لم أكن أعلم أن الرياح يمكن أن تكون ثقيلة إلى هذا الحد.

كل من حدثوني عن السحر، وصفوا الأمر كما لو أنه مجرد إرادة داخلية؛ ترفع يدك، تركز، وتسمح للمانا بالانسياب مثل تيار ماء ينساب إلى الخارج. قالوا: "الريح أبسط العناصر… هي أنفاس العالم ذاته." لكنني، وأنا أجلس في هذا المكان البارد، محاطًا بالظلال التي لم تتركني منذ دخلت عالم الكتاب، لم أجد سوى جدار صامت يقف بيني وبين الهواء.

أغمضت عيني.

استنشقت.

تخيلت نفسي أتنفس كل ما حولي، أن السماء بأكملها تدخل صدري، أن الغيوم نفسها تتحول إلى نبضٍ في داخلي. حاولت أن أطلق ذلك النفَس… أن أجعله يتمدد ويأخذ شكل نسمة. لكن ما خرج مني لم يكن سوى زفير عادي، ثقيل، يختلط بأنينٍ كامن في داخلي.

لماذا لا يحدث شيء؟

لماذا أشعر أن الهواء أثقل من الحديد؟

كررت المحاولة. مرة بعد أخرى. ثم مئة مرة. ثم ألف. كل مرة تنتهي بنفس النتيجة: فراغ، جمود، لا شيء. أصابعي ترتجف، ليس من البرد، بل من إحباطٍ ينهش أعماقي.

سمعت صوتًا داخليًا يضحك، أو ربما كان وهمًا من عقلي الممزق:

"حتى الرياح ترفضك يا بليك."

كنت أظن أن السحر يعني القوة. أن أتحكم بالريح يعني أن أتنفس الحرية، أن أكون أخف من هذا الحمل الثقيل الذي يطاردني منذ ماتت هوتارو، منذ خانتني الحقيقة، منذ سقطت كل تلك الأرواح في الظلام. لكن الواقع؟ الواقع يصفعني بقسوة: لا أملك حتى القدرة على تحريك ذرة غبار في هذا الهواء القذر.

أحاول أن أتذكر تعليمات الأستاذ… "ركّز على التدفق. لا تُجبره، دعه يتناغم معك."

لكن أي تناغم يمكن أن أجده؟ داخلي ليس إلا فوضى.

أنا كتاب ممزق. أنا اسم مشوه. أنا لعنة تمشي على قدمين.

أرفع يدي مجددًا. أصرخ هذه المرة، حتى تتشقق حنجرتي.

لكن لا شيء.

لا نسمة.

لا دوامة.

لا حتى ارتعاشة بسيطة في الأوراق اليابسة أمامي.

أجلس منهارًا.

كأن الأرض تسحبني لأسفل.

أفكر: ربما الرياح ليست لي. ربما لم أُخلق لها. ربما أنا شيء آخر… شيء لا يعترف به الهواء.

تمر الساعات. والليل يبتلع السماء.

وأنا… ما زلت أحاول. وما زلت أفشل.

في تلك اللحظة أدركت شيئًا مرعبًا:

أن بعض القوى ليست لنا مهما حاولنا، وأن بعض الأبواب إن فتحت لا تعترف بوجودك أصلًا.

وكنت أنا… عالقًا أمام باب الرياح، أطرق، أصرخ، أستجدي.

لكن الباب لا يُفتح.

> "أنا بليك… الذي لم تستجب له الرياح قط."

جلست على الأرض، وأعصابي منهكة من محاولة جعل الهواء يستجيب لي. كل نفس أخذته كان وكأنه يثقل صدري أكثر من المرة السابقة. كنت أستمع فقط لصوت قلبي المتسارع، ولصدى صدى خطواتي في صمت الغابة. فجأة، سمعت صوتًا هادئًا لكنه حادّ، صوت يعرف كيف يقطع سحابة التشوش في عقلي:

"بليك…"

رفعت رأسي لأرى مونو واقفة على حافة الوادي، شعاع ضوء خافت يلمع على شعاع شعرها، عينيها الثاقبتين تحدقان بي كما لو كانت ترى داخلي بالكامل. اقتربت بهدوء، وكأن خطواتها نفسها لا تُحدث أي حركة في الهواء حولنا.

جلست بجانبي دون كلمة، ثم قالت بصوت هادئ:

"أنت تشعر باليأس، أليس كذلك؟"

هززت رأسي، لا أستطيع نطق أي شيء. لم أستطع حتى إلقاء اللوم على نفسي بعد الآن.

ابتسمت مونو ابتسامة حزينة، ثم بدأت الكلام ببطء، وكأن كل كلمة تحتاج لاهتمام كبير:

"بليك… سحر الرياح… ليس لك."

أومأت بدون فهم كامل.

"ماذا تعنين؟!" صرخت بصوت يختنق بالغضب والإحباط.

أغمضت عينيها للحظة، ثم نظرت إليّ مرة أخرى:

"ليس كل ساحر يمكنه التوافق مع كل عنصر. ليس كل روح قادرة على احتضان كل قوة. بعض الأشخاص يولدون مع توافق طبيعي مع عنصر معين… وأنت…"

ترددت للحظة، ثم أكملت:

"أنت لست متوافقًا مع الرياح، وهذا طبيعي جدًا. قليلون جدًا هم الذين يمكنهم التوافق مع جميع العناصر."

جلست ساكنًا، كأن الأرض قد ابتلعتني. شعور بالخواء، بالخسارة، بالخذلان الذاتي.

"إذاً… كل هذه المحاولات كانت عبثية؟" سألتني مونو بنظرة حزينة لكنها حازمة:

"ليست عبثية. لقد تعلمت الانضباط، السيطرة على نفسك، على طاقتك، على كل ما في داخلك. الرياح ليست لك، لكن هذا لا يعني أن قوتك أقل… كل عنصر له من يقدر عليه. وكل قوة لها من يستطيع أن يتحكم بها."

أخذت نفسًا عميقًا، لكن لا شيء تغير. شعرت بالهواء حولي كما لو أنه يتنهد بشفقة، يتجنب لمستي، يرفض الانصياع.

مونو مدت يدها ووضعت يديها على كتفيّ، دفعتني للنهوض:

"بليك، الفشل أحيانًا هو الرسالة التي يرسلها لك العالم لتكتشف قوتك الحقيقية. ليس كل عنصر يمكنه أن يكون لك، لكن هذا لا يعني أن رحلتك انتهت. هناك عناصر أخرى… عناصر ستنفتح أمامك، وستشعر معها بأنك جزء منها، وأنها جزء منك."

نظرت إليها، ولم أستطع إلا أن أبتسم بشيء من الامتنان، حتى لو كان قلبي لا يزال يئن من فشل لا يُحتمل.

"أنت لست ساحرًا ضعيفًا، بليك. أنت مجرد… لم تجد عنصرك بعد."

أدركت أن الكلمات لم تكن مجرد تهدئة، بل حقيقة عميقة. ربما لم أكن أقدر على الرياح… وربما لم يكن عليّ أن أحاول. ربما قوتي الحقيقية كانت تنتظرني في مكان آخر، في عنصر آخر، في شيء أعمق مما كنت أبحث عنه طوال هذا الوقت.

أغمضت عيني مرة أخرى، لكن هذه المرة شعرت بشيء خفيف. شيء يذكرني بأن كل عنصر لا يُعطى لنا عبثًا… وأن بعض الأشياء لا تُفرض بالقوة، بل بالوقت والصبر، وبالحكمة التي تُولد من الفشل.

جلست على حافة صخرة متصدعة، وأصابع يدي ترتجف بلا حول ولا قوة، وكل شيء بدا وكأنه يسخر مني. كان الجو مشبعًا بالرطوبة، ورائحة الأرض المبتلة تمتزج برقّة مع رائحة المعادن من الصخور المبللة.

"حان وقت البرق، بليك."

كانت مونو واقفة على بعد أمتار قليلة، عيناها تشعان بالهدوء والحكمة كما لو أن كل العالم كله تحت رقابتها. ارتجفت كلمتها في داخلي، لكنها لم تهدئ من خوفي:

د

"البرق…" همست لنفسي، محاولة إقناع عقلي بأن هذه القوة قد تكون مختلفة، أنني قد أستطيع، أنني ربما أستطيع السيطرة على شيء أقوى من نفسي.

شددت قبضتي على الساحة أمامي، محاولة استدعاء شرارة صغيرة، أي شرارة، حتى لو كانت بالكاد تلمس أصابعي. فجأة، خلت الساحة من أي تأثير، وكأن الأرض نفسها تتنهد ضدي.

"بليك… ركز على المانا داخلك… لا تحاول إجبارها."

أغمضت عيني، واستدعيت كل ما أملك من إرادة، شعرت بالمانا تتدفق في وريداتي، وكأنها تيار نهر هائج، صاخب، لكن بلا شكل، بلا هدف، بلا انصياع. حاولت، حاولت مرة، ومرة، ومرة أخرى…

البرق لم يتحرك.

كل محاولة كانت فاشلة، وكل شرارة صغيرة ذهبت هباءً في الهواء، وكأن جسدي مجرد ناقل ضعيف للطاقة. شعرت بالغضب يتراكم بداخلي، كل فشل يوجع، كل شرارة ضائعة تحرق كبريائي.

مونو اقتربت، وصوتها حادّ كالبرق نفسه:

"بليك، البرق ليس للجميع. لا يمكن لأي شخص أن يسيطر على كل قوة بنفس الطريقة. البعض يولد متوافقًا معها، وبعضنا… لا."

أغمضت عيني بقوة، شعور بالخذلان يغمر قلبي، شعور أن كل ما تعلمته، كل تمريناتي، كلها مجرد حطام أمام هذه الحقيقة.

"لكن…" صرخت، محاولة أن أجادل، "أنا أستطيع! أنا أستطيع التحكم بها! يجب أن أستطيع!"

ابتسمت مونو، لكنها لم تبدُ متفاجئة:

"لا، بليك… ليس عليك. القوة الحقيقية ليست في إجبار نفسك على السيطرة على كل شيء… بل في معرفة حدودك، والبحث عن ما يناسبك بالفعل. البرق ليس لك… كما الرياح لم تكن لك. وهذه ليست علامة ضعف، بل حقيقة طبيعية جدًا."

جلست ساكنًا، وبدأت أسترجع كل لحظة فشل… كل مرة حاولت فيها السيطرة على الرياح، كل مرة شعرت فيها بأنني مجرد طفل صغير أمام قوة الكون. وها أنا الآن أمام البرق، الذي يصفه الجميع بأنه عنصر هائل، متقلب، قوي بشكل لا يُصدق، وها أنا أفشل فيه تمامًا.

مونو جلست بجانبي، ووضعت يدها على كتفي:

"بليك… انظر إليّ. كل قوة لها من يستطيع التحكم بها. البرق ليس لك، لكن هناك عناصر أخرى ستفتح أمامك أبوابها. لا شيء يضيع. كل ما مررت به من فشل هو جزء من رحلتك، من تدريباتك، من نفسك."

تنهدت، أغمضت عيني، وحاولت تقبل الأمر. شعرت بغصة كبيرة، شعور بالخسارة، لكن مع وميض صغير من الإدراك: ربما هذه الطريقة ليست الطريق… ربما كل عنصر له من يقدر عليه، وربما أنا لم أجد عنصري الحقيقي بعد.

الهواء حولنا بدأ يهدأ، وأصوات الغابة عادت بشكل خافت، كأن الطبيعة نفسها تهدئني. شعرت بنبض قلبي يتزامن مع تدفق المانا داخلي، ليس بشكل مباشر، ليس بالبرق، بل بطريقة مختلفة… أشبه بالنبض، بالوعي، بالقدرة على فهم قوتي بدلاً من السيطرة عليها بالقوة.

مونو نظرت إليّ وابتسمت بحنان، وكأنها تعرف أنني فهمت الآن شيئًا لم أفهمه منذ البداية:

"الفشل ليس النهاية، بليك. إنه الطريق… والطريق مستمر."

جلست هناك، وحدي مع أفكاري، وأدركت أن الفشل المتكرر لم يكن علامة ضعف، بل كان أداة، وسيفًا صقلني، وجعلني أقرب خطوة نحو ما سأكونه حقًا. البرق لم يكن لي، لكنه علمني درسًا لا يقدر بثمن: القوة ليست دائمًا في السيطرة، بل في الفهم، في الصبر، وفي معرفة متى تتخلى ومتى تصمد.

جلست هناك، وأنفاسي لا تزال متقطعة، والهدوء حولي يبدو أكثر وضوحًا بعد كل هذا الفشل المتكرر. شعرت بالبرد يغوص في عروقي، لكن داخلي كان يحترق من الإحباط. حاولت مرة أخرى تخيل البرق في يدي، شعور الصدمة والخوف يختلط بشعور الفشل، وكأن كل خلية في جسدي ترفض هذه القوة.

مونو جلست أمامي، هدوءها يطغى على كل شيء آخر، وصوتها الرقيق لكن الحازم قطع الصمت:

"بليك… أظن أن البرق… ليس لك أيضًا."

توقفت عن التنفس للحظة، شعور بالفراغ اجتاح قلبي، ثم ظهر الغضب والارتباك معًا. حاولت أن أجادل نفسي، أن أجادلها، لكن كلماتي تعثرت، لم أجد أي رد.

ابتسمت مونو برقة، وكأنها شعرت بكل شيء بداخلي:

"لا تحزن… هذا طبيعي. ليس كل عنصر يناسب كل ساحر. في الحقيقة، القليل جدًا هم من يستطيعون التحكم في كل عنصر."

نظرت إليها، ولم أفهم في البداية، ثم أكملت:

"لكن بليك، هناك شيء يجب أن تعرفه… أنت لست ضعيفًا. هناك ثلاثة عناصر يمكن أن تتوافق معك بشكل طبيعي: الماء، الأرض، والنار."

شعرت بشيء يتحرك في داخلي… شيء يشبه الشرارة الصغيرة من الأمل، لمست قلبي بشكل غريب، وكأن الكلمات نفسها كانت بمثابة كهرباء مختلفة، ليست البرق، لكنها دفعتني إلى الحياة مجددًا.

"ثلاثة عناصر…؟" همست، وكأن صوتي لا يجرؤ على النطق بها بصوت أعلى.

مونو ابتسمت، وحركت يدها في الهواء، وكأنها ترسم صورة مرئية للقوى التي يمكن أن تكون لي:

"صعب جدًا، بليك… نادر أن تجد ساحر يستطيع استخدام ثلاثة عناصر معًا. بعض السحرة ينجحون بعنصر واحد فقط، وبعضهم بعنصرين… وأنت تستطيع ثلاثة. هذا شيء نادر جدًا… شيء يجعل قوتك فريدة."

شعرت بداخل صدري دفء غريب، شعور بالإنجاز، شعور بأن كل الفشل السابق لم يكن عبثًا. الشرارة الصغيرة التي شعرت بها عندما حاولت استخدام البرق قد تحولت إلى شعور بالثقة.

ثم همست مونو، وكأنها تعرف كل أفكاري:

"أما عنصر النار…" توقفت للحظة، كأنها تختار كلماتها بعناية… "لولا أنك مالك كتاب شمس المعارف، لم يكن ليتوافق معك أبدًا."

توقفت. شعرت بصدمة غريبة، قوة النار التي تدفقت في يدي سابقًا، التي شعرت بها تتماوج مع قلبي، لم تكن مجرد عنصر طبيعي بالنسبة لي… بل كانت مرتبطة بالكتاب نفسه.

مونو أكملت:

"الكتاب منحك فرصة لتوجيه قوة لم تكن لتجدها بطبيعتك. الماء والأرض من داخلك، النار بمساعدة الكتاب… هذا يوضح لك أن الطريق أمامك فريد، وأن رحلتك ليست محدودة بالمعايير الطبيعية."

جلست هناك، أعيد تذكر كل ما فعلته، كل تمريناتي، كل إخفاقاتي، كل دموعي التي سالت عندما حاولت السيطرة على الرياح والبرق… وكل شيء بدا فجأة أقل ثقلًا. شعور بالفرح، شعور بالقوة الداخلية، شعور بأنني لم أفشل، بل اكتشفت حدودي، وحدود العناصر التي يمكنني استخدامها بشكل حقيقي.

ابتسمت، شعرت بأن يدي ترتجف، لكن هذه المرة لم يكن خوفًا، بل كانت حرارة الحياة تتدفق في داخلي، شعور بأنني على وشك الانطلاق نحو شيء أكبر. شعور بأن الفشل كان مجرد خطوة، وأن القوة الحقيقة تأتي من معرفة نفسك، وليس محاولة أن تكون كل شيء.

مونو نظرت إليّ بعينيها، وابتسامتها كانت أشبه بنور الشمس:

"الآن تعرف حدودك، بليك. ثلاثة عناصر، وكلها قابلة للنمو معك. ولن تحتاج أبدًا للشعور بالخزي بسبب ما لم تستطع فعله… لأنك لم تُخلق لتكون كل شيء، بل لتكون أنت، مع هذه العناصر الثلاثة، مع هذا الكتاب، مع هذه القوة الفريدة."

جلست هناك، أستوعب كل كلمة، وكل شعور، وكل درس. لم أعد غاضبًا، لم أعد محطمًا، بل شعرت بشيء أعظم: شعور بالقوة الداخلية، بالقدرة على المضي قدمًا، بالشعور بأن رحلتي لم تنتهِ بعد، بل بدأت للتو…

2025/09/18 · 25 مشاهدة · 1873 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025