استغرقت رحلة ماحي عبر سهول الرماد والجبال المنخفضة التي تفصلها عن قلب مملكة تيراكرون عدة أيام. لم تكن رحلة سهلة بالمعايير البشرية العادية؛ فالأرض كانت قاحلة، والمياه شحيحة، والوحوش المفترسة تجوب البراري ليلاً. لكن بالنسبة لماحي، كانت مجرد تمرين على التحمل وفرصة لممارسة قدراته المتنامية.كان يسير بشكل أساسي في الليل، مستغلاً الظلام وقدرته على الاندماج بالظلال لتجنب أي مسافرين آخرين أو دوريات محتملة. كان ينام خلال النهار في الكهوف أو تحت الصخور الكبيرة، مستيقظًا فقط ليشرب قليلاً من الماء ويمضغ بعض اللحم المجفف الذي أعطاه إياه جوران. لم يكن يشعر بالتعب أو الجوع بنفس الطريقة التي يشعر بها البشر. كان جسده المشكل بشكل غريب يعمل بكفاءة باردة، مدعومًا بالطاقة السحرية الخافتة التي يمتصها باستمرار من البيئة المحيطة.خلال فترات الراحة النهارية، كان يدرس الكتاب المجلد بالجلد الأسود الذي أخذه من فينياس. كانت الرموز واللغة لا تزال غريبة وصعبة الفهم، حتى مع المعرفة الأساسية التي امتصها من الساحر المتجول. لكنه كان يتعلم بسرعة، يربط بين الرموز، ويفك شيفرة المعاني الخفية. بدأ يفهم أساسيات سحر الظل، وكيفية استدعاء الظلام وتشكيله، وكيفية التواصل مع الكائنات التي تسكنه. كانت معرفة خطيرة ومغرية، وشعر بأنها تتجاوب مع طبيعته العميقة.كلما اقترب من مدينة زارغوس، كلما شعر بالطاقة السحرية في الهواء تزداد قوة وكثافة. كانت المدينة، كعاصمة لمملكة تيراكرون القوية، مركزًا للنشاط السحري والتجاري والسياسي. شعر ماحي بالإثارة تنمو بداخله، إثارة المفترس الذي يقترب من أرض صيد غنية.أخيرًا، في أحد الأيام عند الغسق، رأى أسوار مدينة زارغوس تلوح في الأفق. كانت مدينة ضخمة، أكبر بكثير من أي شيء يمكن أن يتخيله بناءً على أوصاف القرويين المتواضعة. كانت أسوارها مبنية من الحجر الداكن، شاهقة ومنيعة، تتخللها أبراج مراقبة عالية. وفوق الأسوار، ارتفعت مباني المدينة نفسها، مزيجًا من الحجر والخشب، تتنافس على الارتفاع نحو السماء المظلمة.كانت البوابة الرئيسية للمدينة لا تزال مفتوحة، يتدفق منها وإليها سيل مستمر من الناس والعربات. حراس يرتدون دروعًا معدنية لامعة يقفون على جانبي البوابة، يفحصون القادمين والمغادرين بعيون متيقظة.أدرك ماحي أنه لا يمكنه الدخول بمظهره الحالي. كان لا يزال يرتدي العباءة الداكنة البسيطة التي حصل عليها في القرية، وكان مظهره العام يوحي بالفقر والتشرد. كان بحاجة إلى مظهر جديد، هوية جديدة، قناع جديد ليرتديه في هذه المدينة الكبيرة.انتظر حتى حل الظلام تمامًا، ثم اقترب من أحد الطرق الجانبية المؤدية إلى المدينة، طريق يستخدمه المزارعون والتجار الصغار. وجد مجموعة من المسافرين المتأخرين يستعدون لقضاء الليلة خارج الأسوار، حيث أن البوابات تغلق عند منتصف الليل.كان من بينهم تاجر قماش يبدو ميسور الحال، يرتدي ملابس جيدة ولديه عربة صغيرة مليئة بالبضائع. كان التاجر قد انفصل قليلاً عن بقية المجموعة، يتفقد حمولته للمرة الأخيرة قبل النوم.كانت هذه هي الفرصة التي ينتظرها ماحي. باستخدام قدرته على الاندماج بالظلال، اقترب من التاجر بصمت، كالشبح. لم يشعر به التاجر حتى أصبح ماحي خلفه تمامًا.لم يتردد ماحي. فعل ما فعله مع فينياس، مستخدمًا خنجر الظل الصامت لإنهاء حياة التاجر بسرعة وكفاءة. ثم، كما حدث من قبل، شعر بتدفق الطاقة والمعرفة والذكريات من جسد التاجر الميت إليه.امتص معرفة التاجر بالتجارة، بالأسعار، بالطرق، بالمدن الأخرى. امتص ذكرياته عن عائلته، عن حياته، عن آماله ومخاوفه. وامتص أيضًا محتويات محفظته الممتلئة بالعملات المعدنية.بسرعة، بدل ملابسه الممزقة بملابس التاجر الجيدة. كانت أكبر قليلاً من مقاسه، لكنها كانت أفضل بكثير من ملابسه السابقة. أخذ أيضًا عباءة التاجر الصوفية السميكة. ثم، باستخدام تعويذة التحلل التي تعلمها، تخلص من جثة التاجر وملابسه القديمة، ولم يترك أي أثر سوى بقعة صغيرة من الغبار الداكن على الأرض.الآن، كان لديه مظهر جديد، وهوية مؤقتة (تاجر قماش قادم من بلدة بعيدة)، وبعض المال ليبدأ به. اقترب من البوابة الرئيسية للمدينة بثقة مصطنعة، وانضم إلى طابور القادمين الذين ينتظرون الدخول قبل إغلاق البوابة."اسمك وغرض زيارتك؟" سأل الحارس بصرامة، وهو يفحص ماحي من أعلى إلى أسفل."اسمي... كالب،" قال ماحي، مستخدمًا اسمًا عشوائيًا من ذكريات التاجر الممتصة. "تاجر قماش من بلدة ريدجفيل. جئت إلى زارغوس لبيع بضائعي وشراء بعض الإمدادات."نظر الحارس إليه بشك للحظة، ثم أومأ برأسه. "حسنًا، ادخل. لكن لا تسبب أي مشاكل.""بالتأكيد،" أجاب ماحي بابتسامة ودودة مصطنعة، ودفع للحارس عملة نحاسية صغيرة كرشوة، كما تعلم من ذكريات التاجر.دخل ماحي عبر البوابة الضخمة إلى داخل مدينة زارغوس. كانت المدينة صاخبة ومزدحمة ومليئة بالحياة، حتى في هذا الوقت المتأخر من الليل. كانت الشوارع المرصوفة بالحجارة مضاءة بالمصابيح الزيتية المعلقة على الجدران، وكانت الحانات والمتاجر لا تزال مفتوحة، يتردد عليها خليط متنوع من البشر والأقزام وبعض الأجناس الأخرى.كان الهواء ثقيلًا برائحة الدخان والطعام والتوابل والعرق. وكانت الأصوات تصم الآذان: صرخات الباعة، ضحكات السكارى، قرقعة عجلات العربات، وصليل الأسلحة من الحراس والدوريات.شعر ماحي بحواسه تغمرها هذه الفوضى المنظمة. كان هذا مختلفًا تمامًا عن هدوء قرية حافة الرماد. كان هذا مكانًا مليئًا بالطاقة، بالقوة، بالفرص، وبالأخطار.كان بحاجة إلى مكان للإقامة، مكان يمكنه فيه التخطيط لخطوته التالية ودراسة كتابه الغامض بأمان. باستخدام معرفة التاجر الممتصة، توجه نحو منطقة في المدينة تعرف بـ "الحي السفلي"، وهي منطقة أرخص وأقل رقابة من الأحياء الراقية.وجد نزلًا متواضعًا ولكنه نظيفًا نسبيًا يدعى "العنقاء الصاعدة". استأجر غرفة صغيرة في الطابق العلوي، ودفع مقدمًا لعدة ليالٍ باستخدام أموال التاجر.بمجرد أن أصبح وحيدًا في غرفته، أغلق الباب وأسدله بالمزلاج. أخيرًا، استطاع أن يتنفس الصعداء، وأن يتخلى عن قناعه للحظة. نظر حوله في الغرفة الصغيرة: سرير، منضدة، كرسي، وحوض غسيل صغير. كانت متواضعة، لكنها كانت ملاذه المؤقت.أخرج الكتاب المجلد بالجلد الأسود ووضعه على المنضدة. ثم جلس على الكرسي، وأغمض عينيه، وبدأ في مراجعة كل ما حدث. لقد قتل شخصين الآن، وامتص حياتهما ومعرفتهما. لقد اكتشف قدرة مروعة وقوية بشكل لا يصدق. لقد وصل إلى مدينة كبيرة مليئة بالإمكانيات.كان هدفه التالي واضحًا: الانضمام إلى أكاديمية السحر الملكية في زارغوس. كانت الأكاديمية، كما علم من ذكريات فينياس والتاجر، المكان الذي يتم فيه تعليم السحر بشكل رسمي في مملكة تيراكرون. كانت تحتوي على مكتبة ضخمة مليئة بالمعرفة السحرية، وكان يدرس فيها بعض أقوى السحرة في المملكة.كان الانضمام إلى الأكاديمية هو الطريقة المثلى للحصول على المعرفة التي يحتاجها، ولصقل قدراته، وللعثور على ضحايا جدد أقوى وأكثر معرفة ليمتصهم. كما أنها ستوفر له غطاءً مثاليًا، هوية طالب سحر موهوب، تخفي طبيعته الحقيقية وأهدافه المظلمة.لكن كيف يمكن لشخص يدعي أنه تاجر قماش، وليس لديه أي خلفية سحرية معروفة، أن ينضم إلى الأكاديمية المرموقة؟كان عليه أن يجد طريقة لإظهار موهبة سحرية استثنائية، موهبة لا يمكن للأكاديمية تجاهلها. كان عليه أن يبني هوية جديدة، قصة جديدة، تبرر ظهوره المفاجئ وقدراته غير العادية.فكر في الأمر للحظة، ثم ابتسم ابتسامة باردة. لقد امتص للتو حياة تاجر قماش. ربما يمكن لهذا التاجر، "كالب من ريدجفيل"، أن يكتشف فجأة موهبة سحرية كامنة لديه بعد حادث مأساوي أو لقاء غامض في رحلته إلى زارغوس؟كانت قصة ضعيفة، لكنها قد تكون كافية إذا دعمها بإظهار قوة سحرية حقيقية ومثيرة للإعجاب. كان عليه أن يتدرب، أن يتقن بعض التعاويذ الأساسية من معرفة فينياس، وربما بعض التعاويذ الأكثر قتامة من كتابه الجديد. كان عليه أن يجد طريقة لجذب انتباه الأكاديمية.نظر من نافذة غرفته الصغيرة إلى أضواء مدينة زارغوس المتلألئة. كانت هذه المدينة مجرد بداية. كانت مجرد حجر آخر في طريقه نحو الكمال. وكان مستعدًا لسحق أي شيء أو أي شخص يقف في طريقه.

2025/05/01 · 7 مشاهدة · 1096 كلمة
Abdelmalik
نادي الروايات - 2025