[من منظور بليك]
الريح الباردة صفعت وجهي حين سقطنا بين أشجار الغابة الصغيرة على حافة الجبل.
كانت السماء رمادية، مائلة إلى السواد، وكأنها على وشك أن تنزف مطرًا من الرماد بدل الماء.
صوت معدني حاد اخترق الصمت، تبعه صرير جناحين كأنهما من زجاج محطم.
هناك، بين الضباب، وقف المخلوق.
سرعوف… ضخم بما يكفي ليقسم سيارة نصفين، جلده كالمرآة المشوهة، وعيناه تتوهجان بلون أخضر سام.
حين تحرك، انثنى جسده بطريقة غير بشرية، وأصدر صريرًا كأن ألف شفرة تنزلق معًا.
أمسكت بسيفي، ويدي ترتجف قليلاً—not من الخوف، بل من الحنين.
كم اشتقت إلى هذا الشعور... ثقل المعدن في قبضتي، صوت الشفرة وهي تهمس لي كما كانت دائمًا.
> «أتعطش مثلي؟» همستُ وأنا أرفع السيف نحو السماء الرمادية.
«لنخضها معًا إذًا… حتى آخر نبضة.»
اندفع المخلوق.
قفزت جانبا، والهواء الذي خلفه كاد يمزق جلدي.
سيفي شق ذراعه الأمامية بضربة مائلة، لكن الدم الذي انسكب لم يكن دمًا… بل حبر أسود لزج بدأ يغلي فورًا ثم تجمّع ليعيد تشكيل الذراع خلال ثوانٍ.
"تجدد؟! تبا..." تمتمت وأنا أتراجع للخلف.
كلما قطعت جزءًا منه، ازداد تماسكًا.
كأن كل جرح يولد منه وحشًا جديدًا.
ضرباته لم تكن فوضوية؛ كانت دقيقة، ذكية، وكأنه درس طريقة قتالي قبل أن يولد.
ومع كل تصادم بين شفرتي ومخالبه، كانت الغابة تهتز.
أوراق الأشجار تتطاير كرماد مع شرر سيفي، وصوت المعدن على المعدن يشقّ الهواء كصرخة.
بينما كنت أقاتل، لمحت من زاوية عيني مونو تسحب نيرو التي بالكاد تقف على قدميها، مبتعدتين بين الأشجار المظلمة.
---
[من منظور مونو]
كانت أنفاس نيرو متقطعة، وحرارة جسدها ترتفع رغم البرد.
الغابة هنا خانقة… كل شجرة تبدو وكأنها تميل لتستمع لخطواتنا.
نيرو نظرت خلفها، وصوت بليك والسرعوف يملآن الأفق كعاصفة معدنية.
قالت بصوت مرتجف:
> «مونو... لا أستطيع تركه وحده... سيسحقه ذلك الشيء...»
نظرت إليها وأنا أواصل جرّها:
> «بليك لا يُسحق، نيرو. هو فقط يتأخر في الفوز أحيانًا.»
توقفت للحظة، وضعت يدها على كتفها.
كانت عيناها الواسعتان ترتجفان، فيها مزيج من الخوف والذنب.
> «لكنه ينزف... لقد رأيته!»
ابتسمتُ رغم الرعب الذي ينهش داخلي:
> «الدم عند بليك لا يعني الضعف... بل البداية.»
صوت انفجار مفاجئ قادم من بعيد جعل الأرض تهتز تحت أقدامنا.
شظايا من الحبر الأسود تناثرت بين الأشجار، كأن السماء نفسها تبصق كوابيسها.
نظرت نيرو في اتجاه الدخان وقالت بصوت خافت:
> «أشعر أنه... ينادي.»
وضعتُ إصبعي على شفتيها:
> «دعيه يقاتل. هذا ما يجيده أكثر من أي أحد. سيعود... دائماً يفعل.»
[من منظور بليك]
السرعوف كان يتحرك بلا رحمة، خطواته الثقيلة تصطدم بالأرض، كل خطوة تهز الأشجار الصغيرة حولنا.
حبره الأسود المتدفق من أطرافه التي قطعتها تحول إلى خطوط عشوائية، تتجمع، تتشوه، ثم تتكاثف مرة أخرى لتعيد له شكلًا جديدًا، كما لو كان جسده مصقولًا من الظلام نفسه.
رفعت يدي، أركز على الطاقة التي تغلي بداخلي، أستدعي سحر النار الذي تعلمته منذ أسابيع:
> "نار الشمس… احترق!"
انطلقت كرات اللهب، ملأت الهواء بدخان أحمر متوهج، لكن السرعوف لم يتأثر.
الحبر الأسود امتص الحرارة، وتكونت فقاعات من الدخان المحروق على جلده، لكنه لم يتوقف، لم يتراجع، لم يشعر بأي ألم.
قفزت إلى الوراء، وأمسكت السيف بإحكام أكبر.
أعلم الآن: السحر المعتاد لن ينجح.
سوف تكون المعركة تعتمد فقط على جسدي، على سرعتي، وعلى مهارتي مع سيفي.
تقدمت، والهجوم الأول مني كان سريعًا كالبرق.
لكن كل مرة أفصل فيها أحد أطرافه، كان الحبر الأسود يتجمع في ثوانٍ ليعيده أقوى مما كان، أكثر كثافة وأكثر شراسة.
صرخت، بين كل ضربة وأخرى:
> "هذا… ليس طبيعيًا…!"
السرعوف بدأ يركز على هدفه، على المدينة.
كانت عيناه كلمعان أخضر تقول بصوت بلا صوت: “لن تمنعني أحد.”
كلما اقتربت، كلما شعرت بأن قوة مدمرته تكبر، وكأن الأرض نفسها تتنفس خلفه، مستعدة لأن تبتلع كل شيء.
حاولت مرة أخرى، أطلق سحر النار بكثافة أكبر، أدوّيه حوله، أحرّق ما أمكن من الحبر المتدفق… لكنه لم يتراجع.
كل شعلة تتحطم في الحبر الأسود، وتنبعث من جديد لتشكل ذراعًا، ساقًا، أو مخلبًا أكثر خطورة.
بدأ قلبي يخفق بسرعة، كل خفقة كانت رسالة واضحة: لا يمكنك أن توقفه وحدك، بليك.
في تلك اللحظة، شعرت بوميض خافت في عين الجوهرة.
مونو، التي اختبأت على بعد أمتار، صرخت بصوت مرتجف:
> "بليك! إذا لم تتراجع… ستموت!"
نيرو، ضعيفة الجسد لكنها لا تزال قوية الروح، نظرت إلى الحبر الأسود المنتشر في كل مكان وقالت:
> "لقد ذهب بعيدًا… إن لم نوقفه، فالمدينة… ستُدمر."
ترددت للحظة، لكن ثم التقطت السيف بإحكام أكبر، أنظر إلى كل حركة، كل هجمة، كل تقاطع بيني وبين الوحش.
كانت حربًا بلا توقف، كل ضربة، كل ركلة، كل قفزة، تجربة حدودي.
لكن كل شيء كان ضدنا… الحبر الأسود، سرعة السرعوف، وهدفه الذي لا يمكن تغييره: المدينة تنتظره.
أخيرًا، مع شعور باليأس، رأيته يخطو خارج الغابة، جسده الضخم يختفي بين الأشجار، كل خطوة تقربه من المدينة…
صرخت بصوتٍ اهتزت معه الأشجار:
> "لا… توقف!"
لكن سرعوف، بلا هوادة، تجاوز الغابة، خطواته الثابتة تدق الأرض كطبول حرب.
نظرته الأخيرة إليّ كانت كتحذير، أو ربما وعدًا بأن ما سيأتي لن يكون هينًا.
سقطت على ركبتي، أتنفس بصعوبة، أشعر بثقل المعركة في كل عضلة.
نيرو انحنت بجانبي، تضع يدها على كتفي، تقول بصوت خافت:
> "سوف نعود… سوف نوقفه… فقط استعد."
مونو بجانبها تبتسم بابتسامة واثقة:
> "بليك قوي، لا تنسى… حتى لو اختفى بين الأشجار، قوته كافية ليعود وينتصر."
نظرت إلى الأفق، حيث اختفى السرعوف في ضباب المدينة، وأحسست بثقل المسؤولية يتضاعف.
المدينة… هذه المرة، لن أسمح لأي شيء أن يدمرها.
المدينة كانت كلوحة مدمرة، ولكنها حقيقية… كل شارع، كل مبنى، كل نافذة تتساقط في صمت قاتل.
السرعوف، ذلك الوحش الذي لا يموت، انتشر وسط الطرق، حبره الأسود يفيض كأنه نهر لزج من الظلام، يغطي كل شيء في طريقه.
صرخت المدينة بصمت، السيارات مقلوبة، المصابيح المتوهجة تنكسر، والأشجار الصغيرة تتحول إلى حطام تحت أقدامه الثقيلة.
كل خطوة من السرعوف كانت زلزالًا صغيرًا يبتلع المباني والأرصفة، وكل طرف يُفقد منه يتحول إلى موجة جديدة من الحبر الأسود تندفع على الطرق، تسحق كل شيء.
وقفت في وسط الشارع، السيف في يدي، واليد الأخرى مستعدة لاستدعاء أي سحر.
شعرت بالرهبة، شعرت بالعجز للحظة… لكن ثم، كما لو كان شيء ما يهمس في داخلي:
> "بليك… لا مكان للتراجع هذه المرة."
مونو ظهرت بجانبي، وجهها الجاد صارخًا في وجه الفوضى:
> "هيا… هذه فرصتك. أنا معك، لن نسمح لهذا الشيء بتدمير المدينة."
نيرو، ضعيفة الجسد بعد معركة الغابة، ظلت خلفنا، تلتقط أنفاسها بصعوبة، عيناها تتلألأ بالقلق:
> "أنا… لا أريد أن أفقدك، بليك… هذا الوحش… إنه لا يتوقف."
مونو أمسكت بيديها بحزم، تنظر إليّ بنظرة حازمة:
> "أثق بك، بليك… لديك القوة، وعقلك، والكتاب… لن نخسر."
أمسكت السيف أكثر، أشعر بثقل كل خطوة، كل حركة.
الهواء حولي مشبع بالحبر الأسود، الرائحة كالكربون المحترق، والصوت… صوت الخراب المستمر، هدير السرعوف الذي يصرخ بصمت.
اندفعت نحو الوحش، مونو تتحرك بجانبي، استعدادها القتالي واضح في كل حركة.
السرعوف التفت نحونا، حبره الأسود يتدفق بسرعة، أطرافه تتجدد من كل ضربة سريعة، كما لو أن الأرض نفسها تمنحه القوة.
حاولت توجيه السيف نحو قلبه، قطع أطرافه مرة، ومرتين، لكن كل مرة تعود أكثر كثافة.
أطلقت سحر النار، كرات اللهب تتحطم في الحبر، تنعكس وتخلق دخانًا سميكًا، لكن بلا أي تأثير يُذكر.
مونو، بصوت صارم، قالت:
> "توقف عن محاولة إحراقه… القوة الحقيقية في دماغك، وفي حركتك… لا شيء يمكن أن يوقفه إلا ذكائك وتنسيقك."
ابتسمت ابتسامة متوترة، ثم اندفعت إلى الأمام، السيف يلمع في يدّي، كل ضربة متقنة، كل حركة محسوبة، كل خطوة محاولة لتوجيه السرعوف بعيدًا عن المباني الأكثر ازدحامًا.
لكن السرعوف، بلا هوادة، بدأ يتحرك نحو وسط المدينة، كأنه يعرف أن الهدف هو قلب المدينة، حيث أكثر الناس ضعفًا وأكثر المباني كثافة.
صرخت:
> "لا… لن تدمرها!"
اندفعت أنا ومونو معًا، مونو تتخذ وضعية قتالية، يديها مضيئة بكرات ضوء ذهبي، تشحن الهواء بالقوة السحرية، بينما أتحرك أنا بالسيف، أقطع الحبر الأسود المتدفق، أحاول توجيه السرعوف بعيدًا عن الأبنية.
المدينة تتصدع من حولنا، والأرض تهتز، والهواء يملؤه الحبر الأسود.
كل ثانية كانت صراعًا بين الحياة والموت، بين القوة الغاشمة للوحش وإصرارنا على الحماية.
وعلى الرغم من كل شيء، شعرت بشيء غريب، شيء يشبه الفرصة…
السرعوف، رغم ضخامة قوته، بدأ يتحرك ببطء أكثر، كأنه يختبر صبرنا، كأنه يخطط لهجوم أكبر، مفاجئ، لم نكن مستعدين له بعد.
نظرت إلى مونو، وقالت بنبرة حازمة:
> "حافظ على تركيزك، بليك… الشوط الثاني يبدأ الآن… لن ندع المدينة تقع."
أمسكت السيف بقوة، شعرت بطاقة الجوهرة تتدفق في عيني، الجاهزية للمعركة النهائية، وكل خلية في جسدي تقول:
> "هذا هو الوقت… لن أسمح لأي شيء أن يفلت."
وبينما السرعوف يزحف نحو قلب المدينة، أخذت خطوة للأمام… والشوط الثاني من القتال، المعركة الحقيقية، بدأت.
المدينة كانت تتنفس الموت والفوضى. الهواء مشبع بالحبر الأسود، الأبنية تتساقط كأوراق شجر في عاصفة، والناس يصرخون محاولين الهرب من الرعب الذي يلتهم الشوارع.
السرعوف، هذا الكائن المذهل والمستحيل، لم يكن مجرد وحش. كان قوة طبيعية هائلة، دماؤه السوداء تتجدد فور فقدانه لأي طرف، كل ضربة مني تزيده عنفًا وغضبًا.
ابتعدت عن الحشود قدر الإمكان، وأطلقت سحر "تنفس النار"، كرات اللهب تدور حوله، لكنها ارتدت كما لو أن الحبر الأسود يمتص كل حرارة.
مونو، إلى جانبي، لم تهرب هذه المرة.
> "ركز، بليك! كل حركة محسوبة! لا شيء يمكن أن يوقفه بالقوة الغاشمة!"
نيرو، ضعيفة بعد معركة الغابة، كانت تحاول الوقوف، عيونها تتسع بخوف:
> "أنا… لا أستطيع الوقوف على قدمي… بليك… كن حذرًا!"
مونو أمسكت يدها:
> "ستنجين… أعدك، لكن الآن ركزي على الحماية. بليك قوي… هو لن ينهزم!"
تنفست بعمق، السيف في يدي يلمع، شعرت بطاقة الجوهرة الخضراء تتدفق في عيني، كل ضربة أصبحت أكثر دقة، كل حركة محسوبة لإبطاء السرعوف قدر الإمكان.
السرعوف هجم، أطرافه تتجدد بسرعة مذهلة، تدفع الحبر الأسود كتيار يهدد بابتلاع كل شيء على بعد أمتار.
قطعت أحد أطرافه بالسيف، لكنه عاد فورًا، الدم الأسود ينبثق وكأنه محرك حياة جديد.
مونو أطلقت كرات الضوء الذهبي، تضرب الحبر الأسود، تشتت بعضه، لكنها لم توقف التدفق.
> "علينا ابتكار طريقة… لن يكفي السيف وحده!"
استعنت بسحر النار مرة أخرى، أطلقت انفجارًا كبيرًا نحو صدره، هذه المرة أدمجت تنفس الصوت مع النار، محاولة تقييد تحركاته، لكن السرعوف ارتد بتقلبات غير متوقعة، دفقة الحبر تطير كالسياط، تكاد تلمس وجهي.
الناس يصرخون، الحطام يتساقط، سيارات تُقذف في الهواء، ونوافذ تتحطم كبلورات. شعرت بعنف الفوضى حولي، لكنني لم أتراجع. كل خطوة كانت صراعًا بين الحياة والموت والمدينة بأكملها.
السرعوف بدأ يتحرك نحو قلب المدينة، كأنه يعرف أن أكبر الدمار ممكن هناك، كل خطوة تضاعف حجم الكارثة.
مونو، بجانبي، صرخت:
> "استخدم دماغك، بليك! لا تدعه يصل وسط المدينة!"
حاولت سحبه بعيدًا، كل حركة كانت صعبة، الدم الأسود يتدفق من الأرض، يدفع كل شيء في طريقه. استخدمت السيف لتوجيهه، أطلقت موجة من الطاقة عبر تعويذة الدفع الأرضي، لكن السرعوف تصدى للحركة، يتحرك بقوة غير بشرية.
نيرو، رغم ضعفها، ساعدت على صد موجات الحبر، تنفست بصعوبة، لكن عينيها كانت مليئتين بالعزم.
> "أنا… لن أسمح له بقتلك… بليك!"
مع كل لحظة، المدينة تتعرض لتدمير أكبر. المباني تتهاوى، الطرق تتصدع، والناس يهربون نحو المجهول.
كنت أعلم أن أي خطأ قد يعني النهاية، ليس فقط لي، بل لكل من حولنا.
وبينما السرعوف وصل أخيرًا إلى قلب المدينة، شعرت بشيء في داخلي… شيء يشبه الفرصة في قلب الكارثة.
أخذت نفسًا عميقًا، رفعت السيف عاليًا، مونو بجانبي، نيرو خلفنا، وصرخت:
> "لن تدمر المدينة… حتى لو كان هذا معركة المستحيل!"
الشوط الثاني بدأ، لكن هذه المرة المدينة نفسها أصبحت ساحة معركة حية، حيث كل ضربة وكل سحر قد تنقذ أو تهلك آلاف الأرواح.
المدينة كانت تتحول إلى كابوس حي. دخان الحبر الأسود يغطي السماء، أصوات الصراخ تتداخل مع تحطم الأبنية، وكل خطوة أخطوها تحمل ثقل مصير آلاف الأرواح.
السرعوف لم يكن مجرد وحش؛ كان قوة مدمرة تتجاوز الفهم البشري. أطرافه تتجدد بمعدل أسرع من أي معركة قد خضتها، ودمه الأسود يشبه بحرًا لا نهاية له.
رفعت السيف، لكن هذه المرة لم يكن مجرد سلاح، بل مفتاح لتركيبة الطاقة. أطلقت موجة من سحر الأرض لتثبيت الأرض تحت قدميه، محاولة تقييد حركته، لكنه كسر الأرض كلوح زجاجي.
ثم استخدمت سحر الماء، أمواج مرتفعة من نهر المدينة انطلقت لتغمره، لكن الحبر الأسود امتزج مع الماء ليخلق سيلًا أسود أكثر عنفًا، محاولة ابتلاع كل شيء حوله.
مونو ونيرو ركزتا على حماية الأبرياء. مونو أطلقت كرات الضوء الذهبي، تحيط بالأطفال والناس المحاصرين، بينما نيرو، رغم ضعفها، استخدمت قوة جسدها الفائقة لتقليب السيارات وإبعاد الحطام عن المدنيين.
> "ابقِ خلفي!" صرخت مونو لنيرو، وهي تقف كسد أمام المخلوق.
"أنا… لن أتركه يلمسه!" ردت نيرو بعزم، عيونها الحمراء تتوهج رغم الإرهاق.
السرعوف، غاضبًا، وصل إلى مرحلة تجددية غير مسبوقة. أطرافه بدأت تتضاعف، جسده نما بمستويات جديدة، وكأن الوحش يبتلع المدينة نفسها ليصبح أكبر وأكثر عنفًا. الحبر الأسود أصبح أكثر كثافة، يطير في الهواء كالسياط، ويخلق دوامات مميتة تدمر كل ما في طريقها.
حاولت دمج النار مع الجليد، أطلقنا انفجارًا مركبًا من لهب متجمد، أملًا في إبطاءه، لكن الحبر الأسود تصدى للهجوم وكأنه مادة حيّة، يمتص الحرارة والبرودة معًا، ويخرج أكثر شراسة.
الأبرياء يصرخون، المباني تتساقط، الشوارع تتحول إلى أنهار من الحطام والحبر. شعرت بعيني الجوهرة الخضراء تتوهج، كل طاقتي مركزة في ضربة واحدة، لكن الوحش لم يعد مجرد هدف، بل كارثة متحركة تتحدى كل قوانين المعركة.
وفي لحظة مأساوية، بينما كنا نحاول تثبيت الوحش، ظهر السرعوف فجأة أمام نيرو، أسرع من أي شيء يمكنني أن أراه.
> "نيرو!" صرخت وأنا أركض، لكن كل شيء كان أسرع من رد فعلي.
رأيتها تُسحق تحت قوة السرعوف، دماؤها تندمج مع الحبر الأسود، جسدها يتعرض لتشوه رهيب. صرخت، قلب ينبض بالخوف واليأس، بينما مونو تحاول صد الوحش، لكنها تواجه عجزًا مؤلمًا أمام هذا الكيان الذي لا يقهر تقريبًا.
المدينة كلها اهتزت، السماء أصبحت قاتمة، وكل شيء حولنا أصبح ساحة لمواجهة أسطورية بين قوة البشر والقوة الخارقة للطبيعة.
كنت أعلم أن هذا لم ينته بعد… وأن الضربة التالية، مهما كانت، قد تغير كل شيء للأبد.
الهواء أصبح ثقيلاً… كأن المدينة كلها توقفت عن التنفس.
جسد نيرو الملقى على الأرض كان يئن بصمت، ودمها يتسرب ببطء بين الحجارة الممزقة.
ركضت إليها وأنا ألهث، لكن مونو كانت الأسرع. وضعت يديها فوق صدر نيرو، وأغمضت عينيها، والدموع تسيل من وجنتيها.
> "أرجوك… لا تموتي عليّ الآن!"
"مونو! هل تستطيعين؟!"
"سحر الشفاء... لن يصمد طويلاً، إنها تنزف داخليًا!"
ضوء أخضر ناعم بدأ ينتشر من يدي مونو، يلتف حول جسد نيرو كأغنية حزينة.
لكن في الخلفية، كان السرعوف يزأر بصوت يخرق كل عقل، والسماء ترتجف معه.
كل مرة يجدد فيها أحد أطرافه، يتضاعف حجمه أكثر، وكأن كل ضربة ضده تزيده وحشية.
توقفت لحظة… وسمعت همسًا داخل رأسي.
صوت قديم… يشبه جدي.
> "يا بليك... العناصر ليست طاقات منفصلة. إنها نبضٌ واحد... يتنفس من قلبك."
أدركت حينها... أنني كنت أقاتل بشكل خاطئ طوال الوقت.
كنت أستخدم كل عنصر على حدة.
لكن… ماذا لو جمعتها في لحظة واحدة؟
أغمضت عيني، وبدأت أستدعي كل شيء:
الأرض من تحتي، الماء من النهر، النار من أعماق الغضب، والجليد من برد اليأس الذي يسكنني.
كل طاقة تتصارع بداخلي، تكاد تمزقني من الداخل.
لكنني أجبرتها على الالتقاء في نقطة واحدة — في قلبي.
الأرض منحتني الثبات.
الماء منحني المرونة.
النار منحتني الإرادة.
والجليد منحني الصفاء.
انفجرت الطاقة من حولي كدوامة عنيفة، وأصبحت السماء ملوّنة بالأحمر والأزرق والأخضر والفضي.
حتى مونو رفعت رأسها بدهشة، ونيرو التي كانت فاقدة الوعي، بدا وكأن روحها تستجيب لهذا الضوء.
> "هذا… هذا ليس سحرًا عاديًا!" صاحت مونو.
"لا… هذا توازن الفوضى!" أجبتها وأنا أفتح عيني — عيون تتوهج بأربع ألوان.
تقدمت خطوة للأمام، والأرض نفسها بدأت ترتفع معي.
السرعوف انقضّ بسرعة، لكني ضربت بيدي الأرض، فانفجرت الصخور المشتعلة تحته، ثم تحولت المياه من حوله إلى أعمدة جليدية تخترق جسده من الداخل.
صرخ، لكنه لم يمت بعد.
دمه الأسود انفجر مثل بركان من الكراهية، يحاول أن يلتهمني.
ألسنة النار تعانق الدخان الكثيف… المدينة تحترق، تصرخ، وتنهار تحت وطأة شيء لم يولد من هذا العالم.
السرعوف يقف وسط الركام، جسده يتلألأ بسائل أسود يتدفق من شقوق جلده المعدنية. كل طرف فقده عاد ينمو من جديد — أقوى، أثقل، وأكثر شراسة.
كل نبضة من دمه تشعل الأرض تحته.
حتى رماد الأبنية بدأ يتحرك، وكأنه ينجذب نحوه.
صرخت مونو خلفي:
> "بليك! لا تقترب أكثر! إن طاقته تتضاعف!"
لكنني لم أستطع التراجع.
كل شيء بدا كما لو أنه يعتمد عليّ وحدي.
نيرو ممددة على الأرض، تنزف، ومونو تحاول يائسة إيقاف النزيف بسحرها الشافي، ضوءها الأخضر يرتجف كلما اهتزت الأرض تحتنا.
أغلقت قبضتي على سيفي.
لهيب صغير اشتعل على حدّه، لكنه خمد بسرعة.
سحر النار… لم يعد كافيًا.
رفعت يدي للسماء، أحاول أن أستدعي المطر، لكن الغيوم السوداء التهمت كل ضوء.
> "تريد الماء؟"
"لن تحصل عليه."
السرعوف تكلم بصوتٍ غليظٍ كأنه صدى من جوف الجحيم.
كلماته لم تكن بشرية… لكنها تفهمني.
ركضت نحوه، وكل خطوة كانت تكسر الأرض.
ضربت سيفي عبر صدره — صوت المعدن على المعدن، شرر يتطاير.
ثم انفجر الدم الأسود من الجرح كنافورة، لزجًا، حارقًا، جعل جلدي يتآكل من اللمسة.
> "تجدد من الألم… تغذى على قوتي…!"
"لن أسمح لك بالوصول للناس!"
ضربني بمخالبه الطويلة، فقذفت بعيدًا، جسدي اصطدم بجدارٍ حجريٍّ وانكسر نصفه.
الهواء خرج من صدري مع صرخة مكتومة.
لكنني… لم أتوقف.
غرزت سيفي بالأرض، وبدأت أستدعي ما تبقى من سحري.
الأرض تحت قدمي تحركت، تشققت، ارتفعت كأنها درع حي.
جمعت كل ما أملك — النار من قلبي، الماء من رطوبة الهواء، الجليد من أعماق اليأس، والأرض من تحت أقدامي.
دوامة من الطاقة أحاطت بي، لكن لم تكن مستقرة… كأنني أمسك بعاصفة في كفّي.
مونو صرخت من بعيد:
> "بليك! توقّف! جسدك لن يتحمل كل العناصر دفعة واحدة!"
"إما أن أتحمل… أو ينتهي كل شيء هنا!"
اندفعت مجددًا، وسيفي اشتعل بلونٍ غريب، مزيج من اللهب والثلج.
ضربت السرعوف ضربة هائلة — لكنها لم تقتله.
بل فجّرت جزءًا من جسده، ليتحول الدم الأسود إلى مئات الحشرات الصغيرة تتطاير في الهواء وتلتف من جديد حوله لتعيد بناء جسده!
> "إنه يعيد خلق نفسه!" صاحت مونو بدهشة.
"حتى الموت لا يوقفه!"
بدأت الأبنية تنهار حولنا، والنيران تزحف إلى الشوارع.
الناس يصرخون في البعيد، ونيرو بدأت تفتح عينيها ببطء، همست بصوتٍ متعب:
> "بليك… لا… لا تتركنا…"
نظرت إليها وقلبي يرتجف.
> "أنا هنا، نيرو. لن أهرب هذه المرة."
رفع السرعوف مخالبه، والسماء انشقت بضربة واحدة، موجة من الرياح الكثيفة قذفت كل شيء في محيط المدينة.
تشققت الأرض، وانفجرت أنابيب المياه، والدماء والمطر امتزجتا في مشهدٍ جحيميّ.
> "مونو! خذي نيرو وابتعدي!"
"ولماذا تظن أني سأتركك وحدك؟!"
"لأنني لن أسمح له بالمرور بعد الآن!"
صرخت ودفعت كل طاقتي إلى السيف، فاشتعل بضوءٍ كثيفٍ يقطع الظلام.
واجهت السرعوف مجددًا، وسط ألسنة اللهب والرماد، والاثنان تصادما في انفجارٍ ضوئيٍّ جعل المدينة كلها تهتز.
وفي تلك اللحظة، أدركت شيئًا واحدًا —
أن هذا القتال لن ينتهي الليلة.
وأن ما يقف أمامي… ليس مجرد وحش.
بل رسول من الظل نفسه.
الليل ابتلع المدينة...
لكنها لم تعد كما كانت.
لم تعد تلك الشوارع التي عرفتها مليئة بالضوء والموسيقى، بل صارت بحرًا من النار والرماد.
السرعوف اندفع نحو الأسفل، زاحفًا على جدران الأبراج ككابوسٍ من الفولاذ والدم.
كل خطوة له كانت كزلزال، وكل حركة لجسده العملاق تُصدر صريرًا كاحتكاك المعادن بالصرير نفسه.
رائحة الحبر الأسود امتزجت بالدخان، والسماء صارت لوحة مشوهة من رمادي وأحمر.
صرخ الناس في الشوارع:
> "ما هذا الشيء؟!"
"إنه وحش! اتصلوا بالشرطة!"
"يا إلهي، إنه يمشي فوق المباني!"
امرأة سقطت أرضًا وهي تحمل طفلها، دموعها تختلط بالمطر والرماد.
شاب كان يصوّر المشهد بهاتفه، لكن عندما التفت السرعوف نحوه بعينين تلمعان كحدّ السكين، سقط الهاتف من يده وركض وهو يصرخ بلا هدف.
سيارات الشرطة كانت تندفع في كل الاتجاهات، صفارات الإنذار تمزق الصمت، لكنها بدت كأنها تصرخ خوفًا لا سلطة.
أحد الضباط صاح عبر مكبر الصوت:
> "إخلاء المنطقة فورًا! هذا ليس تدريبًا!"
لكن كيف تُخلي مدينةً كاملة عندما يطأها جحيمٌ من لحمٍ وحديد؟
السرعوف رفع أحد مخالبه، وضرب به شارعًا مزدحمًا، فانفجر الإسفلت، وتناثرت السيارات في الهواء كأوراق.
الشرطة أطلقت النار، رصاصات ترتدّ عن جسده كالمطر على الحديد.
ثم انقضّ عليهم بصرخة تشقّ القلوب، وحين هبطت مخالبه، ارتفع غبار أسود، ولم يبقَ من العربات سوى هياكل مشتعلة.
كنت أركض على السطوح أحاول اللحاق به.
مونو خلفي، وجهها مغطى بالرماد، ونيرو بين ذراعيها — لا تزال فاقدة الوعي.
كل نبضة من قدمي على الخرسانة تذكرني بكمّ الأرواح التي تُسحق تحتنا.
> "بليك!" صرخت مونو.
"لا فائدة من اللحاق به، علينا إنقاذ من تبقّى!"
"إن لم أوقفه الآن، لن يبقى أحد لإنقاذه!"
نظرت إلى الأسفل —
الساحة الكبرى، قلب المدينة.
الناس يتزاحمون، يبكون، يدفعون بعضهم بعضًا في فوضى لا تُصدق.
بعضهم تجمّد في مكانه، يحدق بذهول.
طفل صغير يسأل أمه:
> "ماما، هل هذا فيلم؟"
لكن الأم لا تجيب… فقط تمسكه بقوة كأنها تحاول إخفاءه من العالم نفسه.
السرعوف نزل إلى الساحة كأن الجحيم هبط على الأرض.
أجنحته المفتوحة أسقطت ظلًا أسود غطّى كل شيء، وصوتُ صريره جعل نوافذ الأبراج تنفجر من تلقاء نفسها.
الجيش وصل أخيرًا — دبابات، طائرات مروحية، صفوف من الجنود.
أحد الضباط صرخ عبر اللاسلكي:
> "أطلقوا الآن!"
انهمر وابل من النيران، قذائف تفجّر الهواء من حوله، أصوات الانفجارات تهز الأرض.
لكن عندما تلاشى الدخان… كان السرعوف ما يزال واقفًا، جسده يتصاعد منه البخار الأسود، وأطرافه تعيد تكوين نفسها بسرعة مرعبة.
الدم الأسود يتدفّق، لكنه لا يسقط — بل يصعد عائدًا إليه، يغذي جراحه.
> "هذا… غير ممكن." همس أحد الجنود قبل أن يلتهمه الظل.
قفزت من فوق سطح مبنى محطم، سيفي مشتعلاً، وأطلقت دفعة من سحر النار صوب صدره —
لكن اللهب تلاشى في الحبر.
> "نارك... طعامي." قال بصوتٍ خافتٍ لكنه اخترق عقلي كالخنجر.
ارتفعت رائحة الحديد والدم، وسمعت صرخة أخرى في الزحام.
نظرت نحوها —
رجل، ربما في الثلاثين من عمره، يقف مذهولًا وسط الشارع، يمسك حقيبة صغيرة، ينظر إلى السماء حيث ظلّ السرعوف يغطيه بالكامل.
كل شيء حدث ببطء…
رفع السرعوف ساقه الأمامية، والوقت كاد يتوقف.
> "تحرّك!" صرخت.
لكنه لم يسمعني… أو ربما لم يفهم ما يرى.
ضربة واحدة.
الأرض اهتزت.
سُحق الجسد تمامًا.
سقطت الحقيبة بجانبي، انفتحت، وتدحرجت منها صورة صغيرة — صورة عائلة… زوجة وطفلان.
تجمّدت.
لم أتحرك.
حتى مونو توقفت عن التنفس للحظة.
تسللت رائحة الدم إلى أنفي، وارتفع الدخان من حولي، والسرعوف رفع رأسه نحو السماء، كأنه يزأر بانتصارٍ لا يخصه، بل يخصّ الظلام كله.
شعرت بشيءٍ يشعرت بشيءٍ ينكسر بداخلي.
لم يعد الخوف فقط هو ما أراه أمامي، بل الكراهية الصافية.
> "لقد تجاوزت الخط الآن..." همست وأنا أرفع سيفي ببطء.
"لن أتركك تلمس إنسانًا واحدًا بعد اليوم."
الهواء بدأ يغلي حولي، والسيف بدأ ينبض كما لو أنه حيّ.
النيران، الماء، الأرض، الجليد… كلها استجابت.
ووسط الدخان والرماد، بدأت المعركة الثانية داخل المدينة الكبرى —
لكن هذه المرة، لم أقاتل لأجل النجاة.
قاتلت لأجل كل من سُحقوا دون أن يعرفوا لماذا.
كل شيء توقف في تلك اللحظة.
لم أسمع سوى دقات قلبي، تتردد وسط الصمت الملوث بالدخان.
الرجل الذي سُحق أمامي قبل لحظات...
لم يكن جثة.
الغبار انقشع ببطء، ومعه ظهر silhouette جسده يتحرك، يرتجف، ينهض من الحفرة التي خلّفها ضرب السرعوف.
وقفت مذهولًا، سيفي بيدي، لا أفهم ما أراه.
> "ما… كيف؟"
همست لنفسي.
خطى الرجل الأولى كانت ثقيلة، تصدر صوت تصدع الحجارة تحته.
لم يكن مصابًا...
بل جسده بدأ يتوهّج بلونٍ غريب، أخضر زمردي يتسلل من عروقه مثل طاقة حية تحاول تمزيقه من الداخل.
وجهه كان مشوّهًا بالغضب —
عيناه فقدتا بريقهما الإنساني، صارتا تتلألآن بضوءٍ أخضرٍ ناريٍّ.
كل عضلة في جسده بدأت بالانتفاخ بسرعة، كأنها تتكاثر تحت جلده.
صوت العظام وهي تتكسر لإعادة تشكيل نفسها كان كالرعد.
الجلد تمزق في مواضع، والدماء تحولت إلى بخار أخضر قبل أن تسيل.
أكمام قميصه انفجرت، أزرارها تطايرت كالرصاص، وصدره انفتح على عضلات مشدودة تكاد تشق الهواء.
حتى بنطاله الرمادي تمزق من عند الركبتين والفخذين، ولم يتبقَّ منه سوى سروالٍ داكنٍ قصير، مشقوقٍ من شدة التمدد.
كان التغيير سريعًا، عنيفًا، مستحيلًا.
كأن شيئًا قديمًا، خامدًا في داخله، استيقظ فجأة.
صرخ، صرخةً طويلة مبحوحة، هزّت الأرض نفسها.
صدى الغضب ارتدّ من بين الأبراج المنهارة، حتى الزجاج المكسور ارتجف.
ثم، في لحظة، أصبح أمامي مخلوق لا يشبه الإنسان بعد الآن.
جسدٌ ضخم، عضلات بارزة ككتل من الحديد الأخضر، كل تفصيل فيها مشحون بالغضب الخام.
الأوردة البارزة تومض بضوء زمردي، والصدر يرتفع ويهبط كبركانٍ قبل الانفجار.
أسنانه مكشوفة في قسوة، وجهه مزيج من الألم والغضب، عيناه تشتعلان كجمرتين في ظلمة المدينة.
وقف بوضعية هجومية، جسده منحني قليلًا، قبضته اليمنى مرفوعة كالصخر، واليسرى مفتوحة، تهتز كتهديدٍ صامت.
لم يكن يتنفس... كان يزأر من داخله.
> "ما هذا بحق الجحيم..." تمتمت وأنا أرفع سيفي.
الهواء حوله بدأ يغلي، الحجارة تتطاير دون أن يلمسها، والسرعوف نفسه توقّف للحظة، ينظر نحوه باستغرابٍ بدائي.
ثم رفع المخلوق الأخضر رأسه، وفتح فمه بصوتٍ أشبه بانفجارٍ من الغضب الخالص:
> "هالك غااااااااااااااااضبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب!"
الصوت وحده حطم الزجاج في الأبنية المحيطة.
المدينة ارتجّت كما لو أنها تعترف بوجود قوة جديدة فيها — قوة لا تعرف الرحمة ولا الوعي.
نظرت إلى السرعوف، ثم إلى الوحش الأخضر، وقلبي يخفق بجنون.
الغضب... الغضب وحده كان يتنفس بينهما.
في تلك اللحظة، أدركت أنني لم أعد وحدي في هذه الحرب.
لكن ما كنت لا أعلمه — أن ما سيحدث بعد ذلك سيجعل حتى جحيم السرعوف يبدو صغيرًا...
ثم اندفع الاثنان نحو بعضهما.
صوت الاصطدام الأول كان كقنبلة ذرية.
الصدمة الهوائية رمتني أنا ومونو للخلف، وسقطنا على الأرض وسط الزجاج والحطام.
رأيت هالك يضرب السرعوف بلكمة جعلت جسده العملاق يرتطم ببرج تجاري كامل.
البرج انهار نصفه، والغبار غطى الشارع كله.
لكن السرعوف نهض، زاحفًا على ستة أرجل، زاحفًا بجنون، وهاجم بمخالبه المعدنية.
الشرر تطاير مع كل احتكاك بين مخالبه وجلد هالك.
لكن الجلد لم يُخترق.
هالك أمسك ذراعه الأمامية وسحبها بقوة… صوت تمزق المعدن جعلني أرتجف.
ثم رماه عبر الشارع كما يُرمى حجر صغير في بركة ماء.
“يا إلهي…” همست مونو.
كل ضربة من هالك كانت كزلزال.
كل خطوة له كانت تُحدث حفرة في الإسفلت.
السيارات تتطاير من ضغط الهواء.
السرعوف حاول الرد، قفز على أحد الأبراج، وبدأ يقذف الحطام من الأعلى، لكن هالك أمسك بقطعة خرسانة ضخمة ورماها نحوه بقوة جعلته يسقط مباشرة وسط الطريق.
صرخ السرعوف بصوت حاد، اهتزت النوافذ كلها.
ثم اندفع بجسده الهائل نحو هالك، وبدأ القتال يتحول إلى صراع حيواني بحت — لا سحر، لا تخطيط، فقط قوة خام ودمار مطلق.
مخالب مقابل قبضات.
زئير مقابل صرخة.
كل مرة يضرب أحدهما الآخر، تتشقق الشوارع وتنهار الأبنية الجانبية.
كنت أرى سيارات الشرطة تتوقف على أطراف الشارع، صفارات الإنذار تصرخ بلا فائدة، والجنود يوجهون أسلحتهم لكنهم لا يطلقون — لأن لا أحد يجرؤ على التدخل.
في إحدى اللحظات، أمسك السرعوف بهالك من الخلف ورفعه عاليًا، ثم رماه فوق مركز التسوق الضخم، لكن هالك هبط على قدميه، حطم السقف بقبضة واحدة، وخرج من بين الركام كشيء لا يمكن تدميره.
صرخ مرة أخرى — صوت مليء بالغضب الحيواني — واندفع.
قفز قفزة جعلت الأرض تنفجر تحته، وضرب السرعوف ضربة مزدوجة على صدره.
الهواء تفتت.
السرعوف طار للخلف، ارتطم بالمباني، وتحطمت حوله كأنها من الورق.
لم يهدأ.
حاول النهوض.
لكن هالك كان أسرع.
قبض على رأسه وضربه بالأرض مرارًا، وكل مرة كانت الأرض تهتز.
حتى أصبحت الساحة حفرة ضخمة مغطاة بالغبار والرماد.
كنت أسمع نفسي أتنفس بصعوبة.
مونو بجانبي تهمس: “إنه… وحش… آخر…”
أخيرًا، وبعد دقائق من جحيم الغضب، تراجع السرعوف إلى الخلف.
جسده ينزف سائلًا أسود.
عينيه تتوهجان بالحمرة.
لكن الخوف كان واضحًا.
صرخ صرخة عالية، ثم فتح جناحيه الشفّافين وهرب، محلقًا نحو الجهة الشمالية من المدينة.
هالك بقي واقفًا هناك، يلهث، صدره يعلو ويهبط مثل محرك عملاق، الغبار يغطيه بالكامل.
ثم ضرب الأرض بقبضته، فأحدث صدعًا جديدًا، وصرخ مجددًا، صرخة نصر وغضب في آن واحد.
المدينة كانت صامتة…
الناس يخرجون من الملاجئ، الشرطة تراقب، وأنا ومونو نقف، غير قادرين على الكلام.
نظرت إلى الدمار من حولي، ثم إلى هالك — الوحش الأخضر الذي لا يُقهر.
كنت أعرف أن ما رأيته الليلة… سيبقى محفورًا في ذاكرتي إلى الأبد.