10 - التجرء على إهانة الجمال!

بعد الانتهاء من عمله المتمثل بتعديل ذكريات الفتاة تقدم سيل ليلتقط جسدها ويعيده إلى الحجرة ويغلقها كذلك بإرجاع الغبار إلى حالته السابقة.

خرج من الزنزانة وراقب باقي الزنزانات قليلاً قبل أن يُشيحَ ببصره بعيداً وهو يخطو خارج سجن الأبعاد ويخرج من الجدار خلف المكتب ويجلس على مقعده مجدداً.

لقد جلس هناك بهدوء لأكثر من ساعة بينما هو مغمض العينين ويبدو أنه في تفكيرٍ عميق ليقف من المقعد ويسير باتجاه الباب وليخرج من المكتب كذلك.

بعد السير لعشر دقائق تقريباً كان سيل قد خرج بالفعل من القاعدة وليقف خارج مدخل الكهف مباشرة. كان المنظر من على الجبل جميلاً ومذهلاً رغم أن مدخل الكهف لم يكن بذلك الارتفاع إلا أن مشهد الثلوج المتساقطة والأشجار العملاقة و الشمس المحجوبة بالغيوم الرمادية رسم مشهداً من البرودة والهدوء والسكينة.

تقدم سيل إلى الأمام قليلاً وأن حنا ممداً يده للمس الثلج الساقط على الأرض.

"«تغيير»"

ومع نطقه هذا تحولت الثلوج وجزء من الأرض في نطاق مترٍ مكعب إلى غبارٍ أبيض ذو لمعانٍ يبدو كالمعدن وهي تتجمع معاً لتشكل جسد طائرٍ لا يمكن وصفه إلا بالصقر وبمجرد تشكيل جسد هذا الصقر بالكامل تقدم سيل ووضع يده على رأسه المشكل حديثاً الذي لا يمكن وصفه إلا بأكثر الصقور جمالاً فَريشها الأبيض يعطي لمعاناً مذهلاً كما لو أن ما تراه لم يعد ريشاً بالاقسى المعادن وأكثرها حدة. لكن بقي جسده كما هو بارداً وهامداً بلا روح.

" [نظام ـ تجسيد الروح] "

وفور فعله هذا دبت الحياة في الصقر وفتح عينيه لينظر إلى سيل بنظرة تفاهم قبل أن يحرك جسده وينطلق إلى السماء محلقاً إلى من يعرف أين.

بينما من جهة أخرى عاد سيل إلى القاعدة ولكن هذه المرة لم يذهب إلى المكتب وإنما كانت غرفة نوم عادية المظهر هو المكان الذي ذهب إليه هذه المرة، إذ لم تحتوي هذه الغرفة على ايِّ تصميم مميز وليستلقي سيل على السرير بينما كان يتمتم." إن الخطوة الأولى المتمثلة بالوصول إلى أقرب مدينة بشرية جارية بالفعل وهي ليست بتلك الصعوبة لكن الإندماج معهم سيكون مزعجاً بعض الشيء لكن لا يهم فحتى لو فشل هذا وهو شبه مستحيل فلا يزالُ لدي العديد من الخطط الأخرى بالاعتبار. بأية حال، حان الوقت لأنام قليلاً بعد كل هذه الأحداث "

مغمضاً عينيه غطَ سيل في نومٍ عميق بينما في نفس الوقت ظهرت العديد من السلاسل الوهمية في الغرفة و لتحيط به كما لو كانت ستهاجم وتقيد ايَّ شيء قد يتجرء على الحركة داخل هذه الغرفة.

………

كانت الثلوج تتساقط ببطء وهدوء بينما الريح تعصف من حين إلى أخر ويمكن رؤية مجموعة مختلفة من الحيوانات من حين إلى أخر وهي تقاتل الطبيعة والحيوانات الأخرى لكسب طعامها بينما تحاول البقاء حيةً ليوم أخر وسط كل هذه الأشجار التي تشكل على ما يبدو غابةً من الأشجار التي لا حصر لها.

وفي الهواء في أعالي هذه الأشجار كان هناك شيء يومض بسرعة تقترب من سرعة الصوت وهو يناور بين هذه الأشجار وبعد الوصول بالقرب من نهاية هذه الغابة خفف من سرعته ببطء ولِيهبط أخيراً على غصن أحد الأشجار ولِيكشف عن شكله والذي لا يمكن القول عنه إلا أنه كان صقراً ذو مظهر رائع، فَجناحيه اللذان يمتدان لأكثر من متر وجسمه الذي كان مغطى بالريش الأبيض الثلجي الذي يبدو كما لو صنع من أجود أنواع الحرير والذي يجابه في صلابة أقسى أنواع المعادن إلم يكن يتخطاها بالفعل يخبر بالفعل عن روعة هذا الكائن.

كان هذا الصقر هو نفسه الذي صنعه سيل فلقد كان هذا الصقر يطير بالفعل لعدة أيام دون راحة وقد تجاوز بالفعل المنطقة التي تنتمي إلى عائلة الدببة منذُ اليوم الأول من بدأ رحلته وهو يتجه باتجاه الجنوب.

كانت رحلة الصقر في هذه الأيام سلسة للغاية فرغم وجود بعض المناطق التي تحتوي على الوحوش الجوية والأرضية التي كانت بقوة سيرا أو حتى أقوى إلا أن الصقر وبشكل عجيب كان يتجنب هذه الأماكن والوحوش مما جعل من هذه الرحلة سلسة ومن دون ايّ أحداث تهدد الحياة.

نظر الصقر باتجاه الأرض أمامه والتي كانت وبوضوح مختلفة عن التي خلفه فهي لآن عبارة عن سهول ثلجية تمتد على مد البصر ولا يمكن رؤية إلا بعض الشجيرات والنباتات ولا وجود للأشجار إلا في القليل النادر.

بعد الجلوس على الغصن والتحديق لبضعة دقائق رفرف الصقر بجناحيه وهو يحلق ويرتفع ببطء علياً السماء وليكمل رحلته هذه.

وبعد ساعات من التحليق المستمر وبينما كان في خضم التحليق في الجو ظهر في رؤية الصقر ما لا يمكن أن يطلق عليه إلى بالمَدينة وعيناه تلمع ببريق من الجدية والتوقع وهو يسرع من تحليقه ناحيتها.

كانت هذه المدينة مدينة متوسطة الحجم تقريباً ويحطها سور بارتفاع حوالي العشرين متراً من الحجارة الشبيه بالجرانيت والتي كانت رمادية اللون. كان للمدينة بوابتان فقط يحرسها العديد من الحراس الذين يمسكون إما بالسيوف ،الرماح أو الأقواس.كانت البوابتان تقعان واحدة في الشمال الشرقي في نفس اتجاه الغابة وواحدة أخرى في الجنوب وهي الأكثر إكتضاضاً فالكثير من العربات التي تجرها وحوش (حيوانات) تشبه الخيول في مظهرها تدخل وتخرج منها فضلاً عن الأشخاص الذين يسيرون على الأقدام.

في الأعالي وعلى ارتفاع أكثر من ألفي متر فوق المدينة كان الصقر يرفرف بجناحه وليفعل ما لا يمكن وصفه إلا بالمستحيل .

" [بروتوكول التمويه]"

خرج الصوت من منقار الصقر ولينطق ويتكلم بهذه الكلمات وليختفي جسده تماماً وحتى وجوده هو كذلك لم يعد له ايَّ أثر. توقف الصقر عن الرفرفة بجناحيه وليسقط سقوطاً حراً باتجاه المدينة تحته وبعد عشر ثواني من السقوط فردَ جناحيه ليخفف من سقوطه ويهبط ببطء على أسطح أحد المباني في المدينة بينما كان لا يزال مخفياً عن أنظار الجميع.

"كما هو متوقع الجنس الذي يعيش هنا هو الجنس البشري . المباني هنا منتظمة للغاية وليست عشوائية ، الشوارع نظيفة و الناس يبدون نظامين كذلك. كما أن الأشخاص هنا يبدون أكثر صحة وحيوية ربما بسبب تلك الطاقة. لكن لا يزالُ الأمر يحتاج إلى المزيد من البحث للحصول على نتيجة مؤكدة ولذلك… ". كان الصقر يتحدث إلى نفسه بصوت خافت بينما يديرُ رأسه وعيناه مُركِزَتان وهو يبحث حوله عن شيءٍ ما.

" وجدتك! " حرك الصقر جناحيه بإثارة طفيفة وهو يطير إلى زقاقٍ منعزل وقريب نسبياً والذي كان يحتوي على أربعة فتية يضربون فتى آخر و ليهبط الصقر على عدة أمتار وهو يشاهد هذا المشهد بتسلية وأفكاره كبئرٍ لا قعر له.

لم يكن ايٌّ من هؤلاء الفتية يتكلم بايِّ كلمة وكل ما يمكن سماعه هو أنين الفتى وصوت الضربات التي تسقط على جسده. وبعد ضرب الفتى لبضعة دقائق أخرى توقفوا أخيراً وليتقدم أحدهم ويرفع رأس الفتى المتورم من شعره بيده ويقربه منه وهو ينطق اخيراً.

" ديل الصغير،لا تأخذ هذا على محملٍ شخصي. فلقد كان هذا بأمر الرئيس شخصياً لذلك فقط فلتنسى الأمر وتجد لنفسكَ زاويةً وتلعق جراحك فيها " وبعد انتهاء الفتى من 'نصيحته' ترك رأسه وركله ركلةً اخيرة قبل أن يستدير ويومئ للثلاثة الآخرين و ليخرجوا من الزقاق بتزامن.

"لماذا!؟"

ولكن قبل يغادروا الزقاق بقليل رن صوت الفتى الهش والمليء بالألم باتجاه الأربعة و ليتوقف الشخص الذي قدم 'النصيحة' قليلاً قبل أن يكمل مسيره ، ودون أن يدير رأسه أجاب بهدوء.

"هذا لأنك تمتلكُ ' شيءً ' لا تستحقُ امتلاكهُ"

وبهذه الجملة الأخيرة غادروا رؤية الفتى و الذي لم يستطع الحفاظ على نفسه أكثر من ذلك ويفقد وعيه تماماً.

"جميل. جميلٌ للغاية وهناك من قال أن الحياة مملة لكن بوجود البشر هل للملل وجودٌ حتى!؟" بعد بضع ثواني من فقدان الفتى لوعيه رن صوتٌ طفولي و بنبرة يملأها الازدراء. كانت قادمة من المكان الذي هبط فيه الصقر ولكن لا الصوت ولا صاحبه يبدو ذي صلةٍ بذلك الصقر. فالصوت قادم من طفل صغير يبدو من جسده أنه لم يبلغ السابعة بعد. بشعرٍ أبيض قصير وعيون زرقاء مذهل وملابس بسيطة لكنها تليق به تماماً هذا الطفل كانت ملامحه تحمل تشابهاً غريباً مع سيل ومع ربط هذه النقاط معاً كان من الواضح أن الطفل ماهو إلا الصقر نفسه لكن بعد تحولهِ والذي يمثل أحد الأنا الأخرى.

تقدم سيل الصغير (الطفل) إلى الفتى الملقى على الأرض وأمسك به من ملابسه من جهة ظهره ليسحبهُ ببطء ولكن بثبات باتجاه الجدارٍ على اليسار من الزقاق ليتوقف على أقل من مترٍ أمامه.

"«سجن الأبعاد»" وبنطقهِ هذا أكمل سيل الصغير مسيرهُ حاملاً الفتى معه ومخترقاً الجدار كما لو كان وهماً.

داخل سجن الأبعاد كان المكان خاوياً ولم يحتوي على ايّ من الحجرات الإثنى عشر وجميع الزنزانات كانت فارغة ما عدا واحدة حيث كان الفتى مقيداً بأربعةٍ من سلاسل الوجود وهو مستلقٍ على الجدار بينما كان سيل الصغير بالقرب منه يشاهد شاشة مزرقة تعرضُ معلومات عن الفتى بعد استخدامه لـ [نظام - التحليل المتكامل] والتي كانت كالأتي:

1_ ذكريات الجسد( تحميل- عرض -تعديل)

2_ ذكريات الروح( تحميل -عرض -تعديل)

3_ مواصفات الروح( عرض -تعديل)

4_ مواصفات الجسد(عرض -تعديل)

5_ إلغاء التفعيل

لقد سبق وأن أطلع سيل الصغير على كل من ذكريات الجسد والروح وحصل على فهم أفضل لهذا الكوكب (العالم) المسمى بريڤا و بعض المعلومات العامة ومع ذلك لم تكن بهذا التفصيل. لكن على الأقل لن يكون في وضع غير مؤاتِ عندما يحاول الاختلاط مع البشر هنا.

لقد كان من بين الذكريات التي حصل عليها ذكريات تحتوي على الأحداث الأخيرة التي مرَ بها الفتى ومنها استطاع استنتاج السبب الذي ضُرِبَ الفتى لأجلهِ ، والذي كان لمتلاكه موهبة سحرية مذهلة وذكائاً عالياً فضلاً عن مواهبه الأخرى و لقولها بطريقة بسيطة فلقد كان عبقرياً على الأقل في هذه المدينة ،لكنه لم يأتي إلا من عائلة عادية في هذه المدينة وتسبب في غيرة وحسد عدد من زملائه الذين كان من بينهم طبقة من النبلاء والمتنفذين مما تسبب بدوره بالوضع الحالي للفتى.

ضغط سيل الصغير على 'عرض' لمواصفات الجسد والروح على التوالي وبسرعة و لتتغييرَ محتويات الشاشة لتصبح كالأتي:

_ الأسم: ديل مكرين.

_العمر: 15 عاماً وثمان أشهر و 12 يوماً.

_ الصفات العامة: ذا وجه جميل نوعاً ما،له جسد صغير بالنسبة لسنه، رقيق القلب، ذكي ،فطن ، يتمتع بمواهب متعددة كالرسم والنحت ، يمتلك موهبة سحرية لكن لا يمكن قياسها بدقة نظراً لنقص المعلومات.

_ الخبرات قتالية: لا يوجد

_ التفردات الجسدية (شذوذ): يحوي نسبة عالية من طاقة المانا (اسم عام) ولذلك كل من عمر، حيوية ، صلابة ومرونة الجسم هي أكثر وأفضل من البشر الذي تم فحصهم سابقاً.

_ المميزات: روح قوية نسبياً، هاله حظ منخفضة المستوى (طبقاً للتحليل والمعطيات التي تم تحصيلها من السجين رقم 12).

_ ملاحظة: مصاب بالعديد من الكدمات والرضوض نتيجةً لتعرضه لضرب المُبرح فضلاً عن فقدانه الوعي لذلك يرجى شفاؤه بأسرع وقت ممكن لتجنب الأسوء.

_ رجوع

_ إلغاء التفعيل

تفكر سيل الصغير لبره وهو يقرأ محتويات الشاشة بتمعن قبل أن يضغط على 'إلغاء التفعيل' و لِتختفي الشاشةُ كذلك.

" كما هو متوقع من شخص بهالة الحظ، لا يمكن التخلص منه بهذه السهولة. بأية حالٍ فأنت محظوظٌ حقاً يا فتى فلن أعالج جروحك فقط لكني سأهديك هدية خاص لكَ فقط لتعاونك الجيد معي "

تقدم سيل الصغير إلى الأمام ووضع يده على الفتى المدعو بديل مكرين.

"[بروتوكول التغيير]"

التأمت جميع جروح ديل تماماً مع حدوث بعض التغيرات الغير محسوس في روحه وجسده وعقله فلقد كانت الهدية التي قصد سيل الصغير اهدائها إياه وما قد يكون القيد الوحيد لأول وحشٍ صنعه سيل في هذا العالم.

وبعد إنهاء عمله مع الفتى سحبه مجدداً ليعيده للزقاق خارج سجن الأبعاد وتركه في زاوية غير ظاهرة نسبياً.

نشط سيل الصغير بروتوكول التمويه مجدداً رغم أن هذه المرة كان يفعل ذلك بجسده الصغير هذا وليسير خارج الزقاق وناحية الشارع الرأسي وهو يتجول باحثاً عن مبنى معين كان قد ذُكر في ذكريات ديل والذي استطاع اجاده بعد أقل من ساعة .

كان الجسد الصغير لسيل يقف أمام مبنى يذكرنى بالكاتدرائية على الأرض لكن هذه لم تكن كذلك حقاً وإنما كان مبنى لرعاية الأيتام وكان كذلك الوحيد في هذه المدينة.

عندما وصل سيل الصغير إلى بوابة المبنى كان وقت الغروب بالفعل والشمس تكاد تختفي من نظره لذلك إنتظر لساعة أخرى لفعل ما جاء من أجله والذي كان الليل أفضل وقتٍ لفعله.

بينما كان ينتظر حلول الليل سلا سيل نفسه بقراءة لوحات المتاجر القريبة والإعلانات والملصقة على الجدران ورغم كونها بلغةٍ جديدة لم يألفها من قبل فلقد إستطاع قرائتها بسلاسة فهو مشابه لقدرته على فهم لغة الدببة سابقاً و كلام الفتى أنفاً والذي يرجع لكونه قد سبق وكسر كلَ القيود التي كانت تقيده. فالشخص الذي حطم القيود بمستوى القدر والوجود هل سيقف أمامه قيد بمستوى اللغة؟ والجواب بالتأكيدِ لا ، ولا كبيرة في ذلك.

…..…

حل الليل بسرعة بينما وقف سيل بالقرب من البوابة المغلقة للميتم وهو يحدق في السماء مشاهداً النجوم بذهول وفقط بعد أكثر من عشر دقائق خرج من حالته تلك وهو يحدق في الحارس الذي كان يبتعد نحو بيت الحراسة الذي لم يكن بعيداً عن البوابة سوى عشرة أمتار و دخوله إياها لتناوله لعشائه.

"[نظام - تجسد الروح- تناسخ]!"

متلفظاً بذلك وواضعاً يده على صدره ، لمع ضوءٌ أبيضٌ لبرهٍ فقط ليحل مكانه سلة صغيرة تحمل رضيعاً بشعرٍ أبيض كالثلج وعيون زرقاء كالسماء ومربوطاً معها بطاقة اسم كتب عليها ' أورِن ' والذي كان مكتوباً بلغة البشر في هذا الكوكب.

بعد خمسة عشر دقيقة عاد الحارس بعد انتهائه من تناول عشائه إلى البوابة. والذي كان رجلاً في الأربعين من عمره ،متوسط المظهر بملامح حادة ويحمل سيفاً على خصره.

"آه ، ها هو طفلٌ مسكنٌ أخر تخلى عنه والداه، أتسائل إلى أين ستصل بنا هذه الدُنيا حتى ترضى؟" فور رؤية السلة التي تحمل الرضيع تهندَ الحارسُ برثاء بينما مدَ يده ليفتح البوابة ويُدخل الطفل الرضيع قبل أن يموت متجمداً في هذه الليلة الباردة.

"اللعنة. كيف بحق الجحيم هناك من في عقله السليم والذي سيتخلى عن مثل هذا الرضيع الجميل!" بالنظر إلى ملامح الرضيع لم يستطع الحارس إلا اللعن بينما لم يستطع إلا إكمال حديثه متعجباً.

" حتى لو كان تقاربهُ مع المانَا منعدماً، فقط مع وجهه هذا الذي بمجرد أن ينمو سيكون تحطيم المدن والبلدان أقل ما يقال عنه، يمكنني أن أعيشَ حياتي كلها سعيداً بمشاهدته يكبرُ أمامي دون غمٍ أو لوم وأنا ممتن للخالق على هذه النعمة!" زاد تعجب الحارس كلما فكر في الأمر بينما يلعن في داخله من تخلى عن هكذا جمالٍ دون قلب.

" بطبع لا يحق للعزاب مثلي أن يحكم على صعوبة الإحتفاظِ بطفلٍ وتربيته لكن من الواضح من شكله أن والديه ليسا من العامة على الرغم من أنني لم أرى أو أسمع عن عائلة تتصف بهذه الملامح الخلابة في المدينة. هل يعقل أنه إبنٌ لعائلة نبيلة من خارج المدينة؟ " كان الحارس قريباً بالفعل من الباب الداخلي للميتم عندما فتح الباب لتخرج منه فتاة في العشرينات من عمرها وذات جمال ليس بالمذهل لكنه أكثر من مقبول و لتقطع حبل أفكار الحارس بصوتها الرنان.

"هاي لِيڤان ما الذي تحمله وأنتَ تتمتم شارداً هكذا؟" كان صوت الفتاة يحمل في طياته لحناً من التسائل والقليل من الإستياء.

"هاه؟، إذن هي جنجر الصغيرة. لا تقلقي إنه فقط شيء صغير. انظري وأعطيني رأيكِ فيهِ" أشار ليڤان إلى السلة التي يحملها وهو يقربها منها لترى ما بداخلها.

"هذا…" عند رؤية ما في داخل السلة تفاجئتْ جنجر بكلْ من الرضيع وجماله وهي لا تعرف ما تقول للحظة قبل أن تعيد نظرها إلى ليڤان.

" وتسمي هذا بشيء صغير. أنتَ كيف تجرء… كيف تجرأتَ على عدم احترام هذا الجمال هكذا وحتى مناداته بشيء صغير هاه!؟" كان الغضب واضحاً في صوتها وهي توبخ الحارس المسكين الذي لم يعرف كيف يردُ حتى.

" لا داعي لكَ لتبرير ايِّ شيء. فقط فلتذهب لعملك ولا تتكاسل هكذا أمامي وإلا أخبرت المديرة عن تكاسلك.همف!" لم تعطي جنجر لليڤان حتى المجال ليستَجمع نفسه قبل ضربه بالضربة القاضية مُهددةً إياه بالإبلاغ عنه وتستدير داخلةً الميتم وهي تحمل الرضيع بين أحضانها تاركة ليڤان متجذراً في مكانه لا يعرف هل يضحك أم يبكي وهو ينظرُ للسلة الفارغ في يده.

' آه. كيفَ نسيتُ طبيعتها الغريبة بالمبالغة في تقدير الجمال؟ ' مفكراً بما حدث لم يستطع ليڤان إلا أن يتهد في داخله بينما يسر عائداً إلى عمله. رغم أنه لم يستطع إلا البقاء مستميداً بتَخيلاته حول أصل الرضيع ومن هما أبواه ولم قد يتخلون عنه هكذا ، لكن لم ولن يستطيع ولا حتى في أعنف أحلامه تخيل ما هي الحقيقة حقاً…

،

2022/03/31 · 84 مشاهدة · 2490 كلمة
-_-Dlela
نادي الروايات - 2025