مرت أسابيع قليلة منذ وصول ماحي إلى قرية حافة الرماد. خلال هذه الفترة، استمر في لعب دور الضيف المفقود الذاكرة، بينما كان في الخفاء يمارس قدرته الفطرية على امتصاص الطاقة السحرية المحيطة به. كانت قوته تنمو ببطء، لكن بثبات، وكان يشعر بأن فهمه للسحر يتطور بشكل غريزي، حتى دون أي تعليم رسمي.كان قد أتقن معظم المهارات العملية التي يمكن للقرية أن تقدمها، من الصيد والحدادة إلى الزراعة والبناء، وكل ذلك بسرعة أذهلت القرويين وأثارت قلق الشفاءة إيلينا المتزايد. كانت ليرا، ابنة الخباز، قد أصبحت مفتونة به بشكل واضح، تزوره بانتظام، وتتحدث معه عن أحلامها ومخاوفها، غير مدركة أنها تكشف عن نقاط ضعفها لشخص لا يرى فيها سوى أداة محتملة.كان ماحي يشعر بالملل. كانت القرية محدودة للغاية بالنسبة لطموحاته المتنامية. كان بحاجة إلى معرفة حقيقية، إلى قوة حقيقية. كان بحاجة إلى السحر.ثم، في أحد الأيام المشمسة، وصل الساحر المتجول الذي كان ينتظره. كان اسمه فينياس، رجل في منتصف العمر ذو لحية بنية كثيفة ويرتدي عباءة زرقاء مرقعة مزينة برموز فلكية باهتة. وصل على عربة خشبية قديمة تجرها بغلة عنيدة، وكانت العربة مليئة بالصناديق والجرار والأدوات الغريبة.أحدث وصول فينياس ضجة في القرية الهادئة. تجمع القرويون حول عربته، متحمسين لرؤية البضائع الغريبة التي جلبها: تمائم للحظ السعيد، جرعات لعلاج الأمراض البسيطة، بلورات تتوهج بضوء خافت، وقصص عن المدن الكبيرة والمغامرات الخطيرة في الأراضي البعيدة.كان ماحي يراقب من بعيد، عيناه السوداوان تدرسان الساحر المتجول بعناية. لم يكن فينياس يبدو قويًا بشكل خاص. كانت هالته السحرية خافتة، وقدراته تبدو محدودة ومستعرضة أكثر منها حقيقية. لكنه كان يمتلك معرفة، معرفة بالعالم الخارجي، معرفة بالسحر. وهذا ما كان ماحي بحاجة إليه.في المساء، بعد أن باع فينياس معظم بضائعه البسيطة وتبادل القصص مع القرويين حول نار المخيم، انسحب إلى عربته لينام. كان هذا هو الوقت الذي اختاره ماحي للتحرك.تسلل من كوخه، مستخدمًا قدرته على الاندماج بالظلال ليتحرك دون أن يلاحظه أحد. اقترب من عربة فينياس بصمت، وشعر بالهالة السحرية الخافتة للساحر النائم في الداخل. كان هناك أيضًا شعور بوجود حماية سحرية بسيطة حول العربة، إنذار خافت مصمم لتنبيه الساحر من المتسللين.ابتسم ماحي ابتسامة باردة. كان هذا الإنذار ضعيفًا للغاية. مد يده ببطء، وركز، وامتص الطاقة التي تغذي الإنذار، مستنزفًا إياه بصمت حتى تلاشى تمامًا.فتح باب العربة بحذر ودخل. كان فينياس نائمًا بعمق، ورائحة النبيذ الرخيص تفوح منه. كانت العربة ضيقة ومليئة بالأشياء الغريبة: كتب ذات أغلفة جلدية مهترئة، جماجم حيوانات صغيرة، أعشاب مجففة معلقة في حزم، وزجاجات تحتوي على سوائل ملونة.بدأ ماحي بالبحث بهدوء، يتفحص الكتب والمخطوطات. كانت معظمها تحتوي على تعاويذ بسيطة، وصفات لجرعات عادية، وملاحظات حول تاريخ الممالك. لم يكن هناك شيء ذو قيمة حقيقية، لا شيء يكشف عن أسرار السحر العميق الذي كان يتوق إليه.شعر بخيبة أمل. هل كان هذا الساحر مجرد دجال؟ثم، تحت كومة من الخرق القديمة، وجد صندوقًا خشبيًا صغيرًا مقفلاً بقفل فضي. شعر بهالة سحرية أقوى تنبعث من الصندوق. حاول فتحه، لكن القفل كان محميًا بسحر أقوى من إنذار العربة. لم يستطع امتصاصه أو كسره بسهولة.في تلك اللحظة، بدأ فينياس بالتململ في نومه. أدرك ماحي أنه ليس لديه وقت. اتخذ قرارًا سريعًا وباردًا.اقترب من الساحر النائم، ومد يده فوق وجهه. لم يكن ينوي إيقاظه. ركز قوته المتنامية، القوة التي امتصها من البيئة المحيطة ومن الإنذارات السحرية، وشكلها في يده كخنجر من الظلام الصامت.ثم، بحركة سريعة وحاسمة، أغمد الخنجر غير المرئي في قلب الساحر النائم.لم يصدر فينياس أي صوت. ارتجف جسده للحظة، ثم سكن تمامًا. فتحت عيناه، لكنهما كانتا فارغتين، تحدقان في سقف العربة بلا حياة.وقف ماحي فوق الجثة، يشعر بالرضا البارد الذي يأتي مع إنجاز مهمة ضرورية. لم يشعر بالذنب أو الندم. كان فينياس مجرد عقبة، مجرد مصدر محتمل للمعلومات لم يعد له فائدة.لكن بعد ذلك، حدث شيء غير متوقع. بينما كان يقف فوق الجثة، شعر بتيار قوي من الطاقة يتدفق من جسد فينياس الميت إليه. لم تكن مجرد طاقة سحرية خام، بل كانت شيئًا أكثر تعقيدًا. كانت معرفة، ذكريات، ومشاعر.غمرت الصور والكلمات والأحاسيس عقل ماحي. رأى لمحات من حياة فينياس: طفولته في مدينة بعيدة، سنوات دراسته في أكاديمية سحر متواضعة، رحلاته عبر الممالك، آماله، مخاوفه، ندمه. تعلم تعاويذ فينياس البسيطة، وفهم مبادئ السحر الأساسية التي كان الساحر يعرفها. وشعر بصدى ضعيف لمشاعر فينياس الأخيرة: الارتباك، الخوف، الألم.كان الأمر مربكًا ومذهلاً في نفس الوقت. لقد امتص ليس فقط القوة السحرية المتبقية في جسد فينياس، بل امتص أيضًا جزءًا من جوهره، من معرفته، من ذكرياته.أدرك ماحي فجأة طبيعة قدرته الحقيقية. لم يكن مجرد امتصاص للطاقة السحرية. كان امتصاصًا للحياة نفسها، للمعرفة، للوجود. كان بإمكانه أن يأخذ كل شيء من أولئك الذين يقتلهم.كان هذا اكتشافًا هائلاً. لقد فتح أمامه إمكانيات لا حصر لها. لم يعد بحاجة إلى البحث عن المعرفة في الكتب والمخطوطات فقط. يمكنه أن يأخذها مباشرة من عقول الآخرين، من أرواحهم.كان هذا هو المفتاح الحقيقي للكمال.بسرعة، عاد إلى الصندوق الخشبي الصغير. الآن، بعد امتصاص معرفة فينياس، فهم كيفية عمل القفل السحري. تمتم بكلمات القوة التي تعلمها للتو، وشعر بالقفل ينفتح تحت لمسته.في الداخل، لم يجد مجوهرات أو ذهبًا. وجد كتابًا واحدًا صغيرًا، مجلدًا بالجلد الأسود، بدون عنوان. فتحه، وكانت الصفحات مليئة بالرموز الغريبة والرسوم التوضيحية المقلقة. لم تكن هذه لغة شائعة في أرتيريا، ولم تكن رموزًا سحرية معروفة. لكن بفضل المعرفة التي امتصها من فينياس، استطاع أن يفهم جزءًا صغيرًا منها.كان الكتاب يتحدث عن سحر الظل، عن كيفية التلاعب بالظلام، عن استدعاء كائنات من عوالم أخرى. كان يتحدث عن قوة تتجاوز بكثير السحر البسيط الذي كان فينياس يمارسه. كان هذا هو السحر المحرم الذي كان يبحث عنه.أخذ ماحي الكتاب وأغلق الصندوق. ثم نظر إلى جثة فينياس. كان عليه التخلص منها، وإخفاء أي أثر لجريمته.باستخدام المعرفة التي اكتسبها للتو، تمتم بتعويذة بسيطة، تعويذة تحلل بطيئة. بدأت جثة فينياس بالتحول إلى غبار رمادي ناعم، يمتزج مع غبار العربة القديمة. في غضون دقائق، لم يبق أي أثر للساحر المتجول.مسح ماحي أي بصمات قد يكون تركها، وأعاد كل شيء إلى مكانه، باستثناء الكتاب الصغير الذي أخفاه تحت عباءته. ثم خرج من العربة بهدوء، وأعاد تفعيل الإنذار السحري الواقي، مستخدمًا طاقة فينياس الممتصة.عاد إلى كوخه تحت جنح الظلام، وقلبه يخفق ليس بالخوف أو الإثارة، بل بالرضا البارد للمعرفة الجديدة والقوة المكتشفة. لقد قتل أول ضحية له بوعي كامل، واكتشف القدرة الحقيقية التي ستكون أداته الرئيسية في رحلته نحو الكمال.كان يعلم أن بقاءه في قرية حافة الرماد أصبح محفوفًا بالمخاطر. لقد قتل ساحرًا، حتى لو كان ضعيفًا. قد يبدأ الناس في طرح الأسئلة عندما لا يغادر فينياس في الصباح. وقد تزداد شكوك إيلينا.كان الوقت قد حان للمغادرة. كان عليه أن يجد مكانًا يمكنه فيه دراسة الكتاب الجديد بأمان، مكانًا يمكنه فيه تنمية قوته دون قيود. كان عليه أن يذهب إلى مدينة كبيرة، إلى أكاديمية سحر حقيقية، حيث يمكنه أن يتعلم المزيد، وأن يجد ضحايا جددًا يمتص منهم المعرفة والقوة.نظر إلى الكتاب الصغير المجلد بالجلد الأسود في ضوء القمر الخافت الذي تسلل من النافذة. كانت هذه هي البداية الحقيقية. بداية صعوده.وفي صباح اليوم التالي، عندما استيقظ القرويون ليجدوا أن عربة فينياس قد اختفت، افترضوا ببساطة أنه غادر في وقت مبكر من الليل، كما يفعل السحرة المتجولون غالبًا. لم يشك أحد في أن الساحر لم يغادر القرية أبدًا، وأن روحه ومعرفته أصبحتا الآن جزءًا من الضيف الغامض ذي العيون السوداء الفارغة.

2025/04/29 · 10 مشاهدة · 1121 كلمة
Abdelmalik
نادي الروايات - 2025