كان الهدوء الصناعي الذي يميز ممرات UMBRELLA CORPORATION البيضاء الصارخة قد تبدد تماماً، ليحل محله ضجيج مُنذر بانهيار وشيك. الضوء الأحمر الوامض لصفارات الإنذار كان يصبغ الجدران البيضاء بصبغة دم، بينما صوت المذيع الآلي يتردد بتحذيرات باردة: "اختراق... كيانات غير معروفة... المستوى السفلي."

لم يكن أكيهيكو بحاجة إلى مذيع آلي ليخبره بالخطر؛ لقد شعر به. شعور كثيف، غريزي، كصاعقة برق وشيكة.

في اللحظة التي تراجع فيها نحو وضعية قتالية، مُركزاً البرق المكبوت في عينيه الزرقاوين، تحطم الجدار الزجاجي المقابل بصوت يشبه انفجار مدفعية. لم يكن تحطماً عادياً، بل كان انفجاراً للحياة الجامحة وسط العقم الصناعي.

اندفع من الركام كتلة ضخمة من الفرو الأبيض والجليد، وحش يكسوه غضب غريزي لا يفهمه العقل. كان هو "رجل الثلج البغيض"، الكيان الذي أطلقه بابادوك عن غير قصد، والذي بدا وكأنه خرج للتو من كابوس. عيناه حمراوان، يشتعلان بغضب طفولي ومميت في آن واحد.

صرخ حارس الأمن الأشقر ببرود: "قف مكانك! لا تتقدم!" وسحب سلاحه النبضي القوي. أطلق رصاصتين سريعتين استقرتا في صدر الوحش. لم يتزحزح. اهتزت الكتلة الفروية قليلاً، ثم أطلق الوحش زئيراً ضخماً هزّ الممر، وزاد من سرعته.

أدرك الحارس أن هذا ليس هدفاً عادياً.

اندفاع الجنود والرد الغريزي:

من الممرات الجانبية، انطلقت مجموعة من عشرة جنود من نخبة Umbrella، مرتدين دروعاً رمادية خفيفة، وأطلقوا وابلاً من النيران النبضية. كانت الرصاصات تضيء المكان للحظة، ترتطم بفرو الوحش، لكنها كانت تتبخر أو تشتت قوتها عند ملامسة الجسد الكثيف.

رجل الثلج البغيض لم يكن يقاتل، كان يمحو.

استدار الوحش ببطء مرعب، ملوحاً بذراعه الضخمة المغطاة بالجليد. الضربة لم تكن مجرد قوة جسدية؛ لقد كانت قوة متجاوزة للمادة. أرسلت الجنود الأربعة الأقرب إليه يتطايرون كدمى خرقة، ليصطدموا بالجدران الزجاجية ويتهشموا.

"نار! تركيز النيران على الرأس!" أمر أحد الجنود، لكن صوته غرق في زئير الوحش.

اندفع الوحش نحو باقي الجنود. كان يتحرك ببطء ظاهري، لكن كل خطوة كانت تتخطى مسافات ضخمة. حاول الجنود استخدام قاذفات لهب صغيرة، لكن الأثر كان عكسياً؛ الجليد الذي يكسو الوحش امتص الحرارة، ثم أطلقه في هيئة سحابة بخار حارقة، مما زاد من قوته وغضبه.

هجم الوحش على الجنود المتبقين. تحول الممر إلى مذبحة سريعة وقاسية. سُحق أحد الجنود تحت قدم ضخمة. مزق وحش الثلج ذراع جندي آخر كان يحاول إطلاق قذيفة، ثم ألقى بالجندي الممزق باتجاه جدار المصعد.

كان الدم ينتشر على الأرضيات المصقولة كالطلاء القبيح، ورائحة الفرو المحترق واللحم تتصاعد في هواء التكييف.

أكيهيكو يقرأ المعركة:

كل ذلك حدث في أقل من ثلاثين ثانية. كان أكيهيكو يشاهد المشهد بعينين زرقاوين صافيتين، ليس لأنه لا يشعر بالرعب، بل لأن عقله كان يحلل.

"لم يتأثر بالرصاص... مقاومة عالية للنار... قوته الضاربة مجرد نوبة غضب غريزية لا تكتيك فيها،" فكر أكيهيكو بسرعة فائقة. لقد كان الوحش غاضباً وساذجاً، يقاتل بعاطفة لا بعقل. لكن قوته الخارقة جعلت ساذجته قاتلة.

نظر أكيهيكو إلى الحارس الواقف أمامه. كان الحارس يراقب الوحش، يده لا تزال ممسكة بسلاحه، لكن عينيه تعكسان إدراكاً حاداً بأن الأمر قد انتهى.

"الوحش لم يركز عليّ أو على الحارس، تركيزه على التدمير الأعمى،" استنتج أكيهيكو.

في لحظة انشغال الوحش بتمزيق آلة طباعة ضخمة، قرر أكيهيكو التحرك

لم يكن أمراً شخصياً، لكن أكيهيكو لا يستطيع أن يشاهد. رؤية الوحش يفترس الجنود كانت قاسية، لكن رؤية الخطر يحدق بالحارس الأشقر المحترف، الذي كان لا يزال يقف بكرامة باردة رغم اليأس، دفعت أكيهيكو للتحرك. ليس بدافع النبل، بل بدافع الحاجة إلى السيطرة على هذه الفوضى التي لا يفهمها.

"مهلاً أيها الدب القطبي!" صاح أكيهيكو، محاولاً لفت انتباه الوحش بعيداً عن الحارس.

نجح.

استدار رجل الثلج البغيض ببطء مميت، محولاً عينيه الحمراوين الحاقدتين من كومة من الحطام نحو أكيهيكو. كانت هالة الجليد والضباب التي تحيط به تتكثف.

في تلك اللحظة، تحول أكيهيكو. لم يعد الفتى الحذر. مدّ يده، وفيضان من الطاقة الزرقاء المتلألئة اندفع من جسده، متجمعاً حول يده في هيئة سيف. لم يكن سيفاً معدنياً، بل شفرة نقية من البرق.

صرخ أكيهيكو: "تنفس البرق: الشكل الأول - ضربة الوميض!"

انطلق أكيهيكو. لم يكن جرياً، بل كان وميضاً. كان أسرع من أن تراه العين البشرية، شريط أزرق متوهج يمزق الهواء، تاركاً وراءه أزيزاً حاداً ورائحة الأوزون التي تخنق أنفاس الحارس.

وصل إلى الوحش في جزء من الثانية.

بدأ عرض البرق.

في سلسلة خاطفة من الحركات، لم تكن مجرد ضربات سيف، بل تجليات للسرعة التي تفوق حدود الجسد. كان أكيهيكو يرقص حول الوحش العملاق، وكل جزء من الثانية كان ينتهي بقطع دقيق. كانت شفرة البرق تخترق الفرو الكثيف واللحم المتجمد بسهولة مدهشة.

كَت! كَت! كَت!

تطايرت قطع الفرو واللحم الممزوجة بالجليد. تمزقت عضلات الفخذ الضخمة، ثم ذراع الوحش الممتد الذي كان يوشك على ضربه. تحولت هجمات أكيهيكو إلى مطر من الشرارات الزرقاء، يقطع بها الأصابع، ثم القدمين، ثم جسد الوحش ذاته.

انتهى الهجوم.

توقف أكيهيكو على بعد خطوات، ووقفت شفرة البرق في يده، ثم تبددت عائدة إلى جسده.

انهار رجل الثلج البغيض إلى أجزاء صغيرة ومقطعة، كل طرف يسقط بضجيج على الأرض.

صدمة الحارس:

بقي الحارس الأشقر مسمراً في مكانه، سلاحه مُتدلٍ من يده. لم يكن ينظر إلى الوحش المنهار، بل كان يحدق في أكيهيكو. كانت نظراته تُمزج بين الذهول والرعب المطلق. لقد كان قد رأى قوة خارقة في حياته، لكن سرعة ونقاء هذا البرق الأزرق لم يكن شيئاً من هذا العالم.

"مستحيل..." تمتم الحارس بصوت بالكاد مسموع، وقد اختفت برودة وجهه تماماً. "هذه ليست تقنيات قتالية... هذه... هذه قوى خارقة. أنت لست مجرد متسلل... من تكون بحق الجحيم؟!"

لكن المشكلة لم تكن في قوة الوحش، بل في جوهره.

من الجروح المقطوعة، تدفق سائل غريب. لم يكن دماً، بل كان حبراً أسود كثيفاً ومتلألئاً، ينبعث منه دخان بارد ورائحة الورق القديم. بدأ الحبر بالتجمع والتموّج، متجهاً نحو الأطراف المقطعة.

"إنه يتجدد!" صاح الحارس بذعر حقيقي.

أدرك أكيهيكو بسرعة أن التقطيع غير كافٍ. "مالذي يحدث؟ ما هذا السائل الأسود؟" سأل أكيهيكو، مُركزاً على الوحش الذي كان يعيد تجميع نفسه، ينمو مرة أخرى، لكن هذه المرة بغضب مضاعف.

"لا أعلم! لم أر شيئًا كهذا في حياتي! هذا المخلوق... ليس عضويًا بالكامل!" أجاب الحارس، يده ترتجف فوق سلاحه المعطّل.

"وحش خرج من العدم... ومختبر يشتعل... أين بليك؟ وأين بابادوك؟" كانت هذه هي الأسئلة الحقيقية التي تسيطر على ذهن أكيهيكو. لقد ضاع هدفه بالكامل وسط هذه الفوضى.

"أنت! يجب أن تعرف شيئاً! ما طبيعة هذا المكان حقاً؟ ومن أين جاء هذا المخلوق؟" ضغط أكيهيكو على الحارس، عيناه الزرقاوان تومضان بالبرق.

تنهد الحارس، متقبلاً الواقع. "هذا المختبر يجمع كل أنواع الكيانات الخارقة والطاقة الغريبة. نستخدمها في... في مشاريع سرية. لكن هذا الوحش... لقد أطلقنا شيئاً لا نعرفه!"

قُطع كلامهما بعنف. اهتز المبنى بالكامل، ليس بسبب وحش الثلج الذي كان يعيد تشكيل كتفه، بل بسبب انفجار مدوٍ قادم من قلب المختبرات السفلية.

السببية الواقعية للانفجار:

ما حدث هو أن جسد "رجل الثلج البغيض" الضخم، أثناء هيجانه وتدميره الأعمى، قد اجتاز ممرًا حرجًا في قلب المختبرات. لقد سحق الوحش بشكل متتالٍ:

خزانات التبريد والضغط: دمر خزانات غاز الميثان المضغوط، وهو غاز شديد الاشتعال يُستخدم لتبريد أجهزة الحوسبة الفائقة في مختبرات Umbrella الحساسة.

تدمير نظام التهوية: تحطمت جدران نظام التهوية المركزية، مما سمح للغاز المتسرب بالتوزع بسرعة هائلة في مساحات واسعة بالمختبرات السفلية.

شرارة التفجير: اصطدام وحش الثلج بلوحة تحكم رئيسية أطلق شرارة كهربائية قوية.

النتيجة: انفجار هوائي للوقود (FAE) كارثي. حيث امتزج الغاز المتفجر بالهواء في تركيز مثالي، قبل أن تشعل الشرارة الكهربائية المزيج. كانت القوة التفجيرية موجة صدمة نقية، تحول الغاز إلى سائل متوهج يتمدد بسرعة تفوق سرعة الصوت.

كان الانفجار قوياً جداً لدرجة أن الجدران الفولاذية في المستوى الذي يقفان فيه بدأت تتصدع وتتحول إلى غبار. قذف أكيهيكو والحارس بقوة، وأصاب أكيهيكو ارتطام قوي بكتفه.

اندفعت ألسنة لهب برتقالية وبيضاء ساطعة من الممر السفلي، مصحوبة بدخان رمادي كثيف ورائحة معدنية حارقة.

من الخارج، على قمة الجبل:

في تلك اللحظة، رأى الفلاحون القريبون والفرق الأمنية خارج الموقع صعود عامود ضخم من الدخان الأسود الكثيف يحمل في قلبه ظل نار مشتعلة، وكأن باطن الأرض قد لفظ حممه في لحظة واحدة. كان هذا دليلاً واضحاً على وقوع كارثة مروعة.

تمتم ليون، وهو يئن من الألم تحت ركام الألواح المعدنية: "انتهى الأمر... لقد تحرر كل شيء. هذا الدمار... هذا لا يمكن إخفاؤه."

أكيهيكو، رغم ألمه وارتطامه بالركام، حاول جاهداً الوقوف. حشد ما تبقى من برقه في يديه، مُركزاً على جدار صخري قريب في محاولة يائسة لفتح مخرج. يجب أن يجد بابادوك وبليك! لم يعد لديه وقت لمعرفة سبب الانفجار أو ماهية المخلوق.

فجأة، شعر بـهالة باردة ومألوفة تلف جسده. لم تكن قوة هجومية، بل درعاً واقياً من الطاقة يمنع عنه حرارة الانفجار التي كانت تزحف نحوهما.

رفع أكيهيكو عينيه بصعوبة.

وقف فوقهما، يحجبه الدخان والضوء الأحمر، كيان بدا للوهلة الأولى أنه مجرد ظل بشري. كان عامل النظافة القصير الأشقر الذي قابله في المصعد سابقاً. كانت ابتسامته خفيفة، لكنها كانت تحمل خبرة مئات السنين. كان يرتدي زيه الأزرق المهلهل، يحمل ممسحته، وعلى ظهره كان يحمل دلواً نحاسياً قديماً.

"سأحاول إنقاذكما أيها السادة،" قال الفتى بصوت هادئ ومحايد، صوته كان أشبه بالرياح التي تمر في مكان فارغ.

لوح الفتى بدلوه النحاسي. أطلق منه سائل لامع، لم يكن ماءً، بل بلورات متوهجة من المانا المركزة. اصطدمت البلورات بـموجة الحرارة المشتعلة التي كانت تزحف نحوهما، فانكمشت الحرارة على نفسها وتحولت إلى كتلة جليدية ضخمة! هذا التدخل السحري الغريب أنقذهما من الاحتراق الفوري.

"أنت... من أنت؟" سأل أكيهيكو بلهفة، مشيراً إلى الدلو والمانا الغريبة. "كيف تفعل هذا؟"

تجاهل عامل النظافة السؤال، لكنه أشار إلى أكيهيكو برأسه. "قوة البرق لديك جيدة. لكنها بلا رؤية."

مدّ الفتى يده، ولمس كتف أكيهيكو وكتف الحارس.

"أنا ليون،" تمتم الحارس فجأة، وعيناه مغلقتان. "أرجوك... أخرجني من هنا."

"ليو يان؟ حسناً،" قال أكيهيكو، متسائلاً إن كان هذا الرجل سينجو ليصبح حليفاً أم سيحاول قتله لاحقاً.

تجاهل عامل النظافة اعتراف الحارس. شدّ يديه على كتفيهما، وفي غمضة عين، شعر أكيهيكو بـدوار هائل وكأنهم عبروا سرعة الضوء. كان الإحساس مزيجاً من البرق البارد والصدمة السريعة.

بعيداً عن جحيم المختبر المتهاوي، وتحت طبقات سميكة من الفولاذ والخرسانة، كانت نخبة العالم المختارة تتنفس بصعوبة. ثمانية مليارديرات هاربين، يقبعون الآن في ما يشبه "غرفة الطوارئ الفارهة" – قاعة بيضاوية صغيرة، مبطنة بالخشب الداكن، ومضاءة بثريا كريستالية واحدة، كأنهم يحاولون الحفاظ على وهم الثراء حتى في مواجهة الفناء.

كان التوتر يخنق الهواء. تعرق ليو تشنغ، الجالس على كرسيه المتحرك، كانت يتسرب ببطء على جبهته العريضة. بجواره، كانت سيليا هارت (ملكة التكنولوجيا) تضغط بقوة على زر الإغلاق المؤقت في حاسوبها اللوحي، بينما فيكتور راموس (عملاق العقارات) كان يمسح دمه من ذراعه الممزقة بقطعة حرير.

لم يفهموا بعد ما حدث بالضبط. لقد رأوا بليك يهرب بطريقة خارقة، وشهدوا قوة مونو ونيرو الساحقة، لكنهم كانوا مقتنعين أن هروبهم كان بسبب قوة بليك السحرية وليس بسبب كارثة داخلية.

ثم جاء الصوت.

رغم عزل الغرفة الفائق، اخترق جدار الصوت صدى مكتوماً لكنه واضح؛ دوي هائل، أشبه بصيحة ديناصورات محتضرة قادمة من أعماق الأرض.

ارتعش الكرسي المتحرك لليو تشنغ. رفعت ليليان وونغ (الأدوية) يدها إلى فمها بصدمة.

"ما هذا...؟" سألت زارا خان (الأزياء) بصوت مرتعش.

هزّ ليو تشنغ رأسه ببطء، لم يقل شيئاً، لكن عينيه أرسلت نظرة حادة نحو المدخل.

في تلك اللحظة، ظهر كاكيوين، دخل الغرفة، يرتدي بذلة أنيقة رغم آثار المعركة على زواياها.

"يا سادتي، أعتذر بشدة." نبرة كاكيوين كانت هادئة، لكنها تخفي غضباً مكتوماً. "لقد فرّ الهدف. قدرة الفتى على الختم الروحي كانت سريعة ومتقنة بشكل لا يصدق. لم يتمكن 'هيروفانت جرين' من تتبعهم."

هذا الاعتراف أشعل الغضب المكبوت لدى ليو تشنغ. لم يكن غضباً ظاهراً، بل برودة مميتة.

"أنت لم تفشل فحسب يا كاكيوين،" قال ليو تشنغ بصوت عميق ورخيم. "بل لقد كشفت نفسك وقوتك لعدو أثبت أنه أكثر خطورة مما توقعنا. هذا الخطأ... كلفنا المليارات."

"أتحمل المسؤولية، سيدي. لكن يمكنني تدارك الموقف..."

"بليك إيثر يمتلك كتاباً هو المفتاح الوحيد لكنز الإمبراطور الأول! بعد اليوم، لن نعتمد على قوة واحدة."

رفع ليو تشنغ يده اليمنى، والتي كانت مزينة بخاتم فضي يحمل نفس الرمز الغريب الذي كان على رسالة بليك. عند إشارته، انفتح جدار جانبي من الخشب الداكن على مصراعيه، وكاشفاً عن خمسة أشخاص آخرين.

الجنود الستة المخلصون:

كانوا ستة، بمن فيهم كاكيوين، يقفون بهدوء وثبات عسكري. كانت ملابسهم عبارة عن بذلات سوداء ذات ياقات عالية، لا يمكن رؤية وجوههم بوضوح بسبب الظلال الكثيفة والخوذات السوداء الخفيفة التي يرتدونها، لكن يمكن للمرء أن يشعر بالطاقة الهائلة التي تشع منهم.

كان هؤلاء الستة ليسوا مجرد حراس؛ كانوا سحرة متخفين، ومستخدمي قوة روحية، أو كما يسميها عالمهم السري: "مُطلقي الستاند". لم يكن إخلاصهم مبنياً على المال، بل على إيمان مطلق بـ**"عقيدة التنوير العظيم"** لليو تشنغ. كانوا يرون المليارديرات كأدوات لتحقيق هدف أسمى: الوصول إلى أسرار الخلود.

وجه ليو تشنغ إليهم جميعاً بحدة: "أيها الأخوة، عدوكم واضح. أذهبوا. أريد الرأس المقطوع لبليك إيثر، والكتاب بين يديّ قبل شروق شمس الغد. القضاء على أي شخص معه: مونو، نيرو، والفتيان الذين تسللا إلى الأقبية."

انحنى الستة في تناغم مثالي، وردوا بصوت واحد عميق، خالٍ من العاطفة: "سُمِعَ وأُطِيعَ يا منبع النور."

بدأ مستخدمو الستاند بالتحرك، واختفى أول ثلاثة منهم في ظلال الجدار بمهارة تفوق السرعة، تاركين وراءهم كاكيوين وثلاثة آخرين.

كان ليو تشنغ يشعر بالرضا للحظة، عندما فجأة... توقف.

حرك رأسه ببطء نحو سقف الغرفة.

سمع صوتاً آخر.

لم يكن صوتاً تفجيرياً أو صرخة. كان صوتاً أشبه بـنقرة معدنية خفيفة جداً، تلتها ضحكة مكتومة، كضحكة طفل صغير يائس وسعيد في آن واحد.

تصلب ليو تشنغ في مكانه. سأل بصوت خفيض لم يسمعه إلا كاكيوين: "كاكيوين... هل سمعت ذلك؟ ما هو هذا الصوت؟"

نظر كاكيوين إلى الأعلى، نحو سقف غرفة الطوارئ، والغموض يكتنف نبرته: "لا... لا يمكنني تحديد مصدره. إنه... يبدو وكأنه قادم من مكان ليس هنا. شيء غريب، ومُدلّس."

وفي تلك اللحظة، انطلقت صفارات إنذار جديدة في كهف المليارديرات، هذه المرة لم تكن بسبب تسلل، بل بسبب: "عطل كارثي في نظام الطاقة الرئيسي!"

كانت الأضواء تتلألأ. أدرك ليو تشنغ أن الفوضى لم تنتهِ بفرار بليك، بل كانت قد بدأت للتو.

بعيداً عن الجبل المحترق، وتحت سماء شنغهاي المعتمة التي بدأت تلونها أضواء سيارات الشرطة المتجهة نحو موقع الانفجار، كان مركز الفوضى الحقيقي يكمن على طريق سريع مهجور نسبياً.

في منتصف هذا الطريق، كانت تقف سيارة كلاسيكية قديمة، يكسوها الصدأ، لكنها كانت تبدو وكأنها عرش مصنوع من الأنقاض. يقف فوق غطاء محركها رجل قصير يرتدي بذلة رسمية صغيرة، شعره مفروق بدقة، وعيناه السوداوان الساخرتان تلمعان في ضوء مصابيح الشوارع المكسورة. كان هو سلابي.

لم يكن سلابي وحيداً. كان محاطاً بصمت ثقيل، صمت لم يكن طبيعياً في محيط مدينة بهذا الحجم. كان الصمت بسبب "النبات الأخضر" الذي يلوح في الظلام، وهو وحش كتاب خرج للتو، عبارة عن شبكة متفشية من الأغصان السميكة التي زحفت بسرعة البرق. كان هذا الوحش قد التف حول جميع أبراج وعواميد الاتصالات الرئيسية المحيطة بالمدينة.

تم عزل شنغهاي. تم قطع كل خط هاتف، وكل إشارة راديو، وكل اتصال رقمي خارجي. تحولت المدينة إلى صندوق معزول، جاهز للعبته.

ابتسم سلابي ابتسامة واسعة، كأنها شق في وجهه، ورفع يديه الصغيرتين المغطاة بالقفازات البيضاء في لفتة مسرحية للترحيب بالجمهور الخفي.

"ها نحن، يا أبي العزيز،" تمتم سلابي، مخاطباً الهواء الفارغ الذي يمثل فيرتشايلد الذي تركه خلفه. "ألا ترى الجمال في الحرية المطلقة؟ أن تكون مجرد حبر متحرر من صفحات مملة... فن!"

رفع سلابي كومة من الكتب القديمة والمهترئة التي سرقها من قبو فيرتشايلد. كانت أغلفتها تصور أهوالاً لا يمكن تصورها، وكل واحد منها كان يرجف بقوة كيانه المحبوس.

"أنت، أيها الغبي الساذج،" تابع سلابي، والحوار الأسطوري يسري بينه وبين الصمت. "ظننت أنك تستطيع أن تسجننا بالورق والحبر؟ الورق هو لحمنا، والحبر هو روحنا! لم يكن يجب عليك أن تلعب دور الإله التائب. كان يجب أن تكون فخوراً بنا!"

بدأ سلابي بفتح الكتاب الأول ببطء متقن. بمجرد أن انفتحت الصفحات، انطلق منها سيل من الدخان الأزرق الداكن ورائحة غريبة، ليتجسد أمامه كيان هائل. انصاع المخلوق الضخم فوراً لأمر سلابي الصامت، ووقف كالتمثال ينتظر الإشارة.

فتح سلابي الكتاب الثاني، والثالث، والرابع...

تطاير الدخان الأسود والأخضر والأحمر من الصفحات، مجسداً أشكالاً وأحجاماً لا يمكن وصفها، مخلوقات لم يرها البشر إلا في أسوأ كوابيسهم. لم يهتم سلابي بوصفهم، بل فقط بوجودهم. عشرات الكيانات المخيفة اصطفت الآن على طول الطريق السريع، في انتظار الإشارة.

نظر سلابي إليهم جميعاً بعشق سادي، ثم مد يده نحو كومة الكتب التي خرجت منها هذه الكيانات.

"والآن، يا أحبائي، حان وقت تدمير الدليل. يجب أن نتأكد من عدم وجود طريق للعودة إلى السجن الورقي الممل، أليس كذلك؟" قال سلابي بتهكم. "هذه ليست نهاية الرواية، هذه هي بداية المجلدات الحقيقية!"

أخرج سلابي قداحة كلاسيكية لامعة، وأشعل بها طرف الكتاب الأول. اشتعلت الصفحات فوراً، لكنها لم تحترق بالنار العادية؛ كان اللهب يبعث ضوءاً أخضراً مرعباً.

كتاب تلو الآخر، تحولت الكومة إلى رماد متوهج.

عندما انتهى، قفز سلابي من غطاء السيارة، ووقف أمام صف جيشه من الأهوال التي لم تُذكر. كانت الدمية تغمرها نشوة الانتصار، وشفتيه الصغيرتان تبتسمان ببراعة شريرة.

"الآن، يا شنغهاي..." قال سلابي بضحكة عالية ومكتومة في آن واحد. "لقد أغلقت الأبواب من الخارج. حان وقت اللعب. إنها ليلة الدُمى الحيّة!"

"حسناً،" قال سلابي للعدم مرة أخرى، وهو يمسح التراب عن بذلته. "لعبة الأشباح بدأت. فلنرى من سيمحو من أولاً.خلف انطلقوا!"

مع إشارة صامتة من سلابي، بدأت جيوش الأهوال بالزحف ببطء وثقة نحو أضواء المدينة، تاركة خلفها الطريق السريع المليء بالرماد المتوهج والسيارة القديمة التي أصبحت عرشاً مهجوراً.

كنا نجلس في صمت كثيف، يكسره فقط همس الرياح بين الأشجار...

كنا نجلس في صمت كثيف، يكسره فقط همس الرياح بين الأشجار. كنت أتكئ على جذع شجرة بلوط عملاقة في غابة كثيفة خارج حدود المخبأ السري، بينما نيرو ومونو بجواري. كان طعم الفشل لاذعاً، رغم أننا نجونا بأعجوبة. الهدوء الذي ساد لم يكن طمأنينة، بل كان ضغطاً مكبوتاً.

كانت نيرو هي الأشد إرهاقاً. بعد استخدامها لسحر "ختم المفهوم" الذي جعلنا غير مرئيين لكاكيوين و"ستانده"، كانت قد سقطت كلياً. كانت بشرتها الداكنة شاحبة، كأن طاقتها قد سُحبت بالكامل.

لكن الآن، كان شيء ما يتغير. شعرت بهالتي السحرية تتأرجح بينما كانت تمتص المانا من محيط الغابة بأكمله. بدأت عروقها، التي كانت تختفي تحت الجلد، تستعيد لونها القرمزي الهادئ.

في لحظة، زال الشحوب. عاد الدفء إلى وجنتي نيرو، وعادت عيناها القرمزيتان لتشتعلان بشراسة هادئة. دفعت نفسها للأمام بقوة، ووقفت على قدميها بثقة. تحركت الأغصان تحت قدمها بهدوء، كأنها تستعيد سلطتها على الأرض.

نظرت إليها. "إذن، هل تعرفان ما هو هذا الـ'ستاند' الذي تحدث عنه ذلك الوغد كاكيوين؟" سألت، محاولاً فك شفرة هذا المفهوم الجديد الذي لا يتناسب مع علم السحر التقليدي الذي درسته.

هزّت نيرو رأسها ببطء، وعقدت ذراعيها. "للأسف، هذه أول مرة أسمع فيها بهذه الكلمة تحديداً. يبدو أن قوة الروح الخالصة يمكن أن تتجسد بطرق لم تتناولها كتب المانا."

"فعلاً،" أضافت مونو، التي كانت تتفحص الأفق بعينيها الذهبيتين. "هناك الكثير من الأشياء التي نجهلها في هذا العالم. وكأن الأسرار بدأت تتجمع وتطفو على السطح دفعة واحدة."

نظرت نيرو إليّ، وقد استعادت نبرة القيادة الهادئة التي اعتدت عليها. "إذن، والآن بعد أن استعدت طاقتي. ماذا ستفعل تالياً، بليك؟"

أخذت نفساً عميقاً. "أولاً، يجب أن نجتمع مع بابادوك وأكيهيكو. لا أعرف أين هما أو ماذا يفعلانه الآن. لا أحبذ فكرة أن نكون مقسمين في مكان كهذا. ثم... نعود لإسقاط هؤلاء المليارديرات أرضاً."

تنهدت مونو، وهي تقترب مني. "ألا يمكننا فقط العودة إلى المنزل؟" سألت بهدوء. كان سؤالها يحمل ثقلاً أكبر من مجرد التعب. "يا بليك، يمكنك بسهولة الذهاب والبحث عن الإجابات في مكان آخر. لكن أن تواجه نخبة العالم، المليارديرات الذين يمتلكون التكنولوجيا والقوى الخفية... هذا خطر شديد."

هززت رأسي. الجوهرة الخضراء في عيني اليمنى كانت تومض بضعف، كأنها توافقني الرأي. "لكني أشعر أنه إن لم نوقفهم الآن، فإن هوسهم بكتاب 'شمس المعارف' وأسرار الخلود سيجعلهم خطراً شديداً في المستقبل. يجب أن نقطع رأس الأفعى."

في اللحظة التي انتهيت فيها من الجملة، اختفى كل شيء.

لم يكن إنذاراً أو شعوراً بالخطر المسبق. كان مجرد صمت مفاجئ، يليه اندفاع هائل لشيء صلب يخترق الغطاء النباتي خلفنا.

صوت تمزيق عنيف للأغصان والأخشاب!

اندفعنا جميعاً جانباً، لكنني لم أستطع أن أرى بوضوح. كان الليل حالك السواد هنا، لكن ما ظهر كان أسوأ من الظلام.

خلف الموقع الذي كنا نجلس فيه، ظهر عملاق مرعب يكسر الأفق. لم يكن هذا مجرد وحش؛ كان كائناً يشبه السرعوف (فرس النبي)، لكنه يرتفع بضخامة لا يمكن تخيلها. كان بحجم مبنى متوسط الطول، وجسده العملاق يلوح في الظلام مثل هضبة متحركة مغطاة بالفروع. جسده المفصلي كان يلمع بدرجات من الأخضر الداكن والبني، كأنه قارة عضوية من الكوابيس.

كانت عيناه كبيرتان ولامعتان، تشتعلان بلون أخضر زمردي يذكّرني بلون جوهرتي الخضراء، لكن بعنف مجنون يهدد بابتلاع العالم.

الأذرع الأمامية للوحش، التي يجب أن تكون بمثابة "مخالب الصيد"، كانت ضخمة وحادة كشفرات المناجل التي يمكنها قطع الجبال الصغيرة بسهولة، تتحرك بسرعة جنونية، مُحدثة صوتاً حاداً كصوت احتكاك الفولاذ في الهواء.

الاستغراب والحيرة:

تجمدت عيناي على المخلوق. "ما هذا بحق الجحيم؟" فكرت بذهول تام. "لا يوجد في أي سجل، سحري أو علمي، ما يصف كائناً بهذا الحجم والتركيب! من أين أتى؟ ومن أرسله؟"

كانت هالة الطاقة المنبعثة منه غريبة؛ قوية جداً لدرجة أنها كانت تشوه الهواء من حولنا، لكنها لم تحمل توقيع المانا النقية أو اللعنات المعروفة. كانت أشبه بـتجلي مادي لكابوس أسطوري.

أطلق المخلوق صرخة حادة، لم تكن صرخة وحش بل صوت أداة حادة تقطع اللحم.

الهجوم الكارثي:

اندفعت إحدى شفرات السرعوف العملاقة نحوي ونحو مونو، التي كانت لا تزال قريبة مني. كان الهجوم سريعاً وموجهاً بدقة، وكأنه أُرسل ليقضي علينا في حركة واحدة. لو أصابتنا، لتطايرت أشلاء الغابة بأكملها.

في تلك اللحظة، لم أفكر. توهجت الجوهرة الخضراء في عيني بنور شديد، وصرخت بملء قوتي:

"تنفس الصوت: الشكل الثامن - حاجز الصدى!"

ضربت الأرض بقبضتي، واندفعت موجة صدمة سحرية سريعة كالصوت. تشكل أمامي جدار صخري كثيف للغاية، لكني أدركت أنه مهما كانت كثافته، فلن يصمد أمام هذا الحجم. أضفت إليه طبقة من المانا المضغوطة تجعله مرناً بعض الشيء، ويحيط به هالة شفافة تتأرجح.

كرااااااش!

اصطدم مخلب السرعوف الضخم بالجدار. اهتزت الأرض تحت أقدامنا بعنف زلزال. تحطم الجدار الصخري إلى حطام وغبار، لكنه أبطأ الهجوم لثانية واحدة كانت كافية. شعر جسدي بالاهتزاز العنيف الذي كاد أن يمزق عضلاتي، وكأنني تصديت لضربة مطرقة عملاقة قادرة على تفتيت الجبال.

تراجعت أنا ومونو ونيرو للخلف. أدركت نيرو الموقف فوراً: "إنه يستهدفنا مباشرة! لقد بدأوا مطاردتنا بشيء... بشيء لا يمكن تفسيره! يجب أن ننسحب الآن!"

نظر بليك إلى المخلوق المفصلي الهائل الذي كان يستعد لضربة ثانية، والحيرة واليأس يزحفان في قلبه.

لم يعد الهدوء خياراً. كان القتال أمراً لا مفر منه، لكن ضد ماذا؟ وضد من؟

2025/10/16 · 4 مشاهدة · 3489 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025