كان سِيَلْ يسير على مهل بينما هو في الممر الذي يفصل جانبي السجن ليتوقف امام الزنزانة التي تحمل الرقم واحد.فتح باب الزنزانة وهو يتجه إلى الحجرة ويتلمس الجزء العلوي منها ، إذ لم تمتلك هذه الحجرات ايَّ فتحات فهي مغلفة تماماً ولينقر عليها برفق بينما يتمتم ويحوله إلى غبارٍ من المعدن وفي نفس الوقت تظهر ثلاثة من سلاسل الوجود لتقيد الكائن في الداخل.

"بفتت" عند رؤية الشخصية داخل الحجرة وهي تتكشف لم يستطع سِيَلْ إلا الضحك بصمت بوجه يبدو كما لو كان يتذكرُ أكثر لحظاته إضحاكاً. وكلما تمعن سِيَلْ في النظر زادت رغبته بالضحك أكثر لكن سرعان ما استعاد نفسه وينقل الجسد ويسنده على حائط الزنزانة.

كان المشهد داخل الزنزانة يحمل جواّ من الغرابة التي تحتوي شخصين لا أكثر.

رجل لا يبدو أنه يتجاوز الثامنة عشر من عمره بشعر أرجواني ووجهٍ بملامحٍ لا تنسى تملأه الرغبة الشديدة بالضحك لدرجة تشوه معالم وجهه رغم ذلك كان يقمع رغبته في الضحك كما لو كان ينتظر الوقت المناسب للإفراج عنها دفعة واحدة. يقابله فتاة تشابه في العمر والجمال مستلقية على ظهرها و لتسند نفسها بالجدار خلفها و يقيدها إثنان فقط من السلاسل الوهمية.

لقد كانت هذه الفتاة قد بدأت بالفعل بالاستيقاظ وفور فتحها لعينها ما قابلته نظراتها المرتبكة والمتسائلة هو الوجه الضاحك لسِيَلْ الذي لم يعد يمنع ضحكاته من الرنين بعد الآن.

"وغد!ألم تنتهي بعد؟!"وبعد دقيقة من ضحكه المستمر تردد صوت الفتاة الغاضب.

"هاي كال لم أنتَ بهذا الإستعجال؟ لقد مضى عدة عشرات من السنين منذُ أخر مرة ضحكت فيها هكذا ، لتبدد فرحي بالقائك بهذه السرعة إنك لَناكرٌ للجميلِ بحق" رد سِيَلْ على الصراخ الغاضب للفتاة بتسلية وهو يمسح دموع الفرح من عينيه،لكن ما كان غريباً هو مخاطبة الفتاة كالذكر والإسم الذي ناداها به والذي لا يناسبها بوضوح.

"عليك اللعنة!، لقد أخبرتك ألف مرة من قبل ألا تنادي بذلك مجدداً،لم تحب تعذيبي هكذا؟ لم أعد رجلاً,لا في الجسد ، لا في العقل ولا حتى بالروح! وأنت أكثر من يعلم هذا ، ولقد فعلت كل ما في وسعي لتعويض ما فعلته بك. إذن لم لا تسمح لي بالراحة ولو قليلاً!؟" رن صوت الفتاة و ليتخلخله العذاب والغضب المقنع.

" هدأ من روعك حسناً؟ ،لم أوقظكَ لتصرخ في وجهي هكذا ، وبعيداً عن المزاح لقد أرت أن أسألكَ سؤالاً مهماً فهل أنتَ على إستعدادٍ لسماعي؟" تدريجياً ذهبت تلك النغمة اللعوبة من صوته و ليتحول تعبيره إلى جاد وهو يحدق في الفتاة أمامه.

"بالتأكيد وهل لي لخيارٌ غير ذلك؟" ردت الفتاة بستسلام .

"جيد،إذن سؤالي هو هل أنتَ على إستعداد 'للعمل' لدي من جديد؟ بطبع إذا أردت يمكن أن أفعل لك إستثناء لتكون رجلاً هذه المرة " كان صوت وتعبير سِيَلْ جاد تماماً لكن من يعرف الحقيقة سِيَلْاحظ أنه وفي عينيه ينبض الشعور بالتسلية والرغبة بالانفجار ضاحكاً.

"رجل هاه؟ لا، لا تذكر ذلك حتى! أنا قد تقبلت نفسي بالفعل كما أنا وفعل ذلك الآن لا يتعدى كونه حث نفسي على الجنون.فكما تعلم ليس الجميع مثلك لا يهتم بما يكون عليه" ردت الفتاة بصوت حزين وهي لا تعرف هل تضحك أم تبكي على الإقتراح الذي جاء متأخراً بكثير.

" لا يهم إذا كان هذا ما تريده،على الرغم من ذلك أنتَ لم تخبرني ما هي إجابتك بعد" لم يبدو على سِيَلْ التفاجئ من رد الفتاة بنفي اقتراحه وإنما ضل يطلب إجابة على سؤاله.

"بالتأكيد سأجيبك، لكن أولاً ما هو إسمك الآن؟" سألت الفتاة بعصبية كما لو أن جواب هذا السؤال هو ما سيحدد مصيرها .

"إسمي الآن؟، وهل ذلك مهم حقاً؟" كانت عيناه تلمع بالحدة رغم نبرته اللامبالية.

"بطبع! ،لقد رافقتك لسنين عديدة قد لا أعرفك تماماً لكن أنا أعرف هذه العادة عنك. فبالنسبة لكَ، الشخص الذي يحب التلاعب ٫ الإسم الذي تختاره يعبر عن الشخصية التي تكون عليها حالياً ، لذلك ما هو هذه المرة, ألكس؟, ليوناردو؟،المختار أم القيصر؟ ،لايمكن أن يكون كلكامش هذه المرة. لا٫ إذا كان صحيحاً فقتلني الآن، لن أكرر ما حدث ابداً!" كادت الفتاة أن تلهث وهي تتكلم بسرعة ولكن وعند ذكرها للإسم الأخير كانت نبرة الرعب و نظرة الاشمئزاز واضحة على محياها.

صفع سِيَلْ جبهته عندما سمع المقطع الأخير من كلامها وهو ينظرُ إليها بتهديد بينما يرد عليها وهو يصر على أسنانه. "لقد أخبرتكَ ذلك من قبل. إن ذلك كان مجرد مسرحية!، مسرحية حسناً؟ لم أعني حقاً ايًّ مما قلت أو فعلت أنذاك كان كل ذلك لإنني كان قد تم ستيعابي في الشخصية قليلاً، قليلاً فقط!"

"وتسمي ذلك قليلاً!؟، لو كنت أستطيع الحركة جيداً لأريتكَ ماذا يعني 'قليلاً' حقاً!"

غضبت الفتاة أكثر عند سماع تبريراته وردت عليه بحدة.

"إذن لن تنسى الأمر مهما حدث؟"

"سأنسى ، لكن عليك أولاً التوقف عن مناداتي بكال أو بصيغة الذكر ولن أذكر ذلك مجدداً . أعدك" كانت الإثارة واضحة وهي تتكلم بينما تنتظر الرد الذي تتوق لسماعه.

"بالتأكيد لم لا؟" رد سِيَلْ عليها بسهولة.

فور سماع الرد شعرت الفتاة في البداية بالسعادة والإنجاز قبل أن تبدو كما لو أنها تتذكر شيءً معيناً ويتحول وجهها إلى شاحب نوعاً ما. "أنـ أنت لم تقل لي ما هو إسمكَ الأن؟"

"بسيط إنه سِيَلْ، سِيَلْ فقط" أجاب سِيَلْ

"م-مستحيل، ألم تقسم على عدم تسمية نفسكَ بذلك مجدداً!؟" كان جسم الفتاة يرتجف بشراسة فور سماع إسمه بينما زاد الشحوب على وجهها وهي تتكلم بعصبية.

"نعم ،لكن لقد قلت أيضاً في قسمي جملة 'في هذا العالم' لذا لا لم أخلف بقسمي ولن أفعل ذلك أبداً" كان سِيَلْ جاداً تماماً واختفت تلك النظرة اللعوبة بمجرد ذكره للقسم.

"إذن لقد نجحت في فعل ذلك حقاً!؟" كانت الفتاة متفاجئةً حقاً وهي تسأل بغير اقتناع.

"بطبع! وإلا فمن يستطيع ذلك غيري؟" رغم السؤال المبهم رد سِيَلْ بثقة كما لو قد فهم المقصود بسؤالها تماماً.

لقد أعقب ذلك لحظةٌ من الصمت بينما الفتاة مذهولةٌ بأفكارها ولتقطعهُ متسائلةً." هل تتذكر ما قلتَهُ لي في آخر تجربة كنتُ قد شاركت فيها معك؟"

"بالتأكيد ،لقد وعدتكِ بتنفيذ طلبٍ لكِ إذا ما نجحت التجربة"رد سِيَلْ لكن هذه المرة مخاطباً إياها كأنثى.

"ولقد نجحتْ صحيح؟" سألت بتوقع.

" نعم هي كذلك"

"إذن طلبي بسيط، فالتمحو جميع ذكرياتي عن حياتي كالعالِم كال رايدن وكوني قد عشتُ حياتي سابقاً كذكر. هل ستفعل ذلك من أجلي؟" لم تتسائل الفتاة عن مقدرته لفعل ذلك وإنما عن رغبتهِ بفعل ذلك كما لو كان نجاحه من المسلمات .

" هل أنتِ متأكدة من ذلك؟ لفعل ذلك يعني محو فصل كامل من حياتكِ مما قد يؤثر على شخصيتكِ وقد لا تعودين أنتَ حقاً بعد ذلك"

"أنا متأكدة أن بإمكانك فعل ذلك دون ايَّ مضاعفاتٍ خطيرة وحتى لو حدث الأسوء فهذا خياري وأنا على ستعدادٍ لتحمل نتائجه "

"جيد جداً ، فهذا ما يجب أن تكون عليه ثقة العالم بوجه المجهول"

"أنت…" كانت الفتاة عاجزةً عن الرد بوجهِ كلماته اللاذعة لكن لم تدم حيرتها طويلاً فعندما كانت لا تزال تحاول إيجاد طريقة لرد الضربة إليه كان سِيَلْ قد تقدم بالفعل ليقف أمامها مباشرة و ليضع يده على جبهتها بينما زادت السلاسل الوهمية التي تقيدها بثنتين اخرتين.

" [نظام ـ تحليل متكامل] " تمتم سِيَلْ وليضع وجهاً منتصراً يناسب مزارعاً حصد زرعه أخيراً بينما يحدق في شاشة 'النظام' .

"كال، كال أنت حقاً لا يوجد من هو أفضل منك لي لإجراء تجاربي عليه براحة بال هكذا ،استمر٫أستمر في الحلم الذي لن تستيقظ منه أبداً" كانت عينا سِيَلْ تشع بالشر وروح الإنتقام التي تبدو كما لو أنها تمتد لدهرٍ كامل وهو يتكلم بمثل هذه الكلمات الشريرة.

وللأسف أو للأفضل كان الوجود المدعو بكال فاقداً للوعي نظراً لتقيده بسلاسل الوجود الأربعة وهو يخضع لعملية لا رجوع عنها…

_____________________

*ملاحظة الكاتب:

_ يرجى قراءة جميع فصول المقتطفات (مقتطفات من…) لفهم أفضل للقصة.

2022/03/30 · 94 مشاهدة · 1179 كلمة
-_-Dlela
نادي الروايات - 2025