80 - اليوم 5 في غابة الضباب المخفية

لم يكن الليل هذه المرة مجرد ستارة سوداء تُسدل على الغابة.

كان أشبه بوحشٍ يمد مخالبه من كل زاوية، يخنق الهواء ويزرع الخوف في كل جذع شجرة وكل نسمة ريح.

المطر توقف أخيرًا…

لكن الأرض لم تجف بعد، كانت تئن تحت وزنه، طينٌ يلتصق بالحذاء وصوت قطرات متقطعة تسقط من أوراق الأشجار كأنها دموع متأخرة.

كنت مرهقًا، جسدي يئن من آثار المعركة السابقة، وروحي مثقلة بما رأيته في الرؤى. لم أعد أحتمل المزيد من البرد.

حين لمح بصري فتحة سوداء عند سفح صخرة ضخمة، أدركت أن الليل نفسه يهمس لي:

> "ادخل… هنا ستجد مأواك."

ترددت لحظة. الكهوف ليست آمنة، ربما تسكنها وحوش أخرى. لكن التعب كان أقوى من خوفي.

تقدمت ببطء، قدماي تغوصان في الوحل، حتى وقفت أمام الفتحة. كان فم الكهف عريضًا كفكٍّ حجري يريد ابتلاعي.

دخلت.

خطوة بعد أخرى، والظلام يبتلعني أكثر فأكثر. لم يكن هناك سوى صدى أنفاسي، ورائحة رطوبة كثيفة تلسع أنفي.

ثم… سمعته.

صوت مياه تتساقط في الأعماق، ينكسر صداه على جدران الحجر كأن الكهف نفسه يتنفس. مياه جوفية… دليل على أن هذا المكان حيّ.

رفعت يدي اليمنى، أغمضت عيني، واستدعيت دفء اللهيب:

"تنفس النار… اشتعلي."

توهجت شرارة عند أطراف أصابعي، ثم اتسعت، صارت نارًا صغيرة تتراقص في كفي. ألقيتها على بعض الأغصان اليابسة التي التقطتها قبل دخولي، فاشتعلت النيران ببطء، ترسم دوائر برتقالية على جدران الكهف.

الدفء عاد إلى عروقي.

جلست قرب النار، أراقب ظلال الصخور تتحرك مثل أشباح راقصة حولي.

أغمضت عيني، وسمحت لليل أن ينسحب بعيدًا، ولأفكاري أن تغرق في هدوء النار والماء.

هذه الليلة…

سأقضيها هنا، بين قلب الكهف وصدى الأرض، بعيدًا عن كل شيء.

وغدًا… غدًا سأخرج لمواجهة ما ينتظرني.

لا أدري كم مرّ من الوقت منذ أن غلبني النوم قرب النار.

كل ما أتذكره هو دفء اللهيب، وهدير الماء الجوفي في الأعماق… ثم الظلام ابتلعني.

لكن فجأة…

فتحت عيني.

لم يكن السبب حلمًا مزعجًا… بل ذلك الصوت.

صوت غريب، مشوه، كأن شيئًا يجرّ نفسه فوق الحجارة بأظافر معدنية.

خشخشة… تلتها خربشة… ثم صوت خافت يشبه صرير حيوان يحتضر.

شعرت بدمائي تتجمد.

لم تكن هذه أصوات صادرة من قطرات الماء. لم تكن الريح. هذا… شيء حي.

وقفت ببطء، قبضتي على صدري أهدئ ارتجاف أنفاسي، ثم مددت يدي إلى فراغ الهواء بجانبي.

هناك… حيث يخزن سيفي دائمًا في ذلك الفراغ بين الواقع والمانا.

سحبته… فظهر بين يدي بخفة، وارتجف نصلُهُ انعكاسًا مع ضوء النار.

خطوة للأمام… ثم أخرى.

كلما تعمقت داخل الكهف، ازدادت الرائحة النتنة. رائحة دماء قديمة ممزوجة بالعفن.

ثم رأيتهم.

أول واحد ظهر من العتمة…

كنت أظنه امرأة في البداية، لكن سرعان ما انقشع الوهم.

جسد عارٍ مشوه، بلا رأس… وفي مكانه خرج أنبوب غريب، ملتوي كالأفعى، ينتهي بفتحة مظلمة تنفتح وتغلق كفم يلهث.

ذراعاها انتهتا بمخالب، وإحداهما كانت أكبر حجمًا، أشبه بفك مليء بالأسنان.

أما ساقاها، فقد كانت مغطاة بأنسجة حمراء مشدودة، كعضلات مكشوفة بلا جلد. ومن خصرها تدلت أنسجة ملتوية تشبه الأمعاء، تتأرجح مع كل خطوة.

لكن لم تكن وحيدة.

الظلام انشقّ عن آخر… ثم آخر… حتى أحصيت قرابة العشرة.

جميعهم يزحفون نحوي ببطء، أقدامهم تخدش الصخور، وأنابيب رؤوسهم تصدر صفيرًا مرعبًا.

أدركت أن الكهف الذي اخترته مأوى… كان في الحقيقة عشًّا لهم.

بلحظة، اندفعوا معًا.

صرخة معدنية هزّت الجدران، والمخالب تهوي من كل اتجاه.

رفعت سيفي بكل قوتي، النصل يشقّ الهواء، يلتقي باللحم المتحور، الدماء تتناثر على الجدار الحجري.

لم يعد أمامي سوى خيار واحد:

القتال… حتى آخر نفس.

الوحوش العشرة اندفعت نحوي كالسيل العاصف، أصوات المخالب على الصخور كانت كقرع طبول الموت.

لم يكن لدي خيار سوى الرد، وقلبي ينبض في صدري كطبلة جنائزية.

رفعت سيفي، وفي لحظة… انفجرت المانا داخلي.

النار خرجت من راحتي، تلتهم الهواء أمامي. شعلة صغيرة بدأت تتسلق جدران الكهف، تلتمع على أنابيب الرؤوس الملتوية، فتضرب أحد الوحوش مباشرة، وينفجر رأسه كفقاعة داكنة، يتطاير منها الدم والأنسجة الملتوية.

لكن الوحوش لم تتوقف. أحدهم، الأكبر حجمًا، اقترب مني بسرعة غير متوقعة، المخلب العملاق يلتف حولي كالأفعى.

بذكاء مفاجئ، استخدمت الجليد من المانا، فشكلت جدارًا ثلجيًا أمام المخلب، أصاب المخلب بالصدمة، وانفجرت قطعة من جليده في الهواء، مطرًا على الوحش وجعله يتراجع.

لكن الوحش الآخر، ذو الأنابيب الأكثر تشوهًا، قفز من فوق جثة زميله، يهاجمني من الأعلى.

رفعت سيفي، وبدون تفكير، دمجت بين النار والجليد: اللهب الساخن يذوب العظام المتحولة، والثلج يجمّد العضلات المكشوفة.

صراع سريع بين السيف والعناصر جعل الوحش يصرخ بصوت خنق، رأسه الملتوي ينفصل فجأة، يتحطم مثل الخرسانة، وينهار على الأرض.

لم أتمالك نفسي…

قلبت الموقف ضد الوحوش مثل وحش. أطلقت موجة نارية أفقية، تدفقت عبر الكهف، لتقضي على اثنين آخرين يزحفان على الأرض، مختلطين بالظلال والدماء.

الجليد يخلق فخاخًا على الأرض، يجعل الوحوش الأخرى تنزلق وتفقد توازنها، وأستخدم السيف لتقطيع الأذرع المخلبية الكبيرة، كل ضربة تنفجر معها الدماء والأنسجة.

وحش آخر اقترب مني بشكل مفاجئ، ذراعه الملتوية كالكوابح المعدنية، يحاول خنقي.

في لحظة، رفعت يدي، وظهرت كرة ماء مشتعلة بالنار، أطلقتها بسرعة نحو فكه الملتوي.

انفجار الهجوم ضرب الوحش، تناثرت أطرافه في الهواء، وصرخ صرخة اختناق غريبة، كأنها مزجت بين الألم والغضب.

كنت أتنفس بصعوبة، المانا تتدفق بلا توقف، والدماء تغطي يدي وسيفي، والوحوش الباقية لم تعد تتقدم بنفس الثقة.

أطلقت تعويذة النار المركبة، ودمجتها مع سحر الأرض، فتكوّنت كرات نارية صخرية تدور في دائرة، تصطدم بكل وحش يقترب مني، تفجيرات صغيرة تصم الآذان وتملأ الكهف بدخان الدم والتراب المشتعل.

وحش آخر، أقل حجمًا، لكن أكثر دهاءً، حاول التسلل من الخلف، أطلقت العنان للمانا المائية، فجعلت الأرض تنشأ بشكل زلق، ففقد الوحش توازنه وسقط على مخالب أحد رفاقه، وانفتح فمه، وصرخة استمرت دقائق قبل أن يسكت للأبد.

القتال استمر بلا توقف، كل ضربة من سيفي كانت حادة كالسيف على الفولاذ، كل تعويذة نار وجليد وماء وأرض تتناغم مع كل حركة، حتى بدا الكهف كجحيم من الدم والنار والثلج.

أخيرًا، بعد دقائق امتدت كالساعات، الوحوش الباقية تراجعت، أصواتها المكتومة تتلاشى بين الصخور.

الدماء والأنسجة الممزقة تغطي الأرض، ولكن شعور الانتصار يتغلغل في عروقي.

سيفي ما زال في يدي، يلمع بضوء باهت بين بقايا النار والجليد، وكأن الكهف كله يثني عليّ.

الوحوش اختفت، أو ربما… دفنت تحت الصخور المحترقة والمجمدة.

تنفست ببطء، قلب ينبض بقوة، جسدي منهك، لكن إرادتي قوية أكثر من أي وقت مضى.

الدماء على يدي لم تكن لعنتي، بل شهادة على قدرتي على النجاة، على التحول إلى شيء أقوى… شيء يفرض الخوف على من يجرؤ على مواجهته.

جلست على أحد الصخور، أنظر إلى جسدي الملطخ والكهف الذي كان قبل قليل مسرحًا للجحيم.

أتلمس جرحًا في يدي، وأبتسم رغم الألم.

اليوم، الكهف لم يكن مجرد مأوى، بل اختبار حقيقي… وأثبت أنني أكثر من مجرد فتى يحلم بالقوة.

بعد أن هدأ الكهف تدريجيًا، بقيت أنا واقفًا وسط الدمار، أصوات قطرات الماء تتساقط من سقف الكهف على الأرض المبللة بالدماء والثلج المذاب، كأنها طبلة تذكّرني بصرخة الوحوش الأخيرة.

لم أستطع أن أترك الأمور هكذا… شيء في هذا المكان يثير قلقي، أثر الوحوش لم يكن عشوائيًا. رأيت آثار أقدام ملتوية، أنابيب الرأس الملتوية تركت ندوبًا على الصخور، وكأنها تحاول أن تخفي طريقها، لكن المانا الخاصة بي ساعدتني على تتبعها.

دخلت أعماق الكهف، حيث الضوء الناري والجليدي بدأ يضعف، والظلال تتسلل من كل زاوية.

كل خطوة أصدر صدى طويل، وكل صدى يذكّرني بصوت همسات غامضة، كأن الصخور نفسها تحكي عن شيء مظلم.

الجو بدأ يتغير، الرطوبة زادت، والهواء أصبح ثقيلًا ومليئًا برائحة الحديد والصدأ والموت. شعرت كما لو أن الحجارة نفسها تراقبني، تهمس لي بأسرار لا أرغب في معرفتها.

كلما غصت أعمق، كلما شعرت بأن عقلي يحاول خداعي… أصوات خطوات لم أسمعها، همسات ضعيفة تتخلل صدى قطرات الماء، ظلال تتحرك على الجدران بشكل غير منطقي، وكأن الكهف نفسه يتنفس.

في لحظة، رأيت تمثالًا غريب الشكل على جانب أحد الممرات، أشبه بجسد إنسان متحول متجمد في صراخ أبدي.

الدم تجمد على الصخور المحيطة به، والعظام تكسر في الزوايا. شعرت بتسارع قلبي، لم أكن متأكدًا إن كان هذا مجرد تأثير نفسي من التعب أم أن شيئًا في الكهف يتلاعب بعقلي.

تابعت المسار، ومع كل خطوة تزداد الظلمة كثافة، والمياه الجوفية تتجمع في برك صغيرة تصدر انعكاسات مشوهة للضوء، تجعلني أرى حركات لم تكن موجودة، كأن هناك عيون تراقبني من أعماق الظلام.

بعد ساعات من السير، أخيرًا وصلت إلى قاعة واسعة في عمق الكهف.

مكان لا يشبه أي شيء رأيته من قبل… الأرض مكسورة، الأعمدة الصخرية منهارة، وجدران القاعة مغطاة بعلامات حفر غريبة ونقوش قديمة مهترئة، وكأن الحضارات القديمة أو الوحوش نفسها قد عاشت هنا منذ سنين طويلة ولم يظهر أحد بعدها.

الغبار يملأ المكان، وسقوف الكهف شبه مهجورة، يقطر الماء ببطء من الأعلى على كتل الحطام. الهواء ثقيل، رائحته تعطي إحساسًا بالقدم والفناء. كل شيء حولي يبدو كأنه مجمد منذ عقود، ومع ذلك، هناك شعور غريب بأن شيء ما ما زال حيًا… يراقبني.

جلست للحظة على حافة بركة ماء جوفية، أنظر إلى انعكاس نفسي المتعب، والجدران المدمرة.

أدركت شيئًا مؤكدًا: لم يكن هذا المكان مجرد كهف عميق، بل نهاية مهجورة منذ سنين طويلة، مأوى لأسرار مظلمة لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.

كل شيء هنا يصرخ بالوحدة، بالعزلة، وبالقوة التي تجاوزت الزمن، وجعلت المكان حيًا بطرق لا أفهمها بعد.

وقفت، سيفي مشدود أمامي، مستعدًا لأي شيء قد يظهر. شعرت أن رحلتي لم تنتهِ بعد… أن ما في أعماق هذا الكهف أكبر وأكثر رعبًا مما واجهته، وأن كل خطوة إلى الأمام ستختبر قوتي وعقلي أكثر.

الظلام حولي يزداد كثافة، والكوابيس الغريبة تتسلل إلى تفكيري، لكنني شعرت بشعور غريب بالتحرر: لقد وصلت إلى قلب الكهف، حيث الحقيقة والوحشية والظلام يلتقون، وحيث القوة الحقيقية تبدأ من مواجهة المجهول.

الصمت أصبح صاخبًا، والدمار المحيط بي أصبح لوحة حية للتاريخ المظلم، والوحوش التي واجهتها مجرد بداية…

وهنا، في عمق الكهف المهجور، أدركت أن لا أحد عاش هنا منذ سنوات، وأنني ربما أول من يقف على هذه الأرض الملعونة منذ عقود.

لم أستطع التوقف عند مجرد الوقوف في القاعة المهجورة، شيئًا داخليًا كان يدفعني إلى الأمام، إلى المزيد من العمق. شعرت بأن الظلام هنا ليس عشوائيًا، بل موجّه، كأنه يقودني نحو شيء محدد… شيء ينبض بالقوة والخطر.

تبعت ممرًا ضيقًا، حيث الصخور تنهار أحيانًا تحت قدمي، والمياه الجوفية تتسرب من الجدران، تتجمع في برك صغيرة تصدر أصوات غريبة عند انكسار قطرات الماء. كل خطوة كانت تضعف جسدي، لكن قلبي كان متيقظًا، وأناشد كل حاسة مني أن تلتقط أي مؤشر.

بعد حوالي ساعة من السير المتقطع، بدأت أرى بقايا ما يشبه أبوابًا معدنية ضخمة مغطاة بالصدأ، مكتوب على أحدها حروف باللون الأسود، بالكاد يمكن قراءتها:

“U.M.B.R.E.L.L.A.”

توقف قلبي لوهلة. الاسم كان مألوفًا من القصص القديمة، من التلميحات التي سمعتها في رحلات سابقة…

كانت شركة مشهورة بتجاربها الغامضة على المخلوقات والأحياء، وكل شيء هنا كان دليلًا على وجودهم.

دفعت الباب ببطء، أصوات صرير حديدية تقطع الصمت، وعندما انفتح، اكتشفت المختبر القديم.

الداخلية كانت صادمة:

الطاولات المحطمة مبعثرة في كل مكان، أدوات وأجهزة علمية مهترئة.

أنابيب محطمة تتدلى من السقف، والقليل من السوائل المتجمدة أو الدموية تتساقط على الأرض.

أجهزة مراقبة تالفة، شاشات مكسورة، أوراق مبعثرة عليها رسوم مخططة للمخلوقات الغريبة التي واجهتها في الكهف.

على أحد الجدران، رسمت لوحة ضخمة تُظهر هياكل المخلوقات: الرأس الأنبوبي، الأطراف المخلبية، الأمعاء المتشابكة… كل شيء مطابق لما واجهته في الكهف.

بدأت أتنقل بين الطاولات، أصواتي تتردد في المكان المهجور، لكن فجأة شعرت بنبض خفيف من أعماق الأرضية.

كان هناك مصدر المخلوقات، قلب هذا الرعب كله… مختبر Umbrella لم يختفِ تمامًا، كان هذا المكان منبع كل الوحوش التي اجتاحت الكهف.

على إحدى الطاولات، وجدت مجلدات باهتة، مختومة بشعار الشركة، وبداخلها صور وتجارب توضح كيفية تحوير البشر والمخلوقات لتصبح هجمات قاتلة ومخيفة، تمامًا كما رأيت في الوحوش العشر التي واجهتها.

شعرت بغصة في صدري، الغضب والخوف امتزجا.

كل هذه الوحوش… كل الدم الذي سال… كل الرعب الذي شعرت به، مصدره هذا المختبر المدمر، أيدي بشرية لعبت بقوانين الطبيعة بلا رحمة.

خطوت ببطء نحو نهاية المختبر، حيث غرفة أكبر، باب نصف منهار، ورائحة كريهة تصاعدت منه…

شعرت بأن شيئًا ما لا يزال حيًا هنا، ربما بقايا التجارب، ربما طاقة المانا التي تفاعلت مع الكهف، وربما ما زالت الشركة على اتصال بطريقة ما بهذا المكان.

جلست لحظة لأتنفس، أضع يدي على الطاولة الملطخة بالغبار والدماء، وأدركت شيئًا مؤكدًا:

كل خطوة في هذه الرحلة لن تكون مجرد مواجهة وحوش أو اختبارات، بل مواجهة حقيقة هذا العالم، وأسباب الشر الذي يختبئ خلف الأقنعة البشرية.

المختبر القديم لم يكن مجرد مكان مهجور… كان رمزًا لكل ما يمكن أن تتحوله الإنسانية إلى وحش، وللأخطار الكامنة في العلم بلا حدود.

وقفت، سيفي مشدود أمامي، وعيوني تلمع بالحذر والعزم.

دخلت أعمق في المختبر، وقلبي يضرب بسرعة، كل صوت صغير يتردد في الفراغ المحطم كأنه صدى تهديد مباشر. الأضواء هنا كلها اختفت منذ زمن بعيد، والمصابيح المعلقة تصدر وميضًا خافتًا من الكهرباء الباقية، كأنها تراقبني بصمت.

بدأت أتحسس الطاولات المكسرة، أحدهم ترك دفاتر التجارب مفتوحة، صفحاتها مليئة بالرسوم البيانية المشوهة والرموز الغريبة، تظهر خطوات تحويل البشر إلى وحوش، تجارب على الأعصاب، العضلات، والمانا. كل ورقة تحمل رائحة الموت والفشل.

على الأرض وجدت علب تحتوي على عين بشرية محفوظة، وأجهزة صغيرة موصلة بأسلاك متآكلة، كان واضحًا أن العلماء هنا لم يكتفوا باللعب فيزيائيًا، بل دمجوا سحرًا وغموضًا لا يمكن تفسيره بسهولة.

تقدمت نحو غرفة صغيرة في الركن، الباب نصف مغلق، وعندما دفعته، انبعث رائحة حادة كالكبريت الممزوج بالحديد. الداخل كان أشبه بغرفة تحكم، شاشات مكسورة ومحوّلة إلى رموز غريبة، وأدوات متقشرة تغطي الطاولة.

لكن أكثر ما أثار انتباهي كان جهاز مركزي نصف متفكك، بدا وكأنه قلب المختبر، سلكه يمتد في جميع الاتجاهات، يتصل بأنابيب مملوءة بسائل أخضر لزج، كان يتفاعل مع المانا في جسدي بشكل غريب. شعرت بتيارات غريبة تمر في أطرافي، وكأن المختبر نفسه حي، يراقب كل تحركاتي.

بين الأوراق المبعثرة، لمحت خريطة للمستويات تحت الأرض، تشير إلى مناطق غير مكتشفة، مليئة برموز تحذيرية للعلماء:

"تجارب غير مستقرة – لا تدخل"

"المنطقة الجافة – خطورة قصوى"

"مصدر المخلوقات – نواة التحكم"

ابتعدت خطوة نحو أحد الممرات المرسومة على الخريطة، وفجأة شعرت بصوت طنين منخفض، شبه نبضات قلب أو تنفس عملاق.

تجمّدت للحظة، أعاد إليّ هذا الصوت صور الوحوش التي واجهتها في الكهف. لكن هذه المرة، شعرت أن هناك شيء أكبر، شيء لم يظهر بعد، مرتبط بكل المخلوقات هنا.

مع كل خطوة، كانت الأرض تهتز قليلًا تحت قدمي، وكل زاوية مظلمة تخفي أسرارًا قد تكون قاتلة. شعرت بشيء ما يراقبني، ليس كوحش يمكنني رؤيته، بل كيان متشابك مع التجارب نفسها، مع نواة المخلوقات.

أمسكت بسيفي بإحكام، وحاولت استخدام شعور المانا لتحديد أي نشاط غير طبيعي، فظهرت وميضات صغيرة داخل الغرفة، كأن الطاقة تتدفق بين الأسلاك والأنابيب، وكأنها نبضات حياة متبقية.

في لحظة، لاحظت قبو صغير خلف أحد الجدران المدمرة، باب نصف مغطى بالألواح المتساقطة. شعرت بأن كل شيء في داخله مرتبط بمصدر الوحوش… شعرت بأن الجو هناك أكثر برودة وأكثر قتامة من أي مكان آخر في المختبر، وكأن الظلام ذاته يختبئ بداخله.

ابتسمت ابتسامة خافتة، مزيج من الحماس والخوف:

"إذن هذا هو قلب Umbrella… هنا تبدأ الإجابات، وربما المعركة القادمة."

كانت اللحظة حاسمة، شعرت أن اختياري التالي قد يغير مجرى كل ما تعرفته حتى الآن.

خطوت ببطء نحو القبو، سيفي أمامي، والمانا تتدفق في عروقي، والظلام يبتلع كل شيء من حولي، مستعدًا لمواجهة ما لا يمكن توقعه.

دفعت الباب الصدئ ببطء، صوت الصرير اجتاح المكان كصرخة تحذر من الداخل. الظلام كان كثيفًا، حتى أن ضوء المانا الذي يسري في عروقي بالكاد أضاء خطواتي الأولى.

الجو هنا مختلف… رائحة العفن والموت اختلطت برائحة المعادن والمواد الكيميائية القديمة، تلتصق بالأنفاس كوشم قاتم. كل شيء صامت بشكل مشوه، إلا عن صوت قلبي المهلل في صدري.

مع كل خطوة، بدأ الضوء يكشف مظاهر الرعب الخفية: الجثث. كانت ممددة في أركان القبو، أجساد مغطاة بالغبار، متحللة إلى حد بعيد، لكنها لم تكن مجرد جثث طبيعية… أعين بعضهم مفتوحة بشكل دائم، وجلود مشوهة، وعضلات متيبسة، وكأن الموت نفسه لم يجرؤ على إنهاء تشوهاتهم بالكامل.

مزيج من الدم الجاف والسوائل المظلمة تغطي الأرض، في بعض الزوايا تتجمع مجموعات عظمية مفقودة الأجزاء، مع آثار أدوات مخبرية مغروسة فيها. شعرت بالقشعريرة تتسلق عمودي الفقري، ويداي بدأت ترتجف بشكل لا إرادي.

كان هناك دفاتر ملطخة بالدم، صفحاتها مغطاة بتجارب غريبة: تعديل الجينات، مزج المانا بالبشر، وتجارب على نزع المشاعر الطبيعية وتحويلها لطاقة خام. كل سطر كان يروي فشلًا مروّعًا، ألمًا لم يعد للبشر فيه أي معنى.

اقتربت من زاوية مظلمة أكثر، ورأيت جثة تلو الأخرى، بعضها يركض في ذكرياتي كما لو أنها ظلت حية في العدم، تتلوى في صمتها الأبدي. رفعت يدي أمام وجهي، محاولة منع القشعريرة من السيطرة، لكن الاشمئزاز والرعب كانا أقوى مني.

شعرت بالغثيان يغمرني، رجف جسدي كله، وبدأت أتنفس بصعوبة. قلبي أصبح كالمطرقة في صدري، كل شيء داخلي يصرخ:

"اهرب… ابتعد… لا تنظر أكثر!"

تراجعت خطواتي ببطء، أرى الظلال الطويلة تتراقص على الجدران المدمرة، وكأن الأشباح نفسها تحذرني من البقاء. لم يعد لدي أي فضول، أي شعور بالمغامرة… كل شيء أصبح مجرد تحذير صامت من الموت والفوضى.

خرجت من القبو بأسرع ما يمكن، خطواتي تخرج صدى رهيب في الممرات الفارغة، حتى وصلت إلى فوهة الكهف حيث المطر قد توقف. الهواء البارد لامس وجهي، وكان كأنه يعيدني إلى الحياة بعد رؤية الجحيم بعيني.

وقفت هناك، أنظر إلى الظلام الذي خلفي، أستجمع أنفاسي، وأتخذ قرارًا حاسمًا:

"لن أعود إلى هذا المكان… أبدًا."

حتى لو كانت الإجابات على أسرار Umbrella هناك، شعرت أن بعض الحدود لا يجب تجاوزها، وأن بعض الوحوش البشرية… يجب أن تبقى دفينة في العتمة

2025/10/01 · 6 مشاهدة · 2701 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025