85 - اليوم الأخير في غابة الضباب المخفية

الضباب يغطي الغابة من الأرض حتى أعالي الأشجار، كثيف وثقيل، كأنه جدار حي يضغط على صدر بليك. كل خطوة يخطوها تترك أثراً صغيراً في الطين الرطب، لكن الرائحة، رائحة الفطر المتعفن والرطوبة والورق الميت، تملأ أنفه وتغلف حواسه. الغابة صامتة، إلا من حفيف الرياح بين الأشجار الملتوية وأصوات قطرات الماء التي تتساقط من أوراق الأشجار، لكنها أصوات لا تفرّح، بل تزيد من شعوره بالوحدة والتوتر.

بليك يرفع يديه ويشعر بتيارات المانا المتبقية في جسده، يحركها بحذر كأنها شعاع ضوء يلمس الظلال، يحاول أن يكتشف أي تأثير غريب للغابة على العناصر حوله. "كل شيء هنا… يبدو حيًا… هذه ليست مجرد أشجار… هذه… مراقبة." صوته الداخلي يبدو هادئًا، لكنه مليء بالحذر، وكل عضلة في جسده متوترة وجاهزة للتحرك في أي لحظة.

الخطوات الأولى ليست سهلة، فالأرض مليئة بالجذور الملتوية والفطر الكبير الذي يبدو وكأنه يراقبه. كلما تقدم، يبدو أن الظلال تتشكل حوله، تتحرك بطريقة غير طبيعية، تتسلل بين الأشجار وكأنها تتنفس. "لم أشعر بهذا التوتر منذ البداية… حتى الوحوش في الغابات الأخرى كانت واضحة… لكن هنا… الضباب يخبئ كل شيء، ويجعل كل خطوة مخاطرة."

بليك يتوقف عند شجرة ضخمة، يلمس لحائها البارد والملطخ بالرطوبة، ويغلق عينيه للحظة ليأخذ نفسًا عميقًا. يتذكر كل المعارك السابقة، كل وحش، كل درس. "أنا لم أعد نفس الشخص الذي دخل هذه الغابة… لقد نميت… لقد واجهت أشياء لم يتصورها أي إنسان… وكل تجربة هنا… ستختبرني من جديد."

الرياح تعصف فجأة، وتحرك الضباب في موجات متقطعة. يبدو أن الغابة نفسها تتنفس، تراقبه، تتحدى عزيمته. بليك يشعر بارتجاف داخلي في البداية، لكنه يحول هذا الارتجاف إلى حذر يقظ، إلى استعداد كامل. كل عضلة في جسده الآن مشدودة، كل شعور بالضعف يتحول إلى قوة محتملة.

في قلبه، هناك صوت هادئ: "استعد… فهذا هو اليوم الأخير… اليوم الذي سيعرف فيه كل شيء عن من أنا…" بليك يرفع رأسه، عيناه تلمعان بالتصميم، ويتقدم أعمق في الضباب الرمادي، كل خطوة منه تحمل تاريخ معاركه، كل لحظة اختبار سابقة، وكل درس تعلمه عن القوة والسيطرة على النفس.

الهواء يزداد ثقلًا، وكل شيء حوله يبدو وكأنه يتحرك بدون سبب واضح، وكأن الغابة تتحدى وجوده. لكن بليك يبتسم قليلًا، شعوره الداخلي بالثقة يبدأ بالظهور. "لن أكون مجرد شخص ينجو… سأكون من يتحكم بالمعركة… سأثبت أن كل ما تعلمته لم يكن عبثًا."

الخطوة التالية كانت أكبر وأكثر حذرًا، وكل خفقة قلب، وكل نفس، وكل وميض من ضوء المانا حوله، يشعر أنها تتزامن مع الغابة نفسها، تتحدث إليه، تتحدى عزيمته، وتغريه بمعركة لم يسبق لها مثيل.

الضباب الكثيف بدأ يبتعد تدريجيًا مع كل خطوة لبليك، لكنه لم يكن كافيًا لرؤية أكثر من بضعة أمتار أمامه. فجأة، اهتزت الأرض تحت قدميه، ارتعش الطين، وارتفعت أصوات عظام تنكسر، وكأن شيئًا ضخمًا يقترب.

توقف بليك على الفور، قلبه يخفق بسرعة، لكن لا خوف، بل يقظة حادة. كل حاسة في جسده تركزت على المكان أمامه. الرياح توقفت للحظة، والصمت أصبح ثقيلاً، ثقيلًا كالمطر الغاضب. ثم، من الضباب الرمادي، بدأ شيء يتحرك… شيء هائل.

الوحش ظهر أخيرًا. كان جسده ضخمًا جدًا، أكبر من أي شيء رآه بليك في حياته، غطاءه من مادة عضلية مظلمة تتخللها خطوط متوهجة كأن النار تتدفق داخله. عيونه… اثنتان تتوهجان باللون الأحمر، لكنه ليس مجرد غضب؛ هناك ذكاء كامن في تلك العيون، ذكاء يجعل بليك يتوقف للحظة، يراقب، ويشعر بأن هذا الكائن يفهم كل حركة.

الحركة الأولى للوحش كانت بطيئة، لكن كل خطوة منه تهز الأرض تحت أقدام بليك، وترسل موجات ضغط تهدد بتقويض توازنه. الهواء امتلأ برائحة الغرائز والدم، صوت زفير الوحش العميق صدى يصيب الأذن بالرعب.

بليك شعر بقشعريرة تسري في جسده، لكنه لم يتركها تتحول إلى خوف. "هذا هو… تحدي حياتي… لم يعد مجرد اختبار… هذه مواجهة حقيقية… كل قوة وكل درس… سيحددون مصيري الآن."

بدأ الوحش بالتقدم، كل حركة منه محسوبة وهادفة، كما لو أنه يدرس بليك قبل أن يهاجمه. بليك يشعر بثقل جسده يزداد مع كل خطوة، ولكنه يرفع يديه بحذر، يركز المانا حوله، يشعر بالعناصر الأربعة تتدفق داخله: النار تسخن قلبه، الماء يبرد عقله، الأرض تمنحه ثباتًا، والجليد يصفّي تفكيره.

الرؤية الأولى للوحش كانت صادمة: ثلاثة رؤوس هائلة، كل رأس يتحرك بشكل مستقل، كل عين ترقب، كل فك يفتح ليكشف أسنانًا كبيرة حادة، والفم ينبعث منه دخان أسود كئيب. الرؤوس تتحرك كما لو أنها تفكر، تتبادل الإشارات فيما بينها، وتنتظر اللحظة المناسبة للهجوم.

بليك يشعر بالضغط النفسي يزداد، لكنه يغمض عينيه للحظة، يتنفس بعمق، ويستحضر كل لحظة صراع في الغابة: القندس، الظل، الوحش الهلامي، وكل لحظة ألم كان فيها على حافة الهزيمة. كل هذه الخبرات تتجمع داخله، وتتحول إلى طاقة صلبة، هالة حادة حول جسده.

ثم أطلق الوحش زئيرًا هائلًا، زئير اهتزت معه الأشجار، وسقطت بعض الأغصان فوق الأرض. الصوت بدا وكأنه ينهش العظام، لكنه أيضًا كان اختبارًا لإرادة بليك. وهو يقف، يشعر بالتحفيز يتدفق في جسده. "لن أتركه يحدد من أنا… لن أسمح له بأن يراني ضعيفًا…"

الظل الذي يلقيه الوحش على الأرض يلتف حوله، يحجب كل ضوء، لكنه في الوقت ذاته يكشف قوة بليك الداخلية، الشعور بأنه أصبح أكثر يقظة، وأكثر تحكمًا بكل جزء من جسده وعقله. كل عضلة مشدودة، كل حركة مدروسة، كل نفس محسوب.

بليك يرفع سيفه، يشعر بثقل المعدن في يده، لكنه في الوقت ذاته كأنه امتداد لروحه، ويهمس لنفسه: "لقد وصلنا إلى النهاية… كل شيء… كل تدريب… كل تجربة… كل صديق فقدته… الآن، هذا هو ما سيقرر… من أنا."

الوحش أزاح قدمه عن الأرض، فتح فجوة صغيرة، وهجم على بليك بسرعة تفوق ما توقعه. الضباب تلاشى للحظة، وكأن الوحش نفسه يقلب العالم حوله، وجعل كل شيء يبدو صغيرًا بالنسبة لحجمه الهائل.

بليك شعور بالأدرينالين يتفجر في جسده، كل شعور بالخوف تحول إلى يقظة مطلقة، كل تردد سابق اندمج مع كل طاقاته السابقة. وهو يقف مستعدًا للمواجهة، يعلم أن المعركة لن تكون لحظة واحدة، بل اختبار لكل خبراته الجسدية والنفسية.

الوحش العملاق لم يترك لبليك فرصة للتفكير. بمجرد أن هجم، ارتجفت الأرض تحت أقدامه، وارتفعت موجات من الغبار والطين حوله. كل خطوة من الوحش كانت تحمل قوة لا يمكن مقاومتها إلا بالتركيز المطلق.

بليك شعر بالرعب يتسلل إليه للحظة، لكنه أدار نفسه سريعًا. قلبه كان يضرب بقوة، لكن ليس خوفًا، بل تحديًا، إرادة البقاء التي تزداد قوة مع كل ثانية. "لن أتركه يحطمني… لن أكون مجرد ضحية هنا…" همس لنفسه، وهو يحرك يديه لتحريك المانا حوله.

الهجوم الأول جاء بسرعة مذهلة. رأس الوحش اقترب من بليك باندفاع قوي، كل فك يفتح على مصراعيه ليكشف أسنانًا تشبه الشفرات. الهواء اهتز حوله، وارتطام كل جزء من الوحش بالأرض أرسل موجة ضغط أصابت جسده وكادت تقذفه بعيدًا.

بليك دفع نفسه إلى الخلف، لكن ليس مجرد هروب. كل خطوة محسوبة، كل حركة تقابل هجومًا محددًا من الوحش. استنشق الهواء بعمق، وركز كل عناصره: النار تتدفق حول قلبه لتعطيه حرارة حادة واندفاع، الماء ينساب عبر أطرافه لتنعيم حركته، الجليد يصفّي ذهنه ويمكّنه من التنبؤ بكل هجوم، والأرض تمنحه ثباتًا حتى تحت أقوى الضربات.

وحش الظل أطلق ذراعيه المجسّية، المجسات السوداء التي كانت تمتد مثل الأفعى، محاولة شل حركة بليك. ضربات سريعة، غير متوقعة، كل واحدة منها تهدد بإحداث كسر في العظام أو تمزيق الجلد.

بليك شعر بألم حاد في كتفه عندما اصطدمت إحدى المجسات به، لكنه لم يتراجع. الألم كان مجرد مؤشر للطاقة التي يمكن تحويلها، كما فعل سابقًا مع الوحوش الأخرى. "الألم ليس نهاية… القوة الحقيقية تأتي من الاستمرار…"

بليك قفز للأعلى، التفت في الهواء، ووجه ضربة النار إلى المجس الأقوى، مشعلًا لهبًا قويًا أصاب جزءًا من الظل وتركه يندمج مع الضباب. لكن الوحش لم يتوقف، كل رأس بدأ يحركه بشكل مستقل، كل فك يعض الهواء حيث كان بليك يقف للتو.

القتال أصبح رقصًا قاتلاً. بليك يهاجم ويدافع، كل حركة مدروسة بدقة، كل خطوة محسوبة. كان يحس بمزيج من الإثارة والخوف، شعور باليقظة المطلقة. أحاسيسه تتسارع: رائحة الوحش، اهتزاز الأرض، حرارة النار، برودة الجليد، رطوبة الماء، ثقل الأرض تحت قدميه، وكل ذلك يندمج ليجعله في حالة شبه خارقة من التركيز.

الوحش أطلق هجومًا مزدوجًا: رأس يهاجم مباشرة، ومجسات تهدف لشل حركته. بليك استخدم قفزة جانبية مدعومة بعنصر الأرض، لينقلب بعيدًا، ويطلق في الوقت نفسه هجومًا مائيًا لتقليل تأثير قوة الوحش، وهجوم جليدي لتجميد جزء من المجسات على الأرض.

لكن هذا لم يكن كافيًا. الوحش أظهر ذكاءً مفاجئًا، وتغيرت طريقة هجومه في منتصف الضربة، محاولًا إيقاع بليك في فخ، وإرهاقه تدريجيًا. بليك شعر بضغط نفسي كبير، الرغبة في الانهيار تتسلل إليه، لكنه تذكر كل ما تعلمه: الظل، القندس، الوحوش السابقة. "لقد نجوْت من كل هذا… يمكنني النجاة من هذا أيضًا…"

كل ثانية كانت اختبارًا لقوة جسده وعقله وروحه. ضربات السيف، التحكم بالعناصر الأربعة، المراوغات السريعة، والقدرة على قراءة تحركات الوحش، كل ذلك أصبح سلسلة واحدة متكاملة من ردود الفعل الفائقة.

وفي لحظة توقف قصير، شعر بليك بتوتر يتراكم في كل عضلة، قلبه ينبض بقوة، عينيه تحدقان في الوحش العملاق. شعور بالترقب، الرهبة، والتحدي اجتمع في داخله. كان يعرف أن هذه المعركة لم تنتهِ بعد، وأن كل خطوة لاحقة ستحدد قدرته على السيطرة على الغابة، على الوحش، وعلى نفسه.

بليك استجمع أنفاسه بعد الهجوم الأول العنيف للوحش. الغابة حوله كانت ترتجف من قوة الوحش، الأشجار تهتز، والضباب يلتف في كل زاوية، كأن الغابة نفسها تشهد المعركة. لكنه لم يعد مجرد مقاتل بدائي يتفاعل مع الهجمات، بل أصبح مدركًا لكل حركة، لكل اهتزاز، لكل تنفس. "إذا أردت النجاة… يجب أن أفكر… يجب أن أستعد لكل احتمال…"

بدأ بليك بتحليل الوحش: حجم رأسه، قوة فكه، سرعة المجسات، نمط تنقله، وكيف تتصرف كل جزء من جسده عند مهاجمة هدف. كان قلبه ينبض بسرعة، لكن العقل صار باردًا ودقيقًا كآلة حاسبة، يحسب المسافات، الزوايا، وسرعة رد الفعل.

بدأ يستخدم عناصره بذكاء استراتيجي: الأرض حوله بدأت تتحول إلى حواجز منخفضة، تمنعه من الانزلاق أو أن يدهسه الوحش عند الهجوم. النار كانت محاطة به كجدار من لهيب يتغير مع كل حركة، لتوجيه الوحش بعيدًا أو إجباره على التراجع عن هجومه. الماء كان يرش حوله ليخلق غشاءً زلقًا للمناورة السريعة، بينما الجليد يكون شبكة صغيرة متشابكة على الأرض لتقييد حركة المجسات الأكثر قوة.

بليك شعر بثقل كبير في جسده، ليس من التعب فقط، بل من المسؤولية. كل خطأ يعني فقدان حياته، وكل نجاح يعني اقتراب خطوة من الانتصار. "لا يمكنني الاعتماد على القوة وحدها… يجب أن أكون أذكى… أسرع… أكثر دقة…"

الوحش لم يكن مجرد قوة عمياء. كان يدرس تحركات بليك كما لو كان خصمًا ذكيًا، يحاول استغلال أي ثغرة. المجسات بدأت تتحرك بشكل معقد، تلتف حول حواجز الأرض، تحاول الوصول إلى جسده من زوايا لم يفكر فيها. لكن بليك كان مستعدًا: كل هجوم للوحش واجهه بتنسيق من العناصر، كل عنصر له دور محدد: الجليد لتجميد الأجزاء التي تتحرك بسرعة، النار لتسخين المجسات حتى تصبح أقل مرونة، الماء لتخفيف قوة التصادم، والأرض لامتصاص الصدمات وحماية الجسد.

القتال أصبح لعبة تكتيكية، أشبه بشطرنج على مستوى مميت. بليك لم يعد يقاتل بالاندفاع، بل بتحليل وحساب لكل خطوة. كان يتحرك ويقفز، يندفع ويبتعد، يهاجم ويدافع في تناغم تام، وكأنه يمتلك عينين داخل رأس الوحش، يقرأ النية قبل التنفيذ.

في لحظة هدوء نسبي، جلس بليك على الأرض لثانية واحدة، لكن عقله لم يتوقف. كان يشعر بزيادة في دقات قلبه، وتدفق المانا حوله بشكل أقوى. "لقد تعلمت الكثير… من الظل… من القندس… من كل وحش واجهته… هذه ليست مجرد معركة… إنها اختبار حقيقي لقدرتي على التفكير والسيطرة…"

ثم قرر بليك المبادرة. بدلاً من انتظار هجوم آخر، بدأ بتوجيه الوحش عبر تكتيكات ذكية: حجب مجسات باستخدام الأعمدة الأرضية، إرسال موجات مائية لتغيير اتجاهه، وإشعال النار في النقاط الصحيحة لإجباره على فتح فكيه في أماكن محددة. كل حركة كانت محسوبة لتقليل خسائره وزيادة الضغط على الوحش.

الوحش بدأ يظهر علامات الإرباك. لم يعد هجومه العشوائي يربك بليك، ولم تعد المجسات تهدد جسده كما في البداية. بليك شعر بنشوة السيطرة لأول مرة في المعركة: "أنا لست مجرد ضحية… أنا من يتحكم… أنا من يقرر…"

وفي قلب هذه المعركة الاستراتيجية، بدأ بليك يختبر قوة نفسيته الحقيقية. الخوف لم يعد يسيطر عليه، الألم لم يعد عائقًا، وكل إحباط سابق أصبح وقودًا للطاقة. لقد تحول جسده وعقله وروحه إلى وحدة واحدة، متناسقة، قادرة على التعامل مع أي تهديد.

لكن بليك كان يعلم أن هذه ليست النهاية، وأن الوحش سيحاول استعادة المبادرة، وأنه بحاجة للحفاظ على تركيزه وتحسين استراتيجياته. "هذا مجرد بداية… المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد…"

بعد الانتهاء من المواجهة الاستراتيجية، شعر بليك أن الوحش لم يستسلم بعد، لكن فجأة، اختفى جزء كبير من الضباب، وتحركت الأشجار وكأنها تتنفس، وظهر أمامه الظل… كيان مظلم، متحول، لكنه هذه المرة لم يهاجمه جسديًا فقط، بل بدأ يهاجم عقله وروحه.

أحس بليك ببرودة تنساب في عروقه، لا من الهواء، بل من قوة خفية تدخل إلى أعماقه مباشرة. "ما هذا؟… هذا ليس وحشًا عادياً… إنه يلمس… ذكرياتي… مخاوفي…"

في لحظة واحدة، انقسم العالم حوله. الأرضية أمامه تحولت إلى مرآة، تظهر فيها مئات النسخ من نفسه، كل نسخة تعكس جانبًا مظلمًا من شخصيته: الخوف، الغضب، الشك، الضعف، وحتى الذكريات التي تمنى أن ينساها. كل نسخة كانت تتحدث بصوت داخلي، تتهمه، تسخر منه، تحاول جعله يشعر بالعجز.

الظل لم يهاجمه بالأسلحة أو المجسات، بل بدأ يزرع أوهامًا حية حول الماضي: فشل أمام ميساكي، هزائمه في الاختبارات السابقة، المرات التي تخلى فيها عن السيطرة، حتى قوى الوحش الأخضر والهلامي التي فقدها مؤقتًا. كانت كل الذكريات مسخَّرة لتحطيم إرادته.

بليك شعر بصدمة قوية، كأن كل معركته الجسدية لم تكن شيئًا مقارنة بما يواجهه الآن. "هذا… هذا صعب… لا يمكنني الاستسلام… ليس بعد كل ما تعلمته…" قلبه كان ينبض بعنف، عرقه يتصبب، لكن داخله شيء آخر بدأ يشتعل: شجاعة، ذكاء، إرادة.

بدأ يتحدث إلى نفسه بصوت داخلي هادئ، متوازن، رغم الفوضى: "كل خوف… كل خطأ… كل ألم… كلها أجزاء مني… ولن تسمح لي بالاستسلام… لن أسمح لك بالسيطرة علي"، بينما الظل يردده بصوت مزيج من الهجوم والتحقير: "أنت ضعيف… أنت مجرد طفل… لا تستحق القوة التي تحملها…"

بليك أغلق عينيه للحظة، واستحضر كل ما تعلمه منذ اليوم الأول في الغابة، كل مواجهة مع الوحوش، كل درس مع ريمي، كل لحظة استعادة السيطرة على كليب، وحتى صداقته مع القندس. كل تلك الذكريات لم تعد مجرد صور في ذهنه، بل أصبحت سلاحًا، مصدر قوة داخلي لا يستطيع الظل هزيمته.

بدأ يفتح عينيه تدريجيًا، وكل نظرة كانت أكثر وضوحًا: الظل لم يعد قوة مطلقة، بل انعكاسًا لمخاوفه الداخلية. "أنا من يقرر… أنا من أتحكم… لن أسمح للخوف أن يحدد مصيري"

وبدأ يهاجم الظل نفسيًا، ليس بالسيف أو العناصر، بل بالقوة الذهنية والروحية: صورًا من الضوء والحرية بدأت تتدفق من داخله، ممزوجة بكل عناصره الأربعة، تكسر أوهام الظل الواحدة تلو الأخرى. كل مرة يحطم فيها وهمًا، كان قلبه يزداد قوة، جسده يصبح أكثر تماسكًا، حواسه تزداد دقة، وعقله أكثر صفاء.

الظل حاول استدعاء النسخ الشريرة الأخرى: نسخ من كليب، الوحش الهلامي، حتى الوحوش الصغيرة التي واجهها في الأيام الماضية، لكن بليك هذه المرة كان مستعدًا. بدلاً من القتال بلا وعي، كان يراقب، يدرس، ويهاجم بشكل منهجي: كل وهم يسقط مع كل موجة من عناصره، وكل نصر داخلي يزيده وعيًا وثقة.

في ذروة المواجهة، شعر بليك باندماج كل قوته الداخلية والخارجية: كل عناصره الأربعة، كل ذكرياته، كل دروسه السابقة، كل خيباته السابقة، كلها اندمجت في شعور واحد – سيطرة كاملة على النفس والعقل والروح. "لقد وصلت… هذه هي قوتي الحقيقية… ليست مجرد السيف… ليست مجرد المانا… إنها السيطرة على نفسي بالكامل"

مع انفجار داخلي للطاقة، بدأت الظلال تتحلل تدريجيًا، تتلاشى واحدة تلو الأخرى، حتى لم يبق أمامه سوى الغابة نفسها، صامتة وهادئة، كأنها تمنحه استراحة بعد اختبار رهيب.

لكن بليك يعلم أن هذا مجرد اختبار أول للقوة النفسية: "لقد نجوت اليوم… لكن الغابة لم تنته بعد… والوحش الحقيقي… لم يظهر بعد"

بعد أن تلاشى الظل النفسي، وقف بليك وسط الضباب الكثيف، لكن قلبه لم يهدأ بعد. لم يعد الخطر الخارجي هو ما يقلقه الآن، بل الإدراك العميق لقوة الظلام الكامنة داخله، الذكريات المظلمة، والضعف الذي كان يحاول دائمًا تجاهله.

جلس على الركبة للحظة، وأغلق عينيه، محاولًا استنشاق الهواء البارد الممزوج برائحة الرطوبة والغابة القديمة. أحس بتيارات الطاقة في جسده، لكنها لم تعد مجرد مانا، بل شعور بالوعي الكامل: جسده، عقله، قلبه، روحه، كلها مترابطة في شبكة حسية واحدة.

"الآن… الوقت لأستخدم كل ما تعلمته… كل ما شعرت به… كل الألم… كل الخوف… كل الذكريات… سأحوّلها إلى قوة… إلى شيء حي"، تمتم بليك وهو يمد يديه للأمام، يشعر بالارتباط بكل شيء حوله، مع الأرض، الأشجار، الضباب، وحتى الغياب الصامت للظل.

بدأت عناصره الأربعة تتفاعل داخله: النار تتأجج في صدره، الجليد يتدفق في أطرافه، الماء ينساب في شرايينه، والأرض ترتفع وتتصل به كأنها تمده بالقوة. لم يعد مجرد استخدام عناصر، بل شعور حي يجمع كل ما هو داخلي، كل ألم، كل تجربة، ليصبح طاقة لا يمكن كبحها.

بليك شعر بوخز في رأسه، أصوات الماضي تتجدد في ذهنه: صرخات الوحوش، كلمات كليب، لحظات الفشل، لكن هذه المرة لم يكن الخوف هو المسيطر. بدلاً من ذلك، بدأ يحوّل كل صرخة، كل ألم، كل فشل، إلى نبضات قوة نابضة. كل مرة تتدفق فيها الذكرى المؤلمة، تتحول إلى شحنة داخلية تضاعف من سرعة حركته ودقته في اتخاذ القرارات.

فتح عينيه فجأة، وهما تلمعان بضوء داخلي، كأن النار والجليد والماء والأرض اندمجت في هالة متوهجة حول جسده. "كل شيء داخلي… كل شيء مظلم… كل شيء ضعيف… سأحوّله… سأجعله سلاحًا… وسأتحكم فيه"، صرخ بصوت عميق يرن في الغابة.

تدفق هالته المتوهجة حوله، محوّلًا كل خوف قديم إلى درع لا يمكن اختراقه. الضباب بدأ يتفكك من حوله تحت تأثير هالته، والهواء نفسه بدا وكأنه يطيع إرادته، يتحرك بتدفق سلس، يلتف حوله، جاهزًا للانفجار في أي لحظة.

وبينما وقف بليك، أحس بوضوح كل نقطة ضعف في جسده، كل زاوية ضعف في تكتيكاته السابقة، لكنه لم يشعر بالعجز، بل بالسيطرة الكاملة. "لقد تعلمت… لقد نمت… الآن لن يضعفني شيء… لا شيء يمكن أن يسيطر عليّ"

ثم، مع شعور بالتركيز الكامل، بدأ بليك بتحريك يديه ببطء، كل حركة محسوبة، مزيج بين عناصره الأربعة، بينما شعور داخلي بالثقة والقوة ينطلق من قلبه إلى أطرافه. الأرض تهتز تحت خطواته، النار تلتف حول جسده كاللهب الحي، الماء يشكل تيارات دفاعية وهجومية، الجليد يتبلور ليصبح درعًا متينًا، والأرض تتحرك بحساسة

كاملة لتوفير التوازن.

كل ذلك لم يكن مجرد تحكم في العناصر، بل استخدام داخلي للطاقة النفسية، الألم، الخوف، والتجارب السابقة. كل جزء من ضعفه أصبح قوة، وكل ذكرى مؤلمة أصبحت شعاعًا يقوده للسيطرة المطلقة.

وأخيرًا، شعر بليك بتوافق كامل بين جسده وروحه وعقله: قوة داخلية لم يكن يعرف أنها موجودة. "لقد أصبحت… كل ما أنا عليه… كل ما كنت أخشاه… كل ما تعلّمته… كل شيء أصبح سلاحًا… أنا جاهز…"

مع هذا الإدراك، شعر بأن الغابة كلها تنتظر تحركه، كل نفس في الهواء، كل ورقة متحركة، كل ظل، كلها أصبحت شاهدة على ولادة قوة جديدة. بليك لم يعد مجرد مقاتل، بل تحوّل إلى كيان كامل، قادر على مواجهة أي تحدٍّ، جسديًا ونفسيًا وروحيًا.

وفي هذه اللحظة، استعد لخطوته التالية ضد الوحش العظيم القادم، قلبه مفعم بالقوة الداخلية، عينيه مضيئتان بإرادة لا تنكسر، ويده على السيف، لكنه يعرف الآن أن المعركة الحقيقية لن تكون بالسيف فقط، بل بالقوة النفسية التي تحوّل الألم والخوف إلى طاقة لا تُهزم.

وقف بليك في قلب الغابة المظلمة، الضباب يلتف حول قدميه، والظلال تتراقص على الأشجار العتيقة كأنها مراقبة كل تحرك. لكن هذه المرة، لم يكن خوفه هو المسيطر. كان قلبه ينبض بطاقة متكاملة، كأن كل التجارب السابقة، كل الوحوش، كل الألم والخوف قد اندمجت داخله لتصبح نواة قوة حية.

رفع يديه ببطء، وبدأ عناصره الأربعة تتجاوب معه كما لو كانت روحًا واحدة. النار المشتعلة في داخله تفور حول قلبه، تتأجج وتتفاعل مع الجليد الذي ينساب من أطرافه ليشكل دوامات متلألئة من الطاقة المتناقضة والمتناغمة في الوقت ذاته. الماء يتدفق في تيارات متقنة، ملتفًا حول جسده كأنها أذرع حماية، والأرض تحت قدميه ترتفع وتتحرك لتشكل دروعًا وحواجز تتناغم مع كل خطوة.

بدأ يشعر بالنبض الداخلي للطاقة، شعور غير مألوف، أقوى من أي سحر استخدمه من قبل. كل عنصر لم يعد مجرد قوة منفصلة، بل أصبح جزءًا من نظام حي ينبض من داخله، يترجم كل إحساس، كل فكرة، كل خوف سابق إلى قوة مادية ملموسة.

"لقد أصبحوا جزءًا مني… النار والجليد والماء والأرض… كل ما كنت أخافه… كل ما كنت أجهله… أصبح الآن قوتي"، تمتم بليك، وعيناه تتوهجان بضوء داخلي، كأن الغابة نفسها تعكس هالته.

مع كل خطوة يخطوها، تتفاعل العناصر حوله بشكل استراتيجي: النار تسبق الهجوم، تحرق أي تهديد محتمل، الجليد يشكل حواجز لحماية نفسه وتجميد أي هجوم معادي، الماء يتدفق لتوجيه الضربات بعنف، والأرض تتحرك كجهاز استشعار، تشعر بكل اهتزاز وكل حركة في الغابة.

في هذه اللحظة، شعر بليك بضغط هائل من الوحش الضخم أمامه، كيان ضخم وذكي يتكيف مع كل حركة. لكن هذه المرة، لم يكن مجرد اختبار للقوة الجسدية، بل لتنسيق كل شيء داخله: جسم، روح، وعقل.

بدأ بليك بتحريك يديه في دوائر معقدة، كل حركة محسوبة بدقة، والضوء المتوهج للعناصر الأربعة ينساب من جسده، مكونًا هالة تشبه الظل ذاته، لكنه تحت السيطرة التامة. كان مزيجًا من القوة الغاضبة والتركيز الهادئ، من العاطفة الخام والانضباط الكامل.

"لن أكون فقط جسدًا يقاتل… سأكون كل شيء… كل قوة تعلمتها… كل شعور شعرت به… كل ألم واجهته… كل خوف تغلبت عليه… سأحوّلهم جميعًا إلى سلاح حي"

ومع هذا القرار، انفجرت الهالة حوله، موجة من الطاقة امتدت في دائرة نصف قطرها عشرات الأمتار. الضباب والظلال تلاشت أمام هذا الضوء، والهواء اهتز بتردد قوي، كأن الغابة نفسها استجابت للاندماج الكامل لعناصره.

الوحش، الذي بدا ضخمًا ولامرئيًا أحيانًا بسبب الظلال والضباب، توقف للحظة، كأنه يشعر بهذه القوة الجديدة. كل عضلة، كل عين، كل مخلب بدا مترددًا أمام السيطرة المطلقة لبليك على عناصره وطاقته النفسية.

بليك شعر بالتيار الداخلي للقدرة النابضة يتسارع، شعور بالموجة الحيوية التي تجمع كل شيء داخله: السرعة، القوة، الذكاء، الإبداع، والشجاعة. لم يعد مجرد استخدام سحر أو سيف، بل اندماج حي لكل خبراته، لكل تعبه، لكل تاريخه في الغابة.

ابتسم بليك بخفوت، صوته خافت لكنه حازم: "لقد جئت إلى هنا لأتجاوز كل شيء… ليس فقط الوحش، بل كل ضعف داخلي… لن يكون هناك شيء أمامي الآن"

ثم، بثقة كاملة، اتخذ خطوة إلى الأمام، وكل هالة العناصر الأربعة حوله تتوهج ككائن حي، جاهز للانفجار في أي لحظة، كل جزء من جسده متناغم مع كل جزء من القوة. هذا الاندماج لم يكن مجرد استعداد للمعركة، بل إعلان عن ولادة بليك الجديد، بليك الذي يستطيع مواجهة أي وحش، أي خوف، أي تحدٍ، بقوة جسدية ونفسية وروحية لا يمكن كسرها.

الوحش الضخم، الذي كان يبدو لا يقهر، أطلق زئيرًا مدويًا، لكن هذه المرة، لم يعد الزئير يزعج بليك. كان مجرد إشارة لبدء المواجهة النهائية، حيث كل حركة، كل هجوم، وكل دفاع سيكون انعكاسًا مباشرًا لقدرة بليك على التحكم بالقوة الداخلية والتحول إلى سلاح حي متكامل.

الوحش الضخم وقف أمام بليك، كل عضلة فيه ترتجف وكأنه بدأ يشعر بضغط الطاقة المتدفقة من قلب بليك. الضباب حولهما اهتز بقوة، وكأن الغابة نفسها تحبس أنفاسها، مترقبة ما سيحدث.

ابتعد بليك خطوة واحدة إلى الأمام، وكل عناصره الأربعة تدور حول جسده بانسجام كامل، مكونة هالة متوهجة، كل عنصر يتفاعل مع الآخر: النار تتوهج على أطراف يديه لتشكل له أذرعًا من اللهيب، الجليد ينساب على الأرض ويخلق دروعًا متحركة، الماء يتدفق في تيارات دائرية حوله، والأرض ترتفع وتتحرك كأنها كائن حي تحت إمرته.

بدأ الوحش يتحرك ببطء، محاولًا الهجوم، لكنه وجد نفسه يتراجع مع كل خطوة. كان ضغط الطاقة النابضة من بليك كجدار ضخم لا يمكن تجاوزه. كل مخلب يحاول توجيهه، كل هجوم يضربه، يتحطم أو يُحرف بعيدًا قبل أن يلامس جسده.

"هذا… لا يمكن…" تمتم الوحش في هدوء مخيف، صوته مكتوم تحت الضباب، لكنه مليء بالغضب والدهشة. كل نبضة من الطاقة التي تصدر عن بليك تسحب منه قوته، تجعل عضلاته تتشنج وعينيه تتوهجان بلون داكن متراجع.

بليك لم يحرك ساكنًا بعد. قلبه كان هادئًا، عقله صافٍ، وروحه متوازنة. لم يكن مجرد رد فعل للوحش، بل تحكم كامل بالمعركة، كل تفكير، كل إحساس، وكل خيال مظلم حاول الوحش استخدامه ضد بليك، أصبح وقودًا للطاقة النابضة داخله.

"لقد تعلمت… لقد نضجت… كل تجربة، كل وحش، كل خوف… أصبح قوة حقيقية… ولن أتراجع"، همس بليك لنفسه، وعيناه تتوهجان بسطوع أكبر، كأن الشمس قد ولدت من داخله.

بدأت الأرض تحت الوحش ترتجف، الصخور تتشقق، الأشجار تنحني تحت ضغط قوة بليك. الرياح تعصف، والأمواج المائية التي تحيط به تتحرك كإعصار، والنيران تلتف حول الوحش، لكنها لا تحرقه فقط، بل تفرض عليه الخضوع للطاقة المتكاملة لبليك.

الوحش حاول مقاومة، استخدم مجساته الضخمة ليهاجم، لكن كل هجوم كان يُحرف، كل خطوة كانت تُعيقه. قوة بليك لم تعد مجرد دفاع، بل هجوم متزامن، كل عنصر يعمل بتناغم لتفكيك الوحش وتحطيم هيكله من الداخل.

بليك شعر بانهيار الوحش يبدأ، لم يكن مجرد جسديًا، بل نفسيًا أيضًا. كل خطوة يخطوها الوحش كانت تتقابل مع هالة العناصر، كل زئير كان يُكبت ويُحوّل إلى موجة من الطاقة تصدمه من الداخل.

"لقد أصبح كل شيء داخلي سلاحًا حيًا… لم يعد هناك خوف، لم يعد هناك شك…" تمتم بليك، صوته واضح رغم ضباب الغابة. شعور الانتصار بدأ يتسلل إلى قلبه، لكنه لم يكن انتصارًا على الوحش فقط، بل على كل الشكوك والخوف الذي تراكم داخله منذ بداية رحلته في الغابة.

وفي لحظة مفصلية، انطلقت هالة الطاقة النابضة إلى أقصى حد، اندماج كامل بين العناصر الأربعة، موجة من الضوء والحرارة والبرودة والاهتزاز تتصاعد في كل الاتجاهات. الوحش، الذي بدا لا يُقهر، بدأ يتفكك تدريجيًا، المجسات تتفتت، جسده المظلم ينهار، كل جزء منه يتحول إلى غبار مظلم يتلاشى في الهواء، الضباب يمتصه كأنه لم يكن موجودًا.

وقبل أن يختفي تمامًا، أطلق الوحش آخر زئير عميق، لكنه لم يكن صرخته المعتادة، بل صرخة استسلام، وكأن الكون كله شهد على تفوق القوة الداخلية لبليك، ليس فقط جسديًا، بل عقلًا وروحًا وسيطرة كاملة على قدراته.

بليك وقف صامتًا، صدره يرتفع وينخفض ببطء، كل عناصره تهدأ تدريجيًا، يديه ترتخي، والأرض، والضباب، والماء، والنيران، والجليد، كلها تعود إلى حالتها الطبيعية، كأن الغابة نفسها تأخذ نفسًا عميقًا بعد نهاية العاصفة.

ابتسم بليك، شعور هادئ يغمره. لم يكن مجرد انتصار على وحش، بل انتصار على نفسه، على مخاوفه، على كل الشكوك التي تراكمت منذ بدايات رحلته.

"لقد أصبح الأمر واضحًا… القوة الحقيقية ليست في الوحوش أو السيوف… القوة الحقيقية هي السيطرة على النفس…"

الضباب حوله بدأ يخف، الأشجار تعود إلى هدوئها، والسماء الرمادية تتسلل منها خيوط من الضوء، لأول مرة منذ دخوله الغابة شعر بليك بالسكينة، شعور بأن معركته الداخلية والخارجية قد انتهت، على الأقل لليوم، وأنه أصبح أقوى من أي وقت مضى، مستعدًا لمواجهة أي تحدٍ قادم.

بعد اختفاء الوحش بالكامل، بقيت الغابة صامتة بشكل غير طبيعي. الهواء كان خفيفًا، وكأن كل شدة الضباب التي طغت طوال اليوم بدأت تتلاشى. بليك جلس على الأرض، جسده منهك، لكن عقله صافٍ وروحه متفتحة أكثر من أي وقت مضى.

رفع يديه إلى السماء الرمادية، حيث بدأت خيوط الضوء تخترق الضباب تدريجيًا، فتسللت إلى الأرض، الأشجار، والماء حوله. شعور بالدفء الطفيف ملأ صدره، لم يكن مجرد شعور بالراحة، بل اعترافًا من الغابة نفسها بنصره، بنموه الداخلي، وبالقوة التي اكتسبها عبر المعارك.

بليك أغلق عينيه، وبدأ يسمع أصوات الغابة بوضوح لأول مرة منذ أيام. صوت قطرات الماء تتساقط من الأوراق، حفيف الرياح بين الأشجار، حتى أصوات الطيور الصغيرة كانت موجودة، كما لو أن الحياة عادت لتتنفس مرة أخرى في كل زاوية من هذا المكان.

"لقد عرفت الآن… كل شيء بدأ بالخوف، وكل شيء انتهى بالقوة الداخلية… لم يكن الوحش خارجًا فقط… بل كان انعكاسًا لكل شكوك نفسي…" تمتم بليك لنفسه. شعور الفخر والسكينة كان ممزوجًا بلمسة حزن لطيف، لأنه أدرك أن الغابة، بكل أسرارها ومخاطرها، ستظل تختبره دائمًا، لكنها تمنحه فرصة للنمو.

جلس بليك تحت شجرة ضخمة، جذورها ملتفة حوله كأنها تحميه، ونظر إلى الأرض المبتلة، حيث تحطمت أوراق الأشجار المتساقطة بفعل المعركة. لمس الطين بيده، شعور بالاتصال بالأرض يعيد له الهدوء، ويجعله يشعر بالقوة المتجذرة في داخله.

فكر في كل الكائنات التي قابلها: الوحوش، الجثث، الظلال، القندس العملاق، التنين، الوحش الهلامي، وحتى كليب. كل واحد منهم كان درسًا، وكل مواجهة كانت اختبارًا لقدراته الجسدية والنفسية، وكل معركة أضافت طبقة جديدة إلى شخصيته.

"أنا لم أعد نفس الشخص الذي دخل هذه الغابة… أنا أكثر نضجًا، أكثر إدراكًا، وأكثر قوة… ليست فقط القوة السحرية، بل القوة الحقيقية في فهم النفس، السيطرة عليها، واستخدام كل جزء من قدراتي"، قال بليك بصوت هادئ، لكنه مليء بالتصميم.

تجول بصره في الغابة بعد المعركة. لم تعد الأشجار تشوهها الظلال، لم تعد أصوات العويل والصرخات تصدح في الهواء. الغابة بدأت تبدو أكثر طبيعية، رغم أنها ما زالت غامضة ومليئة بالأسرار.

تذكر بليك القندس الذي أصبح صديقه، وتلك اللحظات التي تعلم فيها الصبر، الرحمة، وكيف يمكن للفهم أن يحول العدو إلى حليف. ابتسم، وهو يشعر أن الرحلة لم تنتهِ بعد، لكنها أخذت معنى جديدًا: لم يعد مجرد اختبار للبقاء على قيد الحياة، بل رحلة لاكتشاف التوازن بين القوة، الرحمة، والحكمة.

رفع رأسه نحو السماء مرة أخرى، حيث بدأت أشعة الشمس تخترق الغيوم الرمادية. شعور بالهدوء والسكينة يغمره، ولكنه يعلم أن الغابة لا تزال تختزن تحديات، أسرار، وقوى أكبر. لكنه الآن مستعد، ليس فقط لمواجهة الوحوش، بل لمواجهة نفسه في أي وقت، وأي مكان.

الضباب الرمادي بدأ يتلاشى تدريجيًا، الغابة استقرت في هدوء، وكان بليك واقفًا، يقف على أرضية مغطاة بأوراق مبتلة ودماء معارك الماضي، لكنه الآن أقوى، أهدأ، وأكثر إدراكًا.

"اليوم… انتهت المعركة… لكن رحلتي بدأت للتو"، قالها لنفسه، وهو يتجه نحو قلب الغابة، حيث ينتظره المستقبل، مليء بالأسرار، القوى، والاكتشافات.

الغابة كانت صامتة، والضوء أصبح أكثر وضوحًا، والنسيم العليل حمل معه وعدًا جديدًا: بليك لم يعد مجرد فتى يواجه الوحوش، بل أصبح سيد رحلته، متحكمًا بقواه، متوازنًا في جسده وعقله وروحه، مستعدًا لكل ما قد يأتي بعد ذلك.

مع أول خيوط الضوء التي اخترقت الضباب الرمادي، وقف بليك على قمة تل صغير، ينظر إلى الغابة التي خاض فيها أقسى المعارك، ليس فقط ضد الوحوش، بل ضد نفسه، مخاوفه، وشكوكه العميقة. الهواء كان بارداً، لكنه لم يكن قارصًا بعد الآن؛ بل شعور بالصفاء يملأ صدره، وكأن الغابة نفسها تمنحه بركًا من السلام بعد كل الفوضى.

نظر بليك حوله، الأشجار العتيقة تتمايل برفق، وكأنها تنحني له تقديرًا لنصره. الأرض المبتلة بأوراق الأشجار والدماء القديمة تشع له ذكريات كل لحظة صراع، كل كائن قابله، وكل درس تعلمه. ابتسم ابتسامة هادئة، تلك الابتسامة التي لم يعرف طعمها منذ أن بدأ اختباره النفسي والجسدي منذ اليوم الأول.

"لقد فقدت الكثير هنا… لكنني اكتسبت أكثر"، تمتم بليك بصوت منخفض، داخله مزيج من الامتنان، الفخر، والحزن الخفيف. كل وحش قاتله، كل ظل واجهه، وكل قطرة دم سقطت هنا، كانت حجر أساس في بناء قوته الحقيقية. قوة ليست مجرد عناصر وسحر، بل فهم النفس، السيطرة على المخاوف، وتحويل الألم إلى طاقة تدفعه للأمام.

أغمض عينيه للحظة، مستشعرًا كل ما حوله: رائحة الطين المبتل، صوت قطرات الماء المتساقطة، أصوات الطيور التي بدأت تعود تدريجيًا، وحتى النسيم الخفيف الذي حمل معه رائحة الأشجار والعشب الرطب. كان كل شيء ينبض بالحياة، رغم كل الخراب والفوضى التي شهدها.

تذكر بليك القندس العملاق، التنين، الوحش الهلامي، الظلال، وحتى كليب الذي ساعده على اكتشاف أعماق نفسه. كل هذه الكائنات، سواء كانت أصدقاء أو أعداء، كانت جزءًا من رحلته، جزءًا من دروس الغابة.

ثم أخذ نفسًا عميقًا، شعر به يتحرك في جسده كله، من أطراف أصابعه إلى قلبه. شعور بالقوة المكتسبة، بالوعي الكامل لقدراته، وحتى بالسلام الداخلي. الغابة لم تعد مجرد اختبار للبقاء، بل أصبحت مرآة لنفسه، انعكاسًا لكل شيء تعلمه عن القوة، الرحمة، والتحكم بالذات.

بليك خطا خطوة بطيئة نحو حافة الغابة، حيث تبدأ الأشجار بالتراجع تدريجيًا، والضباب الرمادي يتلاشى إلى خلفه، كأن الغابة تعطيه الإذن بالمغادرة، لكنها تترك له ذكرى أبدية: كل شيء هنا كان حقيقيًا، كل تجربة شكلته، وكل وحش اختبره جعله أفضل، أقوى، وأكثر حكمة.

وقف للحظة أخيرة، وأدار وجهه نحو أعماق الغابة، وهمس:

"سأعود… ربما… لكن ليس كما دخلت. سأعود أقوى، وأكثر وعيًا… وسأعرف كيف أوازن القوة مع الرحمة"، ثم أرخى كتفيه، وشعر بحرية لأول مرة منذ أن وطئت قدماه الغابة.

مع كل خطوة يبتعد فيها، بدأت الأشجار تتلاشى في الضباب، الماء في الجداول الصغيرة يتلألأ، والطيور تعود للغناء. شعور بالطمأنينة ملأ قلبه، لكنه علم أن رحلته لم تنتهِ بعد، وأن العالم خارج الغابة يحمل تحديات أكبر، أسرار أكثر، وفرص جديدة للنمو.

وفي آخر لحظة، قبل أن يختفي الضباب بالكامل خلفه، التفت بليك مرة أخيرة، كأنه يودع صديقًا قديمًا، وقال بصوت هادئ، ممتزج بالإعجاب والامتنان:

"إلى اللقاء، غابة الضباب الرمادية… لقد علمتني الكثير… وسأحمل ذكراك دائمًا معي"

ثم، بخطوات ثابتة وواثقة، غادر الغابة، وأولى أشعة الشمس وجهه، معلنة بداية مرحلة جديدة في رحلته، مليئة بالقوة، الحكمة، والإرادة التي لا تقهر.

الضباب الرمادي اختفى، لكن أثره بقي محفورًا في قلب بليك، كالدرس النهائي: القوة الحقيقية ليست فقط في السحر أو السيف، بل في القدرة على مواجهة الذات، السيطرة على المخاوف، وترك أثر إيجابي في العالم، مهما كان مظلمًا وخطيرًا.

كنت واقفًا فوق التل، أنظر إلى الغابة الرمادية المترامية أمامي، ضبابها الكثيف يلتف بين الأشجار كأمواج خفية، وأشعر بكل شيء حولي ينبض بالحياة بعد كل المعارك، كل الوحوش، كل اللحظات التي دفعتني لأعماق نفسي. شعور غريب بالراحة والخوف والحنين يغمرني في نفس الوقت.

وفجأة… شعرت بتيار غريب، وكأن الهواء انفتح أمامي فجأة، والأرض تحت قدمي ارتجت. أمامي، وفي لمحة خاطفة، ظهرت بوابة مكانية، تتلألأ بألوان صفراء ذهبية، كأنها مرآة بين العوالم، تنفتح بصوت صامت لكنه مهيب.

وفجأة، ظهرت مونو، تتلألأ في ضوء البوابة، كأنها خرجت من خيالي نفسه، صوتها العذب يصل إلى أذني بعد عشرة أيام كاملة لم أسمع فيها سوى صدى صمت الغابة.

"حسنا… يبدو أنك نجوت يا بليك. كنت أعلم أنك ستفعل"، قالت بصوت رقيق، يحمل ثقة وقوة معًا، تلك القوة التي طالما أبهرتني وأرهبتني.

ابتسمت وقلت بصوت مملوء بالفخر والجرأة:

"بالتأكيد سوف أفعل… من تظنني أنا، يا فتاة؟ انا بليك إيثر!"

قهقهت مونو، لكن بطريقة مختلفة عن أي مرة قبلها، قهقهة مختلطة بين الدهشة والاعتراف بمهارتي. قالت:

"ههههههه… لو استمريت هنا يوما آخر، كانت الوحوش قد أكلتك بالفعل. أحمد ربك أنني جعلتهم عشرة أيام فقط."

تنهدت بعمق، شعرت بوزن الرحلة يخف قليلاً، وقلت بهدوء، وكأنني أتحدث مع نفسي أكثر من حديثي معها:

"حسنا… لن أجادلك في ذلك."

ثم اقتربت مني، ووقفت أمامي، وكانت المسافة بيننا مليئة بالكلمات غير المنطوقة والمشاعر المكبوتة. لم أستطع مقاومة الرغبة، فمددت يدي وأحضنتها، حضنًا دافئًا مليئًا بالحنان والامتنان. شعرت بليونة جسدها مقابل جسدي، بدفء قلبها يتدفق عبر ذراعي، وكأن كل لحظة خوف، كل معركة، وكل ألم مضى اختفى في تلك اللحظة.

تنهدت بعمق، وقلت بصوت منخفض، مملوء بالصدق الذي لم أظهره منذ أيام:

"لقد اشتقت اليك… مونو."

ابتسمت، وكتبت على وجهها تلك الملامح التي أعرفها منذ الطفولة، وقالت، بصوت يختلط فيه الحنان بالخجل:

"لا أريد أن أقولها… لكن… اشتقت اليك أيضًا."

وقفت دقيقة طويلة، نستشعر صمت الغابة، الرياح الخفيفة التي تلامس وجوهنا، العشب الرطب تحت أقدامنا، والضوء البارد للغابة الرمادية وهو يذوب في ألوان البوابة المضيئة. كل شيء حولنا كان هادئًا، وكأن العالم توقف للحظة، فقط لنسمح لأنفسنا بالانغماس في تلك اللحظة النقية.

ثم ابتسمت مونو، ومدت يدها لتلامس وجهي، وكأنها تقول بصمت: "أنت بخير… لقد نجوت… وأنا هنا." شعرت بدفء هذا الاتصال، وكأن كل الرحلة، كل الخوف، كل الوحوش التي واجهتها، كل الألم، كان يستحق فقط لأجل هذه اللحظة، ولأجل أن أكون هنا معها، على هذا التل، فوق الغابة الرمادية، في حضن شخص تعرفني كما أنا.

ابتعدنا عن بعضنا بعد حضن طويل، شعرت وكأن العالم كله توقف للحظة، وكأن الغابة الرمادية نفسها تحاول أن تحفظ تلك اللحظة التي جمعتنا بعد كل الألم والمعارك والخوف. أخذت مونو خطوة إلى الخلف، وبدأ جسدها يتلألأ تدريجيًا بلون ذهبي دافئ، كأن كل شعاع ضوء داخلي يتحرك من قلبها إلى الخارج، يغطيها بهالة من السحر المضيء.

الضوء امتد إلى الأمام، وبدأ يتشكل أمامنا بوابة مكانية ذهبية، تتلألأ بألوان سحرية، تجمع بين اللمعان النقي للذهب والدفء الغامر للضوء الداخلي، كأنها باب لعالم جديد، رحلة جديدة بعد كل ما مررنا به. لم أستطع النظر إلا بدهشة ودهشة مختلطة بالفرح، شعرت وكأن كل تعب الأيام الماضية يُكافأ بهذه اللحظة، بهذا الضوء، بهذه النهاية التي لم أكن أجرؤ على تخيلها في بداية رحلتي.

استدارت مونو نحوي وهي تبتسم، وابتسامتها كانت مزيجًا من الدهشة والفخر والحنان، وقالت بصوت رقيق لكنه مليء بالقوة:

"حسنًا يا بليك… حان وقت الرحيل."

توقف قلبي للحظة، وكأن كل كلماتها كانت كصفعة رقيقة توقظ كل إحساسي بالإنجاز، وفجأة خرجت مني كلمة ارتجت في صدري:

"ماذا!!! حقًا… أسوف أنني سأعود إلى البلدة؟!"

أومأت مونو برأسها، وعينها الذهبية تتلألأ كما لو كانت تقول: نعم… لقد نضجت، لقد نجوت، وأثبت نفسك. قالت بابتسامة هادئة:

"نعم… لقد انتهى تدريبك. أصبحت جديرًا بامتلاكك لـ ‘شمس المعارف’."

شعرت بقلب يفيض بالفرح، كما لو أن كل العوائق، كل الوحوش، كل الخوف، تحول إلى طاقة تتدفق داخلي. ضحكت بصوت مرتفع، ضحكة صافية مليئة بالنصر والارتياح، وقلت:

"أخيرًا… سألتقي ببابادوك وأكيهيكو! لحظة… كم من الوقت مضى وأنا هنا؟"

ابتسمت مونو، وقالت بلطف لكنها بصوت يحمل ثقل الزمن:

"لقد مضى حوالي تسعة أشهر… مما يعني حوالي شهرين وأسبوع في العالم الخارجي."

قفزت فرحًا، شعرت كما لو أنني خرجت من زنزانة طويلة من الوحوش والتحديات والكوابيس. كانت فكرة العودة إلى أصدقائي، العودة إلى الحياة اليومية، دفعة هائلة لقوتي النفسية والجسدية. شعرت بنشاط لا يصدق، كل خلايا جسدي ترتجف من الفرح، والحرية القادمة، والدفء الداخلي الذي لم أعرفه منذ بداية الرحلة.

مونو ابتسمت لي مجددًا، وقالت بهدوء:

"تعال… لنعود."

سارت نحو البوابة الذهبية، وأنا أركض خلفها، شعور لا يوصف يغمر قلبي، مزيج من الفرح، الانتصار، والخفة بعد كل العناء. وعندما دخلنا أنا ومونو البوابة، شعرت وكأن الضوء الذهبي يغمر كل شيء من حولنا، يذوب الغموض والخوف والظلام، ويترك مكانه للسلام، للحياة، وللأصدقاء الذين كنت أفتقدهم منذ البداية.

ومع عبورنا، شعرت بأن الغابة الرمادية وراءنا تتلاشى تدريجيًا، كأنها

لم تكن سوى اختبار، رحلة لنمو، قوة، وفهم أعماق نفسي. وعندما وصلنا، رأيت وجوه بابادوك وأكيهيكو، فرحتهم واضحة، كما لو أنني لم أغادر أبدًا، وكأن الوقت لم يكن قادرًا على الفصل بيننا.

ابتسمت لهم، وضحكت من قلبي، وقلت بصوت مليء بالامتنان والنصر:

"ها أنا ذا… عدت أخيرًا!"

2025/10/08 · 5 مشاهدة · 5893 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025