفل.
"اهجم." قالتها مونو كأمر عسكري، بلا نبرة، بلا انتظار.
ركضت نحوها.
قدماي تضربان الأرضية المتشققة، والغبار يتطاير. رفعت الكاتانا فوق رأسي ونزلت بها بقوة… لكنها توقفت.
توقفت لأن مونو رفعت إصبعًا واحدًا فقط. إصبع واحد صد الضربة كلها.
صوت المعدن وهو يرتجف تحت لمسة بشرتها جعل قلبي ينقبض.
نظرت إليّ بهدوء وقالت:
"كثير من القوة… قليل من التركيز. حاول مرة أخرى."
تراجعت خطوتين، وقلبي ينبض بجنون.
"كيف… كيف يمكن لإصبع أن يوقف شفرة؟" تمتمت داخليًا.
سمعت ضحكة مكتومة من نيرو:
"وجهك priceless."
أخذت نفسًا أعمق هذه المرة. حاولت أن أُخرج صوت البرق من رأسي، لكنني فشلت. شعرت بالشرر يتصاعد في ذراعي. الشرر الذي يذكرني دوماً أنني لست طبيعيًا.
صرخت في داخلي:
"اهدأ… فقط اهدأ…"
تحركت من جديد. هذه المرة هجمة جانبية. الكاتانا انزلقت بخفة عبر الهواء، وكنت متأكدًا أنني أسرع. لكن مونو مالت بجسدها نصف خطوة فقط، وضربت معصمي بخفة جعلت الكاتانا تفلت من يدي وتسقط على الأرض.
ارتفعت حرارة وجهي. شعرت أنني طفل يتعلم المشي أمام أم قاسية.
"أمسكها مجددًا." قالت ببرود، ثم تابعت:
"السرعة بلا وعي… مجرد تهور. إن أردت القتال بالبرق، عليك أن تتعلم أولًا القتال كسيف عادي. البرق قوة تبتلع صاحبها إن لم يعرف حدود جسده."
انحنيت والتقطت الكاتانا، ويدي ترتجف.
"حدود جسدي؟"
أنا لا أعرف حتى حدود نفسي…
وقفت مرة أخرى. هذه المرة، حاولت أن أتذكر كل حركة علّمتني إياها: ثبات القدمين، التنفس المنتظم، النظر إلى الصدر لا إلى العيون.
اندفعت.
توالت الضربات… فوق، يسار، يمين… أحاول، أتعرق، أضغط أسناني. كل ضربة كانت تصطدم بصدها بخطوة، بلمسة، بتفادي بسيط.
كأنها تقرأني قبل أن أتحرك.
لكن شيئًا غريبًا حدث.
مع كل ضربة، بدأت أسمع صوتًا خافتًا… كأن الكاتانا تهمس لي. لم يكن برقًا، بل همسًا هادئًا:
"أسرع… أعمق… ركّز…"
توقف الزمن لحظة، وتسللت ابتسامة صغيرة إلى شفتي رغم أنفاسي المتقطعة.
"هل هذا ما قصدته بروح السيف…؟"
رفعت الكاتانا، ونزلت بها بضربة مستقيمة. هذه المرة، لم تتهرب مونو. أخرجت كاتانتها الخاصة في لحظة خاطفة، وصوت الاصطدام ملأ الساحة. شرر طفيف تناثر بيننا، لا أعرف إن كان من البرق أو من المعدن.
عيناها الباردتان اخترقتا عيني.
قالت بهدوء:
"ها قد بدأت تسمعها."
تجمدت.
"هي أيضًا سمعت الهمس؟"
لكن قبل أن أفكر أكثر، شعرت بالبرق ينفجر في ذراعي بلا إذن. انطلقت شرارة كبيرة عبر الكاتانا، وارتجف جسدي. لم أعد أسيطر. صرخت بألم، الكاتانا تهتز في قبضتي، والشرر يتطاير.
"أكيهيكو!" صرخت نيرو من بعيد، قامت من مكانها.
لكن مونو رفعت يدها لتوقفها.
قالت ببرود:
"لا تتدخلي. إما أن يروضه… أو يقتله."
كل عضلة في جسدي كانت تحترق.
"توقف… أرجوك توقف…" لكن البرق لم يتوقف.
رأيت انعكاس وجهي في شفرة الكاتانا: عيناي متسعتان، فمي يرتجف، كأنني أتحول إلى شيء آخر.
وفي تلك اللحظة… سمعت الصوت مجددًا، أوضح هذه المرة:
"أنا لست عدوك… أنا قوتك. قُدني، ولا تدعني أقودك."
أغمضت عيني، شددت قبضتي… وحاولت للمرة الأولى أن أوجّه البرق بدل أن أهرب منه.
من بعيد، الجانحون يراقبون المشهد، وجوههم شاحبة، عيونهم واسعة من الرهبة والذهول. أونيزوكا تكتم صدمته، يعض على شفتيه بقوة ويحاول السيطرة على انفعاله، بينما هاروكا يقف بجانبه، يضغط على قبضتيه بعنف، يتنفس بصعوبة، يحاول فهم ما يشاهد. توراكو تتراجع خطوة، يدها على صدرها، تحاول استيعاب ما تسمعه أعينها، عينان تكاد تنطق بالأسئلة الصامتة.
اقترب بابادوك، وجهه جاد، وحذر في اختيار كلماته. أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث: "ما رأيتموه ليس طبيعيًا. هذه ليست مجرد قوة عادية، بل سحر وطاقة خارقة للطبيعة… لا أستطيع إخفاء الحقيقة بعد الآن."
أحد الجانحين تلعثم، صوته يرتجف: "أهذا… يعني أنهم… ليسوا بشرًا عاديين؟"
"الصدق مؤلم، لكنه ضروري. القوة التي شاهدتموها، البرق، ليست من هذا العالم فقط. كل ما حدث هنا جزء من الحقيقة التي تحكم هذا المكان." كلمات بابادوك كانت بطيئة، مدروسة، وهو يحاول أن يجعلهم يتقبلون فكرة غير معقولة للوهلة الأولى.
هاروكا أخذ نفسًا عميقًا، ثم التفت إلى أونيزوكا: "كيف سنتعامل مع هذا؟"
"ليس أمامنا خيار سوى التعلم، ومراقبة ما يحدث. تجاهلها لم يعد ممكنًا." أجاب أونيزوكا، عينيه لا تزالان معلقتين على أكيهيكو، وهو يحاول استيعاب ما يراه.
توراكو نظرت إلى أكيهيكو، ثم إلى بابادوك، صوتها منخفض: "لماذا أخفيت عنّا كل هذا؟"
ابتسم بابادوك ببطء، حزينًا: "خفت من صدمتكم… لكن الحقيقة لا يمكن كتمانها إلى الأبد. عليكم أن تعرفوها، قبل أن تصبحوا جزءًا من هذا العالم المعقد."
أكيهيكو رفع رأسه، عيناه مليئتان بالدموع، قلبه مثقل بالأسى، لكنه شعر ببرودتها الهادئة تشده للأمام. "سأتعلم… سأتعلم أن أتحكم بها… سأصبح أقوى…" تمتم، وكأن هذه الكلمات هي أول خطوة حقيقية للخروج من حزنه العميق.
[منظور مونو ]
الهواء ما زال مشبعًا برائحة التراب والرماد، بعد الدمار الذي سببته قدرات أكيهيكو في الساحة. أنا أقف متكئة على جدار نصف مكسور، أراقب نيرو وهي تتقدم نحوي بخطوات هادئة، ووجهها يكاد يخفي أي شعور داخلي، لكن عينيها تقول الكثير.
"أعتقد أنني بحاجة للاعتذار مجددًا عن كل ما فعلته." همست، صوتي بارد كما هو دائمًا، لكنه يحمل صدى الإحساس بالمسؤولية. أرى نيرو تنظر إليّ، بدون أي انفعال مفاجئ، لكنها تمتص كلماتي بعناية.
"لا حاجة للاعتذار بعد الآن، مونو." قالت بهدوء، وهي تقف إلى جانبي، نظرتها تتجول على الساحة المدمرة، ثم تعود لتستقر على وجهي. "لقد كان ما حدث ضروريًا في الوقت نفسه. أكيهيكو يحتاج أن يشعر بحدوده… وأن يكتشف قوته بطريقة صعبة."
ابتسمت ابتسامة بسيطة، حاولت ألا أبدو ضعيفة، لكن قلبي يثقل من الذكريات الأخيرة. "إنه يحاول بجد… رغم كل الصعوبات، رغم كل الخوف… لكنه يريد أن يصبح أقوى." همست، كأنني أراقب طفلًا يتعلم المشي على صخرة حادة.
نيرو أومأت برفق، ثم قالت بصوتها المعتاد البارد، لكنه يحمل شيئًا من الحنان المخفي: "أرى ذلك بوضوح. يعرف أن القوة لا تأتي بسهولة، وأنه لا يوجد طريق مختصر. أحاول أن أرى النور في جهوده… وأجد أنه أكثر صلابة مما يبدو."
نظرت حولي، وأشرت بخفة إلى الساحة، إلى الركام والأشجار الممزقة، إلى الغبار الذي يطير مع النسيم. "وبليك…" همست، وسمعتها تأخذ نفسًا هادئًا قبل أن ترد: "جهده لم يكن أقل. لقد دفع نفسه إلى أقصى الحدود أيضًا. كل تدريب، كل خطأ، كل لحظة ألم… كل ذلك كان جزءًا من طريقه. لا يمكن لأحد أن ينكر هذا."
وقفت لحظة، شعرت بالبرد يخترق جسدي، وأنا أفكر في الكلمات التي لم أجرؤ على قولها سابقًا. "أحيانًا… أشعر أن كل ما نقوم به مجرد قطرات في بحر واسع… لكنه بحر يحتوي على الكثير من القوى، كما لو كان العالم نفسه…" توقفت، تذكرت خيالاتي، مشاهد أشبه بعوالم قديمة، حيث المقاتلون يستخدمون عناصر تتحرك كأنها أرواح مستقلة، وسحر قادر على ختم الزمن والمكان.
نيرو رفعت حاجبها، وكأنها قرأت أفكاري. "لقد فهمت ما تقصدينه. سحري ليس محدودًا فقط بالأشياء العادية. إنه سحر الختم." نظرت إليّ مباشرة، وأكملت، "يمكنني ختم أي شيء… حتى نقاط ضعف الأشخاص أو القوى، أحيانًا أجد أن جسدي أقوى عندما أزيل حدودًا لم أكن أعلم بوجودها."
ابتسمت بسخرية طفيفة، "أنت تقولين إنك… تغلقين ضعفك أو ضعف الآخرين لتصبحين أقوى؟"
"ليس فقط ذلك،" أجابت نيرو، "إنه يمنحني القدرة على التحكم بالمعارك قبل أن تبدأ. أستطيع أن أختار أي لحظة أستطيع فيها التقدم أو التراجع، وكل قرار يصبح محسوبًا بدقة. إذا حاول أحدهم خداعي، أستطيع أن أغلق ثغراته قبل أن يعرف هو حتى أنها موجودة."
شعرت ببعض الرهبة، لكن أيضًا بالاحترام. "وهكذا… تتحكمين في العالم من حولك، وكأنك ترسمين خطوطًا على خريطة لم يراها أحد من قبل."
"تمامًا،" همست نيرو، عينيها تتلألأ بخفة، "ولكن ليس فقط الأشياء… بل الأشخاص، نقاط ضعفهم، حتى ذكرياتهم أحيانًا. كل شيء يمكن أن يكون جزءًا من قوتي إذا فهمت كيفية ختمه."
أغمضت عيني للحظة، أتخيل كيف يمكن أن يكون هذا العالم… عالم يشبه الكون الذي يتقاطع فيه كل شيء: القوة، السحر، العزيمة، وحتى الجروح القديمة التي تتحرك كأنها كائنات حية. لم يكن مجرد تدريب أو قتال، بل اختبار لكل شيء، لكل فكرة، لكل شعور.
"أرى أن أكيهيكو بدأ يفهم هذا…" همست مجددًا، وابتسمت بخفة، "يحاول، رغم أن البرق بدا خارج نطاق تحكمه… لكنه يتحسن."
"سيستمر في التحسن،" قالت نيرو، صوته أصبح أخف قليلاً، كما لو كانت تقول شيئًا بعيدًا عن الحدة المعتادة. "كل سقوط، كل فشل… هو خطوة، جزء من إرادته للنمو. لا يمكن لأي قوة، مهما كانت عظيمة، أن تمنعه إذا أراد أن يصبح أفضل."
تقدمت نيرو خطوة، ونظرت إلى الساحة المدمرة مرة أخرى، ثم إلى وجهي، وأتممت حديثها بهدوء: "القوة ليست فقط في القدرة على تدمير، بل في القدرة على التعلم، على تجاوز حدودك، على مواجهة نفسك… وأنتِ، مونو، تعلمين ذلك جيدًا."
أومأت بهدوء، شعرت بأن الهواء حولنا أصبح أخف قليلاً، وأن الساحة التي كانت مليئة بالدمار أصبحت مسرحًا للوعي الجديد، مكانًا يمكن فيه للجهود أن تُقَدّر، وللتضحيات أن تُرَى.
"أعرف ما تفكر فيه…" قالت أخيرًا، بصوت هادئ ولكنه مثقل بالندم.
"ماذا تقصدين؟" سألها مونو، عيناها لا تفقدان برودتهما المعتادة، لكن الفضول بدا واضحًا في لهجتها.
نيرو تنهدت، كما لو كانت تحمل عبئًا ثقيلًا على كتفيها. "أنا السبب في عدم اتزان قوة برق أكيهيكو…" قالت، وعيناها تلمعان ببعض الحزن. "لقد دمجت في سره أحد بلورات المانا بشكل خفي، لكي يصبح أقوى… لم أتوقع أن تكون النتيجة بهذا الشكل، أن تفقد السيطرة بهذا القدر."
مونو انحنت قليلًا، تفكر في كلماتها، ثم قالت بصوتها البارد المعتاد: "النية كانت واضحة… لكن القوة التي لم تُدار بشكل صحيح دائمًا تسبب الدمار."
"أعرف… لم أكن أريد أن يتأذى أحد…" همست نيرو، وعيناها تبحثان في الأفق عن أثر أي ضرر. "لكن الآن، علينا أن نجد طريقة ليعيد السيطرة على قوته، قبل أن تحدث كارثة أكبر."
"سيجد طريقه…" قالت مونو بهدوء، ووقفت مرة أخرى. "طالما يعرف التنفس الصحيح، ويترك الطاقة تتدفق دون استعجال، سيصبح البرق جزءًا منه، لا عائقًا."
نيرو ابتسمت قليلاً، رغم شعور الندم في قلبها. "آمل أن يكون كذلك… لأن أي فشل آخر قد يكون لا يُغتفر."
[منظور اكيهيكو]
الهواء ما زال مشبعًا برائحة المعدن والرماد، من الدمار الذي أحدثته آخر محاولاتي. أستعيد أنفاسي بصعوبة، ويداي ترتجفان قليلاً، لكن مونو كانت هناك، واقفة كالجليد، برودتها المعتادة تخفي أي شعور، ومع ذلك شعرت بعيونها تراقب كل نبضة في جسدي.
"أكيهيكو، توقف عن محاولة القوة العمياء." صوتها جاء هادئًا، حادًا، كأنه صاعقة باردة تضرب قلبي. "لقد فقدت السيطرة على البرق… وكل ما فعلته كان مدمراً."
أخفضت وجهي، شعور بالذنب يثقل صدري. "كنت أحاول… فقط أحاول أن أتحكم، أن أصبح أقوى…" همست بصوت خافت، كما لو كنت أستجدي السماح من العالم نفسه.
مونو نظرت إليّ، عيناها الثلجيتان تتفحصانني بدقة، ثم قالت ببطء: "هناك طريقة… إذا استطعت أن تركز طاقتك بشكل صحيح، أن تنقل قوتك عبر كل جزء من جسدك… ربما…" توقفت قليلاً، كما لو كانت تختبر رد فعلي.
لم أفهم فورًا، لكن شيء ما في نبرتها جعل قلبي ينبض بسرعة. "ماذا…؟" قلت، صوتي خافت ومتردد.
"تنفس البرق." قالتها وكأنها الحقيقة الوحيدة التي يمكن أن تخلصني. "إنه أحد أساليب التنفس الخمسة الرئيسية، المشتقة من تنفس الشمس الأصلي. الهدف؟ أن تتقن الحركة كالبرق، سريعة ومدمرة، بدون تسرع… بدون فقدان السيطرة."
تركت الكلمات تتغلغل في دماغي، أحاول أن أستوعبها. كل كلمة كانت مثل شرارة صغيرة، تضيء جزءًا مظلمًا من عقلي. "تنفس البرق…" همست. حاولت أن أتصور الحركة، القوة، السرعة… كل شيء بدا خياليًا لكنه حقيقي في الوقت نفسه.
مونو تقدمت خطوة، وقالت: "ركز كل طاقتك في ساقيك، كل عضلة، كل وتر… اجعلها محركك، قوتك، وسلاحك في آن واحد. عند إطلاق الهجوم، تتحرك بسرعة صاعقة، وسيفك يصبح امتدادًا لطاقة البرق، يقطع كل شيء أمامك دون أن تمنحه فرصة الدفاع."
ابتلع الهواء بصعوبة، شعور بالرهبة يملأ صدري. لم أعد أفكر في أي شيء سوى التركيز، كل كلوني في ساقي، كل أنفاسي، كل نبضة. "سأحاول… سأتحكم فيه…" قلت لنفسي، بينما أمددت قدمي وأحسست بالقوة تتجمع من الأرض إلى ساقي.
مونو وقفت أمامي، برودتها المعتادة لم تتغير، لكنها قالت: "لا تتسرع، كل شيء في اللحظة الواحدة. لا تضغط على نفسك… دع البرق يتدفق عبر جسدك كما لو كان جزءًا منك."
بدأت التحركات، بطيئة في البداية، أحاول أن أشعر بالتيار الذي يجري عبر ساقي، كيف يمكن أن أوجهه، كيف يمكن أن يصبح كل خطوة انفجارًا من السرعة. مع كل محاولة، شعرت بالاهتزاز يتنقل من قدمي إلى يدي، وسيفي كأنه يطلب مني أن أتبعه.
"تحرك… ركز… اجعل كل عضلة تعمل معك." صوت مونو يمر عبر ذهني، لا يعلو، لكنه يزرع اليقين. كل خطوة أصبحت أسرع قليلاً، كل هجوم أقصر زمنًا، حتى شعرت بأن عيناي لا تستطيعان متابعة حركتي.
ثم فجأة، شعرت بانفجار داخلي… لحظة واحدة، كل جسدي اجتمع، كل طاقتي في ساقي، واندفعت للأمام بسرعة كالصاعقة. الهواء صفع وجهي، الساحة تحولت إلى مجرد خطوط من الضوء والرماد، وسيفي تحرك كالبرق، يقطع كل شيء أمامه في لمحة واحدة.
توقف كل شيء بعد لحظة، أستعيد أنفاسي، ووجهي يلمع بالعرق، وقلبي ينبض كما لو كان يريد الخروج من صدري. نظرت إلى مونو، برودتها لم تتغير، لكنها أومأت برفق، إشارة صغيرة بأنها رأت نجاحي الأول.
ابتسمت داخل نفسي، شعور بالفخر يختلط بالرهبة… كنت قد أطلقت الهجوم، شعرت بالسرعة، شعرت بالقوة، شعرت بأنني أخيرًا أستطيع التحكم.
"هذا… هذا هو بداية التحكم الحقيقي." همست لنفسي، وأنفاسي لا زالت متقطعة، لكن في قلبي شعور بأن البرق لم يعد عدوًا، بل أصبح جزءًا مني، جزءًا يمكنني أن أوجهه وأتحكم فيه… وأن أصبح أقوى من أي وقت مضى.
بعد ساعات من التدريب المكثف لأكيهيكو، حيث ظل يكرر حركات "تنفس البرق" بلا كلل، ومونو تراقبه بعينيها الباردتين، انسحب الجميع تدريجيًا إلى زوايا ساحة التدريب، تاركينها وحدها مع المشاهد المبعثرة للدمار الخفيف من تمرين أكيهيكو الأخير.
مونو شعرت بثقل التعب، لكنها لم تتوقف، مشيت بخطوات هادئة نحو بابادوك، الذي جلس على حجر كبير بعيدًا عن الجميع، يتأمل الأفق وكأن عالمًا من الأفكار يشغله. الهواء حوله كان يملؤه الصمت، وسكونه كان مختلفًا عن أي صمت آخر، شعرت مونو بأن هذه اللحظة مناسبة للتحدث دون أي تدخل.
وقفت على بعد أمتار قليلة منه، تنظر إليه مباشرة، صوته لم يسمع بعد، لكنه عرف أنها جاءت للحديث.
"لم أكن لأفكر بالاقتراب…" قالت أخيرًا، صوتها هادئ لكنه يحمل حدًا لا يُمكن تجاوزه.
رفع بابادوك رأسه ببطء، عيناه تلتقيان بعينيها الباردتين، ابتسامة ضعيفة تعبر عن وعيه بتوترها: "كنت أعلم أنك ستأتي… لم أتوقع أقل من ذلك."
أغلقت مونو يديها خلف ظهرها، تحاول إخفاء أي ارتعاش، وقالت مباشرة: "لا أثق بك… ولا أثق بأي جن، ولا بأي كائن خارق. كل ما أراه هو تأثير قوى لا نفهمها، وقد تضر الجميع."
صمت لبضع ثوانٍ، ثم تكلم: "أعرف… لا أتوقع أن تثقي بي، ولا حتى بفعل ما فعلت اليوم في تدريب أكيهيكو. أعلم أن كل ما قمت به بدا غريبًا، ربما خطرًا، وربما مؤلمًا… لكن نيتي لم تكن أبدًا لإيذائه."
حدقت فيه بعينيها الثابتتين، قالت ببرودها المعتاد: "الإيذاء ليس مجرد ألم جسدي… بل هو عدم القدرة على التحكم في قوة الشخص. وما حدث اليوم يؤكد ذلك."
"نعم…" همس، عيناها تلتقي بعينيه لحظة، ثم عاد إلى النظر بعيدًا، صوته منخفضًا: "أحيانًا لا أفهم نفسي… ولا أعلم لماذا أستمر في حماية بليك. ربما… لأنه يذكرني بطفل ما."
"طفل؟" قالت، تلمح فيها بعض الفضول، لكنها سرعان ما أعادت برودتها: "الاعتبارات العاطفية ليست كافية. القوة هي ما تحدد النتائج."
"أعرف…" قال، صوته يحمل ثقل الصراحة، "لكن هذا الطفل، حتى لو كان ضعيفًا في البدن، كان يمتلك شيئًا لا يمكن لأي قوة أخرى أن تمنحه: قلبًا قادرًا على المواجهة، إرادة تصمد أمام المستحيل…"
مونو أطلقت نفسًا قصيرًا، تحاول ضبط نفسها، ثم قالت: "القوة وحدها لا تكفي، وأي تحرك خاطئ سيقلب كل شيء. لا يوجد مجال للخطأ، ولا مجال للعاطفة في المعركة."
ابتسم هو بحزن، رفع رأسه لينظر إليها: "ربما أنتِ محقة… وربما أنا أستمر فقط لأني أذكر نفسي بذلك الطفل… ربما لأني أحتاج سببًا يجعلني أتحرك، حتى لو لم يكن واضحًا لأي شخص آخر."
وقفت مونو صامتة، عيناها تراقب كل تفاصيل وجهه، كل تعبير، كل نظرة، وكل محاولة منه لتفسير أفعاله، ثم قالت: "سوف أراقبك. لن أسمح لأي شيء بأن يفسد ما بدأناه هنا… أو أن يضر أكيهيكو."
"أعلم…" قال، صوته منخفض لكنه صادق، "وذلك كل ما أستطيع قوله لكِ الآن. لا أستطيع أن أضمن أي شيء آخر، لكن نيتِي ليست للضرر."
سكتا للحظة، الصمت كان ثقيلًا لكنه يحمل نوعًا من التفاهم غير المعلن، كلاهما يغوص في أفكاره الخاصة: مونو تفكر في تحكمها الدقيق على تدريب أكيهيكو وكيف يمكنها موازنته، وبابادوك يفكر في الطفل الذي يذكره ببليك، وفي سبب استمراره في حماية هذا العالم المليء بالمخاطر.
وأخيرًا، أضافت مونو بصوت هادئ ولكن حازم: "حتى لو وُلدت من جديد، لن أثق بسهولة… ولن أعطي أي فرصة للخطأ."
ابتسم هو للمرة الأخيرة، نظراته مليئة بالحزن والفهم المشترك: "وأنا كذلك… وربما هذا سبب أننا هنا الآن، نتعاون رغم كل شيء."
وقفا هناك، في ساحة التدريب، بين الدمار وبقايا التدريب، صامتين، كل واحد يغوص في أعماقه، لكن في الجو شيء من الاحترام المتبادل، ولو كان مبنيًا على شكوك وثقة مشروطة