جلست على حافة النهر، وأمواج الماء تتراقص أمامي كأنها رقصة لا نهاية لها. شعرت بنسيم الصباح البارد يمر على وجهي، لكن قلبي كان مشتعلاً بشيء مختلف: شعور بالسيطرة، شعور بالقوة التي لم أكن أملكها مع الرياح أو البرق.
الماء… عوالمه لم تكن مجرد سائل. كان كيانًا حيًا، يتحرك ويستجيب لكل لمسة، لكل نبضة، لكل رغبة. ومع كل تدريب سابق، كنت أستطيع أن أحركه، أن أرفع رشاشه، أن أصنع دوامة صغيرة، لكنني لم أكن أمتلك فهمًا حقيقيًا لكل تفاصيله، لكل طرقه.
مونو جلست بجانبي، عيناها تتأملان المياه وكأنهما تقرأانها كما يقرأ الإنسان كتابًا مفتوحًا:
"اليوم، بليك… ستتعلم كيف تمنح الماء شكلًا، كيف تجعله يطيع تفكيرك، لا مجرد حركته بالقوة. كل موجة، كل قطرة… لها روحها، ولكي تسيطر عليها، عليك أن تفهمها أولاً."
أغمضت عيني، وتنهدت بعمق. شعرت بالمانا تتدفق في جسدي، كتيار هادئ لكنه ممتلئ بالطاقة. وضعت يدي على سطح النهر، وشعرت بالبرودة التي لم تكن مجرد شعور… بل كانت رسالة من الماء نفسه: "أنا هنا، لكنني لن أتحرك إلا إذا فهمتني."
بدأت مونو بتعليم الأساسيات:
"ركز على ذرات الماء الفردية. لا تنظر إليها كمجموعة، بل ككيانات مستقلة، كل واحدة لها وزنها، طاقتها، حركتها الخاصة. عندما تفهمها، ستتمكن من توجيهها."
بدأت أستجيب تدريجيًا. أغمضت عيني، شعرت بالقطرات الصغيرة تتحرك بين أصابعي، ترتفع وتنخفض، تتمايل. لم أستطع تكوين شيء بعد، لكنني شعرت لأول مرة أن الماء يسمعني.
مونو ابتسمت، وقالت:
"الخطوة التالية… تشكيل الماء. لا تجعلها مجرد شكل جامد، بل اجعلها حية، تتنفس معك، تتفاعل مع أي حركة تقوم بها."
بدأت المحاولة. شكلت دائرة صغيرة من الماء، ارتفعت ببطء، ثم تحركت حولي كما لو كانت رقصة. قلبت الشكل عدة مرات، حاولت أن أصنع موجة، ثم دوامة، ثم كرة صغيرة تتماوج في الهواء. كل محاولة كانت دقيقة، كل تحرك يتطلب تركيزًا عميقًا.
"شعورك يجب أن يكون واحدًا مع الماء، بليك،" قالت مونو بصوت هادئ. "فكر فيها كامتداد لروحك، لا كأداة في يدك."
بدأت أتمكن أكثر. الماء استجاب، تراقص بين أصابعي، تشكل إلى أشكال لم أرها من قبل: دوامات صغيرة، حواجز شفافة، قطرات تطير وتتجمع كما لو كانت حية. شعرت بنشوة غريبة: شعور أنني أخيرًا أمتلك جزءًا من هذا العالم، شعور بأنني لم أعد مجرد متفرج.
ثم أضافت مونو خطوة أخرى، أكثر تعقيدًا:
"الآن، حان وقت الإبداع، بليك. لا تكتفِ بالشكل التقليدي… دع الماء يعكس خيالك. اجعله يتغير، يتحول، يخلق جمالًا، قوة، أو حتى دفاعًا."
ابتسمت، وبدأت أستجيب. تكوّنت أمامي سلسلة من الأشكال المائية، بعضها يشبه الثعابين الصغيرة التي تتلوى، وبعضها ككرات متلألئة تطير في الهواء، ثم دوامة صغيرة تتجمع لتصبح حاجزًا أمامي. شعرت بالقوة والحرية في كل حركة، وكأنني أخيرًا أمتلك السيطرة على شيء حقيقي، شيء حي، شيء يرضى بأن أكون جزءًا منه.
مونو نظرت إليّ بعينيها الثاقبتين وقالت:
"تذكر، بليك… الماء ليس فقط قوة هجومية أو دفاعية. إنه انعكاس للعقل، للقلب، للروح. كلما فهمت نفسك أكثر، كلما أصبح الماء أكثر قوة وطاعة لك."
جلست هناك لساعات، أتحكم بالماء، أصنع أشكالًا معقدة، أختبر حدودي، أكتشف مهاراتي. شعرت بأن كل فشل سابق مع الرياح والبرق قد أعدني لهذا الشعور: لحظة السيطرة المطلقة على شيء حي، لحظة الانسجام بين الطاقة والطبيعة والذات.
وفي النهاية، بينما كانت الشمس تغرب، وألوان الغروب تنعكس على الماء، أدركت شيئًا جديدًا:
أن القوة ليست مجرد القدرة على السيطرة على كل شيء… بل القدرة على الانسجام مع ما هو لك، مع ما يفهمك ويستجيب لك.
وأنا، بليك، اكتشفت اليوم أن الماء كان عنصرًا يفهمني، ويقبلني
جلس بليك على حافة النهر، أصابعه ما زالت مبتلة، عينيه تراقب حركة الماء وكأن كل قطرة تحمل سر الكون. شعور الانسجام الذي حققه مع الماء لم يكن نهاية الطريق، بل كان البداية.
مونو وقفت أمامه، ونبرة صوتها هادئة لكنها صارمة:
"الخطوة التالية، بليك… التحكم في درجة حرارة الماء. القدرة على رفع حرارته أو تبريده تمنحك خيارات لا حدود لها. الهجوم، الدفاع، وحتى التكتيك… كل شيء ممكن."
أومأت برأسه، وبدأ يركز. الماء أمامه بدأ يتلألأ، تتصاعد منه فقاعات صغيرة، لكن كل محاولة لتسخينه كانت صعبة. شعور الحرارة بدأ ينتقل إلى يديه، شعور يزداد مع كل لحظة محاولة.
أمسك بيده طبقة من الماء، حاول رفع درجة حرارته تدريجيًا، لكن فجأة، شعرت يده بحرقة حادة. صرخة ألم خانقة خرجت منه، وارتجف جسده كله.
"ت…توقف!" صرخ، يسحب يده بعيدًا، والجلد على أطراف أصابعه محمرّ ومحترق قليلاً.
مونو تقدمت بسرعة، بعينيها الثاقبتين لكنها بلا غضب:
"هدّئ نفسك، بليك. لا يمكنك إجبار الماء على التسخين بسرعة. كل شيء يحتاج إلى تدريج دقيق. الحرارة ليست مجرد قوة… إنها شعور، إحساس، ووعي كامل بما تحاول فعله."
جلس مجددًا، وأعاد يده إلى الماء، ولكن هذه المرة بهدوء، وكأنه يراقب تنفسه قبل أن يتنفس الهواء. حاول أن يشعر بكل ذرة، كل جزيء ماء يلتصق بيده، كل فقاع صغير يتكون ويختفي.
محاولة بعد محاولة، بدأ الماء يتحرك بشكل مختلف. لم يعد مجرد تيار ثابت، بل أصبح أكثر حيوية، يلمس أطراف أصابعه ويستجيب لإحساسه الداخلي.
ثم جاءت اللحظة التي شعر فيها بشرارة صغيرة من النجاح: فقاعات دقيقة ارتفعت من سطح الماء، حرارة لطيفة بدأت تنتقل إلى يده دون حرق. ابتسم ببطء، شعوره بالفخر لم يكن مجرد امتلاك القوة… بل فهم كيفية منح القوة لنفسه ولماءه في الوقت ذاته.
لكن الصعوبة لم تنته. مونو نظرت إليه وقالت:
"الآن… جرب الماء المغلي، بليك. ليس مجرد دفء… بل غليان كامل. تحتاج إلى السيطرة المطلقة، ووعي كامل بكل ذرة من الطاقة."
ابتلع ريقه، ورفع يده مرة أخرى. حاول أن يركز، أن يشعر بالمانا تتدفق إلى الماء، أن يرفع حرارة كل قطرة إلى أقصى حد ممكن…
ثم بدأ يشعر بالحرارة تتصاعد بسرعة، تتسرب إلى يده، شعور أشبه بالنار التي تحرق من الداخل والخارج في الوقت نفسه. صرخة ألم خانقة هزت جسده، لكنه أصر على الثبات.
فقاعات الماء تصاعدت بسرعة، تصطدم ببعضها، تتطاير في الهواء كأنها نجوم صغيرة. شعور الغليان كان متزايدًا… لكنه لم يكن ثابتًا بعد. يده بدأت تحترق، جلد أصابعه يتقرح قليلاً، لكنه لم ينسحب.
مونو وقفت بجانبه، هدوءها كان صارمًا:
"تحمّل، بليك. كل ساحر يتعلم بهذه الطريقة… الألم جزء من الفهم. لا تحاول إجبار الماء… بل اسمعه، شاركه حرارة جسدك وروحك."
بدأ بليك يوازن بين شعور الألم والتحكم بالحرارة، كل جزء من جسده يصرخ لكنه مصمم على النجاح. شعور المغلي كان أقوى من أي شيء شعوره من قبل، لكن هذه المرة لم يكن مجرد قوة خارجية… بل امتزجت إرادته بها، شعور بالسيطرة الحقيقية لأول مرة.
بعد دقائق شعرت وكأن الماء أصبح امتدادًا ليده، حارًا للغاية لكنه لا يحرق، يتماوج كما يريد، يتحرك مع كل إشارة من ذهنه. انتفض بليك، ارتعشت يداه، لكنه ابتسم ابتسامة خافتة… لأول مرة استطاع التحكم في الماء المغلي.
مونو اقتربت، وضعت يدها على كتفه، وهمست:
"هذه البداية، بليك… التحكم في الحرارة صعب، يتطلب الصبر، الألم، والفهم العميق لكل ذرة. ولكنك نجحت… وهذا ما سيجعلك أقوى بكثير مما تتصور."
جلس بليك هناك، يده لا تزال ترتجف، شعور بالحرارة يمتد إلى قلبه، شعور بالانتصار بعد كل ألم وفشل. لم يكن مجرد سحر… بل درس عن الصبر، التحكم، والانسجام مع القوة، مهما كانت صعبة أو مؤلمة.
جلست على حافة النهر، يدي لا تزال ترتجف من تجربة الماء المغلي، لكن شيئًا بدا يتغير في داخلي. لم أعد أشعر فقط بالحرارة أو بالوجع… بل بدأت أستشعر كل حركة، كل جزيء، كل نبضة في الماء بين أصابعي.
مونو وقفت أمامي، عيناها ثاقبتان، لكنها مليئة بالصبر:
"الخطوة التالية، بليك… التحكم في التدفق. ليس فقط إنشاء الماء أو تسخينه… بل كيف يتحرك، كيف يخرج من يديك، بسرعة أو ببطء، بكثافة أو بخفة. هذا هو السر الحقيقي للسيطرة."
أغمضت عيني، وشعرت بالمانا تتدفق في أصابعي، كتيار هادئ لكنه مليء بالقوة. بدأت ببطء، أحرك يدي قليلًا… فقرة ماء واحدة خرجت، ثم توقفت، كما لو أنها تتأمل ما أفعله. كانت لحظة صمت تامة، شعور بأن الماء يعرفني، يتناغم معي، أو ربما يختبرني.
حاولت مرة أخرى، هذه المرة بسرعة أكبر. تدفق الماء أصبح أقوى، تيار صغير لكنه ثابت، يتدفق بسلاسة دون أن يفلت مني. ابتسمت، شعوري بالفخر لم يكن مجرد نجاح… بل فهم. شعرت لأول مرة أن الماء ليس مجرد قوة خارجية، بل امتداد لذاتي.
مونو اقتربت، نظرت إليّ بعينيها اللتين تشعان بالحكمة:
"الآن، جرب التحكم في السرعة… لا تدفعه دفعة واحدة. أبطئه، أسرعه، اجعل تدفقه يرقص بين يديك."
بدأت بالتمرين، أبطأت حركة الماء حتى كاد يتجمد في الهواء، يلمس أطراف أصابعي بلطف، ينساب كما لو كان زيتًا باردًا، ثم سرعته فجأة حتى أصبح تيارًا قويًا يخرج من يدي كأنه موجة صغيرة. شعرت بالقوة والسيطرة، لكن لم يكن مجرد شعور بالتحكم… بل شعور بالإبداع، بالقدرة على تشكيل العالم من الماء وحده.
كل مرة كنت أغير السرعة، شعرت بتيارات صغيرة تتناغم مع جسدي، مع نبض قلبي، مع كل إحساس داخلي. الماء أصبح يستجيب لإيماءاتي البسيطة، لتلميحات عقلي، لكل نفس أتنفسه. شعور الانسجام كان ساحرًا… شعور بأنني أمتلك القدرة على التحكم في شيء حي، شيء يملك وعيًا خافتًا لكنه يطيعني.
ثم بدأت المرحلة الأصعب: التحكم في كثافة الماء. حاولت أن أخرج تيارًا خفيفًا، شعرت بكل قطرة، كل نبضة تتدفق، تتماوج في الهواء قبل أن تسقط على الأرض. ثم كثفته فجأة، أخرجت كتلة كبيرة من الماء في لحظة واحدة، شعرت بثقلها في يدي، لكن لم أفقد السيطرة. شعور بالإنجاز انتابني، شعور بأنني أتحكم في القوة وليس العكس.
مونو ابتسمت، وعينيها تلتمعان بالرضا:
"هذا هو المستوى الذي يحتاجه كل ساحر. ليس مجرد القدرة على خلق الماء، بل القدرة على التحكم في كل حركة منه، كل تفصيل. الآن، أنت لم تعد مجرد مستخدم لعناصر الماء… أنت سيدها."
أحسست بسعادة غريبة، شعور بالانتصار الداخلي، شعور بأن كل ما مررت به من فشل، كل حرارة تحترق في يدي، كل دموع اليأس… لم تكن عبثًا. لقد علّمتني هذه اللحظات الصبر، الدقة، والفهم العميق لما يعنيه التحكم الحقيقي.
بدأت ألعب بالماء، أصنع أشكالًا صغيرة تتدفق وتتغير مع كل حركة يدي، أبطئه، أسرعه، أحرفه كأنه طين حي. شعور التحكم هذا كان أقوى من أي قوة استخدمتها من قبل، شعور بأنني أستطيع أن أخلق، أن أدمج، أن أشكل كل شيء حولي، فقط من خلال التركيز والإحساس العميق.
شعرت بأن قلبي يتنفس مع الماء، كل نبضة منه تخرج وتعود، كل موجة صغيرة تنساب بين أصابعي وتعود إليّ، كأن الماء نفسه أصبح جزءًا مني.
مونو نظرت إليّ، ونظرتها كانت تكاد تقول:
"الآن، أنت لست مجرد ساحر للماء… أنت من يفهم الماء."
جلست هناك، أراقب كيف يتحرك الماء كما أريد، شعور بالهدوء والقوة يمتزج معًا. لم أعد أخاف من الحرارة، لم أعد أشعر بالعجز، بل شعرت بالتمكن، بالانسجام، بالشعور بأنني أخيرًا أستطيع السيطرة على عنصر واحد… عنصر الماء… بطريقة لم يكن أحد غيري قادر على تجربتها.
مرت الأيام، وكل يوم كان يبدو أطول من اليوم السابق. الشمس تشرق وتغيب، وأنا مستمر، يدي متورمة أحيانًا من التمرين، جسدي مرهق، لكن عينيّ متقدتان بشغف غريب… بشغف من نوع جديد.
مونو كانت تجلس بجانبي دائمًا، تراقبني، تصحح حركاتي، تهمس لي بكلمات موجزة لكنها دقيقة:
"تذكر، بليك… قبل كل تعويذة، يجب أن تقول الترنيمة. كل نجمة… كل عنصر في السماء له صوته الخاص. لا يمكن إطلاق الماء بدونها."
بدأت أتعلم أن التعاويذ ليست مجرد حركة يد، بل هي تزامن كامل بين جسدي، ماناي، وروحي. كل تعويذة هجومية صغيرة تحتاج لترنيمة خاصة، وموقع النجوم يغير الكلمات، الإيقاع، والنبرة. شعرت لأول مرة بمدى تعقيد التحكم في الماء، حتى في أضعف أشكاله الهجومية.
بدأت بتعويذات بسيطة: نقطة ماء تتدحرج، شعاع خفيف، كرة صغيرة تطير بعيدًا. كانت التعاويذ ضعيفة، ليست مدمرة، لكنها فعالة. كل ضربة كانت تحتاج لتركيز كامل، لكل حرف في الترنيمة قوة، لكل حركة يد توازن دقيق.
الليل كان أطول أحيانًا من النهار، لأن إتقان كل تعويذة يحتاج لساعات طويلة من التكرار. أصابعي تؤلمني، عينيّ تتعب، جسدي يئن من التعب، لكن كل فشل كان درسًا. كل خطأ في الترنيمة أو حركة اليد يجعل الماء يتناثر بلا شكل، أو يتوقف عن الطيران.
مع الأيام، بدأت التعاويذ تتنوع أكثر. لم تعد مجرد نقطة أو شعاع، بل بدأت أجمع بين السرعة والدقة، أخرج موجة صغيرة تتدحرج، أصنع أسطوانة مياه تتقدم للأمام، أو أطلق قذائف صغيرة متتابعة. كل تعويذة هجومية كانت مختلفة عن الأخرى، ولكل واحدة شعورها الخاص، توقيتها الخاص، طريقتها في الحركة في الهواء.
مونو كانت تشير لي بتصحيح كل شيء:
"ركز على تدفق المانا مع الترنيمة، لا تدع الماء يسبق إرادتك. اسمح للطاقة بالانسياب قبل أي إطلاق."
كل مساء، كنت أجلس منهكًا على الأرض، أشعر بألم العضلات، حرارة اليدين، ثقل العيون، لكن في داخلي كان شعور بالإنجاز يطفو على كل التعب. كنت أعلم أن هذه التعاويذ ليست قوية بشكل خارق، ليست "قوة مدمرة"، لكنها الأساس. كل ضربة صغيرة، كل شعاع مياه، كل كرة صغيرة… كانت خطوة أولى نحو السيطرة الكاملة على عنصر الماء.
تكرر الأمر، يومًا بعد يوم، أسبوعًا بعد أسبوع. الماء أصبح يستجيب لي أسرع، الترانيم أصبحت أكثر وضوحًا، الحركات أدق، التوقيت أفضل. شعرت كما لو أن كل قطرة ماء صارت جزءًا مني، وكل حركة يدي ترسل رسالة دقيقة للمياه حولي: "أنت تابع لي الآن."
وفي كل مرة كنت أطلق تعويذة، كنت أشعر بالفرق: أول نقطة ماء كانت فوضوية، لا هدف لها، أما الآن، كل شعاع، كل كرة، كل موجة كانت متحركة بدقة، تتبع نيتي، تتناغم مع إيمائي وكلماتي.
الشيء الوحيد الذي بقي صعبًا هو التعب المستمر… التعب النفسي والجسدي معًا. كل تمرين، كل تكرار، كل مساء طويل، كنت أشعر بثقل كل يوم جديد. لكن رغم الألم، كنت أبتسم. كنت أعرف أن هذه ليست مجرد تعويذات ضعيفة، إنها أساس قوّتي، أداة لنجاحي في المستقبل، وسلامة في القتال الحقيقي، حيث لا شيء يُترك للصدفة.
ومع مرور الوقت، بدأت أفهم شيئًا آخر: أن تعلّم تعويذة هجومية لا يتعلق بالقوة فقط، بل بالتحكم، بالدقة، بالتركيز، وبمعرفة متى تطلقها، وكيف تتكيف مع المعركة. الماء في يدي لم يعد مجرد سائل… بل أصبح امتدادًا لعقلي وروحي، أداة للتفاعل مع كل شيء حولي.
جلست على صخرة قرب النهر، أنفاسي متقطعة، جسدي منهك، يدي مشتعلة من المجهود، لكن شعوري كان مختلفًا… شعور بالفخر، شعور بالتحكم، شعور بأنني بدأت أخيرًا أتمكن من شيء حقيقي، شيء يمكنني الاعتماد عليه: تعاويذ الماء الهجومية، صغيرة لكنها متقنة، بسيطة لكنها فعالة، خطوة أولى نحو ما سأصبحه.
بعد أسابيع من التدريب على الماء، شعرت بنفَس جديد، طاقة مختلفة، شيئًا أعمق وأكثر صلابة في داخلي. حان الوقت الآن للانتقال إلى الأرض، إلى صخرية وقوة لا تتحرك إلا بإرادة من يمتلك السيطرة عليها. مونو كانت واقفة أمامي، نظرتها ثابتة وحازمة، وكأنها تقول لي بدون كلمات: "حان وقتك، بليك… الأرض تنتظر."
جلست على الأرض، أغمضت عيني، وبدأت أشعر بباطن الأرض تحت قدميّ. كل حبة تراب، كل شظية صخر، كل جذور صغيرة، كانت وكأنها تصغي لي، تنتظر إيماءة يدي، انتظار شعوري للطاقة التي سأرسلها.
مونو بدأت الكلام، بهدوء يقطع الصمت:
"الأرض… مختلفة عن الماء، بليك. الماء يتدفق، ينساب، مرن… الأرض صلبة، ثابتة. لن تتحرك إلا إذا أظهرت لها إرادتك بالكامل. ركز على مركزك… على قلبك… على كل خطوة من قدميك. كل جدار، كل حائط، كل صخرة… تبدأ بإرادتك، ثم تنفصل الأرض عن نفسها لتنفذ الأمر."
مددت يدي، شعرت بثقل الطاقة في أصابعي، في جسدي، في روحي كلها. حاولت أن أشكل أول جدار صخري صغير. انطلقت ماناي إلى الأرض، شعرت بذبذبات صامتة، بصدى الصخور تحت قدميّ. ومع أول محاولة، ظهر شيء… لكنه لم يكن سوى نتوء صغير، ضخم قليلًا، صلب لكنه مشوه، غير مستقر، وكأن الأرض نفسها ترفض الانصياع لي.
"لا بأس…" همست لنفسي، محاولًا تهدئة ذهني المتوتر. "هذا مجرد البداية…"
كررت المحاولة، وأخذت وقتي. شعرت بأن الأرض تبدأ بالانصياع تدريجيًا، صخرة صغيرة ترتفع، ثم أخرى، وثالثة. بدأت أصنع جدارًا صغيرًا أمامي، لم يكن متقنًا بعد، لكنه صلب… حقيقي. شعرت لأول مرة بأنني أستطيع الدفاع عن نفسي.
مونو اقتربت، وأشارت إلى يديّ:
"الآن، حاول التحكم بسرعة نمو الجدار. لا تدع الصخور تنمو كلها مرة واحدة… توجيهها خطوة بخطوة، مثل ترتيب النقاط على لوحة. كل جزء من الجدار يجب أن يكون مضبوطًا قبل أن ينضم إليه الجزء التالي."
بدأت أطبق ذلك، وأبطأت إيماءاتي، شعرت بكل شظية صخر، بكل حبة رمل ترتفع من الأرض، وكل حركة تدفق ماناي تجعل الجدار صلبًا ومستقرًا. لم أكن أتحرك بسرعة، بل بوعي كامل، كل حركة محسوبة، كل جزء من الجدار مصقول، كل زاوية واضحة.
مرت ساعات… وربما أيام، شعرت بالإرهاق يتغلغل في جسدي، يدي تتقرح أحيانًا من صلابة الصخور، وظهري يتألم من التوتر المستمر. لكن كل مرة كان الجدار يكتمل، شعور السيطرة كان يكبر، شعور بالقوة الداخلية، شعور بأنني أقوى من أي وقت مضى.
ثم بدأت أتعلم شيئًا جديدًا: التعديل الفوري.
كلما ارتجف جزء من الجدار، أو لم يلتصق جيدًا، كنت أعيد توجيه الطاقة، أشعر بالصخرة، أصقلها بيدي، وأجعلها تستقر كما أريد. شعرت بأن كل صخرة صارت امتدادًا ليدي، كل زاوية صارت امتدادًا لإرادتي.
مونو وقفت خلفي، تراقبني بعناية، وقالت بصوت هادئ:
"تذكر، بليك… هذه ليست مجرد دفاع… إنها درعك، حائطك، خطك الأول ضد أي تهديد. كلما أتقنت التحكم في الأرض، كلما أصبحت قادرًا على بناء أكثر من جدار… ربما تحيط بنفسك بالكامل، ربما تشكل مسارات، ربما تقسم المعركة كما تشاء. الأرض تعكس قوتك… ثباتك… إرادتك."
بدأت أطبق ذلك. أول جدار، ثم جدار آخر على جانبه، ثم سلسلة من الجدران الصغيرة تتصاعد بسرعة مع كل تحريك ليدي. شعرت بالقوة تنساب داخلي، شعور بالصلابة التي لم أشعر بها منذ زمن طويل، شعور بالقدرة على الدفاع عن نفسي، شعور بأنني لم أعد مجرد فتى يحاول السيطرة على عنصر، بل أصبحت أشبه بساحر حقيقي، قادر على التحكم بالأرض لتصبح امتدادًا لإرادته.
مع مرور الأيام، بدأت أصنع جدرانًا أكبر، أكثر تعقيدًا، بعضها مزدوج، بعضه مصقول ليحجب الهجمات، وبعضه مفتوح لتوجيهها في مسارات معينة. كل مرة كنت أتعلم شيئًا جديدًا، كل مرة يزداد شعوري بالقوة الداخلية، وكل جدار كان درسًا في الصبر، السيطرة، والدقة.
حتى الآن، شعرت بأن الأرض أصبحت حليفة حقيقية. لم تعد مجرد كتلة صلبة تحت قدميّ… بل أداة قتالية، وسلاح دفاعي، وفرصة لإظهار إرادتي للعالم بأسره. شعور السيطرة على الجدار الأول كان ممتعًا… شعور القدرة على التحكم في سلسلة من الجدران، على تعديلها، على تشكيلها في أي شكل يخطر في بالي… كان شعورًا لم أعهده من قبل، شعورًا بالانتصار الصامت، لكن العميق جدًا.
جلست على الأرض بعد تمرين طويل، يدي متعبة، جسدي منهك، لكن قلبي ينبض بشعور جديد: شعور بالقوة الحقيقية، شعور بالثبات، شعور بأنني قادر على الدفاع عن نفسي، وأن الأرض صارت جزءًا مني، امتدادًا لإرادتي.
بعد أن أتقنت يديّ التحكم في الجدار الصخري البسيط، أدركت شيئًا مهمًا: الأرض ليست مجرد كتلة واحدة… يمكنها أن تتغير، أن تتحرك، أن تتكيف مع الموقف، طالما أن إرادتي واضحة، وطالما أني أعطيها الوقت لتستجيب.
بدأت بتجربة أشكال مختلفة للدفاع. أولًا، الصخرة البسيطة التي ترتفع أمامي مباشرة، تحميني من أي هجوم متجه نحوي. كانت بدائية، لكنها كافية لإيقاف ضربات بسيطة، وحتى الرياح الصادمة. شعرت بالرضا من بساطتها… لكنها كانت مجرد البداية.
بعد ذلك، بدأت أصنع جدارًا على شكل نصف قوس أمام جسدي، يحميني من الهجمات الجانبية. شعرت بالإرهاق يتسلل إلى ذراعيّ، وظهري يئن من ضغط الطاقة، لكن رؤية الهجمات ترتطم بالجدار وتتفتت دون أن تمسني، كانت شعورًا عميقًا بالإنجاز.
تجربة تالية: أعداد سلسلة من الجدران القصيرة أمامي، مثل شبكة متتالية، يمكن تعديلها بسرعة إذا اقترب أي هجوم. كنت أتعلم التحكم في كل جدار بمفرده، كل واحد يصبح امتدادًا لإرادتي، وكأن الأرض نفسها تستجيب لأفكاري اللحظية.
مونو وقفت خلفي، تراقب كل حركة بعناية، وقالت:
"تذكر، بليك… الدفاع ليس مجرد جدار واحد. في المعركة، تحتاج إلى القدرة على التكيف. الأرض يمكنها أن تتشكل بشكل مختلف مع كل تهديد. الجدار المستقيم جيد، لكنه لا يغطي كل الاحتمالات. نصف القوس أفضل للهجمات القادمة من الزوايا، والسلسلة تحميك من التفجيرات أو الضربات المتعددة."
بدأت أطبق ذلك تدريجيًا، أشكل جدرانًا على هيئة أسوار قصيرة، أحيانًا أشبه بالأهرامات الصغيرة التي تصد الهجمات، أحيانًا أشبه بالكتل المتناثرة التي تمتص قوة الضربة بدلًا من صدها بشكل مباشر. شعرت بأن كل شكل جديد كان درسًا، وكل تجربة كانت تزيد من فهمي لكيفية استخدام الأرض دفاعيًا.
مرّت الأيام، وكل يوم كان تدريبًا أصعب، جسدي كان منهكًا، يديّ تتقشر أحيانًا من الصلابة المستمرة للطاقة، لكن شعور السيطرة كان يكبر تدريجيًا. تعلمت أن أبقي صخري متماسكة، أن أعدل زواياها بسرعة، أن أصنعها بطريقة تمنع اختراق الهجمات، وأن أصنعها مرنة بدرجة تكفي لامتصاص الضربات الكبيرة.
ثم بدأت أصنع أشكالًا أكثر تعقيدًا:
جدران مزدوجة، بحيث إذا اخترق الهجوم الأولى، توقف الثانية بقوة.
حواجز قصيرة أمامية وأخرى جانبية متحركة، تخلق حماية متدرجة.
كتل صخرية صغيرة يمكن إطلاقها للخلف لحجب الهجمات المقتربة من الخلف، أشبه بدرع متنقل.
كانت كلها بدائية، بسيطة في الشكل، لكنها فعالة بشكل كبير، وبدأت أشعر بامتلاك أداة دفاعية يمكن أن تنقذ حياتي، مهما كانت الهجمات مفاجئة أو متتالية. شعور الانتصار كان هادئًا، لكنه أقوى من أي نصر سريع. كل صخرة، كل جدار، كل شكل كنت أصنعه، كان درسًا في الصبر، القوة، والتركيز.
مونو ابتسمت لي في أحد الأيام بعد تمرين طويل، وقالت:
"أنت تتعلم بسرعة، بليك… الدفاع ليس مجرد حماية نفسك. إنه قراءة المعركة، معرفة كيف يمكن للأرض أن تتصرف، وكيف يمكنها أن تصبح سلاحًا حتى وأنت لا تتحرك. هذه هي البداية فقط… تخيل ما يمكن أن تفعله عندما تدمج هذه الدفاعات مع مهارات هجومية."
أدركت حينها أن الأرض لم تعد مجرد كتلة تحت قدميّ… بل صارت امتدادًا لإرادتي، وسيلة للدفاع عن نفسي بمرونة وفعالية، حتى مع بساطة أشكالها. شعرت بأنني اكتسبت شيئًا لم أكن أتوقعه: شعور بالقوة الحقيقية، شعور بالاستعداد، شعور بأنني قادر على مواجهة أي تهديد، طالما كانت الأرض تحت يديّ، تتنفس معي، وتطيع إرادتي بصبرها الصامت.
جلست على الأرض بعد التمرين، يدي متعبة، جسدي منهك، لكن قلبي ينبض بقوة جديدة. شعرت بالارتياح، شعور بالسيطرة، شعور بأنني لم أعد مجرد متدرب، بل ساحر قادر على استخدام الأرض كدرع حي… حتى لو كانت بدائية، لكنها فعالة، وهذا كل ما أحتاجه الآن.
بعد أيام من التمرين المستمر على الدفاع، شعرت بأن الأرض تحت يديّ لم تعد مجرد جدار ثابت، بل مادة حيّة تتفاعل مع إرادتي. الجدران الصخرية، الكتل، الحواجز… كل شيء أصبح أداة مرنة، كل شيء قابل للتشكّل. وبدأت مونو تبتسم لي بابتسامة خفيفة، وكأنها تعرف أن الوقت قد حان للخطوة التالية: الهجوم.
قالت:
"حان الوقت، بليك… لنرى كيف يمكن للأرض أن تصبح سلاحًا هجوميًا. لا تقلق، سنبدأ بالأساسيات."
أغمضت عيني، واستشعرت كل ذرة من طاقتي تتدفق داخل الأرض تحت قدميّ. شعرت بها تتماوج، تتنفس، تنتظر أمرًا مني لتتحرك، كأنها تقول: "أنا هنا، أطيعك، لكن كن دقيقًا."
بدأت بالتجربة الأولى: رصاصة صغيرة من الصخر. جمعت قطعة صغيرة من الأرض بين راحتيّ، ضغطت، وفجأة… انطلقت كرة صخرية صغيرة بسرعة نحو هدف وهمي أمامي. شعرت بالدهشة، لكنها كانت البداية فقط.
مونو نظرت لي وقالت:
"حسنًا، ليست قوية جدًا بعد، لكنها هجومية. تذكر، الهجوم يعتمد على التحكم، لا على القوة فقط. كل رصاصة، كل كتلة… يجب أن تتحرك كما تريد أنت، لا كما تريد الأرض بمفردها."
كررت التجربة مرارًا، مع تعديل زاوية الانطلاق، سرعة الكرة، حجمها، وكل مرة كنت أشعر بالتحسن. شعرت بالإرهاق يتسلل إلى ذراعيّ، لكن الرغبة في السيطرة كانت أكبر.
ثم بدأت المرحلة التالية: إطلاق عدة كرات صغيرة متتالية بسرعة. كانت صعبة… التحكم في كل واحدة على حدة، مع الحفاظ على تدفق الطاقة، كان يرهق جسدي وعقلي معًا. يديّ بدأت ترتجف، وجسدي يتعرق، لكن كل رصاصة تصدرت الهدف الافتراضي كانت شعورًا صغيرًا بالانتصار.
مونو وضعت يدها على كتفيّ وقالت:
"لا تركز على القوة، بليك. ركّز على الدقة، السرعة، والتوقيت. الهجوم ليس عن كمية الطاقة، بل عن كيفية استخدامها."
بدأت أصنع أشكالًا هجومية مختلفة:
كرات صغيرة متعددة، تطير بسرعات مختلفة لتشتيت العدو.
رصاصة أكبر حجمًا، لكنها أبطأ، لتكون مفاجئة عند اللحظة المناسبة.
سلسلة متتالية من الصخور الصغيرة التي يمكن إطلاقها في موجات، أشبه بتساقط حجارة متدفقة.
كل تجربة كانت صعبة، وكل لحظة من التدريب كانت مرهقة إلى درجة أنني شعرت بأن ذراعيّ تكاد تنهار. لكن مع كل فشل، وكل خطأ في التوقيت أو القوة، كنت أتعلم أكثر، أفهم أكثر، وأصبح قريبًا خطوة واحدة من التحكم الحقيقي في الهجوم.
بعد تمرين طويل، جلست على الأرض، أنفاسي متقطعة، وجسدي منهك، لكن قلبي كان ينبض بإحساس عميق بالقوة. شعرت أنني لم أعد مجرد متدرب، بل ساحر قادر على استخدام الأرض ليس فقط للدفاع، بل للهجوم أيضًا، بطريقة بسيطة لكنها فعالة، يمكن الاعتماد عليها في المعركة.
مونو ابتسمت، وقالت:
"رائع، بليك… هذه البداية فقط. الآن تعرف كيف يمكن للأرض أن تصبح سلاحًا هجوميًا، صغيرًا ومرنًا، لكن فعال. مع الوقت، ستتمكن من تطويرها، تحسين السرعة، القوة، والدقة. كل شيء يبدأ بالأساسيات."
جلست هناك، شعوري بالإرهاق لا يزول، لكن إحساسي بالإنجاز أكبر. الهجوم لم يكن قويًا بعد، لكنه الآن بين يديّ، قابل للتطوير، قابل للاستخدام، ويمكنني أن أشعر بأنني أصبحت أقرب خطوة من التحكم الكامل في سحر الأرض… ليس فقط كدرع، بل كسلاح متحرك تحت إرادتي.
مرت الأيام، وكل يوم كان أشبه بمعركة صامتة بين إرادتي والأرض تحت يديّ. لم يعد الأمر مجرد رصاصة صخرية واحدة، بل بدأت أتعلم كيف أستدعي أكثر من شكل هجومي واحد، وكيف أجعل الأرض تتصرف كما أريد دون أن تتحرك ضدّي.
بدأت بموجات صخرية صغيرة، أشبه بتدفق خفيف من الصخور يتدحرج نحو الهدف، ببطء أولًا، ثم بسرعة مع الوقت. كل موجة كانت تحتاج إلى تركيز كامل: زاوية الإطلاق، سرعة التدحرج، وحتى حجم كل قطعة صخرية صغيرة. كل خطأ صغير كان كافيًا لتفشل التجربة، وكان جسدي يتعب أكثر فأكثر مع كل محاولة.
مونو كانت تراقبني بصمت، ثم تقول أحيانًا بصوت هادئ:
"بليك… لا تحاول إجبار الأرض على شيء لا تستطيع فعله. دعها تتحرك، كن مرنًا، ثم ركّز على توجيهها."
بعد ذلك، تعلمت إطلاق رصاصات صخرية متتالية، صغيرة وسريعة، تستطيع تشتيت العدو أو إجباره على الانحراف. لم تكن قوية بشكل ساحق، لكنها كانت دقيقة وفعالة، خاصة عند دمجها مع الحركة والتوقيت. كلما أطلقت المزيد، شعرت بأن يديّ ترتجف من الإرهاق، لكن إحساسي بالإنجاز كان يفوق أي ألم.
ثم بدأت المرحلة التالية: تشكيل صخور صغيرة تتطاير بطريقة متسلسلة، أشبه بسلسلة متقطعة من النيران الصخرية. كل صخرة تحتاج إلى حساب المسافة، السرعة، والتسلسل ا
لصحيح. أي خطأ يجعل السلسلة تنهار، ولكن عندما تنجح، يكون التأثير أكثر من مجرد ضرر صغير… إنه تحكم دقيق بالهجوم، يجعلني أستغل الأرض كسلاح متحرك، قابل للتعديل في كل لحظة.
كانت تعاويذ هجومية بسيطة، لكنها متنوعة:
رصاصة صخرية واحدة دقيقة.
موجة صخرية تتدحرج ببطء أو بسرعة.
سلسلة متتابعة من الصخور الصغيرة.
كتلة صخرية صغيرة تُقذف من على مسافة قصيرة كمفاجأة.
كل يوم كان تدريبًا على الصبر والتركيز والتحكم بالتوقيت. لم تكن أي تعويذة قوية للغاية لكنها كانت أدوات هجومية بدائية وواقعية، يمكن الاعتماد عليها في معركة طويلة، ومفيدة جدًا إذا ما استخدمتها بحكمة.
ومع مرور الوقت، بدأت أشعر بأن جسدي وعقلي بدأ يتكيف مع تدفق المانا في الأرض. لم أعد أرى الصخور ككتل جامدة، بل كمخلوقات صغيرة تتفاعل مع إرادتي، تنتظر مني الأمر للتحرك، تتعلم مني كما أتعلم منها.
في نهاية كل يوم، كنت أستلقي على الأرض، جسدي منهك بالكامل، يديّ تتقرّح أحيانًا من الضغط المستمر على الصخور، لكن شعور السيطرة كان كبيرًا. شعرت بأنني لم أعد مجرد متدرب، بل أصبحت ساحرًا يمكنه تحويل الأرض من دفاع صامت إلى هجوم متحرك… بسيط، فعال، ومتنوع.
مونو ابتسمت لي، وقالت:
"رائع، بليك… الأرض ليست لك بعد بالكامل، لكنها بدأت تخضع لإرادتك. كل خطوة صغيرة تقربك أكثر من التحكم الكامل، ومع الوقت، ستصبح قادرًا على الجمع بين الدفاع والهجوم، الماء والأرض، بشكل أكثر انسجامًا."
جلست هناك، أنفاسي متقطعة، جسدي يتألم، لكن قلبي ينبض بشعور مختلف. لم أكن أقوى ساحر في العالم، لكنني بدأت أفهم كيف تتحرك العناصر معي، وليس ضدّي، وكيف يمكن للتعاويذ البسيطة، مع التركيز والصبر، أن تصبح أدوات حقيقية على أرض المعركة.
بعد أسابيع من التدريب على الماء والأرض، شعرت بأن جسدي وعقلي قد استهلكا كل طاقتهما. لكن مونو نظرت إليّ بعينين هادئتين، ولم يكن في ابتسامتها أي رحمة:
"بليك… حان الوقت للنار."
نظرت إليها، شعور بالقلق يتسلل إلى قلبي. النار… لم تكن مجرد عنصر، بل قوة هائجة، لا ترحم، تلتهم كل شيء. كل خطوة فيها كانت محفوفة بالمخاطر، وكل خطأ يمكن أن يحرقني حرفيًا.
بدأنا بتعلّم أبسط التعاويذ الهجومية: كرة نارية صغيرة، تقريبًا بحجم قبضة اليد. لم تكن تهدد أحدًا، لكنها كانت البداية. حاولت استدعاء كرة نارية، أغمضت عيني، ركّزت كل المانا بداخلي، حرّكت يدي، همست الترنيمة… ثم انفجر لهب صغير على طرف أصابعي، أحرق جلدي. صرخت من الألم، شعرت بحرارة النار تنتشر في راحتي، وعرفت حينها أن الطريق أمامي سيكون طويلًا جدًا.
لم أستطع إيقاف الألم، لكن حاولت مجددًا. كل محاولة كانت درسًا: تحكم أبطأ، حرارة أقل، تركيز كامل… وأحيانًا فشل كامل، لتطير كرة النار في الهواء بلا شكل، بلا اتجاه، كأن النار نفسها ترفض أن تخضع لي.
الأيام مرت ببطء عذاب. كل ساعة شعرت بأن يدي تتألم، جسدي منهك، كل شعرة في جسدي تتصبغ بالعرق والرماد. كل تعويذة بسيطة كانت تتطلب مني ساعات طويلة من التركيز الصارم، ضبط النفس، والتحكم الدقيق. لم تكن النار مجرد عنصر، بل امتحان لكل شيء بداخلي: قوة التحمل، الصبر، والتحكم بالعاطفة.
بدأت أتعلم شيئًا فشيئًا: كيف أتحكم بحجم النار، درجة حرارتها، وشكلها. لم تكن بعد جاهزة للهجوم الفعلي، لكنني بدأت أستطيع أن أصنع شعلة صغيرة، يمكن توجيهها، تقريبًا بحجم كرة صغيرة، بلا أن تحرقني بالكامل. شعرت حينها بنبضة أمل صغيرة، لكن إرهاقي كان هائلًا جدًا، كأن كل جزء من جسدي يصرخ ضد النار.
التعاويذ الهجومية البدائية لم تكن سهلة أبدًا:
كرة نارية صغيرة: تتطلب تحكمًا دقيقًا لدرجة الحرارة.
لهب قصير المدى: لحرق مواد صغيرة، يحتاج لتدفق ثابت من المانا.
شرارة متقطعة: يمكن استخدامها لمفاجأة العدو، لكنها تحتاج لتركيز مستمر، ولا يمكن إطلاقها لفترة طويلة.
كل يوم كنت أتدرب لساعات، أحيانًا لثماني ساعات متواصلة، مع استراحة قصيرة فقط لأزيل الحروق الصغيرة عن يديّ. جسدي كان منهكًا، روحي متعبة، وكل فشل كان يوجعني أكثر من الحروق نفسها.
مونو كانت تراقبني بصمت، تقول أحيانًا:
"النار تتطلب إرادة متناهية. ليس كل من يملك المانا يمكنه التحكم فيها بسهولة… وكل لحظة صبر هي خطوة نحو التمكن."
وفي نهاية اليوم، كنت أسقط على الأرض، يديّ متفحمتان جزئيًا، أنفاسي متقطعة، قلبي يئن من التعب. شعرت بأن النار كانت عدوًا حقيقيًا، لا يمكن التحكم فيه بالقوة وحدها، بل بالصبر، الدقة، والتحكم بالعاطفة.
لكن على الرغم من كل ذلك، شعرت شيئًا داخلي يزداد قوة: إحساس بأنني أتعلم شيئًا نادرًا، شيئًا يجعلني مختلفًا عن أي متدرب آخر. النار كانت عنصري الأصعب، لكنها كانت أيضًا العنصر الذي سيعلمني معنى الصبر، التحمل، والتحكم الحقيقي بالطاقة.
ومع كل يوم يمر، شعرت بأن أبسط التعاويذ الهجومية للنار، رغم صعوبتها، بدأت تخضع لي قليلًا، وتظهر نتائجها الصغيرة. شعرت حينها بأنني لم أعد مجرد متدرب، بل ساحر يتعلم التحكم بالعناصر، واحدًا تلو الآخر، مع كل تحدٍ جديد.
جلست على الأرض، يديّ متفحمتان جزئيًا، جسدي منهكًا حتى العظم. النار كانت قاسية، لكنها علمتني الكثير… ومع ذلك، الألم كان أكثر من مجرد شعور جسدي، كان تذكيرًا صارخًا بحدودي، وبمدى الحاجة لمساعدة مونو.
اقتربت بصمت، كأنها تعرف أنني لن أطلب المساعدة. جلست أمامي، وبدأت تتحرك بخفة وأناقة، عينان تلمعان بالتركيز، يداها تتحركان فوق يديّ، ثم شعرت بالدفء يتسلل إلى جلدي المحترق.
"سحر الشفاء الخاص بي… لن يزيل الألم بالكامل، لكنه سيخففه كثيرًا." قالتها بابتسامة خافتة، وكأنها لا تريد أن يبدو الأمر رسميًا جدًا.
تنهدت من الراحة الطفيفة، لكن لم أستطع إلا أن أطلق تعليقًا ساخرًا:
"أوه، رائع… شعرت وكأن النار حاولت قتل يدي، وأنتِ هنا تأتي لتقومي بعمل معجون طبي صغير."
مونو ضحكت، ضحكتها كانت خفيفة، موسيقية، وكأن كل التوتر يتبخر مع صوتها.
"أووه، لا، بليك… النار لا تحاول قتلك. إنها فقط… صعبة المراس، مثل بعض الطلاب المزعجين." قالتها، مشيرة إلى وجهي بابتسامة ماكرة.
ابتسمت رغم التعب، ثم قلت:
"حقًا؟ أعتقد أنني كنت الطالب الأكثر إزعاجًا اليوم."
مونو مدت يديها بعد أن أنهت معالجة يديّ، وأخرجت ضمادات بيضاء مقاومة للنار. وضعتها حول يدي، ملتفة بإحكام ولكن بدون أن تقيد الحركة.
"هنا… هذه الضمادات ستساعدك على التحكم بالنار بدون أن تحترق مرة أخرى. فقط تأكد من ألا تستخدمها كقناع للسحر على العشاء!" قالتها بلهجة ساخرة، مع لمسة كوميدية في صوتها.
ضحكت، محاولة إخفاء شعوري بالراحة والخجل في نفس الوقت:
"آه، شكرًا… كنت أخشى أن أكون مجرد مشهد كوميدي محترق على الأرض."
مونو ابتسمت، وكأنها تشعر بكل شيء داخلي:
"ربما… لكن حتى المشاهد الكوميدية يمكن أن تتعلم شيئًا مهمًا."
جلسنا هناك للحظة، لا شيء سوى الصمت اللطيف، ورائحة الضمادات الممزوجة بعبق الغابة. شعرت بشيء دافئ في داخلي، لم يكن مجرد الدفء من العلاج، بل شعور بالطمأنينة… شعور بأنني لست وحدي في مواجهة النار أو أي شيء آخر.
ثم نظرت إليّ مونو بعينين تلمعان، كأنها تراقب ردة فعلي:
"حسنًا، بليك… بعد هذا التدريب، النار ليست مجرد تحدٍ، بل أصبحت نوعًا من… صديق مزعج، أليس كذلك؟"
ابتسمت بخجل، محاولة الموافقة:
"صديق مزعج؟ ربما… لكنه صديق لا يرحم أبدًا."
ضحكت مونو، وضحكتها كانت معدية، شعرت بها أدفأ من أي حرارة نار:
"تمامًا… لكن تذكر، حتى الأصدقاء المزعجون يمكنهم تعليمك أشياء لم تتخيلها أبدًا."
جلست هناك، مع يدي ملفوفة بالضمادات البيضاء، قلب ممتلئ بشعور غريب من الراحة والدفء… ليس فقط من الشفاء الجسدي، بل من وجودها بجانبي. شعرت بأن علاقتنا تتطور، بطريقة هادئة وغير مباشرة، عبر الاهتمام الصامت، المزاح الطفيف، واللحظات المشتركة التي لا تحتاج لكلمات كثيرة.
أدركت شيئًا مهمًا: ربما الرحلة نحو التحكم بالنار لم تنته بعد، وربما التحديات لم تختفِ، لكن وجود مونو بجانبي يجعل كل شيء قابلًا للتحمل… حتى الألم، حتى التعب، وحتى نار لا ترحم.
ابتسمت، للمرة الأولى منذ ساعات طويلة، وقلت بصوت منخفض:
"شكرًا… على كل شيء."
مونو فقط نظرت إليّ بابتسامة هادئة، ولم تقل شيئًا، لكن شعرت بالكلمات في عينيها أكثر مما لو قالتها بصوت عالٍ.
وبينما كانت الغابة حولنا تغرق في الظلام، شعرت أن النار لم تعد مجرد خطر… بل كانت درسًا، وعلاقة، وخطوة جديدة في رحلتي كساحر.
جلست على الأرض، يدي ملفوفة بالضمادات البيضاء المقاومة للنار، أشعر بالدفء والراحة اللطيفة التي أعطتني إياها مونو. لم يعد الخوف من الحروق يسيطر عليّ. هذه المرة، كانت النار مجرد أداة… وسأتعلم كيف أستخدمها.
أغلقت عيني، شعرت بالمانا تتدفق في داخلي، تتماوج مع كل نبضة قلب. هذه المرة لم أحاول إجبار النار على الخروج، بل تركتها تتشكل بشكل طبيعي، كما لو أن جسدي أصبح قناة لها، ويداي هما المكان الذي تلتقي فيه الرغبة مع القوة.
أطلقت أول شرارة صغيرة، بسيطة جدًا، لكنها مستقرة. لم يكن الانفجار هائلًا، لم تكن كرة نار ضخمة، لكن شعرت بالرضا. كانت خطوة صغيرة، لكنها خطوة أولى حقيقية.
مونو وقفت على مسافة آمنة، عينيها متلألئتان بالفخر الخفي:
"حسنًا، بليك… الآن تشعر بها، أليس كذلك؟ النار ليست عدوك بعد الآن."
أومأت، ثم بدأت أركز على التحكم بالشكل والحجم. مع كل حركة لليد، بدأت النار تأخذ أشكالًا مختلفة: كرة صغيرة تنفجر عند الاصطدام، شرارة طويلة تقطع الهواء، شعاع ضيق يتجه مباشرة نحو الهدف. شعرت بالقوة، لكنني لم أكن متهورًا. كنت أعرف أن كل حركة تحتاج لتركيز، لكل تعويذة خطرها الخاص.
"ترنيمة، بليك… لا تنسَ التراتيل، حتى تعويذة النار تحتاجها." ذكرتني مونو بابتسامة خفيفة.
أخذت نفسًا عميقًا، وبدأت أتلو الترانيم بصوت منخفض. الشرارة الأولى خرجت مصحوبة بوميض من الطاقة، شعور بالنجاح اجتاحني. كل تعويذة كنت أصنعها الآن كانت محسوبة، كل حركة لها سبب، وكل ترنيمة تجعل النار تتفاعل بشكل مختلف.
مرت ساعات طويلة. كنت أكرر التعاويذ، أصحح الأخطاء، أضبط القوة والاتجاه. لم تكن التعاويذ ضخمة أو overpower، لكنها كانت فعالة بدائية، كافية لإحداث فرق في مواجهة أي خصم عادي.
رحت أختبر المدى والسرعة، ثم قمت بصنع كرة نار تطير بسرعة نحو صخرة بعيدة، تتفجر عند الاصطدام وتبعثر الرماد في الهواء. بعد ذلك، جربت شعاعًا ضيقًا، أكثر دقة، يمكن استخدامه للهجوم على هدف محدد.
تعلمت شيئًا مهمًا: النار ليست فقط قوة مدمرة، بل أداة للتوجيه والتحكم. كانت كل تعويذة بمثابة اختبار لي، لتدريب يديّ، عقلي، وإحساسي بالعنصر.
رحت أبتكر تعاويذ هجومية صغيرة متنوعة:
شرارات متتالية، تنفجر واحدة تلو الأخرى.
كرات نار متوسطة الحجم، تتحرك ببطء لتزيد الضغط النفسي على الخصم.
شعاع ضيق مركز، لتوجيه الهجوم بشكل دقيق دون إهدار القوة.
كل تمرين تركني مرهقًا جدًا، جسدي متعب، ويداي ساخنتان رغم الضمادات، لكن شعور الإنجاز كان أقوى. لأول مرة، شعرت بأن النار أصبحت جزءًا مني، وأنني أستطيع التعامل معها بثقة.
مونو ابتسمت، وكأنها تعرف شعوري الداخلي:
"تراه؟ لم تعد النار تهددك… أصبحت تحت سيطرتك. كل خطوة صغيرة الآن، تصنع الفارق الكبير لاحقًا."
ابتسمت، شعور بالفخر يختلط بالتعب، والحرارة تتغلغل في يدي بطريقة لطيفة. لم تكن التعاويذ هائلة، لكنها كانت بداية حقيقية. لأول مرة، شعرت أنني أملك عنصرًا هجوميًا يمكنني الاعتماد عليه، حتى لو كان بدائيًا، وحتى لو تطلب مني تدريبًا طويلًا جدًا للوصول إلى الإتقان الكامل.
جلست على الأرض بعد آخر تمرين، أنفاسي متقطعة، عيني تلمعان بالرضا، والنار في يدي هادئة ومستعدة للاستجابة لأي أمر أصدره. شعرت بأن رحلة السيطرة على النار بدأت للتو، وأنني كنت على وشك اكتشاف حدودي الحقيقية، وحدود قوتي الحقيقية كساحر قادر على ثلاثة عناصر معًا.
جلست على الأرض، يدي لا تزال ملفوفة بالضمادات المقاومة للنار، لكن شعور الفضول والخوف يختلط بداخلي. كل التدريب، كل التعاويذ الصغيرة التي صنعتها، جعلتني أشعر بقوة متنامية، بشيء بدا وكأنه يهمس لي: "جرب شيئًا أكبر… الآن."
ابتعدت مونو خطوات قليلة، عينها الثاقبتان تتبعاني بحذر، وجهها صارم:
"بليك… توقف! هذه النار… هذه تعويذة متوسطة القوة. لن تستطيع السيطرة عليها بعد! لو حاولت الآن، ستحرق يدك… أو أكثر من ذلك."
لكن قلبي كان يشتعل، ليس بالنار… بل بالجنون، بالرغبة الملحة لاختبار قوتي. لم أستطع الانتظار أكثر.
"لا… أستطيع!" صرخت، كأن الكلمات نفسها هي التي تدفعني للأمام.
رفع يدي، تجمع المانا في داخلي، شعرت بالحرارة تتصاعد مع كل نبضة قلب. حاولت استدعاء التعويذة، أحسست بالطاقة تتشكل، تتدفق، لكنها كانت مختلفة… ضخمة، غاضبة، غير مطيعة.
"بليك… لا!" صرخت مونو، لكن صوتها لم يصل. شعرت بالنار تنطلق مني قبل أن أتمكن من السيطرة عليها.
كانت لحظة صمت قبل الانفجار. ثم فجأة… شعرت بسخونة لا توصف تتسلل في صدري، في يدي، في كل جسدي. النار لم تعد مجرد أداة… بل كانت شراسة لا يمكن احتواؤها. حاولت كبحها، لكن كل قوة في داخلي ذهبت سدى.
صرخة، ألم، فزع… كل شيء امتزج في لحظة واحدة. شعرت بأن كتلة من النار تتفجر من داخلي، تكاد تبتلع كل شيء حولي. الرائحة، الحرارة، الانفجار الداخلي… شعرت بأن صدري يتحول إلى كتلة من اللحم المتفحم، جسدي لا يملك القدرة على المقاومة.
سقطت على الأرض، الهواء من حولي مشبع بالدخان واللهب، وكل شيء صار هادئًا… مرعبًا، قاتلًا، لا حياة فيه سوى رماد النار.
مونو ركضت نحوي، لكن كان الأوان قد فات. الصدمة كانت كبيرة جدًا، النار فقدت السيطرة بالكامل، وصدري أصبح كتلة متفحمة، جسدي متأذٍ، والوجع الذي شعرت به يتجاوز أي وصف.
صمت رهيب، لا أصوات سوى خرير النار الميتة، ورائحة اللحم المحروق تنتشر في الجو.
وفجأة، أدركت الحقيقة المرعبة: أنني لم أستمع للتحذير، وأن القوة التي حاولت استدعاءها كانت أكبر من قدرتي، وأن النتيجة كانت كارثية بالكامل.
كان المشهد مؤلمًا… ليس مجرد ألم جسدي، بل ألم نفسي، شعور بالهزيمة، شعور بأن الحياة التي اعتقدت أنني أسيطر عليها قد احترقت تمامًا.
الدخان ما زال يتصاعد حولي، والحرارة تتركني مرتعشًا على الأرض. شعرت بحركة سريعة، ولمحت مونو تنقض نحوي كطيفٍ من الضوء وسط الرماد، يديها تتوهج بطاقة سحر الشفاء.
"بليك… صرخاتك لن تنقذك هذه المرة!" قالت، وعيناها مليئتان بالذعر والغضب معًا.
لم يكن هناك وقت للتهدئة، شعرت بالدفء يتسلل إلى صدري، الألم يبدأ بالانحسار تدريجيًا، النار في جسدي تتلاشى شيئًا فشيئًا، والضمادات البيضاء بدأت تلتصق على جسدي، محمية، ومخففة من أية أضرار لاحقة.
لكن الغضب في عينيها لم يخف. ارتجفت عندما رفعت يديها، وعيناها امتلأت بالدموع:
"أيمكنك أن تخبرني لماذا تفعل هذا بنفسك؟ لماذا…؟ كنت يمكن أن تموت، بليك! كنت قد… كنت قد تموت!"
سمعت صوتها ينكسر، البكاء يختلط بالغضب، كل كلمة تتوهج بالألم والذنب. قلبت وجهي بعيدًا، لكن شعور الذنب اجتاحني بشدة، كأن كل دمعة تتساقط على الأرض كانت تثقل روحي.
"مونو… أنا… أنا آسف… كنت غبيًا…" همست، وكأن الكلمات وحدها لا تكفي.
لم أستطع التحمل أكثر، اقتربت منها، وضممتها بقوة، شعرت بهدوئها يتصدع تحت يدي، شعرت بالبكاء يختلط بيدي، وكأنها تحتاج إلى هذا الاحتضان بقدر ما أنا أحتاجه.
"لا… لا تقلقيني هكذا مجددًا…" قلت، صوتي مكسور، لكنه صادق. "أعدك… لن أفعل شيئًا متهورًا بعد الآن… لن أخذلك، ولن أخذلك نفسي… ولن أخذلكِ."
بدأت مونو ترتجف بين ذراعيّ، دموعها تتساقط بلا توقف، وأنا أشعر بالألم الذي يعتصر قلبها وكأنه ينعكس على جسدي. لم نكن بحاجة للكلمات بعد الآن، فقط حضنٌ طويل، حضنٌ صادق، يعبر عن الخوف، الغضب، الحب، الذنب، والارتباط الذي نما بيننا خلال كل التدريب والفشل والنجاح.
ثم رفعت رأسها قليلاً، نظرت إليّ بعينين حمراوين من البكاء، لكنها مليئتان بالحب والقلق:
"بليك… لا تفعل ذلك أبدًا مجددًا… ليس فقط لنفسك… لأجلي أيضًا…"
ابتسمت ابتسامة صغيرة، مرهقة، لكنها مليئة بالدفء. شعرت أن كل شيء داخلنا قد تغير. لم تعد مجرد علاقة معلمة وتلميذ… أصبحنا متصلين بشيء أعمق، شيء لا يمكن للكلمات وحدها أن تصفه.
همست بصوتٍ حزين لكنه ثابت:
"لن أتركك تقلقي هكذا… أبدًا، مونو. سأحميك كما تحمينني."
صمت عميق ساد الغابة، الدخان تلاشى، والهدوء عاد تدريجيًا، لكن حرارة اللحظة لم تختفِ. كانت تجربة الألم، الخوف، والارتباط العميق بيننا قد تركت أثرًا لا يمحى، علامة على أن كل قوة، كل عنصر، وكل خطأ يمكن أن يحملنا إلى أقصى الحدود… إذا لم نتعلم السيطرة عليه بحذر.