في اليوم التالي لـ "حادثة الغول"، توجه ماحي، مرتديًا أفضل ما لديه من ملابس التاجر الممتصة ومسلحًا برسالة التوصية الحماسية من قائد حرس المدينة، نحو أكاديمية السحر الملكية في زارغوس. كانت الأكاديمية تقع في منطقة منفصلة ومرتفعة من المدينة، محاطة بأسوارها الخاصة وحدائقها الغامضة التي تهمس بالطاقة السحرية.كان المبنى الرئيسي للأكاديمية صرحًا مهيبًا من الحجر الأبيض والأسود، مزينًا بالأبراج الشاهقة والنوافذ الزجاجية الملونة التي تصور مشاهد من تاريخ السحر والأساطير. كانت الهالة السحرية المحيطة بالمكان قوية بشكل واضح، حتى أن ماحي شعر بوخز خفيف على بشرته وهو يقترب من البوابات البرونزية الضخمة المنقوشة بالرونزات الحامية.تردد الحراس عند البوابة في البداية عندما قدم نفسه كـ "كالب، تاجر قماش سابق يسعى للالتحاق بالأكاديمية". لكن عندما قدم رسالة التوصية من قائد الحرس، تغيرت نظراتهم من الشك إلى الاحترام الممزوج بالفضول. سمحوا له بالدخول وأرشدوه إلى مكتب القبول، وهو قاعة كبيرة ذات سقف مرتفع وجدران مبطنة بالكتب القديمة.استقبله هناك رجل عجوز نحيف ذو لحية بيضاء مشذبة ونظارات نصف دائرية تستقر على طرف أنفه. قدم نفسه باسم الأستاذ ثيرون، مسؤول القبول للطلاب الجدد."السيد كالب،" قال الأستاذ ثيرون بصوت جاف، وهو يقرأ رسالة قائد الحرس. "قصة مثيرة للاهتمام. هزيمة غول في ساحة السوق؟ ليس بالأمر الذي نسمع به كل يوم، خاصة من شخص يدعي أنه اكتشف قدراته السحرية للتو.""لم يكن الأمر سهلاً، يا أستاذ،" أجاب ماحي بتواضع مصطنع، وهو يخفض رأسه قليلاً. "لقد تصرفت بدافع الغريزة... والخوف. القوة التي شعرت بها كانت... مربكة. لهذا السبب أنا هنا. أحتاج إلى تعلم كيفية فهمها والتحكم بها."درس الأستاذ ثيرون ماحي بنظرة فاحصة. رأى شابًا يبدو عاديًا، وإن كان شاحبًا قليلاً، ويرتدي ملابس لا تليق بساحر. لكن كانت هناك شدة معينة في عينيه السوداوين، شيء يوحي بالإصرار، وربما بالظلام."عادة، لا نقبل طلابًا جددًا في هذا الوقت من العام،" قال الأستاذ ثيرون. "فترة التقديم والاختبارات الرسمية قد انتهت. لكن الظروف التي وصفتها، والقوة التي أظهرتها كما ورد في هذه الرسالة، تستدعي استثناءً. ومع ذلك، لا يمكننا قبولك بناءً على كلمة قائد الحرس وحدها. يجب أن تخضع لتقييم.""أنا مستعد لأي تقييم، يا أستاذ،" قال ماحي بحماس مصطنع. "أريد فقط فرصة للتعلم.""حسنًا،" أومأ الأستاذ ثيرون. "اتبعني."قاد الأستاذ ثيرون ماحي عبر ممرات الأكاديمية الطويلة والهادئة، التي كانت جدرانها مزينة باللوحات المتحركة والتحف السحرية المتوهجة. كان الطلاب والأساتذة يمرون بهم، يلقون نظرات فضولية على الوافد الجديد الغريب. شعر ماحي بالطاقة السحرية المركزة في المكان، وشعر بالمعرفة الهائلة المخزنة في هذه الجدران. شعر بأنه في المكان الصحيح.وصلوا أخيرًا إلى غرفة دائرية كبيرة ذات قبة زجاجية تكشف عن السماء. في وسط الغرفة، كانت هناك دائرة من الرونزات محفورة على الأرضية الحجرية. كان ينتظرهم هناك ساحرة في منتصف العمر ذات شعر أحمر ناري وملامح حادة، قدمت نفسها باسم الأستاذة إيلارا، متخصصة في تقييم القدرات السحرية."إذن، هذا هو بطل ساحة السوق؟" قالت الأستاذة إيلارا، وهي تنظر إلى ماحي بنظرة تقييمية باردة. "تبدو أقل إثارة للإعجاب مما توقعت.""المظاهر قد تكون خادعة، يا أستاذة،" رد ماحي بهدوء.ابتسمت الأستاذة إيلارا ابتسامة خافتة. "سنرى ذلك. قف في وسط الدائرة الرونية، من فضلك."فعل ماحي كما طُلب منه. بمجرد أن خطى إلى داخل الدائرة، شعر بالرونزات تتوهج بضوء أزرق خافت، وشعر بموجة من الطاقة السحرية تغمره، تفحصه، تقيمه."الدائرة تقيس إمكاناتك السحرية الخام وميلك للعناصر المختلفة،" شرحت الأستاذة إيلارا. "لا تحاول المقاومة، فقط اسمح للطاقة بالتدفق."لم يكن لدى ماحي أي نية للمقاومة. بدلاً من ذلك، فعل العكس. فتح نفسه للطاقة، وسمح لقوته الداخلية بالتجاوب معها. لكنه كان حذرًا. لم يكشف عن طبيعته المظلمة الحقيقية، ولا عن قدرته على امتصاص الحياة. بدلاً من ذلك، ركز على إظهار القوة النارية التي استخدمها ضد الغول، وجعلها تبدو كأنها موهبته الفطرية الأساسية.توهجت الرونزات المحيطة به بضوء أزرق أكثر كثافة، ثم بدأت تظهر فيها ومضات من اللون الأحمر والبرتقالي. اتسعت عينا الأستاذة إيلارا قليلاً."مثير للاهتمام،" تمتمت. "إمكانات خام قوية جدًا، وميل واضح لعنصر النار. لكن هناك... شيء آخر. عدم استقرار، ربما؟ أو قوة كامنة لم يتم إيقاظها بالكامل بعد؟""هذا يتوافق مع قصته،" قال الأستاذ ثيرون. "موهبة فطرية قوية استيقظت فجأة بسبب الصدمة.""ربما،" قالت الأستاذة إيلارا، وما زالت نظرتها مركزة على ماحي. "الآن، دعنا نرى ما يمكنك فعله بالفعل. أريدك أن تستدعي شعلة بسيطة في راحة يدك."كان هذا سهلاً. ركز ماحي، وتمتم بالكلمات التي تعلمها من فينياس، وظهرت شعلة صغيرة تتراقص في راحة يده."جيد،" أومأت الأستاذة إيلارا. "الآن، اجعلها أكبر. أكثر كثافة."صب ماحي المزيد من طاقته في الشعلة، وشاهدها تنمو وتصبح أكثر إشراقًا وحرارة، حتى أصبحت كرة نارية صغيرة تتوهج بقوة في يده. حرص على إظهار بعض الجهد، بعض عدم الاستقرار، ليبدو الأمر وكأنه يكافح للسيطرة على قوة جديدة عليه."ممتاز،" قالت الأستاذة إيلارا، وبدا عليها الإعجاب رغم محاولتها إخفاءه. "لديك سيطرة غريزية جيدة، حتى لو كانت القوة نفسها غير مستقرة. الآن، الاختبار الأخير. المعرفة النظرية."طرح عليه الأستاذ ثيرون سلسلة من الأسئلة حول تاريخ السحر، وأنواع العناصر، والمبادئ الأساسية للتعاويذ. كانت هذه هي اللحظة التي كان ماحي يستعد لها. باستخدام الذكريات والمعرفة التي امتصها من فينياس والتاجر، أجاب على الأسئلة بدقة مدهشة بالنسبة لشخص يدعي أنه لم يتلق أي تعليم سحري رسمي.كان يحرص على التردد قليلاً في بعض الأحيان، أو الإجابة بطريقة توحي بأنه يستدعي معرفة منسية أو غريزية، بدلاً من مجرد تلاوة حقائق محفوظة. كان يلعب دوره ببراعة.عندما انتهى الاختبار، تبادل الأستاذ ثيرون والأستاذة إيلارا النظرات. كان من الواضح أنهما منبهران."حسنًا، سيد كالب،" قال الأستاذ ثيرون أخيرًا. "لقد تجاوزت توقعاتنا. موهبتك الخام لا يمكن إنكارها، ومعرفتك النظرية الغريزية مثيرة للإعجاب. على الرغم من أن وضعك غير معتاد، قررنا منحك فرصة. سيتم قبولك في الأكاديمية الملكية كطالب مبتدئ.""شكرًا لكما، يا أستاذ ويا أستاذة!" قال ماحي، وهو ينحني بعمق، ويسمح لنفسه بإظهار لمسة من الارتياح الحقيقي الممزوج بالامتنان المصطنع. "أعدكما بأنني لن أخيب ظنكما.""نأمل ذلك،" قالت الأستاذة إيلارا. "سيتم تعيينك في مسكن الطلاب، وستبدأ دروسك غدًا. سيتم إعطاؤك جدولك الزمني وزيك الرسمي. مرحبًا بك في الأكاديمية الملكية للسحر."بينما كان يغادر غرفة التقييم، ويتبع مساعدًا شابًا ليأخذه إلى مسكنه الجديد، شعر ماحي بموجة من الانتصار البارد تغمره. لقد نجح. لقد اخترق حصون المعرفة والقوة هذه. لقد أصبح الآن طالبًا في أرقى أكاديمية سحر في المملكة.كانت الأكاديمية مكانًا شاسعًا، مليئًا بالطلاب من جميع الأعمار والخلفيات، وبالأساتذة الذين يمتلكون معرفة وقوة تفوق بكثير ما امتصه حتى الآن. كانت المكتبة، كما رأى لمحة منها، كنزًا دفينًا من الكتب والمخطوطات التي تنتظر من يكتشفها.كان هذا هو المكان المثالي له. مكان يمكنه فيه التعلم، والنمو، والتلاعب، والامتصاص. مكان يمكنه فيه بناء شبكة من الاتصالات، وتحديد الحلفاء المحتملين، والأهم من ذلك، تحديد الضحايا المستقبليين.نظر إلى الطلاب الآخرين الذين يمرون به في الممرات، ورأى فيهم ليس زملاء دراسة، بل مصادر محتملة للقوة والمعرفة. نظر إلى الأساتذة، ورأى فيهم تحديات يجب التغلب عليها، ومعرفة يجب امتلاكها.لقد فتحت أبواب الأكاديمية أمامه، ومعه، فتحت أبواب لا حصر لها لتحقيق هدفه النهائي: الكمال المطلق. ابتسم ماحي ابتسامة خفية وهو يسير في ممرات الأكاديمية المليئة بالسحر. كانت اللعبة قد بدأت للتو.