استيقظتُ هذا الصباح على دفء غريب يتسلل إلى جسدي، وكأنني أغرق في بحر من الراحة لم أذقه منذ أمدٍ بعيد. كانت الشمس تخترق ستائر غرفتي البالية، ترسم خطوطًا ذهبية رقيقة على الأرضية الخشبية المتآكلة. سريري، هذا الملاذ المتواضع الذي اشتريته من متجر السلع المستعملة في البلدة، بدا وكأنه عرشٌ ملكي بعد تسعة أشهر قضيتها أتخبط في الغابات، أنام على الصخور الباردة أو الأرض الرطبة تحت وطأة الوحوش.

تمددتُ، شعرتُ بمفاصلي تصدر صوتًا خافتًا كأنها تشكرني على هذه اللحظة النادرة من الراحة. لكن هذا الهدوء، كما تعلمتُ جيدًا، ليس إلا وهمٌ مؤقت. العالم الذي أعيش فيه لا يسمح للراحة أن تدوم طويلًا.نهضتُ من الفراش، وسحبتُ الغطاء القطني الذي يحمل رائحة الغسيل الطازج – شيءٌ آخر افتقدته في الغابة. ألقيتُ نظرة على الجوهرة الخضراء في عيني اليمنى من خلال المرآة الصغيرة المعلقة على الحائط. توهجتْ بلطف، كأنها تحييني، أو ربما تحذرني من شيءٍ قادم. "هدوءكِ مشبوه،" تمتمتُ لها، وكأنها كائنٌ حي. ربما هي كذلك. من يعلم؟

بعد تسعة أشهر من المطاردات والمعارك، كان الذهاب إلى المدرسة الثانوية يبدو كمغامرة من نوعٍ آخر – مغامرة عادية، لكنها غريبة بطريقةٍ ما. وقفتُ أمام خزانة ملابسي المتواضعة، أبحث عن شيء يناسب "طالبًا عاديًا". القميص الأبيض المكوى بعناية بفضل مونو التي أصرت على تعليمي كيفية الكي، وبنطال جينز أسود بسيط، وحذاء رياضي قديم لكنه نظيف. ارتديتُ معطفي الأسود الطويل، ذلك الذي أصبح جزءًا من هويتي بعد أن نقشت عليه رموز المانا الفضية.

لم أكن متأكدًا إن كان يُسمح بارتدائه في المدرسة، لكنه بدا كدرعٍ نفسي أحتاجه لمواجهة العالم الخارجي.في المطبخ، أعددتُ فطورًا سريعًا: خبز محمص مع زبدة الفول السوداني، وعصير برتقال اشتريته من السوق أمس. كل قضمة كانت تذكرني بأنني عدتُ إلى الحياة "الطبيعية"، أو على الأقل، نسخة مقبولة منها. وضعتُ كتاب "شمس المعارف" في حقيبتي بعناية، متأكدًا من أن الرموز الواقية التي وضعتها مونو ستُبقيه مختومًا.

بينما كنتُ أربط حذائي عند الباب، سمعتُ رفرفة خفيفة، كأن ورقة تحركها الرياح. نظرتُ للأعلى لأجد عصفورًا أسود صغيرًا يحوم في غرفة المعيشة، أجنحته تلمع كما لو كانت مغطاة بحبرٍ لامع. توقف قلبي للحظة، ثم استرخيتُ. "نيرو،" قلتُ في نفسي، وابتسمتُ رغمًا عني.في لحظة، تحول العصفور إلى شكلها البشري. وقفتْ هناك، نيرو، بكل جمالها المذهل. شعرها الأسود القصير يتألق كالليل العميق، بشرتها البيضاء النقية تكاد تتوهج تحت ضوء الصباح، وعيناها الحمراوان تلمعان ببريقٍ يحمل مزيجًا من الغموض والدفء. كانت ترتدي ثوبًا أسود بسيطًا، لكنه يبدو كأنه مصمم خصيصًا ليبرز كل تفصيلة فيها. لا أستطيع أن أنكر، كلما رأيتها هكذا، شعرتُ بشيءٍ يتحرك في صدري – مزيج من الإعجاب والحيرة. كيف يمكن لفتاةٍ بهذا الجمال أن تكون... طائرًا في معظم الأوقات؟ وكيف انتهى بها الأمر تعيش معي في هذا المنزل الصغير؟"صباح الخير، نيرو،" قلتُ، محاولًا أن أبدو طبيعيًا رغم تسارع نبضات قلبي."صباح الخير، بليك،" ردتْ بصوتٍ هادئ كالنسيم، لكنه يحمل نبرة خفيفة من السخرية المعتادة. اقتربتْ من الطاولة، وأمسكتْ بقطعة خبز محمص من طبقي دون أن تطلب الإذن. "ما زلتَ تأكل هذا الشيء الدهني؟" سألتْ، وهي تلوح بالخبز المغطى بزبدة الفول السوداني."بالمناسبة،" قلتُ وأنا أغلق حقيبتي، "ألا تنوين الانضمام إلى المدرسة؟ بابادوك انضم إليها، كما تعلمين."نيرو رفعتْ حاجبًا، وابتسمتْ ابتسامةً صغيرة تجعلني أشعر وكأنني أفتقد شيئًا واضحًا. "لا شكرًا، سأبقى هنا وأستمتع بالهدوء لوحدي.""لن تشعري بالوحدة؟" سألتُ، وأنا أنظر إلى عينيها الحمراوين، محاولًا قراءة ما وراءهما. كانت نيرو دائمًا لغزًا، حتى بعد كل هذه الأشهر.ضحكتْ نيرو، ضحكة خفيفة كأنها نغمة رنّت في الغرفة. كان من النادر أن أرى ابتسامتها الحقيقية، تلك التي تخلو من السخرية أو الحذر. "أنا آخر شخص قد يشعر بالوحدة،" قالتْ بهدوء، وعيناها تلمعان بشيءٍ يشبه الذكرى البعيدة. ثم أضافتْ، وهي تلوح بيدها كأنها تطرد فكرتي: "اذهب، لا تتأخر على مدرستك الثانوية المملة."ابتسمتُ رغمًا عني، ورفعتُ حقيبتي على كتفي. "حسنًا، لكن لا تدمري المنزل وأنتِ 'تستمتعين'." خرجتُ من الباب، والهواء البارد لصباح يلفحني بلطف.

بينما كنتُ أسير في الشارع الضيق، محاطًا بأشجار الصنوبر والأصوات البعيدة للبلدة التي بدأت تستيقظ، شعرتُ بثقل خفيف في صدري. المدرسة الثانوية تنتظرني، لكن في عالمي، لا شيء يبقى عاديًا لفترة طويلة. الجوهرة الخضراء في عيني تومض مرة أخرى.

كانت الشوارع الهادئة في البلدة تتنفس مع نسمات الصباح الباردة، وأوراق الصنوبر المتساقطة تتراقص على الأرصفة الرمادية. كنتُ أسير بخطواتٍ متمهلة، حقيبتي تتأرجح على كتفي، والجوهرة الخضراء في عيني اليمنى تهمس بوميضٍ خافت كلما مررتُ تحت ظل شجرة. رائحة الخبز الطازج من مخبز السيدة هيلدا امتزجت مع عبير التربة الرطبة بعد مطر الأمس.

كل شيء حولي بدا... عاديًا بشكلٍ مخيف. لقد اعتدتُ على الغابات المظلمة، صراخ الوحوش، والركض من أجل حياتي. لكن هنا، في هذه البلدة الصغيرة، بدا العالم كأنه لوحة هادئة مرسومة بعناية، تنتظر لحظة انفجارها.في منتصف الطريق، سمعتُ صوت خطواتٍ خفيفة خلفي. التفتُ لأجد أكيهيكو يهرول نحوي، شعره الأسود المبعثر يتطاير مع الريح، ونظارته السميكة تنزلق قليلاً على أنفه. كان يرتدي زي المدرسة الأزرق الرسمي، لكنه بدا وكأنه ارتداه على عجل – ربطة عنقه مفكوكة، وزر واحد في قميصه مفتوح. بجانبه، كان بابادوك يسير بخطواتٍ واثقة، يداه في جيوب بنطاله، وابتسامة ساخرة تعلو وجهه. كان يبدو... بشريًا بشكلٍ غريب. شعره الأشقر القصير مرتب بعناية، وعيناه الزمرديتان تلمعان بنوع من المرح الذي لا يتناسب مع طبيعته كجنٍ ذي اسم.

"بليك، يا رجل!" نادى أكيهيكو، وهو يلوح بيده كأنه يحاول جذب سفينة ضائعة. "لم أصدق عيني عندما قالوا إنك ستعود اليوم!""كنتُ أظن أنك ستبقى تتسكع في الأرجاء إلى الأبد،" أضاف بابادوك بنبرةٍ مزاحية، وهو يرمقني بنظرة جانبية. "أو ربما أكلتك إحدى تلك اللعنات."ضحكتُ بخفة، وشعرتُ بدفءٍ غريب يتسلل إلى صدري. كان من الغريب أن أشعر بالراحة معهما، بعد كل ما مررنا به. "حسنًا، أنا هنا الآن. ويبدو أنني سأضطر لتحمل دروس الرياضيات مرة أخرى.""الرياضيات؟" قال أكيهيكو، وهو يعبس كأنني ذكرتُ شيطانًا. "أنا بالكاد أفهم المتتاليات الحسابية، وأنت تفكر في العودة مباشرة؟ رجل، أنت أكثر شجاعة مما كنت أظن.""شجاعة؟" تدخل بابادوك، وهو يرفع حاجبًا. "أو ربما غباء. لماذا يختار أحدٌ العودة إلى هذا... السجن اليومي؟""لأنني أحتاج إلى شيء يشبه الحياة الطبيعية،" قلتُ، وأنا أنظر إلى السماء الزرقاء الصافية. "ولو ليوم واحد."مشينا معًا، وصوت ضحكاتنا الخفيفة يتردد في الشارع الهادئ. تحدثنا عن أشياء تافهة – أكيهيكو شكى من واجبات التاريخ، وبابادوك سخر من فكرة أن يجلس في فصل دراسي مع "بشر عاديين". للحظة، شعرتُ وكأنني مجرد طالب ثانوية، وليس حامل كتاب شمس المعارف، أو مفتاحًا لشيءٍ غامض لا أفهمه بعد.

في خضم حديثنا العفوي، ضربتني فكرةٌ مفاجئة كالصاعقة. توقفتُ فجأة، ونظرتُ إلى بابادوك بعينين متسعتين. "انتظر، انتظر! لقد غبتُ عن المدرسة لشهرين كاملين! كيف لن يلاحظوا غيابي؟ ألن يتم استدعاء والديّ أو شيء من هذا القبيل؟"بابادوك ابتسم ابتسامةً ماكرة، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال. "أوه، لا تقلق بشأن ذلك. الأستاذ أونيزوكا قد... رتب الأمور. لنقل إنه زوّر بعض الأوراق ليبدو أنك كنت غائبًا بسبب 'ظروف خاصة'."

شعرتُ بموجةٍ من الراحة تغمرني، كأن ثقلًا كبيرًا رُفع عن كتفيّ. لقد كنتُ مستعدًا لمواجهة مدير المدرسة أو حتى عقوبة ما، لكن أونيزوكا، هذا الرجل الغريب الأطوار، فعلها مجددًا. "يا إلهي،" قلتُ، وأنا أبتسم ابتسامةً عريضة لا إرادية. "سأحتاج إلى شكر أونيزوكا لاحقًا. هذا الرجل أسطورة!""أسطورة؟" قال أكيهيكو، وهو يضحك. "أو مجرم موهوب. لا أعرف كيف يفلت من كل هذا.""لأنه أونيزوكا،" أجاب بابادوك ببساطة، وكأن هذا يفسر كل شيء.

وصلنا إلى بوابة المدرسة الثانوية، وهي بنية متواضعة من الطوب البيض محاطة بأشجار الكرز التي بدأت تفقد أوراقها. كانت الأصوات الصاخبة للطلاب تملأ الجو – ضحكات، أحاديث متسارعة، وصوت أحدهم يلعب بكرة في الملعب القريب.

ودّعنا أكيهيكو، الذي توجه إلى فصله في الطابق العلوي، وهو يلوح لنا بيديه كأنه يودع جيشًا.دخلتُ أنا وبابادوك إلى صفنا، وما إن عبرتُ الباب حتى شعرتُ بثقل العيون عليّ. زميلاتي وزملائي في الصف توقفوا عن الحديث، وكأنني شبحٌ عاد من العالم الآخر. فتاة ذات شعر بني طويل همست لصديقتها، "هذا بليك؟ ظننتُ أنه ترك المدرسة!" شاب آخر، كان يعبث بهاتفه، رفع رأسه وقال بصوتٍ عالٍ: "يا رجل، أين كنتَ؟ بدأنا نظن أنك هربتَ إلى مدينة أخرى!"لم أهتم كثيرًا. علاقتي بمعظم زملائي كانت سطحية، مجرد تبادل كلمات في الفصل أو مشاريع جماعية اضطررتُ لتحملها. بالكاد أتذكر أسماءهم – ربما كان هناك فتى يُدعى تاكي، وفتاة تُدعى يوكو؟ لكن شيئًا واحدًا كان يغيظني دائمًا:

دووك. هذا الفتى الوسيم الذي يبدو وكأنه خرج من إعلان تجاري. شعره الأسود المصفف بعناية، عيناه الزرقاوان اللتين تلمعان كأنهما بحيرتان، وابتسامته التي تجعل الفتيات في الصف يصرخن كلما مرّ بجانبهن. كان محاطًا، كالعادة، بمجموعة من الفتيات يتغزلن بقميصه الجديد أو يسألنه عن مباراة كرة القدم الأخيرة. التفتُ إلى بابادوك وتمتمتُ: "هل يجب أن تكون هكذا دائمًا؟"بابادوك ضحك بخفة. "دعني أستمتع ببريقي أيها الغيور."

فجأة، انفتح الباب بعنف، ودخل الأستاذ أونيزوكا بطاقته المعتادة. كان يرتدي قميصًا أبيض مفتوح الأزرار العلوية، وسروالًا أسود يبدو وكأنه ارتداه لأيام. شعره الأشقر المصبوغ كان فوضويًا، لكنه بدا وكأنه يتباهى بذلك. رفع يديه كقائد أوركسترا وصاح: "حسنًا، يا أيها الصغار المزعجون! هل أنتم مستعدون لجرعة من العلم أم أنكم ستنامون كالعادة؟"ضحك الصف، وبعض الطلاب ردّوا بصيحاتٍ ساخرة. "أستاذ، لا تشرح الكيمياء مرة أخرى!" قالت فتاة في الخلف."الكيمياء؟" رد أونيزوكا، وهو يضع يديه على خصره بموقفٍ درامي. "هذه ليست كيمياء، هذه سحر! لو كنتم تعرفون كيف تجعلون المواد تنفجر، لما شكيتم!" ثم التفت إليّ، وابتسم ابتسامة عريضة.

"بليك إيثر! عاد بطلنا من المنفى! لا تقل لي إنك نسيت كل شيء عن الجدول الدوري، أيها الهارب."ضحكتُ رغمًا عني، وشعرتُ بالدفء يعود إلى صدري. أونيزوكا كان دائمًا هكذا – مزيج من الفوضى والجاذبية. بدأ الدرس، لكنني لاحظتُ أن عينيه تلمعان بشيءٍ أكثر من مجرد المزاح. كأنه يعرف شيئًا عن غيابي أكثر مما يقول.

بعد يومٍ مدرسي طويل، شعرتُ وكأنني عشت حياة أخرى في غضون ساعات. الدروس، أصوات الطباشير على السبورة، ونظرات زملائي المتفاجئة – كلها بدت كمسرحية ألعب فيها دورًا لستُ متأكدًا من إتقانه. لكن الآن، وأنا أسير بجانب أكيهيكو وبابادوك نحو نادي الغرائب، شعرتُ بموجةٍ من الحنين تتسلل إلى قلبي. نادي الغرائب – تلك الغرفة الصغيرة المليئة بالفوضى، الكتب المتراكمة، والأسرار التي لا يعرفها سوى أعضائه. كان المكان الوحيد الذي شعرتُ فيه يومًا أنني أنتمي، حتى لو كان مليئًا بالغرابة. لكن مع هذا الحنين، كان هناك توترٌ يعتصر معدتي. هيمورا، رئيسة النادي، ليست من النوع الذي ينسى غيابًا لشهرين دون تفسير.وقفتُ أمام باب النادي الخشبي القديم، الذي يحمل لوحة صغيرة مكتوبًا عليها بخطٍ يدوي فوضوي: "نادي الغرائب – ممنوع التدخين أو التفكير العادي".

يدي توقفت على المقبض، وشعرتُ بقلبي يخفق بقوة. كنتُ أتخيل هيمورا وهي تنتظرني بذراعيها متقاطعتين، عيناها الزرقاوان تلمعان بالغضب، جاهزة لإلقاء محاضرة طويلة عن المسؤولية. "ماذا لو طردتني من النادي؟" تمتمتُ لنفسي، ونظرتُ إلى بابادوك الذي كان يبتسم بثقة مزعجة."ما الذي تنتظره؟" قال بابادوك، وهو يدفعني برفق. "افتح الباب، أيها الجبان. أم أنك خائف من فتاة صغيرة؟""صغيرة؟ هيمورا مخيفة عندما تغضب!" رد أكيهيكو، وهو يعدل نظارته بعصبية. "تذكر تلك المرة عندما نسيتَ إحضار الكتب؟ كادت تأكلني!"تنفستُ بعمق، وفتحتُ الباب. الرائحة المألوفة للغبار، الحبر القديم، والشاي بالياسمين اجتاحتني. الغرفة كانت كما تركتها: أرفف مكتظة بالكتب، طاولة مليئة بأوراق مبعثرة، وستائر قرمزية تمنع الضوء من الدخول بشكل كامل. لكن قبل أن أستوعب المشهد، شعرتُ بشيءٍ يصطدم بي كالعاصفة. هيمورا، بشعرها الأسود القصير الذي يتطاير كالأمواج، قفزت عليّ وحضنتني بحرارة، كأنني صديقٌ عاد من الحرب."بليك! لقد عدتَ! أين كنتَ بحق الجحيم؟"

صرختْ، صوتها يحمل مزيجًا من الفرح واللوم. وجهها كان قريبًا جدًا، عيناها البنيتان تلمعان بالحماس، وبعض خصلات شعرها تدغدغ وجهي."أه... هيمورا، أنتِ... لستِ غاضبة؟" سألتُ، وأنا أحاول تحرير نفسي من حضنها الذي بدا وكأنه سيستمر إلى الأبد."بالطبع أنا غاضبة، أيها الأحمق!" قالت، وهي تضرب كتفي بخفة لكن بنظرةٍ مرحة. ثم ابتعدت خطوة، ووضعت يديها على خصرها، مبتسمة ابتسامة عريضة. "لكن دووك وأكيهيكو أخبروني أن لديك ظروفًا، لذا سأسامحك... هذه المرة. لكن لا تتغيب لشهرين آخرين، مفهوم؟""حسنًا، حسنًا،" قلتُ، وأنا أرفع يديّ استسلامًا، ممتنًا لأنها لم تبدأ محاضرة طويلة. لكن عينيها لمعتا بلمعانٍ ماكر، وكأنها تخطط لشيء."إذن، بما ستعوضني؟" سألتْ، وهي تميل برأسها قليلاً، كأنها قطة تتربص بفريسة."ماذا؟" رددتُ، وأنا أرمقها بحيرة. "أنتِ من قلتِ إنه لا بأس طالما لدي عذر، والآن تريدين تعويضًا؟""حسنًا، لكن!" قالت، وهي ترفع إصبعًا كما لو كانت تشرح نظرية علمية. ثم، فجأة، تغيرت تعابيرها. تصنعت الخجل، ووضعت يدها على خدها، وألقت نظرة جانبية.

"لقد حضنتك الآن، وشعرتُ... بحرارة جسدك. صدري لامس جسدك، ووجهي كان قريبًا من صدرك، وشعرتُ بأنفاسك. إذن، يجب أن تعوضني عن ذلك."تجمدتُ في مكاني، وشعرتُ بحرارة تصعد إلى وجهي. "مـ... مهلاً! أنتِ من قفزتِ عليّ! لم أطلب ذلك أصلاً!" توقفتُ للحظة، ثم أضفتُ بسخرية: "وأيضًا، أنتِ... مسطحة تمامًا. لم أشعر بأي صدر!"الغرفة أصبحت صامتة كالقبر. عينا هيمورا اتسعتا، وفمها انفتح قليلاً كأنني ضربتها بصاعقة. وجهها تحول من الخجل المصطنع إلى صدمة حقيقية، ثم إلى غضبٍ مرح. "مـ... مـ... ماذا؟!" صرختْ، وهي تضرب الأرض بقدمها. "أنا لست مسطحة! صدري متوسط الحجم، فحسب! متوسط، هل تسمعني؟""من يهتم؟" قلتُ، وأنا أحاول كتم ضحكتي. بابادوك، الذي كان يقف خلفي، لم يستطع التماسك وانفجر ضاحكًا، بينما أكيهيكو غطى وجهه بيديه، متمتمًا: "لماذا تقول شيئًا كهذا؟!""حسنًا، أنا غاضبة فعلاً الآن!" قالت هيمورا، وهي تتقاطع ذراعيها وتنفخ خديها كطفلة. لكن تعابيرها كانت أكثر كوميدية من مخيفة، وشعرتُ بضميري يؤنبني قليلاً.

لم أكن أريد إفساد عودتي الأولى إلى النادي."حسنًا، حسنًا،" قلتُ، وأنا أرفع يديّ استسلامًا مرة أخرى. "اطلبي طلبًا واحدًا، وسأنفذه.""حقًا؟!" عيناها لمعا بسعادة فورية، كأن غضبها تبخر في ثانية. كانت هيمورا دائمًا هكذا – عاصفة من المشاعر تتحول بسرعة البرق. بدأت تفكر، وهي تضع إصبعها على ذقنها، ثم أضاء وجهها بفكرة. "بليك، دووك، أكيهيكو... لنخرج للعب الغولف!""الغولف؟" كررتُ، وأنا أرمقها بحيرة. "من أين جاءت هذه الفكرة؟""لقد شاهدتُ مباراة غولف على التلفاز أمس، وبدت ممتعة!" قالت، وهي تقفز بحماس. "وبالإضافة إلى ذلك، أنتم مدينون لي بيوم ممتع بعد كل هذا الغياب!"نظرتُ إلى بابادوك وأكيهيكو، اللذين بدا عليهما نفس القدر من الحيرة. "الغولف؟" تمتم أكيهيكو. "هل تعرفين حتى القواعد؟""بالطبع!" ردت هيمورا بثقة مفرطة. "تضرب الكرة بعصا، وتدخلها في حفرة. سهل!"بابادوك ضحك بصوتٍ عالٍ. "هذا سيكون كارثة. أنا معكم."

كان الهواء في محطة القطار مشبعًا برائحة الحديد المسخن تحت أشعة الشمس الصباحية، ممزوجة بنكهة خفيفة من الزهور البرية التي تنمو على جوانب السكة. وقفتُ هناك، محاطًا بهدوءٍ نسبي يخترقه صوت العصافير البعيدة وهدير القطارات القادمة من بعيد. كنتُ أرتدي قميصًا أسود بسيطًا مفتوح الأزرار العلوية، وبنطال جينز أزرق داكن، مع معطفي الطويل الذي لا أستطيع التخلي عنه – تلك الرموز الفضية المنقوشة عليه تمنحني شعورًا بالأمان، حتى في يومٍ عادي مثل هذا. الجوهرة الخضراء في عيني اليمنى كانت هادئة، لكنني شعرتُ بنبضها الخافت، كأنها تراقب العالم بنفس اليقظة التي أحاول إخفاءها.إلى يميني، كانت نيرو تقف كتمثالٍ منحوت من الظلال. فستانها الأسود الطويل بأكمام رقيقة يتمايل بلطف مع النسيم، يبرز بشرتها البيضاء النقية وشعرها القصير الذي يلمع كالليل. عيناها الحمراوان كانتا مثبتتين على الأفق، هادئتان لكن غامضتين، كأنها ترى شيئًا لا أراه. كل من مرّ بالقرب منا – من الركاب العجولين إلى بائع التذاكر العجوز – رمَقَها بنظرةٍ مبهورة، كأنها كائنٌ من عالمٍ آخر. إلى يساري، كانت مونو، الروح الاصطناعية التي تبدو كفتاةٍ صغيرة بعمر العشر سنوات.

ثوبها الأبيض المزين بنقوش زرقاء كالأمواج كان يتأرجح مع حركتها المتوترة، وضفيرتاها الشقراوان ترتدان مع كل قفزة. كانت تمسك بحقيبة قماشية صغيرة، وكأنها تستعد لمغامرةٍ كبيرة بدلاً من نزهة غولف.لم أكن متأكدًا لماذا أصررتُ على إحضارهما. ربما لأنني، بعد كل ما مررتُ به، لم أعد أثق في الهدوء. أو ربما لأنني أردتُ أن أشارك هذا اليوم "العادي" مع من شاركوني أحلك لحظاتي. لكن الآن، وأنا أقف بينهما، شعرتُ وكأنني مراهقٌ عادي يحاول إدارة فرقةٍ غريبة الأطوار."أنتم الاثنان، لماذا أتيتما معي بالضبط؟" سألتُ، وأنا أرمقهما بنظرةٍ متشككة.نظرتا إليّ في نفس اللحظة، وقالتا بنبرةٍ متزامنة بشكلٍ مخيف: "لنلعب الغولف!"رفعتُ حاجبي. "هل أنتما مهتمتان أصلاً بالغولف؟"نيرو مالت برأسها قليلاً، وابتسمت ابتسامة خفيفة تحمل تلميحًا من السخرية. "حسنًا، أحيانًا يجب على المرء أن يجرب أمورًا جديدة، أليس كذلك؟" قالتها بنبرةٍ هادئة، لكن عينيها تلمعان بلمعانٍ ماكر.أما مونو، فقالت وهي تضرب الأرض بقدمها الصغيرة: "أنا أتيت لأنني أشعر بالملل! هذه الأيام هادئة جدًا، بليك. هادئة بشكلٍ مريب.""حسنًا، أتفق معكِ في هذا،" قلتُ، وأنا أنظر إلى السماء الزرقاء الصافية، متسائلاً عما إذا كان هذا الهدوء مجرد قناعٍ لشيءٍ أكبر.

لمحتُ من بعيد ثلاثة أشخاص يقتربون. كانت هيمورا في المقدمة، تلوح بحماسٍ وكأنها ترحب بجيشٍ منتصر. كانت ترتدي قميصًا أسود بلا أكمام يكشف عن ذراعيها النحيفتين، وبنطالًا أبيض ضيقًا يبرز حركتها النشيطة. نظاراتها ذات الإطار الأحمر الفاقع كانت بارزة على وجهها، تعكس ضوء الشمس وتبرز عينيها العنابيتين المتوهجتين بالسعادة. شعرها الاسود الطويل كان مربوطًا بمشبك صغير على جانبٍ واحد، مما يعطيها مظهرًا مرحًا وعمليًا في آنٍ واحد.بجانبها، كان دووك يسير بثقةٍ مزعجة كعادته. كان يرتدي قميصًا أبيض بأكمام ملفوفة إلى المرفقين، وبنطالًا رماديًا أنيقًا يبدو وكأنه اختاره بعناية ليظهر كنجمٍ في عرض أزياء. شعره الأسود المصفف بعناية يتمايل مع الريح، وعيناه السوداوان تلمعان بنظراتٍ واثقة. حتى حقيبته الرياضية، التي كان يحملها على كتفه، بدت وكأنها إكسسوار موضة. أما أكيهيكو، فكان يتبعهما بخطواتٍ مترددة، وكأنه يحاول مواكبة طاقتهما. كان يرتدي قميصًا أخضر فاتحًا مع بنطالٍ أسود كالعادة، وشعره الأشقر المبعثر يعطيه مظهرًا وكأنه استيقظ لتوه."بليك!" صرخت هيمورا وهي تقترب، تلوح بكلتا يديها.

"لم أصدق أنك ستأتي فعلاً! ظننتُ أنك ستهرب مرة أخرى!""أهرب؟ أنا؟" قلتُ، وأنا أبتسم رغمًا عني. "أنا رجل كلمة، هيمورا."دووك اقترب، وألقى نظرة سريعة إلى نيرو، ثم إلى مونو، ثم عاد إليّ. "يبدو أنك تجمع جيشًا، بليك. لماذا هما هنا؟"نظرتُ إلى هيمورا، التي كانت ترمق نيرو ومونو بتعبيرٍ يمزج بين الفضول والاستغراب. كنتُ أعلم أنها لا تعرفهما، وكان عليّ أن أجد تفسيرًا سريعًا. "أحم، هيمورا، هذه مونو، أختي الصغيرة. أردتُ أن تأتي معي، لذا أحضرتها."مونو التفتت إليّ، وعيناها الصغيرتان تلمعان بنظرةٍ يمكن أن تقتل. كنتُ أعلم أنها تكره أن يُطلق عليها "أختي الصغيرة"، لكنني لم أجد كذبة أفضل. هيمورا، لحسن الحظ، بدت مقتنعة. "لا بأس، لا بأس!" قالت، وهي تنحني لتنظر إلى مونو. "يا إلهي، إنها ظريفة جدًا! مرحبًا بكِ في مغامرتنا!"ثم استدرتُ إلى نيرو، محاولًا اختلاق شيء معقول.

"وأحم، هذه نيرو، هي... هي..."توقفتُ، عقلي فارغ تمامًا. من هي نيرو بالضبط؟ صديقة؟ قريبة؟ جنية متخفية؟ قبل أن أغرق في حيرتي، تقدمت نيرو خطوة وتكلمت بنبرة هادئة وواثقة: "أنا إحدى معارف بليك. أتمنى ألا أكون مزعجة في هذه النزهة الصغيرة."هيمورا لمعت عيناها بحماس. "لا بأس، لا بأس! كلما زاد العدد، زادت المتعة!" قالت، وهي تضرب يديها معًا كأنها تخطط لحفلة.الوصول إلى ملعب الغولفوصل القطار في الوقت المحدد، وصعدنا جميعًا إلى عربةٍ مزدحمة قليلاً. كانت هيمورا تتحدث بلا توقف عن خططها للفوز بـ"بطولة الغولف العظيمة"، بينما كان أكيهيكو يحاول شرح القواعد الحقيقية للعبة دون جدوى. دووك، كالعادة، كان يجذب انتباه بعض الركاب بنظراته الواثقة، ونيرو ومونو جلستا بصمت، كل منهما في عالمها الخاص. بعد رحلة قصيرة، وصلنا إلى محطتنا، ومشينا لبضع دقائق عبر شوارع هادئة محاطة بحقول خضراء ممتدة.

ملعب الغولف كان أمامنا، لوحة طبيعية من الأخضر الممتد تحت سماءٍ زرقاء صافية. كانت الأرض مغطاة بعشبٍ مشذب بعناية، يتخلله ممرات رملية وبرك ماء صغيرة تلمع تحت أشعة الشمس. الأشجار المنخفضة تحيط بالملعب، وأعلام صغيرة حمراء ترفرف عند كل حفرة، تشير إلى الأهداف البعيدة. رائحة العشب الطازج تملأ الهواء، ممزوجة بنسيمٍ خفيف يحمل أصوات الطيور البعيدة. كوخ صغير من الخشب يقف عند المدخل، حيث يجلس موظف يرتدي قبعة شمسية يوزع مضارب الغولف. كل شيء بدا... مثاليًا. مثاليًا بشكلٍ مريب.نظرتُ إلى نيرو، التي كانت تراقب المكان بعينيها الحمراوين، كأنها تبحث عن شيءٍ غير مرئي. مونو، من ناحية أخرى، كانت تقفز بحماس، ممسكة بمضرب غولف صغير أعطاها إياه الموظف. هيمورا كانت في المقدمة، تتفحص الملعب كأنها جاهزة لغزو العالم. "حسنًا، يا فريق!" صرخت. "لنرَ من سيفوز!"

كان ملعب الغولف يبدو كلوحة حية تتنفس تحت أشعة الشمس الدافئة، حيث يمتد العشب الأخضر اللامع كسجادة مخملية، مقطوعة بممرات رملية ناعمة كالذهب المتلألئ. البرك المائية الصغيرة تتلألأ كجواهر مبعثرة، تعكس السماء الزرقاء الصافية، ونسيم خفيف يحمل رائحة العشب الطازج المقصوص حديثًا، ممزوجة بعبير الأرض الرطبة من المطر السابق. الأشجار المنخفضة تحيط بالملعب كحراس صامتين، أوراقها الخضراء تتراقص بلطف، وأصوات الطيور البعيدة تضيف نغمة هادئة إلى الجو، كأن الطبيعة نفسها تحتفل بهذا اليوم. كنا قد استأجرنا مضاربًا وكرات من الكوخ الصغير عند المدخل، حيث ابتسم الموظف لنا بلباقة، غير مدرك أن مجموعتنا تضم جنًا، روحًا اصطناعية، وفتاة غامضة تحولت من عصفور.

وقفتُ هناك، مضربي في يدي، أنظر إلى الفريق الذي جمعته الصدفة – أو ربما القدر. هيمورا كانت في المقدمة، تقفز بحماس كطفلة في حديقة ألعاب، مضربها يتأرجح كسيف في يدها. دووك، كعادته، بدا وكأنه محترف، يقف بثقة ويعدل قبعته الشمسية الجديدة. أكيهيكو كان يمسك مضربه بتوتر، كأنه يحمل قنبلة موقوتة. مونو، الصغيرة الشقية، كانت تحاول رفع مضربها الذي كان أطول منها بقليل، وجهها يعكس مزيجًا من الإصرار والإحباط. ونيرو، الهادئة الغامضة، كانت تقف قليلاً جانبًا، تحدق في الكرة البيضاء الصغيرة كأنها لغزًا لا يُحل.بدأنا اللعب بلا قواعد صارمة، فقط ضحك ومحاولات عفوية. كانت هيمورا أول من ضرب، تقف أمام الكرة بثقة مفرطة، مضربها مرفوع كسيف ساموراي.

"حسنًا، يا أيها الفريق! شاهدوا هذا!" صاحت، وهي تضرب الكرة بقوة. طارت الكرة عاليًا، لكنها انحرفت يمينًا نحو الغابة القريبة، واختفت بين الأشجار. "أوبس!" قالت، وهي تضحك بلا حرج. "ربما كانت تلك الرياح!""أو ربما كنتِ تضربين كأنكِ تطاردين شبحًا!" مزح دووك، وهو يتقدم بخطوات واثقة. وقف أمام كرته، يعدل وقفته بليونة محترف، ثم ضرب بسلاسة. طارت الكرة في قوس مثالي، تهبط قريبًا من الحفرة الأولى. "هكذا يُلعب الغولف، أيها الهواة."أكيهيكو، الذي كان يشاهد بتوتر، تقدم بدوره. "حسنًا، إذا كان الأمر سهلاً لهذا الحد..." قال، وهو يمسك المضرب بكلتا يديه كأنه يحمل فأسًا. رفع المضرب عاليًا، ثم هبط بقوة هائلة، كأنه يحاول سحق الكرة.

انفجرت الكرة في الهواء، تطير بسرعة مذهلة نحو الأفق، متجاوزة الحفرة بكيلومترات، وتختفي في السماء. "أوه... ربما كانت قوية جدًا؟" قال، وهو يخدش رأسه بحرج.ضحكنا جميعًا، وكانت مونو أول من انفجرت ضاحكة. "هذا مذهل! هل يمكنني المحاولة؟" سألت، وهي تحاول رفع مضربها الصغير. لكن المضرب كان أطول منها بقليل، فكلما رفعته، كان يتمايل كأنه يهرب من يدها. ضربته الأرض عدة مرات قبل أن تلمس الكرة، التي تدحرجت بضعة سنتيمترات فقط. "هذا غير عادل!" صاحت، وهي تضرب الأرض بقدمها، لكن وجهها كان مليئًا بالمرح.أما نيرو، فقد وقفت بصمت، تحدق في المضرب كأنه لغز أثري. حاولت رفعها بلطف، لكن حركتها كانت مترددة، كأنها لا تفهم الغرض من اللعبة. ضرب الكرة بلطف زائد، فتدحرجت ببطء شديد نحو حفرة عشبية قريبة، ثم توقفت. نظرت إلى الكرة بتعبير مكتئب، عيناها الحمراوان تلمعان بحزن خفيف. "أنا... لا أفهم هذا جيدًا،" قالت بهمس، وهي تبتعد قليلاً، كأنها تشعر بالإحراج.شعرتُ بضميري يؤنبني، فاقتربتُ منها. "لا بأس، نيرو. الغولف ليس عن المهارة فقط، بل عن الاستمتاع. جربي مرة أخرى، سأساعدك." أمسكتُ المضرب معها، ووجهتُ يديها بلطف. ضحكتْ ضحكة خفيفة، وشعرتُ بتوترها يذوب قليلاً. كانت تلك اللحظة بسيطة، لكنها جعلتني أشعر بأنني أقرب إليها، كأننا نتقاسم سرًا صغيرًا وسط الفوضى.

أما أنا، فقد كنتُ أحاول سرًا استخدام تنفس الصوت لأفهم اللعبة بشكل أفضل. أغلقتُ عينيّ قليلاً، وركزتُ على تنفسي العميق، مستمعًا إلى أصوات الريح، صوت المضرب عندما يلامس الكرة، وحتى نبض الأرض تحت قدمي. كانت الأصوات تشكل خريطة في ذهني – مسار الكرة، القوة المطلوبة، الزاوية المثالية. ضرب الكرة بسلاسة، وطارت في قوس مثالي نحو الحفرة. "كيف فعلتَ ذلك؟" صاحت هيمورا، وهي تقفز فرحًا."حظ مبتدئ،" قلتُ، وأنا أبتسم، لكنني كنتُ أعلم أن تنفس الصوت كان سري الخفي.استمر اليوم هكذا، ساعات من الضحك والفشل والنجاحات الصغيرة. دووك كان يفوز بكل جولة، يضرب الكرات بسلاسة كأنه ولد لهذا، ويتلقى تصفيقات من هيمورا التي كانت تحاول تقليده لكنها تفشل مرة بعد أخرى، الكرة تطير يمينًا أو يسارًا، مما يجعلنا ننفجر ضحكًا.

أكيهيكو، بعد ضربته الأولى القوية جدًا، تعلم التحكم قليلاً، لكنه لا يزال يرسل الكرة إلى الأشجار أحيانًا، ويعتذر بوجها أحمر. مونو، بعد فشلها الأول، بدأت تستخدم مضربًا أقصر (استدعته مونو سرًا بتعويذة صغيرة)، وأصبحت تضرب الكرات بدقة مفاجئة، كأنها تلعب لعبة طفل. نيرو، بعد مساعدتي، بدأت تتحسن، ابتسامتها الخجولة تظهر كلما نجحت في ضربة، وشعرتُ أنها تتفتح تدريجيًا أمامنا.كنا نتبادل النكات، نشجع بعضنا، ونضحك من الفشل. للحظات، نسيتُ الجوهرة الخضراء، الكتاب، والطائفة. كنا مجرد أصدقاء يستمتعون بيومٍ مشمس، يبنون ذكريات تجعلنا أقرب. لكن في عمقي، كنتُ أعلم أن هذا الهدوء مؤقت. العالم لا يسمح لنا بالسلام طويلًا.

بعد ثلاث ساعات من الضحك والركض وراء الكرات المتمردة، شعرنا جميعًا بالإرهاق يتسلل إلى أجسادنا. كان الملعب لا يزال يتوهج تحت أشعة الشمس المتأخرة، لكن النسيم أصبح أكثر برودة، يحمل رائحة العشب الممزوجة بلمحة من الرطوبة. كنا نتنفس بصعوبة، وجوهنا متورّدة من الضحك والحماس. هيمورا، التي كانت لا تزال مليئة بالطاقة رغم كل شيء، ألقت بنفسها على العشب الناعم، مستلقية على ظهرها، ذراعاها ممدودتان، وعيناها مثبتتان على السماء الزرقاء التي بدأت تتلون بلون الغسق. "شكرًا لكم جميعًا،" قالت بنبرةٍ مليئة بالدفء، "لقد استمتعت كثيرًا اليوم. يجب أن نفعل هذا مجددًا!"

دووك، رفع حاجبًا وابتسم بثقته المعتادة. "طبعًا سنعيد هذا، لكن فقط إذا وعدتِ ألا ترسلي الكرة إلى الغابة مرة أخرى!" ضحك، وهو يشير إلى الاتجاه الذي اختفت فيه إحدى ضربات هيمورا.أكيهيكو، الذي كان جالسًا على مقعد خشبي قريب، يحتضن مضربه كأنه سلاحه الأخير، ضحك بخجل. "أنا فقط سعيد لأنني لم أكسر شيئًا... أو أصيب أحدًا!" قال، وهو يعدل نظارته المنزلقة.مونو، التي كانت تجلس على العشب بجانب هيمورا، ضفيرتاها مشتعلتان بلون الشمس، ضحكت بصوتٍ عالٍ. "كنتَ مذهلاً، أكيهيكو! الكرة الخاصة بك ربما وصلت إلى القمر!" كانت عيناها تلمعان بالمرح، وكأنها نسيت إحباطها السابق مع المضرب الطويل.نيرو، التي كانت تقف بجانبي بهدوء، ابتسمت ابتسامة خجولة، أول ابتسامة حقيقية أراها منها اليوم. "كان... ممتعًا،" قالت بنبرة هادئة، وعيناها الحمراوان تلمعان بلطف. كان من الواضح أنها بدأت تستمتع بعد ترددها الأولي، وشعرتُ بدفءٍ خفيف في صدري لرؤيتها هكذا.أما أنا، فجلستُ على العشب بجانب هيمورا، ممسكًا بمضربي كأنه عصا مشي. "نعم، كان يومًا جيدًا،" قلتُ، وأنا أنظر إلى الجميع. "ربما يجب أن نجعل هذا تقليدًا."حوار طبيعي بين الشخصيات"تقليد؟" قالت هيمورا، وهي تجلس فجأة، عيناها تلمعان بحماس. "هذا فكرة رائعة! يمكننا أن نطلق عليه ‘يوم الغولف العظيم’! سنأتي كل شهر، وسنحضر وجبات خفيفة، وربما حتى نصنع جوائز!"دووك ضحك، وهو يميل على المضرب كأنه عكاز. "جوائز؟ أنا سأفوز بكل شيء، لذا ربما يجب أن نفكر في شيء آخر، مثل... ميدالية للمشاركة؟" نظر إلى أكيهيكو بسخرية مرحة."مهلاً!" احتج أكيهيكو، وهو يشير إلى دووك بإصبعه. "لقد تحسنت في النهاية! ألم ترَ ضرباتي الأخيرة؟ لقد اقتربت من الحفرة... نوعًا ما.""نوعًا ما؟" كررت مونو، حتى كادت تسقط على ظهرها. "كنتَ تضرب الكرة وكأنك تحاول إرسالها إلى مدينة أخرى!"نيرو، التي كانت لا تزال هادئة، أضافت بهدوء:

"لكنك كنتَ متحمسًا، أكيهيكو. هذا هو المهم." كانت نبرتها ناعمة، لكنها حملت لمسة تشجيع جعلت أكيهيكو يبتسم بخجل."نيرو محقة،" قالت هيمورا، وهي تميل نحوها بحماس. "المهم هو المتعة! وأنتِ، بالمناسبة، كنتِ رائعة في النهاية! تلك الضربة الأخيرة؟ مذهلة!"نيرو احمرّ وجهها قليلاً، وهي تنظر إلى الأرض. "شكرًا... لقد ساعدني بليك قليلاً."نظرتُ إليها وابتسمتُ. "قليلاً فقط؟ كنتِ محترفة بنفسك!" مزحتُ، وشعرتُ بأن الجميع بدأ يشعر بالراحة مع بعضه البعض، حتى نيرو، التي كانت دائمًا بعيدة قليلاً."حسنًا،" قالت هيمورا، وهي تقف وتنفض العشب عن ملابسها، "أعتقد أننا يجب أن نأكل شيئًا بعد كل هذا الجهد. ماذا عن آيس كريم؟ هناك محل قريب من المحطة!""آيس كريم؟ أنا مع!" قال أكيهيكو بحماس، وهو يقف بسرعة كأنه نسي تعبه."طبعًا، أكيهيكو يوافق على أي شيء يتعلق بالطعام،" سخر دووك، لكنه كان يبتسم. "لكنني أوافق، هذه المرة."مونو قفزت على قدميها، عيناها تلمعان. "آيس كريم بالفانيليا! أريد واحدًا كبيرًا!"ضحكنا جميعًا، وشعرتُ بأن هذه اللحظة – هذا التجمع البسيط من الأصدقاء، الضحك، والخطط العفوية – كانت شيئًا نادرًا وثمينًا. حتى نيرو، التي كانت عادةً صامتة، بدت أكثر انفتاحًا، تبتسم بهدوء وهي تستمع إلى هيمورا وهي تصف نكهات الآيس كريم المفضلة لديها.

بعد أن أكلنا الآيس كريم في محل صغير مزدحم بالقرب من المحطة، حيث كانت هيمورا تتجادل مع دووك حول أي نكهة أفضل (الشوكولاتة أم المانجو)، حان وقت العودة. وقفنا عند تقاطع الطرق، حيث كان يجب أن نفترق. الشمس كانت قد بدأت تغيب، تلون السماء بخطوط برتقالية ووردية، والهواء أصبح أكثر برودة."حسنًا، يا رفاق،" قالت هيمورا، وهي تضع يديها على خصرها، "كان هذا اليوم رائعًا. لا تنسوا، سنعيد هذا قريبًا!" ثم أشارت إليّ بإصبعها. "وبليك، لا تختفي مرة أخرى، مفهوم؟""مفهوم، رئيسة!" قلتُ، وأنا أرفع يدي بمزاح. ضحكتْ، ثم احتضنتني حضنًا سريعًا قبل أن تتجه نحو دووك وأكيهيكو.دووك لوّح لنا، وهو يبتسم بثقته المعتادة. "ابقَ بعيدًا عن المشاكل، بليك. ونيرو، مونو، كان من الرائع مقابلتكما." كان صوته ودودًا، لكن عينيه تلمعان بنظرة فضولية، كأنه يحاول فهم من هما حقًا.أكيهيكو، الذي كان يحمل حقيبته بكلتا يديه، لوّح بخجل. "أراكم في المدرسة... وأتمنى ألا أضرب الكرة بعيدًا مرة أخرى!" ضحكنا جميعًا، ثم توجهوا معًا نحو الشارع الرئيسي، هيمورا تقفز بينهما وهي تتحدث بحماس.نظرتُ إلى نيرو ومونو، وقلتُ: "حسنًا، حان وقت العودة إلى المنزل." بدأنا نمشي في الاتجاه المعاكس، عبر شوارع الهادئة التي بدت ساحرة تحت ضوء الغسق.

الأضواء الخافتة من المنازل الصغيرة كانت تتوهج، وصوت خطواتنا على الأرصفة الرطبة كان الإيقاع الوحيد في الجو.العودة إلى المنزل والرجل الغامضبينما كنا نسير، شعرتُ براحة غريبة تملأ صدري. "كان يومًا ممتعًا، أليس كذلك؟" قلتُ بعفوية، وأنا أنظر إلى نيرو ومونو.نظرتا إليّ، وابتسمتا. "نعم، كان يومًا جيدًا،" قالت مونو، وهي تتأرجح على قدميها كأنها لا تزال مليئة بالطاقة. "أحببتُ الآيس كريم!"نيرو، التي كانت تمشي بهدوء بجانبي، أضافت: "تلك الفتاة، هيمورا... لطيفة حقًا." كانت نبرتها هادئة، لكنها تحمل لمسة إعجاب نادرة."أنتِ محقة،"

قلتُ، وأنا أبتسم. "ربما يجب أن نخرج معهم أكثر."وصلنا إلى المنزل،

لاحظتُ شيئًا غريبًا. رجل يقف أمام الباب، يرتدي بدلة سوداء رسمية تناسب رجل أعمال أكثر من سكان هذه البلدة الهادئة. كان طويل القامة، نحيفًا، بشعر أسود قصير مشدود إلى الخلف، وعينيه مخفيتين خلف نظارة شمسية داكنة على الرغم من الغسق. بدلته كانت مكوية بعناية، وربطة عنقه الحمراء الرفيعة كانت اللمسة الوحيدة من اللون في مظهره القاتم.اقتربنا، وشعرتُ بتوتر خفيف يتسلل إلى صدري. "من أنت؟" سألتُ، محاولًا أن أبدو هادئًا.نظر إليّ بنظرة باردة، كأنه يقيّمني. "هل أنت بليك إيثر؟" سأل بنبرة خالية من العاطفة."ومن يسأل؟" رددتُ، وأنا أضع يدي في جيبي، جاهزًا لأي شيء.فجأة، أخرج الرجل ظرفًا أبيض من جيب معطفه الداخلي، وسلمَه إليّ. "يرجى قراءة هذا الظرف، وعدم التفريط به،" قال، ثم استدار وابتعد بخطوات سريعة، كأن الأرض تحترق تحته.نظرتُ إلى الظرف في يدي، ثم إلى نيرو ومونو. عينا مونو كانتا متسعتين، وفمها مفتوح قليلاً كأنها تريد قول شيء لكنها لا تعرف ماذا. نيرو، من ناحية أخرى، كانت هادئة كالعادة، لكن حاجبها المرفوع وحده كان يعبر عن استغرابها. أما أنا، فقلبي كان يخفق بسرعة، وشعرتُ بثقل غريب يستقر في معدتي. من هو هذا الرجل؟ ولماذا يبدو الأمر كأنه ليس بشريًا تمامًا؟،

أغلقتُ الباب خلفنا بعناية. جلسنا حول طاولة المطبخ الصغيرة، الظرف بين يديّ. كان مصنوعًا من ورق سميك فاخر، مختومًا بختم شمعي أحمر يحمل رمزًا غريبًا – دائرة داخلها نجمة ذات سبعة رؤوس. فتحتُ الظرف بحذر، وسحبتُ ورقة مطوية بعناية. الخط كان أنيقًا، مكتوبًا بحبر أسود، وكأنه كتب في عصرٍ آخر:السيد بليك إيثر،تحية طيبة،يسرنا دعوتك إلى منزل السيد ليو تشنغ، أحد أبرز الشخصيات في مدينة شنغهاي، الصين، لمناقشة أمر بالغ الأهمية يتعلق بكتاب شمس المعارف. نطلب حضورك في اليوم العاشر من الشهر القادم، حيث ستُقام مأدبة عشاء رسمية لمناقشة هذا الموضوع. التفاصيل الإضافية ستُرسل إليك لاحقًا. يُرجى عدم التفريط بهذه الدعوة، فهي ليست مجرد طلب، بل ضرورة.مع أطيب التحيات،

خادم السيد ليو تشنغ

نظرتُ إلى نيرو ومونو، اللتان كانتا تحدقان في الرسالة. "الصين؟" قالت مونو، وهي تميل برأسها. "ومن هذا ليو تشنغ؟"نيرو لم تقل شيئًا، لكن عينيها الحمراوان كانتا مثبتتين على الختم الشمعي. شعرتُ بأن هذا اليوم، الذي بدأ بهدوء وسعادة، كان مجرد مقدمة لشيء أكبر

2025/10/11 · 9 مشاهدة · 4888 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025