لم يكن أحد يزورني. لا أحد.

فمن هذا الذي يطرق بابي في هذا الوقت؟

كنت أقف هناك، متجمّدًا. عيني على الباب.

الطرقات كانت خفيفة في البداية، وكأنها نداء تائه... ثم بدأت تزداد، أقوى فأقوى، كأن شيئًا خلف الباب يُصرّ على الدخول، لا على الزيارة.

أحسست برأسي يدور.

الكتاب... لقد اختفى. لا، سرق.

شعرت أن شيئًا يُسحب من داخلي مع اختفائه.

مددت يدي نحو معصمي، نحو النقش الذي أنقذني.

"هل ما زال هناك؟ هل الحاجز اختفى مع الكتاب؟

هل أنا الآن مكشوف؟ عاري؟"

لم أجرؤ على لمس الباب.

الخوف كان لزجًا في حلقي، أفكاري تلتف حول نفسها كحيّات تتصارع.

دُوم... دُوم... دُوم!

الطرقات أصبحت عنيفة.

كأن أحدهم لا يطرق... بل يضرب.

استجمعت شجاعتي... أو ما تبقّى منها.

قدماي كانتا ترتجفان، لكنني دفعتهما للأمام، خطوة... ثم خطوة أخرى.

كلما اقتربت من الباب، شعرت أن الجدران تضيق، أن الغرفة تنكمش، أن شيئًا لا يُرى يراقبني عن كثب.

مددت يدي...

أصابعي لامست المقبض البارد، البارد كأن لا أحد أمسكه من قبل.

ضغطت عليه ببطء، صوت الـ"تِك" كان كفيلًا أن يزرع الرعب في صدري.

هذه مخاطرة حقيقية.

لكنني تعبت من الجري.

تعبت من الاختباء.

اذا كانت هذه نهايتي فسوف أتقبل ذلك

فتحت الباب.

و... كان يقف هناك.

طويل، أطول مما ظننته.

بشكله البشري

عيناه المرهقتان ، كأنه كان يركض

بابادوك

أتتني عشرات الأفكار في نفس الوقت.

"ما الذي يفعله هنا؟ هل هو من سرق الكتاب؟ هل سأموت على يديه؟..."

لكنّه قاطع أفكاري بجملة حادة:

"بليك، أيها الداعر، لقد أضعتَ الكتاب!"

قالها بنبرة غاضبة جدًا، كأنه سيقـتلع رأسي.

رددت عليه بارتباك:

"ماذا؟ ألستَ أنت من سرقه؟"

صرخ بي:

"أيها الأحمق! كيف لي أن أسرقه وأنا لا أستطيع حتى لمسه؟ كمية الغباء عندك تقتلني!"

تمتمتُ:

"إذن كيف عرفتَ أنني أضعته؟"

قال بحدة:

"الكتاب دائمًا ما يكون معك، ودائمًا ما يخرج هالة، هالة قوية تجذب الجن.

لكن اليوم... لم أشعر بتلك الهالة حولك أبدًا.

ظننت في البداية أنني لم أستطع استشعارها بسبب الصدمة من ذلك الحاجز."

قلتُ بتفكير:

"حسنٌ... يبدو هذا منطقيًا. إذن، هل تعرف من سرقه؟"

هزّ رأسه:

"لا أعرف من سرقه، لكنني أعرف مكانه."

رفعت حاجبي:

"كيف ذلك؟"

قال بثقة:

"أنا أستطيع استشعار هالته القوية.

نظرًا لأنني جن، أستطيع تحديد موقعه بدقة... لذلك أستطيع مساعدتك."

توقّفت لحظة، ثم تمتمتُ بسخرية:

"أنت... تساعدني؟"

بدت لي كنكتة غير مضحكة.

"أنت طوال الوقت تحاول قتلي، والآن ستصبح طيبًا معي؟ هذا مثير للشبهات."

أجاب ببرود:

"اسمعني. أنا لا أفعل هذا لأنني أحبك، بل بسبب مصلحة شخصية لي.

ولذلك، لو ساعدتك... سنكون نحن الاثنان فائزين في النهاية."

نظرت إليه بريبة:

"أنا لا أفهم. عندما أسترجع الكتاب، كيف ستستفيد أنت؟"

قال بهدوء:

"فقط دعني أدخل... وسأخبرك."

عندها، تيقّنت أن الحاجز لا يزال يعمل.

قرب بابادوك يده ببطء إلى داخل المنزل، كأنه يختبر شيئًا.

وفعلاً... ما إن تجاوزت أطراف أصابعه العتبة حتى بدأت ومضات صفراء تنفجر من الفراغ، كشرارات كهرباء، لكنها لم تكن كهرباء... كانت الحاجز.

تراجع بابادوك بسرعة وهو يئن من لسعة غير مرئية.

قال وهو ينظر إلي برجاء نادر:

"اسمعني، أرجوك... نحن الآن نحتاج بعضنا البعض.

إذا وقع شمس المعارف في يد الأشخاص الخطأ، فسوف تحدث كارثة... بالتأكيد."

حدقت به ساخرًا:

"أشخاص الخطأ؟ مثلك أنت؟"

خفض نظره للحظة، ثم رفعه بثقل:

"أعلم... أعلم أنني هاجمتك عدة مرات، وحاولت سرقة الكتاب، لكن الآن... الوضع مختلف.

انسَ الماضي ودعني أدخل... أرجوك."

نظر إلى قدميه، كأن كبرياءه لا يسمح له بطلب المساعدة، ومع ذلك فعل.

شعرت بشيء في صدري. ليس تعاطفًا... بل عبء القرار.

"حسنًا..."

رفعت عيني إليه.

"سوف أدخلك. لكن إن فعلتَ أي شيء مريب... سأفعل الحاجز فورًا.

وسوف تتحول إلى فوتاة."

ابتسم بابادوك... ذلك الابتسامة التي لا تطمئن أبدًا.

وقال بنبرة باردة:

"لا تقلق... سأؤجل قتلك إلى يومٍ آخر."

ومع تلك الكلمات، سمحتُ له بالدخول.

وقد دخل.

"لا تجعلني أندم على هذا."

قلت له وأنا أراقبه وهو يتقدم داخل المنزل.

"لا تقلق."

قالها دون أن يلتفت.

دخل غرفة المعيشة وكأنها منزله. وقف في المنتصف، ثم استدار إليّ ببطء.

"يجب أولًا أن أخبرك بمعلومة مهمة."

قالها بنبرة جادة جعلت قلبي يسرع دون سبب واضح.

"ماذا؟"

سألته، أشعر أنني لن أحب الجواب.

"أنت، عندما فتحت الكتاب وقرأت تلك العبارة... أصبحت مرتبطًا به روحيًا. أصبحت مالكه الجديد."

صمت لثوانٍ... ثم أكمل:

"لكن..."

شعرت بجسدي يشدّ على نفسه.

"لكن؟"

"إذا أضاع المالك الكتاب... ولم يسترجعه خلال ثلاثة عشر يومًا..."

توقف.

"سوف يموت."

"...ماذاااااااااااااااااااااا؟!"

لم أستطع تمالك نفسي.

"إذًا... إن لم أجد الكتاب، فمصيري المحتوم هو... الموت؟"

أمسكت برأسي. الشعور بالاختناق عاد مجددًا، لكن هذه المرة ليس بسبب رعب خارجي... بل حكم بالإعدام.

بابادوك، كالعادة، لا يهتز.

قال بابتسامة واثقة:

"ومن قال إنك لن تجده؟"

"ماذا تعنـ—"

لم أُكمل الجملة.

فجأة... أمسك بي.

"هيه! أنت، ما الذي—"

قفز بي خارج المنزل.

صرخت:

"أنت مجنون!! مالذي تفعله!!"

فتح مظلته السوداء... تلك المظلة التي رأيتها في المرة السابقة، عندما أنقذني من الكلب المتحوّل.

قال، وكأنه يشرح شيئًا عاديًا تمامًا:

"سنذهب الآن... إلى حيث يوجد الكتاب."

وبدون أن أفهم كيف، بدأ جسداه يرتفع.

ارتفعنا نحن الاثنين... كأن قوانين الجاذبية توقفت عن العمل.

ارتفعت معه، وأنا أصرخ، أركل الهواء بلا جدوى.

صعدنا إلى الأعلى... والريح تعصف في وجهي، والسماء فوقي تزداد ظلمة...

وطِرنا.

نعم... حرفيًا، طِرنا، نحو المجهول.

نحو شمس المعارف.

2025/06/12 · 19 مشاهدة · 810 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025