كان كوخ الشفاءة إيلينا يقع على أطراف قرية حافة الرماد، منعزلاً قليلاً عن باقي الأكواخ. كان مبنيًا من الحجر الرمادي المحلي، لكنه كان مختلفًا عن باقي مباني القرية. فقد كانت جدرانه مغطاة بالنقوش الغريبة والرموز السحرية، وكانت نوافذه مزينة بالكريستالات الملونة التي تعكس ضوء الشمس بألوان قوس قزح. وكان الهواء حول الكوخ معطرًا برائحة الأعشاب والبخور.قاد جوران ماحي إلى هذا الكوخ، متبوعين بنظرات فضولية وقلقة من القرويين. كان ماحي يمشي بهدوء، عيناه السوداوان تتفحصان كل تفصيل في القرية، كأنه يحفظها في ذاكرته."الشفاءة إيلينا هي أكثر شخص حكمة في قريتنا،" شرح جوران وهو يطرق على الباب الخشبي المنقوش. "إنها تمتلك معرفة بالأعشاب والعلاجات، وبعض القدرات السحرية البسيطة. إذا كان هناك من يستطيع مساعدتك في استعادة ذاكرتك، فهي إيلينا."فُتح الباب ببطء، وظهرت امرأة في منتصف العمر ذات شعر أسود طويل متخلله خيوط فضية. كانت ترتدي ثوبًا أزرق داكنًا مطرزًا برموز فضية، وكانت عيناها الرماديتان حادتين ونافذتين. عندما وقع نظرها على ماحي، توقفت للحظة، وضاقت عيناها قليلاً."جوران،" قالت بصوت هادئ وعميق. "سمعت أنك وجدت ضيفًا غريبًا في سهول الرماد.""نعم، يا شفاءة،" أجاب جوران باحترام. "هذا ماحي. يبدو أنه فقد ذاكرته. لا يتذكر من هو أو كيف وصل إلى هنا."نظرت إيلينا بتمعن إلى ماحي، وللحظة، شعر ماحي بشيء غريب. شعر وكأن عينيها الرماديتين تخترقان قناعه، تنظران إلى ما هو أبعد من مظهره البشري، إلى حقيقة كيانه. شعر بالانزعاج، وللمرة الأولى، بالخطر."ادخلا،" قالت إيلينا أخيرًا، متنحية جانبًا.كان داخل الكوخ أكبر مما يوحي به مظهره الخارجي. كانت الغرفة الرئيسية مليئة بالرفوف المحملة بالأعشاب المجففة والجذور والكريستالات والكتب القديمة. كان هناك موقد في المنتصف، تتصاعد منه أبخرة عطرية من قدر معلق فوقه. وكانت هناك طاولة خشبية كبيرة عليها أدوات غريبة: سكاكين ذات نصول فضية، وأوعية زجاجية ملونة، ومدقات حجرية."اجلس هناك،" أشارت إيلينا إلى كرسي خشبي بجانب الموقد. "وأنت يا جوران، يمكنك الانتظار خارجًا. سأناديك عندما ننتهي."تردد جوران للحظة، ثم نظر إلى ماحي. "سأكون بالخارج إذا احتجت إلي."أومأ ماحي برأسه، محاولاً تقليد تعبير الامتنان الذي رآه على وجوه القرويين. "شكرًا لك، جوران. على كل شيء."بعد خروج جوران، أغلقت إيلينا الباب وتوجهت نحو الموقد. أخذت بعض الأعشاب من الرفوف وألقتها في القدر، مما أدى إلى تصاعد سحابة من البخار العطري."إذن،" قالت وهي تحرك محتويات القدر ببطء. "لا تتذكر من أنت.""لا،" أجاب ماحي ببساطة. "استيقظت في سهول الرماد، بلا ذكريات.""هممم،" همهمت إيلينا، وهي تنظر إليه من فوق القدر. "غريب أن تستيقظ هناك، في يوم اقتران الشمسين السوداوين."لاحظ ماحي أنها لم تسأل عن الظاهرة، بل ذكرتها كحقيقة معروفة. "هل هذه الظاهرة... مهمة؟" سأل، محاولاً الظهور بمظهر المرتبك.ابتسمت إيلينا ابتسامة غامضة. "اقتران الشمسين السوداوين هو ظاهرة نادرة تحدث مرة كل ألف عام. في التقاليد القديمة، يُعتقد أنها لحظة يضعف فيها الحاجز بين عالمنا والعوالم الأخرى. لحظة يمكن فيها للأشياء أن تعبر... في كلا الاتجاهين."أخذت إيلينا وعاءً صغيرًا من الطاولة وملأته بالسائل من القدر. ثم جلست على كرسي مقابل ماحي وقدمت له الوعاء."اشرب هذا،" قالت. "سيساعد في تهدئة عقلك وربما يحفز ذكرياتك."أخذ ماحي الوعاء وشمه بحذر. كانت رائحته غريبة، مزيجًا من الأعشاب الحلوة والمرة. لم يكن متأكدًا مما قد يفعله هذا المشروب به، لكنه أدرك أن رفضه قد يثير الشكوك. ببطء، رفع الوعاء إلى شفتيه وأخذ رشفة صغيرة.كان طعمه أغرب من رائحته، حارًا وباردًا في نفس الوقت، حلوًا ومرًا معًا. شعر بالسائل ينزلق في حلقه ويتسرب إلى جسده، ينتشر في أوصاله كموجة من الدفء."والآن،" قالت إيلينا، وهي تأخذ الوعاء منه وتضعه جانبًا. "دعنا نرى ما يمكننا اكتشافه."مدت يديها وأمسكت برأس ماحي، واضعة أصابعها على صدغيه. كانت أصابعها دافئة، وشعر ماحي بوخز خفيف حيث لامست بشرته."أغمض عينيك،" همست إيلينا. "واسترخِ."أغمض ماحي عينيه، لكنه لم يسترخِ. بدلاً من ذلك، شعر بشيء يحاول اختراق عقله، شيء ناعم ولطيف، لكنه مصر. كانت إيلينا تحاول استكشاف ذهنه، تبحث عن ذكريات لا وجود لها.في تلك اللحظة، اتخذ ماحي قرارًا سريعًا. بدلاً من محاولة صدها، سمح لها بالدخول، لكن إلى جزء محدود ومُعد مسبقًا من عقله. خلق فراغًا، ظلامًا، ارتباكًا، صورًا مشوشة لا معنى لها. خلق وهم فقدان الذاكرة.شعر بإيلينا تتحرك في هذا الفراغ، تبحث، تستكشف. وشعر بها تتراجع، محبطة ومرتبكة."غريب،" قالت وهي تسحب يديها. "عقلك... مختلف."فتح ماحي عينيه ونظر إليها بتعبير بريء. "مختلف؟ كيف؟"تجاهلت إيلينا سؤاله وسألت بدلاً من ذلك: "هل تتذكر أي شيء الآن؟ أي صور أو أصوات أو مشاعر؟"هز ماحي رأسه ببطء. "لا، فقط... ظلام. وشعور بالضياع."نظرت إليه إيلينا بتمعن، وكان هناك شيء في عينيها الرماديتين، شك، ربما خوف. "حسنًا،" قالت أخيرًا. "يبدو أن حالتك... معقدة. قد يستغرق الأمر وقتًا لاستعادة ذاكرتك، إذا كان ذلك ممكنًا على الإطلاق.""هل هذا يعني أنني قد لا أتذكر أبدًا من أنا؟" سأل ماحي، محاولاً إظهار القلق في صوته."من الممكن،" أجابت إيلينا بصدق. "لكن لا تفقد الأمل. أحيانًا تعود الذكريات تدريجيًا، مع مرور الوقت والتعرض لأشياء مألوفة."نهضت إيلينا وذهبت إلى أحد الرفوف، وأخذت زجاجة صغيرة مملوءة بسائل أزرق فاتح. "خذ هذا،" قالت وهي تعطيه الزجاجة. "قطرة واحدة في كوب من الماء قبل النوم. سيساعدك على النوم بهدوء ويهدئ عقلك."أخذ ماحي الزجاجة وأومأ برأسه بامتنان مصطنع. "شكرًا لك.""والآن،" قالت إيلينا وهي تتجه نحو الباب. "دعنا نجد لك مكانًا للإقامة. يمكنك البقاء في كوخ الضيوف القديم. إنه متواضع، لكنه سيوفر لك مأوى."فتحت الباب ونادت جوران، الذي كان ينتظر بالخارج بفارغ الصبر. "جوران، خذ ماحي إلى كوخ الضيوف وتأكد من أنه يحصل على ما يحتاجه.""بالتأكيد، يا شفاءة،" أجاب جوران. "هل اكتشفت أي شيء؟"نظرت إيلينا إلى ماحي، ثم إلى جوران. "حالته... غير عادية. سيحتاج إلى وقت ورعاية."بينما كان جوران يقود ماحي بعيدًا، استوقفته إيلينا. "ماحي،" قالت بصوت منخفض. "كن حذرًا. ليس كل ما هو مفقود يجب أن يُعثر عليه."نظر ماحي إليها، وللحظة، التقت عيناه السوداوان بعينيها الرماديتين. وفي تلك اللحظة، أدرك كلاهما شيئًا: كانت إيلينا تعلم أنه ليس ما يدعي أنه، وكان ماحي يعلم أنها تعلم."سأتذكر ذلك، يا شفاءة،" قال ماحي، وكانت هناك نبرة خفية في صوته، وعد أو تهديد.بينما كان يمشي مع جوران نحو كوخ الضيوف، كان عقل ماحي يعمل بسرعة. كانت إيلينا تشكل تهديدًا. كانت تشك فيه، وربما كانت تعرف أكثر مما تظهر. كان عليه التعامل معها، لكن ليس الآن. الآن، كان عليه أن يتعلم، أن يتكيف، أن يفهم هذا العالم وقواعده. وبعد ذلك، عندما يكون مستعدًا، سيتعامل مع إيلينا وأي شخص آخر يقف في طريقه نحو الكمال.كان كوخ الضيوف صغيرًا ومتواضعًا، يحتوي على غرفة واحدة بها سرير خشبي بسيط ومنضدة وكرسي. كانت هناك نافذة صغيرة تطل على سهول الرماد البعيدة."ليس فخمًا، لكنه سيفي بالغرض،" قال جوران وهو يشعل المصباح الزيتي المعلق على الحائط. "سأحضر لك بعض الطعام والملابس. هل تحتاج إلى أي شيء آخر؟""لا، هذا يكفي. شكرًا لك، جوران،" أجاب ماحي، وهو يجلس على حافة السرير. "أنت... لطيف جدًا."ابتسم جوران. "لا داعي للشكر. نحن نساعد بعضنا البعض هنا في حافة الرماد. عندما تستعيد قوتك، ربما يمكنك مساعدتنا في أعمال القرية.""بالتأكيد،" وافق ماحي. "سأفعل ما بوسعي."بعد أن غادر جوران، جلس ماحي وحيدًا في الكوخ الصغير. نظر من النافذة إلى سهول الرماد البعيدة، حيث ولد بالأمس فقط. شعر بالطاقة السحرية الخافتة في الهواء، وشعر برغبة قوية في امتصاصها، في جعلها جزءًا منه.لكنه كان يعلم أنه يجب أن يكون صبورًا. كان عليه أن يتعلم أولاً، أن يفهم هذا العالم وقواعده وسكانه. كان عليه أن يتقن فن التظاهر، فن الخداع. وبعد ذلك، عندما يكون مستعدًا، سيبدأ رحلته الحقيقية نحو الكمال.أخرج الزجاجة الصغيرة التي أعطته إياها إيلينا ونظر إليها في ضوء المصباح. كان السائل الأزرق يتلألأ بشكل غريب، كأنه يحتوي على نجوم صغيرة. فتح الزجاجة وشم محتواها. كانت الرائحة لطيفة، مهدئة.ثم، بحركة مفاجئة، سكب محتويات الزجاجة على الأرض. لم يكن بحاجة إلى مساعدة للنوم. لم يكن بحاجة إلى تهدئة عقله. كان عقله هادئًا بالفعل، هادئًا وباردًا ومركزًا على هدفه.استلقى على السرير، وأغمض عينيه السوداوين، لكنه لم ينم. بدلاً من ذلك، بدأ في التخطيط. خطط لكيفية التعلم من سكان هذه القرية، كيفية استغلالهم، وفي النهاية، كيفية التخلص منهم عندما لا يعودون مفيدين له.وفي الظلام، ابتسم ماحي ابتسامة باردة وخالية من أي دفء إنساني. كانت بداية جيدة. بداية رحلته نحو الكمال.