خفق قلب بوريس فجأة كما لو أنه قد طُعن مرة أخرى بالإبرة العملاقة التي كانت عالقة فيه.
لقد كان يحاول جاهدًا نسيان مشاعره وإخفائها، كان يعتقد أنه كان ناجحًا في ذلك أيضًا.
'كيف عرف لانزي؟'
"أنت..."
"كنت أراقبك فقط، ليس لدي شيء أفضل لأفعله، بعد كل شيء."
استمرت أصابع لانزي النحيلة في التلاعب بالشعر فوق أذنه، كان بإمكان بوريس رؤية معصميه يطلان من أكمامه المفتوحة.
كان معصما بوريس يشبه معصمي شخص مارس السيف، وكانت تبدو مختلفة جدًا.
لكن هذا لا يعني أن لانزي بدا ضعيفًا جسديًا، شعر بوريس بأن لانزي لديه شيئًا قويًا، كأن له نقطة جذب تجعله ثابتًا.
"لكن لدي عائلة الآن."
توقف لانزي عن الحركة فجأة ووجه نظره إلى بوريس، لم يكن هناك أي تعبير على وجهه، لكن بوريس استطاع أن يشعر بالنقد في عينيه.
شد بوريس نفسه وأجبر على إبقاء واجهته هادئة بينما تابع، "أنا متأكد أنني سأعتاد على عائلتي الجديدة مع مرور الوقت، والدي ووالدتي هما شخصان جيدان، وروزينيس طفلة لطيفة، يمكنني أن أتعلم كيف أتقرب منهم، أنا واثق من ذلك."
ظل النقد موجودًا في عيني لانزي وهو يرد، "ستبدو أكثر إقناعًا إذا قلت إن نشأتك في عائلة الكونت ستكون في صالحك."
"ماذا تقصد؟"
بدا وكأن لانزي كان يسأل، "أنت تتحملهم فقط لأنك تريد أن تصبح الابن الشاب لمقاطعة، أليس كذلك؟"
لكنه أشار أيضًا إلى الكثير من الأمور الأخرى.
إذا كان ما قاله لانزي يمكن تفسيره على أنه يقول، "ستبدو أكثر إقناعًا بهذه الطريقة، لذا يجب عليك اختيار ذلك"، فهل يعني ذلك أنه قد اكتشف بالفعل أن بوريس كان يكذب؟
"أنت لست صادقًا"، أجاب لانزي.
"لا، ليس هذا بالضبط ، أنا أدرك أن ظروفك لا تسمح لك بأن تكون صادقًا، يبدو أنني سألت سؤالًا غير مناسب."
كان لانزي يتراجع، لكن بوريس لم يفعل الشيء نفسه.
"هذا ليس تفسيرًا كافيًا بالنسبة لي، هل تعني أن لدي سببًا آخر لأكون هنا غير أنني أريد أن أصبح جزءًا من عائلة الكونت؟ ما الذي يجعلك تعتقد ذلك؟ أنا لست مستاءً أو شيء من هذا القبيل، أريد فقط أن أعرف كيف توصلت إلى تلك النتيجة."
كان بوريس يخاطر، كان يدفع لانزي للاعتراف إذا كان يعرف سره.
"لا على الإطلاق. لا أعرف شيئًا. إنه فقط..." رد لانزي.
كان يتظاهر بالجهل و حاول تجنب الإجابة.
"أنت لا تتصرف حقًا كما لو كنت تريد أن تصبح جزءًا من عائلة الكونت."
احتبس تنفس بوريس في صدره.
ثم، بصوت بارد مجبر، أجاب، "هذه هي شخصيتي فقط، صحيح أنني أبطأ في التكيف، لكن لدي وقت كافٍ."
"أكثر سبب جعلني أعتقد ذلك"، قال لانزي بينما أصبح صوته أكثر حزمًا ، "هو لأنه في بعض الأحيان، و بشكل نادر جدًا، يبدو أنك تنسى أنني مجرد خادمتمامًا مثل الآن."
ارتجفت حواجب بوريس.
"هذا لأنني لست معتادًا على وجود خادم شخصي يهتم بي ، كان لدي مربية عندما كنت أعيش في ترافاتشيس، من الغريب بالنسبة لي أن تخدمني عندما نكون في نفس العمر."
أومأ لانزي برأسه كما لو كان يوافق، لكنه رفع رأسه مرة أخرى ونظر إلى بوريس مباشرة في عينيه.
كانت عينيه تبدوان بنفسجيتين في الظل.
كان الضوء في عينيه يبدو حرًا وهو ينظر إلى سيده، لم يظهر ذلك لأحد في القلعة من قبل.
كانت عينا لانزي تبدوان مختلفتين تمامًا الآن بعد أن توقف عن النظرلأسفل.
كانت تتلألأ بضوء نواياه الحقيقية—لخطف هدفه وعدم السماح له بالهروب.
كان الضوء ينتمي لشخص حقيقي له حدود لا ينبغي تجاوزها.
لم يكن من الممكن لشخص ذو عيون مثل عيون لانزي أن يقبل أي شخص كسيده...
لماذا لم يلاحظ بوريس ذلك الضوء في عيني لانزي حتى الآن؟
"يسعدني سماع ذلك، لكن لا تحاول إخباري أن كل شيء ينتهي عند هذا الحد. لم تكن لديك النية للتكيف لتصبح جزءًا من عائلة الكونت من الأساس."
أنت لا تعتبر نفسك ابن الكونت، ولا ترى روزينيس كأختك الصغرى أيضًا، لم تكن مهتمًا بتعريف نفسك بأقاربك المزعومين على الإطلاق."
من الطبيعي أنك لا تعاملني كخادم فقط على الرغم من أنني كذلك، سلوكك لا يختلف عن اقتراض مجموعة من الملابس الفاخرة لحفلة التي تنوي إعادتها في اليوم التالي، بعد كل شيء، لا يمكنك أن تكون غير مبالٍ بشيء تقترضه فقط."
لقد أطلق لانزي على الكونت "الكونت" بدلاً من "السيد"، وذكر روزينيس باسمها فقط أيضًا.
لكنه لم يبدو غير مناسباً ، بل على العكس، بدا أكثر طبيعية.
"أنت تعرف خادمة روزينس، كاميا، صحيح؟" سأل لانزي.
انتظر بوريس بصمت ليواصل لانزي، أراد أن يعرف السبب الكامل وراء تفكير لانزي بهذه الطريقة.
كان لانزي غريباً بالنسبة له، لكن بوريس احترمه كشخص.
"كانت كاميا تحبك في السابق"، تابع لانزي.
"في البداية، كانت تحبك كصديق في سنها، ثم، رأت فيك نوعًا من الشخصية النبيلة التي ارتفعت فجأة في المكانة، لكنني لا أعتقد أنها تحبك كثيرًا بعد الآن."
لم يكن بوريس يعرف أن كاميا شعرت بشيء نحوه على الإطلاق.
كان يحتاج إلى توخي الحذر مع الكثير من الناس لدرجة أنه لم يستطع تتبع كاميا أيضًا.
"لقد أدركت ذلك غريزيًا"، استمر لانزي في الشرح، "أنك في الواقع لست أيًا من ذلك، أنت لست شخصًا يمكنها الإعجاب به من بعيد، وأنت لست صديقًا يمكنها قضاء الوقت معه عن قرب أيضًا."
أنت مجرد شخص منعزل عن الجميع ممن حولك، لكن ليس بسبب منصبك أو شخصيتك، العالم الذي تعيش فيه ليس المكان الذي يمكنك بسهولة تكوين صداقات مع أقرانك، وهو ليس المكان الذي يمكن أن يُعجب به معظم الناس من بعيد."
العالم الذي تعيش فيه مكان بارد وجاف وصعب الاقتراب منه وغريب، من سيرغب في الانضمام إليك هناك؟"
رد بوريس، "ربما لا نكون متشابهين تمامًا... لكن أليس هذا ينطبق عليك أيضًا؟"
ابتسم لانزي ابتسامة خفيفة وقال، "عالمي لا يزال أكثر دفئًا من عالمك، العالم الذي تعيش فيه هو عالم من جليد."
كانت تلك طريقة غريبة لوصف ذلك، تابع لانزي، "ربما لهذا السبب أنا فضولي بشأنك."
بدت عيون لانزي القرمزية وكأنها نيران، بينما بدت عيون بوريس الرمادية وكأنها الجليد.
"إذًا، لماذا أنتَ هنا في هذه القلعة؟" سأل بوريس لانزي.
"هل هذا فقط بسبب لانزيمي؟"
'أو هل أنت هنا لأنك تريد اختبار قدراتك الحقيقية؟'
أجاب لانزي، "لا أنوي البقاء هنا إلى الأبد، أنا متأكد أنني سأغادر هذا المكان يومًا ما، لكن ليس اليوم."
من المحتمل أن يغادر لانزي بعد أن يغادر بوريس، أو هذا ما اعتقده بوريس.
ليس أنه كان يخطط لإخبار لانزي بذلك، بالطبع.
كان من الخطير الوثوق بـ لانزي، كلما كان الشخص أكثر جاذبية، كان من الأسهل أن يخدعك.
"لماذا تخبرني بكل هذا؟" سأل بوريس.
"ستُطرد من القلعة إذا أخبرت والدي أي جزء من هذه المحادثة، إذا كنت هنا فقط من أجل لانزمي، ألا ينبغي عليك التأكد من عدم القيام بأي شيء يمكن أن يهدد ذلك؟"
ضحك لانزي بهدوء وأجاب، "ستخبر الكونت بالفعل لو كنت من النوع الذي سيفعل ذلك."
تساءل بوريس لفترة وجيزة عما إذا كان حان دوره ليقوم بتمثيل مثلما فعل لانزي.
لكن بعد ذلك، تابع لانزي، "ولن أخبرك بأي شيء أيضًا لو كنت من ذلك النوع من الأشخاص."
ما مدى فهم لانزي لشخصية بوريس بالفعل؟ ما الذي يجعله واثقًا إلى هذا الحد؟
"حسنًا، حسنًا، سأستمر في التصرف كما أريد، لكنني أريدك أيضًا أن تجيب على سؤالي، إذا افترضنا أن ما قلته صحيح، فلا توجد بيننا أي علاقة، فلماذا تسعى لتخبرني بكل هذا؟ إنه أمر محفوف بالمخاطر، ولا يوجد ما يمكنك كسبه من إخباري، ولا تخبرني أنك كنت تشعر بالملل فقط."
"لأنك تبدو في وضع غير مستقر."
كانت تلك الكلمات الأربع بسيطة، لكنها حفرت في أذن بوريس بعمق.
ولكن تمامًا حينما كان لانزي على وشك أن يتحدث مجددًا...
"لانزي؟ ماذا تفعل هنا... أوه، وأنت أيضًا هنا، أيها السيد الشاب ، ماذا تفعل في هذا المكان؟ لقد فتحوا للتو علبة من النبيذ الأبيض عمره ستة وستون عامًا من ألاجونغ، لقد زاد ذلك من حماس الجميع في الداخل، ألا ترغب في الدخول وتذوقه؟"
تم اكتشافهما من قبل خادمة كانت تمر من هناك، لكنها في الحقيقة كانت تبحث عن الأشخاص الذين تسللوا من الحفلة، تمامًا كما فعلا.
اندفعت الخادمة على الفور نحو شجرة أخرى، لم يكن لديها الوقت لتسأل عن موضوع حديث لانزي وبوريس.
تبادل لانزي وبوريس نظرات سريعة.
"هل ترغب في كأس من النبيذ الأبيض، أيها السيد الشاب؟"
◇
ثم غاب لانزي لفترة، بينما انغمس بوريس في أفكاره العميقة أثناء جلوسه بمفرده.
كان من الممكن أن يكون لانزي قد حصل على معلومات عنه.
لكن، من أين؟ بدأ بوريس يشعر بالريبة تجاه كل من كان على دراية بظروفه.
الكونت، الكونتيسة، ومساعد الكونت ، لن يكونوا مصدر معلومات لانزي، ومن غير المحتمل تمامًا أن تكون روزينيس قد أخبرت أي شخص عنه أيضًا.
كانت روزينس تكره لانزي، لذا لا يمكن أن تكون قد اهتمت لحد إخباره.
كما أنه من غير المرجح أن يكون الفرسان قد قالوا شيئًا أيضًا، لم يرَ الفرسان خادمًا مثل لانزي كشخص مستقل.
في هذه الحالة، فإن المشتبه بهم الأكثر احتمالًا هما ويلا وكاميا، ومن بين الاثنين، كانت كاميا الأكثر احتمالًا لأنها قد ذُكرت في حديث لانزي سابقًا.
أزعج بوريس أن لانزي قال إن كاميا كانت في البداية ترى فيه "صديقًا من سنها".
لم يعتقد أن كاميا كانت ستخبر أي شخص بما حدث عندما التقيا.
لكن إذا كانت كاميا قد ذهبت إلى لانزي لطلب نصيحة في المواعدة أو شيء مشابه، فلن يكون من الغريب أن يتمكن شخص مثل لانزي من تجميع الأمور معًا وإدراك أن بوريس كان يكذب على الجميع.
لم يستطع بوريس أن يقرر ما إذا كان ينبغي عليه إخبار الكونت بأن لانزي كان يعرف بأمره.
ماذا كان يقصد لانزي عندما قال إنه فضولي بشأنه؟ تسلل شعور بالبرودة إلى ظهر بوريس وهو يتذكر حديثهما.
بدا أن لانزي قد رأى كل شيء فيه، ربما كان من الخطأ تعيين شخص حاد مثل لانزي كخادمه الشخصي.
ومع ذلك، حتى لو كان لانزي يعرف أكثر مما كشف عنه بالفعل، لم يكن بوريس من النوع الذي يمكنه الإبلاغ عنه وجعل الكونت يطرده وشقيقته الضعيفة خارج القلعة.
كان بوريس نفسه يعرف ذلك أفضل.
ولكن حقيقة أن لانزي قد فهم هذا الجانب من شخصيته تعني أساسًا أن لانزي قد استوعب نقاط ضعفه.
وأخيرًا، ماذا كان يقصد لانزي عندما قال إنه يبدو في وضع غير مستقر؟
هل كان يقصد أن بوريس سيئ جدًا في التمثيل لدرجة أنه لا يستطيع حتى خداع خادمه؟ أم أن لانزي كان يعني شيئًا آخر تمامًا؟
كلما فكر بوريس أكثر، زادت الشكوك لديه.
لم يكن لدى لانزي شخصاً ليشاركه الحقائق التي اكتشفهابعد كل شيء، كانت رفاهية هو وشقيقته على المحك.
بالإضافة إلى ذلك، كان بإمكانه دائمًا إلقاء اللوم على كاميا إذا سمع الكونت عن هذا الأمر.
إذا كان لانزي من ذلك النوع من الأشخاص الذين يفعلون شيئًا بلا رحمة، فيمكنه بسهولة أن يجعل بوريس وكاميا يتورطان في مشكلة بينما ينسل بعيدًا بلا أي عواقب—لكن فقط إذا لم يقاوم بوريس، بالطبع.
لكن، ماذا لو قاوم بوريس؟
كان بوريس قد وجد ورقته الرابحة، لكنه لم يستطع فعل أي شيء بها لأنه كان قلقًا بشأن ما قد يعنيه استخدامها بالنسبة لمنافسيه.
جلس بوريس وحده يفكر لفترة طويلة، لكن لانزي لم يعد بعد.
لقد غاب لفترة طويلة لدرجة أنه كان بإمكانه أن يدور حول مكان الحفلة ثلاث مرات بحلول الآن.
نهض بوريس وقرر العودة، لم يكن ملزمًا بالانتظار هنا لانزي إلى الأبد، بعد كل شيء.
سمع صدى صوتًا مألوفًا تمامًا عندما انعكست أضواء الحفلة على حذاءه.
"ألن تفعل ما أمرك به؟ هل نسيت ما يمكنني فعله؟"
لم يكن بوريس يعرف الصوت جيدًا، لكنه سمعه بالتأكيد من قبل.
كان يعود لسيليفيت، ابنة الفيكونت أرجنسون، لكنها بدت مختلفة تمامًا عما كانت عليه عندما رآها في المرة السابقة.
لم تكن تبدو كفتاة مهذبة وعينيها موجهتين للأسفل كما فعلت آخر مرة.
كان بوريس ليعتقد أنها تحاول تقليد شخص ما معين لو لم تتدفق الكلمات منها بشكل طبيعي، كما لو كانت قد قالتها مئات المرات من قبل.
بدت متعالية وحادة، حتى أنها كانت تسخر.
رفعت سيلفييت صوتها عندما لم تتلقَ أي رد.
"لقد اعتذرت لي سابقًا، أليس كذلك؟ إذا كنت تشعر بالأسف حقاً، فقبل حذائي! ماذا تعتقد أنني سأفعل؟ لما لا تخمن؟ هل يبدو لك أنني أمزح الآن؟"
لم يكن بوريس ينوي التدخل في البداية، لكنه غير رأيه وبدأ في المشي نحوها بمجرد أن أدرك إلى من كانت تتحدث.