[منظور بليك]

ضحكتي المكتومة لم تكن ضحكة استهزاء، بل كانت ضحكة عصبية تنذر بالجنون. الجنون الذي يستولي على شخص أُجبر على التخلي عن ايام من السلام الداخلي ليجد نفسه في مواجهة ثمانية وجوه بائسة تريد سلبي كتاب حياته.

"تعالوا إلينا، أيها الأوغاد!"

ما إن أنهيت كلماتي حتى انتفضت غرفة الاجتماعات بأكملها. تحولت الوجوه الشاحبة للمليارديرات إلى أقنعة من الذعر المطلق. لم يكونوا يتوقعون أن يواجهوا مقاومة بهذا الوضوح.

صاح ليو تشنغ، المعاق في كرسيه، بصوت خافت يُخفي رعباً لا يضاهى: "غادروا! غادروا الآن! تخلصوا منه ثم ابحثوا عنهم!"

تلك كانت إشارة الانطلاق. المليارديرات الثمانية، بمن فيهم سيليا هارت و ليليان وونغ، اندفعوا كالسيل نحو باب خلفي مخبأ خلف ستارة حمراء ضخمة. كان فرارهم قبيحاً وبلا كرامة، يظهر أن المال لا يشتري الشجاعة. بينما كانوا يتدافعون ويصرخون، بقي الجنود الثمانية في مكانهم، بأسلحة غريبة سوداء تشبه البنادق الآلية موجهة نحوي.

"نفّذوا الأوامر!" صرخ زعيم الجنود، ثم انطلقت أول دفعة من الرصاص.

كانت الرصاصات السوداء تقترب مني. لكن بعد أشهر من التدريب في غابة الضباب، أصبحت حواسي أشبه بحواس حيوان مفترس. لم أكن بحاجة للسحر هنا. كانت هذه مجرد رقصة بسيطة.

شديت قبضتي على السيف الفضي الذي استللتُه من العدم واندفعتُ إلى الأمام مثل وميض. كان الجنود يتوقعون تعويذة نارية، لا حركة جسدية خالصة.

انطلق جسدي في رقصة عتيقة، مزيج من أساليب السيافة التي تعلمتها من مونو ومن حركات تنفس الصوت التي طورتها. الرصاصات كانت مجرد أصوات حادة بالنسبة لي، كنت أراها في الهواء قبل أن تصل.

مونو، التي كانت تطفو بجانبي كالشمس الذهبية، لم تنتظر طويلاً. تدحرجت حولها كرات ضوء ذهبية متوهجة، تبدو كالأقمار المصغرة، ثم انطلقت نحو الجنود الأربعة الذين كانوا يحاولون تطويقنا.

انفجرت الكرات بأصوات مدوية لم تكن كالقنابل، بل كأنها صاعقة شمسية! لم تقتلهم، لكنها أصابتهم بحروق شديدة وألقت بهم بعيدًا، ودمرت أسلحتهم تمامًا.

"نيرو! الجهة اليسرى!" صرخت وأنا أُسقط جنديًا بضربة سيف سريعة على قبضته، مجردة إياه من سلاحه.

نيرو لم تستخدم سحرًا. لم تكن بحاجة إليه. تحولت الفتاة ذات الشعر القصير والعينين القرمزيتين إلى كتلة من القوة الجسدية الخارقة. ركضت عبر القاعة، وحيثما مرت كانت الأرض الخشبية تهتز.

تلقى جندي لكمة مباشرة في بطنه. لم يُسمع صوت ارتطام، بل صوت تخلخل هواء ضخم. سُحق الجندي في مكانه كأنه عصفور ارتطم بجدار من فولاذ، وطار نحو الحائط البعيد حيث انغرس فيه كجزء من الديكور!

"مدهش يا نيرو!" تمتمت بصوت هادئ، وهي اضع يدي في وضعية القتال.

كانت ريمي، الفتاة الذهبية اللون المستدعاة من "شمس المعارف"، تتعامل مع الجنود المتبقين برشاقة لا تصدق.

"سحر: أغصان الليل المتوهجة."

لم تنطق ريمي التعويذة بصوت عالٍ، بل همست بها، فخرجت من الأرض أغصان سحرية ذهبية تتوهج بضوء أخضر خافت. التفّت الأغصان حول الجنود، سحبتهم من أرجلهم، وعلّقتهم في الهواء وهم يتخبطون بيأس.

"اذهب يا بليك! تخلّص منهم!" قالت ريمي.

اندفعتُ نحو الجنود المعلقين. استخدمتُ حافة سيفي الفضي لأصنع خدوشًا سريعة ودقيقة في دروعهم الواقية. كل خدش كان كافيًا لشل حركة الجنود، لكنني لم أُرد إراقة دماء إضافية.

كانت المعركة سريعة ومجنونة. الجنود الثمانية هُزموا في أقل من دقيقة ونصف، دون أن يتمكنوا حتى من إطلاق طلقة واحدة نحوي أنا ونيرو ومونو.

شعرت فجأة بـ تدفق قوي للمانا ينسحب مني، كأن نهرًا يتصرف مني بلا توقف. تذكرت تحذير ريمي: وجودها يستهلك كميات هائلة من طاقتي.

"ريمي!" صرخت بصوت حاد، وأنا أمسك بكتاب شمس المعارف الذي كان يرتعش في يدي. "أحسنتِ صنعًا، لكن الآن يكفي."

توقفت ريمي عن تحريك الأغصان والتفتت إليّ بملامحها الهادئة التي تخلو من العواطف.

"حاضر، سيدي بليك. إرادتك هي شريعتي."

ومثل وميض ذهبي خافت، تبخرت ريمي وعادت إلى صفحات الكتاب، تاركة خلفها شعورًا بالارتياح مع توقف استنزاف المانا الذي كان يهددني. استعدت سيطرتي على طاقتي بالكامل.

توقف القتال. ساد الصمت الثقيل القاعة. كانت الأرضية الخشبية مدمّرة بفعل لكمات نيرو وانفجارات مونو، وكانت رائحة البارود والكهرباء المحروقة تملأ الهواء. الجنود كانوا مطروحين ومصابين بحروق مؤلمة، لكنهم أحياء.

توجهتُ إلى الباب الخلفي الذي هرب منه المليارديرات. وضعته نيرو على وشك السقوط بلكمة بسيطة.

"علينا اللحاق بهم. ليو تشنغ يمتلك الإجابات." قلت بصوت خشن، وأنا أُعيد سيفي الفضي إلى العدم.

كانت مونو تحوم فوق كتفي، عيناها الذهب يتفحصان الممر المظلم خلف الباب.

"أحسنت يا بليك. قوتك الجسدية النقية أفضل بكثير مما كنت تتخيل." قالت مونو بهدوء. "لكنهم هربوا إلى مكان يعرفونه. كن حذرًا."

نيرو، التي كانت تنظر إلى آثار قدمها على الحائط، التفتت إليّ بابتسامة خبيثة: "دعنا نطاردهم ونرغمهم على الكلام."

اندفعنا نحن الثلاثة عبر الباب المفتوح إلى الممر المظلم، تاركين خلفنا قاعة اجتماع محطمة وذكراها ستبقى محفورة في عقول المليارديرات الهاربين: لا أحد يستطيع شراء كتاب "شمس المعارف".

كان الممر يمتد إلى عمق المخبأ، مظلمًا ومحفوفًا بالغموض.لكن شيئًا آخر كان يجذب انتباهي. شعرتُ بطاقة بعيدة، مألوفة... شعور خافت بـ رائحة كريهة للرعب.

[منظور بليك]

اندفعنا نحن الثلاثة عبر الباب المهشم إلى الممر المظلم، كانت خطوتنا سريعة وعازمة، مدفوعين بغضب النخبة الهاربة ورغبتنا في اللحاق بهم. كنت أشعر بالفعل بمسارين للطاقة في مكان ما من هذا المخبأ: برق أكيهيكو الهستيري ورائحة الرعب التي يطلقها دووك (بابادوك).

لكن قبل أن نخطو عشر خطوات، توقفت فجأة.

رفع قلبي إنذارًا أشد خطورة من إنذار الجنود الثمانية مجتمعين. لم يكن شعوراً بالقوة الهائلة، بل كان إحساساً بـالصمت المُطلق في مكان يجب أن يكون مليئاً بالصراخ.

"توقفوا!" أمرت، رافعاً ذراعي أمام نيرو ومونو.

كان الممر مضاءً بمصابيح خافتة، لكن الضوء لم يصل إلى زاوية الانحناء. ومن تلك الزاوية ظهر فجأة المساعد. نفس الرجل الطويل ذو النظارات الشمسية، الذي بدا ساذجاً قبل لحظات وهو يفتح لنا الباب المعدني. الآن، لم يكن يحمل أي جهاز تحكم؛ كان يحمل هدوءً أشبه بالصقيع.

"يا له من عناء..." همس المساعد بصوت خالٍ من النبرة، وبدا أنه يخاطب نفسه. "كان يجب أن يكون هذا الاجتماع هادئًا. لكن أصحاب السعادة يحتاجون وقتاً للفرار، وسأكون أنا من يشتريه لهم."

لم يكن هناك أي حركة مرئية، لكنني شعرت به. شعرت بـتردد في الهواء، وكأن شبكة عنكبوت غير مرئية قد نُسجت فجأة بيننا وبينه.

"تراجع يا بليك، سأحرقه!" صاحت مونو، وتهيأت كرة ضوء ذهبية بين يديها.

"لا، مونو!" صرخت، وكدت أرتجف. "لا تستخدمي النار! هذا فخ!"

لقد رأيت سحره أو ما يبدو انه سحره قبل أن يُطلقه. كان يخرج من كفيه خيوطاً رفيعة، أدق من شعر الرأس، لكنها لم تكن خيوطاً عادية. كانت تُنسج من الـمانا النقية الخاصة به، تتدفق من العدم وتُطلق في الفضاء. كانت الخيوط غير مرئية تقريباً في الظلام، لكن كل خلية في جسدي كانت تحذرني من أن مجرد لمسة واحدة منها تعني الموت. كانت خيوطاً حادة ومصقولة لدرجة تجعلها قادرة على قطع الفولاذ كما تقطع السكين الزبدة.

لم يهاجمنا مباشرة، بل بدأ في نسج حاجز.

في أقل من ثانية، أصبحت المساحة بيننا وبينه عبارة عن دوامة فضية من الموت الصامت. تحرك المساعد بيديه بحركات رشيقة، كأنه يعزف على قيثارة غير مرئية، وكل حركة كانت تطلق عشرات الخيوط السحرية التي تتقاطع مع بعضها البعض بزوايا رياضية دقيقة، مشكّلة شباكاً معقدة تتألق بخفوت يكاد لا يُرى.

"اللعنة! ما هذا؟" زمجرت نيرو وهي تتقدم خطوة واحدة، ففجأة، اهتزت خيوط المانا أمامها بعنف، كأنها مستشعرات للحركة.

"لا تلمسيها يا نيرو!" أمرتها بحدة، وسيفي الفضي يرتعش في يدي.

لم أستطع استخدام النار، فالنار ستجعل الخيوط تتوهج وتنتشر، وسأفقد القدرة على رؤيتها وقطعها بدقة.

ركزتُ على قوة الجليد.

أطلقتُ نفثة من تنفس الجليد السريع والمكثف، ليس لتجميد المساعد، بل لتجميد الرطوبة الدقيقة في الهواء المحيط بالخيوط.

تجمدت الرطوبة، فظهرت الخيوط فجأة: كانت عبارة عن أوتار فضية دقيقة ومميتة تنتشر بعرض الممر. كانت كثيفة لدرجة أننا لم نكن نستطيع المرور بينها.

"يا له من فن!" همستُ بنوع من الإعجاب المرعب. هذا ليس قتالاً بالقوة، بل قتال بالذكاء والحرفية.

اندفعتُ إلى الأمام. كان عليّ أن أقطع هذه الشبكة، قطعة تلو الأخرى.

أطلقتُ سيفي الفضي في موجة من الحركات المتتابعة، كل ضربة مصحوبة بـهالة جليدية زرقاء تتبع شفرة السيف. كانت كل خيط أقطعه يصدر صوتاً شبيهاً بـصوت زجاج ينكسر، يبعث رعشة باردة في الهواء.

كان المساعد هادئاً بشكل مرعب. لم يتحرك من مكانه، بل استمر في النسج. كلما قطعتُ خيطاً، ظهر خيط آخر فوراً ليحل محله. كان يتحكم في تدفق المانا بشكل يفوق الوصف، يخلق خيوطاً جديدة أسرع مما أستطيع قطعها.

حاولت نيرو استخدام قوتها الغاشمة.

"سأمزقها!"

تقدمت نيرو وضربت بقبضتها شبكة من الخيوط. كان الصوت كصوت اصطدام معدني مزعج. لم تنقطع الخيوط كلها، بل تمددت، وبعضها قطع قفاز نيرو بعمق، مما جعل دماً يتدفق بغزارة من يدها. حتى قوتها الخارقة لم تكن كافية ضد دقة هذه الأوتار.

"أحمق!" صرخ المساعد، وجهه ما زال خالياً من التعبير. "هذه الخيوط تستطيع قطع أي شيء تقريباً!"

تدخلت مونو بعصبية، وأطلقت وابلًا من كرات الضوء الذهبية نحو المساعد نفسه.

لكنه كان مستعداً. نسج حول نفسه درعاً كروياً من الخيوط المتشابكة الكثيفة. اصطدمت كرات مونو الذهبية بالدرع، فامتصّها الدرع قبل أن تنفجر!

"تقنية امتصاص سحرية؟!" تمتمت مونو مصدومة.

لقد وقعنا في الفخ. لم يكن المساعد يريد قتالنا أو هزيمتنا، بل يريد إبطاءنا. لقد خلق حاجزاً لا يمكن اختراقه إلا بتدميره تدميراً كاملاً، وهو ما سيستنزف مانا مونو وقوتي أنا ونيرو بلا طائل.

وبينما كنت أستخدم آخر ما تبقى من قوة الجليد لجعل شبكة الخيوط مرئية قدر الإمكان، اختفى المساعد فجأة.

انحل درعه الكروي، واندثر جسده في الظلال المظلمة للممر. لكن شبكة الخيوط بقيت في مكانها، تتوهج بخفوت فضي ومميت، حاجزاً لا يمكن عبوره بأمان.

توقفتُ وأنا ألهث، وسيفي يرتعش. شعرتُ بالإحباط ينهشني. لقد سمحت للمليارديرات بالهروب بفضل هذا العازف الماهر.

"لقد هرب!" صاحت نيرو بغضب، وضغطت على يدها النازفة.

نظرتُ إلى الأمام، إلى الممر المليء بالخيوط. كان عبوره الآن يعني مجازفة، ولا أستطيع المخاطرة بسلامة مونو أو نيرو.

"المهمة ليست اللحاق بالهاربين، بل كشف ما يخبئونه." قلت بنبرة حادة، وأنا أُطلق ما تبقى لدي من المانا لتغطية يدي بطبقة خفيفة من النار والجليد، لقطع الخيوط المتبقية بأمان وحذر.

"إنه ليس مجرد مساعد، يا مونو. إنه خطر متقن الصنع. يبدو أن ليو تشنغ لم يدعنا إلى هنا ليتفاوض معنا، بل ليختبرنا... أو ليُبطئنا عن الوصول إلى الحقيقة."

كانت خيوط المانا تذوب وتتلاشى أمامي ببطء. شعرتُ بالخطر يزداد مع كل خطوة نتقدمها. تذكرتُ طاقة البرق والرعب في الأعماق.

"علينا أن نجد دووك وأكيهيكو الآن." قلت بنبرة أمر لا رجعة فيها، "قبل أن يكتشفوا هم أيضاً أن هذا المخبأ ليس مجرد قصر، بل متاهة من المؤامرات والمخاطر."

بينما كنت أنتهي من إذابة آخر خيوط المانا الفضية بحذر بالغ، كانت نيرو تعتني بجرح يدها و مونو تحوم فوقي بعينين متفحصتين. كان الممر قد أصبح خالياً تماماً، لكن شعور الازدحام لم يفارقني. كنت أعلم أننا مراقبون.

"إنه ليس مجرد مساعد، يا مونو. إنه خطر متقن الصنع..." قلت، محاولاً التقاط أنفاسي.

"تهرب مثل الجبناء ثم يرسلون خادماً ليبطئنا؟ إنه إهانة!" زمجرت نيرو.

"المسألة ليست كذلك." تمتمت، وعيني تتبعان الظل الذي اختفى فيه المساعد. "هناك شيء لم يكتمل بعد."

في تلك اللحظة، اهتزت الأرض اهتزازاً خفيفاً، ليس بفعل قدم، بل بفعل تغير في نسيج الواقع ذاته.

في منتصف الممر المظلم حيث كان المساعد يقف، تشوه الهواء فجأة. لم يكن تمويهاً بسيطاً كفعل ساحر مبتدئ، بل كان كـتفكك لشفرة معقدة من الضوء والظلال. انزاحت الغلالة المتمثلة في صورة المساعد طويل القامة ذي النظارات الشمسية، وكأنها قناع زجاجي انكسر.

المشهد الثامن: الانكشاف المذهل وكاكيوين

ما ظهر مكانه جعلنا نتوقف بصدمة كاملة.

لم يكن هذا هو الرجل الذي رأيته سابقاً. ظهر شاب ذو بنية نحيفة وطول متوسط، بشعر أحمر كستنائي كثيف، وجزء من مقدمة شعره يرتفع للأعلى بحدة بينما يغطي الباقي جبهته وجوانب وجهه. كان يرتدي زيًا مدرسيًا يابانيًا تقليديًا بلون أخضر داكن جداً، معطفه الرسمي يصل إلى ما بعد الركبة. كانت ملامحه حادة، وعيناه تلمعان بثقة مطلقة وازدراء بارد.

لكن الصدمة لم تتوقف عند هيئته.

كان يقف خلفه كائن ضخم، مهيب، وميكانيكي المظهر. كان لونه الرئيسي أخضر فاقع، كأنه ضوء سائل متوهج، تخلله أجزاء بيضاء فضية تشبه المعدن أو العظام. كان جسمه مغطى بنمط شبكي أو ليفي، وأطرافه الضخمة كانت تلف حول الشاب كأنها أجنحة أو ذراعان لحماية سيده. كان كائناً خارجاً عن أي فهم للمانا أو للسحر التقليدي الذي عرفته.

ضحك الشاب ضحكة خفيفة، ثم مال رأسه وقال ببرود قاتل:

"لم تتقدموا أبداً أمامي أنا، كاكيوين."

توقفت أنفاسي. لم أستطع فهم هذا التحول الجذري. لقد بدا الأمر كما لو أن شخصية في لعبة فيديو قد دخلت فجأة إلى عالمي.

"كاكيوين؟" سألت مونو بدهشة، وهي تحاول فهم طاقة هذا الكيان الهائل.

"ما هذا بحق الجحيم؟" صرختُ، وسيفي الفضي يرتعش في يدي. كان يجب أن أتفادى أي قتال هنا، لكن هذا الموقف لم يترك لي أي خيار.

ضحك كاكيوين مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت ضحكته مليئة بالتعالي الساخر.

"هل هذا هو حامل كتاب الجن العظيم؟ أأنت غبي لدرجة أنك لا تعرف ما هذا؟ إنه 'ستاند'."

"ماذا!؟" تبادلت أنا ونيرو نظرات الحيرة المطلقة. "ماذا تعني بستاند؟"

"حسناً، لا وقت لدي لشرحه لك. دعني أقول إنه تجسيد للقوة الروحية. هيا يا هيروفانت جرين."

أدركتُ أن الاسم الغريب "هيروفانت جرين" هو اسم المخلوق الميكانيكي الأخضر الضخم الذي يقف خلفه.

المشهد التاسع: مدى الهيروفانت الأخضر

لم يتحرك كاكيوين من مكانه، لكن كائنه، هيروفانت جرين، انطلق. لم يندفع نحونا كالوحوش العادية، بل تحلل جسده الشبكي الأخضر الفاقع إلى شبكة هائلة من الخيوط السائلة التي امتدت بسرعة جنونية.

كان مدى هجومه واستطلاعه واسعاً بشكل لا يُصدق.

في ثوانٍ معدودة، امتدت شبكته الليفية إلى عشرات الأمتار، ووصلت إلى نهايات الممر، بل وبدأت تتسلق الجدران والسقف. شعرنا فجأة أننا محاصرون بـشبكة عملاقة من الضوء الأخضر المشتعل.

"هجوم على المدى البعيد! استعدوا!" صرختُ، وأنا أستدعي درعي الأرضي الخفيف حولي.

هاجمتنا الشبكة الليفية الأخضر. لم تكن مجرد خيوط قاطعة كخيوط المساعد السابق؛ كانت هذه الخيوط تنقل الطاقة.

تلقيتُ لكمة سريعة وغير مرئية من الشبكة. لم تضربني بقوة جسدية، بل شعرتُ وكأن تياراً كهربائياً عنيفاً قد اخترق درعي الأرضي واخترق صدري. سقطتُ على ركبتي، وأنا ألهث بشدة، شعور حارق كاد أن يمزق أعضائي الداخلية.

"بليك!"

تدخلت مونو بسرعة فائقة. لقد رأت الضرر الداخلي الذي لحق بي. انطلقت مونو نحوي وأحاطتني بـهالة ذهبية دافئة، تعمل كـتعويذة علاجية متقدمة. شعرتُ بالتيار المؤلم يهدأ وبالأضرار تتراجع بسرعة مذهلة، لكنها استهلكت قدراً كبيراً من طاقتها.

ضحك كاكيوين، وهو يقف على بعد عشرات الأمتار، آمناً خلف مدى هيروفانت جرين الهائل.

"حاولوا الوصول إليّ أولاً. النت لن تنجح أبدًا."

اندفعت نيرو نحو الشبكة بهجوم غاشم، لكن كاكيوين لم يهتم. جعل هيروفانت جرين يُكثف شبكته حول نيرو، فتلقّت نيرو ضربات سريعة ومتتالية على أطرافها. لم تتأذَ جسدياً كالجنود السابقين، لكنها فقدت توازنها وارتدت للخلف بسبب السرعة والدقة.

كان هذا القتال مختلفاً. لم يكن قتالاً بين السحر والقوة الغاشمة، بل كان بين المدى والدقة التكتيكية وبيننا. لقد تفوق علينا تماماً في التحكم بالساحة.

رفعتُ سيفي، متجاهلاً الألم المتبقي في صدري. كان عليّ أن أجد نقطة ضعف في هذا "الستاند" الذي لم أفهم طبيعته بعد. كان الفصل في القتال بيننا وبين كاكيوين عشرات الأمتار، وهذا ما جعله ملك الساحة.

"هيروفانت جرين..." تمتمت، وأنا أُعد خطة هجوم جديدة. "سأكتشف طبيعتك الغريبة، أيها الستاند!"

كان الممر يشتعل باللون الأخضر الفاقع، ونحن محاصرون، ولا مكان للهروب.

لقد كانت المعركة في الممر ضد "كاكيوين" وكيانه الغريب، "هيروفانت جرين"، تجربة مذلة. لم تكن هزيمة بالقوة الغاشمة، بل كانت هزيمة تكتيكية كاملة أمام ذكاء استراتيجي غير متوقع.

"هذا ممل حقاً." قال كاكيوين بصوت يقطر بالملل، وهو يقف على بعد آمن، متحصنًا بالمدى الهائل لـهيروفانت جرين. "كنت أظن أن حامل كتاب الجن سيكون أكثر إثارة للاهتمام. أنت بطيء، وقوتك الخام غير مركزة، وصديقتك ذات القوة الهائلة لا تعرف كيف تقاتل على المدى البعيد."

ارتفعت يده قليلاً، إيذاناً بوابل جديد من الزمرد.

المشهد العاشر: وابل الزمرد ومغالطة القوة

بدأت الشبكة الليفية الخضراء السائلة التي تحيط بنا تتكثف. تحولت نقاط معينة في الشبكة إلى قذائف صلبة لامعة، بلورات طاقة متصلبة، مُطلقة أصوات تكسر الهواء.

"هجوم: سبلاش الزمرد (Emerald Splash)!" صاح كاكيوين.

اندفعتُ وسيفي الفضي يرتعش في قبضتي، أحاول قطع ما أمكن من القذائف، لكن الهجوم لم يكن مباشراً. كان كاكيوين يضربنا من الخلف، عبر شبكة امتدت حول زاوية الممر، مستغلاً عجزنا عن القتال في مساحة 360 درجة.

"اللعنة!" زمجرت نيرو، وهي تتلقى ضربات على كتفها. "لا يمكننا حتى الاقتراب منه! إنه لا يتحرك!"

كان هذا هو جوهر المشكلة. لقد كان تفوقه في المدى والدقة التكتيكية. كلما حاولنا تقليص المسافة، زاد وابل الهجوم وزادت تعقيدات الشبكة. شعرتُ بالإحباط واليأس يتسللان إليّ. مانا مونو كانت تنخفض بسبب الهجوم والدفاع. كنا ننزف طاقة بلا مقابل.

لقد كنت القائد. حتى لو كنت في البدايات، كنت أنا حامل الكتاب، وصاحب الهدف. لقد أثبتت الأشهر التسعة في الغابة أنني أستطيع اتخاذ القرارات المصيرية. إن البقاء هنا هو تضحية غبية.

نظرتُ إلى مونو ونيرو، كان القرار حاسماً: يجب أن ننسحب، بذكاء.

"مونو! نيرو! انسحاب فوري!" لم يكن أمراً، بل قرار قائد يتحمل المسؤولية. "نحن نخسر الطاقة بلا هدف! علينا الخروج من المخبأ ومباغتته من الخارج!"

"لكن بليك!" احتجت نيرو، لكنها سرعان ما رأت علامات الإرهاق على وجهي وعلى وجه مونو.

"مونو، احملينا! نيرو، أنا أعتمد على سحر الختم الخاص بكِ!" قلتُ بحدة. "اغلقي وجودنا تماماً عن أي استشعار، يجب أن نمر عبر الجدران كالأشباح!"

لم تتردد مونو هذه المرة. أطلقت اندفاعاً هائلاً من الطاقة الذهبية حول أجسادنا الثلاثة، محولة الطاقة إلى قوة دفع حركية فائقة. أمسكت مونو بي ونيرو، وبسرعة مذهلة، اخترقت بنا السقف الخرساني للممر. لم يكن السقف عائقاً أمام قوتها، فبمجرد لمسه، اخترقته مونو كأننا نمر عبر الماء.

وبينما كانت مونو ترفعنا بثبات عبر طبقات الخرسانة المتعددة، أدت نيرو مهمتها الأساسية. ضغطت على يدها بقوة، ثم أطلقت طاقة داكنة كثيفة من سحر الختم لختم وجودنا.

"سحر الختم!" همست نيرو.

غطت الموجة السوداء الخفيفة أجسادنا بالكامل، ختمت وجودنا وطاقتنا عن أي استشعار للمانا أو "الستاند" الخاص بكاكيوين. كنا قد تحولنا إلى كائنات شبحية عابرة بين جدران المخبأ.

ضحك كاكيوين بصوت عالٍ عندما رأى اندفاعنا نحو السقف.

"هذا هو كل ما لديكم؟ مجرد محاولة يائسة للفرار؟"

لكن سحر نيرو كان فعالاً جداً. توقف صوت ضحك كاكيوين فجأة.

شعرتُ للحظة بـطاقة هيروفانت جرين تبحث بعنف حول الممر، تصطدم بالحاجز الختمي الذي خلقته نيرو، لكنها فشلت في تحديد موقعنا! لقد اختفينا من عالمه الحسي تماماً.

تسلقت مونو بنا طبقات المخبأ، طبقة فوق طبقة، عابرين الخرسانة والحديد بصمت كامل، حتى شعرت فجأة بـدفء الهواء الطلق ورطوبة الريح.

المشهد الأخير: السقوط من الهضبة

لقد نجحنا في الخروج من المخبأ الجوفي بالكامل.

لكن لم يكن هناك أرض تحت أقدامنا.

لقد خرجنا من سقف المخبأ، الذي كان في الواقع سطح الهضبة الشاهقة التي وصلنا إليها، وكنا معلقين في الهواء الطلق.

توقفت مونو، منهكة من استهلاك الطاقة في اختراق الجدران والارتفاع. فشلت في المحافظة على طاقة الطيران. بدأنا نحن الثلاثة بالسقوط الحر من ارتفاع مئات الأمتار فوق غابة كثيفة.

صرخت نيرو ومونو، بينما سقطنا بسرعة جنونية. في تلك اللحظة، رأيتُ كاكيوين يقف على حافة الهضبة، وهيروفانت جرين يلف حوله. كان ينظر إلينا ببرود شديد، كأنه يشاهد نهاية حتمية.

"لم تذهبوا بعيداً!" سمعتُ صوته الصارم يتلاشى مع ارتفاع سرعة سقوطنا.

"مونو! افعلي شيء حالا!" صرخت، وأنا أحاول استخدام سحر الارض لتقليل الصدمة. "نيرو! استعدي للهبوط! علينا أن نبقى على قيد الحياة!"

كانت الأرض تقترب منا بسرعة مروعة. الهواء كان يصفع وجوهنا، والصراخ بدأ يختنق في حلوقنا. لقد كان السقوط الحر من تلك الهضبة الشاهقة أشد رعباً من مواجهة كاكيوين مباشرة.

"مونو!!" صرخت، لكن مونو كانت متعبة للغاية من اختراق المخبأ.

نظرتُ إلى نيرو. كانت عيناها القرمزيتان تلمعان بتعب غير عادي. سحر "الختم" الذي استخدمته للتو كان عملاً جباراً؛ لقد استنفد منها ما لا يقل عن ثلاثة أرباع المانا في لحظة واحدة.

شعرت بـجسد نيرو يتراخى بين يدي مونو. فقدت الوعي فجأة، منهكة بالكامل، وأصبح ثقلها الميت يضيف عبئاً جديداً على سقوطنا.

"نيرو!" صاحت مونو بذهول.

لم يكن هناك وقت للذعر. كان عليّ أن أتخذ قراراً فورياً. كان تركيزي ينصب على إنقاذ انفسنا، حتى لو كان ذلك يعني استخدام قوة لم أتقنها بعد بالكامل.

في تلك اللحظة الحرجة، تذكرت تدريباتي في الغابة. تذكرت كيف نجحت في دمج العناصر الأربعة، وكيف تعلمت أن الأرض تستجيب للإرادة النقية.

أغلقت عيني، محاولاً تجاهل صوت الريح المجنون، ووجهت كل ما تبقى لي من مانا نحو الأسفل، نحو الغابة التي كانت تبدو كبقعة خضراء غامقة تنتظرنا.

"استجابـة! أيها الأرض، استجيبي الآن!" صرختُ بأقصى قوة صوتية، بدمج تنفس الصوت مع سحر الأرض.

لم تكن تعويذة بطيئة للبناء. كانت أمرًا خالصًا وفوريًا.

في البداية، شعرتُ بصعوبة مروعة. كانت جاذبية الأرض تقاومني بقوة جبارة. لكن إرادتي كانت أشد: "يجب أن نعيش! يجب أن تُقرب الأرض منا!"

حدث ذلك.

بدأت طبقات الأرض في الغابة الكثيفة تتجاوب مع نداء المانا العنيف الذي أطلقته. شعرتُ كأنني أجذب القشرة الأرضية نحونا بدلاً من أن أسقط أنا نحوها.

اهتزت الأشجار بعنف، وبدأ سطح الغابة تحتنا مباشرة يرتفع! لم يكن ارتفاعاً كبيراً، لكنه كان كافياً لتخفيف سرعة السقوط.

ارتفع سطح الغابة بسرعة، مما أدى إلى تقليص المسافة الهائلة بيننا. في اللحظة الأخيرة، عندما كنا على وشك الاصطدام بالأشجار، نجحت مونو، ببقايا قوتها، في توجيهنا نحو بقعة خالية من الأشجار.

اصطدمنا بالأرض بقو

ة، لكنها لم تكن قوة سقوط حر مميتة. كانت كـالسقوط من ارتفاع طابقين، مؤلمة وموجعة، لكنها ليست قاتلة.

تطايرت الأوراق والطين في كل مكان. انغمستُ في طين الغابة الكثيف، وشعرت بكل ضربة وقرصة في جسدي. مونو سقطت بالقرب مني، تلهث بشدة، بينما سقطت نيرو فاقدة الوعي بجوارها.

ساد صمت عميق فجأة. صوت الريح توقف، وحلت محله همهمة الغابة الخفيفة وصوت دقات قلبي المتسارعة.

فتحت عيني بصعوبة، وشعرتُ بالدوار. الدماء كانت تسيل من شفتي المقطوعة، وكان كل عظم في جسدي يؤلمني. لكننا كنا أحياء.

"لقد فعلناها..." تمتمت، وأنا أحاول الزحف نحو نيرو ومونو.

نظرتُ إلى نيرو، كانت شاحبة، لكنها تتنفس بانتظام. وبدأت مونو تستعيد وعيها.

"بليك..." همست مونو، صوتها بالكاد مسموع. "نحن... أين نحن؟"

نظرتُ إلى الأعلى، إلى الهضبة الصخرية الشاهقة التي سقطنا منها. كانت تبدو كجبل من المستحيل تسلقه. ثم نظرتُ حولنا، إلى غابة شنغهاي الكثيفة والمجهولة.

نهضتُ بصعوبة، وسيفي الفضي يظهر في يدي. كان يجب أن نكون حذرين. قد يكون كاكيوين لا يزال يتبعنا

"نحن في الغابة، مونو." قلتُ، ونظرتي حادة. "بعيدون عن كاكيوين، لكننا لم نبتعد عن الخطر بعد."

جلستُ على الأرض الموحلة، أتنفس بصعوبة وأحاول أن أجمع ما تبقى من تركيزي. كنت أضع يدي على صدري، أتفقد الأضرار الداخلية التي سببها لي "هيروفانت جرين" قبل أن تعالجني مونو جزئياً. كانت نيرو لا تزال فاقدة للوعي، مسندة رأسها إلى جذع شجرة ضخم. مونو كانت تجلس بجوارها، تحوم هالتها الذهبية الخافتة حول نيرو، كأنها تحرسها.

نظرتُ إلى نيرو الشاحبة، وبصوت خافت، موجهًا حديثي لمونو:

"تعويذتها كانت قوية فعلاً، أليس كذلك؟ سحر الختم لم يكتفِ بإخفاء أجسادنا، بل مسح وجودنا بالكامل من حواس ذلك الكاكيوين. كان عملاً مذهلاً."

ردت مونو، وعيناها الذهبيتان تنظران إلى نيرو بعمق:

"نعم، إنها من العباقرة في سحر الختم. لم يكن ذلك مجرد إخفاء، يا بليك. لقد كانت طاقة نيرو عظيمة."

"لكني لا أفهم كيف لسحر الختم أن يفعل كل هذه الأشياء." هززت رأسي بدهشة. في عالمنا، سحر الختم كان يقتصر على إغلاق الأبواب أو حبس الطاقة، لا إخفاء مفاهيم الوجود.

تنهدت مونو: "نيرو أوصلت سحر الختم إلى مستوى جديد من القوة، يا بليك. لقد أصبحت تستطيع حتى ختم المفاهيم... ختم مفهوم 'الوجود' أو 'الرؤية'. لكن هذا يأخذ منها طاقة كانت كبيرة، كما رأيت."

تأملتُ وجه نيرو النحيل. هذه الفتاة الغامضة، كانت دائماً لغزاً.

"وهي قوية أيضاً، مونو. أرأيتِ كيف كانت تقاتل أولئك الجنود في قاعة الاجتماعات؟ كانت لكماتها كصواعق."

تطلعت إلي مونو بجدية مفاجئة، وبنبرة خلت من أي عاطفة:

"في الواقع... هي ضعيفة يا بليك."

"ماذا؟!" كانت صدمتي حقيقية. كيف يمكن لكائن يسحق جندياً مدرعاً أن يكون ضعيفاً؟

"إنها ضعيفة جسدياً في حقيقتها. هي فقط ختمت الضعف في جسدها بحيث يصبح جسدها قوياً. تستخدم سحر الختم لـتبديل المفاهيم داخل جسدها. تُغلق مفهوم 'الهشاشة' وتفتح مفهوم 'القوة الخارقة'."

شعرتُ بالدهشة المطلقة، تضاعفت إشادة. هذا ليس مجرد سحر؛ هذا فن روحي متقدم.

"مذهل... إنها تعيش داخل مفاهيمها السحرية."

"بالضبط." أكدت مونو. "لكن هذا يسبب لها ضعفاً هائلاً في المانا. كلما كانت قوتها الجسدية أكبر، كان سحب المانا منها أشد. لذا هناك جانب جيد وسيء في سحرها الخاص. القوة الجسدية الخارقة مقابل استنزاف المانا الشديد."

في تلك اللحظة، قطعت حوارنا حركة مفاجئة.

اهتزت نيرو قليلاً، ثم فتحت عينيها القرمزيتين ببطء، وكأنها تعود من سبات عميق. كانت حركتها الأولى هي محاولة الجلوس، وهي تضغط على صدغها.

"آه... رأسي." همست نيرو بصوت متعب، ونظرت حولها إلى الغابة الموحلة.

"أين نحن؟" سألت، وجهها لا يزال شاحباً.

"في غابة." أجبتُ بإيجاز، وأنا أبتسم ابتسامة خفيفة مليئة بالارتياح لرؤيتها تستعيد وعيها.

"هممم." تذمرت نيرو، وهي تحاول الوقوف بمساعدة مونو. "عن ماذا كنتما تتكلمان؟" سألت بشك خفيف.

نظرتُ إلى مونو، التي كانت عيناها الذهبيتان تلتقيان بعينيّ الحادتين. لم نكن بحاجة إلى أي كلمات. كان هناك إجماع صامت على أن سرها كـ"عبقرية ختم المفاهيم" يجب أن يبقى بيننا في الوقت الحالي.

في نفس اللحظة، وبصوت واحد، قلنا:

"إنه سر."

ضحكت نيرو على حظها، وأزاحت بعض التراب عن زيها المدرسي. الهدوء الذي ساد للحظة كان هدوء ما بعد العاصفة. الآن بعد أن استيقظت نيرو، كان يجب أن نتحرك.

كانت مهمتنا التالية واضحة: البحث عن أكيهيكو ودووك.

[منظور اكيهيكو]

أثناء تجوالي الحذر، وصلت إلى ما بدا أنه غرفة إسعافات أولية. الأجواء هنا كانت أكثر قتامة وريبة، وكأنها غرفة لم يُرَد لها أن ترى النور أبداً. كانت هناك خزانة حمراء واضحة في الخلفية، تبرز بشكل لافت ضد الجدران البيضاء المتسخة، كأنها نقطة دم في محيط من العقم الزائف.

تسللت إلى الداخل، مستخدماً أدنى قدر ممكن من تنفس البرق لتسريع حركتي وتخفيف صوت خطواتي. كانت الغرفة فارغة على ما يبدو، لكن حاسة النينجا التي اكتسبتها في التدريب كانت تصرخ: أنت لست وحدك.

ركزتُ على الخزانة الحمراء، ربما تحتوي على وثائق أو أدلة. انخفضتُ على ركبتي خلف كومة من الصناديق الفارغة، وأنا أستعد للاندفاع.

فجأة، وبلا أي إنذار، شعرت بـقبضة قوية كالفولاذ تلتف حول عنقي من الخلف. لم يكن هناك صوت خطوة، ولا أي إشارة.

تصلب جسدي بالكامل. كنت أعرف أنني لن أستطيع استخدام البرق دون لفت انتباه أي شخص آخر في المنطقة. حاولتُ التملص لكن القبضة كانت محكمة وتعرف جيداً نقاط الضعف.

"لا تتحرك." همس صوت عميق وجاد بالقرب من أذني، بلكنة أوروبية حادة.

شاهدتُ الرجل الذي أمسك بي وهو يلتف أمامي. كان شاباً وسيماً ذو ملامح أوروبية جادة. شعره كان أشقر، مصفف بطريقة تبدو وكأن الريح قد مرّت به للتو، وتغطي بعض الخصلات جبهته، لكن عينيه كانتا حادتين ومركزتين بشكل مخيف.

كان يرتدي قميصاً داكناً بياقة قصيرة، وعلى كتفه الأيسر، كانت توجد حمالة كتف جلدية بنية واضحة، تشير إلى أنه يحمل مسدساً. وعلى كتفه الأيمن، كانت هناك قطعة من المعدات ملفوفة. كان يقف في وضعية استعداد لا تقبل النقاش، يُشبه الجندي المحترف الذي اعتاد على التعامل مع المواقف الخطرة.

كانت نظرته لي تخلو من الغضب، بل مليئة بـاليقظة المُميتة.

"من أنت؟ وكيف دخلت إلى هذه المنطقة؟" سأل الرجل، وشدد قبضته قليلاً، مما جعلني ألهث.

حاولتُ التحدث، لكن الهواء لم يسمح لي: "أنا... أنا لست..."

لم يكن ينوي الاستماع. كان يستعد لجرّي أو شلّ حركتي.

وفي اللحظة التي كان يستعد فيها الرجل لرميي على الأرض، انطلقت فجأة صفارات إنذار صاخبة ومجنونة في جميع أنحاء المختبر. لم تكن مجرد صفارات؛ كانت صرخات آلية عالية ومرعبة.

شعرنا كلانا بالانزعاج والفزع من هذا التحول المفاجئ. القبضة المحكمة حول عنقي ارتخت قليلاً من صدمة الصوت.

ثم انبعث صوت مذيع آلي من نظام المخاطبة الداخلي للمختبر، صوته الميكانيكي الرتيب كان يمزج الرعب بالعلم الزائف:

"حالة طوارئ قصوى! حالة طوارئ قصوى! تم اختراق المستوى صفر!"

صوت المذيع أصبح أكثر حدة، وكأنه يصرخ:

"تحذير! تم رصد كائن حي غير معروف! مخلوق غريب وضخم! يتسبب في أضرار هائلة للبنية التحتية للمستويات السفلية! جميع الأفراد، أُطلب منكم اتخاذ وضعية الإغلاق التام!"

توقف الرجل الأشقر عن التفكير فيّ للحظة، وعيناه اتسعت قليلاً. هذا الكائن الغريب الذي ذكره المذيع، والمستويات السفلية... هل يمكن أن يكون له بما يحصل هنا؟ أم أنه شيء أسوأ؟

استغللتُ ارتباكه. دفعتُ بقدمي بقوة على الأرض، موجهاً طاقة خفيفة من تنفس البرق نحو معصمه، ليس لإيذائه، بل لـإحداث صدمة سريعة لفك قبضته.

نجحت. تحررتُ منه، واندفعتُ نحو الزاوية، وأنا ألهث بشدة.

"ما هذا الجحيم؟" سأل الرجل الأشقر نفسه، وهو يسحب مسدسه من الحمالة الجلدية، متجاهلاً وجودي تماماً ومركّزاً على صفارات الإنذار.

لقد تحول الأمر من مواجهة شخصية إلى حالة فوضى شاملة.

كنت أعلم أنني لن أستطيع البقاء في هذا المكان. كانت تلك الصفارات تعني أن الخطر قد وصل للتو، والخطر الذي يتسبب في أضرار "هائلة" في قا

عدة Umbrella يجب أن يكون شيئاً ضخماً ومُرعباً حقاً.

النجاة أولاً. يجب أن أجد بليك ودووك و الاخارين

2025/10/16 · 4 مشاهدة · 4427 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025