استيقظت ذلك الصباح على ضوءٍ ناعمٍ يتسرّب من بين أوراق الأشجار. لم أكن أعلم إن كان العالم يتآمر ليمنحني أجمل لحظة هدوء… أم أنه يخطط لركلي من جديد وسط الجحيم. تمددت على العشب، ورائحة الندى تملأ صدري، لكنني سرعان ما شعرت بظلٍ واقف فوقي.

رفعت عيني بتثاقل… وإذا بمونو تنحني قليلًا نحوي، شعرها يتلألأ تحت الضوء، ووجهها الخالي من الانفعالات يحدّق بي مباشرة.

قلت متأففًا:

ـ صباح الخير… عادة الناس يقولون "صباح الخير" قبل أن يحدّقوا في وجه النائم وكأنهم يحضرون جنازته.

أجابت بهدوئها المعتاد، لكن بعينين لمّاحتين:

ـ صباح الخير إذن… جنازتك ستتأخر قليلًا، اليوم سيكون ممتعًا.

جلستُ بسرعة، وقلبي يخفق، ثم عبست متصنّعًا الغضب:

ـ ممتع؟! كل مرة تقولين هذه الكلمة، أنتهي وأنا مغطى بالدم أو التراب أو السم!

رفعت يدها الصغيرة، وأشارت ببرود نحو السماء:

ـ اليوم مختلف… ستبدأ أول درس لك في السحر العنصري.

توقفت أنفاسي لحظة، ثم ضحكت ساخرًا:

ـ رائع… يعني بدلًا من أن أموت بلكمة أو بجرح سيف، سأموت محترقًا أو متجمّدًا هذه المرة؟

ابتسمت مونو ابتسامة بالكاد تُرى، ابتسامة جعلتني لا أعرف هل علي أن أشعر بالفخر… أم بالخوف.

قالت:

ـ الموت احتمال وارد دائمًا… لكنك إذا فشلت، فسوف تتحول إلى فتى دخّان، وهذا سيكون مشهدًا أكثر جمالية.

صرخت وأنا أرفع يدي:

ـ على الأقل اجعليه مشهدًا دراميًا مع موسيقى حزينة!

ضحكت مونو، ضحكة قصيرة مفاجئة جعلتني أتجمد للحظة. كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوتها وهو يتخلّى عن صلابته.

قالت بخفة لم أكن أتوقعها:

ـ حسنًا، سأفكر في الأمر… لكن أولًا، أريك كيف تصنع الشرارة.

وقفت مونو أمامي، عيناها الباردتان تراقبانني بصمت، وكأنها تقرأ أفكاري.

ابتسمت ابتسامة قصيرة، بالكاد كشعاع، وقالت:

ـ اليوم، بليك… ستكون بداية. بداية حقيقة، بداية تعلم، بداية السيطرة على الماء.

قلت وأنا أتمتم بسخرية:

ـ بداية؟ كل مرة تقولين "بداية"، أشعر أنني على وشك الغرق.

ضحكت ضحكة قصيرة، وابتسمت مرة أخرى، وقالت:

ـ لا… هذه المرة، لن تغرق. ستتعلم أن تتحكم بالماء، البداية الحقيقة… البداية التي ستغير كل شيء.

جلست أمامها، والفضول يقتلني أكثر من أي خوف. شعرت أن كل كلمة تقولها هي مفتاح لعالم جديد.

ـ الماء… البداية الأولى؟ – سألت مترددًا.

ـ نعم، البداية الأولى، البداية الحقيقية… تعلم تعويذة الماء، بليك. ركز على يدك، ركز على روحك، ودع المانا تتدفق… البداية… البداية… البداية.

أشارت إلى يديّ، ثم قالت ببطء، كل كلمة تتردد في الهواء وكأنها سحر بحد ذاته:

"أكوا، لورينا، فينتو… تيدا مارا، أوريلا كا"

ـ كرر الكلمات… ببطء، وركز على كل حرف، كل حركة. – قالت مونو، وعيناها لا تفارقني.

رفعت يديّ، وقلبي يدق بسرعة، وبدأت أردد:

*"أكوا… لورينا… فينتو… تيدا مارا… أوريلا كا…"

شعرت بتردد، وكأن الكلمات نفسها كانت تحاول أن تخرج من داخلي، تتحد مع المانا التي تسري في جسدي.

ـ ركز… اشعر بالماء يأتي إليك، لا تجلبه بالقوة، فقط استقبله… البداية… البداية… البداية، – همست مونو.

أغمضت عينيّ، استنشقت الهواء بعمق، شعرت بالمانا تتجمع في راحتي، وكأنها نهر صغير يتدفق بخفة. كررت التعاويذ ببطء أكثر، كل حرف ينبض بالقوة:

"أكوا… لورينا… فينتو… تيدا مارا… أوريلا كا… أكوا… لورينا…"

ثم… شعرت برذاذ صغير يتجمع بين راحتي. فتحّت عينيّ بذهول، أنظر إلى القطرات الصغيرة التي تشكلت بين أصابعي.

ـ لقد فعلتها… – همست لنفسي، وابتسمت ابتسامة عريضة، شعرت بالفخر، رغم بساطتها.

مونو نظرت إليّ بهدوء، وقالت:

ـ بداية رائعة، بليك… البداية، البداية، البداية… هذا فقط أول درس لك. لا تقلق، الماء اليوم، النار غدًا، وكل شيء بعد ذلك… ستكون البداية الحقيقية لقوتك.

جلست هناك، أنظر إلى القطرات في راحتي، وأشعر بالسعادة، فهذه بداية حقيقية لشئ أعظم قادم. شعرت أنني أستطيع أن أبدأ كل شيء من جديد… بداية السيطرة، بداية التعلم، بداية السحر.

مرّ اليوم الأول، واليوم الثاني… واليوم الثالث… وكل يوم كان يمر وكأنه صفحة جديدة في دفتر لا نهاية له من المحاولات والخطأ. جلستُ تحت شجرة ضخمة، يدي مرفوعتان للأعلى، أردد التعويذة:

"أكوا… لورينا… فينتو… تيدا مارا… أوريلا كا…"

في البداية، لم يحدث شيء سوى شعور خفيف بالحرارة بين أصابعي، كأن المانا تتراقص بلا فائدة. حاولت أن أفرغ رأسي من كل فكرة، لكن الأفكار كانت تتسلل، تتحدث عن الفشل، عن صعوبة السيطرة، عن إحباط الأمس واليوم.

مونو كانت تجلس على بعد عدة أمتار، هادئة، تراقبني بعينها الصارمة. لم تكن تقول شيئًا، لكنها لم تكن بحاجة للكلام. وجودها وحده كان يعكس لي المرآة، أرى فيه صبري، قلقي، وإصراري على النجاح.

في اليوم الرابع، بدأت نقاط التقدم الصغيرة بالظهور. قطرات صغيرة، لا تكاد ترى بالعين المجردة، تتجمع في راحتي. لم تكن كثيرة، لم تكن كبيرة، لكنها كانت بداية… بداية حقيقية. شعرت بنبض داخلي يقول لي: "أنت تستطيع".

كل مساء، بعد التدريب، كنت أستلقِي على العشب، أراقب القطرات البسيطة تتبخر في الهواء، وأبتسم رغم التعب. كنت أعلم أن هذا التدريب ليس عن القوة، بل عن الإتقان… عن السيطرة على النفس والمانا، عن تحويل المجهود البطيء إلى عادة ثابتة.

مع مرور الأيام، أصبحت حركة يديّ أكثر سلاسة، أصبحت الكلمات تتدفق مع المانا بشكل طبيعي، دون تردد أو انقطاع. بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا: كلما ركزت أكثر، كلما استطعت أن أشعر بالماء حولي، كأنه موجود دائمًا، ينتظر أن أعطيه شكلاً.

في اليوم العاشر، قررت تجربة كتلة أكبر قليلاً. رفعت يديّ، أغمضت عينيّ، وبدأت أردد التعويذة بصوت ثابت:

"أكوا… لورينا… فينتو… تيدا مارا… أوريلا كا…"

هذه المرة، لم تكن مجرد قطرات صغيرة، بل بدأت قطعة صغيرة من الماء تتشكل في الهواء بين يديّ، مستديرة، شفافة، ثقيلة قليلًا عند الإمساك بها. ابتسمت، شعرت بالفخر، رغم أن الماء لا يزال ضعيفًا بالنسبة لما كنت أحلم به.

كل يوم، كنت أجلس لساعات، أكرر التمرين: القطرة الصغيرة تصبح كرة، الكرة تصبح أكبر قليلًا، وهكذا. لم يكن هناك قوة خارقة، لم يكن هناك انفجار من السحر، فقط التكرار، الصبر، الانتباه، والتركيز.

في اليوم الخامس عشر، أستطيع الآن أن أصنع كرات ماء صغيرة بحجم قبضة اليد. لم تكن قوية، لم تكن مميتة، لكنها صنعت، تحركت، وتابعت إرادتي. شعرت بسعادة لا توصف، شعرت بأنني أتممت مرحلة مهمة… البداية التي وعدتني مونو بها منذ أيام: السيطرة، الإتقان، والانضباط.

مونو جاءت إليّ بعد التدريب، نظرت إليّ بعينيها الثاقبتين، وقالت:

ـ جيد جدًا، بليك… هذا هو الإتقان الحقيقي. ليس أن تصنع الماء بقوة، بل أن تتحكم فيه بالكامل. البداية… البداية… البداية، كما قلت لك.

ابتسمت لها، وشعرت لأول مرة أنني أستطيع أن أبدأ رحلة السحر بجدية. الماء اليوم، النار غدًا، الهواء بعد غد… وكل عنصر سيأتي في وقته، لكنني شعرت أن قلبي وروحي أصبحا جزءًا من هذه العناصر.

جلست بعد ذلك تحت الشجرة، أنظر إلى الكرة الصغيرة في يدي، أداعبها برفق، وأضحك لنفسي:

ـ إنها فقط ماء… لكنها بداية. البداية الحقيقية… بداية السيطرة، بداية التعلم، بداية كل شيء.

وبينما كنت أراقب الماء يتلألأ في ضوء الشمس، أدركت أن سحر الماء لم يكن الهدف النهائي، بل مجرد مدخل لعالم أكبر بكثير. ومع كل قطرة، كل كرة صغيرة، كل تجربة، كنت أزداد ثقة وإصرارًا.

هكذا، انتهى اليوم الخامس عشر، ولم أتمكن بعد من إطلاق الماء كسلاح، ولم أصنع أكثر من كرة صغيرة… لكن شعور الإنجاز كان أعظم من أي قوة.

الماء فقط… لكنه أول إنجاز كبير لبداية جديدة.

مرّت أيام طويلة، طويلة جدًا، حتى كأنها أسابيع كاملة من الجهد المكثف. كل صباح كنت أستيقظ قبل شروق الشمس، أتحرك بخطوات ثقيلة إلى ساحة التدريب الصغيرة بين الأشجار، حيث النسيم البارد يلف المكان ويوقظ حواسي.

لم يعد الماء مجرد كرة صغيرة تتأرجح بين يدي، لم يعد مجرد قطرات ضعيفة لا تتجاوز كفي. بعد كل هذه الأيام من التكرار والصبر، بدأت أشعر بالقوة بداخلي. شعور جديد… شعور بالسيطرة، بالاتصال المباشر مع المانا والماء.

رفعت يدي للأعلى، أغمضت عيني، وركزت كل إحساسي في راحتي. الكلمات تتدفق تلقائيًا:

"أكوا… لورينا… فينتو… تيدا مارا… أوريلا كا…"

الماء تجاوب، هذه المرة بشكل مختلف. شعرت بتيار بارد يجري عبر يدي، يندفع برفق لكنه بوضوح يحمل قوة. فتحت عيني، ووجدت كرة الماء تتشكل أمامي، أكبر من أي كرة صنعتها من قبل، شفافة، تتلألأ كبلورة صغيرة، وكأنها تعكس كل ساعات التدريب التي قضيتها.

ابتسمت بلا وعي، ثم شعرت برغبة جديدة، غريبة، في اختبار حدودي. رفعت الكرة، وأطلقتها نحو الشجرة الصغيرة القريبة، محاولة أن أرى مدى قدرة التحكم لدي.

صوت الاصطدام:

الكرة ارتطمت بجذع الشجرة، ارتدت، وأحدثت رشًّا من الماء على الأرض. لم يكن الانفجار قوياً، لكنه كافٍ ليجعلني أشعر بالنجاح.

أعيد الكرة مرة أخرى، أضاعف الضغط في يدي، أركز على تيار الماء كأنه ينبض بروحي، أطلق الكرة مجددًا… هذه المرة بقوة أكبر.

صوت الاصطدام أسمع أكثر، فروع الأشجار ارتجت، أوراقها تراقصت في الهواء، ورائحة الأرض الرطبة ملأت أنفي.

قفزت خطوة إلى الوراء، شعرت بالارتياح والفرح، كأن كل قطرات الماء المنطلقة هي جزء مني، جزء من إرادتي.

مونو وقفت على مسافة، تراقب بصمت، لم تتدخل، لكنها كانت هناك دائمًا. عيناها تقولان: "أنت تفهم الآن، لكن احذر من الإفراط".

لم أستطع التحكم في ابتسامتي:

ـ نعم… نعم… هذا هو! هذا ما كنت أبحث عنه!

قمت بإرسال الكرة مرة تلو الأخرى، كل مرة أكبر قليلاً، كل مرة أكثر دقة، أتحكم في اتجاهها، في سرعتها، حتى بدأت أستمتع. شعرت أنني أخلق ماء حيًّا، يمكنه الانقضاض، الانحراف، والدوران حسب إرادتي.

مع مرور اليوم، بدأت أجرب شيء جديد: دمج عدة كرات معًا لتشكل تيارًا صغيرًا يتدفق عبر الهواء. لم يكن سحرًا هجوميًا قويًا بعد، لكنه كان التحكم الكامل، الإتقان البطيء، القدرة على خلق تأثير ملموس على البيئة.

شعرت بالنجاح ينبض في صدري، ثم رفعت صوتي، ناديت المانا في داخلي كما لو كانت صديقًا قديمًا:

ـ تعال إليّ… دعنا نرى ما نستطيع فعله اليوم!

التيار بدأ يتجمع في راحتي، كأنه نهر صغير، تدفقه ثابت، لا يخرج عن إرادتي. أطلقته نحو الشجرة الأكبر، فاهتزت بالكامل، أوراقها ترقص، الأرض تحتها ارتجت قليلاً، والنسيم اختلط بالماء، وظهرت رائحة جديدة… رائحة النجاح، رائحة السيطرة.

ابتسمت، وجلست على الأرض لأستعيد نفسي من التعب، أراقب أثر الماء حول الأشجار، ألاحظ كيف أن تدريجيًا، أنا وصديقي الماء نصبح واحدًا.

مونو اقتربت بعد قليل، قالت:

ـ جيد… ليس سحر الماء الأقوى، لكنك بدأت تفهمه. الآن تعرف أن السيطرة أهم من القوة. كل شيء آخر سيأتي لاحقًا.

ابتسمت لها، شعرت بالامتنان، ورفعت الكرة مرة أخرى، هذه المرة بلا إطلاق، فقط لأحتفظ بها بين يدي، لأتذكر كل ما تعلمته، وكل ما صنعته بنفسي.

ـ بداية حقيقية… بداية جديدة… بداية التحكم… هذه فقط البداية.

وهكذا انتهى اليوم، لكنني كنت أعلم أن هذه الكرة الصغيرة، هذه التجربة المتواضعة، هي الخطوة الأولى في رحلة طويلة جدًا نحو القوة والسيطرة، نحو السحر الحقيقي، نحو بليك الذي سيصبح سيد العناصر.

مرّت الأيام، لكن شعور الغرابة لم يفارقني. كنت أجلس في ساحة التدريب، أنظر إلى النهر الصغير الذي يمر بين الأشجار، أحاول أن أشعر بالماء كما لو كان امتدادًا لروحي، لا مجرد سائل بارد يتدفق.

اليوم، قررت أن أفعل شيئًا مختلفًا… شيئًا لم أفعله من قبل. لا تنين، لا كرات صغيرة، لا تحكم جزئي. مجرد الماء… فقط تخيل، شعور، تدفق، وكل شيء يخرج من داخلي.

أغلقت عيني، أخذت نفسًا عميقًا، وبدأت أتحدث بصوت منخفض، كلمات التعاويذ تتسرب من شفتي:

"أكوا… لورينا… فلوينا تيدا… مارا كريس… ايسيلا فانتو…"

في البداية، لم يحدث شيء. حاولت مجددًا، وزادت قوة الكلمات في داخلي، شعرت وكأنها تهز جسدي من الداخل. ثم، فجأة، شعرت بالتيار… شعور رهيب، هادئ لكنه قوي، كأن كل قطرات النهر في داخلي تتجمع لتشكل قلبًا ينبض.

فتحت عيني ببطء، ووجدت الماء يرتفع من حولي، يتحرك بتدفق رائع، ألوانه تتلألأ بين الأزرق الفاتح والفيروزي، ينعكس الضوء على قطراته كأحجار كريمة متلألئة.

شعور الفخر والرهبة معا:

ـ هذا… هذا أنا! أنا أخلق الماء… أنا أوجهه… أستطيع أن أشعر به يتنفس معي…

حاولت التحكم في التيار، خفت أن يكون قويًا جدًا. ركّزت، أغمضت عيني، وبدأت أحرك الماء في شكل كرة صغيرة أمامي.

لكن شيئًا ما… شيئًا لم أتوقعه، اندفع الماء بقوة أكبر من إرادتي. تحرك بسرعة خاطفة، اتسعت الكرة، وارتفعت لتصبح نصف حجم الشجرة القريبة، تتلألأ بألوان زرقاء خيالية، كأنها قطرة محيطية عملاقة معلقة في الهواء.

حاولت التراجع، حاولت التحكم، حاولت أن أخفض سرعتها، لكن كل محاولاتي لم تنجح.

حوار داخلي مليء بالتوتر والرعب:

ـ لا… لا… أهدأ… أهدأ…!

ـ هل… هل أنا خارج السيطرة؟

ـ كل هذا الماء… إنه ضخم جدًا… إنه… جميل… لكنه… خطير!

قبل أن أتمكن من التراجع، اندفعت الكرة بشكل صاعق نحو الشجرة. صوته كان انفجارًا هادئًا لكنه قوي، خشب يتصدع، أوراق تتطاير، قطرات الماء تتناثر في الهواء كأنها نجوم في ليلة صافية.

قفزت خطوة إلى الوراء، شعرت بالقلب ينبض بسرعة، عيني تلمعان بالإثارة والخوف والدهشة معًا. لم أصدق ما حدث، لكنها كانت أول لحظة أخلق فيها قوة بهذا الحجم، لحظة أرى فيها أثرًا حقيقيًا لما استطعت فعله بعد أسابيع من التدريب الصبور.

جلست على الأرض، أراقب بقايا الشجرة، وأتنفس ببطء. الماء بدأ ينساب تدريجيًا إلى الأرض، يتبخر، يترك أثره على التراب الرطب، رائحة الطين الممزوج بالماء ملأت الأنف، منظر فخم جدًا، كلوحة فنية حية.

ابتسمت، شعور الفخر اجتاحني:

ـ نعم… هذا… هذا ما كنت أبحث عنه… شعور الحرية، التحكم، القوة… كل شيء بداخلي ينبض، يتدفق، يتحرك…

مونو ظهرت على مسافة، واقفة كظل صامت بين الأشجار، عينها الثاقبة تراقب كل شيء، وكأنها تقول:

ـ جيد… لكن هذه البداية، السيطرة تأتي بالوقت، والماء يتعلم من إرادتك قبل أي شيء آخر.

ابتسمت لها بابتسامة طفولية، شعرت بالامتنان لمراقبتها، ثم رفعت يدي مرة أخرى، شعور الماء يتدفق من جديد، لكنه هذه المرة أهدأ، أكثر وعيًا، أقل اندفاعًا، لكنه لا يزال يتلألأ بألوان ساحرة.

ـ البداية الحقيقية… بدأت… البداية الحقيقية… بدأت…

جلست هناك لساعات، أراقب الماء يتناغم مع النسيم، أشجار الغابة تتراقص تحت تأثيره، والضوء ينعكس في قطراته كجواهر عائمة في الهواء. شعرت أنني لم أعد مجرد مبتدئ، بل شخص بدأ يفهم لغة العناصر، لغة الماء، لغة السحر الحقيقي.

ورغم كل شيء، رغم الانفجار، رغم تحطم الشجرة، ابتسامتي لم تختفِ. كانت لحظة فخر لا توصف، لحظة شعرت فيها أن كل التدريب، كل الجهد، كل الساعات الطويلة لم تذهب سدى.

ـ اليوم… اليوم بدأت أتحكم بالماء… وأدركت أن المستقبل أمامي… مليء بالقوة، بالخيال، بالجمال… وكل شيء يبدأ من هنا.

جلست على الأرض، أنظر إلى البقايا المتناثرة للشجرة، أتنفس ببطء، أشعر بالانتصار ينبض في صدري. الماء الذي استدعته بدأ ينساب برقة على التراب، كأنه يهمس لي: لقد فعلتها… لقد فهمتني قليلًا…

وفجأة، شعرت بظل يمر من فوقي. رفعت عيني، وإذا بمونو واقفة بين الأشجار، عينها الثاقبة تلمع بفخر مخفي خلف برودتها المعتادة.

ابتسمت ابتسامة صغيرة، شعرت برهبة وفضول:

ـ “مونو… لقد فعلتها… لقد… استطعت أن أتحكم بالماء دون الترانيم!”

تقدمت نحوّي بخطوات هادئة، صوتها منخفض لكنه مليء بالقوة:

ـ “أرى ذلك… جيد جدًا، بليك. لم أتوقع أن تكون قادرًا على هذا بهذه السرعة.”

شعرت بالحرارة تنتشر في صدري، فخري بنفسي يزداد:

ـ “حقًا… تعني هذا؟ لقد كنت أخشى أن أكون… مجرد مبتدئ، لا أستطيع السيطرة على شيء!”

ضحكت بخفة، وكأنها نادرة من مونو، ثم نظرت إلى يدي التي كانت ترتجف قليلًا:

ـ “ليس مجرد السيطرة… لقد نجحت لأنك شعرت بالماء… لم تجبره، لم تستعمل القوة فقط… استمعت إليه… وهذا ما يجعل التحكم حقيقيًا.”

أخذت تتقدم باتجاهي، ووضعت يدها على كتفي:

ـ “أرى أيضًا بوابة المانا الخاصة بك… كانت باردة، متجمعة… لكنها الآن أكثر حرارة، أكثر حيوية. هذه علامة جيدة جدًا، بليك. المانا أصبحت أكثر انسيابية مع جسدك، وهذه بداية قوية جدًا.”

ابتسمت ابتسامة صغيرة، أستطيع سماع دقات قلبي بسرعة:

ـ “أشعر… أشعر بأن كل شيء مختلف… كأن الماء نفسه يتحدث معي… أشعر بالقوة…”

أومأت برأسها، عيناها تلمعان بالرضا:

ـ “نعم، لكن لا تنسى أن هذا مجرد البداية. الآن، بعد أن فهمت الماء، سننتقل إلى شيء آخر… شيء أكثر صلابة، أكثر توازناً… سحر الأرض.”

ارتجفت قليلاً، شعور بالرهبة والفضول امتزج داخلي:

ـ “الأرض… هل هو صعب؟ هل سأستطيع التحكم فيها كما فعلت بالماء؟”

ابتسمت بابتسامة هادئة، لكنها حازمة:

ـ “سحر الأرض يعتمد على الثبات، على الصبر… على شعورك بكل ما هو حولك. إذا استطعت أن تجعل الماء ينساب مع إرادتك… فالأرض ستستجيب لك أيضًا، لكنها ستختبر صبرك.”

جلست على التراب، أراقب يدي وهي ترتجف قليلاً، أشعر بنبض المانا يتغير داخل جسدي، الحرارة التي تحدثت عنها مونو تتدفق في كل أطرافي.

ـ “هل… أبدأ الآن؟”

ـ “نعم… البداية تبدأ الآن، كما بدأت مع الماء… التركيز، الاحساس، وادعاء التواصل مع الأرض. خذ نفسًا عميقًا… أغمض عينيك… وشعر بالأرض تحت قدميك.”

أغلقت عيني، شعرت بالبرودة الطفيفة للتراب، بالرطوبة تحت أصابعي، بأوراق الأشجار الصغيرة المبعثرة، وبكل شيء حي حولي.

ـ “تخيل جسدك كصخرة… كجذر شجرة… كجسم يندمج مع الأرض… تشعر بالدفء، بالقوة، بالثبات…”

همست الكلمات السحرية في داخلي، كما فعلت مع الماء، لكن هذه المرة بصوت داخلي:

"ترامورا… جيلينا… ساكورا فاندو… إلورا كريس… فلوينا تيراس…"

في البداية، لم يحدث شيء سوى إحساس بالثقل، كأن الأرض نفسها تتحدى كل حركة مني. شعرت بالإحباط، بتلك الرهبة الداخلية نفسها التي شعرت بها أول مرة مع الماء:

ـ “لا… لا… لماذا لا يحدث شيء؟ أنا أستطيع فعلها مع الماء… لماذا الأرض أصعب؟”

تنهدت مونو بصوت منخفض، لكنها كانت مليئة بالتشجيع:

ـ “بليك… الأرض لا تستعجل. هي تعرف كل شيء عنك، كل ضعفك… عليك أن تثق بها، لا أن تجبرها. كما فعلت مع الماء، استمع إليها.”

أخذت نفسًا عميقًا، شعرت بالتراب تحت قدمي يتفاعل مع قدمي كما لو كان يختبرني. بدأت أركز، أحسست بجذر داخلي يمتد من قدمي إلى الأرض، شعرت بالتماسك، بالثقل، بالاستقرار…

ومع كل ثانية، بدأ التراب يهتز، خفيفًا فقط، ثم ارتفعت حبة صغيرة من التراب أمامي، متلألئة في أشعة الشمس، كأنها جذر حي ينبض بالطاقة.

ابتسمت مونو، عينها تلمع بالفخر:

ـ “رائع… لقد بدأت بالفعل. ترى؟ الأرض تتحدث إليك… فقط استمر، بليك. التكرار سيجعلها أكبر، أقوى، أكثر تحكمًا.”

شعرت بالانتصار، بالرغم من بساطة الإنجاز، لكن في داخلي، كنت أعرف أن هذا هو بداية شيء أكبر بكثير… شيء فخم، مليء بالقوة والروعة.

ـ “سأستمر… سأجعل الأرض تستجيب لي كما فعلت بالماء… وسأجعلها قوية جدًا… حتى أن الأشجار سترقص تحت إرادتي!”

ضحكت مونو بخفة، وابتعدت قليلاً، تقول:

ـ “جيد، بليك… هذه البداية الحقيقية. وسأكون هنا لمراقبتك، لتصحيح أي خطأ، لتوجيهك نحو السيطرة الكاملة… تذكر، كل شيء يبدأ بالتركيز، والشعور، وليس بالقوة وحدها.”

جلست هناك لساعات، أراقب التراب والنجوم الصغيرة التي تلألأت من الطاقة، أحسست بأنني بدأت أرى السحر ككيان حي، يتنفس، يتحرك، يتفاعل معي… شعرت بأنني لم أعد مجرد مبتدئ، بل شخص على أعتاب اكتشاف قوة أكبر، قوة متوازنة بين العناصر، الإرادة، والتحكم الداخلي.

ومع غروب الشمس، بينما انعكست أشعتها على الأرض المحيطة بي، قلت في نفسي:

ـ “هذا فقط البداية… البداية الحقيقية… بداية السيطرة… بداية القوة… بداية الطريق نحو الماسترية.”

2025/09/09 · 7 مشاهدة · 2851 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025