94 - تحالف اكيهيكو و ليون و ميليوداس

المدينة تهدّدت للتو، والهواء ما زال يتأرجح بين رائحة الحبر الأسود المحترق والدخان الكثيف. وقفت في وسط الساحة، جسدي مشدود، عيني تراقب الرجل الغريب الذي كان للتو محور كل الرعب. الجميع حوله يحدقون بخوف، وجوههم متجمدة بين الذهول والرعب.

الرجل… توقف فجأة. جسده الأخضر المتضخم بدأ يتقلص تدريجيًا، عضلاته تتلاشى، وملابسه الممزقة تتراجع لتستعيد شكلها الطبيعي. المشهد كان مذهلًا، كما لو أن العنف الهائل الذي شهدناه للتو لم يكن سوى خدعة. بدأ يتحرك بخطوات بطيئة، عيناه غير مصدقتين من ما حدث، وشيئًا فشيئًا عاد إلى شكله البشري العادي، رجل عادي يرتدي ملابس بسيطة، وجهه يتصبغ بالارتباك والخوف.

لكن قبل أن يتمكن من التنفس بحرية، سمعت طلقات نارية. الشرطة، في حالة ذعر، لم تتوقف عن إطلاق الرصاص. صوت الطلقات كان كالصرخة المعدنية، يتردد صداه بين المباني المحطمة.

– "توقفوا! لا تفعلوا ذلك!" صرخت، أركض باتجاهه.

غريزتي أخذتني قبل أن أفكر. استخدمت تنفس الصوت: حاجز الصدى، موجة قوية من الهواء والاهتزازات ارتفعت بيننا، محميةً الرجل من الرصاص. الرصاصات ارتدت عن موجة الحماية وكأنها تصطدم بحاجز غير مرئي، وسقط بعضها على الأرض محدثة فوضى صغيرة من الشرر المعدني.

– "تعال معي، بسرعة!" أمسكت بذراعه، ودفعته بعيدًا عن الساحة.

ركضنا عبر الشوارع المدمرة، بقايا السرعوف تغطي الأرصفة بالأسود اللامع، والدخان يلتف حولنا كأفعى عمياء. أدرنا الزوايا بسرعة، وأنا أشعر بكل نبضة في صدري، كل خطوة علينا كانت تهددها الفوضى المحيطة بنا.

وصلنا إلى أحد المنازل في الضواحي، بناء قديم ومهجور، أبوابه متشققة والنوافذ مكسورة جزئيًا. دخلنا، أغمضت عيني للحظة، مستمتعًا بالهدوء النسبي بعد صخب المدينة، لكن لا ثقة يمكن أن تكون كاملة هنا.

الرجل، الذي عاد إلى شكله الطبيعي، جلس على الأرض متنهّدًا، كأن كل ما حدث لم يصدق أنه وقع. كانت يداه ترتعشان، عيناه تتطلعان إليّ بامتنان وخوف متداخلين.

– "من… من أنت؟ ولماذا ساعدتني؟" قال بصوت يختنق.

أردت أن أجيب، لكن لا كلمات يمكنها أن تصف ما نراه، ما نواجهه. كل ما استطعت فعله كان النظر إليه بعينين مليئتين بالإصرار:

– "لا وقت للحديث… عليك أن تختبئ الآن، وإلا ستكون أنت التالي."

رفعت يدي إلى السماء، استدعت مونو موجة خفية من المانا لتغلق الباب خلفنا، مشكّلة حاجزًا سحريًا يمنع أي متطفل من تتبعنا بسهولة.

هناك، في صمت المنزل المهجور، شعرت لأول مرة بأننا لم نعد وحدنا فقط ضد الوحوش… بل أمام شبكة من الفوضى التي تمتد من كتاب شمس المعارف، المليارديرات

كنت أعرف في قلبي أن هذه ليست النهاية. وأن ما بدأ بالسرعوف لن يبقى مجرد ذكرى… بل سيكون مجرد بداية جديدة لمواجهة أعنف من أي وقت مضى.

[منظور بابادوك]

الركض لم يكن مجرد حركة، بل كان صيحة صامتة وسط هذا الجحيم المنهار. جسدي الرمادي يمتص الصدمات، لكن عقلي كان يرتجف من وطأة ما أحمل: إليزابيث، المسكينة، ملفوفة حول ظهري كعبء حي، وفيرتشايلد خلفي، يلهث كالمنفاخ الهوائي، لكن صوته –يا للهول– لم يخبُ.

"إذاً، أيها العبقري السجين!" صرخت وأنا أقفز فوق كومة من الأنابيب المعدنية الملتوية. "كيف بالضبط نغلق هذا الصندوق البائس من الأشباح؟ كيف نهزم سلابي اللعين؟"

مسح فيرتشايلد نظاراته المتعرقة. صوته، رغم التشنج، كان يحمل حدة اليأس. "يجب أن نعيدهم إلى كتبهم! تلك هي اللعنة الوحيدة التي تسيطر عليهم. لكن سلابي شيطان. لن يترك لنا مفاتيح سجنه. لا بد أنه حرق الكتب، أو خبأها حيث لا تطالها أيدينا!"

توقفت، أنفاسي تتلاحق. "وهل سنجلس وننتظر أن يلتهمنا جيش من الحبر الأسود؟"

"لا!" قال، وعيناه خلف العدسات تعكسان وميضًا جامحًا. "لدينا حل واحد: يجب أن نصل إلى آلة كتابتي السحرية!"

"آلة كتابتك؟ وماذا ستفعل بها، تكتب رواية عن نهاية العالم؟"

"تقريباً." أكد بحماس مجنون. "سأكتب الكتاب الأخير. مجلد واحد ضخم يستوعب كل وحش أطلقه سلابي. سأختمهم جميعاً في صفحاته، لكن هذا يتطلب قوة الآلة الكاملة. يجب أن أتصل بها، واستغل الطاقة المخزنة فيها لتنفيذ الختم!"

رفعتُ حاجبيّ. خطة مجنونة، ولكنها الوحيدة التي سمعتها منطقية في هذه الفوضى. "حسناً، والمكان؟ أين تخبئ شركة الأدوية هذه أداة كتابة الكوابيس؟"

"في القبو. المليارديرات يجمعون كل الأشياء الخارقة ليبيعوها. أظن أنها في القبة السفلية، مكان التخزين الخاص بهم."

"والطريق؟"

"المصعد الزجاجي!"

عندما وصلنا إلى الردهة البيضاء، كان المصعد الزجاجي يبدو وكأنه نداء أخير للنجاة. دخلنا ثلاثتنا في صمت مشوب بالحذر، وضغط فيرتشايلد على الزر. بدأنا في الهبوط، تاركين وراءنا رائحة الخراب.

لكن ما إن عبرنا الطابق الذي تحتنا، حتى تحول الهبوط إلى كابوس معدني.

بدأ المصعد يهتز بعنف جنوني، صوت الصرير يمزق الزجاج، وكأن كيانًا ضخمًا ينهش في حبال الرفع. انبعث منه دخان أسود كثيف، وصوت فرقعة كهربائية عالية.

"ما هذا؟!" صرخت، متشبثًا باليد المعدنية للمصعد بينما ارتجفت إليزابيث على ظهري.

كان الهلع مرسوماً على وجه فيرتشايلد. "المصعد... لقد تعطل! شيء ما دمره جزئياً! لا يمكننا البقاء هنا، إنه فخ!"

توقف المصعد فجأة بـ دوي قوي ومؤلم، عالقًا في الظلام.

"إلى الخارج، الآن!" أمر فيرتشايلد.

ضغطتُ على مقبض الطوارئ. انفتحت الأبواب الزجاجية على فراغ من الأنقاض. خرجت أولاً، مستنشقاً هواءً حاراً وحامضياً، برائحة الوقود المحترق والحبر الأسود.

نظرت إلى المشهد أمامي، وتجمدت دقيقة كاملة.

لم يكن هذا طابقاً إدارياً؛ كانت منطقة حرب.

المكان كله كان جحيمًا مُحطَّمًا. الجدران ممزقة، أنابيب التهوية معلقة كأفاعي ميتة، والأضواء تومض في حالة صرع. لكن الأسوأ كان في المنتصف: حفرة ضخمة سوداء يرتفع منها دخان كثيف، محاطة بسائل أسود لزج – بقايا "رجل الثلج" اللعين.

"ماذا فعل هذا الشيء؟" تمتم فيرتشايلد، وهو يحدق في الحفرة.

"هذا ليس مجرد ضرر يا فيرتشايلد،" قلت، وصوتي يحمل ثقلاً باردًا. "هذا انفجار. انفجار حقيقي. يبدو أن أصدقائي مروا من هنا... أو ربما سبقهم شيء أسوأ."

أشرت بيدي إلى الحطام الذي يبتلع القبو. كان طريقنا إلى آلة الكاتب السحرية يمر عبر أطلال شركة أمبريلا كوربوريشن.

"إلى الأسفل، أيها الكاتب،" قلت، أعتدل وقفتي وأمسك بمظلتي ببراعة. "لندخل إلى حيث لا يجرؤ أي كابوس على الدخول." وبدأت بالتزحلق عبر الأنقاض، نحوالظلام المشتعل الذي يعد بأسرار أكثر جنوناً مما تخيلناه.

بعد هذا الانفجار، لم يعد الأمر يتعلق بمغامرة، بل بتحول إلى فيلم رعب من الدرجة الأولى. الزحف عبر هذا الأنقاض كان أشبه بعبور أحشاء وحش ميت. كانت رائحة الحبر والوقود تتشابك الآن مع رائحة المعدن الساخن والدم القديم – رائحة صدئة وخانقة تلوّث الهواء.

أنزلنا أنفسنا إلى الطابق المدمر، نتحرك عبر بقايا المختبر. كان الظلام يبتلعنا، تكسره فقط الومضات المتقطعة لأضواء الطوارئ المتبقية، التي كانت ترقص فوق الجدران الممزقة بخطوط من الظلال المشوهة. كنت أبحث عن أي ثغرة، أي سلم طوارئ، أي طريق ينزل بنا إلى قبو المليارديرات.

إليزابيث على ظهري كانت بالكاد واعية، تتشبث بي بصمت. أما فيرتشايلد، فقد أصبح أكثر حذرًا، يخطو على رؤوس أصابعه، عيناه تحدقان بحدة في الزوايا المظلمة.

"هذا المكان..." تمتم فيرتشايلد، صوته كالهسيس. "هذا المكان ليس جزءاً من المخبأ الذي رأيته. هذا جنون محض. ما الذي فعلوه هنا بحق السماء؟"

"لا أهتم بما فعلوه،" همست. "ما يهمني هو كيف نخرج من هنا. يجب أن يكون هناك طريق نحو الأسفل. الآلة تنتظر."

كانت الأرضية مغطاة بسائل أسود ومواد كيميائية مسكوبة، مما جعل خطواتنا لزجة ومحفوفة بالمخاطر. وفيما كنا نراوغ بين أجهزة المختبر المقلوبة وخزانات الغاز المفتوحة، التقطت حواسي شيئاً مختلفاً: صوت غريب.

لم يكن صوت صرير معدني أو سقوط حطام. كان صوت جرّ. احتكاك بطيء لجلد لزج على أرضية خشنة، مصحوبًا بـ نخر مكتوم، كحيوان يحاول أن يبلع شيئًا أكبر من فمه.

"فيرتشايلد." قلت، وأنا أثبّت إليزابيث جيدًا على ظهري وأمد يدي إلى مظلتي، وشعور الروتين القتالي المألوف يغمرني. "ما هذا الصوت؟"

لم يجب فيرتشايلد. لقد تجمد في مكانه.

التفتُّ نحو الظل، وشهدت المشهد الذي لم أكن أتوقعه في أسوأ كوابيس الرعب التي يكتبها هذا الرجل:

البشر الأحياء الأموات.

ظهروا من خلف رفوف محطمة. ليسوا وحوشاً ضخمة، بل رجالاً ونساءً يرتدون ملابس المختبر الملطخة، جلودهم رمادية باهتة ومجففة، وعروقهم منتفخة باللون الأسود الداكن. كانت حركتهم متشنجة وبطيئة، لكن عيونهم... كانت متوهجة بحمّى جوع لا تنطفئ، فمفتوحة بنخر شهواني.

ثلاثة... ثم خمسة... ثم عشرة...

في غضون ثوانٍ معدودة، كان الرواق القصير المتبقي مغطى بـ جوقة من الموتى السائرين، وكل واحد منهم يتحرك نحونا بخطوات بطيئة ولكن حتمية.

"ما هذا؟!" صرخ فيرتشايلد، وصوته يرتفع إلى نبرة هستيرية. "هل... هل هذا من إبداعاتك؟ هل نسيتَ أنك كتبت عن الزومبي في أحد كتبك الملعونة؟!"

"مستحيل! أقسم لك بآلتي!" صرخ فيرتشايلد، وهو يتراجع بخطوات سريعة. "لم أكتب في حياتي عن أي شيء... بشري يتحول إلى هذا! أنا أكتب عن وحوش خيالية، عن عفاريت الدمى، لا عن الـ... الموتى الأحياء!"

أدركت حينها. هذا ليس من مكتبة سلابي. هذا من أمبريلا كوربوريشن. هذه هي تجاربهم البيولوجية، التي أطلقها الانفجار أو حرارة المعركة.

"حسنًا يا سادة،" قلت، وبدأت الابتسامة المعتادة تتسع على وجهي، ابتسامة باردة ومجنونة. سحبت مظلتي الأنيقة من غمدها، وفتحتها بسرعة لتكشف عن نوازنها المعدني الحاد. "هذا شيء جديد تماماً. لا بأس. أنا أحب التجارب الجديدة."

اندفع أولهم نحوي ببطء مخيف وفم متسع. لم أضيع ثانية.

كان القتال ضجة من الفولاذ واللحم البالي. لم يكن الزومبي أعداء أقوياء؛ بل كانوا هشّين، تحركهم غريزة بدائية واحدة فقط.

رفعت المظلة، ونفذت مناورة سريعة وبدقة جراحية: شطب المظلة المزدوج.

صعد النصل الفضي للمظلة في قوس سريع، قاطعاً رأس الزومبي الأول بدقة مروعة. سقط الرأس على الأرض بـ ثَقْبَة رطبة، والجسد الباقي انهار بلا حراك.

كانت الضجة كافية لإثارة البقية.

"ابتعد عن طريقهم يا فيرتشايلد!" أمرت، بينما أدرت المظلة في يدي. كان الهجوم التالي موجة من ثلاثة زومبي متقاربين.

هنا، لم أعد بحاجة للقوة السحرية. كنت بحاجة إلى الأناقة والدقة.

تحركتُ مثل راقص باليه مجنون. انحنيت تحت قبضة واحدة، ودخلت المدى القريب من الثاني. دفعتُ مقبض المظلة في صدره –لم أكن أهتم بقلبه– ثم سحبتها بسرعة لأعلى وأنا أدور.

ضَرْبَة قاطعة، سريعة، ونهائية.

شَقْ رأس الثاني. شَقْ رأس الثالث. كانت رؤوسهم تتطاير كالبطيخ الناضج، تسقط وتتدحرج على الأرضية اللزجة.

في غضون عشر ثوان، كان الرواق مملوءاً بـ عشرة أجساد ممددة، ورؤوسهم مبعثرة بشكل مروع.

أعدت المظلة إلى وضعية الراحة، وتناثرت قطرات السائل الأسود والأحمر منها. نظرت إلى فيرتشايلد، الذي كان يرتجف خلفي.

"إذاً..." قلت، بصوت هادئ ومناسب لتناول الشاي. "الوحوش التي تطلق من الكتب، والآن الموتى السائرون. يجب أن أعترف، المليارديرات لديهم مجموعة متنوعة مثيرة للاهتمام."

"هذا... هذا جنون محض..." تمتم فيرتشايلد، ونظاراته تكاد تسقط من الرعب.

"الجنون الجيد هو ما نحن فيه يا صديقي." أشرت بيدي إلى فتحة صيانة مظلمة في الزاوية، بالكاد كانت مرئية. "هذا هو الطريق. الآن، لنتحرك قبل أن يستيقظ بقية الجيران."

الآن، يجب أن نغوص في الظلام، ونترك خلفنا الجثث التي لم يكتب عنها فيرتشايلد أبداً. كانت المغامرة تتحول إلى اختبار قاسي للبقاء، وأنا، بابادوك، كنت أحب هذه اللعبة القاتلة.

[منظور أكيهيكو]

الصوت الأول الذي استوعبته لم يكن الانفجار، بل الصمت. صمت ثقيل وموجع يعانق رأسي المرتطم. فتحت عينيّ ببطء، وشعرت أن كل خلية في جسدي تعرضت لصعق كهربائي مزدوج. آخر ما أتذكره كان وميضًا أبيض صارخًا، والارتفاع الجنوني لعمود الدخان، والقبضة المعدنية للضابط ليون على كتفي. ثم... يد صغيرة، قوية، سحبتنا من فوهة الجحيم.

كنت ملقىً على أرضية صخرية خشنة. الهواء هنا كان منعشاً بشكل غريب، يحمل رائحة التربة الرطبة بدلاً من الحبر والبارود. نهضت ببطء، أعتدل قامتي وأتأكد من أن "تنفس البرق" لا يزال يجري في عروقي.

لم نعد في المختبر. كنا على هضبة ضيقة، صغيرة ومناسبة للهبوط، تقع بجوار الهضبة الأكبر التي كانت تخفي المخبأ. ألقيت نظرة خلفي: من هناك، بدا المخبأ الضخم ككتلة صخرية سوداء، وفوقه كان عامود دخان أسود يرتفع عالياً، شاهدًا صامتًا على الكارثة.

ليون. كان ملقىً بجانبي. استيقظ الضابط الأشقر وهو يلهث بعنف، عيناه تتبعانني بحذر. كانت غريزته المهنية هي الأولى التي عملت؛ بدأ يتحسس جيبه بحثاً عن سلاحه المفقود.

"لا تفعل ذلك." قلت بهدوء، صوتي بارد كأصوات الرعد البعيدة. سحبت سيفي الفولاذي الأنيق ببطء من غمده، عاكسًا ضوء الشمس الخافتة على نصله الحاد. "لقد رأيت قوتي، أيها الجندي. رأيت ما فعلتهُ بالوحش في المختبر."

تقدمت نحوه خطوة واحدة، وثبتُ قدمي على الصخر. "أستطيع أن أقطعك إلى أشلاء في أقل من ثانية، قبل حتى أن تفتح عينيك تمامًا. لذا، لا تقم بأي شيء أحمق."

تراجع ليون، الرعب يحل محل الحذر في عينيه. قبضته تشنجت في الهواء الفارغ. "من أنت بحق الجحيم؟ وما هذا المكان؟"

وقبل أن أتمكن من الإجابة، جاء الصوت. صوت ينساب كأنه لحن طفولي، يكسر حدة التوتر ببهجة غريبة.

"مرحباً بكما في الهواء الطلق يا رفاق! آمل أن تكون رحلة الطيران المرتجلة هذه لم تكن مزعجة!"

التفتُ أنا وليون في اللحظة نفسها.

كان يقف خلفنا تماماً. الشاب القصير الأشقر، الذي كان يرتدي زي عامل النظافة، يبتسم ابتسامة ودودة وساذجة. كان يلوح لنا بيده ببهجة غير مناسبة أبداً للدمار الذي كنا فيه.

نظرت إليه، مستغربًا من هدوئه المطلق. لم يكن ليون مستغربًا فحسب؛ لقد كان مذهولًا؛ هل كان هذا الطفل هو من أنقذنا من الجحيم؟

تحرك الشاب فجأة. نزع قفازي العمل والكمامة القماشية. ثم سحب سترة عامل النظافة فوق رأسه، وكشف عن هيئته الكاملة.

كان مظهره كالصاعقة الأنيقة في هذا المكان القبيح.

شعره الأشقر الفوضوي كان يبرز منه خصلة بارزة إلى الأعلى، تتحدى الجاذبية. عيناه، كبيرتان وخضراوان بصفاء غير عادي، تمنحان وجهه مظهرًا بريئًا وودودًا بشكل مخيف. كان يرتدي قميصًا أبيض مرتبًا، مع ربطة عنق فضفاضة، فوقها سترة سوداء أنيقة.

لكن المثير للاهتمام كان ظهره. كان يحمل سلاحًا غريبًا يشبه العصا أو الخنجر المزخرف، بقبضة بنية ثقيلة وحزام ذهبي. كان سلاحًا لا يخص هذا العصر.

وقف أمامي، مبتسماً، ويده موضوعة بكسل على وسطه. الود في ملامحه كان يعطي انطباعًا عن شخصية شجاعة ومتهورة في آن واحد. رفع صوته الهادئ قليلاً، ليعلن اسمه كأنه إعلان لنفسه:

"أهلاً بكما. اسمي ميليوداس."

نظرت إليه، وشعرت بوخز بارد من القوة. هذا الفتى… كان قوياً بشكل لم أستطع تفسيره. ثم نظرت إلى ليون الذي كان يحدق فيه بعينين جاحظتين.

"حسناً يا ليون،" قلت، أعدت سيفي إلى غمده وأنا أحاول فك شفرة هذا اللغز. "على ما يبدو أن من أنقذك لم يكن وحشًا، بل مجرد طفل يرتدي ملابس أفضل. ميليوداس، هل أنت مستعد لتخبرنا بماذا حدث للتو؟"

أدركت أن الهدوء لم يكن يعني الأمان. بل كان يعني أن اللعبة قد بدأت للتو، وأن هذا الفتى الأشقر الغامض كان اللاعب الرئيسي فيها.

كان الصمت الذي أعقب إعلان "ميليوداس" هدوءً مريباً. وقفتُ أنا وليون، أحدهما مسلح بالشك والآخر بالواجب الحكومي، في مواجهة هذا الفتى الأشقر المبتسم الذي يبدو وكأنه خرج من قصة خرافية.

"ميليوداس،" قلت، محاولاً أن أجعل نبرتي محايدة قدر الإمكان. "قد يكون اسمك مثيراً للإعجاب، لكن هذا ليس وقت تبادل البطاقات. أخبرنا، لماذا أنت هنا؟ وكيف استطعت أن تسحبنا من قلب ذلك الانفجار النووي المصغر؟"

ابتسم ميليوداس بابتسامة واسعة، ورفع كتفيه ببراءة كاذبة. "حسنًا، بما أننا جميعاً في هذه الحفرة الملعونة، دعونا نتبادل الأسرار. لنبدأ بك أنت، أيها الشاب ذو السيف السريع."

شعرتُ بالضيق، لكنني أجبتُ بإيجاز. "كنتُ هنا مع صديقين للبحث عن رفيقنا، بليك إيثر. لقد تفارقنا في مكان ما في المخبأ... وآخر ما رأيته كان الانفجار الذي حطّم كل شيء. أنا لا أعرف ما هي أبعاد هذا المخبأ الآن، ولا أين هم بالضبط."

اتجهتُ بنظري نحو ليون، الضابط الذي بدا الآن متوتراً. "والآن دورك، أيها الجندي الأشقر. لماذا يرتدي الموظفون الحكوميون سترات واقية داخل مختبر سري؟"

تنفس ليون بعمق، وكأنه يلقي اعترافاً أخيراً. "أنا لست موظفًا عادياً. أنا عميل سري في وحدة مكافحة التهديد البيولوجي غير المصرح به. توقعاتك عن هذا المكان كانت صحيحة،" قال، وعيناه تعكسان إدراكاً مؤلماً. "لقد تسللتُ إلى مختبر أمبريلا كوربوريشن لأكشف ما يفعلونه، وما يخطط له رئيسهم، ليو تشنغ."

نظر ليون حوله نحو عمود الدخان، وتغير صوته ليصبح أكثر قسوة وحسماً. "لقد كنا محقين. إنهم يجرون تجارب محرمة. تجارب لصنع طفيليات بيولوجية تحوّل البشر إلى زومبي، أو ما هو أسوأ... أسلحة حية لا يمكن السيطرة عليها. هذا الانفجار الذي نجا منه للتو... لقد حطم السجون الحيوية. لا بد أن الكثير من الكيانات المصابة قد تسربت من سجونها في المستويات السفلية."

توجه ليون نحوي، وظهرت نبرة رجاء في صوته. "أنت... أنت لديك قوة خارقة. رأيتك تقتل ذلك المخلوق الجليدي. إذا وصلت هذه العدوى إلى شنغهاي، ستكون كارثة عالمية. نحتاج إليك الآن. يجب أن نعود إلى المخبأ ونوقفهم قبل أن يغرقوا المدينة في جائحة الموتى الأحياء."

شددتُ قبضة يدي. الفوضى تتسع. زومبي؟ هذا يتجاوز كوابيسنا السحرية. وافقتُ على مضض. "". أنا معك."

ثم تحولت الأعين إلى الفتى الأشقر الذي كان يراقبنا وكأننا نتبادل نكاتاً مدرسية.

"دورك الآن يا ميليوداس. لنكن صريحين، مظهرك يصرخ 'شخصية خيالية' وسط كل هذا العفن البيولوجي."

ضحك ميليوداس ضحكة عالية وبريئة، هزت خصلته البارزة. "أنا هنا في مهمة شخصية بسيطة. جئت لإنقاذ صديقتي، الفتاة المدعوة إليزابيث. خطفوها وحبسوها في مكان ما داخل هذا المخبأ الملعون لأسباب لا أفهمها تماماً."

وقف ميليوداس وقفة حاسمة، وظهرت عليه فجأة هالة من الجدية لم تتناسب مع مظهره.

"أقترح عليكم فريقاً ثلاثياً. أنتما تبحثان عن السلالم لوقف عدوى الموتى، وأنا أبحث عن إليزابيث. لكن يجب أن تعلموا..." توقف، وعيناه الخضراوان تحملقان فينا بحدة خارقة. "...أنا لست مجرد عامل نظافة محظوظ."

أشار إلى السلاح الغريب على ظهره، ثم نظر إلينا بابتسامة فخرية غريبة.

"أنا قوي جداً. أنا فارس خطيئة التنين، ميليوداس."

تجمد ليون، محاولاً استيعاب التناقض بين مظهره ولقبه المهيب. أما أنا، فأدركتُ أن هذا الصراع ليس صراعاً بين البشر والسحرة فقط؛ بل هو صراع يجذب شخصيات من أساطير مختلفة.

نظرتُ إلى هذا الفارس الغريب، ثم إلى الضابط الحكومي، وها أنا، أكيهيكو، طالب المدرسة الثانوية وفارس ، أنضم لتحالف لم أكن لأتصوره حتى في أكثر أحلامي جنوناً.

"حسناً يا فارس خطيئة التنين،" قلت ببرود. "أفضل ألا يكون سلاحك عصا للمسح. لدينا زومبي لنقتلهم، ولدي أصدقاء يجب أن أجدهم."

التحالف تشكّل على قمة هذا الجبل المدمر، وبدأنا رحلتنا للغوص مرة أخرى في قلب الجحيم.

2025/10/22 · 2 مشاهدة · 2709 كلمة
TOD18
نادي الروايات - 2025