11 - المحقق ليڤان في الخدمة!

شروق الشمس الجميل والرياح الباردة هي ما يبشر ببداية يوم جديد في هذه المدينة.

كان ذلك في الصباح الباكر و داخل احد غرف الميتم يمكن رؤية فتاة في العشرينات من عمرها بشعر اسود قصير وعيون سوداء كذلك وهي تجلس على مقعدٍ بسيط وهي تهز المهد بجانبها لطفلٍ رضيع بشعر أبيض وعيون زرقاء والذي كان ينام بهدوءٍ وسكينة. وعند ملاحظة حركاتها بتمعن يمكن الحكم بكونها تنعم بالدقة و النعومة مما يدل على خبرتها في فعل ذلك.

صرير صرير صرير

كانت الفتاة غارقة في ذهولها بينما تهز المهد بلطف والابتسامة لم تفارق شفتيها أثناء التحديق في هذا الرضيع فقط ليتم لفت انتباهها بالصرير الصادر من فتح باب الغرفة بواسطة فتاة صغيرة بشعر بني فاتح وعيون خضراء متلألأه التي لم يبدو عليها أنها بلغت السابعة من عمرها إلى الآن.

" الأخت الكبرى جنجر، لقد كنت أبحث عنكِ في كل مكـ"

"ششش"

لم تكمل الفتاة كلامها ليُقاطعها صوت جنجر وهي تضع سبابتها أمام أنفها كإشارة لها للسكوت. قامت جنجر من مقعدها و خارجةً من الغرفة ومغلقةً الباب خلفها و لِتبتعد عدة أمتار عن الباب وملوحة للفتاة لتتبعها .

" تَحدثي ما الذي حدث؟"

"هذا… لم يحدث شيء لكني لم أركِ في المطبخ عند ذهابي إلى هناك ولم أجدك في غرفة النوم لذلك كنت أبحث عنك في جميع أنحاء المكان وانتهى بي الأمر بإجادك هنا. لم أقصد أن اسبب لكِ الإزعاج ابداً" كادت الدموع تتسرب من عينيها وهي تصنع وجهاً مظلوماً عند شرحها لحالتها.

" حسناً لا مشكلة. لم تفعلي شيئاً خاطئاً لذلك لا تضعي مثل هذا الوجه الباكي" كان العجز واضحاً في صوتها وهي تنظر لهذه الفتاة المشاغبة.

"إذن ما الذي كنتِ تفعلينه هناك؟ وما بال عينيكِ؟ لا تقولي لي أنكِ لم تنامي وبقيتي مستيقظةّ طوال الليل؟ إن علمت السيدة مَغرِت بذلك فسوف تُأنبكِ بالتأكيد! عليكِ الإسراع وحل الأمر بسرعة وإلا فـ"

"تيرا يكفي!"

"ولكن…"

"لا يوجد ولكن. كما أني أملكُ عذراً يفسر ذلك. لذا شكراً لكن لا داعي لقلقكِ عليَّ هكذا"

" حقاً ؟ هل أنتِ متأكدة؟ أنتِ تعلمين جيداً أن السيدة مغرت لا تقبل الأعذار الواهية كالكوابيس وعدم المقدرة على النوم!"

"حسناً؟ لما لا ترين بنفسك بعد ذلك؟"

"ولما لا؟"

"إذن اتبعيني ولكن بهدوء ودون لفظكِ لحرفٍ واحدٍ حتى!"

"أون" أومأت تيرا برأسها و لتتبعها بهدوء.

قادت جنجر تيرا إلى الغرفة و فاتحةً الباب و لتتوقف عند المهد وهي تشير بإصبعها إلى داخله. فاهمتاً المعنى مدت تيرا رأسها لتنظر داخلهُ .

"هذا…" اتسعت عينيها والإرتباك واضح على محياها مديرةً رأسها لتنظر إلى جنجر التي تضع تعبيراً مختلطٍ من الفخر والإنجاز.

"ششش" كان رد جنجر لتساؤلِها هو الإشارة لها للصمت و لتتبعها. خرج الإثنان من الغرفة وكما في المرة السابقة لم يتكَلما حتى بتَعدا عدة أمتار من باب الغرفة.

"هل تعلم المديرة بهذا؟" سألت جنجر

"لا لم أخبر المديرة بعد. فقط ليڤان وأنتِ من يعلم بذلك حتى الآن"

"إذن ماذا ننتظر؟ أنتِ تعريفين كيفَ هي صارمة عندما يتعلق الأمر بالأطفال لذلك علينا الأسراع لإخبار المديرة بذلك" بوجه متحمس وعيون تفيض بالحياة كانت تيرا تحاول جرَ جنجر معها فقط لتفشل و تحصل على عقوبتها.

"اوشش" كانت يدا تيرا ملتصقة على جبهتها محاولة تخفيف الم ضربة سبابة جنجر والدموع تحاول ما في وسعها أن لا تتسرب من عينيها حتى لا تعبث بوجها الجميل هذا.

" هل هدئتي الآن؟ لم أنتِ بهذا الإستعجال؟ ألا تعلمين أن المديرة لا تستيقظ حتى السابعة؟ ومازال هناك ساعة حتى ذلك فلم كل هذه العجلة؟ هاه؟ "

"أنا…"

" لا داعيَ للأعذار فقط لتأتي معي إلى المطبخ والمساعدة في تحضير الفطور"

"أون" أومأت تيرا بتظلم.

تحركت الفتاتان بعتدال أثناء سيرهما ناحية المطبخ فقط ليبقى الرضيع وحده نائماً بطمأنينه.

……

كان ذلك بعد الفطور وإطعام جميع القاطنين في الميتم بنصف ساعة وتحديداً في مكتب الإدارة إذ كان هناك امرأتان فيهِ فقط. جنجر و مديرة الميتم.

" وهذا كل ما أعرفه عن هذا الطفل الرضيع، المديرة كِلِينا" كانت المديرة المدعوة بكلينا هي امرأة في الأربعينات من عمرها. كان الشعرها الأسود السائب مشوهاً بالخيوط البيضاء والرمادية إلا أن هذا لم يخفي ملامحها التي لم تدل إلا على كون مطارديها في الماضي لم يكن بذلك العدد القليل.

" إذن دعيني ألخص محتوى كلامكِ. وجد ليڤان الطفل البارحة بعد انتهائه من عشائه خارج أسوار الميتم و لتعتني به طوال الليل وكونه كان صاخباً للغاية فلم تستطيعي النوم وهو ما يفسر ارهاقك وإهمالك لواجبك في الصباح ، صحيح؟" نظرت كِلِينا إلى جنجر بتعبيرٍ جاد بينما تشبك يديها على طاولة المكتب منتظرةً إجابةً منها.

"نعم هذا صحيح" ردت جنجر فوراً دون تردد بنبرةٍ هادئة تملأها الثقة.

" إذن ألم يكن هناك ايَّ معلومات ذي صلة بالطفل عندما وجدتماه؟"

" هذا… عندما رأيت الطفل أخذته بسرعة من ليڤان ولم أسأله عن ذلك. لذلك إذا كان هناك أيُّ شيءٌ فأن ليڤان هو الوحيد الذي يعرف ذلك" احمرت جنجر خجلاً من إهالها وتسرعها أنذاك بينما في نفس الوقت تقذف الكرة في ملعب ليڤان المسكين.

"حسناً. تيرا!" صرخت المديرة بصوت عالي بإسم تيرا و ليُفتح باب المكتب بينما تدخل تيرا بخضوع والقليل من الخوف على عكسِ سلوكها الحماسي و المشاغب سابقاً.

" نعم ، مديرة كلينا!" كان صوت تيرا خافتاً كحفيف الأوراق لكن هذا لم يزعج ايٍّ من الحاضرين في فهم كلامها ويمكن رؤية لمحة من الثناء مخبأة في عيني المديرة كلينا ولتومئ رأسها قائلة:" تيرا. لتذهبي إلى العجوز ليڤان وتخبرية أنني أحتاجه لأمرٍ ما. وأنتِ جنجر فالتذهبي أيضاً لإحضار الطفل لأراهُ "

"بالتأكيد" رد الثنائي في نفس الوقت وبعد لحظة وخرجا معاً.

"آه٫ كان ذلك مرهقاً حقاً" فور خروجها من المكتب وغلق الباب خلفها تهندت تيرا انفاس الراحة وهي تتكئُ على الجدار القريب بينما لم تستطع جنجر إلا الإتفاق معها فالتعامل مع شخص مثل المديرة كلينا يشعرها دائماً بالإرهاق وهي بالغةٌ فما بالكُ بهذه الفتاة الصغيرة؟

"هيا علينا الإسراع وإلا سيتم تأنيب كِلَينا!" تكلمت جنجر بصوتٍ مثابر في محاولة لها لرفع معنويات تيرا والذي يبدو من مظهرهِ أنهُ كان فعالاً فما هي إلا لحظة حتى وقفت بثبات لتسير إلى وجهتها ولتهز جنجر رأسها باستسلام و راحة على هذه الفتاة الظريفة.

وبعد عدة دقائق في مكتب المديرة إجتمع كل من ليڤان الذي يحمل السلة التي وجد فيها الرضيع وجنجر التي تحمل ذلك الرضيع بين أحضانها مع المديرة بينما كانت تيرا الصغيرة تقف في الجانب لتشاهد الأحداث وهي تتكشف.

"إذن ليڤان هل كان هناك أيُّ دليل على أصل الطفل حين وجدته؟ أو هل كان بإمكانك التوصل إلى شيءٍ ما؟" تكلمت المديرة بوجهها الصارمِ والجادِ ذلك متسائلة.

" كلا، لم أجد غيرَ هذه" أشار ليڤان إلى البطاقة المربوطة في السلة وهو يفصلها عنها ويقدمها إلى المديرة لترها عن قرب.

" 'أورِن' هل هذا هو إسمهُ إذن؟" تمتمت كلينا.

" هذا ما أظنهُ أيضاً. أما بالنسبة لما توصلت إليه فهو أن هذا الطفل من إسرة نبيلة خارج المدينة وقد تم إلقاؤه هنا إما لكونه لا يمتلك ايَّ إنجذابٍ للمانا وربما يعاني من بعض العاهات أو المراض الصعبة. أو أن الأسرة تواجه مشاكلاً تمنعهم من تربيته بشكلٍ صحيح وإلا فليس بإمكاني إجادَ سببٍ منطقيٍ أخر لتركهم لهُ هكذا! " كانت أجواء المحقق تشعُ من ليڤان وكلُ ما ينقصه هو نظارة وساعة ليصبح بذلك أعظمَ محققٍ في التاريخ!

"أفهم كلَ ذلك ولكن ما الأمر مع العائلة النبيلة هذا. أعني كيفَ توصلت لمثل هذا الإستنتاج؟" كان دور جنجر لتتساءل هذه المرة.

" هذا سهل. عند النظر من وجهة نظر النبلاء وذوي المكانة فإن التخلي عن طفلهم ولأيِّ سببٍ كان، هو مثل التخلي عن شرفهم وكرامتهم وبإقران ذلك بالصفات الجسدية المميزةِ للطفل وأنه لا توجد عائلة لها هذه الصفات في المدينة فإن إستنتاج ذلك ليس بالأمر الصعب بتاتاً!" والآن لم يعد ليڤان يحتاج أكثر من قبعة خاصة وإصبع غليون ليصبح بذلك المشهد مشهداً لا ينسى من المنطق والفطنة.

" أون، مقنعٌ بما فيه الكفاية" أومأت تيرا الصغيرة بقتناع لتتفق معها السيدتان الأخريتان كذلك.

" جيدٌ أن عقلكَ اللامع ذلك لا يزالُ يعمل بعد كُلِ هذا الوقت. والآن جنجر أعطيني الطفل لفحص حالتهُ قليلاً" سخرت المديرة من ليڤان قليلاً قبل توجيه نظرها إلى جنجر وهي ترمق الطفل بنظراتها الحادة.

سلمت جنجر الطفل ولتضعهُ المديرة على طاولة المكتب أمامها.

"فحص" تمتم المديرة بصوت لا يسمعه احدٌ إلا هي. فقط لينطلق من يدها التي تلمس صدر الطفل المستلقي موجات من الضوء الأخضر وهي تمسح كامل جسمه بينما هي مغمضةٌ لعينيها حتى لا يتشتت ذهنها أثناء التركيز على الشعور الذي يردها من فعلها هذا.

"حسناً؟ من حسن الحظ أنه لا يبدو أن هناك أيَّ مشاكل في جسده.أما تقاربه فليس بإمكاننا إلا الإنتظار للوقت المناسب لذلك" بعد دقيق فتحت المديرة عينيها وهي تصف حالَ الطفل بعد فحصها له.أما ما قالته عن التقارب فلقد كانت محقةً في ذلك فمجرد ممرضة سابقة مثلها والتي لا تمتلك ايَّ وسائل طبية خاصة لا تستطيع فعل شيءٍ مثل تحديد تقارب شخص ما وبالأخص طفلاً رضيعاً صغيراً كهذا.

"آه" تنفست باقي المجموعة الصعداء في نفس الوقت عند سماعهم لهذه الأخبار السارة.

" ليڤان بإمكانكَ الذهاب لعملك الآن وعندما تجد الوقت مناسباً بإمكانك السؤال عن عائلة الطفل وأنا متأكدة من أنكَ تعرف كيفَ تفعل ذلك دون إثارة ضجةٍ حول الأمر" أمرت المديرة وهي تعيد الطفل إلى أحضان جنجر.

"بالتأكيد،يمكنكِ الإعتماد عليَّ دائماً سيدة كِلِينا!" رد ليڤان بصوتٍ جادٍ وموثوق قبل أن يُدير جسده للخروج من المكتب والذهاب إلى عمله بنشاط.

" بالنسبة لكِ يا جنجر فعليكِ من الآن فصاعداً تولي مسؤولية الطفل. بالطبع سنساعدك جميعاً في ذلك. لكن أولاً فالتذهبي وتنظري إذا ما لا يزالُ لدينا المزيد من حليب الرنة لإطعام الطفل وإلم يكن هناك، لترسلي أحدهم لجلب البعض والتأخذي المال من مغريت بالقول لها أنني من أرسلكِ. ولا تنسي أن تخلطي مع الحليب ببعضع طعام الأطفال المجفف. إسألي مغريت عن ذلك إن إحتجتي إلى ايِّ مساعدة أو إستفسار. ولآن لكِ الحرية في الذهاب إلى عملكِ" أكملت المديرة أوامرها ومشيرةً بيدها إلى تيرا بيدها كإشارةٍ لها للذهاب أيضاً.

"إذن أستميحُكِ عذراً" لم تبقى أكثر من ذلك خرجت هي وتيرا تاركةً المديرة وحدها وتائةً في أفكارها لمن يعلم عن ماذا…

2022/04/02 · 109 مشاهدة · 1548 كلمة
-_-Dlela
نادي الروايات - 2025