39 - "الـفـتاة الـصغـيرة مُـفـعـمة بـالـحـياة مـجدداً"

"أنا لست ملزمًا بالاهتمام بأحد سوى السيد الشاب بوريس."

أدرك بوريس أخيرًا لماذا استغرق لانزي كل هذا الوقت.

لكنه لا يزال ليس لديه فكرة عما يحدث.

توقف لفترة قصيرة وهو يتساءل عما إذا كان من الجيد أن يتدخل عندما لم يكن لديه فكرة عما يجري.

لكن بعد ذلك، سمع صوت سيليفيت مرة أخرى.

تغيرت نبرتها فجأة.

"أنت عنيد كما كنت دائمًا، أليس كذلك؟ لم تتغير على الإطلاق، كنت تعيش في كيلتيكا، ألست كذلك؟ ألا تريد العودة إلى المنزل؟ هناك العديد من الأشياء التي يمكنني تحقيقها لك ، ألا تملك فضول بشأنها على الإطلاق؟"

لم يرد لانزي.

انخفض صوت سيليفيت و تابعت ، "ستحدث لك العديد من الأشياء الجيدة إذا بقيت معي سيكون الوجود معي أكثر إثارة بكثير من خدمة طفل عشوائي هنا في الريف، على الأقل. تخيل ذلك، كل بيت في كيلتيكا يستضيف أنواعًا مختلفة من الفعاليات الممتعة، مثل الحفلات والصيد، أليس ذلك رائعًا؟"

بدت مثيرة للاهتمام عندما همست.

من المحتمل أن صوتها كان كافيًا لجذب معظم الناس.

للأسف، لم تكن قد قالت شيئًا يمكن أن يغري لانزي على الإطلاق.

بمعنى آخر، كانت تحاول إغراء لانزي دون أن تعرف أي شيء عنه.

"كيلتيكا مليئة بالنبلاء الذين يحبون إنفاق المال كما لو كان مجانيًا، تخيل كم ستكون ثريًا إذا عدت معي، إنه سر معروف أن النبلاء يدفعون أموالًا جيدة للحصول على خدم موهوبين، هل تعرف ذلك، أليس كذلك؟ عد معي، لماذا لا تستغل الفرصة التي أقدمها لك؟"

لم يستطع بوريس فهم سبب استماعه لمحادثتهم لم يكن شيئًا شريفًا أن يقوم به.

ومع ذلك، ظل ثابتًا في مكانه وهو ينتظر بلهفة ليعرف كيف سيرد لانزي.

"لن تستطيعين إستخدامي ، أيتها الآنسة الشابة."

تفاجأت سيليفيت:"و لماذا هذا؟"

"لأنني لن أستطيع استخدامك أيضاً."

ساد الصمت.

صفع!

ثم، صدى صفعة قوية في الحديقه.

"أنت متعجرف قليلاً... سأخذ كل ما تعتز به يومًا ما، أراهن أنك لن تستطيع إيقافي حتى لو انحنيت على ركبتيك بتوسل و قبلت قدمي"

شعر بوريس فجأة برغبة قوية في التدخل الآن.

التفت كل من لانزي وسيليفيت نحوه عندما اقترب منهما ، بدا أن كلاهما مندهش.

"كنت على وشك الذهاب للداخل لأنك تأخرت كثيرًا، هل فعلت ما طلبته منك؟" سأل بوريس بنبرة صارمة متعمدة وهو يجول بنظره إلى سيليفيت.

"أوه، إنه أنت فقط، بوريس," قالت سيليفيت.

"كنت أطلب منه أن يفعل شيئًا لي أيضًا، أعلم أنه خادمك، لكنك بالتأكيد لن تمانع إعارته لي." عادت نبرة صوت سيليفيت إلى طبيعتها.

كان بإمكان بوريس أن يتجاهل كل ما حدث ببساطة.

بدلاً من ذلك، رد بشكل عفوي، "بالطبع. لكنني أريدك أن تعيده عندما أحتاج إليه."

"همف..."

بدأت سيليفيت تتجهم قليلاً، كانت تلك النظرة تناسب شكل عينيها بشكل رائع.

تقدم بوريس خطوة أخرى إلى الأمام وقال: "تأنيب خادمي على أخطائه هو واجبي ، أنتِ مجرد ضيفة هنا، يا أخت سيلفييت، لذا أرجو أن تتصرفي كواحدة."

افترّ فم سيلفييت قليلاً، وكأن شفتيها النحيفتين كانتا تهمسان بحنقٍ خفي.

كانت مُهانة إلى حدّ يفوق الوصف، إذ بدا لها أن هذين الصبيين الشابين يسخران منها.

أحدهما مجرد خادم، والآخر مجرد ابن بالتبني جاء من حيث لا يعلم أحد!

ومع ذلك، كانت الحقيقة المزعجة هي أنها مجرد ضيفة في قلعة بيلنور.

كانت بحاجة لأن تكون حذرة، خاصة لأنها لا تعرف بوريس جيدًا، ماذا لو انفجر فجأة بالبكاء وأثار شجارًا بشأن هذا الأمر؟

رغم كرهها لذلك، لم تجد خيارًا سوى الردّ: "ما الذي يمكن لصبيين صغيرين مثلكما أن يعرفاه؟ لا أرى أي جدوى من مواصلة هذه المحادثة."

ثم استدارت سيلفييت على الفور وغادرت المكان.

وعندما التفت بوريس إلى لانزي، ابتسم لانزي ابتسامة محرجة.

كانت هذه أول مرة يرى بوريس ذلك التعبير على وجهه، تمامًا مثل الضوء الذي ظهر في عينيه والذي أثار دهشة بوريس في وقت سابق.

"أعتذر. لم أتمكن من إحضار النبيذ بعد. هل ستدخل على أي حال؟"

لكن بوريس لم يرد، بدلاً من ذلك، حدق بصمت إلى لانزي وهو يتساءل لماذا فعل ذلك للتو.

كانت سيلفييت قريبة للعائلة التي اضطر بوريس للتظاهر بأنه جزء منها، ولو بشكل مؤقت ، لن يجني أي خير من إغضابها.

ولم يفكر أبدًا في الدفاع عن لانزي بهذه الطريقة من قبل.

بعد كل شيء، حتى بعد محادثتهما السابقة، كانا لا يزالان مجرد شخصين يتعاملان بحذر وحساسية تجاه بعضهما البعض ، لم يكونا صديقين... أليسا كذلك؟

"أعتذر لجعلك تقوم بشيء غير مريح"، قال لانزي بعد لحظة.

لم يعد بوريس يرغب في العودة إلى الحفلة، بعد كل شيء، لم يكن من نبلاء أنوماراد، ولم يكن أيضًا ابن عم سيلفييت.

لم يكن خادمًا، لكنه أيضًا لم يكن يملك شيئًا باسمه، كيف كان يختلف عن لانزي إذن؟

شعر بالإحباط قليلاً وهو يفكر في مدى جرأته المتهورة رغم أنه كان بلا شيء يُذكر.

"لا بأس، بدلاً من ذلك، هل يمكنني أن أطلب منك شيئًا؟"

ربما لأنه قد اعتذر للتو، بدا لانزي أكثر طاعة من المعتاد وهو يردّ: "ليس عليك أن تطلب، يمكنك أن تأمر فقط."

"أريد أن أزور لانزيمي."

عندها فقط فهم لانزي لماذا 'طلب' بوريس بدلاً من 'الأمر'، خفض عينيه للحظة قبل أن يجيب: "حسنًا."

◇ ◇ ◇

كانت الزيارة الأولى لبوريس إلى لانزيمي قد حدثت في وضح النهار، لكنها الآن كانت في الليل.

الفتاة الهشة التي كانت تجلس بجانب النافذة المضاءة بالشمس لم تكن موجودة هناك.

أو بالأحرى، اعتقد بوريس أنها لم تكن موجودة، كان هناك ضوء خافت يسطع بهدوء في زاوية الغرفة المظلمة حيث كان السرير.

رفع لانزي مصباحه عاليًا لينثر نوره في أنحاء الغرفة، ربما تركت إحدى الخادمات مصباحًا على الطاولة الجانبية بجانب السرير عن طريق الخطأ.

كان ذلك خطيرًا، خاصة لأن لانزمي لم تكن تستطيع التحرك بحرية.

وكان ذلك خطرًا على الجميع في القلعة أيضًا، إذ يمكن أن يتسبب في حريق.

اقترب لانزي بضع خطوات نحو السرير، لكنه توقف فجأة وتراجع.

كان هناك شخص غريب يقف بجانب السرير. ما فعله لانزي بعد ذلك فاجأ بوريس. ألقى المصباح جانبًا واندفع نحو الغريب.

لم يكن يحمل أي سلاح، لكنه لم يتردد ولو للحظة في خطواته، لم يرَ بوريس قط لانزي يتحرك بهذه السرعة من قبل.

لكن الشخص وقف منتصبًا قبل أن يتمكن لانزي من تطويق رقبته بيديه وخنقه ، كان رجلاً بالغًا، وطويلًا جدًا في ذلك.

"شش! لا تُحدث ضجيجًا، هذه لحظة صمت."

عرف بوريس هذا الصوت... 'لماذا السيد وَلنيت هنا؟'

رفع وَلنيت لانزي ووضعه برفق على الأرض، لكن لانزي بقي حذرًا وهو يحدق في الرجل.

صوته كان متوترًا حين سأل: "لماذا أنت هنا؟ كيف دخلت هنا أصلاً؟ هذا ليس مكانًا يستطيع أي شخص الدخول إليه كيفما يشاء."

"شش. اهدأ، أنا لم آتِ لفعل شيء سيئ، لذا ابقَ هادئًا."

لكن لانزي لم يكن من النوع الذي يثق بالآخرين بهذه السهولة، دفع ولنت بكتفه وتوجه نحو السرير.

كان بوريس، الذي راقب المشهد بأكمله، قد التقط المصباح الذي وضعه لانزي واقترب منهما.

عندها فقط أدرك الحقيقة، الضوء الخافت الذي رآه سابقًا لم يكن من مصباح.

كانت لانزيمي مستلقية بعمق على وسائدها، وكان ضوء غامض يدور حول وجهها.

جعلها الضوء تبدو أكثر شحوبًا من المعتاد، ولكن عند التدقيق، لاحظ بوريس أن بشرتها التي كانت شاحبة سابقًا أصبحت مفعمة بحمرة الحياة.

"لانزيمي... لانزيمي؟"

لانزي لم يكن لديه أدنى فكرة عما كان يحدث لشقيقته.

نظر إلى وَلنيت بغضب، وكأنه يطالبه بتفسير، لكن وَلنيت لم يُجب.

وبدلاً من ذلك، اقترب مجددًا من السرير، جثا على ركبتيه، أسند مرفقيه إلى حافة السرير، وأغمض عينيه كما لو كان يدعو.

جمع يديه ليشكّل بهما مثلثًا صغيرًا.

وبعد لحظة، بدأت كلمات غامضة غير مفهومة تنساب من شفتي وَلنيت.

فتح كفيه، مدّهما إلى الأمام، وضع إحداهما خلف الأخرى، ثم أعادهما إلى وضعية المثلث الأولى.

في تلك اللحظة، بدأت مصاريع النافذة تهتز برفق.

حينها فقط أدرك بوريس أن النافذة كانت مفتوحة، رغم أن الليل كان قد أرخى سدوله.

كان ضوء البدر يتسلل عبر الغرفة، مشكّلًا ظلالًا متراقصة على الجدران.

{هل ستبقين فتاة صغيرة إلى الأبد؟}

{أم ضوء القمر تطرق على بابكِ.}

{أيتها الروح البكماء، هل ستبقين فتاة صغيرة إلى ى الأبد؟}

كانت الجملة الأخيرة التي قالها وَلنيت تنضح بالغموض، وكأنها تصدر من عدة أشخاص في الوقت نفسه.

كان صوتها أشبه بصوت الأرغن الأنبوبي، فتح بوريس عينيه على اتساعهما.

كان يظن أن السيد وَلنيت مجرد سياف... سياف بارع بشكل استثنائي ، من كان يعتقد أن معلمه يتقن السحر أيضًا؟

بدأت المصاريع تهتز بشدة تحت تأثير الرياح،وبدأ جسد لانزيمي بالكامل يشع بضوء أزرق عندما وضع وَلنيت إحدى يديه الكبيرتين على جبين الفتاة المتوهج.

كاد لانزي أن يشك في أذنيه عندما سمع ما حدث بعد ذلك.

"أخي... الأكبر...؟"

هل سمع حقًا صوت أخته الصغيرة المحبوبة الآن؟

ارتعشت أكتاف لانزي،فقد كانت منغلقة على نفسها لفترة طويلة، أشبه بقوقعة فارغة بلا روح.

كان صوتها مترددًا، كأنه صوت روح جريحة وجدت طريقها إلى المنزل أخيرًا، لكنه كان الصوت نفسه الذي يتذكره تمامًا...

"لانزيمي!"

تراجع وَلنيت جانبًا ليتيح للانزي الفرصة لاحتضان شقيقته الصغرى بقوة.

كانت عينا لانزمي لا تزالان مغلقتين، لكن شفتيها كانتا مفتوحتين قليلاً و ترتجفان.

هل كانت تشعر بالصدمة بعد أن استعادة صوتها أخيرًا؟

شعر بوريس بوخزة من ولنت في جانبه.

أعتقد أن وَلنيت كان يقترح عليهما المغادرة ليترك الأخوين لبعض الوقت معًا، لكن من الواضح أن المنطق العادي لم ينطبق يومًا على وَلنيت، ولم يكن ينطبق عليه الآن.

"إذًا؟ ما قولك؟ أنت تلميذي من المفترض أن تبدو مذهولًا بعد ما فعلته، هيا، امتدحني."

ظل بوريس مصعوقًا من غرابة ما قاله وَلنيت للتو.

وفي الوقت نفسه، كان لانزي ينتظر بصمتٍ شديد سماع صوت لانزيمي مجددًا، لم يحرك إصبعًا، خشية أن يفوّت سماع صوتها.

ثم قال وَلنيت له: "أختك بخير الآن، لن تتمكن من قول الكثير في هذه اللحظة، لكن امنحها الوقت، وستتمكن قريبًا من إجراء محادثة كاملة يومًا ما."

"كيف تعرف ذلك؟" سأل بوريس معلمه.

"هل تعرف السحر أيضًا؟"

أخيرًا، جلس لانزي واستدار لينظر إلى وَلنيت ،كان لا يزال ممسكًا بشدة بيد لانزيمي.

"شكرًا لك، لكن أرجو أن تخبرني بالضبط ماذا فعلت لها، لم تنطق لانزمي كلمة واحدة منذ ما حدث لها وهي في السابعة، لا يسعني إلا القلق من أنها قد تعاني آثارًا جانبية بسبب ما حدث الآن."

"لا داعي للقلق، كل ما فعلته هو أنني شاركتها بعض الكلمات مباشرة مع قلبها، إنها فتاة طيبة تهتم بأخيها الكبير كثيرًا، ستعود إلى طبيعتها تمامًا عندما تصل إلى مرحلة البلوغ طالما هناك من يعتني بها كما تفعل الآن."

ترك لانزي يد لانزيمي ونهض على قدميه.، تقدم خطوة واحدة نحو وَلنيت ، ثم انحنى بعمق.

"إذا كان ذلك صحيحًا، فلن أنسى هذا الدين ما دمت حيًا، وسأبذل قصارى جهدي لسداده."

رد وَلنيت بصوت بدا عليه الرضا: "يبدو الأمر وكأن أحدًا سيموت إذا كنت أكذب."

رفع لانزي رأسه، كانت هناك ابتسامة طفيفة ترتسم على ملامحه.

"ربما."

عاد الثلاثة إلى جانب لانزيمي، كانت عيناها مفتوحتين الآن، كان الجميع سعيدين برؤيتها.

كان هناك الكثير مما أراد بوريس ولانزي معرفته، لكنهما لم يطرحا أسئلتهما بصوت عالٍ، ليكونا على استعداد للرد في أي لحظة إذا منحتهم الفتاة الصغيرة شرف سماع صوتها الرقيق مجددًا.

شعر بوريس أن شيئًا ما بداخله بدأ يدفأ،كان الظلام هنا دافئًا للغاية.

قرر أنه يفضل هذا الصمت الهادئ هنا على الحفلة التي تجري في الأسفل، والتي لم يكن يناسبه حضورها حقًا.

2025/01/16 · 57 مشاهدة · 1713 كلمة
Nouf
نادي الروايات - 2025