لم أكن أظن يومًا أن الجسد البشري قادر على حمل أكثر من شعلة في آنٍ واحد. لطالما اعتقدت أنّ الروح مثل كأس زجاجية، يكفيها أن تمتلئ بعنصر واحد حتى تفيض وتتحطّم لو حاولت صب المزيد. كنت راضيًا بهذا المنطق… إلى أن وقفت اليوم في ساحة التدريب، تحت نظرات مونو الباردة، لأكتشف أنّ ما ظننته حدودًا نهائية لم يكن سوى بداية هاوية جديدة.
أقف ويدي اليمنى مشتعلة بوميض النار، بينما اليسرى تنبض ببرودة الجليد الذي تعلمته مؤخرًا. حاولت أن أجعل اليدين تتناغمان، لكن ما كان يحدث أشبه بعراك داخلي: النار تريد ابتلاع الجليد، والجليد يريد خنق النار. جسدي صار ساحة حرب، وأنا مجرّد حَكَم عاجز لا يملك صافرة لإيقاف المباراة.
أشعر بعروقي تحترق ثم تتجمّد في اللحظة نفسها، كأن الدم يجري في جسدين متوازيين، أحدهما يشتعل والآخر يتجمد. كل خلية في داخلي تصرخ: "توقف… هذا انتحار". ومع ذلك، جزء عنيد مني يرفض التراجع. كنت أسمع ضحكة ساخرة داخل رأسي، ضحكة مألوفة… ضحكة الخوف الذي سكنني منذ الطفولة، كأنه يقول: "أنت لا تصلح… لا يمكنك فعل المستحيل".
صرخت بأعلى صوتي لأُسكت ذلك الهمس، لكن الصوت ارتدّ في داخلي فقط. النار في يدي اليمنى التهمت أصابعي، والجليد في اليسرى شلّ ذراعي حتى المرفق. ركعت على الأرض وأنا أتصبب عرقًا باردًا وساخنًا في الوقت ذاته. شعرت بأنني سأتمزق نصفين، نصفي يحترق ونصفي الآخر يتفتت كالزجاج.
عندها سمعت خطوات هادئة تقترب، وصوتًا ناعمًا ولكنه حازم يخترق دوامة عذابي:
– "بليك… لا تقاتل العنصرين وكأنهما خصمان. فكر بهما كراقصين في مسرح واحد."
رفعت رأسي فرأيت مونو واقفة، يداها معقودتان خلف ظهرها، عيناها تشعان بصرامة لا تعرف الشفقة. قالت بنبرة من يعرف أسرارًا أكبر من حدود البشر:
– "النار والجليد ليسا أعداء. هما نقيضان، نعم، لكن النقيض لا يكتمل إلا بوجود الآخر. لو أردت أن تحكمهما معًا، عليك أن تصبح أنت المسرح، وأنت القاعدة التي يقفان فوقها."
كلماتها لم تدخل أذني فقط، بل غرست نفسها في صدري. أخذت نفسًا عميقًا، وأغمضت عينيّ. لم أحاول إجبار النار على الصمود ولا الجليد على البقاء. تركت الاثنين يندفعان، يصرخان، يتشابكان… ثم حاولت أن أحتويهما كأمّ تحتضن طفلين شقيّين.
ثوانٍ قليلة بدت كدهر. كنت أشعر بكل عرق ينبض وكأنه خيط من لهب يتجمّد في اللحظة نفسها. لكن فجأة… ساد الصمت. النار لم تعد تحاول ابتلاع الجليد، والجليد لم يعد يريد خنق النار. كلاهما كانا هناك، متجاورين، يتنفسان من خلالي، كأن جسدي صار جسرًا هشًا ولكنه صامد.
فتحت عينيّ فرأيت مشهدًا لم أره من قبل: لهب أزرق يتراقص فوق كفي، ليس نارًا خالصة ولا جليدًا محضًا، بل خليط غريب بين الدفء والبرودة. مزيج كان يضيء الساحة بضوءٍ يشبه فجرًا يولد من ظلامين.
مونو ابتسمت ابتسامة صغيرة، نادرة، وقالت:
– "هكذا يا بليك… هكذا يبدأ الطريق إلى المستحيل."
اليوم تلو الآخر، ظللت أقف في الساحة، كل يوم أشعر بأن جسدي يرفض أن يكون أكثر من إناء للعنصرين معًا. النار والجليد، النار والجليد… كررت الكلمات في رأسي وكأنها تعويذة، لكن كل محاولة كانت تفشل فشلًا ذريًا. أصابعي تحترق، ويداي تتجمد، وقلبي كاد يتمزق بين دفء يحرق وبرودة تشلّ.
لم أعد أستطيع تمييز الواقع من الألم، وكل مرة أشعر بأن جسدي ينقسم إلى نصفين، نصف يصرخ من الحرارة، ونصف يصرخ من البرد. وقفت أحاول التنفس، أحاول السيطرة، لكنهما كانا كالطفلين الشقيين، كل واحد منهما يريد أن يأخذني إلى جهته، ولا يعرف كيف يرقص مع الآخر.
مرة، أطلقت النار بقوة أكبر، وحاولت أن أركب الجليد فوقها. انفجر الانسجام فجأة، تصاعدت ألسنة اللهب البيضاء إلى الأعلى، والجليد تفتت كزجاج رقيق. شعرت بصوت داخلي يقول: "كفى… أنت لست مستعدًا". وفعلاً، شعرت بجسدي ينهار، وكأن المانا داخلي حاولت إنقاذي قبل أن أدمّر نفسي بالكامل.
سقطت على ركبتيّ، والعرق يختلط بالدمع. المانا تدفقت داخلي بسرعة مذهلة، مثل سيل عاصف يغسل كل شيء، محاولةً تصحيح خطأي. شعرت بالقوة تتراجع مني، بعظامي تتشقق، بعض خيوط وعيي تتلاشى… ثم غابت الرؤية، وغاب العالم، وغاب كل شيء إلا صوت المانا نفسه، يهمس داخلي: "استرح… لن تدمر نفسك بعد الآن".
عندما فتحت عينيّ، كنت مستلقيًا على الأرض، والسماء فوقي تتراقص بألوان النار والجليد، لكنها لم تعد تخضع لإرادتي. مونو كانت هناك، جاثية بجانبي، عينها تحمل مزيجًا من القلق والصرامة المعتادة. لم تقل شيئًا، فقط مدت يديها لتثبت أنني بخير، ثم رفعت صوّتها بنبرة نصف محذرة، نصف مشجعة:
– "لقد جئت إلى حدودك… لكن لا تقلق، هذا لم ينتهِ بعد. جسدك وروحك بحاجة للوقت، لا للعذاب المستمر".
ابتسمت بابتسامة ضعيفة، شعرت بأنني صغير جدًا أمام هذه القوة التي أحاول السيطرة عليها، لكن شيء في داخلي رفض الاستسلام. حتى في الضعف، حتى في فقدان وعيي، شعرت بنار صغيرة، بلمسة برودة، تقول لي: "لن تتوقف… هذه هي البداية فقط".
ظللت ممددًا على الأرض، أسمع خطوات مونو تبتعد قليلًا، صوت تنفسها المنظم، وهدير المانا الذي بدأ يهدأ تدريجيًا. عرفت أنني اليوم لم أفشل فقط في دمج العنصرين… بل اكتشفت حدودي، وهذا أول درس حقيقي. الفشل لم يكن صفراً… بل كان تحذيرًا، درسًا، بداية الطريق الطويل نحو السيطرة الحقيقية.
الأيام تتابعت كبحر هائج، كل صباح كان يبدأ بنفس العبء ونفس الألم. استيقظت وأنا أشعر بأن جسدي لم يعد ملكي، وأن النار والجليد يعيقان كل حركة. لكنني كنت أصرّ على الوقوف، أصرّ على المحاولة مرة أخرى، رغم أن كل محاولة سابقة كانت تجعلني أشعر بأنني أقل من مجرد بشر.
في البداية، كانت محاولاتي مجرد فوضى مطلقة. أطلق النار على الأرض، فتتبخر تحت أصابعي، وأحاول تشكيل الجليد في الهواء، فينهار قبل أن يصل إلى الأرض. أحيانًا، كانت الحرارة تحرقني بشدة، وأحيانًا أخرى كان البرد يخنقني حتى أحسست بأن أصابعي لن تتحرك مرة أخرى. كل محاولة كانت درسًا جديدًا، وكل فشل كان يحرق روحي أكثر من جسدي.
مونو كانت تراقبني من بعيد، أحيانًا تضحك بطريقة ساخرة:
– "أتعرف، النار والجليد ليستا أعداءك… لكنك تصرّ على معاملتهما كمقاتلين منفصلين."
أحيانًا أخرى، كانت صارمة حتى الألم:
– "إما أن تتحكم فيهما معًا، أو ستتعلم كيف يتراجعان قبل أن تدمّر نفسك."
كنت أستمع إلى نصائحها، أحاول تذكر كل كلمة، وكل حركة. أحيانًا كانت تمد يديها لتصحح وضع يدي، أحيانًا تسحبني بعيدًا عن انفجار محتمل، وأحيانًا تحمل ابتسامة هادئة تقول لي بصمت: "يمكنك فعلها… فقط ركّز."
مرت أيام، ثم أسابيع، وأنا أعيد التجربة مرارًا وتكرارًا. كل يوم أتعلم شيئًا جديدًا: كيف أحرك النار دون أن أذيب الجليد، كيف أبرد الجليد دون أن أخمد النار، كيف أتنفس وأتناغم مع التناغم الداخلي للعنصرين في وقت واحد. كانت كل لحظة ألم، كل اندفاع حاد للمانا داخلي، كل غشيان وفقدان وعي… تدريبًا على الصبر.
وفي أحد الأيام، حدث شيء لم أكن أتوقعه. لم يكن نجاحًا كاملًا، لكنه كان علامة، ومؤشرًا صغيرًا على أن جسدي وروحي بدأوا يلتقطان الإيقاع. أطلقت النار، وكانت حارة ولكنها لم تحرق، شكلت الجليد، وكان صلبًا لكنه لا يصد النار. شعرت بأن يديّ تتناغم معًا، وأن قلبي لم يعد يتمزق بين دفء وبرودة. لم يكن مثاليًا، لكنه كان صحيحًا.
مونو وقفت أمامي، عيناها تتلألأان بالدهشة والرضا:
– "أخيرًا… لم يكن سهلاً، لكنك بدأت ترى الضوء في الفوضى."
ابتسمت، لم يكن انتصارًا كاملًا بعد، لكنه كان أكثر من مجرد فشل. كان شعورًا بأنني بدأت ألمس السيطرة الحقيقية، لأول مرة شعرت بأن النار والجليد، وهما عنصران متعارضان، كانا يتقبّلان وجودي معهما.
وعندما أسدل الليل ستاره، جلست وحدي على صخرة صغيرة، أراقب ألسنة النار والجليد تتناغم أمامي برفق. لم يكن الانتصار كاملًا بعد، لكن شعرت لأول مرة بأنني لست مجرد تلميذ يحاول النجاة… بل مقاتل يبدأ رحلته الحقيقية، ورغم الصعوبات، كنت أعلم أن هذا الطريق الطويل، المليء بالألم والفشل، سيقودني يومًا إلى السيطرة الحقيقية على عنصريه.
كانت لحظة صمتٍ هادئة، شعرت فيها بأن المانا داخلي تتنفس معي، كأنها تقول: "أنت تبدأ أن تكون سيدك، يا بليك… فقط لا تتوقف الآن."
مع مرور الأيام، بدأت المحاولات الفاشلة تتحول تدريجيًا إلى لحظات صغيرة من النجاح. كل صباح أصبح أقصر قليلًا في شعوره بالانهزام، وكل مساء، كنت أستيقظ أقل إرهاقًا من السابق. كنت ألاحظ تغيّرًا طفيفًا في المانا بداخلي؛ لم تعد تتشتت كليًا بين النار والجليد، بل بدأت تتقبل فكرة الانسجام، ولو بشكل هش.
كنت أبدأ التجارب بالتركيز على التنفس أولًا، محاولة التوازن بين دفء النار وبرودة الجليد، أحيانًا يتسرب مني جزء من الطاقة في انفجار غير محسوب، وأحيانًا أحافظ على التحكم لثوانٍ أطول. مونو كانت دائمًا موجودة، تراقب، تصحح، تحذر، وتضحك أحيانًا بطريقة طريفة:
– "بليك، لو كنت تحاول طبخ الثلج بدلًا من حرقه، ربما ستفهم أخيرًا كيف تتناغم العناصر!"
لم أستطع إلا أن أضحك، رغم شعوري بالإحباط من الفشل المستمر. كانت نصائحها، سواء الساخرة أو الحازمة، تشبه دفعة صغيرة للروح، تمنحني القدرة على المحاولة مرة أخرى.
وفي لحظة انعزالٍ عميق، شعرت لأول مرة بشيء مختلف. لم يكن مجرد توازن بين النار والجليد، بل شعرت بأنهما يتنفسان معي، يراقبانني، يستمعان لإرادتي بدلًا من أن يتحركا بلا هوادة. بدأت أطلق النار، لا تشتعل بعنف، أُوجّهها بخفة، وأشكل الجليد حولها لتقيّد مسارها وتحميني من ارتداداتها. كانت لحظة هشة لكنها صحيحة.
بعد عدة محاولات، جاء اليوم الذي أطلق فيه موجة نارية صغيرة تتخللها شظايا جليدية، تصطدم بالهدف المحدد أمامي، لا تتفكك، ولا تحترق قبل الوصول. شعرت حينها بانفجار داخلي من الفرح، وكأن جسدي وروحي قد شعرا لأول مرة بثمرة الصبر المستمر.
مونو اقتربت مني، عينيها تلمعان بفخر، لكنها لم تتدخل لتصحح أي شيء. فقط قالت بصوت خافت، لكنه حازم:
– "هذه البداية، بليك… لقد تجاوزت الخطوة الأولى، لكن الطريق لا يزال طويلًا. حافظ على التوازن، ولا تدع الكبرياء يسيطر على قلبك."
ابتسمت وأنا أشعر بثقل المسؤولية، لكن أيضًا بحرارة الانتصار الداخلي. كانت لحظة صغيرة، لكنها شعرت وكأنها بداية لشيء أكبر، بداية لتحكم حقيقي في عنصرين متضادين، بداية لإدراك أن القوة الحقيقية لا تأتي من السيطرة المطلقة، بل من الانسجام والصبر والثقة بالنفس.
مع نهاية اليوم، جلست مرة أخرى على الصخرة التي أصبحت شاهدة على كل محاولاتي وفشلي وانتصاراتي الجزئية، أراقب النار والجليد يتناغمان أمامي، شعرت لأول مرة بأن هذه القوة التي كنت أظنها مستحيلة، قد أصبحت جزءًا مني… وأنني أخيرًا بدأت الرحلة الحقيقية نحو السيطرة الكاملة على عنصريه.
جلست أمام الصخرة الضخمة، نفس المكان الذي شهد آلاف محاولاتي الفاشلة، شعرت برعشة خفيفة تسري في يدي وظهري. كانت النار تتأجج بداخلي، والجليد يبرّد أطرافي في نفس الوقت، وكأن قلبي ذاته يرفض أن يهدأ. مونو وقفت خلفي، صامتة، تنظر بعينيها اللتان تجمعان بين الحزم والفخر، وكأنها تعرف أن هذه اللحظة قد تغيّر كل شيء.
تنفست بعمق، ركزت كل مشاعري: غضب الماضي، إحباط الفشل، كل خيبة أمل، وكل لحظة نجاح صغيرة. لم يعد الأمر مجرد تدريب، بل شعرت أن حياتي كلها تتجمع في هذه اللحظة الواحدة. جمعت يدي، وبدأت المانا تتدفق في داخلي بطريقة مختلفة؛ النار تتوحد مع الجليد بدلًا من التقاتل، تتشابك في دائرة متوازنة حول يدي.
أطلقت الطاقة على الصخرة. أول وهلة، بدا الأمر غير مستقر؛ انفجرت النار إلى الخارج، والجليد تساقط على الحواف، لكنني لم أستسلم. أعدت التنفس، ضبطت تركيزي، وشعرت فجأة بأن العناصر تستمع لي، تتبع إرادتي وليس العكس. ومع نفس التنفس الأخير، ضربت الصخرة بموجة هجومية متناسقة؛ النار الجارفة تتخللها شظايا جليدية حادة، تصطدم بالصخرة، تهزها من أساسها، وتشقها ببطء إلى نصفين.
ارتفع الغبار والشرر في الهواء، ووقفت مذهولًا، قلبي يدق بعنف، يدي ترتجف من التعب، والعاطفة تغمرني: الفرح، الإعجاب بنفسي، والشكر لمونو. التفت إليها، ووجدتها تبتسم لأول مرة بهذا الشكل، دمعة صغيرة تتلألأ في زاوية عينها:
– "بليك… لقد فعلتها. هذه المرة، لم يكن مجرد تدريب، لقد أصبحت تعرف كيف تسيطر على العناصر وليس كيف تُقهرها."
انفجرت مشاعري داخلي، شعور بالإنجاز لم أشعر به من قبل، امتزج بالخوف من أن أفقد هذا التوازن، وبالإثارة لمعرفة حدود قوتي الجديدة. لم يكن الأمر مجرد السيطرة على النار والجليد، بل اكتشاف أن الإرادة والصبر هما ما يصنعان القوة الحقيقية.
جلست بعدها على الأرض، أراقب الصخرة المهشمة أمامي، أتلمس جسدي المتعب، وروحي التي لم تعد خائفة من مواجهة الفشل. مونو اقتربت، وضعت يدها على كتفي، وقالت بصوت دافئ:
– "تذكر هذا الشعور، بليك. كلما واجهت صعوبة أكبر، هذا التوازن هو ما سيحميك… وسيجعلك أقوى."
ابتسمت، وأنا أعلم أن هذه اللحظة، رغم كونها البداية الحقيقية لاستخدام عنصرين معًا، ستكون حجر الأساس لكل ما سأواجهه لاحقًا في رحلتي. كانت البداية الأولى للسيطرة، البداية الأولى للانتصار، ولحظة شعرت فيها بأن النار والجليد أصبحا جزءًا مني، جزءًا من إرادتي، جزءًا من نفسي.
جلسنا على حافة الحقل، الغبار يتلاشى في الهواء والرياح الخفيفة تهز شعري. كانت يدي لا تزال ترتجف قليلاً من قوة الموجة الهجومية، وصدري يلهث من التوتر والانتصار معًا. مونو جلست بجانبي، مبتسمة بطريقة غير مألوفة، تراقبني بعينين تجمعان بين الإعجاب والمرح.
– "لم أكن أعتقد أنك ستنجح اليوم،" قالت مونو، وهي تحرك إصبعها نحو وجهي كأنها تريد أن تتأكد أنني ما زلت على قيد الحياة.
– "كنت أريد فقط… ألا أنفجر…" حاولت أن أبتسم، لكنه كان ابتسامة متوترة.
ضحكت مونو بصوت خافت، ثم رفعت يدها وسحبت شعري بلمسة خفيفة، مزاحها المعتاد، ولكن بطريقة دافئة أكثر من أي وقت مضى.
– "أعتقد أن النار والجليد قد وقعا في حبك أخيرًا… أو على الأقل، حاولوا. عليك أن تعتاد عليهم، فهم عنيدون مثلك."
ابتسمت أخيرًا بحرية، شعرت بأن التوتر يذوب ببطء، وأن كل محاولاتي السابقة لم تذهب هباءً. أغمضت عيني للحظة، استنشقت الهواء النقي، واستشعرت طاقة المانا التي تتدفق بداخلي بهدوء، هذه المرة بلا صراعات أو انفجارات. شعور بالنصر الداخلي، بالسلام مع نفسي، اجتاحني.
– "مونو… شكرًا لك،" قلت بصوت خافت، لكن صادق. "لصبرك، ولثقتك بي… حتى عندما كنت أظن أني فاشل."
ابتسمت، ولم تتكلم، لكنها ضغطت على كتفي برفق، وكأنها تقول: "أعرف أنك لم تعد فاشلًا."
ثم فجأة، قامت مونو بحركة مفاجئة، ورشت على ي يدي القليل من الماء، ممزوجًا بشرر ناري صغير، فصرخت بشكل نصف مزاح ونصف توتر:
– "هيه! ماذا تفعلين؟!"
ضحكت مونو بشكل صاخب، وأنا أضربها بخفة على كتفها، ناسين كل التعب والضغط للحظات.
جلست بعدها، ناظرًا إلى الشمس الغاربة، والشعور بالانتصار الداخلي يغمرني: لم يعد الأمر مجرد تدريب أو استخدام عناصر؛ شعرت أنني تجاوزت مرحلة الخوف، وأن النار والجليد أصبحا جزءًا من إرادتي، جزءًا من نفسي. هذه اللحظة، بكل ضحكها، مزاحها، وهدوءها، كانت أكثر قيمة من أي انتصار على صخرة أو خصم.
ابتسمت، وأنا أعلم أن هذه البداية الحقيقية لاستخدام قوتي، وأن كل يوم بعد هذا سيكون أكثر تحديًا وإثارة، لكنني لم أعد خائفًا، لأنني شعرت لأول مرة بأنني… أستطيع أن أثق بقوتي وبنفسي، وبوجود من يساندني بجانبي